محاضـرة في نظام المثول الفوري للمتهم أمام المحكمة
تــقــــديــــم
تضمن الأمر رقم
15-02 المؤرخ في 23 جويلية 2015 المعدل والمتم للأمر رقم 66-155 المؤرخ في 08 جوان
1966 المتضمن قانون الإجراءات الجزائية أحكام جديدة تهدف إلى إحداث تغييرات أساسية
في سير القضاء الجزائي في إطار احترام الحقوق الأساسية ومبادئ المحاكمة العادلة من
خلال تعزيز حقوق المشتبه فيه أثناء التوقيف للنظر وتفعيل دور النيابة في مختلف
مراحل الإجراءات.
كما استحدث الأمر
15-02 نظام المثول الفوري أمام المحكمة، وذلك بغرض تبسيط إجراءات المحاكمة في
قضايا الجنح المتلبس بها التي لا تقتضي إجراءات تحقيق خاصة، وفي جرائم تكون فيها
أدلة الاتهام واضحة وتتسم وقائعها بخطورة نسبية سواء لمساسها بالأفراد أو
الممتلكات أو النظام العام.
يبقى هذا النظام
إجراء كسائر إجراءات المتابعة معروف في الأنظمة التشريعية الإجرائية المقارنة
تتخذه جهات المتابعة الممثلة في النيابة العامة وفقا لمبدأ الملائمة تعمل من خلاله
إلى إخطار المحكمة بالقضية كي يفصل فيه وفقا للقواعد العامة للمحاكمة العادلة.
نحاول من خلال هذا
الموضوع التطرق إلى تحديد مفهوم المثول الفوري وبيان أهدافه وإجراءاته خلال
التوقيف للنظر و خلال المحاكمة كما هي محددة قانونا.
أولا : مفهوم نظام المثول الفوري أمام المحكمة
تم استحداث نظام
المثول الفوري كآلية جديدة لعرض القضايا عل المحكمة والتي تتمثل في إحالة المتهمين
أمام جهة الحكم فورا بعد تقديمهم أمام وكيل الجمهورية مع ضمان احترام حقوق الدفاع،
وفي هذا الإطار أسندت للمحكمة وحدها صلاحية البت في مسألة ترك المتهم حرا أو وضعه
رهن الحبس أو إخضاعه لالتزام أو أكثر من التزامات الرقابة القضائية.
في هذا الإطار نصت
المادة 339 مكرر من ق إ ج " يمكن في حالة الجنح المتلبس فيها، إذا لم تكن
القضية تقتضي إجراء تحقيق قضائي، إتباع إجراءات المثول الفوري المنصوص عليها في
هذا القسم "
يهدف نظام المثول
الفوري إلى رفع اليد نهائيا عن السلطة التنفيذية ممثلة في النيابة العامة عن تطبيق
إجراءات التلبس ونقل هذه السلطة إلى قاضي الحكم، والتسهيل والسرعة في إجراءات
المتابعة بشأن الجنح المتلبس بها في إطار احترام حقوق الدفاع سواء أمام الشرطة
القضائية عند التوقيف للنظر أو عند وكيل الجمهورية خلال التقديمة أو عند محاكمته
أمام قاضيه الطبيعي، كما يهدف إلى تبسيط إجراءات المحاكمة في قضايا الجنح المتلبس
بها والتي لا تقتضي إجراء تحقيق قضائي.
ثانيا : شروط تطبيق نظام المثول الفوري أمام المحكمة
لقد حدد الأمر
15-02 المؤرخ في 23 جويلية 2015 الشروط المطلوب توافرها في إجراءات المثول الفوري
سواء تلك المتعلقة بنوع الجريمة وحالتها أو بالجوانب الإجرائية قبل الإحالة، نحاول
أن نوردها على النحو التالي :
1/ الشروط الموضوعية :
- أن تكون الجريمة
لها وصف الجنحة، أي يتم استبعاد المخالفات والجنايات المتلبس بها من إجراءات
المثول الفوري.
- أن تكون الجنحة
متلبسا بها وفقا لما هو محدد في المادة 41 من قانون الإجراءات الجزائية.
- أن لا تكون
الجنحة المتلبس بها من الجرائم التي تخضع المتابعة فيها لإجراءات تحقيق خاصة .
2/ الشروط الإجرائية :
- استجواب المشتبه
فيه من قبل وكيل الجمهورية هن هويته و الأفعال المنسوبة إليه.
