التنفيذ العيني للالتزام (م : 164 إلى 175 مدني)
تمهيد:
يقتضي
الكلام عن التنفيذ العيني، بيان مفهومه وشروط اللجوء إليه والموضوع الذي يرد عليه
ثم بيان الوسائل التي تحققه.
المبحث الأول: شروط التنفيذ العيني
قبل
الكلام عن الشروط يجب بداية معرفة التنفيذ العيني، فالتنفيذ العيني عموما هو أن
يقوم المدين بتنفيذ عين ما التزم به، سواء كان ما تعهد به عملا أو امتناعا عنه أو
إعطاء شيء، من ذلك أن ينقل البائع إلى المشتري ملكية العين المبيعة، أو ينجز
المقاول البناء الذي تعاقد عليه..
وبحسب
نص م: 164 مدني، فالأصل العام أن يتولى المدين تنفيذ التزامه حرا مختارا بمجرد أن
يطلبه الدائن طالما أن ذلك التنفيذ العيني ممكنا أما إن أبى المدين تنفيذ التزامه
طوعا فما على الدائن حينها، بعد أعذاره، إلا جبره على التنفيذ العيني، وعليه يشترط
للتنفيذ العيني الإمكان والاعذار.
المطلب الأول: أن يكون التنفيذ العيني ممكنا
ويقصد
بهذا الشرط أن لا يكون تنفيذ الالتزام مستحيلا أو غير مجد إما بسبب أجنبي أو خطأ
المدين، ففي الحالة الأولى ينقضي الالتزام، أما في الثانية فلا مناص من التعويض
ومثال ذلك أن يتولى البائع بيع ذات الشيء إلى مشتري ثان وتنتقل الملكية إلى
المشتري الثاني فإن التنفيذ العيني بنقل ملكية المبيع إلى المشترى الأول صار
مستحيلا، فيجب لأجل ذلك التعويض، ويصبح التنفيذ لعيني للالتزام مستحيلا أيضا، ويجب
التعويض، في الحالة التي يكون فيها تدخل المدين في تنفيذ الالتزام ضروريا (كأداء
دور في مسرحية أو رسم لوحة فنية ...) ويمتنع عن ذلك (م : 174 – 175 مدني) على أنه
يلاحظ أحيانا أن تنفيذ الالتزام تنفيذا عينيا يكون بقوة القانون أو بحكم القضاء،
فمثال الحالة انتقال الملكية في الشيء المنقول المعين بذاته، حيث تنتقل الملكية
بمجرد العقد (م: 165 مدني)، ومثال الحالة الثانية ما نصت عليه م: 171 وم 72 مدني،
حيث يقوم حكم القاضي مقام العقد الذي امتنع المدين عن إبرامه.
المطلب الثاني: الإعذار
يقصد
بالإعذار إشعار المدين بوجوب تنفيذ إلتزامه متى حل أجل الوفاء أو التنفيذ، وهذا
حتى لا يفهم المدين من عدم المطالبة بعد حلول الأجل، أن المدين يتسامح في التأخير
في تنفيذ الالتزام، فمتى تم الإعذار وجب على المدين تنفيذ التزامه على الفور وإلا
عد مقصرا.
ويتم
الإعذار عن طريق الإنذار الذي يتولاه المحضر القضائي، أو ما يقوم مقام الإنذار
وذلك كالتنبيه بالوفاء أو التكليف بالحضور، ومع ما ذكر، فإن الطرق السابقة ليست من
النظام، مما يجوز معه الاتفاق على ما يخالفها، وهذا كاعتبار المدين معذرا بمجرد
حلول أجل الوفاء دون أي إجراء آخر.
ومع
ذلك فإنه لا حاجة للإعذار إطلاقا، بحسب نص م : 181 مدني، في حالات هي :
- حالة
ما إذا صار تنفيذ الالتزام مستحيلا أو غير مجد أو بدون فائدة بفعل المدين (وهذا
كرفع استئناف بعد مضي ميعاده)،
- وحالة
ما إذا كان محل الالتزام عبارة عن تعويض ترتب عن عمل ضار في إطار المسؤولية
التقصيرية، وسبب ذلك أن على كل شخص التزام بعدم الإضرار بالغير، وإحداث ذلك يعني
الإخلال بذلك الالتزام مما يعني استحالة تنفيذه، وبالتالي فلا محل للإعذار كما في
الحالة الأولى،
- وحالة
ما إذا كان محل التزام المدين هو رد شيء يعلم المدين أنه مسروق أو غير مستحق،
- وحالة
ما إذا صرح المدين كتابة أنه لا ينوي تنفيذ التزامه، وبهذه الطريقة يكون المدين قد
قطع الشك باليقين، هذا ومما يترتب على الإعذار، أن يصبح المدين مسؤولا عن تعويض
الضرر الناشئ عن التأخير في تنفيذ، وأن تنتقل تبعة هلاك الشيء مثلا إلى المدين
المعذر.
