انقضاء الالتزام دون الوفاء به
في
مثل هذه الحالة فإن الدائن لا يستوفى حقه تماما، إما لأنه لم يرد ذلك اختيارا عن
طريق إبرام ذمة مدينة، أو لأن الالتزام استحال تنفيذه ولا تكليف عندئذ بمستحيل، أو
لأن قواعد القانون هي التي حالت دون حصول الدائن على حقه وهذا بسبب التقادم
المسقط.
المطلب الأول: الإبراء (م: 305-306 مدني)
الفرع الأول – تعريفه وشروطه
الإبراء
عبارة عن تصرف قانوني بإرادة الدائن المنفردة، يتنازل بمقتضاه الدائن عن كل أو جزء
من دينه الذي في ذمة مدينه، ولما كان الإبراء تصرف بالإرادة المنفردة فإنه لا
يحتاج فيه إلى قبول المدين، وإن كان يجوز لهذا الأخير أن يرده ويعتبر الرد هنا
أيضا تصرف بالإرادة المنفردة، وهذه الخاصية للإبراء (أي اعتباره تصرف بالإرادة
المنفردة) استمدها المشرع من الفقه الإسلامي، لأن القانون الفرنسي على سبيل المثال
يرى في الإبراء اتفاقا ويحتاج بالتالي إلى قبول المدين.
ولئن
كان الإبراء تبرعا (أي تنازل عن الدين بدون مقابل) فإنه أحيانا يكون معاوضة وهذا
ما يحصل مثلا في الصلح (م: 459 مدني وما بعدها) إذ كل طرف يتنازل عن جزء من حقه
مقابل تنازل الطرف الثاني أيضا عن جزء من حقه.
ويشترط
في الإبراء باعتباره تبرعا، أهلية التصرف، غير أنه لا يشترط شكل خاص لصحة انعقاده،
فهو قد يتم في الشكل المكتوب أو الشفهي، ويكون صريحا كما قد يكون ضمنيا.
أما
بالنظر إلى مضمون التصرف فيجب توافر أهلية التبرع على اعتبار أن الإبراء يأخذ حكم
الهبة، ويشترط أن تكون إرادة التبرع سليمة من العيوب، كما يجب أيضا توافر الشروط
المعهودة سواء في المحل أو السبب.
الفرع الثاني – آثــاره
يترتب
على الإبراء انقضاء التزام المدين بكافة تأميناته (الشخصية والعينية على السواء)،
ومتى تعدد المدينون فإن إبراء أحدهم يستفيد منه البقية، بحيث يسقط عنهم حصته من
الدين.
المطلب الثاني: استحالة التنفيذ (م: 307 مدني)
الفرع الأول – شروطها
استحالة
التنفيذ تعد سببا لانقضاء التزام المدين، لكن يشترط لذلك أن نكون أمام التزام نشأ
صحيحا، ثم طرأ طارئ جعل من تنفيذ ذلك الالتزام مستحيلا (لا مرهقا) سواء كانت
الاستحالة قانونية (كنزع ملكية عين بيعت إلى مشتر وتعذر تسليمها إليه بعد صدور
قرار نزع الملكية) أو فعلية (كهلاك العين التي كان البائع سيسلمها للمشتري) طالما
كانت دائمة لا مؤقتة، إذ في الحالة الأخيرة يوقف تنفيذ العقد مثلا، كما يشترط أيضا
أن لا تكون الاستحالة راجعة إلى خطأ المدين، مما يفهم معه أن الاستحالة المقصودة
هي التي ترجع إلى سبب أجنبي (كقوة قاهرة أو خطأ الغير أو خطأ الدائن)، ويتوجب على
المدين الذي يدعى السبب الأجنبي إثباته.
الفرع الثاني – آثــارها
يترتب
على استحالة تنفيذ الالتزام انقضاء التزام المدين بتوابعه وتأميناته (الشخصية
والعينية) دون أن يقضي عليه بأي تعويض، أما من يتحمل تبعه تلك الاستحالة ؟ فهي على
المدين في العقود الملزمة للجانبين بحيث يتحلل الدائن أيضا من أي التزام (كدفع ثمن
الشيء المبيع) وهي على عاتق الدائن في العقود الملزمة لجانب واحد (كالوديعة بدون
آجر).
