تصنيـف الدعاوى
يتطلب
تصنيف الدعاوى النظر في المعايير المعتمدة في تقسيمها، وطبيعة الدعوى المستعملة،
ودعوى الحيازة.
المطلب الأول : معايير تقسيم الدعـــاوى
ثمة
عدة معايير يمكن الاستناد إليها في تقسيم الدعاوى، يمكن إيجازها في ثلاثة معايير
أساسية، تتمثل في معيار طبيعة الحق،
ومعيار موضوع الحق ، ومعيار طبيعة الحماية المطلوبة.
أولا : تقسيم الدعاوى طبقا لطبيعة الحق
تنقسم
الدعاوى طبقا لمعيار طبيعة الحق، إلى ثلاثة دعاوى، تتمثل في الدعاوى العينية،
والدعاوى الشخصية، والدعاوى المختلطة.
أ) الدعاوى العينيــة
ينحصر
هذا النوع من الدعاوى، في كل دعوى ترمي لحماية حق عيني ، والمتعلقة أساسا إما
بدعوى ملكية المنقول، أو ملكية العقار، أو حيازته، وإما بدعوى حق الانتفاع، أو أي
حق عيني آخر، كالارتفاق والرهن، وهي كلها دعاوى، يمكن ممارستها في مواجهة أي شخص،
يدعي أن له حقا عينيا على الشيء.
ب) الدعاوى الشخصية
يرمي
هذا النوع من الدعاوى إلى حماية الحقوق الشخصية، والتي لا يمكن حصرها، طالما أنه
يمكن للأطراف إنشاء ما يريدون من حقوق
شخصية، ومن تطبيقاتها تلك الدعاوى الناشئة بين المؤجر والمستأجر، وبين المقرض
والمقترض، ودعاوى المضرور على المتسبب في الضرر، وبحسبها فشخص المؤجر وشخص
المستأجر، أو المقرض والمقترض، تكون محل اعتبار بالنسبة لهذا النوع من الحقوق، وأن
الأمر لا يختلف فيما يتعلق بتعويض الأضرار الناجمة عن الفعل غير المشروع، في ضوء
مقتضيات المادة 124 من القانون المدني، التي تقوم على أساس الخطأ الشخصي، والتي لا
يمكن في مجال إعمالها مساءلة إلا الشخص الذي ارتكب الخطأ وهو هنا المتسبب في
الضرر.
ج) الدعاوى المختلطة
يتناول
هذا النوع من الدعاوى، الحقوق العينية والشخصية معا، لذلك فنطاق تطبيقها هو العقود
الواردة على نقل ملكية العقار، والتي ينبثق
عنها حق عيني ناشئ عن العقار، وحق
شخصي ناشئ عن العقد، وهي بهذا تعد دعوى مختلطة، ومن صورها دعوى المشتري على البائع
بتسليم المبيع، تنفيذا للعقد القائم بينهما.
هذا
وتجب الإشارة إلى أن هذه الدعوى، قد لا تجد مجالا لاستعمالها من الناحية العلمية،
لأن المشترى عادة ما يتعجل استلام العقار المبيع، وان حدث وأبقاه تحت يد
البائع ورفض هذا إخلاءه، فانه لا يلجأ إلى مطالبته وفقا لذلك الأساس، بل عادة ما يؤسس
طلبه، على أن بقاءه بالعين المبيعة، إنما كان على سبيل الإحسان، أو الإعارة، أو
الإيجار وهكذا.
لكنه
ومع ذلك فلهذه الدعوى أهمية عملية – على الأقل – من حيث تحديد الجهة القضائية
المختصة
إقليميا بنظر الدعوى، لأن طبيعة الحق المتنازع فيه بين الطرفين، هو الذي يعتد به
في تحديد الاختصاص الإقليمي للمحاكم ، فمحكمة موطن المدعى عليه وحسب القاعدة
المنصوص عليها بالمادة 37 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، المقابلة للمادة
08/2 من قانون الإجراءات المدنية، هي التي تكون مختصة بنظر الدعوى
المتعلقة بالحق الشخصي، فيما أن الاختصاص بنظر الدعوى العقارية، ينعقد للمحكمة الواقع بدائرة اختصاصها العقار المتنازع عليه، طبقا
للمادة 40/01 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، المقابلة للمادة 08/01 من
قانون الإجراءات المدنية، وعلى العكس من ذلك، فالاختصاص بنظر الدعاوى المختلطة،
ينعقد للجهة القضائية التي يقع في دائرة اختصاصها مقر الأموال، إعمالا لنص المادة
39/01 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، المقابلة للمادة 09/01 من قانون
الإجراءات المدنية.
هذا
والى جانب ذلك ، فثمة أهمية عملية أخرى
للدعوى المختلطة، بالنسبة لإجراءات
المرافعة في الدعوى، فنجد الدائن في الدعوى الشخصية، هو وحده صاحب الصفة والمصلحة
في إقامتها وفي متابعة إجراءاتها، وبالتبعية فإنها لا ترفع إلا في مواجهة المدين
نفسه، فيما أن صاحب الصفة في إقامة الدعوى
العقارية، قد لا يكون مالكا، لأي حق عيني عقاري، مثلما هو عليه الحال
بالنسبة لحائز العقار أو مستأجره.
ثانيا: تقسيم الدعاوى طبقا لمعيار موضوع الحق
تنقسم
الدعاوى وفقا لمعيار موضوع الحق، إلى دعاوى عقارية، ودعاوى منقولة :
أ) الدعاوى العقاريــة
الدعوى
العقارية هي الدعوى المتعلقة بكل حق عيني عقاري، كحق الملكية، وما يتفرع عنه من
حقوق، كحق الانتفاع، و الارتفاق وغيرهما من الحقوق الواردة على العقار، أي المتصلة به اتصال قرار، بحيث لا يمكن فصلها عنه
مع بقائه على حالته، وذلك بالإضافة إلى المنقولات
المرصودة لخدمته ، والمسماة عقارا بحسب المآل.
وتأسيسا
على ذلك، فان كان الطلب الأساس للمدعي والوارد في العريضة الافتتاحية للدعوى،
متعلقا بأي حق من تلك الحقوق، كدعوى بطلان عقد بيع منصب على عقار، أو فسخه أو
تعديله، وكذلك دعوى إخلاء عقار، أو إزالة
ما أقيم به من منشآت وأغراس ، أو قسمته،
أو وضع معالم الحدود بين الأملاك العقارية المتلاصقة، وتخصيص الارتفاقات الإيجابية والسلبية وغيرها، وكذلك
دعوى وقف الأعمال الجديدة ، ودعوى منع
التعرض ، ودعوى استرداد الحيازة وغيرها هي
كلها دعاوى عقارية.
