محاضرة حول نظام وقف التنفيذ المقترن مع الوضع تحت الاختبار
نظام وقف التنفيذ المقترن مع الوضع تحت الاختبار
تقديم :
يعد نظام وقف التنفيذ واحدا من أهم وأنجع بدائل عقوبة الحبس قصير المدة،
ويكون أحسن حالا في شكله الحديث المقترن بإخضاع المحكوم عليه لفترة اختبار، أو
لقيامه بعمل لصالح النفع العام.
بمعنى آخر يمكن تعليق تنفيذ عقوبة الحبس بفرض التزامات أو وضع قيود يحددها
القاضي في منطوق حكمه، ويلتزم بها المحكوم عليه، وتعد هذه الالتزامات بمثابة
تهديدات باستخدام العقوبة في حالة عدم التقيد بها تؤتي أكلها مع بعض المحكوم عليهم
أحسن من عقوبة الحبس ذاتها.نحاول أن نتطرق أولا إلى نظام وقف التنفيذ مع الوضع تحت
الإختبار الذي لا يختلف مع وقف التنفيذ البسيط إلا في كون الأول يحمل إلتزامات
إضافية للمستفيد منه وهو الوضع تحت الإختبار، وذلك يتم في إطار السلطة التقديرية
للمحكمة، ونترك النظام الثاني إلى محاضرة مستقلة، كل ذلك في التشريع الفرنسي على
اعتبار أن قانون العقوبات الجزائري لا يتضمن هذا النظام الجديد.
ونتناول في هذه المحاضرة شروط تطبيق نظام وقف التنفيذ مع الوضع تحت
الإختبار في نقطة أولى، ثم بيان آثار هذا النظام في نقطة ثانية.
أولا : شروط وقف التنفيذ مع الوضع تحت الإختبار :
يهدف نظام وقف التنفيذ إلى تأهيل المحكوم عليه عن طريق تجنيبه تنفيذ
العقوبة في المؤسسة العقابية، كما يتصف نظام وقف التنفيذ المقترن مع الوضع تحت
الإختبار بإخضاع المحكوم عليه للإشراف والمساعدة.
وبذلك يعرفه الفقه بأنه " تقييد حرية المحكوم عليه بدلا من سلبها
كوسيلة لإصلاحه، وذلك بأن يصدر الحكم بالإدانة مع وقف تنفيذ العقوبة تحت الإختبار
من أجل تنفيذ شروط والتزامات تفرضها عليه المحكمة من خلال مدة زمنية "
من خلال هذا التعريف نيتنتج أن هذا النظام له ضوابط والتزامات يتطلب الوقوف
عندها نظرا لأهميتها في وضع حدود ومعالم هذا النظام،
1/ الضوابط المتعلقة بالمحكوم عليه :
لا يطبق وقف التنفيذ مع الوضع تحت الإختبار إلا على الشخص الطبيعي، وهو
الحال في قانون العقوبات الفرنسي بنص المادة 132-40، وهو بذلك يختلف عن نظام وقف
التنفيذ البسيط الذي يطبق على الشخص المعنوي مثلما يطبق على الشخص الطبيعي.
ويبدو أن هذا الأمر مقبول منطقيا على أساس أن الالتزامات المفروضة على هذا
النظام يصعب تطبيقها على الشخص المعنوي مثل التدابير المادية التي تهدف إلى إعادة
تأهيل المدان إجتماعيا، أو خضوع المحكوم عليه لتدابير الوقاية والعلاج والعناية،
أو عدم التردد على أماكن محددة، أو عدم مخالطة بعض المحكوم عليهم.
وفي هذه الحالة لا يشترط أن يكون المدان مبتدئا، إذا يمكن الإستفادة من هذا
النظام حتى ولو كان قد سبق له إرتكاب نفس الجريمة، وهذا كذلك ما يميزه عن نظام وقف
التنفيذ البسيط.
ويشترط قانون العقوبات الفرنسي في نص المادة 132-40 ضرورة تنبيه المحكوم
عليه إذا كان حاضرا بالنتائج التي قد تنجم عند إرتكابه جريمة جديدة خلال فترة وقف
التنفيذ، كما يتم تنبيهه بالعواقب التي قد تترتب عند مخالفته للإلتزامات المفروضة
عليه والتي هي محل الإختبار القضائي.
وتجدر الإشارة وأنه في غياب المحكوم عليه أثناء النطق بالحكم لا يلتزم
القاضي بالتنبيه بالعواقب، وقضت بذلك محكمة النقض الفرنسية فقررت أن تخلف هذا
الإنذار لا يترتب عليه البطلان.
2/ الضوابط المتعلقة بالجريمة والعقوبة :
ليست كل الجرائم يمكن أن تكون محل تطبيق نظام وقف التنفيذ مع الوضع تحت
الإختبار، بل فقط الجنايات والجنح المنصوص عليها في القانون العام، على ألا تزيد
عقوبتها عن 5 سنوات.
