محاضرة في المسؤولية الجنائية
تقديــــم:
إذا كانت
المسؤولية بصفة عامة تفترض وقوع أمر أو
فعل يحاسب عنه الإنسان ويتحمل تبعته – كما تشير إلى ذلك الآية الكريمة " من
يعمل سواءا يجز به "الآية 123 سورة النساء، فإن المسؤولية الجزائية بالخصوص
تفترض وقوع جريمة، أي واقعة تتطابق والنموذج القانوني لإحدى الجرائم المعتبرة
قانونا، وهذا يعني سبق توافر أركان الجريمة سواء كانت جناية أو جنحة أو مخالفة.
وتعتبر المسؤولية
الجزائية من النظريات الأساسية في قانون العقوبات،وعلى الرغم من أهميتها فقد أغفل
المشرع الجزائري – وغالبية التشريعات المقارنة – رسم معالمها واكتفى بالإشارة في
نصوص متفرقة إلى بعض أحكامها، وأغلب هذه النصوص يتعلق بموانع المسؤولية، أما شروط
المسؤولية نفسها فلم تعالجها نصوص صريحة، وهذا يلقي على عاتق الفقه مهمة استنباط
هذه الشروط واستكشاف معالم النظرية.والمسؤولية أنواع، فقد تكون دينية أو خلقية أو
قانونية، ولا يختلف معنى المسؤولية باختلاف نوعها فكلها من حيث الجوهر سواء، وإنما
ينحصر الخلاف بينها في شروطها وفي طبيعة أو ماهية التبعة التي تلقى على عاتق
المسئول.
وللمسؤولية
القانونية بدورها صور عدة تختلف باختلاف فروع القانون، ومن أبرزها المسؤولية
الجنائية والمسؤولية المدنية والإدارية والدولية، وهذه الصور تتفق في أمور وتختلف
في أمور، ويقصد بالمسؤولية الجنائية " صلاحية الشخص لتحمل الجزاء الجنائي
الناشئ عما يرتكبه من جرائم".
وكل إنسان-وفقا
للتدابير القانونية المعاصرة في تنظيم أنواع الجزاء بين العقوبة وتدابير الأمن –
مسؤول جزائيا، لأن كل إنسان أهلا لارتكاب الجريمة، أما الأهلية اللازمة لتحمل
العقوبة فأمرها مختلف، فقد تقع الجريمة من شخص ومع ذلك لا يكون أهلا لتحمل
عقوبتها، لأن استحقاق العقوبة يقتضي – فضلا عن ارتكاب الجريمة – شروطا أخرى قد
يتخلف بعضها فلا يسأل الشخص جزائيا، أي لا يعاقب عن الجريمة التي ارتكبها.
ويقتضي البحث في
هذا الموضوع دراسة الأساس القانوني للمسؤولية الجزائية ثم شروط قيامها، وأخيرا
الموانع القانونية التي تحول دون قيام المسؤولية.
أولا: أساس المسؤولية الجنائية
لقد اجتهد الفكر
الإنساني منذ القديم في البحث في أساس المسؤولية، والفكر القانوني بدوره لم يشذ عن
هذا البحث، ولقد تنازعه في ذلك مذهبان رئيسيان، أحدهما يبني المسؤولية على أساس
حرية الإنسان في الاختيار وهذا هو المذهب التقليدي، والآخر يجعلها على أساس
الخطورة الإجرامية للجاني وهذا هو المذهب الوضعي، ونحاول شرح أهم النقاط التي
يرتكز عليها المذهبين.
