محاضرة في المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
تقـــــديــم:
من الأمور التي
لازالت عالقة حول الشخص المعنوي تكمن في مسؤولية من الناحية الجزائية، وتشبعت
الآراء بشأنها عند الفقه والتشريع والقضاء على السواء، ويمكن جوهر الخلاف في تحديد
طبيعة الشخص المعنوي التي لا تقبل تطبيق أغلب العقوبات الواردة في قانون العقوبات
عليه، بل وأكثر من ذلك أن الشخص المعنوي يفقد مقومات المسؤولية الجزائية المطبقة
على الشخص الطبيعي، وهذا ما يجعلنا نطرح عدة تساؤلات، فهل للشخص المعنوي إرادة
إجرامية يؤثم عليها أم لا؟ وفي هذه الحالة هل يمكن إسناد المسؤولية الجزائية إليه؟
بمعنى آخر هل يسأل
الشخص المعنوي جزائيا على الجرائم التي يرتكبها ممثلوه وأعضاء إدارته بالإضافة إلى
مسؤولية الشخص الطبيعي الذي ارتكب الجريمة أم نبقي المسؤولية فقط على هذا
الأخير؟وكيف نتصور الجزاء الذي يطبق على الشخص المعنوي باعتبار أن طبيعته تختلف عن
طبيعة الشخص الآدمي الذي أنشأه؟ أما وإن أمكن المساءلة فما هي شروط قيامها؟
أولا: الخلاف الفقهي حول إقرار المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
تقتضي هذه الدراسة
الخوض في الجدل الفقهي الذي وقع فيه التقليديون و المحدثين حول إمكانية إسناد
المسؤولية الجزائية من عدمها للشخص المعنوي، وكل واحد منهم يقدم المبررات والحجج
التي تدعم طرحه.
1/ الاتجاه الرافض لفكرة المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية
لا يشجع هذا
الاتجاه مبدأ المساءلة الجزائية للشخص المهنوي عن الجرائم التي يرتكبها هذا الأخير
باسمه ولحسابه من طرف ممثليه، بل يكتفي بمسائلة ممثل الشخص المعنوي فحسب، ولهم في
ذلك حججا بالغة الأهمية نعرضها كما يلي:
أ/ تعارض المساءلة الجزائية مع مبدأ شخصية العقوبة:
عند معاقبتنا
للشخص المعنوي فإننا سنعاقب أعضاء الإدارة، أي من لم يشارك في الفعل الإجرامي أو
ساهم في اتخاذ القرار المخالف للقانون، ونكون بذلك قد عاقبنا من لم يقترف الجريمة،
بل إن من بين الأعضاء من لم يعلم بالقرار أصلا، ويترتب على ذلك أن بعض أعضاء الشخص
المعنوي يتحملون نتيجة مساءلته جزائيا عن أفعال صادرة من غيرهم، وهذا يتعارض مع
مبدأ شخصية العقوبة الذي يقتضي بأنه لا يسأل جزائيا إلا الشخص الذي ارتكب الجريمة
أو ساهم فيها.
ب/ عدم قابلية الشخص المعنوي لأن يكون موضوعا لإسناد الجريمة
يعد الشخص المعنوي
مجرد افتراض قانوني وهو بعيد كل البعد عن الحقيقة، بل اقتضته الضرورة لتحقيق
مصالحة المتمثلة في تمكينه من التعاقد وتملك الأموال أو أن يكون دائنا ومدينا، وبالتبعية
إمكانية مطالبة الغير وإمكانية الغير مطالبة ومقاضاته ومساءلته مدنيا، ولكن هذا لا
يمتد في أي حال من الأحوال إلى المساءلة الجزائية لأن القانون الجنائي لا يقوم إلا
على الحقيقة.
ومن جهة أخرى إن
الأفعال ذات الوصف الجزائي لا تصدر إلا ممن يملك إرادة حرة ولا تكون هذه الأخيرة
إلا في يد ممثليه، وبالتالي لا يمكن مساءلته جزائيا، بل وأكثر من ذلك كيف نتصور
ارتكاب الشخص المعنوي للركن المادي للجريمة؟
ج/ عدم قابلية تطبيق أغلب العقوبات على الشخص المعنوي:
لقد قررت
التشريعات العقابية جزاءات تطبق على الأشخاص الطبيعية، منها ما هو سالب للحرية
كالحبس أو سالب للحياة كالإعدام، كما قررت بعض التدابير الاحترازية ( تدابير الأمن
) مثل المنع من الإقامة، إلا أن هذه الجزاءات تتعارض مع طبيعة الشخص المعنوي، فكيف
نتصور إعدام الشخص المعنوي أو تقييد حريته ؟
وفي بعض الأحيان
عندما يرفض المطلوب التنفيذ فإن الطالب يلجأ إلى توقيع الإكراه البدني، فكيف نتصور
كذلك القيام بهذا الإجراء في مواجهة الشخص المعنوي؟
في الحقيقة إن
أغلب العقوبات وأهمها ردعا لا تتناسب مع طبيعة الشخص المعنوي مما يجعل جدوى مساءلة
الشخص المعنوي جزائيا محل استفهام.
