مفهوم قانون الإجراءات المدنية والإدارية وأقسامه
ثمة فهم خاطيء، ينصرف إلى حصر مفهوم
هذا القانون، في قانون الإجراءات المدنية والإدارية، دون النصوص التشريعية
المتعلقة بسير مرفق القضاء ، وتعيين القضاة ونقلهم وترقيتهم وتأديبهم، وكيفية
التحاق معاوني القضاء بمهنهم وضماناتهم وتأديبهم، لذلك ولأجل تحديد مفهوم هذا
القانون لابد من التعريف به، وتحديد مباحثه وأقسامه وتسميته.
المطلب الأول: تعريف وأقسام قانون الإجراءات المدنية والإدارية
تتعدد أقسام هذا القانون، بتعدد مضمون تشريعاته
المختلفة ذات الصلة.
أولا: التعريف بقانون الإجراءات المدنية والإدارية:
أ ) في التشريع:
لم يضع له قانون الاجراءات المدنية والادارية أي تعريف لهذا القانون، على غرار التشريعات المماثلة لدى الدول الأخرى، التي أغفلت بدورها وضع أي تعريف له.
ب)في الفقه:
لم يتمكن الفقه من وضع تعريف دقيق له،
عند استثناء بعض المحاولات التي ذهبت إلى
تعريفه على أنه:(مجموعة القواعد التي تحكم تنظيم وسير القضاء من أجل ضمان حماية
حقوق الأشخاص).
وهو تعريف ضيق، لاقتصاره على القواعد المنظمة
لسير القضاء، دون القواعد الإجرائية الأخرى المتعلقة بالدعوى والخصومة، لذلك يمكن
تعريفه بأنه: (مجموعة القواعد المنظمة لمرفق القضاء، وللإجراءات الواجب اتخاذها
عند اللجوء إليه، لضمان وحماية حقوق الأشخاص الطبيعية والمعنوية).
وهذا تعريف يتناول قواعد إنشاء المحاكم
، وتوزيع الاختصاص فيما بينها، وكيفية تعيين القضاة، ومعاوني القضاء، ونقلهم
وترقيتهم وتأديبهم، وتحديد الإجراءات الواجب اتخاذها عند اللجوء إلى القضاء،
ووسائل الدفاع وطرق الإثبات وكيفية الفصل في المنازعات، وكيفية الاستفادة من
القرارات الصادرة لحماية الحقوق والمراكز القانونية للأشخاص الطبيعية منها
والمعنوية.
ثانيا: أقسام قانون الإجراءات المدنية والإدارية
لم ترد القواعد المتعلقة بالتنظيم
القضائي في قانون الإجراءات المدنية والإدارية، بل جاءت في نصوص مستقلة عنه، فيما
أن هذا القانون، قد تعرض لمسألة الاختصاص النوعي والمحلي لكل جهة قضائية، ورفع
الدعوى ، وقيام الخصومة، إصدار الحكم ، وطرق الطعن فيه وتنفيذه.
- التنظيم القضائي:
تتناول نصوصه التشريعية، مباديء هذا
التنظيم، وإنشاء المحاكم ودرجاتها، وأقسامها، وكيفية تشكيلها، وسير عملها، وشروط
وكيفية تعيين أعضائها، وتحديد حقوقهم وواجباتهم، وكذلك الحال بالنسبة للمعاونين
لهم من محامين ومحضرين قضائيين وخبراء وموثقين ومترجمين ومحافظي البيع بالمزاد
العلني وكتبة، من حيث شروط التحاق كل منهم بمهنهم، وحقوقهم وواجباتهم.
- الاختصاص القضائي:
تم توزيع الاختصاص بين مختلف الجهات
القضائية، بنصوص تشريعية، بعضها وارد في قانون الإجراءات المدنية والإدارية،
والبعض منها وارد في نصوص أخرى، كالمتعلقة بصلاحيات المحكمة العليا وتنظيمها
وسيرها، أو المحاكم الإدارية، او مجلس الدولة وتنظيمه وعمله.
