التمييز بين الإجرام المنظم والجريمة الدولية
التمييز بين الإجرام المنظم والجريمة الدولية :
الجريمة المنظمة و الجريمة الدولية مصطلحين تداولا كثيرا على الساحة
الدولية وشغلا إهتمام الكثير من أعضاء المجتمع الدولي للتشابه القائم بينهما خاصة
عندما يتعلق الأمر بالإجرام العابر للأوطان، لذلك إستلزمت الدراسة تحديد أوجه
التشابه والإختلاف والعلاقة بينهما.
1- من حيث مفهوم الجريمة الدولية والجريمة المنظمة :
تعرف الجريمة الدولية بأنها كل فعل غير مشروع يصدر عن فرد بإسم ينطوي حول
المساس بمصلحة دولية محمية قانونيا، وتعرف كذلك بأنها ذلك الفعل الذي يرتكب إخلالا
بقواعد القانون الدولي، ويعرفها الدكتور عبد الله سليمان بأنها : " ذلك الفعل
أو الإمتناع عن عمل يصيب المصالح الدولية أو الإنسانية الكبرى يمنعه العرف الدولي
ويرتب عليه جزاء بإسم المجموعة الدولية "
يعرفها أيضا لومبز Lombois بأنها : " عدوان على مصلحة أساسية للمجتمع
الدولي تحظى بحماية النظام القانوني الدولي من خلال ما يسمى بقواعد القانون الدولي
الجنائي "
أضف إلى ذلك عرفها البعض بأنها :" سلوك إرادي
غير مشروع يصدر عن فرد باسم دولة أو بتشجيع منها ويكون منطويا على مساس بمصلحة
دولية محمية قانونا ".
أما الفقيه جلاسير Glasser
يعرفها بأنها : " الفعل الذي يرتكب إخلالا بقواعد القانون الدولي العام ويكون
ضارا بالمصالح التي يحميها هذا القانون مع الإعتراف لهذا الفعل بصفة الجريمة
واستحقاق فاعله العقاب ".
فالجريمة الدولية هي تلك الجريمة التي تقترفها دولة
معينة في حق دولة أخرى أو بتحريض منها، أو بتسهيل لإرتكابها أو التشجيع على ذلك،
وتمثل إعتداء على حق يحميه القانون الدولي الجنائي، تخضع الجريمة الدولية للنظام
الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الذي ينص من خلال أحكامها على أحكام الشرعية
والتي أساسها عدم جواز المحاكمة على جريمة واحدة مرتين، لا جريمة ولا عقوبة إلا
بنص، وتضمن أيضا في المادة 24 منه على مبدأ عدم رجعية القوانين.
عرفت الفقرة (أ) من المادة الثانية من اتفاقية الأمم
المتحدة للجريمة المنظمة العابرة للأوطان بأنها : " جماعة ذات هيكل تنظيمي،
مؤلفة من ثلاثة أشخاص أو أكثر، موجودة لفترة من الزمن وتعمل بصورة متضافرة بهدف
ارتكاب واحدة أو أكثر من الجرائم الخطيرة أو الأفعال المجرمة وفقا لهذه الاتفاقية،
من أجل الحصول، بشكل مباشر أو غير مباشر على منفعة مالية أو مادية أخرى ".
فالإجرام المنظم يعبر عن نمط من الأنماط المستحدثة من
الجرائم التي شغلت اهتمام الكثير من الساسة الدوليين وعلماء الإجرام في العصر
الحديث، لخطورته والتهديدات التي يشكلها على أمن الإنسان والمجتمعات، بالإضافة إلى
تأقلمه مع جميع المستجدات التي تحدث في الميدان العلمي والسياسي والإقتصادي، جانب
ذلك فالإجرام المنظم بالرغم من قدم نشأته إلا أنه تطور بسرعة بل بشكل ملحوظ فاق في
نموه سرعة إستحداث القوانين والإجراءات الميدانية لمواجهته.