المطلب الثالث: التقادم المسقط (م: 308 إلى 322 مدني)
الفرع الأول – تعريفه وأساسه
التقادم
عبارة عن مرور فترة زمنية معينة على استحقاق الدين دون المطالبة به، فيسقط بذلك
حقا (شخصيا أو عينيا) أو هو دفع موجه إلى دعوى.
الدائن
يؤدي إلى سقوط حق المطالبة بالدين إذ تمسك به من له مصلحة فيه.
هذا
ويقوم التقادم أحيانا على أساس دعم استقرار التعامل وبالتالي النظام العام، إذا لا
يعقل أن يظل الناس يطالب بعضهم بعضا إلى ما لا نهاية، كما يؤسس التقادم أيضا على
قرينة الوفاء، أي أن مرور فترة التقادم على ديون معينة يفيد أن أصحابها استوفوها،
وقد يقوم التقادم أحيانا على اعتبار آخر هو أن المدين يدفع دينه من ريعه لا من
رأسماله، خاصة في الديون الدورية المتجددة، وتراكم مبالغ الديون على المدين مما
يرهقه بحيث يضطره إلى دفع المستحقات من رأسماله لا من ريعه، لذلك قرر المشرع مدد
تقادم قصيرة بشأنها.
الفرع الثاني – أنــواعه
التقادم
إما مسقط للحقوق (وهو محل الدراسة هنا) أو مكسب لها، وأهم الفروق بينهما الآتي:
-
التقادم المسقط يؤدي إلى سقوط الحقوق (والأولى القول الدعوى التي تحميه) الشخصية
والعينية (كالانتفاع والاستعمال والسكني والارتفاق (م: 854 و 857 و 879 مدني)) على
السواء، أما التقادم المكسب إلا الحقوق العينية وهذا بعد حيازتها مدة معينة.
-
التقادم المكسب يقترن بالحيازة، بينما لا وجود للحيازة في التقادم المسقط، أي أن
التقادم المكسب يعتمد على حيازة المال مدة زمنية معينة، بينما التقادم المسقط
عبارة عن سلوك سلبي من صاحب الحق العيني أو الشخصي.
-
ينظر في التقادم المكسب إلى حسن أو سوء نية من يتمسك به ولهذا تجد مدد التقادم
تختلف بين الحالتين إذ هي أطول في الثانية مقارنة بالأولى، أما في التقادم المسقط
فلا تلعب النية دورا يذكر.
-
يضاف إلى مواعيد التقادم ما يسمى بمواعيد السقوط، وهي أن يضع المشرع مواعيد قصيرة
عادة لكي يباشر صاحب المصلحة دعوى أو لكي يباشر إجراء معينا، ومتى أهمل القيام
بذلك سقط حقه.
ومواعيد
السقوط هذه لا تقوم – كما في التقادم – على قرينة الوفاء بالالتزام أو الإستقرار
المعاملات أو عدم إرهاق المدين، بل كل هم المشرع أن يتخذ الإجراء في وقته وهذا ما
نلاحظه في الميعاد الذي وضعه المشرع لرفع دعوى الاستغلال (م: 90/2 مدني) أو دعوى
المطالبة بجائزة (م: 155/2 مدني) أو لاسترداد لعين التي خرجت من دون رضا الحابس (م:
202 مدني) أو دعوى ضمان صلاحية المبيع للعمل مدة معلومة في إطار عقد البيع (م: 386
مدني) كما يلاحظ أيضا أن مواعيد السقوط – عكس مواعيد التقادم – لا يلحقها وقف ولا
قطع في سريانها ومواعيد السقوط عادة تتعلق بالنظام العام، مما يجوز للقاضي فيها أن
يثيرها من تلقاء نفسه، وهذا عكس مواعيد التقادم التي تتعلق بمصالح الأشخاص ولذلك
يجوز النزول عنها كما سيأتي معنا، وإذا كانت القاعدة العامة أن الدفوع ومنها الدفع
بالتقادم، لا يسقط فإن مواعيد السقوط لا تسري عليها تلك القاعدة.
أما
عن معيار التمييز بينهما وبين مواعيد التقادم، فإن مواعيد السقوط تكون عادة قصيرة،
كما أن المشرع أحيانا يصرح بمواعيد السقوط، وفي حالة غياب نص المشرع وجب اعتماد
الأصول التي تبنى عليها مواعيد التقادم والسقوط كمعيار للتمييز بينها.
