تعريف الجريمة وتمييزها عما يتشابه معها
تقـــديــــم:
نتناول في هذه المحاضرة تعريف الجريمة مع تبيان
تقسيماتها في التشريع العقابي الجزائري طبقا لنص المادة 27 من قانون العقوبات قبل
وبعد التعديل التشريعي لسنة 2006، ثم في مرحلة أخيرة تمييز الجريمة عما يتشابه معها
من مصطلحات قانونية مثل الجريمة المدنية والجريمة التأديبية.
أولا: تعريف الجريمة وبيان تقسيماتها في قانون العقوبات
1/ تعريف الجريمة:
أغفل قانون العقوبات الجزائري تعريف الجريمة، وهذا
المسلك لا يعتبر تميزا من جانبه، فغالبية التشريعات المعاصرة تسلك هذا المنحى، ومن
الفقهاء من يعيب المشرع هذا الإغفال ويرى فيه تقصيرا، وذلك غير صحيح، لأن وضع
التعريف ليس من عمل المشرع وإنما هو من اختصاص الفقه، وإذا كان المشرع يعنى أحيانا
بوضع بعض التعاريف فإنه لا يستهدف بها أغراضا علمية محضة، بل يقصد من ورائها ترتيب
آثار قانونية معينة.
وهذا الاعتبار يحكم النشاط التشريعي كله، فالمشرع لا يضع
نصا إلا إذا قدر له فائدة عملية، وتعريف الجريمة في ضوء هذه الفكرة غير منتج من
الناحية القانونية لأن الجرائم وفقا لمبدأ الشرعية واردة على سبيل الحصر.
وهذا ما يجعلنا نبحث عن تعريف للجريمة من مشارب علمية
مختلفة نوجزها على الشكل التالي :
يرى علماء النفس بأن الجريمة هي تعارض سلوك الفرد مع
المقومات والعادات الموجودة في اللاشعور، ومنه يعتبر مجرما الشخص الذي يقدم على
ارتكاب فعل مخالف للمبادئ والمقومات الموجودة في الأنا الأعلى.
أما علماء الاجتماع فيرون بأن الجريمة هي الخروج على
السلوك الاجتماعي، ومنه تعتبر جريمة كل فعل من شأنه أن يصدم الضمير الجماعي السائد
في المجتمع ويسبب ردة فعل اجتماعية.
في حين يرى فقهاء الشريعة الإسلامية أن الجريمة هي
الخروج على طاعة الله ورسوله وعدم الالتزام بأوامره ونواهيه.
أما رجال القانون فيرون بأن الجريمة هي كل فعل أو ترك
نهى المشرع عنه ورصد لفاعله عقوبة جزائية.
والملاحظ على التعاريف السابقة الصادرة من علماء النفس
أو الاجتماع أو الدين أنه ينقصها عنصر هام ألا وهو الجزاء، لأنه لا يكفي أن ينتج
عن الفعل ردة فعل اجتماعية بل لابد من العقاب، ولا ينطبق هذا الوصف إلا في التعريف
الصادر عن رجال القانون، والذي يبين بوضوح وأن الجريمة عبارة عن سلوك يتسع لأن
يكون فعلا ينهى عنه القانون أو امتناعا عن فعل يأمر به.
و تجدر الإشارة أن التجريم يختلف من بلد إلى آخر بحسب
السياسة الجنائية والتشريعية المنتهجة واعتبارا للعوامل والمؤثرات البيئية
والمعتقدات الدينية والمبادئ الأخلاقية والنظم السياسية والاقتصادية السائدة، ولو
أنه هناك جرائم متفق عليها تقريبا في كل التشريعات لتعرضها مع الطبيعة المجردة مثل
السرقة والقتل والضرب وغيرها.
2/ خطة المشرع الجزائري في تقسيم الجرائم:
تنقسم الجرائم أقساما عدة تختلف باختلاف الضابط الذي
يحتكم إليه، وبعض هذه التقسيمات تشريعي اجتهاد فقهي، وكل تقسيم يضم مجموعة من
الجرائم تتشابه فيما بينها من بعض الوجوه وتسري عليها أحكام قانونية تختلف أحيانا
عما يسري على سواها.وتنقسم الجرائم من حيث جسامة عقوبتها إلى جنايات وجنح
ومخالفات.
كما تنقسم من حيث ركنها المادي إلى جرائم إيجابية وجرائم
سلبية، وإلى جرائم وقتية وأخرى مستمرة، وإلى جرائم مركبة وأخرى ذات أفعال متتابعة،
وإلى جرائم بسيطة وجرائم اعتياد.
وتنقسم من حيث ركنها المعنوي إلى جرائم عمدية وجرائم
خطأ.
وتنقسم من حيث طبيعتها إلى جرائم عادية وأخرى سياسية.