- الدعوى:
يتناول
هذا القسم مجموعة القواعد القانونية التي تنظم الدعوى، بوصفها الوسيلة التي منحها
المشرع لكل صاحب حق للمطالبة بالحماية القانونية عن طريق القضاء، حيث البعض منها
يتعلق بشروط قبول الدعوى، الخاصة منها والعامة أكانت سلبية أم ايجابية، وبعضها
يتعلق بقواعد استعمال الدعوى وأنواعها.
- الخصومة:
ثمة مجموعة من القواعد الإجرائية،
تتضمن تحديد شكل الأعمال التي يقوم بها أطراف الدعوى أو المحكمة، وذلك ابتداء من
شكل الطلب القضائي المقدم للمحكمة، وإجراءات التبليغ الرسمي له لانعقاد الخصومة،
فإجراءات سيرها ، والعوارض التي قد تطرأ عليها.
- الحكم وطرق الطعن:
ثمة قواعد واردة في قانون الإجراءات
المدنية والإدارية تتعلق بالحكم وطرق الطعن فيه، تجيز لكل من يدعي وأن الحكم
الصادر في حقه مشوبا بعيب من العيوب، وهي تتعلق بالمعارضة والاستئناف، واعتراض
الغير الخارج عن الخصومة، والتماس إعادة النظر، والطعن بالنقض ، وتصحيح الأخطاء
المادية، والطعن بالتفسير، والطعن لصالح القانون.
- طرق التنفيذ:
يتناول هذا المبحث الإجراءات الواجبة
الإتباع لتنفيذ كل سند تنفيذي، أكان حكما أو أمرا أو قرارا قضائيا، صادر عن جهة
وطنية أو أجنبية، أو كان عقدا أو أي سند تنفيذي آخر.
المطلب الثاني : تسمية قانون الإجراءات المدنية والإدارية
ثمة اختلاف في تشريعات الدول حوا تسمية
القانون الاجرائي، مما دعا الفقه القانوني إلى اقتراح تسميات له.
أولا: التسميات التشريعية لقانون الإجراءات المدنية والإدارية:
يمكن
التمييز بين التسميات التشريعية والفقهية:
أ) التسميات التشريعية لهذا القانون:
1) مضمون هذه التسميات:
يسمى في مصر (قانون المرافعات المدنية
والتجارية)، وفي سوريا ولبنان (قانون أصول المحاكمات المدنية)، وفي السودان (قانون
القضاء المدني)، وفي المغرب ( المسطرة المدنية)، وفي تونس ( مجلة الإجراءات
المدنية والتجارية )، وفي بلجيكا (القانون القضائي)، وفي فرنسا وايطاليا والجزائر (قانون الإجراءات المدنية)، لتضاف إلى
اسمه في الجزائر بعد التعديل عبارة (الإدارية).
ولعل
اختلاف هذه التسميات، يرجع بالدرجة الأولى إلى مضمون هذا الفرع القانوني لدى كل
دولة على حدة:
- في مصر:
أفرد المشرع قانونا خاصا لمجلس شورى الدولة،
يشتمل على الإجراءات المتبعة أمام جهات القضاء الإداري، وأفرد قانون المرافعات
المدنية والتجارية لتنظيم الإجراءات القضائية أمام القضاء العادي، يشتمل على
القواعد المتعلقة بتوزيع الاختصاص، ورفع الدعوى، باستثناء قواعد الإثبات التي جاءت
في قانون خاص، لذلك تبقى تلك التسمية غير معبرة عن القواعد المتعلقة بالتنظيم
القضائي.
- في لبنان:
أما
المشرع اللبناني فقد أدرج قواعد الإثبات في الكتاب الثالث من قانون أصول
المحاكمات.
- في الجزائر:
تم
إدراج معظم قواعد الإثبات في القانون المدني وفي التشريعات الموضوعية المماثلة،
وأخضع جميع الخصومات القائمة أمام الجهات القضائية إدارية كانت أم عادية إلى قواعد
هذا القانون، كما جاءت القواعد المتعلقة بتنظيم السلطة القضائية في نصوص خاصة،
لذلك فتسمية هذا القانون تتوقف على ضيق واتساع مضمونه، وهي تبقى في جميع الأحوال
قاصرة في التعبير عن مختلف قواعده.