ب) الدعوى المنقولــة :
الدعوى
المنقولة هي تلك التي يكون المطلوب فيها
مالا منقولا، أو أن محل الحق الذي تستند إليه تلك الدعوى هو منقول، ويقصد بالمنقول
كل ما لا يعد حقا عقاريا، وبذلك فجميع الدعاوى غير العقارية، هي دعاوى منقولة،
ومنها دعوى تسليم البضاعة، ودعوى الوفاء
بثمن البضاعة، أو دعوى رد الأموال المقترضة، أو المعارة ، وكذلك دعوى تسليم بدل الإيجار،
ولو كانت العين المؤجرة عقارا.
ويبدو
من خلال هذه التقسيمات، أن كلا من الدعوى العينية والدعوى الشخصية، قد تكون منقولة
أو عقارية، بما يعني وأنه يمكن تقسيم
الدعوى إلى دعوى عينية منقولة، كتلك المتعلقة باسترداد منقول بعينه، والى دعوى
عينية عقارية، كتلك المتعلقة باستحقاق العقار من جهة.
كما
يمكن تقسيم الدعوى إلى دعوى شخصية منقولة، شأن الدعوى الرامية إلى استعادة السيارة
المؤجرة لمستأجر من دون سائق، والى دعوى شخصية عقارية،كدعوى المشتري لعقار بعقد
غير مسجل في مواجهة البائع، للتصريح بصحة العقد، واعتبار الحكم ناقل للملكية، مع
إيداعه بالمحافظة العقارية من جهة أخرى.
لكنه
ومع ذلك، وعلى الرغم من شيوع هذا النوع من الدعاوى، على مستوى المحاكم والمجالس
القضائية، والتي عادة ما يتمسك من خلالها
المدعي، التصريح بصحة البيع العرفي، وإلزام المدعى عليه بإتمام إجراءات البيع أمام
الموثق، فهي دعوى قد أصبحت من غير ذي أساس قانوني- على الأقل- مند صدور قرار
المحكمة العليا رقم 136156 الصادر في 18/02/1997.
ثالثا: تقسيم الدعاوى طبقا لمعيار طبيعة الحماية المطلوبة
قد
يقصد المدعي من دعواه، الوصول إلى قرار يحسم النزاع حول أصل الحق، فتتحقق حماية
مستقرة لحقه، وبذلك فالدعوى التي ترفع، للحصول على هذه الحماية، تسمى بالدعوى
الموضوعية، وهي بهذا تتميز عن الدعوى الوقتية، التي لا يقصد المدعي من ورائها، سوى
اتخاذ تدبير وقتي، يحقق المدعي من خلاله حماية مؤقتة للحق المدعى به من طرفه،
وبهذا المعنى نكون إما بصدد دعوى موضوعية وإما بصدد دعوى وقتية.
أ) الدعوى الموضوعيـــة
تعد
كل دعوى قضائية، ترمي إلى إثبات أو نفي حق من الحقوق، وبصرف النظر عما إذا كان
المصدر المنشئ له إراديا كالعقد والإرادة المنفردة، أو غير إرادي كالعمل النافع أو
الضار، كدعوى المطالبة بالملكية أو أي حق عيني عقاري، وكذلك كل دعوى ترمي إلى
تحديد المسؤولية عن أي خطأ عقدي، أو تقصيري مستوجب للتعويض، أو فسخ عقد، أو
بطلانه، أو تعديله، هي في مجملها دعاوى موضوعية، لأنها ترمي إلى الفصل في أصل
الحق، بحيث لم يعد للخصوم حق اللجوء إلى القضاء، لإثارة النزاع بشأن الحقوق
المتنازع عليها مرة أخرى، إلا من خلال طرق الطعن المقررة قانونا.
ب) الدعوى الوقتيـة
خلافا
للدعوى الموضوعية، فالدعوى الوقتية، لا ترمي سوى إلى اتخاذ تدبير وقتي، من شأنه
المحافظة
على الحق المتنازع عليه، ومن صورها تلك الرامية إلى تعيين حارس قضائي، ودفع نفقة
وقتية لحين ضبطها وتصفيتها أمام قاضي الموضوع، ومختلف دعاوى الاستعجال، لدفع خطر
داهم ومحدق، لا يمكن تلافيه بإتباع إجراءات التقاضي العادية، ومنها تلك المتعلقة
بوقف أشغال بناء فوق أرض متنازع عليها، وفتـح ممر، وكذلك تلك المتعلقة بإشكالات
التنفيذ، والترشح في القوائم الانتخابية المحلية والتشريعية وغيرها.
لذلك
فالأهمية العلمية لهذا التصنيف، تبدو جلية من حيث تحديد الاختصاص النوعي للمحكمة،
كون الجهة القضائية المختصة بالفصل في الدعوى الوقتية، هي القضاء الإستعجالي فيما
أن الجهة القضائية المختصة بالفصل في دعوى أصل لحق، هي محكمة الموضوع، أي الفاصلة
في المواد المدنية والتجارية وغيرها.
المطلب الثاني: دعــاوى الحــــيازة
تحتاج دعوى الحيازة إلى تعريفها، وبيان شروطها، وبعض
قواعدها، وحجية الحكم الصادر فيها.
أولا: تعريف دعاوى الحيازة، وبيان الحكمة منها
يقتضي
تعريف الحيازة، إلى بيان الحكمة منها، لذلك يتعين معالجة كلا منهما استقلالا.
أ) تعريف الحيازة
تعد
دعوى الحيازة دعوى عينية عقارية ، ترمي إلى حماية
الحيازة ، التي تقررت لشخص على عقار، بصرف
النظر هما إذا كان مالكا أم لا، وهي بذلك تهدف إلى حماية وضع اليد على
العقار، ووضع اليد هنا ليس حقا، بقدر ما هو مجرد مركز واقعي، وذلك خلافا للأصل
العام في الدعاوى، والذي نجد المدعي بموجبه يتمسك بحق معين، وعلى هذا الأساس
فالمشرع سواء في القانون المدني، أو في مختلف التشريعات العقارية، لم يضع لها تعريفا معينا، ومع ذلك
يمكن القول، بأن: (الحيازة ليست سوى واقعة مادية، من شأنها إحداث آثار قانونية، أهمها أنها قد تكون سببا من أٍسباب كسب الملكية
العقارية)، وهذه مسألة قد أثارت إشكالا قانونيا، تمثل في وجود صراع بين مذهب
الواقعية، الذي يمثله على وجه الخصوص
الفقيه عبد الرزاق السنهوري، ومذهب المثالية الذي أخذ به المشرع الجزائري، في
مختلف التشريعات العقارية.
وخلافا
لذلك نجد الإجتهاد القضائي للمحكمة العليا، لم يتوقف عند حد بعض الشروط الشكلية
للحيازة، بل منح لنفسه سلطة تقديرية واسعة، في بحث الشروط الموضوعية لها، وهو بذلك
يعد ذو نزعة واقعية، وهي نزعة قادت إلى
البحث، عما إذا كان القانون يشترط في الحائز، أن يكون له سندا قانونيا أم لا، حتى
تتقرر له الحماية القانونية.