المبحث الثاني: موضوع التنفيذ العيني (م : 165 إلى 173 مدني)
إن
موضوع التنفيذ العيني هو عين محل الالتزام، ومحل الالتزام هو، كما عرفنا، نقل
ملكية شيء أو أي حق عيني آخر، والقيام بعمل والإمتناع عن عمل.
المطلب الأول: التنفيذ العيني في الالتزام بنقل ملكية شيء أو أي حق عيني آخر"أو الالتزام بإعطاء شيء" (م : 165 إلى 167 مدني)
الالتزام
بنقل ملكية شيء كما قد يرد على عقار قد يرد على منقول، وفي كلتا الحالتين إما أن
يكون الشيء معينا بذاته أو بنوعه، وعلى هذا الأساس متى كان الشيء معينا بذاته وكان
منقولا، فإن التنفيذ العيني للالتزام كنقل الملكية يتم بمجرد العقد أما إن تعلق
الأمر بعقار، فلا يتم ذلك التنفيذ إلا بتسجيل العقد بالسجل العقاري أو بإجراء
القيد به بالنسبة لسائر الحقوق العينية التبعية.
أما
في الشيء المعين بنوعه فقط (كمقدار معين من القمح أو الأرز أو رؤوس الماشية أو
مساحة معينة من أرض شاسعة) فلا يتم التنفيذ العيني إلا بالفرز، وهذا مع مراعاة
إجراءات التسجيل أو القيد دائما بالنسبة للعقارات.
المطلب الثاني: التنفيذ العيني في الالتزام بالقيام بعمل وبالامتناع عنه (م 167 إلى 173 مدني)
يجب
أن نلاحظ بصدد الالتزام بالقيام بعمل ، أن هذا الالتزام قد يكون ببذل عناية فقط،
أو بتحقيق نتيجة، ومثل الالتزام بعناية عمل الطبيب والمحامي، وإدراة شيء معين
واستثماره وكذا المحافظة عليه، وهذا ما يلاحظ في الالتزام الملقى على عاتق الدائن
المرتهن رهن حيازة حين استثماره للعين بالتأخير مثلا وصيانة العين، وكالتزام
المستأجر بالمحافظة على لعين المستأجرة وكالتزام المستعير بالمحافظة على العين
التي استعارها على أن الالتزام قد يكون بتحقيق نتيجة، وهذا ما يلاحظ في التزام
البائع مثلا بتسليم العين المبيعة، والتزام المستأجر أو المودع لديه برد ما
استأجره أو استودع عنده بعد نهاية مدته.
والالتزام
بالقيام بعمل قد يكون التنفيذ العيني فيه ممكنا دون تدخل المدين (وهذا كالالتزام
بنقل بضاعة أو أشخاص) وقد لا يكون ممكنا إلا بتدخله (وهذا كرسم لوحة فنية أو أداء
دور في مسرحية ...) ففي الحالة الأولى، ومتى امتنع المدين عن التنفيذ، أمكن الوصول
إلى التنفيذ العيني، وذلك عن طريق تنفيذ الالتزام تنفيذا عينيا لكن على نفقة
المدين الممتنع، أما في حالة الثانية، فلا مفر من اللجوء إلى التنفيذ عن طريق
التعويض.
وفي
الحالة التي يكون التزام المدين هو بالامتناع عن عمل (كعدم المنافسة، وعدم إفشاء
السر المهني ..) فمثل هذا الالتزام بتحقيق غاية دائما، فإذا ما وقع إخلال به، لم
يبق إلا التعويض.
المرجع:
- أ. دربال عبد الرزاق، الوجيز في أحكام الالتزام في القانون المدني الجزائري، دار العلوم للنشر والتوزيع، الجزائر، 2004، من ص 8 إلى ص 13.