إلا أننا سوف لا نتطرق إلى جميع هذه التقسيمات خلال هذه
المحاضرة بل نتحدث فحسب عن التقسيم الواقع بناء على جسامة الفعل ونترك باقي
التقسيمات لدراستها في حينها.
وتنص المادة 27 من قانون العقوبات " تقسيم الجرائم
تبعا لخطورتها إلى جنايات وجنح ومخالفات وتطبق عليها العقوبات المقررة للجنايات
والجنح والمخالفات ".
من خلال نص المادة المذكورة أعلاه يتضح وأن المشرع الجزائري
مثل معظم التشريعات اعتمد المعيار التقليدي القائم على جسامة الجريمة وخطورتها من
أجل تقسيم الجرائم، ومنه فالجرائم ثلاثة أصناف الجناية والجنحة والمخالفة، وتعتبر
جناية تلك الجريمة الأخطر والتي رصد لها المشرع عقوبة الجناية، وتعتبر مخالفة تلك
الجريمة متوسطة الخطورة والتي رصد لها المشرع عقوبة الجنحة، وتعتبر مخالفة تلك
الجريمة الأخف والتي رصد لها المشرع عقوبة المخالفة.
وحتى نعرف عقوبة هذه الجرائم الثلاث نرجع إلى نص المادة
05 من قانون العقوبات التي تحددها كما يلي :
1- العقوبات الأصلية في الجنايات: الإعدام، السجن المؤبد، السجن المؤقت لمدة
تتراوح بين 5 و 20 سنة، بالإضافة إلى الغرامة في حالة الحكم بالسجن المؤقت.
2- العقوبات الأصلية في الجنح: الحبس مدة تتجاوز شهرين 02 إلى خمس 05 سنوات
ماعدا ما يقرر القانون حدودا أخرى وغرامة تتجاوز 20.000.00 دج، بعد ما كان هذا
المبلغ 2000.00 دج قبل تعديل قانون العقوبات سنة 2006.
3- العقوبات الأصلية في المخالفات: الحبس من يوم واحد إلى شهرين والغرامة من
2000.00 دج إلى 20.000.00 دج بعدما كانت الغرامة قبل تعديل قانون العقوبات في 2006
من 20 إلى 2000.00 دج، والملاحظ على هذا التصنيف أنه يعتمد على العقوبات الأصلية
بصرف النظر على العقوبات التكميلية التي ليس لها شأن في هذا التصنيف.
وإن معيار العقوبة المتخذ من طرف المشرع الجزائري لا
يثير صعوبة عند تطبيقه لأنه معيار واضح ما عدا بعض الإشكاليات أهمها عندما ينزل
القاضي بالعقوبة إلى ما دون الحد الأدنى للجريمة نتيجة لظرف تخفيف أو رفع العقوبة
إلى ما فوق الحد الأقصى نتيجة لحالة العود، ففي هذه الحالة لا يتغير نوع الجريمة
ويبقى كما حدده القانون، بمعنى آخر لا يعتد بما حكم به القاضي بل بما ينص عليه
القانون، ومثال على ذلك إذا حكم القاضي في جنحة السرقة ونتيجة لاستعماله ظروف
التخفيف بشهر حبس نافذ، فتظل في هذه الحالة الجريمة محتفظة بنوعها وهو جنحة ولا
تنزل إلى مخالفة، وهذا ما نصت عليه المادة 28 من قانون العقوبات "لا يتغير
نوع الجريمة إذا أصدر القاضي فيها حكم يطبق أصلا على نوع آخر منها نتيجة لظروف مخففة
للعقوبة أو نتيجة لحالة العود التي يكون عليها المحكوم عليه".
أما إذا قام القاضي بتشديد العقوبة نتيجة لظروف التشديد
لأمر يعود إلى النص القانوني ذاته بأن رفعت العقوبة لتدخل في عقوبة فئة أخرى من
الجرائم، فإن نوع الجريمة يتغير في هذه الحالة ليلتحق بالنص القانوني، ومثال على
ذلك أن جريمة السرقة البسيطة هي جنحة ولكن القانون رفع عقوبتها عند توافر الظروف
المشددة إلى عقوبة جناية، فهنا تصبح جريمة السرقة جناية على الرغم أنها في الأصل
ودون الظروف المشددة جنحة، وهذا ما نصت عليه المادة 29 من قانون العقوبات " يتغير
نوع الجريمة إذا نص القانون على عقوبة تطبق أصلا على نوع آخر أشد منها نتيجة لظروف
مشددة ".
إلا أنه يمكننا اعتماد معيار عملي آخر سهل للتمييز بين
الجناية من جهة والجنحة والمخالفة من جهة أخرى، فإذا كانت العقوبة المقررة للجريمة
هي السجن كانت جناية وإذا كانت العقوبة المقررة هي الحبس كانت جنحة أو مخالفة بحسب
المدة.