ب) الحكمة من الحيازة
ترمي
الحيازة في الأساس إلى تحقيق مصلحتين هما: حماية الملكية العقارية، وإرساء قواعد
حفظ الأمن والنظام في المجتمع :
1) حماية الملكية العقارية
مع
أن المالك يستطيع رفع دعوى الاستحقاق العقارية، فهي دعوى قد أخضعها القانون لوسيلة
إثبات معينة، قد لا يكون للمالك أمرها ميسورا، لذلك سمح المشرع لصاحب الحق، في
إقامة الدليل على وضع اليد، باعتباره قرينة على الملكية، لأن صاحب الحق على شيء
يحوزه، وبذلك يتمكن من حماية
ملكيته بطريق غير مباشر، متى تمكن من إثبات الحيازة، بكافة وسائل الإثبات،
وهو أمر يسهل بالمقارنة مع وسائل الإثبات التي قررها القانون للملكية.
2) إرساء قواعد حفظ الأمن والنظام في المجتمع
استقرت
النظم القانونية المعاصرة، على منع الشخص من اقتضاء حقه بنفسه، لذلك فان تعارضت الحيازة
مع الملكية، فالأولى بالتفضيل هي الحيازة ، مما يتعين حمايتها من أي اعتداء، حتى
ولو صدر هذا الاعتداء من المالك نفسه، باعتباره ممنوعا من ممارسة حق استرداد
ملكيته بالقوة، حتى ولو كان حق الملكية ثابتا له، وذلك حتى لا يختل الأمن
بسبب الاعتداء على وضع اليد الظاهر.
ويبدو
بأن مسألة تفضيل الحيازة على الملكية، قد يسبغ الحماية على المغتصب، لكنه ومما
يقلل من أهمية ذلك، أن هذه الحماية ليست إلا حماية مؤقتة، على اعتبار وأن طريق
الملكية يبقى مفتوحا أمام المالك الحقيقي لاسترداد ملكيته، وذلك بعد تنفيذه
للأحكام النهائية، الصادرة ضده في دعوى الحيازة ، حسب مقتضيات 530 من قانون
الإجراءات المدنية والإدارية، المقابلة للمادة 419 من قانون الإجراءات المدنية،
وسنأتي على شرح ذلك لاحقا.
ثانيا : أركان وأنواع الحيازة
يشترط
القانون لنشأة الحق، في مباشرة دعوى الحيازة، ما يشترط في غيرها من الدعاوى، من
الشروط العامة الايجابية المتعلقة بالمصلحة والصفة والأهلية، والسلبية المتعلقة
بسبق الفصل وانعدام الصلح وانعدام التحكيم، مع ملاحظة أن الحيازة تنفرد بكون
المصلحة القانونية فيها، تتجسد في حيازة الحق العيني على العقار، فيما أن المصلحة
القائمة والحالة، تتجسد في التعرض لها، أو اغتصابها، وذلك على خلاف المصلحة
الشخصية، التي تتمثل في إقدام الحائز، على رفع الدعوى للمطالبة بالحماية القانونية
كمبدأ عام.
هذا
وثمة شروط عامة أخرى، إلى جانب شروط خاصة ، يمكن إجمالها في المهل القانونية، التي
يتعين رفع دعاوى الحيازة خلالها، أو شهرها لدى المحافظة العقارية، وغيرها من
الشروط ، التي وقبل معالجتها يتعين تحديد أركان الحيازة وأنواعها.
أ) أركان الحيازة
ليست
الحيازة سوى السيطرة المادة على الشيء للظهور بمظهر صاحب الحق عليه ، وهو تعريف من
شأنه أن يمدنا بأركان دعوى الحيازة، وهي بهذا تقوم على ركنين أساسيين، أحدهما مادي
والآخر معنوي.
1) الركن المادي
ينصرف هذا الركن ، إلى التعبير على السيطرة المادية
على الشيء ، وذلك بقيام الحائز بجميع الأعمال، التي يوم بها المالك،كالزراعة
والبناء والإقامة وغيرها، وذلك إما بنفسه، أو بوساطة من ينوبه في ذلك ولحسابه،
ويأتمر بأوامره.
2) الركن المعنوي
ينصرف
هذا الركن إلى التعبير على أن السيطرة المادية على الشيء ، إنما هي بنية التملك،
وهو العنصر الذي يمكن استخلاصه، من ظهور الحائز بمظهر المالك.
ب) أنواع الحيازة
متى
اجتمع عنصري الحيازة المادي والمعنوي، أو قام أحدهما دون الآخر، كنا إما بصدد
الحيازة المادية، وإما بصدد الحيازة القانونية، بما يعني وأن الحيازة نوعان:
1) الحيازة المادية
وهي
تلك الحيازة التي يتوفر فيها الركن المادي فقط، أي السيطرة المادية على الشيء، دون
أن تكون مصحوبة بنية التملك- على الأقل- في مواجهة المالك الأصلي، وهي الحيازة
التي أطلق عليهـا البعض، اسم الحيازة العرضية، ومن أبرز الأمثلة عنها: الحائز الذي
يضع يده على الشيء لفائدة غيره، وذلك
باستناده إلى سند قانوني ، يلزمه برد الشيء إلى صاحبه فيما بعد، سواء كان هذا السند ناشئا
عن اتفاق، أو عن حكم قضائي، أو تشريعي، وكذلك الأمر بالنسبة للمستفيد من حق امتياز
في أرض الدولة، بحيث أن السيطرة المادية على الأرض، تعد قائمة لديه، وهو عقد يلزمه
بإعادة الأرض إلى المالك، بعد انقضاء حق
امتيازه.
2) الحيازة القانونية
وهي
الحيازة التي يتوافر فيها العنصران معا ، وتؤدي إلى قام قرينة على الملكية، وهي
بذلك لا تكفي فيها السيطرة المادية لقيامها ، بل يجب قيام نية التملك لدى الحائز
الى جانب تلك السيطرة المادية، وهو عنصر عادة ما يصعب إثباته، لكنه ومما يقلل من
أهمية تلك الصعوبة، وجود تلك القرينة القائلة:بأن الحائز للشيء يفترض أنه مالك له،
وذلك إلى غاية إثبات العكس.
وفي
ضوء هذه الأحكام يحق السؤال حول الحيازة ، التي أراد المشرع حمايتها: أهي الحيازة
المادية أو الحيازة القانونية، أم كليهما معا.