2) الانتقادات الموجهة للتسميات التشريعية لهذا القانون
حظيت
مختلف هذه التسميات بانتقادات شديدة:
- بالنسبة لعبارة المرافعات:
لعبارة المرافعات معنى ضيق، لأنها لا تشمل كل
المسائل التي يتناولها هذا القانون،لأن مضمونها - على الأقل من الناحية اللغوية-
إنما يعبر فقط عما يدلي به الخصوم ووكلائهم من أقوال شفوية وكتابية في الدعوى
المعروضة أمام القضاء، وليس هذا هو المعنى الذي يعبر عنه هذا القانون، ذلك أنه
وحتى لو أخذنا هذه العبارة بمدلولها الإجرائي- وهو ما يستفاد من التعبير الفرنسي-
فان مدلولها سيظل قاصرا عن استيعاب مختلف قواعد هذا القانون، التي وان عدت قواعد
شكلية بالدرجة الأولى، فإنها مع ذلك تستبعد قواعده الموضوعية المتعلقة بالتنظيم
القضائي والدعوة
- بالنسبة لعبارة المحاكمة:
تم
استعمال هذه العبارة في القانونين السوري واللبناني، قد لا يتوقف مدلولها عن المحاكمات
المدنية والتجارية، بل يمتد ليشمل ميع أنواع المحاكمات، كالمتعلقة بتطبيق القانون
الجزائي.
- بالنسبة لعبارة الاجراءات:
وردت
هذه العبارة في التشريع: الفرنسي والإيطالي والجزائري ، فانها لم تسلم من النقد ،
لأن مدلول عبارة الإجراءات، يظل قاصرا على القواعد الشكلية المتبعة في عرض
المنازعات على القضاء، وبذلك فإنها لا تستوعب القواعد الإجرائية الأخرى، الموجودة
في التشريعات الموضوعية، كالمتعلقة بإجراءات إبرام عقود الشركات المدنية
والتجارية، وإجراءات إبرام عقد الزواج مثلا.
ثانيا: التسميات الفقهية لقانون الإجراءات المدنية والإدارية:
ثمة فرق بين التسميات المقترحة في
الفقه الغربي والفقه العربي:
أ) التسميات المقترحة لهذا القانون في الفقه الغربي:
ذهب الفقه إلى اقتراح بعض التسميات،
ومن هـؤلاء أن :
1) الفقيه (موريل):
اقترح
استبدال عبارة قانون المرافعات، بعبارة القانون القضائي المدني، لأنها أصدق في
التعبير عن حقيقة ما يحتويه هذا الفرع القانوني على حد تعليله.
2) الفقيه (سوليس) و(موريل):
اتفقا في اقتراح تسمية: (droit judiciaire prive)، لأن عبارة قانون المرافعات، على حد ما ذهبا إليه، لا تعني سوى
بيان جزاء الإخلال بالحقوق التي يقررها القانون المدني، أو أي فرع آخر من فروع
القانون الخاص.
ب) التسميات المقترحة لهذا القانون في الفقه العربي:
اقترح
جانب من الفقه العربي، تسمية هذا الفرع من القانون، باسم قانون القضاء المدني، وهي
التسمية الواردة في التشريع السوداني، أو تسمية القانون القضائي الخاص،وهي تسميات
لم تخل من النقد من عدة أوجه:
1)
أن مدلولها يعبر فقط على نشاط القضاء المدني، دون القضاء الجنائي والقضاء الإداري،
وهو أمر لا يصح في الواقع، إلا بالنسبة للقضاء الجنائي، لأن القضاء الإداري - على
الأقل في الجزائر- يخضع بدوره لقواعد هذا القانون.
2) أن عموم تلك العبارة، يبقى شاملا لجميع
القوانين التي يطبقها القضاء المدني، سواء ما تعلق منها بتقرير الحقوق ، أي
القواعد الموضوعية: كقواعد القانون المدني، أو ما تعلق منها بالحماية القضائية لهذه
الحقوق، أي القواعد الشكلية، وهذه هي التي يتناولها هذا القانون، الذي تعمل
الدراسات الفقهية على إيجاد تسمية له تعبر عن مضمونه.