نظام وقف التنفيذ المقترن مع العمل للنفع العام
تقديم:
لقد أجاز المشرع الفرنسي للقاضي بأن يحكم بعقوبة موقوفة النفاذ على المتهم
مع إلزامه بأداء عمل أو خدمة لصالح المجتمع لدى أي شخص معنوي أو جمعية تمارس نشاط خدماتي
للمجتمع، وهو ما أدرجه المشرع في نص المادة 132-49 من قانون العقوبات الفرنسي،
وسوف نتناول من خلال هذا الموضوع ضوابط تطبيق هذا النظام في نقطة أولى ثم آثاره
على المحكوم عليه في كل الحالات في نقطة ثانية.
أولا: شروط تطبيق نظام وقف التنفيذ مع الإلتزام بالعمل للمنفعة العامة
حتى يستفيد المتهم من نظام وقف التنفيذ مع الخضوع لإلتزام العمل للمنفعة
العامة لابد من توافر ضوابط جزء منها له علاقة بالمحكوم عليه وجزء آخر له علاقة
بالتجريم والعقاب وهو ما سوف نوضحه أدناه.
1/ الضوابط المرتبطة بالمحكوم عليه
كما هو الحال بنظام وقف التنفيذ مع الوضع تحت الإختبار، فإن المحكوم عليه
يستفيد من هذا النظام حتى ولو كان معتاد الإجرام، أي بالضرورة قد لا يكون مبدئيا،
وهذا طبعا على خلاف نظام وقف التنفيذ البسيط، لكن المشرع الفرنسي إستلزم شرطا خاصا
وهو إمكانية النطق بهذا النظام إذا رفضه المتهم أو كان غير موجود بتاريخ النطق
بالحكم.
كما يشترط أن يكون المحكوم عليه شخصا طبيعيا بالغا من العمر 16 سنة فما
أكثر، أي يستثنى من ذلك الشخص المعنوي، وهذا شئ منطقي على أساس أن هذه العقوبة هي
بديل لعقوبة الحبس قصير المدة، والحبس لا يكون إلا للشخص الطبيعي.
2/ الضوابط المتعلقة بالتجريم والعقاب
حتى يمكن للقاضي إعمال نظام وقف التنفيذ
مع الالتزام بالعمل للمنفعة العامة لابد أن تكون الجريمة محل المتابعة من
جرائم القانون لعام باستثناء المخالفات، كما تستثنى الجرائم السياسية والعسكرية
وأن تكون العقوبة المقررة 6 أشهر فما فوق، أي تستثنى الجرائم إلى عقوبتها أقل من
ذلك، وكذا الجنايات إذا خفضت عقوبة هذه الأخيرة إلى 5 سنوات.
ولكن تجدر الإشارة و أن المحكمة عند نطقها بهذه العقوبة لا يمكن أن تجزئها
كما هو الحال مع وقف التنفيذ البسيط ووقف التنفيذ مع الوضع تحت الاختبار،وعليها أن
تحدد مدة العمل ما بين 40 ساعة و 240 ساعة وفي أجل يتراوح بين 6 أشهر و 18 شهر،
بالإضافة إلى التدابير المحددة بالمادة 132-45 والمادة 132-55 من قانون عقوبات،
والمتمثلة في الاستجابة لاستدعاءات قاضي تطبيق العقوبات وعون مؤسسة الاختبار،
وضرورة الحصول على الإذن عند تغيير محل
الإقامة، والالتزام بالفحوصات الطبية المطلوبة، وغير ذلك من الالتزامات.
ثانيا: آثار وقف التنفيذ مع الالتزام بالعمل للمنفعة العامة
يختلف مركز المحكوم عليه بحسب وضعه مع العمل للنفع العام، وكذلك فوات المدة
المقررة لذلك، فإن استجاب لما هو مقرر له كان الحكم كأن لم يكن وإن انقضت فترة وقف
التنفيذ دون نجاح تطبق العقوبة الصادرة في حقه.
1/ مركز المحكوم عليه خلال فترة وقف التنفيذ
على المحكوم عليه أن يختار فترة الاختبار التي يتم من خلالها تنفيذ العمل
للنفع العام، وهي محددة بـ 18 شهر كحد أقصى، ويكون من غير الممكن تنفيذ عقوبة
الحبس المحكوم بها ما عدا عقوبات الغرامة وأيام الغرامة والتعويضات المدنية.