بالرجوع
إلى النصوص التشريعية لاسيما المادة 808 وما يليها من القانون المدني،والمادة 413
وما يليها من قانون الإجراءات المدنية القديم، المقابلة للمادة 524 وما يليها من
قانون الإجراءات المدنية والإدارية، نجدها قد فرقت بين دعوى منع التعرض، ودعوى وقف
الأعمال الجديدة من جهة ، وهي دعوى متعلقة بالحيازة القانونية، وبين دعوى استرداد
الحيازة من جهة أخرى، وهي دعوى متعلقة بالحيازة المادية والقانونية في ذات الوقت ،
ومن تم ومن أجل الوقوف على حقيقة هذه التفرقة، يتعين التعرض لأوصاف الحيازة.
ثالثا : شروط الحيازة
ثمة
مجموعة من الشروط نوجزها تباعا:
أ) الشرط الخاص بأوصاف الركن المادي للحيازة
إذا
كان العنصر المادي للحيازة ، يعني السيطرة المادية على الشيء ، فهو أمر لا يكفي
وحده لبسط الحماية القانونية عليها، بل يتعين أن يجمع عنصرها المادي، عدة
أوصاف في جميع أنواع دعاوى الحيازة، هي:
الهدوء والعلنية، و الاستمرار ، ومن دون
انقطاع ، ومن دون أن تكون خفية أو مؤقتة.
1) الحيازة الهادئة
يقصد
بها تلك الحيازة التي لا تكتسب بالقوة ، وحتى عند اكتسابها بهذه الصورة ، فانه
يتعين ألا تحتاج إلى هذه القوة لاستمرارها والاحتفاظ بها، وبذلك فان كان الحائز،
قد اكتسبها بالقوة أو بالتهديد، وظل مستعملا لنفس الوسيلة للمحافظة عليها، فشرط
الهدوء يعتبر غير قائم والحيازة غير هادئة.
2) الحيازة العلنية
تكون
الحيازة علنية، متى كانت ظاهرة، بالشكل الذي يسمح للناس ملاحظتها، كرؤيتهم للحائز،
وهو يقوم بإحاطة العقار بالسياج ، وزراعة الأرض ، أو البناء فوقها.
3) الحيازة غير الخفية
ويقصد
بها أن تكون الحيازة غير مستترة، بحيث لا
تثير أي لبس ، أو شك حول الظهور بمظهر صاحب الحق أي أن الحائز، يقوم بالأعمال
المادية المكونة لها، بصفته مالكا للعقار.
4) الحيازة المستمرة
وهي
الحيازة التي تكون قد استمرت لمدة معقولة،
حددها المشرع بسنة على الأقل، وهي المدة التي تكون خلالها الحيازة، قد استقرت
للحائز، ويكون له حق المطالبة برد أي اعتداء عليها، حتى ولو كان المعتدي هو نفسه صاحب الحق أي المالك.
هذا
ويجب أن نشير، إلى أنه وعلى الرغم من ضرورة
بلوغ ذلك الأمد، ليقوم الحق في الحماية القانونية للحيازة بوجه عام، فالأمر
بالنسبة لدعوى منع التعرض، ودعوى وقف الأعمال الجديدة، ودعوى الاسترداد ليس واحدا،
ففي الأولى والثانية يمكن الحائز أن يستفيد من الحيازة، متى استمرت حيازته سنة
كاملة، بينما في الثالثة يتطلب الأمر التمييز بين حالتين:
الاولى : حالة اغتصاب الحيازة
وهي
الحيازة التي تقوم على القوة ، وبذلك فإنها تفتقد لشرط الهدوء ، وقد تكون متلازمة
لنفس الوسيلة ، أي القوة من أجل المحافظة عليها.
الثانية : حالة الحيازة الأحق بالتفضيل
وهي
الحيازة التي تكون قائمة على سند قانوني، وفي حالة وجوده لدى الحائزين معا، كانت
الحيازة الأحق بالتفضيل، لمن كانت لسنده قوة ثبوتية، أكثر من سند غيره، وفي حالة
تعادل السندين أو انعدام هذا السند، كانت الحيازة الأحق بالتفضيل، هي الحيازة
الأسبق في التاريخ.
هذا
ويكمن مبرر هذه التفرقة، في أن الاعتداء الذي يبرر رفع دعوى استرداد الحيازة،
يتعدى الحد من ممارسة الحيازة ، بل يصل
إلى حد الحرمان من الانتفاع بها.
2) شرط وأدوار مدة الحيازة
- شرط مدة الحيازة:
إذا
كان القانون قد اشترط مهلة سنة على الأقل لقيام الحيازة لدى الحائز، فان العبرة في
بداية سريان هذا الميعاد ، تكون بوقت الشروع في الأعمال المكونة للحيازة، وتنتقل
إلى الخلف العام بنفس شروطها، اللهم إلا إذا كان السلف سيئ النية، وأثبت الخلف أنه
كان حسن النية في حيازته، جاز له التمسك بحسن نيته، على أن يكون من حق الخلف الخاص،
كذلك أيضا ضم حيازته، إلى حيازة سلفه ليبلغ أمد التقادم.
لكنه
ومع ذلك، فان عبء إثبات مدة السنة، يقع على عاتق الحائز، وذلك بقيامه بإثبات
بدئها،فضلا عن كونه كان حائزا وقت التعرض، وبذلك فمتى كانت المدة بين تاريخ بدئها
وتاريخ التعرض سنة، قام شرط الاستمرار، وهو شرط لا يزول، عند قيام مانع من الموانع
الوقتية، كالقوة القاهرة ، وذلك خلافا
للانقطاع ، الذي يقوم نتيجة تخلي الحائز عن السيطرة المادية على الشيء ، فتعد حيازته منقضية.
- أدوار المدة في دعاوى الحيازة:
يلعب
عنصر الزمن في دعاوى الحيازة أدوارا متعددة:
الاول : دور المدة في ضبط وتحديد أوصاف الحيازة
إذا
كان القانون مثلما أسلفنا من قبل، يشترط في الحيازة من أجل بسط حمايته عليها،
استمرارها لمدة معينة، وهي التي يمكن للحائز خلالها، أن يظهر بمظهر المالك، من دون
أي لبس أو غموض، وبذلك فان عامل الوقت، يؤدي الدور الأساسي ، الذي يعتد به في ضبط
وتحديد أوصاف الحيازة، أي أن كلا من وصف: الهدوء، والعلنية، والوضوح، والاستمرار،
ينبغي أن تكون قد دامت سنة كاملة.
الثاني : دور المدة في تحديد تاريخ الاعتداء
تلعب
المدة دورا بالغ الاهمية في تحديد المهلة، التي يتعين أن ترفع خلالها الدعوى،
ابتداء من تاريخ وقوع الاعتداء، أو من تاريخ العلم به، وان تم رفع الدعوى
خارجهاكانت غير مقبولة ، بما يعني وأن الميعاد هنا، عبارة عن شرط من شروط قبول
دعوى الحيازة.