- تمكين المشتبه
فيه من الاستعانة بمحام عند امتثاله أمام وكيل الجمهورية، وعندئذ يجب استجوابه
بحضور محاميه.
- إخبار المشتبه
فيه والضحايا والشهود من طرف وكيل الجمهورية بأنهم سوف يمثلون فورا أمام المحكمة،
على أن يبقى المتهم تحت الحراسة الأمنية إلى غاية مثوله أمام المحكمة.
- وضع نسخة من
الملف تحت تصرف المحامي وتمكينه من الاتصال بالمتهم وعلى انفراد في مكان مهيأ لهذا
الغرض قبل امتثاله أمام قاضي الحكم.
تجدر الإشارة أنه
تحسبا لدخول الأحكام الجديدة لقانون الإجراءات الجزائية التي تضمنها الأمر رقم
15-02 حيز التنفيذ سيما تلك المتعلقة بالمثول الفوري تم تخصيص في كل محكمة على المستوى
الوطني أماكن ملائمة لتطبيق إجراءات المثول الفوري لتمكين المتهم من الاتصال
بمحاميه على أن تكون هذه الأماكن قريبة من مكتب التقديمات وأماكن الاحتجاز، بحيث
تم تخصيص " غرفة المحادثة بين المتهم ومحاميه " وهذه الغرفة تتضمن
المعايير والمواصفات التقنية التي يتعين أخذها بعين الاعتبار عند تهيئة هذه
الأماكن، وفي هذا الشأن صدرت تعليمة من وزارة العدل من المديرية العامة للشؤون
القضائية والقانونية تحت رقم 15/777 مؤرخة في 29 سبتمبر 2015 تت على إنجاز أماكن
مخصصة في كل محكمة لتمكين اتصال المتهم بدفاعه وفق معايير تقنية محددة.
كما نشير كذلك وأن
هذا الإجراء جديد لأول مرة يطبق في الجزائر، بحيث كان يمنع على المحامي أن ينفرد
بالمشتبه فيه داخل المحكمة، فالمشرع أراد من خلال هذا الإجراء تمكين هذا الأخير من
ممارسة حقه في الدفاع فعليا من خلال الاستعانة بمحام الذي يتمكن من الإطلاع على
ملفه في نفس اليوم الذي يقدم أمام وكيل الجمهورية وفي نفس اليوم الذي يمثل فورا
أمام المحكمة، وهذا بغية تسريع الإجراءات من جهة، ومن جهة ثانية حتى لا يحرم من
حقه في الاستعانة بمحام يدافع عنه أثناء مثوله الفوري أمام قاضي الجنح في نفس
اليوم
ثالثا : إجراءات المثول الفوري أمام المحكمة
مباشرة بعد وقوع
جريمة في حالة تلبس تتخذ الشرطة القضائية إجراءاتها الاستثنائية المقررة وفقا
لأحكام المواد 42 ق إ ج وما يليها، بما في ذلك القبض على المشتبه فيه وحجزه في
أماكن توقيف للنظر، يتم خلالها أو بعدها تقديمه أمام وكيل الجمهورية المختص
إقليميا، ليتم بعدها توجيه الاتهام طبقا لما هو مقرر قانونا، كل ذلك في ظل احترام
جملة من الإجراءات المستحدثة في ظل الأمر 15-02 المؤرخ في 23 جويلية 2015 التي
سنراها تباعا من خلال التطرق لمرحلتين الأولى قبل توجيه الاتهام تدور حول تقديمه
أمام وكيل الجمهورية والثانية بعد توجيه الاتهام وعند امتثاله أمام قاضيه الطبيعي.
1/ إجراءات تقديم المشتبه فيه أمام وكيل الجمهورية
يتم القبض على
المشتبه فيه من طرف الشرطة القضائية والذي يكون في حالة تلبس بالجريمة، وغالبا ما
يوضع الشخص المقبوض عليه في الحجز تحت النظر، ثم يتم تقديمه أمام وكيل الجمهورية
المختص.