د/ عدم تحقيق العقوبة الغرض المنتظر منها في مواجهة الشخص المعنوي
لقد تقررت
العقوبات على الشخص الآدمي لأنه الوحيد الذي يمكن إصلاحه وتأهيله اجتماعيا
باعتباره المتمتع بالإدراك والإرادة على عكس الشخص المعنوي الذي يفتقد لهاتين
الأخيرتين، ولا يمكن تحقيق تأهيله بالعقوبة بل لا يمكن تصور إيلامه إطلاقا، فكيف
وما يتعلق بتحقيق الردع العام؟
هـ/ قاعدة تخصص الشخص المعنوي تمنع إمكانية ارتكابه الجريمة
لكل شخص معنوي هدف
أو غرض اجتماعي معين وجد من أجله، يحدد هذا الأخير في قانونه الأساسي المنشئ له،
ومنه فالشركة التجارية لها هدف تجاري فهي نشأت لممارسة التجارة، والشركة المدنية
نشأت لممارسة أعمال مدنية بحتة ولا يمكن أن تخرج عن نظامها هذا، والنقابة نشأت
لحماية مصالح المجموعة المنتمية إليها وحماية وترقية المهنة التي تنظمها، فلا يمكن
أن تحيد عن هذا الهدف، وهذا ما يعرف بمبدأ التخصص أي التخصص الذي من أجله وجد
الشخص المعنوي، فلا يوجد من ضمن أهدافه القيام بأعمال إجرامية، لأنها لو وجدت أصلا
لما تم اعتماد نشاطها ولما تم قبول تأسيسها لتنافيها مع القانون.
2/ الاتجاه المؤيد لفكرة المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
على عكس الاتجاه
السابق فإنه يمكن مساءلة الشخص المعنوي جزائيا بل وأصبح من المستلزم على التشريعات
الجنائية أن تنظم هذه المساءلة، كما يردون على الاتجاه السابق بجملة من الردود
نطرحها على الشكل التالي :
أ/ حول القول بأن الشخص المعنوي مجرد افتراض قانوني
إن النظرية التي
تنادي بأن الشخص المعنوي حيلة أو افتراض قانوني قد هجرها الفقه في القانون المدني
منذ مدة طويلة، وما دامت الشريعة العامة تعترف بالمسؤولية التعاقدية والتقصيرية
للشخص المعنوي، ولما كان جوهر المسؤولية في الحالتين هو الإرادة، فمن التناقض
القول بأن الشخص المعنوي ليس له إرادة في مجال قانون العقوبات.
ومنه أصبح الفقه
الجنائي الحديث يرى في غالبيته أن الشخص المعنوي أضحى حقيقة إجرامية يمكنها أن
ترتكب العديد من الجرائم مثل التهرب الضريبي وخيانة الأمانة وغيرها.
ب/ حول القول بتعارض المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي مع مبدأ شخصية العقوبة:
على فرض أن هذا الأمر
موجود في مجال تطبيق العقوبة على الشخص المعنوي، ولكن يمكن أن نجده كذلك أثناء
تطبيق العقوبة على الشخص الطبيعي وامتداد أثرها إلى أفراد آخرين لم يشاركوا في
الجريمة، فعلى سبيل المثال وضع الشخص في السجن ألا يعني ذلك أن تتضرر زوجته
وأولاده من الناحية المادية والمعنوية ؟ ألا يعد هذا المثال متجانسا مع الإشكال
الذي تم عرضه في تطبيق العقوبة على الشخص المعنوي وامتداد أثار المساءلة إلى
الأعضاء المكونين للشخص المعنوي.
وفي الحقيقة أن
هذا الأمر لا يعني مخالفة مبدأ شخصيته العقوبة بل هو التطبيق السليم له، لأن هذا
المبدأ يقتضي أن تطبق العقوبة على مرتكب الفعل الجرمي، أما وإن امتد أثره إلى
الغير بطريقة غير مباشرة فلا يعد هذا خروجا عن المبدأ.