وتكمن
العلة من خلال هذا الشرط، في أن تأخر الحائز في رفع دعواه خلال تلك المدة، من وقوع
الاعتداء أو العلم به، إنما يعني بـأن الاعتداء ليس خطيرا، وهو بالنتيجة لا يحتاج
إلى أية حماية للحيازة ، باعتبارها حماية
استثنائية لاسيما وأن إعمال دعوى الملكية غير مقيد بأية مدة.
وباستقراء
نص المادة 524/02 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، المقابلة للمادة 413/2 من
قانون الإجراءات المدنية، فشرط المدة يعد
من النظام العام، بما يعني وأن للمحكمة الحق في إثارته ولو من تلقاء نفسها، كما
يمكن إثارته في أية مرحلة كانت عليها الدعوى، ولكن ما هي القاعدة التي يعتمد عليها
في احتساب هذه المدة ؟
ان
التاريخ الذي وقع فيه الاعتداء، هو الذي يعتد به في بداية حساب مدة السنة، وهي
قاعدة يمكن إعمالها فيما لو أن الاعتداء، قد تم بواقعة واحدة، كطرد الحائز من
الأرض، والشروع في تسييجها، وحرثها في يوم
واحد، وهو أمر لا يكون ميسورا ، فيما لو أن الاعتداء قد تم بوقائع متعددة بينها فاصل زمني،كحرث
الأرض في يوم والقيام بزراعتها بعد أيام،
ثم القيام بتسييجها بعد أيام أخرى،
فالتاريخ الذي يعتد به هنا، لاحتساب مدة السنة هو اليوم الذي تمت فيه الواقعة
الأخيرة وهكذا.
لكنه
ومع ذلك، فان إعمال تلك القاعدة في حق الحائز، الذي لم يكن يعلم
بواقعة الاعتداء، يبقى متوقفا عما إذا كانت واقعة الاعتداء علنية ظاهرة،
وغير خفية، بحيث يستطيع العلم بها أم لا، فان كانت واقعة الاعتداء خفية ، وغير ظاهرة ، وغير
علنية، فان الحائز يحاسب عن موقفه السلبي، منذ تاريخ علمه بالاعتداء الخفي، أو من
تاريخ تيقنه من الاعتداء الغامض، فان أقام دعواه خلال مهلة سنة، ابتداء من ذلك
التاريخ، كانت دعواه واردة في الميعاد القانوني، ومستوفية لشرط المدة، وان تمت
خارجة كانت غير مقبولة.
3) شرط عدم سبق دعوى الحيازة بدعوى الحق
لقد
اشترط نص المادة 529 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، المقابلة للمادة 418
من قانون الإجراءات المدنية، في أن قبول دعوى الحيازة، يبقى متوقفا على عدم سبقها
بدعوى الملكية، بما عني أنه متى تبين، وأن
المدعي قد سبق له وأن أقام دعوى الملكية، فان خسرها فلا حق له في إقامة دعوى
الحيازة، لأنه يعتبر في حكم المتنازل عن إقامتها.
رابعا : محـل الحــيازة
إذا
كانت الحيازة، ما هي إلا عبارة عن سيطرة مادية على مال معين، فان محلها قد يكون
منقولا وقد يكون عقارا ، ومع ذلك فان القانون لم يقرر لهما نفس الحماية.
أ) حماية المنقول :
لم
يفرق القانون في بسط الحماية على المنقول، بين أصل الحق والحيازة ، لأن حيازة المنقول بذاتها لا تحميها
دعوى خاصة، بل أن دعوى حماية أصل الحق ، هي التي تقوم بهذا الدور، ويكمن سبب ذلك
في القاعدة القانونية القائلة: (بأن الحيازة في المنقول سند الملكية)، ومن هذا
المنطلق ، تختلط الحيازة بأصل الحق.
ب) حماية العقار
ثمة
نوعان من الدعاوى لحماية العقار، الأولى متعلقة بأصل الحق ، والثانية متعلقة
بحماية الحيازة، فهذه الأخيرة تحمي الحيازة الواردة على حق عيني على عقار، بصرف
النظر عن صاحب الحق فيه، وبصرف النظر على العقار بطبيعته، بما في ذلك العقار
بالتخصيص، وبصرف النظر عما إذا كان هذا الحق العيني متعلقا بالملكية، أو متعلقا
بحق متفرع عنه، كحق الارتفاق ، وحق الانتفاع ، وأن كنا نلاحظ بأن القانون، يسمح وبصورة استثنائية، بحماية حق
مستأجر العقار، وذلك بدعاوى الحيازة ، على الرغم من أنه ليس حقا عينيا بمفهومه
القانوني.
وتجب
الإشارة إلى أن القانون يشترط في العقار، أن يكون محلا للتملك، أو محلا لحق عيني
آخر، بما يعني أنه وفي حالة ما إذا كان العقار، مما لا يجوز للأفراد تملكه ، فلا تحميه دعوى الحيازة ،كما هو الشأن بالنسبة لحيازة العقارات المملوكة للدولة، وذلك
إعمالا لنص المادة 689 من القانون المدني، وفي المقابل فليس ثمة ما يمنع الدولة، من حماية حيازتها بدعوى
الحيازة، وليس ثمة أيضا ما يمنع صاحب حق الإمتيار على أرض الدولة، من حماية حقه
بواسطة دعوى الحيازة.
هذا
ويلاحظ بأن إعمال هذا الشرط، لا يكون إلا
في مواجهة الدولة دون غيرها، بما يعني وأن هذه الحماية القانونية، تكون مقررة أيضا
لحائز أرض الدولة في مواجهة الغير، وهو أمر معزز برأي المحكمة العليا، الذي أكدت
من خلاله، على أن التمسك بالحيازة في
أملاك الدولة، والمطالبة بحمايتها في مواجهة الغير يعد أمرا جائزا.
رابعا : الاعتداء على الحيازة
يشكل
الاعتداء على الحيازة شرطا أساسيا، لقبول دعاوى الحيازة بجميع أنواعها، وهو
الاعتداء الذي يأخذ عدة درجات، تبدأ
بالشروع في أعمال، من شأنها فيما لو تمت تهديد الحيازة، أو التعرض لها، وقد يصل
الاعتداء إلى منع الحائز من ممارسة الحيازة ، بل أن هذا الاعتداء ، قد يتجاوز ذلك
إلى حد اغتصاب الحيازة من الحائز بصفة
نهائية ، لذلك وبحكم هذه الدرجات، تكون
قوة الحماية، وهي في مجملها مسائل قد
أولاها المشرع عناية خاصة، وميز بين أنواع
من الدعاوى، تبعا لدرجة الاعتداء وخطورته، وهذه الدعاوى هي:
أ) دعوى وقف الأعمال الجديدة
وهي
دعوى بحكم طبيعتها، ترمي إلى منع التعرض
المحتمل حصوله من طرف المعتدي، ويمكـن للحائز رفعها قبل شروع المعتدي في أية
أعمال، دلك أن هذه فيما لو تمت، لكنا أمام دعوى منع التعرض الحال للحيازة، ومن ذلك شروع شخص ، في تحضير المواد
الضرورية ، لإحاطة العقار محل الحيازة بسياج ، أو تحضير مواد البناء اللازمة ،
للشروع في البناء فوق الأرض محل الحيازة .