للشخص المشتبه فيه
الحق في الاستعانة بمحام عند مثوله أمام وكيل الجمهورية وفي هذه الحالة يتم
استجوابه في حضور محاميه وينوه عن ذلك في محضر الاستجواب، وهنا يتم ذكر حضور
المحامي في محضر الاستجواب الذي يعده وكيل الجمهورية، ونصت على هذا الإجراء المادة
339 مكرر 3 من ق إ ج ولأول مرة في قانون الإجراءات الجزائية يتم ذكر حضور المحامي
في محضر الاستجواب الذي يعده وكيل الجمهورية، ونصت على هذا الإجراء المادة 339
مكرر 3 ق إ ج والتي جاء فيها على أنه " للشخص المشتبه فيه الحق في الاستعانة
بمحام عند مثوله أمام وكيل الجمهورية، وفي هذه الحالة يتم استجوابه في حضور محاميه
وينوه عن ذلك في محضر الاستجواب"
بعد التأكد من أن
المشتبه فيه اختار الاستعانة بمحام طبقا للمادة 339 مكرر 3 يتم وضع نسخة من
الإجراءات تحت تصرف المحامي المعين للدفاع عن موكله، كما يمكنه الاتصال بكل حرية
بالمشتبه فيه على انفراد في مكان مهيأ لهذا الغرض.
يقوم بعد ذلك وكيل
الجمهورية بالتحقق من هوية المشتبه فيه المقدم أمامه ويواجهه بالأفعال المنسوبة
إليه، كما يخبره بأنه سيمثل فورا أمام المحكمة مع الشهود إن وجدوا والضحايا الذين
يبلغهم كذلك وهذا ما نصت عليه المادة 339 مكرر 2 ق إ ج والتي جاء فيها " ...
كما يبلغ الضحية والشهود بذلك " على أن يبقى المتهم تحت الحراسة الأمنية إلى
غاية مثوله أمام المحكمة وفقا لما أكدته المادتين 339 مكرر 3و4 من قانون الإجراءات
الجزائية.
2/ إجراءات مثول المتهم أمام رئيس قسم الجنح
بعدما يمثل
المشتبه فيه أمام وكيل الجمهورية المختص ويتم استجوابه في حضور محاميه ويتمك تحرير
محضر استجواب في هذا الشأن يبقى الشخص المقبوض عليه تحت الحراسة الأمنية ليمثل في
الأخير أمام قسم الجنح.تعقد جلسة في هذا الإطار وتسمى جلسة المثول الفوري أمام قسم
الجنح يرأسها إما رئيس المحكمة أو أحد قضاة المحكمة بحضور جميع الأطراف المتهم
ودفاعه والضحية ودفاعه والشهود في جلسة علنية.
بعد افتتاح جلسة
المثول الفوري للمتهم يقوم الرئيس بتنبيه المتهم أن له الحق في مهلة لتحضير دفاعه
إذا لم يكن المتهم ممثل بمحام، وينوه الرئيس عن هذا التنبيه وإجابة المتهم في
الحكم، وهذا ما أكدته صراحة المادة 339 مكرر 5 من ق إ ج والتي جاء فيها على أنه
" يقوم الرئيس بتنبيه المتهم أن له الحق في مهلة لتحضير دفاعه وينوه عن هذا
التنبيه وإجابة المتهم في الحكم "
ففي حالة استعمال
المتهم حقه في تحضير دفاعه تمنح له المحكمة مهلة ثلاث ( 03 ) أيام على الأقل، وهي
فترة كافية له لتمكينه من اختيار محامي للدفاع عنه وحضور هذا الأخير لجلسة المثول
الفوري أمام قاضي الجنح بالمحكمة، وهذا ما نوهت عنه المادة 339 مكرر 5 ق إ ج والتي
جاء فيها على أنه " إذا استعمل المتهم حقه المنوه عنه في الفقرة السابقة
منحته المحكمة مهلة ثلاثة ( 3 ) أيام على الأقل "
أما إذا كان
المتهم قد اختار محامي للدفاع عنه أو أنه تنازل صراحة أمام قاضي الجنح بأنه لا
يرغب في اختيار محامي وكانت القضية مهيأة للفصل فيها فهنا تنظر المحكمة في القضية،
بمعنى تجري محاكمة المتهم فورا وعلنيا بحضور جميع أطراف الدعوى، ولها الحق أن تنطق
بالحكم إما بعد الانتهاء مباشرة من إجراءات المحاكمة أو تأجل القضية لأقرب جلسة
للنطق بالحكم.
أما إذا لم تكن
الدعوى مهيأة للفصل فيها أمرت المحكمة بتأجيلها إلى أقرب جلسة ممكنة لإجراء
المحاكمة، وهذا ما نصت عليه المادة 339 مكرر 5 ق إ ج
لكن إذا قررت
المحكمة تأجيل القضية إلى جلسة أخرى يمكنها بعد الاستماع إلى طلبات النيابة
والمتهم ودفاعه اتخاذ التدابير الآتية وفقا لما جاءت به المادة 339 مكرر6.