الفرع الثالث – مدة التقادم
القاعدة
العامة أن جميع الحقوق الشخصية والعينية على السواء – ما لم يكن هناك استثناء كعدم
سقوط حق الملكية بالتقادم وعدم تقادم مسائل الحالة المدنية للأشخاص كالحق في الاسم
وفي النسب .... – تتقادم بمضي 15 سنة إلا أن يقرر المشرع مدة تقادم أطول (كما فعل
في حقوق الإرث (م: 829 مدني) بحيث تتقادم بـ 33 سنة) وخارج هذه القاعدة العامة نجد
مدة التقادم في القانون المدني تتراوح بين 05 سنوات وسنة واحدة وفق ما سيأتي بيانه:
أولا – التقادم بخمس سنوات:
و
الحقوق التي تتقادم بهذه المدة هي الحقوق التي تتميز بصفتي الدورية والتجدد، ويقصد
بالدورية أن تدفع كل أسبوع مثلا أو كل شهر أو كل سنة، ومصدر الدورية، قد يكون
الاتفاق (كأجرة المباني) أو القانون (كالمعاشات المختلفة)، أما التجدد فيقصد به
الاستمرار دون انقطاع ودون أن يمس بأصل الدين ومن أمثلة (لأن النص القانوني أوردها
على سبيل المثال لا الحصر) الحقوق الدورية المتجددة : بدل إيجار المباني وأجور
ومرتبات الموظفين، والمعاشات المختلفة ومتى فقد دين ما إحدى الصفتين السابقتين
تقادم وفق القاعدة العامة (أي بـ 15 سنة).
وأساس
هذا التقادم الخمسي أن المدين فيها عادة ما يدفعها مما يتقاضاه، وتراكم تلك الديون
عليه لمدة تزيد عن خمس سنوات يؤدي إلى إرهاقه بحيث يضطره ذلك إلى أدائها من
رأسماله، ثم إن هذا التقادم لا يبنى على قرينة إن مضى المدة يفيد أدائها من المدين
ذلك أن المشرع أبقى مدة التقادم على حالها حتى ولو أقر بها المدين.
ثانيا – التقادم بأربع سنوات:
والحقوق
التي تتقادم بأربع سنوات هي أساسا الضرائب والرسوم المستحقة للدولة، ونفس التقادم
ينطبق على من دفع ضريبة أو رسما غير مستحق للدولة، أما بدء سريان هذا التقادم فهو
من نهاية السنة استحقت عنها الضريبة أو الرسم، أو من تاريخ دفعها ومتى وجبت تلك
الضرائب و الرسوم عن أوراق قضائية، فيبدأ تقادمها من تاريخ تحريرها، ومتى حررت
لأجل مرافعة قضائية فمن تاريخ انتهاء تلك المرافعة.
ثالثا – التقادم بسنتين:
والديون
المقصودة هنا هي حقوق الأطباء (كالعلاج والانتقال إلى المرضى) والصيادلة (عن
الأدوية) والمحامون (عن أتعاب المرافعة) والمهندسون (عن التصاميم التي أنجزوها) والخبراء
والسماسرة ووكلاء التفليسة (عن الخبرة التي أنجزوها أو عن أعمال السمسرة أو إدارة
التفلسية) والأساتذة والمعلمون (في المدارس الخاصة وعن الدروس الخصوصية)، فديون كل
هؤلاء تتقادم بمضي سنتين من تاريخ إنهاء العمل الموكول إليهم، وهذا التقادم القصير
مبناه أن عادة هؤلاء استيفاء حقوقهم فور إنهاء العمل المطلوب منهم، ثم إن تلك
الأعمال مصدر رزقهم، وبالتالي فإن تقادم حقوقهم أساسه قرينة الوفاء، خاصة وأن
الغالب أن لا يحرر سند عن تلك الحقوق أما لو حرر سند عن ذلك فإن التقادم ينقلب إلى
15 سنة، وفق ما تقضي به (م: 313/2 مدني).