والظاهر
أن دعوى وقف الأعمال الجديدة، إنما هي دعوى تندرج ضمن الدعاوى الوقائية، والتي
أعطى المشرع للحائز الحق في إقامتها، حتى يتجنب
ضرر الانتظار الناجم عن وقوع التعرض فعلا، وهي بذلك تهدف، إلى وقف الضرر
الوشيك الوقوع، أو منع اكتماله عند الشروع فيه.
وتأسيسا
على ذلك فالحيازة التي تحميها هذه الدعوى، هي الحيازة القانونية، لا الحيازة
المادية، والتي يشترط القانون لقيام الحق فيها، توافر أوصافها الأربعة المشار
إليها فيما تقدم.
ب) دعوى منع التعرض
ترمي
دعوى منع التعرض إلى رد الاعتداء الحال، الذي لم يصل إلى حد سلب الحيازة من
الحائز، لذلك فالقانون يعتبر كل عمل مادي أو قانوني، يرمي بشكل مباشر أو غير
مباشرة إلى إنكار الحيازة، والحد من ممارستها، دون أن يصل إلى حرمان الحائز من
الانتفاع بها، هو بمثابة تعرض للحيازة .
1) التعرض المادي
قد
يكون التعرض ماديا غير مباشر، كما هو الشأن بالنسبة للشخص، الذي يقوم بإحاطة أرضه
بسياج، فيمنع الحائز بواسطته من حق المرور
لحيازته، أو من البناء فوقها، أو من فلاحتها، أو من دخوله لمسكنه الموجود بها،
2) التعرض القانوني
يكون
تعرضا قانونيا مباشرا، كما هو الشأن بالنسبة للشخص، الذي يوجه إنذارا للحائز
بإخلاء العقار محل الحيازة، أو يبادر بدلا من ذلك، إلى مقاضاته بدعوى حيازة، وهو
أمر لا يسري على المزاعم الشفوية الصارة عن شخص، بشأن حيازته لأرض غيره ، والتي لا
يمكنها أن تشكل تعرضا للحيازة، ونفس الحكم
يسري على من يقوم بسرقة المحاصيل الزراعية للحائز،كما لا تعد الدعوى التي يرفعها
المالك، على الحائز تعرضا للحيازة، بل أنها تعد اعترافا من المالك بالحيازة.
ج) دعوى استرداد الحيازة
تهدف
هذه الدعوى إلى استرداد الحيازة المنقضية بالقوة، بما يعني وأن الاعتداء الواقع
على الحيازة قد تجاوز مجرد التعرض لها، بل وصل إلى حد سلب الحيازة من الحائز،
وحرمانه من الانتفاع بها بشكل كامل، لذلك وحتى نكون بصدد هذه الدعوى، فانه يشترط
في أن لا يكون للعمل الذي أتاه المغتصب أي سند قانوني،كفقدان الحيازة بالقوة ، أو
التهديد أو بالحيلة والخداع، وهي كلها مسائل مختلفة تمام الاختلاف، عن الفقدان
المشروع للحيازة والذي يتم إما برضاء الحائز، و إما نتيجة لإجراءات التنفيذ الجبري
لحكم قضائي، مما لا يكون من حقه في مثل هذه الأحوال، أن يطالب باسترداد الحيازة.
خامسا : قاعدة عدم جواز الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى الملكية
تتطلب
دراسة هذه القاعدة التفرقة بين دعوى الملكية ودعوى الحيازة ، وبيان الحكمة منها ،
وتطبيقاتها بالنسبة لكل من المدعي والمدعى عليه ، وكذلك بالنسبة للمحكمة :
أ) التفرقة بين دعوى الحيازة ودعوى الملكية :
1) دعوى الملكية
يعتبر
مفهوم دعوى الملكية ، عن تلك التي يدعي من خلالها رافعها ،على أنه مالك لعقار، أو
أي حق عيني عقاري أخر ، وهي الدعوى التي يرمي من ورائها صاحب الحق في إقامتها ،
إلى تقرير حق الملكية ، والحكم به لفائدته ، ومنها دعوى تقرير حق الانتفاع ، ودعوى
تقرير حق الارتفاق، أو نفيهما معا .
2) دعوى الحيازة
يقصد
بدعوى الحيازة، تلك الدعوى التي يدعي من خلالها رافعها وضع اليد على العقار أو على
أي حق عيني عقاري آخر ، وهي الدعوى التي يرمي من ورائها صاحب الحق في إقامتها إلى
حماية هذا المركز الواقعي بصرف النظر عن كونه مالكا أو غير مالك .
وإذا
ما أردنا إجراء مقارنة بين الدعوتين ، لا تضح لنا بأن المصلحة في دعوى الملكية،
تستند إلى حق الملكية نفسه، أو إلى حق
عيني عقاري آخر متفرع عنه ، بينما المصلحة في دعوى الحيازة ، تستند أساسا
إلى المركز الواقعي وهو وضع اليد ، وهو مركز ومنذ امتداد القانون لحمايته
بدعوى الحيازة ، صار مركزا قانونيا .
ب) الحكمة من التفرقة بين دعوى الحيازة ودعوى الملكية
إذا
كان القانون قد قرر حماية الحيازة من أجل استقرار الأمن والنظام داخل المجتمع ،
فلا ينبغي أن تلتف حولها دعوى الملكية ، وفي المقابل فان التمسك بالملكية ، يشكل
في حد ذاته تنازلا عن دعوى الحيازة ، وعلى هذا الأساس ، فان كانت الدعوى المقامة أمام المحكمة هي دعوى الحيازة، فانه
يتعين عليها ألا تفصل في دعوى الملكية، وهي كلتا مسائل يعبر عنها قانونا، بقاعدة
عدم جواز الجمع بين الملكية والحيازة ، مما لا يحق لمن اختار أحدهما أن يتمسك
بالأخرى ، وبذلك فهي قاعدة تطبق على طرفي الدعوى ، كما تلقي بضلالها على المحكمة
أيضا.
ج) تطبيق قاعدة عدم جواز الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى الملكية
1) تطبيق القاعدة بالنسبة للمدعي :
إذا
كان القانون قد أقر الحماية القانونية لصاحب الحق، أي السيطرة الفعلية على العقار،
أو أي حق عيني آخر متفرع عنه، و الانتفاع منه دون عائق ، فان تلك الحماية، قد تكون
عن طريق إحدى دعاوى الحيازة ، أو عن طريق دعوى الملكية، أو دعوى أي حق عيني عقاري
آخر متفرع عنه ، وأن صاحب المصلحة قد يكتفي برفع دعوى الحيازة، أو دعوى الملكية ،
وقد يرغب في استعمالهما على التعاقب، أو يعمد إلى الجمع بينهما في وقت واحد ، وهي
كلها حالات ، تؤدي إلى عدم قبول دعواه.