1/ مذهب حرية الاختيار:
حرية الاختيار هي
المذهب التقليدي في تحديد أساس المسؤولية، ويرى القائلون به أن الجاني يسأل عن
جريمته لأن في وسعه أن يدرك ما تنطوي عليه أفعاله من خطر وفي وسعه كذلك ألا يقدم
عليها، فإن أقدم عليها فقد استعمل إمكانياته الذهنية وإرادته على غير النحو الذي
يرسمه المشرع وتقتضيه مصلحة المجتمع، وهو بذلك مسئول عن مسلكه جدير بالعقاب، ويستتبع
ذلك القول بأنه إذا انتفت حرية الاختيار فلا وجه للمسؤولية وإذا تقلصت تعين تخفيف
هذه المسؤولية.
والمراد بحرية
الاختيار " المقدرة على المفاضلة بين البواعث المختلفة وتوجيه الإرادة وفقا
لأحدها "فهي قدرة الجاني على سلوك الطريق المطابق للقانون أو الطريق المخالف
له.
ولا تنتفي
المسؤولية عند أنصار هذا المذهب إلا إذا فقد الشخص قدرته على الإدراك أو الاختيار،
لأن عقابه عندئذ يكون ظلما من وجه وغير مجدي من وجه آخر، أما أنه ظلم فلأن الفطرة
السليمة تنفر من عقاب من اختلطت عليه الأمور واستوى عنده المحظور والمباح، كما
تنفر من عقاب من لم تنضج إرادته وبات عاجزا عن الاختيار، وأما أنه غير مجدي فلأن
العقاب غايته الردع وليس الانتقام وهذه الغاية لا تتحقق بعقاب من تجرد من قدرة
الإدراك أو من حرية الاختيار.
2/ مذهب الخطورة الإجرامية:
هذا المذهب محاولة
لتطبيق قوانين السببية الحتمية عل التصرفات الإنسانية، وهو مرتبط بالتقدم الذي
أحرزته العلوم الطبيعية وكان من أثره الكشف عن وجود قوانين تحكم ظواهر الكون على
نحو لازم، بل إن هذه القوانين ضرورة منطقية، إذ لا يتصور العقل أن تكون بعض
الظواهر غير ذات أسباب مؤدية لها حتما، فالجريمة ليست ثمرة حرية الاختيار بل هي
ثمرة نوعين من العوامل، عوامل داخلية ترجع إلى التكوين البدني والذهني للجاني،
وعوامل خارجية تعلق بالبيئة الاجتماعية.على أن ذلك لا يعني تسليم أصحاب هذا المذهب
بأن الجريمة عمل مبرر وأن مرتكبها لا يسأل عنها، فالجاني يسأل عن الجريمة لأنها تكشف
عن خطورة كامنة في شخصه تهدد المجتمع وتنذر بوقوع أفعال مماثلة منه مستقبلا،
وللمجتمع أن يتخذ قبل الجاني من تدابير الإحتراز والدفاع الاجتماعي ما يقيه هذه
الخطورة.
وقد أفضى إقامة
المسؤولية على هذا الأساس إلى توسيع نطاقها، فلم يعد هناك من يفلت منها، فكل من ارتكب
جريمة يسأل عنها سواء كان كبيرا أو صغيرا، عاقلا أو مجنونا، لأن المسؤولية لم يعد
مناطها الإدراك والاختيار بل الخطورة، وهذه الخطورة كما تنبعث من البالغ والعاقل
يمكن أن تنبعث من الصغير والمجنون، وهي في كل أحوالها توجب التصدي لها بالكشف عن
أسبابها واتخاذ التدابير الكفيلة باستئصالها وحماية المجتمع من شرها.
3/ الترجيح بين المذهبين:
يرى أغلب الفقهاء
التوفيق بين المذهبين، فكل منهما ينطوي على جانب من الحقيقة، وكل منهما يعيبه
التطرف في الرأي، فليس من الصواب القول بأن الإنسان يتمتع في تصرفاته بحرية مطلقة،
فالملاحظة تكشف عن خضوع كل شخص في تصرفاته لعوامل عديدة متباينة تضيق من نطاق
حريته.