- ترك المتهم حرا.
- إخضاع المتهم
لتدبير أو أكثر من تدابير الرقابة القضائية المنصوص عليها في المادة 125 مكرر 1 من
ق إ ج.
- وضع المتهم في
الحبس المؤقت
فهذه هي الحالات
الثلاث التي يمكن للمحكمة أن تأمر بها إذا أرادت تأجيل القضية إلى أقرب جلسة لأجل
محاكمة المتهم، وهنا يمارس القاضي سلطته التقديرية سواء بترك المتهم حرا إذا لم
تكن الوقائع خطيرة أو أن الضحية متنازل عن حقوقه أو وجود صلح بين الطرفين، أما إذا
تبين للمحكمة أنه لا توجد ضمانات كافية لمثول المتهم للمحاكمة فتأمر بإخضاع المتهم
لتدبير أو أكثر من تدابير الرقابة القضائية، وأخيرا يمكن للمحكمة أن تأمر بوضع
المتهم رهن الحبس المؤقت إذا رأت أن الوقائع خطيرة وأن المتهم يستحق عقوبة الحبس
النافد.
تجدر الإشارة أنه
لا يجوز استئناف الأوامر التي تصدرها المحكمة وفقا لما أكدته الفقرة الأخيرة من
المادة 339 مكرر 6 من ق إ ج.
في حالة اتخاذ
المحكمة تدابير الرقابة القضائية ضد المتهم فإن النيابة العامة هي التي تتولى
متابعة تنفيذ الرقابة القضائية المنصوص عليها في المادة 339 مكرر 6 من ق إ ج ، وفي
حالة مخالفة المتهم لتدابير الرقابة القضائية المنصوص عليها تطبق عليه عقوبة الحبس
و/أو الغرامة المنصوص عليها في المادة 129 من ق إ ج وهذا ما أكدته المادة 339 مكرر 7 من ق إ ج.
خــــاتمـــة
ما يلاحظ على
الأمر 15-02 أنه لم يتطرق لحقوق ضحية الجريمة باعتباره طرف وخصم في الدعوى
العمومية بحيث لم ينص على منح الضحية حق الاستعانة بمحام عند مثول المتهم أمام
وكيل الجمهورية، وكذا عدم تمكين دفاع الضحية من وضع تحت تصرفه نسخة من ملف
الإجراءات للإطلاع على الملف، وعدم النص على قيام رئيس قسم الجنح على تنبيه الضحية
بأن له الحق في تحضير دفاعه كما هو الحال بالنسبة للمتهم، كما لم ينص المشرع عند
تقرير المحكمة تأجيل القضية الاستماع إلى طلبات الضحية أو دفاعه لمعرفة رأيها
لاتخاذ تدبير من التدابير التي نصت عليها المادة 339 مكرر 6 ق إ ج.
فالأمر 15-02
المؤرخ في 23 جويلية 2015 في صيغته الحالية جاء لحماية المتهم من خلال التقليل من
مدة الحجز تحت النظر والتقليص من الحبس المؤقت وتسريع إجراءات المحاكمة مع ضمان
حقوقه كاملة بما فيها الحق في الدفاع، أما ضحية الجريمة بالرغم من أنه هو من
ارتكبت ضده الجريمة واهتزت حقوقه المكفولة دستوريا وقانونيا إلا أنه بقى بعيدا عن
هذه الإجراءات الجديدة التي تحسب للمشرع الجزائري في أنه ساير العديد من الأنظمة
التي أخذت بنظام المثول الفوري للمتهم، بحيث مكن الضحية فقط من استدعاءه من طرف
وكيل الجمهورية للحضور أمامه، وهذا في غير كافي بالنسبة لما يتمتع به المتهم من
حقوق في إجراءات المثول الفوري.
لذا نهيب بالمشرع
أن يعيد النظر في الأمر 15-02 المؤرخ في 23 جويلية 2015 من خلال النص على كامل
حقوق الضحية منذ بداية إجراءات المثول الفوري للمتهم أمام المحكمة إلى غاية
نهايتها، حتى نضمن توازن بين كل أطراف الخصومة الجزائية.
المرجع
- د. عبد الرحمان خلفي،الإجراءات الجزائية في التشريع الجزائري والمقارن ،دار بلقيس، الجزائر، طبعة 2017 ، ص 481 إلى 493.