الاولى : حالة الإدعاء بالحيازة أولا :
إذا
كان صاحب الحق في إقامة الدعوى ، قد استند إلى الحيازة ، وهي حالة يفترض معها ،
وأنها لم تكن مسبوقة بدعوى الملكية، إلى غاية إثبات العكس، فلا مجال للتصريح بعدم
قبولها ، متى توافـرت شروطها ، على أن تبقى طلبات المدعي فيها ، مقتصرة على
المطالبة بحماية الحيازة ، بما يعني وأنه لا يحق له استعمال أية وسيلة من وسائل الدفاع ، التي
قررها القانون لحماية الملكية ، لتأييد دعوى الحيازة ، وفي ذات الوقت ، فلا حق له
في إقامة دعوى أخرى متعلقة بالملكية ، ما دامت دعوى الحيازة لازالت قامة ، فان فعل
اعتبر متنازلا عن دعوى الحيازة .
الثانية : حالة الإدعاء بالملكية أولا :
قد
يقع الاعتداء على حيازة حق عيني عقاري ، فيبادر الحائز إلى إقامة دعوى الملكية أو
أي حق عيني عقاري متفرع عنه لحماية حيازته ، بدلا من دعوى الحيازة ، وفي المقابل
فقد يقع الاعتداء على الملكية أو على أي حق عيني عقاري متفرع عنه ، فيرفع صاحب
الحق دعوى ملكية ، ثم يقع اعتداء على الحيازة
بعد رفع دعوى الملكية ، فيبادر إلى التمسك بحماية الحيازة ، وهي حالات من
شأنها أن تثير بعض التساؤل حول مدى تأثير الإدعاء بالملكية على الحيازة ؟.
إن
الإجابة على ذلك تكمن في تطبيق قاعدة عدم
جواز الجمع ، بين الحيازة والملكية في ذات
الوقت ، بحيث يشكل الإدعاء على أساس الملكية ،تنازلا عن الحيازة ، والفكرة المحورية هنا ،تتمثل في كون
المشرع حينما أراد حماية الحق ، إنما أقر ذلك من خلال طريقتين أحدهما أصلي وهو
المتعلق بحماية الملكية، وهو أصعب من حيث الإثبات والآخر استثنائي وهو المتعلق
بحماية الحيازة، وهو الأسهل ، لذلك فان اختار صاحب الحق، الطريق الأصعب بدلا من
الأسهل ، فلا حق له في التمسك بهذا الطريق الأخير ، بعدما أضاع وقت القضاء ، في
محاولة إثبات حقه بواسطة الطريق الأصعب .
الثالثة : حالة الإدعاء بهما في وقت واحد :
يفترض
أن المدعي هنا ، قد تمسك بالملكية والحيازة ، في نفس الوقت أمام نفس المحكمة ،
وذلك إما من خلال عريضة افتتاح دعوى واحدة ، و إما من خلال عريضتين افتتاحيتين
للدعوى ، أحدهما متعلقة بالملكية والأخرى بالحيازة ، سواء أقامهما أمام نفس
المحكمة أو أقامهما أمام محكمتين مستقلتين ، وهي حالات قد ميز الفقه القانوني
بشأنها بين ثلاثة فروض :
الفرض الأول : يتعلق بممارسة كل من دعوى الملكية ودعوى الحيازة بطلبين أصليين، وما
دامت القاعدة المشار إليها أعلاه، تقضي بعدم إمكانية الجمع بينهما، فالجزاء الذي
يترتب عن ذلك هو سقوط دعوى الحيازة، بحكم أنها دعوى استثنائية، وبالنتيجة اعتبار
الدعوى متعلقة بالملكية ، ويتعين
الفصل فيها على هذا الأساس .
الفرض الثاني : يتعلق بإقامة دعوى الحيازة في صورة طلب احتياطي، مع الطلب الأصلي
المنصب على الملكية، وتكون المحكمة هنا ، ملزمة بالفصل في الطلب الأصلي المتعلق
بالملكية، من دون تعرضها للطلب الاحتياطي المتعلق بالحيازة ، لأن ذلك يعد في حكم
من أقام دعوى الملكية ، وبعد أن خسرها، عاد لممارسة دعوى الحيازة ، فضلا عن كون
الفصل في دعوى الملكية ، يغني في حد ذاته عن الفصل في دعوى الحيازة .
الفرض الثالث : ويتعلق بإقامة دعوى الحيازة في صورة طلب أصلي، مع طلب احتياطي بشأن الملكية
، ويتعين على المحكمة هنا قبول الطلبين معا، على أن لا تفحص المحكمة الطلب
الاحتياطي المتعلق بالملكية ، إلا بعد فحص
الطلب المتعلق بالحيازة ، فان صرحت برفضه ، وجب عليها الفصل في الطلب الاحتياطي
المنصب على الملكية .
لكنه
ومهما كانت رجاحة هذا الرأي، فان المشرع وبموجب المادتين 527 و529 من قانون
الإجراءات المدنية والإدارية، المقابلتين للمادتين 416 و418 من قانون الإجراءات المدنية ، قد ألزم المحكمة
المعروضة عليها دعوى الحيازة بألا تفصل في دعوى الملكية ، وفي المقابل فقد ألزمها
بعدم قبول دعوى الحيازة ، ممن سلك طريق الملكية ، بما يعني وأنه لا مجال هنا لمثل
هذه الافتراضات.
2) تطبيق القاعدة بالنسبة للمدعى عليه :
قد
ترفع ضد المدعى ليه إما دعوى الملكية ، و إما دعوى الحيازة ، وبالتالي فما هي
القيود التي أراد المشرع بإلزامه بها في
الحالتين :
الأولى : بالنسبة للمدعى عليه في دعوى الحيازة :
تطبيقا
لقاعدة عدم جواز الجمع ، بين دعوى الحيازة، ودعوى الملكية، فانه لا يحق للمدعى
عليه في دعوى الحيازة، أن يتمسك بالملكية، لا في صورة دفع، ولا في صورة طلب بما
يعني وأنه لا يجوز له إثارة أي دفع مستمد من أسباب الملكية، من أجل رد دعوى
الحيازة، وتحديدا فان الأدلة التي يسوقها، لا ينبغي أن تكون متعلقة بملكيته للحقوق
العقارية المتنازع عليها.