ج/ حول القول بأن قاعدة التخصص تمنع قيام الشخص المعنوي بالجريمة
إن القول وأن
الشخص المعنوي لا يمكنه أن يرتكب الفعل الجرمي انطلاقا من أن الغرض الذي أنشئ من
أجله يحول دون قيامه بذلك، فهذا قول غير سليم وغير منطقي، لأن الإنسان بدوره ولد
على الفطرة ولم يخضع لبرمجة سابقة قبل ولادته ليكون مجرما، ورغم ذلك نجده يسرق
ويقتل ويحرق ويفعل كل شيء.
ومن جهة أخرى حتى
في إطار عمل الشخص المعنوي، ومن ضمن أعماله نجده يقوم بأفعال إجرامية، فكثيرا من
المصانع تقوم بتلويث مياه الأنهار بالمواد السامة ويعد هذا الأمر جريمة في القانون
الجنائي البيئي، وكذلك قيام إحدى الشركات بتشغيل عمال وإعطائهم أجرا أقل من الأجر
القاعدي، ألا يعد هذا الفعل جريمة رغم أن هذا العمل يدخل من ضمن اختصاصات الشخص
المعنوي ؟
كما أنه لو قبلنا
حجة المعارضين للمسؤولية الجزائية بسبب غاية الشخص المعنوي فإننا سوف نتغافل عن
الضرر الذي يتسبب فيه الشخص المعنوي نتيجة العمل غير المشروع، لأن هذا الأخير كذلك
لم يوجد ضمن الأهداف التي وجد من أجلها الشخص المعنوي.
د/ حول القول بأن أغلب العقوبات لا تنطبق على الشخص المعنوي
إذا كان قانون
العقوبات قد أورد عقوبات خاصة بالشخص الطبيعي كالإعدام والحبس وغيرها، فما المانع
أن يخصص عقوبات تتلاءم والشخص المعنوي، كما أن هذه العقوبات لا تختلف كثيرا عن
عقوبات الشخص المعنوي، فكيف نفسر عقوبة حل الشركة، ألا يعد ذلك إعدام لوجودها ؟ بل
إن إعدام الشخص المعنوي أشد من إعدام الشخص الطبيعي.
كما أنه توجد
عقوبات لها وقعها عند الشخص المعنوي وتحقق الهدف المرجو منها في إيلامه وتحقيق
الردع العام والخاص به، مثل حرمانه من ممارسة نشاط معين لمدة معينة أو بصفة مطلقة،
كما يمكن نشر الحكم الصادر بالإدانة.
بالنتيجة، يتبين
من خلال هذه المناقشة أن حجج وأدلة الاتجاه المؤيد للمساءلة الجزائية للشخص
المعنوي كانت أقوى من حجج الرافضين لها، بل إنها تتماشى وفعالية العقاب، لأن الشخص
المعنوي إذا تحول إلى ممتهن للإجرام يكون أكثر خطورة من الشخص الطبيعي، لأن
إمكانياته وقدراته أكبر من قدرات هذا الأخير، وتكون بذلك معاقبة الشخص المعنوي
تتماشى وقيم العدالة.
فمن غير اللائق
تحميل مسؤولية الجريمة وإلقائها على عاتق الممثل أو المدير وحده دون إشراك الشخص
المعنوي في هذا الأمر، رغم أن هذا الفعل الإجرامي كان باسمه ولحسابه بل تم ارتكاب
الجريمة بإمكانياته.
وهذا من جعل
غالبية الفقه يسير في فلك المؤيدين للمساءلة الجزائية، وحتى أن التشريعات كذلك
كانت موضوع ضغط من طرف الواقع الاقتصادي والاجتماعي وكذلك الفقه وتبريراته
المنطقية، مما جعلها تفرد نصوصا إجرائية وموضوعية لمساءلة الشخص المعنوي.
ثانيا: شروط قيام المساءلة الجزائية للشخص المعنوي
ونقصد بذلك متى
تقوم مسؤولية الشخص المعنوي جزائيا؟ وهل أن جميع الأشخاص المعنوية يمكن أن تكون
محل مساءلة؟ وما نوعية الجرائم التي تسند إلى الشخص المعنوي؟ وهل هناك أثر
لمساءلة هذا الأخير على مسؤولية الشخص الطبيعي الممثل له؟ ثم من هو ممثل الشخص
المعنوي، هل هو المدير فحسب أم مجلس الإدارة ككل أم الأعوان البسطاء التابعين له،
لأن حتى هؤلاء قد يرتكبون الفعل الإجرامي الذي ينسب للشخص المعنوي؟ كل هذه الأسئلة
سوف نجيب عنها في النقاط التالية:
أ/ ارتكاب الجريمة من طرف شخص معنوي خاص
تنقسم الأشخاص
المعنوية إلى نوعين، أشخاص معنوية عامة وهي تلك التي تخضع لقواعد القانون العام،
وأشخاص معنوية خاصة وهي التي تسري عليها قواعد القانون الخاص، ولقد اختلفت
التشريعات المقارنة في إقرار المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية العامة.