وتبعا لذلك تستبعد المخالفات المنصوص عليها في القانون العام، كما تستبعد
الجرائم السياسية ،وهو ما قضى به في فرنسا " ... يستوجب النقض القرار الذي
أعلن مسؤولية المتهم عن جريمة إنتخابية – جريمة سياسية – ثم قضى عليه بعقوبة الحبس
مع وقف التنفيذ المقترن بالوضع تحت الإختبار.
ثانيا : آثار وقف التنفيذ مع الوضع تحت الإختبار :
إذا تقيد المحكوم عليه بالإلتزامات المفروضة عليه خلال فترة الإختبار فيكون
جزاءه اعتبار الحكم كأن لم يكن، أما في حالة الإخلال فتترتب نتائج في غير صالح
المحكوم عليه، ولذلك نحاول أن نتطرق إلى وضع المحكوم عليه خلال فترة الإختبار
وبعدها.
1/ وضع المحكوم عليه خلال فترة الإختبار :
تبقى مدة الحبس المحكوم بها معلقة طوال فترة الإختبار، ويمنع تنفيذها طالما
تقيد بالإلتزامات الملقاة على عاتقه، ويختلف الأمر بين وقف التنفيذ الكلي الذي لا
يمكن من خلاله تنفيذ عقوبة الحبس كليا، وبين وقف التنفيذ الجزئي الذي يوجب التنفيذ
الجزئي والإمتناع عن تنفيذ الجزء الباقي.
ويخضع المحكوم عليه إلى جملة من التدابير و الإلتزامات التي يبقى عليه
التقيد بها وهي على النحو التالي :
أولا : التدابير المحكوم بها إما تدابير مراقبة
طبقا لنص المادة 132-44 أو تدابير مساعدة طبقا للمادة 132-46 من قانون العقوبات
الفرنسي.
أما تدابير المراقبة فتتمثل في مايلي :
- الاستجابة لاستدعاءات قاضي تطبيق العقوبات أو عون الإختبار المعني.
- إخطار عون الإختبار بتغيير محل الإقامة أو أي تنقل.
- ضرورة الحصول على الإذن بالتنقل.
- أما تدابير المساعدة فتتمثل في تلك التدابير المادية التي تهدف إلى إعادة
تأهيل المحكوم عليه إجنماعيا دون أن يتم تحديدها.
ثانيا : الالتزامات المحكوم بها هي إما إلتزامات
إيجابية أو إلتزامات سلبية :
فأما الإلتزامات الإيجابية فتتمثل فيما يلي :
- الخضوع لتدابير العلاج والعناية
- الإقامة في مكان معين
- المساهمة المالية المتعلقة بالتكاليف العائلية.
- تعويض ضحايا الجريمة تلقى تعليم معين أو نشاط مهني
أما الإلتزامات السلبية فتتمثل فيما يلي :
- عدم الذهاب إلى أماكن محددة كالحانات والقمار
- عدم حمل السلاح
- عدم ممارسة نشاط مهني معين
- عدم قيادة السيارة
وإن عدم تقيد المحكوم عليه بهذه التدابير أو الإلتزامات يؤدي حتما إلى فشل
الإختبار، وبالتبعية لذلك جعل عقوبة الحبس الموقوفة نافذة.
2/ وضع المحكوم عليه بعد إنقضاء فترة الإختبار :
بمجرد أن تنقضي فترة التجربة دون أن يتم إلغاء وقف التنفيذ يعد الحكم كأن
لم يكن، ولكن لا يشترط دائما إنتهاء الفترة المحددة من طرف المحكمة بين 18 شهر إلى
3 سنوات، بل يمكن أن يعد الحكم كأن لم يكن رغم عدم انتهاء فترة التجربة إذا نفذ
المحكوم عليه كل الإلتزامات المفروضة عليه، وأن تمر سنة كاملة من تاريخ صدور الحكم
وجعله نهائيا وليس من تاريخ بداية الإختبار.ويعد الحكم كأن لم يكن حتى بالنسبة
للأحكام السابقة المشمولة بوقف التنفيذ البسيط أو مع الوضع تحت الإختبار، وهذا ما
ورد في نص المادة 133-53 من قانون العقوبات.
ويعد من قبيل الالتزامات الواجب القيام بها الغرامة التي تقدم للدولة
والتعويضات المدنية التي تقدم للضحية، وتبعا لذلك ضروري أن يلتزم بها المحكوم عليه
حتى يستفيد من إعتبار الحكم كأن لم يكن.
وبالمقابل إذا لم يلتزم المحكوم عليه بالإلتزامات الملقاة على عاتقه ولم
يراع تدابير المراقبة، أو إذا إرتكب جناية أو جنحة خلال فترة التجربة فإنه يتم
إلغاء وقف التنفيذ، ويتم تنفيذ العقوبة المحكوم بها مما يفيد عودة القوة التنفيذية
للحكم.