محاضرة في المساهمة الجنائية (المساهمة التبعية)
ثانيا: المساهمة التبعية
قمنا بتوضيح
المساهمة الجنائية سابقا على أساس وجود مساهمة أصلية ومساهمة تبعية، فتكون المساهمة أصلية إذا كان الفاعل قد قام بأعمال
تدخل في تكوين الركن المادي للجريمة، أي الأعمال التنفذية للجريمة، أما الأعمال
التبعية فهي أعمال لا تدخل في تكوين الركن المادي للجريمة، بل هي أعمال تحضيرية لا
عقاب عليها لوحدها.
والعمل الذي يدخل
ضمن المساهمة التبعية هو عمل الشريك الذي اكتسب الصفة الإجرامية لصلته بالفعل
الإجرامي الذي ارتكبه الفاعل، ولما كانت الأعمال التحضيرية تسبق الأفعال المادية
لتحقيق الجريمة، فإن عمل الشريك يسبق عادة الفاعل الأصلي أو يعاصره.
ولقد نص المشرع
الجزائري على المساهمة التبعية في نص المادة 42 و 43 قانون العقوبات أين حدد من هو
الشريك ومن يدخل في حكم الشريك، فتنص المادة 42 قانون العقوبات "يعتبر شريكا
في الجريمة من لم يشترك اشتراكا مباشرا، ولكنه ساعد بكل الطرق أو عاون الفاعل أو الفاعلين على ارتكاب الأفعال
التحضيرية أو المسهلة أو المنفذة لها مع علمه بذلك".
وتنص المادة 43
قانون العقوبات " يأخذ حكم الشريك من اعتاد أن يقدم مسكنا أو ملجأ للاجتماع
لواحد أو أكثر من الأشرار الذين يمارسون اللصوصية أو العنف ضد أمن الدولة أو الأمن
العام أو ضد الأشخاص أو الأموال مع علمه بسلوكهم الإجرامي.
والمساهمة التبعية
في الأصل أعمال تحضيرية لا عقاب عليها لذاتها، وإنما تنجذب إلى دائرة التجريم
بوصفها حلقة من حلقات المساهمة في ارتكاب الجريمة، وتعني ذلك أن أفعال الشريك لا
تدخل دائرة التجريم ولا يعاقب عليها إلا إذا ارتكب الفاعل الأصلي الجريمة أو شرع
فيها، وقد جعل المشرع للمساهمة التبعية صورتين محددتين بنص المادة 42 و 43 وهما:
- المساعدة أو
المعاونة على ارتكاب الجريمة.
- الاعتياد على
إخفاء و إيواء الأشرار.
1/ المساعدة أو المعاونة:
يكاد يقترب معنى
المساعدة من المعاونة مع اختلاف بسيط في درجة المساهمة، ونكتفي بالقول بأنه يجب أن
تبقى أعمال المساعدة والمعاونة في حدود الأعمال التحضيرية للجريمة، ورغم عدم تحديد
هذه الأعمال من طرف المشرع، إلا أن الفقه يجمع على أنها يمكن أن تتم بكل الطرق
بشرط أن تنحصر في الأعمال التحضيرية أو الأعمال المسهلة أو المنفذة للجريمة، كما
جاء بنص المادة 42 من قانون العقوبات، والتي يمكن تقسيمها إلى مساعدة سابقة على
ارتكاب الجريمة ومساعدة معاصرة لها.
أما المساعدة
السابقة على ارتكاب الجريمة فإنه يوجد هناك فارق زمني بين تقديمها وبين تنفيذ
الجريمة، وهي التي نقصد بها الأعمال التحضيرية.
أما المساعدة
المعاصرة فيشترط القانون ألا يكون الشريك متواجد في مسرح الجريمة بعد تقديم
المساعدة، وعليه إذا بقى في مسرح الجريمة
وبدأ الفاعل الأصلي في تنفيذ الجريمة فيعتبر الشخص الذي قدم المساعدة فاعلا أصليا
معه، وطبعا المساعدة المعاصرة هي التي تحدث عنها المشرع بالأعمال المسهلة أو
الأعمال المنفذة، والفرق بينهما – حسب بعض الفقه – أن الأولى تكون مع بداية أعمال
التنفيذ، والثانية تصاحب الخطوات الأخيرة في ارتكاب الواقعة الإجرامية، وكمثال على
المساعدة المعاصرة تلهية المجني عليه حتى يتعطل في الرجوع إلى بيته الذي يسرق.
أما المساعدة
اللاحقة على ارتكاب الجريمة فهي لا تعد صورة من صور المساهمة التبعية وإنما هي
جريمة مستقلة قائمة بذاتها مثل جريمة إخفاء أشياء مسروقة.