رابعا – التقادم بسنة واحدة:
تتقادم
بسنة واحدة فقط حقوق التجار والصناع (عما يوردوه من بضائع لعملائهم لأجل استهلاكها)،
وأجور العمال والأجراء (وهم عمال المصانع والمتاجر والمزارع وخدم المنازل والفنادق
والمطاعم)، وحقوق أصحاب الفنادق والمطاعم (تجاه الزبائن من إقامة وأكل وشرب وغسيل
للملابس ..) والتقادم القصير هذا أيضا مبني على قرينة الوفاء، أي أن المشرع يفترض
بقرينة بسيطة يجوز إثبات عكسها، أنه بمضي تلك المدة يكون أصحاب تلك الحقوق قد
استوفوا حقوقهم، خاصة وأنها تمثل مصدر رزقهم في الغالب، هذا ويشترط هنا أيضا أن لا
يحرر سند عن تلك الديون، فإن حرر سند بتلك الديون انقلب تقادمها – بحسب: م: 313/2
مدني إلى 15 سنة، ضف إلى ذلك أن الدائن يستطيع دائما أن يدحض قرينة الوفاء تلك بمضي
السنة، وهذا متى وجه القاضي (وهو التزام عليه) اليمين المتممة إلى المدين الذي
يتمسك بهذا التقادم الحولي (أو إلى ورثته من بعد وفاته أو من ينوب عنهم إن كانوا
قاصرين) ليحلف أنه وفى بالدين فعلا، فإن هو حلفها سقط دين الدائن بالتقادم، وإن هو
نكل عن حلفها ثبت الدين في ذمته ولم يسقط إلا وفق التقادم الطويل (أي 15 سنة من
تاريخ صدور الحكم أو من تاريخ النكول).
الفرع الرابع – كيفية احتساب التقادم
أولا – بدء سريان التقادم
يبدأ
التقادم في السريان من اليوم الذي يصبح فيه الالتزام مستحق الأداء، وهذا على
اعتبار أنه من هذا التاريخ فقط، يستطيع الدائن المطالبة بحقه، ويترتب على ذلك أن
الدين المضاف إلى أجل واقف لا يتقادم إلا من تاريخ حلول ذلك سواء كان حلوله بصفة
طبيعية أو بسقوطه أو بالنزول عنه، أما الالتزام المعلق على شرط واقف فلا يسري
التقادم إلا من تاريخ تحقق الشرط على اعتبار أنه قبل تحقق الشرط لا يمكن المطالبة
بتنفيذ الالتزام المشروط.
على
أن المشرع قد يخالف القاعدة السابقة بحيث يجعل التقادم يسري قبل أو بعد تاريخ
الاستحقاق وهذا ما يلاحظ على البطلان للغلط أو التدليس أو الإكراه (إذ يبتدئ
التقادم من تاريخ اكتشاف الغلط أو التدليس أو زوال الإكراه)، ودعاوى الإثراء بلا سبب
ودفع غير المستحق والفضالة (إذ يبتدئ التقادم من تاريخ العلم بحصول الإثراء أو دفع
غير المستحق والفضالة).
وإذا
كان في الحالات السابقة يتأخر بدء سريان التقادم على تاريخ الاستحقاق فإنه، أحيانا
يتقدم بدء سريان التقادم على تاريخ الاستحقاق، من ذلك أن المشرع نص في (م: 315/3
مدني) أن الوفاء بالدين إن كان تاريخه متوقف على إرادة الدائن (أي لا يمكن الوفاء
به إلا من الوقت الذي يعلن فيه الدائن عن إرادته في استيفاء حقه: كأن يتعلق الأمر
بسند واجب الوفاء عند تقديمه للإطلاع "à vue" فإن
التقادم يسري لا من تاريخ الإعلان عن تلك الإدارة (وهو تاريخ الاستحقاق) بل من
التاريخ الذي يتمكن فيه الدائن من إعلان إرادته (والإمكان هذا قد يسبق تاريخ
الإعلان).
ثانيا – حساب التقادم:
يحسب
التقادم بالأيام (حسب التقويم الميلادي (م: 3 مدني) لا بالساعات، ولا يدخل في حساب
التقادم أول يوم منه ولا آخر يوم، وعلى هذا الأساس لو كان التقادم هو ثلاث سنوات
ابتداء من 26 من ديسمبر، فإن التقادم ينقضي بتمام يوم 27 من ديسمبر من السنة
الثالثة، وتدخل أيام الأعياد المختلفة في حساب التقادم، ويكتمل التقادم ولو صادف
آخر يوم منه يوم عيد، ويسري التقادم ضد الدائن وكذا خلفه العام أو الخاص، فلو أن
تقادم حق الدائن مضت عليه مدة 10 سنوات فإنه لا يبقى لخلفه إلا 05 سنوات على تقادم
الحق الذي آل إليه من سلفه.
الفرع الخامس – وقف التقادم وقطعه
أولا – وقف التقادم:
كلما
وجد مانع قانوني يحول دون مطالبة الدائن بحقه، أوقف سريان التقادم في حقه إلى زوال
ذلك المانع ليستأنف سريانه بعد زوال المانع، ويمكن رد الوقف إلى أسباب تتعلق
بالدائن وأخرى بظروف قاهرة.