وليس من الصواب
كذلك القول بخضوع الإنسان في صورة سلبية خالصة لقوانين السببية الحتمية، فالحقيقة
وسط بين القولين ؛ فالإنسان يتمتع في الظروف العادية بحرية مقيدة، فثمة عوامل لا
يملك السيطرة عليها وهي توجهه على نحو لا خيار له فيه ولكنها لا تصل إلى حد إملاء
الفعل عليه، وإنما تترك له قدرا من الحرية يتصرف فيه، وهذا القدر كاف لكي تقوم
المسؤولية على أساسه، فإن انتقص على نحو ملحوظ لم يكن للمسؤولية محل أو تعين
الاعتراف بها في صورة مخففة.
ثانيا : شروط المسؤولية الجنائية:
تختلف شروط
المسؤولية الجزائية بحسب الأساس القانوني الذي تقوم عليه، فإن كان الأساس هو حرية
الإختيار فتكون الشروط هي الإرادة والإدراك، وإن كان الأساس هو الحتمية أو الجبرية
فتكون شروط المسؤولية هي الخطورة الإجرامية.وتكاد تجمع التشريعات الجنائية مؤيدة
بالفقه الحديث بالخصوص على جعل الأساس القانوني للمسؤولية الجنائية هو حرية
الاختيار، مما يجعل شروط المساءلة لا تخرج عن الإدراك أي التمييز والإرادة أي
حرية الاختيار.
و المشرع الجزائري
لم يحدد شروط المسؤولية صراحة على غرار غالبية التشريعات المقارنة، ولكن نستشف
بمفهوم المخالفة من نصوص المواد من 47 إلى المادة 51 من قانون العقوبات – التي
تحدثت عن موانع المسؤولية – أن المشرع يحددها على أساس الإدراك وحرية الاختيار،
وسوف نقوم بتوضيح شروط المسؤولية على النحو التالي:
1/ الإدراك:
ونعني بالإدراك
الوعي "أي قدرة الإنسان على فهم ماهية أفعاله وتقدير نتائجها "والمقصود بفهم ماهية الفعل ونتائجه هو فهمه من حيث كونه فعلا تترتب عنه نتائجه
العادية والواقعية وليس المقصود منه فهم ماهية في نظر قانون العقوبات، فالإنسان
يسأل عن فعله حتى ولو كان يجهل أن القانون يعاقب عليه، إذ العلم بقانون العقوبات
والتكييف الجنائي المستخلص منه مفترض في الجاني.
2/ الإرادة:
أما الإرادة
"فهي التوجيه الذهني إلى تحقيق عمل أو امتناع معين" ويجب أن تكون حرة،
بحيث يستطيع توجيهها إلى ما يريد من السلوك سواء كان فعلا أو امتناعا، وتفترض
الإرادة الحرة أن يكون لدى الإنسان عدة خيارات أو بدائل وأن يكون له القدرة على
الموازنة أو المفاضلة بينها.
ويتعين أن يتوافر
كل من الإدراك والإرادة وقت إتيان الفعل المكون للجريمة بحيث يجب أن يتعاصر معهما،
فإن انتفى أحدهما أو كلاهما انتفت المسؤولية الجنائية دون أن يؤثر ذلك على وصف
الجريمة الجريمة الذي يبقى قائما.
ثالثا: موانع المسؤولية الجنائية
تعد موانع
المسؤولية أو كما يسميها بعض الفقه عوارض المسؤولية أسبابا أو أحوالا تعترض سبيلها
فتخفف منها أو تعدمها كلية، وهذه الأسباب بعضها طبيعي مثل صغر السن وبعضها مؤقت
مثل الجنون وبعضها عارض مثل الإكراه وحالة الضرورة.