2/ الاعتياد على إخفاء وإيواء الأشرار
بالرجوع إلى نص
المادة 43 قانون عقوبات نجد أن هناك صورة ثانية من صور المساهمة التبعية تتمثل في
الشريك الحكمي، بحيث يأخذ حكم الشريك كل شخص اعتاد على إيواء وإخفاء الأشرار، ولقد
أقحم المشرع هذه الصورة رغم كونها مساعدة لاحقة على ارتكاب الجريمة، وهذا يخالف
المساعدة التي تم الحديث عنها باعتبارها تكون قبل ارتكاب الفعل.
ويشترط في الشخص
الذي يأخذ حكم الشريك لإيوائه الأشرار وإخفائهم أن يعتاد على ذلك، مع علمه بسلوكهم
الإجرامي، فإذا قام بهذا الفعل لأول مرة لا يعد شريكا.
ثالثا: مسؤولية وعقاب الفاعل الأصلي والشريك
نتناول في هذا
الموضوع طبيعة العلاقة بين الفاعل والشريك وموقف المشرع الجزائري من ذلك في نقطة
أولى، ثم عقوبة كل واحد منهما بالنظر إلى الظروف الشخصية والموضوعية للجريمة.
1/ طبيعة العلاقة بين الفاعل الأصلي والشريك
إذا كان من الثابت
وجود علاقة بين عمل الفاعل الأصلي وعمل الشريك باعتبارها علاقة واقعية لا يمكن
للقانون أن يتجاهلها ويجب أن يعطيها الأهمية اللازمة، وإذا كان ثابتا كذلك وأن
الأعمال التي يقوم بها الشريك هي في الأصل أعمال تحضيرية لا عقاب عليها، وإنما
تنجذب إلى دائرة التجريم لتبعيتها لعمل الفاعل الأصلي الذي يتطابق مع النموذج
الإجرامي الموجود في قانون العقوبات، إلا أن هذه العلاقة اختلف الفقه بشأن تحديد
طبيعتها، بمعنى آخر ما هو السبب الذي يجعل المشرع يعاقب الشريك رغم كون عمله
تحضيري بحسب الأصل لا عقاب عليه؟ والجواب نجده عند نظريتين، نظرية الاستقلالية
ونظرية التبعية؛
أ / نظرية الاستقلالية:
ترى هذه النظرية
أن عمل الشريك عملا مستقلا يعاقب عليه لذاته دون وجود علاقة بينه وبين عمل الفاعل
الأصلي، وكل منهما يستقل بعقوبته عن الأخر، ويترتب على الأخذ بهذه النظيرة ما يلي:
- يسأل الشريك جزائيا
تبعا لخطورته الخاصة بصرف النظر عن خطورة الفاعل الأصلي، وهذا يعني أنه قد تكون
عقوبة الشريك أشد أو أخف من عقوبة الفاعل الأصلي.
- يسأل الشريك
تبعا لقصده الخاص ومدى انصرافه إلى ارتكاب جريمة معينة دون غيرها، ومن ثم فهو لا
يتأثر بما قد يرتكبه الفاعل الأصلي من جرائم جديدة لم تكن في ذهن الشريك ولم تكن
محور اتفاق معه.
- لا يتأثر الشريك
بموانع المسؤولية كالجنون، أو موانع العقاب كالعلاقة الزوجية في السرقة بين
الأقارب التي تلحق الفاعل الأصلي، أو بقيود الدعوى العمومية في الجرائم المعلق
تحريك الدعوى العمومية بشأنها على شكوى والتي يستفيد منها الفاعل الأصلي لوحده.
- يعامل الشريك في
المسؤولية المدنية معاملة مستقلة عن الفاعل الأصلي.
ب/ نظرية التبعية أو الاستعارة
ترى هذه النظرية
بأن عمل الشريك مرتبط بمصير الفاعل الأصلي من حيث التجريم والعقاب، ويترتب على
الأخذ بهذا الرأي النتائج التالية؛
- لا يسأل الشريك إلا
في نطاق الخطورة الإجرامية للفاعل الأصلي، وإذ امتنع الفاعل عن ارتكاب الجريمة فلا
مسؤولية للشريك.
- يسأل الشريك
بحسب قصد الفاعل الأصلي، ومن ثمة فهو يتأثر بما قد يرتكبه الفاعل الأصلي من جرائم
جديدة لم تكن في ذهن الشريك ولم تكن موضوع اتفاق معه.
- يتأثر الشريك
بموانع المسؤولية والعقاب التي يستفيد منها الفاعل الأصلي، كما يستفيد من سحب
الشكوى إذا كانت لمصلحة الفاعل الأصلي.
- يعامل الشريك في
المسؤولية المدنية مثلما يعامل الفاعل الأصلي للجريمة.