ثانيا: تمييز الجريمة عما يتشابه معها
وقد يتشابه مع الجريمة الجنائية كل من الجريمة التأديبية
والجريمة المدنية،ولكل منهما مجال تطبيق يختلف عن المجال الآخر، ولكن من الفقه من
يعتبر إعطاء وصف الجرائم للأفعال التي تشكل خطأ تأديبي أو مدني هو من قبيل التجاوز
لأن الجرائم أفعال محددة قانونا على سبيل الحصر وتتولى هيئات قضائية معينة للفصل
فيها بعد التأكد من توافر أركانها وإثبات نسبتها إلى فاعلها، وهذا الأمر يتخلف
بالنسبة للخطأ التأديبي والخطأ المدني، ورغم ذلك نحاول توضيح نقاط التمايز بينهما.
1/ الجريمة الجنائية والجريمة التأديبية:
تقوم الجريمة التأديبية بالمخالفة لقانون أو نظام فئة أو
مهنة يوقع بمقتضاها على المخالف جزاءات تأديبية مثل المحامون و الأطباء والقضاة
والموظفين، ومن خلال هذا التعريف يتضح الاختلاف بين الجريمتين.
- فالجريمة الجنائية تمثل اعتداء يقع على المجتمع ككل في
حين يقع الاعتداء في الجريمة التأديبية على الهيئة التي ينتمي إليها الشخص.
- لا يوجد تحديد للأفعال المكونة للجريمة التأديبية إذ
يكفي توافر خطأ أو مخالفة للواجبات التي تفرضها أصول المهنة التي يتبعها المخالف
على عكس الجريمة الجنائية التي يحدد القانون الجرائم فيها حصرا ولا يجوز القياس
عليها.
- تختلف الجريمة التأديبية عن الجريمة الجنائية في عدم
اختصاص القضاء الجنائي بها، وإنما ينعقد الاختصاص إلى الهيئة التي ينتمي إليها
المخالف والتي تحدد أعضاء معينين يشكلون المجلس التأديبي أو لجنة التأديب، وتختلف
إجراءات رفع الدعوى التأديبية عن إجراءات رفع الدعوى الجنائية، وكذلك الجزاءات
المقررة للجريمة التأديبية تكون عبارة عن توبيخ أو إنذار أو توقيف أو خصم من
المرتب أو الفصل من الوظيفة.
وتجدر الإشارة إلى أن الجريمة الجنائية قد تشكل جريمة
تأديبية في ذات الوقت مثل قيام شخص ينتمي إلى هيئة معينة باختلاس مال أودع لديه
بمناسبة الوظيفة على سبيل الأمانة، فإن هذا الفعل يشكل جريمة جنائية وبالمقابل
يكون جريمة تأديبية تتمثل في الإخلال بواجبات الوظيفة وما تفرضه من الأمانة والنزاهة.
2/ الجريمة الجنائية والجريمة المدنية:
تعد جريمة مدنية كل فعل ينطوي على خطأ يسبب ضررا للغير
أيا كان هذا الفعل، وينشأ عن ذلك التزام من أحدث الضرر بتعويض المضرور، وهو ما نصت
عليه المادة 124 من القانون المدني التي تنص "كل عمل أيا كان يرتكبه الشخص
بخطئه ويسبب ضررا للغير يلزم من كان سببا في حدوثه بالتعويض".
وتختلف الجريمة المدنية عن الجريمة الجنائية فيما يلي:
- لقد وردت الجرائم الجنائية على سبيل الحصر في قانون
العقوبات على عكس الجريمة المدنية التي لا يوجد لها حصر.
- يترتب على الجريمة الجنائية الجزاء الجنائي (الحبس ،
الغرامة) في حين يلتزم محدث الضرر بتعويض الضرر أو بإرجاع الحالة إلى ما كنت
عليه.
-
الخطأ مطلوب في الجريمة المدنية والجريمة الجنائية، إلا أنه يمكن تصور جريمة مدنية
دون خطأ، أما الجريمة الجنائية فلا يمكن تصورها دون خطأ، أما الضرر فهو عنصر مطلوب
في الجريمة المدنية والجريمة الجنائية إلا أنه لا يمكن تصور جريمة مدنية دون ضرر
على عكس الجريمة الجنائية التي يمكن أن تقوم حتى ولو لم يكن هناك ضرر، ومثال على
ذلك جريمة حمل سلاح دون رخصة، أو الشروع في جريمة السرقة، وقد يجتمع في الفعل
الواحد في آن واحد الجريمتين معا الجنائية والمدنية مثل الضرب والجرح.المرجع:
- عبد الرحمان خلفي، محاضرات في القانون الجنائي العام، دراسة مقارنة، دار الهدى، الجزائر، سنة 2013، ص 39 إلى ص 46.