وتتميز موانع
المسؤولية بأنها موانع شخصية على خلاف أسباب الإباحة فهي أسباب موضوعية، وعليه فإن
تدخل هذه الموانع لا يزيل الصفة الجرمية عن الفعل بل يبقى غير مشروع، إلا أنه يمكن
أن ينتج عنها الإعفاء من العقوبة مع الإبقاء على التعويض المدني، وكذلك إمكانية
توقيع تدابير الأمن، وقد نص المشرع الجزائري على موانع المسؤولية في المادة 47 من
قانون العقوبات التي تحدثت عن الجنون والمادة 48 من قانون العقوبات التي تحدثت عن
الضرورة والمادة 49 و50 و51 من قانون العقوبات على صغر السن وهو ما سوف نفصله على
النحو التالي:
1/ الجنون:
يعرف الفقه الجنون
"بأنه اضطراب في القوى العقلية يفقد المرء القدرة على التمييز أو السيطرة
على أعماله "، وتنص عليه المادة 47 من قانون العقوبات كما يلي " لا
عقوبة على من كان في حالة جنون وقت ارتكاب الجريمة".
وقد يكون الجنون
مستمرا أو متقطعا، المهم أن المشرع يشترط لاستفادة المتهم من الإعفاء من المسؤولية
أن يكون أثناء قيامه بالفعل في حالة جنون.
ولم يضع المشرع
قرينة على حالة الجنون سواء كان المتهم حرا طليقا أو في مستشفى الأمراض العقلية،
ومنه يكون للقاضي الحرية الكاملة في الفصل في هذه الحالة، هذا بعد الاستعانة بالخبراء
إذا كان له أدنى شك في جنون المتهم من عدمه.
إلا أنه تجدر
الإشارة وأن عدم قيام مسؤولية المتهم إذا كان في حالة جنون لا تمنع القاضي من أن
يتخذ ضده بعض تدابير الأمن، وتكون بالخصوص الحجر القضائي في مؤسسة إستشفائية
للأمراض العقلية طبقا لنص المادة 21 من قانون العقوبات.
ويختلف حكم الجنون
بحسب ما إذا كان لاحقا للجريمة أو معاصرا لها، فالجنون اللاحق للجريمة يوقف
المحاكمة حتى يزول ويعود إلى المتهم رشده بما يكفيه للدفاع عن نفسه، أما الجنون
المعاصر للجريمة فإنه يرفع العقاب عن مرتكبها لانعدام الإدراك فيه.
2/ صغر السن:
من الثابت أن
الإنسان يولد فاقدا للإرادة والإدراك، ثم ينمو عقله تدريجيا بتقدمه في العمر،
ويستتبع ذلك نمو إدراكه حتى يأتي السن الذي ينضج فيه العقل ، وعلى أساس هذا التدرج
تتحدد قواعد المسؤولية الجزائية كقاعدة عامة، وفي الوقت الذي يكون فيه الإدراك
ضعيفا تكون المسؤولية ضعيفة أو ناقصة، وفي الوقت الذي يكتمل فيه الإدراك تكون
المسؤولية الجزائية كاملة، ويقال أن الإنسان في هذا الوقت قد بلغ سن الرشد الجزائي
ويعامل معاملة البالغين.
وتختلف التشريعات
الجنائية في تحديد سن الرشد؛ والمشرع الجزائري يجعلها في سن 18 سنة، وذلك بالنص في
المادة 442 ق إ ج "يكون بلوغ سن الرشد الجزائي في تمام الثامنة عشر".
وقد جاء في نص
المادة 49 أنه "لا توقع على القاصر الذي لم يكمل الثالثة عشر إلا تدابير
الحماية والتربية ومع ذلك فإنه في مواد المخالفات لا يكون محلا إلا للتوبيخ.
ويخضع القاصر الذي
يبلغ سنة من 13 إلى 18 إما لتدابير الحماية أو التربية أو لعقوبات مخففة".
ومن خلال نص
المادة يتضح أن قانون العقوبات قد ميز بين ثلاث مراحل للمسؤولية بحسب عمر الجاني
القاصر وهي ؛
- مرحلة ما قبل
الثالثة عشر سنة؛ وفيها تنعدم الأهلية وتنعدم المسؤولية.