وتأسيسا
على ذلك، فلا يجوز له كذلك أيضا، إقامة دعوى قضائية للمطالبة بالملكية قبل إزالة التعدي الصادر منه
بشأن الحيازة ، ما دامت الدعوى المتعلقة بهذه الأخيرة لا زالت قائمة ، وفي ذات
الوقت فلا حق له في تقديم طلب مقابل في
دعوى الحيازة ذاتها ، يرمي إلى الحكم له بالملكية ، وذلك إلى غاية الفصل نهائيا في
دعوى الحيازة ، وقيامه بتنفيذ الحكم الصادر فيها ، ومع ذلك فان تقاعس المدعي ، في
تنفيذ الحكم الصادر في دعوى الحيازة ، جاز للمحكمة أن تحدد آجالا لتنفيذه، فان لم يتم كان لها أن تقبل
دعوى الملكية حسب متطلبات نص المادة 530/02 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية،
المقابلة للمادة 419 من قانون الإجراءات المدنية القديم.
الثانية : بالنسبة للمدعى عليه في دعوى الملكية :
ترمي
هذه القيود المفروضة على المدعى عليه إلى حماية الحيازة ، وفي ضوء تلك القاعدة ،
فما هو الحل فيما لو أقدم شخص على الاعتداء على حيازة عقار ، ثم بادر بعد ذلك
، وأقام دعوى ملكية على حائزه ، فهل يعني ذلك حرمان الحائز – وهو المعتدى
عليه في هذه الصورة – من حماية حيازته ،
وذلك عن طريق تمكينه من رفع دعوى حيازة.
للإجابة
على هذا التساؤل، يميل جانب من الفقه ، إلى أن دعوى الحيازة هنا تكون مقبولة، لأن
دعوى الملكية لم ترفع من الحائز ، ولا تقوم نتيجة ذلك في حقه قرينة التنازل عن
طريق السهل، أي طريق دعوى الحيازة ، وأن
القول بذلك ، يدفعنا إلى التسليم بإعطاء الحق للمعتدي، في رفع دعوى الملكية، لمنع
الحائز من دفع الاعتداء الواقع على حيازته، عن طريق رفعه لدعوى الحيازة ،وهو حرما
لا يمكن تبريره ، بل أنه يتناقض وأحكام دعوى الحيازة في حد ذاتها .
3) تطبيق القاعدة بالنسبة للمحكمة :
إذا
كنا أشرنا فيما تقدم ، إلى أن المحكمة المعروضة عليها دعوى الحيازة ، لا يجوز لها
النظر في الملكية، فان تطبيق قاعدة عدم جواز الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى الملكية
، في واقع الأمر بالنسبة للمحكمة ، يتوقف عند الفصل في الدعوى ، أي عند منطوق
الحكم ، بل أنه يمتد ليطال حتى أسباب
الحكم ، التي تناقش المحكمة من خلالها ، دفوع وطلبات الأطراف بما يعني أنه
لا يجوز لها أن تحكم للمدعي بالحيازة ، وتبرر في ذات الوقت أسباب ذلك الحكم
بالملكية، كالقول وأن المدعي أي الحائز هو نفسه المالك ،كما لا يجوز لها أن ترفض
دعوى الحيازة ، بالقول وأن المدعي غير مالك ،لاسيما عند الاعتماد على سندات الملكية ، بحكم أنها تكون في هذه الحالة ، قد
فصلت في دعوى الملكية ، وهي مسالة لم يطلب منها الفصل فيها وهكذا.
سادسا : الحكم في دعوى الحيازة وحجيته
لا
تثار المسألة هنا ،سوى بالنسبة لمضمـون الحكـم الصادر في دعـوى الحيازة، وحجيته.
أ) مضمــون الحكــم :
إذا
تحققت المحكمة – وهي هنا كل محكمة من محاكم القضاء العادي لا الإداري – المعروضة
عليها الدعوى ، من قيام شروط الحيازة ، حكمت للمدعي بحكم يختلف مضمونه ، باختلاف
الاعتداء ، واختلاف نوع الدعوى ، فإذا كانت الدعوى متعلقة بوقف الأعمال الجديدة ،
أمرت بوقف هذه الأعمال ، وهي بذلك تتوقف عن ذلك الطلب بحيث لا يكون لها أن تأمر بإزالة الأعمال التي
تكون قد أنجزت ، لأن الأمر بإزالتها ،
يعني وأنها تكون قد تمت فوق العقار محل الاعتداء ، ودعوى وقف الأشغال الجديدة هنا
، تكون غير مقبولة لانعدام موضوعها،بل
أن دعوى منع التعرض ، هي التي تكون مقبولة
للأمر بإزالتها ،لأنها عبارة عن تعرض مادي ، مع إلزام المدعى عليه ، بعدم التعرض
للمدعي مستقبلا في الانتفاع بالعقاري، إن كان التعرض قانونيا ،و إذا كانت
الدعوى
، هي دعوى استرداد الحيازة ، أمرت المحكمة برد العقار ، محل الحيازة إلى المدعي.
ب) حجية الحكــم :
يتمتع
الحكم الصادر في دعوى الحيازة ، بحجية الأمر المقضي فيه، شأنه في ذلك شأن أي حكم
قضائي فاصل في الحقوق ، أو المراكز القانونية المتنازع عليها ، وباعتباره حكما
فاصلا في الحيازة، التي تعني وضع اليد ، وليس فاصلا في أصل الحق، وباعتبار أن
الاعتداء على الحيازة ، قد يأخذ صورا ودرجات متعددة ، فهي كلها مسائل تترتب عنها
النتائج التالية :
- النتيجة الأولى :
أن الحكم الصادر في إحدى دعاوى الحيازة، من أجل
وضع حد لإحدى درجات الاعتداء، لا يمنع من رفع دعوى جديدة ، من أجل وضع حد ، لأي
اعتداء جديد على الحيازة عند عدم اتحاد الخصوم واتحاد السبب، لأن المحكمة لم يسبق
لها الفصل فيه ، ومن ذلك أن الحكم الفاصل في دعوى منع التعرض، لا يحول دون رفع
دعوى الاسترداد.
- النتيجة الثانية :
أن
الحكم الصادر في دعوى الحيازة ، لا يمكنه
في أي حال من الأحوال ، أن يشكل قيدا بالنسبة للمحكمة، للفصل في دعوى الملكية، مع
مراعاة أحكام المادة 530 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، المقابلة للمادة
419 من قانون الإجراءات المدنية القديم.
- النتيجة الثالثة :
أن الحكم الصادر في دعوى وقف الأعمال الجديدة،
تبقى حجيته مرهونة ، ببقاء الظروف التي صدر فيها من دون تغيير ، وبذلك فهو حكم
وقتي ، فيما أن الحكم الصادر في دعوى منع التعرض ، ودعوى الاسترداد ، يتمتع بحجية
الشيء المقضي فيه ، بالنسبة للحقوق التي فصل فيها.