فالقانون
الإنجليزي يقر بمبدأ مسؤولية الشخص المعنوي العام في نطاق البلديات وكذلك الأمر
بالنسبة للقانون الهولندي الذي يرى من غير الحكمة عدم مساءلة الأشخاص العامة لأن
ذلك يتعارض مع مبدأ المساواة، ومع ذلك فهم يستبعدون المسؤولية الجزائية للدولة.أما
القانون الفرنسي الصادر بتاريخ 23 جويلية 1992 والذي دخل حيز التطبيق بتاريخ 01
مارس 1994 وبالمادة 121/2 من قانون العقوبات فقد استبعد الدولة صراحة من المسؤولية
الجزائية، أما باقي الأشخاص المعنوية العامة فهي تخضع للمساءلة الجزائية دون وضع
قائمة بذلك، إلا أنه جعل مسؤولية الوحدات الإقليمية و تجمعاتها كالأقاليم
والمحافظات والمراكز والقرى مقيدة ومقتصرة فقط على الجرائم التي ترتكب أثناء
مباشرتها لأنشطة مرفق عام يمكن تفويض الغير في إدارته عن طريق الاتفاق، والمعيار
الذي يكفل تمييز الأنشطة التي يمكن تفويضها عن تلك التي لا يجوز التفويض فيها يكمن
في امتيازات السلطة العامة مثل حفظ النظام العام والانتخابات، بحيث تكون هذه
الأخيرة غير قابلة للتفويض.التي ترتكب أثناء مباشرتها لأنشطة مرفق عام يمكن تفويض
الغير في إدارته عن طريق الاتفاق، والمعيار الذي يكفل تمييز الأنشطة التي يمكن
تفويضها عن تلك التي لا يجوز التفويض فيها يكمن في امتيازات السلطة العامة مثل حفظ
النظام العام والانتخابات، بحيث تكون هذه الأخيرة غير قابلة للتفويض.
باختصار المشرع
الفرنسي لا يفرق في المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي بين الشخص المعنوي العام
والشخص المعنوي الخاص امتثالا لمبدأ المساواة أمام القانون باستثناء الدولة.
أما عن موقف
المشرع الجزائري، فحتى وإن أقر بمبدأ المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي إلا أنه
استثنى صراحة الدولة والجماعات المحلية وكذا الأشخاص المعنوية العامة من المساءلة
الجزائية بنص المادة 51 مكرر من قانون العقوبات.
ب/ ارتكاب الجريمة من طرف الممثل الشرعي للشخص المعنوي
يجب أن يكون مرتكب
الفعل يملك التعبير عن إرادة الشخص المعنوي حتى يمكن إسناد التهمة إلى هذا الأخير،
والدور الذي يجب أن تلعبه جهة المتابعة هو أن تثبت أن الجريمة قد أرتكبت من طرف
شخص طبيعي معين بذاته، وأن هذا الشخص له علاقة بالشخص المعنوي، وأن الظروف
والملابسات التي ارتكبت في ظلها الجريمة تسمح بإسنادها إلى الشخص المعنوي.
إن الخلاف الموجود
حاليا في التشريعات المقارنة هو تحديد الشخص الطبيعي الذي تسند أفعاله إلى الشخص
المعنوي، فالتشريع الإنجليزي يكتفي لكي يسند المسؤولية إلى الشخص المعنوي أن يرتكب
الفعل الإجرامي أي عامل أو موظف بسيط يعمل لديه، ويرد هذا الأمر بالذات في الجرائم
المادية.
أما التشريع
الفرنسي فيشترط لمساءلة الشخص المعنوي جزائيا أن يرتكب الفعل لمجرم من طرف أحد
أجهزته أو ممثليه، ومنه نستنتج أن التشريع الفرنسي لا يسأل الشخص المعنوي عن
الجريمة التي يرتكبها الموظف العادي بل يشترط أن يكون ممثله الشرعي كالمدير العام
أو رئيس مجلس الإدارة أو الجمعية العمومية، إلا إذا كان الموظف العادي قد فوض من
طرف الشخص المعنوي للتصرف باسمه.