- مرحلة ما بين
الثالثة عشر وقبل الثامنة عشر، وفيها تكون الأهلية ناقصة وتكون مسؤولية القاصر
مخففة.
- مرحلة بلوغ
الشخص لسن الرشد عند 18 سنة، وتكون أهليته كاملة ومسؤوليته غير منقوصة.
3/ الإكـــراه:
يختلف الإكراه عن
الجنون، في أن الجنون ينفي الإرادة والإدراك بينما الإكراه ينفي حرية الاختيار
ويسلب الإرادة حريتها كاملة.
وتنص المادة 48 من
قانون العقوبات على الإكراه بقولها "لا عقوبة على من اضطرته إلى ارتكاب
الجريمة قوة لا قبل له بدفعها".
والإكراه نوعان
إكراه مادي وإكراه معنوي، أما الإكراه المادي كأن يتعرض الإنسان لقوى مادية خارجية
تعدم إرادته وتحمله على القيام بالواقعة الإجرامية، مثل أن يمسك شخصا بيد آخر
ويحركها لكتابة بيانات مزورة في محرر رسمي.
أما الإكراه
المعنوي فهو قوة معنوية تضعف إرادة المكره على نحو يفقدها حرية الاختيار، مثل
استعمال أحد الأشخاص التهديد لحمل شخص آخر على ارتكاب الجريمة.
4/ حالة الضرورة:
وهي "حالة
الشخص الذي لا يمكنه أن يدفع عن نفسه أو عن غيره شرا محدقا به أو بغيره إلا
بارتكاب جريمة بحق أشخاص آخرين" وتسمى هذه الجريمة بـ جريمة الضرورة، ومثال
على ذلك سائق السيارة الذي يصطدم بسيارة أخرى تفاديا للاصطدام بأحد المارة، أو
الشخص الذي يخرج من منزله عاريا في الطريق بسبب زلزال أو حريق نشب أثناء وجوده في
الحمام فيرتكب بذلك الفعل المخل بالحياء.ولقد اختلف الفقه في تحديد طبيعة حالة
الضرورة هل هي مانع من موانع المسؤولية أم سبب من أسباب الإباحة، ويميل الكثير من
الفقه إلى جعلها من موانع المسؤولية باعتبار أن الضرورة تمثل ضغطا حقيقيا على
إرادة الفاعل الذي يخضع لظرف خارجي يهدده بخطر جسيم.
وتجدر الإشارة أن
المشرع الجزائري لم ينص على حالة الضرورة إطلاقا عكس التشريعات الأخرى التي وضعتها
إما كسبب من أسباب الإباحة أو مانعا من
موانع المسؤولية، وإن إغفال المشرع لمثل هذا الأمر رغم كثرة التعديلات الواقعة على
قانون العقوبات يعد تقصيرا منه وجب إصلاحه.
ونحن نميل مع
الرأي الذي أخذ به الدكتور عبد الله سليمان في اقتراحه بجعل حالة الضرورة من موانع
المسؤولية ورأى بتعديل نص المادة 48 قانون عقوبات وإضافة حالة الضرورة إليها.
رغم أنه من الفقه
من رأى بوجود حالة الضرورة بصفة متفرقة في بعض الجرائم مثل جريمة الإجهاض في نص
المادة 308 من قانون العقوبات التي تنص "لا عقوبة على الإجهاض إذا استوجبته
ضرورة إنقاذ حياة الأم من الخطر متى أجراه طبيب أو جراح في غير خفاء وبعد إبلاغه
السلطة الإدارية".
المرجع:
- عبد الرحمان خلفي، محاضرات في القانون الجنائي العام، دراسة مقارنة، دار الهدى، الجزائر، سنة 2013، ص 166 إلى ص 175.