ج/ موقف المشرع الجزائري
لقد مزج المشرع
الجزائري بالنظريتين معا، بحيث نجده من حيث التبعية يعاقب الشريك بالعقوبة المقررة
للجناية أو الجنحة التي اشترك فيها باستثناء المخالفة فلا يعاقب عليها الشريك
إطلاقا، وهذا ما نصت عليه المادة 44 من قانون العقوبات مع إشتراط أن يرتكب الفاعل الأصلي الجريمة أو يشرع
فيها على الأقل حتى يتابع الشريك.
إلا أن المشرع وفي
المقابل يأخذ بنظرية الاستقلالية وذلك بجعله كل واحد من المساهمين مستقل بظروفه
الشخصية، كما يقرر معاقبة الفاعل المعنوي، كما يعاقب على المحرض بالعقوبة المقررة
للجريمة حتى ولو لم ترتكب الجريمة لمجرد امتناع من كان ينوي ارتكابها بإرادته وحدها
طبقا لنص المادة 46 من قانون العقوبات.
2/ عقوبة الفاعل الأصلي والشريك:
أ/ بالنسبة لعقوبة الفاعل الأصلي
يحكم على الفاعل
الأصلي بالعقوبة المقررة للجريمة التي ارتكبها المنصوص عليها في نص المتابعة، سواء
كان فاعلا مباشرا أو محرضا أو فاعلا معنويا، ولا يختلف الأمر سواء كان الفاعل واحد
أم تعدد الفاعلون، إلا إذا كان التعدد ظرفا مشددا في بعض الجرائم كالسرقة.
ب/ بالنسبة لعقوبة الشريك
تنص المادة 44 من
قانون العقوبات "يعاقب الشريك في جناية أو جنحة بالعقوبة المقررة للجناية أو
الجنحة" كما تنص نفس المادة في الفقرة الأخيرة "ولا يعاقب على
الاشتراك في المخالفة على الإطلاق"
ج/ بالنسبة للظروف الشخصية
تنص المادة 44/2
من قانون العقوبات "ولا تؤثر الظروف الشخصية التي ينتج عنها تشديد أو تخفيف
العقوبة أو الإعفاء منها إلا بالنسبة للفاعل أو الشريك الذي تتصل به هذه
الظروف".
ومنه نجد أن
المشرع الجزائري يرى من العدل أن تقتصر الظروف الشخصية على أصحابها فقط سواء كانت
ظروفا مشددة أو مخففة أو معفية من العقاب،
وعليه قد يكون لدى الفاعل الأصلي مانع من موانع المسؤولية كصغر السن والإكراه، ففي
هذه الحالة لا تقوم مسؤوليته ، إلا أن الشريك لا يستفيد من هذا المانع، كما قد
يكون لدى الفاعل الأصلي مانع من موانع العقاب، كمن يسرق مال أبيه فإن شريكه يعاقب
على هذا الفعل رغم إعفاء الفاعل من العقاب، كما قد يكون لدى الفاعل الأصلي ظرف
مشدد كالعود أو صفة الفرع في جريمة قتل الأصول بحيث تشدد العقوبة بالنسبة إليه ولا
يكون كذلك بالنسبة للشريك.
د/ بالنسبة للظروف الموضوعية
تنص المادة 44/3
قانون العقوبات "والظروف الموضوعية اللصيقة بالجريمة التي تؤدي إلى تشديد أو
تخفيف العقوبة التي توقع على من ساهم فيها يترتب عليها تشديدها أو تخفيفها بحسب ما
إذا كان يعلم أو لا يعلم بهذه الظروف".
من خلال نص المادة
يتضح وأن الظروف الموضوعية تشمل كل من ساهم بالجريمة سواء كان فاعلا أصليا أم شيكا
بشرط أن يكون المساهم على علم بهذه الظروف، ومنه إذا اشترك اثنان في جريمة سرقة
وقد حمل أحدهما سلاحا مخبأ فإن مسؤولية شريكه عن هذا الظرف المشدد الناتج عن حمل
السلاح متوقف على علمه بأن زميله يحمل سلاحا.
إلا أن الملاحظة
التي سجلها الفقه على الفقرة السابقة، هو أنه إذا كان اشترط المشرع ضرورة العلم
بالظروف الموضوعية أمر له ما يبرره في حالة وجود الظروف المشددة حتى لا يفاجأ
مرتكب الجريمة بما لم يكن يتوقع أو يعلم، لكن اشتراط العلم بالظروف المخففة بغرض
الاستفادة منها فلا يوجد ما يبرره ولا الحكمة من ذلك.
المرجع:
- عبد الرحمان خلفي، محاضرات في القانون الجنائي العام، دراسة مقارنة، دار الهدى، الجزائر، سنة 2013، ص 140 إلى ص 147.