أما عن موقف
المشرع الجزائري، فتنص المادة 51 مكرر من قانون العقوبات "... يكون الشخص
المعنوي مسئولا جزائيا عن الجرائم التي ترتكب لحسابه من طرف أجهزته أو ممثليه
..." يتبين من النص المذكور أعلاه أن المشرع الجزائري لا يميل مع المذهب
الموسع بل يقتصر في شروط مساءلة الشخص المعنوي جزائيا أن يتم ارتكاب الفعل
الإجرامي من طرف أجهزته أو ممثله القانوني ويقصد بذلك الشخص الذي يملك سلطة ممارسة
نشاط الشخص المعنوي باسمه مثل المدير أو رئيس مجلس الإدارة.
وعن سؤال يتعلق
بمدى إمكانية أثر مسؤولية الشخص المعنوي جزائيا إلى الشخص الطبيعي؟ فالمشرع
الجزائري ينص على أن قيام مسؤولية الشخص المعنوي جزائيا لا تحول دون قيام مسؤولية
الشخص الطبيعي عن نفس الجريمة، وذلك بالنص بالمادة 51 مكرر /2 "إن المسؤولية
الجزائية للشخص المعنوي لا تمنع مساءلة الشخص الطبيعي كفاعل أصلي أو كشريك في نفس
الأفعال".
وهذا ما يعرف
بمبدأ ازدواج المسؤولية الجزائية بين الشخص الطبيعي والشخص المعنوي عن ذات
الجريمة، وتبرير هذا الازدواج يرجع إلى عدم تمكين الشخص الطبيعي من جعل مسؤولية
الشخص المعنوي كستار تستخدم لحجب مسئوليته، ومن جهة أخرى لا يمكن أن يترك مرتكب الجريمة
طليقا، فمن الطبيعي أن يسأل عن فعل إقترفه بيده طالما كان أهلا للمساءلة الجزائية.
أما عن سؤال يتعلق
بضرورة تحديد الشخص الطبيعي كشرط لمساءلة الشخص المعنوي؟ الفقه يرى بأن وفاة
الشخص الطبيعي لا تحول دون متابعة الشخص المعنوي التي إرتكبها الأول لحساب الثاني،
وفي هذا الصدد عدة قرارات صادرة عن محكمة النقض الفرنسية أين تم متابعة الشخص
المعنوي لوحده.
وكذلك الحال إذا
استحال التعرف على الشخص الطبيعي الذي ارتكب الجريمة لحساب الشخص المعنوي، يحدث
ذلك على وجه الخصوص في جرائم الامتناع والإهمال والجرائم المادية، فمن المحتمل في
هذه الحالات أن تقوم المسؤولية الجزائية للهيئات الجماعية للشخص المعنوي، دون
التمكن ممن الوقوف عند كل عضو من أعضائها في ارتكاب الجريمة وإسناد المسؤولية
الجزائية الشخصية عنها لفرد بذاته.
ج/ ارتكاب الجريمة لحساب الشخص المعنوي
لقد نصت على هذا
الشرط أغلب التشريعات، ومفاده أن تكون الجريمة قد أرتكبت من طرف الشخص الطبيعي
بهدف تحقيق مصلحة للشخص المعنوي كتحقيق ربح أو تجنب إلحاق الضرر به، وبمفهوم
المخالفة لا يمكن مساءلة الشخص المعنوي جزائيا عن أفعال ارتكبها الشخص الطبيعي
لحسابه الشخصي فحسب أو بغرض الإضرار بالشخص المعنوي الذي ينتمي له.
أما عن موقف
المشرع الجزائري، فإنه يشترط صراحة حتى تقوم مسؤولية الشخص المعنوي جزائيا أن يقوم
الشخص الطبيعي بالفعل لحساب الشخص المعنوي الذي يمثله، إلا أنه لم يشترط أن يحترم
في ذلك الشخص الطبيعي حدود اختصاصاته المخولة له قانونا، فإن فعله هذا إن تم لحساب
الشخص المعنوي فإن المسؤولية الجزائية يتحملها هذا الأخير، وهذا يتوافق مع القرار
الذي اتخذته التوصية الصادرة عن المجلس الوزاري للدول الأعضاء في الوحدة الأوروبية
لسنة 1988 "يجب أن يسأل الشخص المعنوي جزائيا ولو كانت الجريمة المرتكبة لا تدخل
في نطاق تخصصه".
المرجع:
- عبد الرحمان خلفي، محاضرات في القانون الجنائي العام، دراسة مقارنة، دار الهدى، الجزائر، سنة 2013، ص 177 إلى ص 188.