أ) أسباب الوقف المتعلقة بالدائن
وتتعلق
هذه الحالة بعديم الأهلية والغائب والمحكوم عليه بعقوبة جنائية فكل هؤلاء يوقف
سريان التقادم ضدهم متى زادت مدة تقادم حقوقهم عن 05 سنوات، وهذا سواء كان لهم
نائب قانوني أو لم يكن لهم نائب قانوني ويستمر هذا الوقف طيلة فترة عدم أهليتهم أو
غيبتهم وفي هذا إرهاق للمدين خاصة متى كان لهؤلاء نائب قانوني.
أما
في الحالة التي يقل التقادم فيها عن 05 سنوات فإنه يوقف التقادم في حقهم متى لم
يكن لهم نائب قانوني أما في الحالة العكسية فلا يوقف التقادم.
وهذا
الحكم الأخير إن كان منطقيا من جانب على اعتبار وجود النائب فإنه ليس منطقيا من
جانب أخر مقارنة بحالة وقف التقادم متى زاد عن 05 سنوات.
ب) أسباب الوقف المرتبطة بظروف مادية أو معنوية
وتعد
هذه الحالة القاعدة العامة إذ تنطبق في كل مرة يجد الدائن نفسه – ودون أن يتسبب في
ذلك – أمام مانع مادي (كحروب أو ثورات) أو أدبي (كعلاقة الزوج بزوجته، أو الأصول
بالفروع، أو السيد بخادمه أو العامل برب العمل، أو النائب بالأصيل ...) يحول بينه
وبين المطالبة بحقه.
ج) آثار وقف التقادم:
يترتب
على وقف التقادم أن المدة التي انقضت قبل وقف التقادم تبقى قائمة لكن دون أن تضاف
إليها المدة التي يكون التقادم خالها موقوفا، ثم بعد استئناف سريان التقادم تؤخذ
في الاعتبار المدة السابقة على الوقف.
ثانيا – قطع التقادم:
على
خلاف وقف التقادم فإن انقطاع التقادم عبارة عن عدم اعتداد كلي بمدة التقادم التي
قبل حصول الانقطاع، ووجوب بدء تقادم جديد، ولئن كان الوقف يتعلق بالدائن (قيام
مانع بحقه حال دون مطالبته بحقه) فإن الانقطاع قد يأتي من الدائن لكن بإرادة صريحة
في المطالبة بحقه، وقد يتعلق بالمدين أيضا عن طريق إقرار بحق الدائن.
أ) الأسباب المرتبطة بالدائن
وتتمثل
هذه أساسا في المطالبة القضائية التي يقوم بها الدائن للمطالبة بحقه من مدينه،
وينقطع التقادم بمجرد إيداع صحيفة الدعوى لدى قلم كتاب المحكمة متى كانت الشروط المطلوبة
في قبول الدعوى قائمة (ويترتب على ذلك أن عدم قبول الدعوى، أو بطلان صحيفة الدعوى
لعيب في الشكل مثلا أو ترك الخصومة أو سقوطها لا يقطع التقادم) ولا يهم أن ترفع
الدعوى أمام محكمة غير مختصة نوعيا أو محليا، وكما تكون مطالبة الدائن لحقه من
مدينه في صورة دعوى، فإنها تكون أيضا في صورة طلب عارض من الدائن.
ويلحق
بالمطالبة القضائية – إذ هو أقوى منها – التنبيه بالوفاء الذي يلجأ إليه الدائن
الذي بحوزته سندا تنفيذيا ضد مدينه قبل أن يباشر التنفيذ على أمواله، ويقطع
التقادم أيضا الحجز الذي يباشره الدائن على أموال مدينه، سواء كان حجزا تنفيذيا أو
تحفظيا، وكذلك الحكم بالنسبة للطلب القضائي الذي يتقدم به الدائن قصد شهر إفلاس مدينه
أو قبوله في تفليسته أو لإشراكه في التوزيع الوارد على أموال مدينه.
ب) الأسباب المرتبطة بالمدين
وتتمثل
هذه أساسا في الإقرار بالدين الصادر من المدين، ويستوي أن يكون هذا الإقرار صريحا
تم في شكل كتابي أم غيره، طالما يفيد الاعتراف بحق الدائن دون غموض، أو كان ضمنيا
فقط (كتمسكه بمقاصة، أو تقديمه تأمينا لفائدة دائنه، أو الوفاء الجزئي بالدين على
اعتبار أن الأثر القاطع للتقادم لا يقبل التجزئة ..).