ويدخل ضمن الالتزامات التي تقع على المحكوم عليه هو الالتزام بالعمل
للمنفعة العامة لدى أي شخص من أشخاص القانون العام أو جمعية مؤهلة لتنفيذ الأعمال
ذات المنفعة لعامة، ويكون محدد بنص المادة 131-22 من قانون العقوبات الفرنسي ما
بين 40 و 240 ساعة خلال مدة 18 شهر على أكثر تقدير.
وعند إنهاء المدة المقررة بحكم المحكمة ينتهي بالتبعية لذلك العمل المسند
للمحكوم عليه تحت رقابة قاضي تطبيق العقوبات، ولكن قد ينتهي العمل دون أن تنتهي
المدة المحددة من طرف القاضي.
كما قد يلتزم المحكوم عليه خلال فترة الإختبار بتدابير الرقابة المقررة
بقوة القانون ومن بينها الإستجابة لإستدعاءات قاضي تطبيق العقوبات ومأمور الإختبار
المعين، وضرورة تبليغهما عن أي تغيير لعنوان الإقامة، والخضوع للفحص الطبي وغيرها.
2/ مركز المحكوم عليه بعد إنتهاء فترة وقف التنفيذ
بمجرد أن تنتهي الفترة المحددة من طرف قاضي الحكم يخضع العمل الذي قام به
المحكوم عليه للتقييم من طرف قاضي تطبيق العقوبات و المأمور المعين، وإذا نجح في
الاختبار يعتبر الحكم كأن لم يكن، ويترتب نفس الأثر حتى ولو لم تنته المدة التي
حددتها المحكمة طالما كان المحكوم عليه قد تقيد بكافة الإلتزامات الملقاة على
عاتقه، وهذا ما حددته المادة 132-54 من قانون العقوبات الفرنسي.
ويمتد هذا الأثر نحو الأحكام السابقة المشمولة بوقف التنفيذ سواء كان وقف
تنفيذ بسيط أو مقترن بالوضع تحت الإختبار أو العمل للنفع العام، وهذا الحكم ورد في
قضاء محكمة النقض الفرنسية رغم عدم وجود نص يشابه نص 132-53 من قانون العقوبات
المتعلق بوقف التنفيذ مع الوضع تحت الإختبار.
لكن عند خرق المحكوم عليه الالتزامات الملقاة على عاتقه يتم وقف تنفيذ
العمل للنفع العام، كما قد لا يتم اللجوء إلى ذلك وإنما يأمر قاضي تنفيذ العقوبات
بتعديل الإلتزام أو تغييره بحسب الحالة والوضع الذي يكون فيه المحكوم عليه، كما
يمكن أن يأمر بتوقيف المحكوم عليه مؤقتا وإخبار المحكمة بذلك طبقا لنص المادة
741-20 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي، لكن يجب الإشارة وأن إلغاء وقف
التنفيذ لا يكون إلا من طرف المحكمة المختصة التي يمكنها أن توقفه كليا أو جزئيا.
الخاتمة:
لقد ساهم نظام وقف التنفيذ المعاصر، أي المقترن بالوضع تحت الإختبار أو مع
العمل للنفع العام في التخفيف من مخاطر النظام الجنائي التقليدي الذي يجعل من
عقوبة الحبس أساسا له، فالسياسة الجنائية الحديثة تسير نحو عقلنة العقوبة بمحاولة
إستبعادها كلية أو إستبدالها بعقوبة بديلة تحقق أغراضها دون أن تضر لا بمصالح
المجتمع ولا بالفرد المحكوم عليه.
ويعد نظام وقف التنفيذ في شكله التقليدي والحديث أحد أهم الأساليب المتخذة
في الحد من العقاب، كما يساهم – بلا شك – في تحقيق الرد العام و الخاص، طالما أن
إجراءات المتابعة تمت حياله في وقتها، وأن المحكوم عليه أدى ما عليه في مواجهة
المجتمع من عمل أثر بشكل مباشر وغير مباشر على حياته الأسرية والإجتماعية والشخصية دون أن ننسى وأن وضع المحكوم عليه تحت الإختبار
إنما دليل على إهتمام السياسة الجنائية المعاصرة بالشخص المحكوم عليه وتأهيله
وإصلاحه.
المرجع:
- عبد الرحمان خلفي، محاضرات في القانون الجنائي العام، دراسة مقارنة، دار الهدى، الجزائر، سنة 2013، ص 223 إلى ص 227.