2- ضابط التمييز بين الإجرام المنظم والإجرام الدولي :
من خلال تعريف الجريمة الدولية والجريمة المنظمة (
الإجرام المنظم ) يتضح جليا أن هناك أوجه للتشابه بينهما وأيضا إختلاف بين النوعين
من الإجرام، حيث يظهر كما يلي :
التشابه بين الجريمة الدولية والجريمة المنظمة :
- توفر العنصر الدولي بحيث تعبر الجريمة المنظمة
والجريمة الدولية الحدود الإقليمية للدولة الواحدة.
- إختلاف جنسية الجناة، كلا الجريمتين تعتمد على جناة
من جنسيات مختلفة سواء على مستوى التنظيم الإجرامي أو على مستوى الجريمة الدولية،
بحيث يشترك فيها أشخاص من مختلف الجنسيات.
- كلاهما يهددان السلم والأمن الدوليين.
- إرتكاب الفعل المادي يكون بواسطة مجرمين محترفين سواء
بالنسبة للجريمة المنظمة أو الجريمة الدولية.
- قيام المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية في كلتا الجريمتين، فالجريمة المنظمة تقوم بها
تنظيمات إجرامية لها نفوذها وقوتها بواسطة ما تملكه من أموال وكذلك عن طريق
التخطيط المحكم لعمليات ومشاريعها الصورية التي تؤثر بها على الحياة الاقتصادية،
جانب ذلك تملك الثورة التي تمكنها من نشر الفساد في وسط الوظائف العامة، وكذلك
الجريمة الدولية حيث تلعب الدولة ومؤسساتها دورا كبيرا في التحريض على الجريمة
وعلى إرتكابها من بينها جرائم الإبادة الجماعية ونقل أطفال جماعة عنوة إلى جماعة
أخرى، بالإضافة إلى فرض تدابير تمنع الإنجاب داخل جماعة معينة وغيرها من الجرائم
التي تكون الدولة متورطة فيها.
ب - أوجه الإختلاف بين الجريمة الدولية والجريمة المنظمة :
الجريمة المنظمة جريمة داخلية بالرغم من أنها عابرة
للحدود الوطنية من حيث نشاطها تنص عليها التشريعات الداخلية وتحدد عناصرها والجزاء
المترتب عن مخالفة التشريع الخاص بكل دولة، وبالتالي فالإجرام المنظم متعدد ومتشعب
ومستحدث يواكب مختلف التطورات الحديثة خاصة في المجال التكنولوجي، فإهتمام علماء
الإجرام اليوم منصب على جرائم الإنترنت والإتجار بالأعضاء البشرية وبالبشر منها
بيع الأطفال والأجنة وغيرها من الصور الإجرامية المستحدثة في هذا الإطار.
بينما الجريمة الدولية وإن كانت تعتمد على مجرمين
محترفين لكن يغلب عليها الطابع الدولي في نشاطها، فمجمل الأفعال التي ترتكب في هذا
الإطار محددة في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في نص المادة الخامسة
وهي :
1- جرائم
الإبادة الجماعية التي يندرج ضمنها قتل أفراد جماعة معينة، إلحاق ضرر جسدي أو عقلي
بأفراد الجماعة، إخضاع الجماعة لأوضاع معيشية بقصد الإهلاك الفعلي الكلي أو
الجزئي، لدينا كذلك فرض تدابير تستهدف منع الإنجاب داخل الجماعة ونقل أطفال
الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى.
2- جرائم ضد الإنسانية، مثل الهجوم المنظم على نطاق واسع
ضد جماعة من المدنيين كالقتل العمدي والإبادة والاسترقاق وإبعاد السكان والتهجير
القسري، السجن والتعذيب والإغتصاب ... إلخ
3- جرائم الحرب
4- جرائم العدوان
ج - يمكن تحديد وحصر الجرائم الدولية لكن لا يمكن حصر وتعداد الجرائم المنظمة، لأنها تختلف
بإختلاف الزمان والمكان وكذلك تواكب وتتطور بإستمرار و بسرعة مع مختلف المستجدات
التي تحدث في مجمل ميادين الحياة.
د - تختص بالنظر في الجرائم الدولية المحكمة الجنائية
الدولية التي أنشأت سنة 1998 بينما تحال الجرائم المنظمة إلى إختصاص المحاكم
الداخلية للدولة.