ج) أثر قطع التقادم
يسري
على انقطاع التقادم بأحد الأسباب سالفة الذكر أن تعتبر المدة التي انقضت منه قبل
القطع كأن لم تكن، ويسري تقادم جديد يماثل الأول بحسب الأصل، كما أن قطع التقادم إنما
يتعلق بالدين الذي قام به سبب الانقطاع ويسري على الدائن وحده، ويترتب على ما قيل
أن سبب قطع التقادم إن كان هو المطالبة القضائية، سرى تقادم جديد ابتداء من انتهاء
المرافعة بصدور حكم نهائي، أو من تاريخ تنازل الدائن المدعى عن دعواه أو من تاريخ
رفض الدعوى لأحد الأسباب (كانتفاء شرط الصفة).
وفي
حالة التنبيه بالوفاء، سرى التقادم الجديد من تاريخ التنبيه ذاته، وفي الحجز يبتدئ
التقادم الجديد من تاريخ انتهاء إجراءاته بإقفال التوزيع وكذلك الحكم في حالة قبول
الدائن في تفليسة مدينه، وفي الإقرار بالدين من المدين يسري التقادم الجديد من
تاريخ صدور الإقرار.
هذا
ولا يسري أثر التقادم إلا على المدين المعني في حالة تعدد المدينين وكانوا
متضامنين، إما إن تعدد الدائنون وكانوا متضامنين، فإن انقطاع التقادم بالنسبة إلى
أحدهم يفيد منه بقية الدائنين عملا بأحكام التضامن، هذا ومدة التقادم الجديدة التي
تسري بعد صدور حكم قضائي نهائي مؤيد لطلبات الدائن، هي 15 سنة لا مدة التقادم
الأصلية.
ومن
ذلك الديون التي تتقادم بسنة واحدة، متى أقر المدين بها (ويكون بذلك قد قطع
تقادمها) فإن تقادمها الجديد يكون 15 سنة، لا سنة واحدة، على اعتبار أن قرينة
الوفاء لم تعد قائمة بعد الإقرار وهذا على خلاف ما إذا قطع تقادمها بالمطالبة
القضائية أو بالتنبيه أو بالحجز أو برفع دعوى إلى محكمة غير مختصة أو بقبول الدائن
في تفليسة مدينه أو في التوزيع، فإن مدة التقادم تبقى نفسها.
الفرع السادس – آثـار التقادم
لا
يرتب التقادم آثاره التي سنذكرها بصفة تلقائية، بل يتوجب على ذي المصلحة (المدين
وخلفه العام والخاص، ودائنه بالدعوى غير المباشرة، والمدين المتضامن معه، والحائز
لعقار مرهون عند رجوع الدائن المرتهن عليه ...) أن يتمسك به (ويأتي في الغالب في
شكل دفع موضوعي يراد منه انقضاء التزام المدين) في أية مرحلة من مراحل الدعوى سواء
أمام المحكمة الابتدائية أو حتى محكمة الاستئناف إلا أن يؤول في الحالة الثانية
أنه تنازل من المدين عن التمسك به، ذلك أن المشرع أجاز صراحة للمدين أن يتنازل عن
التقادم بعد ثبوت الحق فيه، أي باكتمال التقادم، وينصرف هذا التنازل إلا الفترة
التي انقضت لا اللاحقة له، والعلة في ذلك أن المشرع يريد حماية المدين، لئلا يضطره
الدائن – وهو غالبا الطرف القوي في العلاقة – إلى التنازل المسبق عن التمسك
بالتقادم، ومتى تمسك المدين بالتقادم، ترتب عن ذلك انقضاء دين الدائن مع توابعه
كتأمينات عينية أو شخصية، إذ الفرع يتبع الأصل، وهذا منذ تاريخ استحقاق الدين وهذا
نظرا للأثر الرجعي للتقادم، ومع ذلك فإنه يتخلف في ذمة المدين التزام طبيعي لا
يجبر على الوفاء به.
المرجع:
- أ. دربال عبد الرزاق، الوجيز في أحكام الالتزام في القانون المدني الجزائري، دار العلوم للنشر والتوزيع، الجزائر، 2004، من ص 107 إلى ص 123.