محاضرة حول أنواع الدساتير
أولاً: أنواع الدساتير من حيث شكلها
يعرف
الدستور: بأنه مجموعة القواعد المتعلقة
بتنظيم ممارسة السلطة وانتقالها في الدولة على هدى فكرة سياسية معينة،وهذه القواعد
يمكن أن توجد بأحد طريقتين، فهي أما تصدر من المشرع الدستوري وتكون مدونة في وثيقة
رسمية، وهذا ما يسمى بالدستور المدون أو تكون وليدة العرف والسوابق القضائية
والتاريخية، دون أن تدون في وثيقة رسمية وهذا ما يطلق عليه الدستور غير المدون.
وتقسم
الدساتير من حيث شكلها إلى دساتير مدونة وأخرى غير مدونة.
1- الدستور المدون :
هو
الدستور الذي تصدر قواعده على شكل وثيقة رسمية واحدة، كما هو حال اغلب الدساتير
المدونة. أو تصدر بعدة وثائق رسمية، كما هو حال دستور الجمهورية الثالثة الفرنسي
لعام (1875) الذي صدر في ثلاث وثائق رسمية.
هذا
وتعتبر الغالبية العظمى لدساتير دول العالم مدونة.
والأخذ
بالدستور المدون لا يعني بالضرورة أن تتضمن الوثيقة الدستورية كافة القواعد
المتعلقة بممارسة السلطة وانتقالها، فغالبا ما نجد إلى جانب الوثيقة الدستورية
قوانين ووثائق ذات طابع دستوري وسياسي تعتبر متممة للوثيقة الدستورية في الموضوع
الذي تعالجه، ومثال ذلك قوانين المجالس التشريعية وأنظمتها الداخلية.
والملاحظ
أن القواعد الدستورية المدونة مهما كانت مفصلة فلا تستطيع مواكبة الظروف والتطورات
التي تطرأ بعد صدورها، وهذا يؤدي إلى نشوء قواعد أخرى تفسرها أو تكملها أو تعدلها
يكون مصدرها العرف والتفسيرات القضائية، التي صدرت بها أحكام من القضاء في موضوعات
دستورية، وهذا ما تدل عليه الحياة الدستورية في الدول ذات الدساتير المدونة.
ومن
ناحية أخرى قد تتضمن الوثيقة الدستورية، إلى جانب القواعد الدستورية بطبيعتها،
قواعد لا علاقة لها بممارسة السلطة، نصفها بالقواعد الدستورية الشكلية والحكمة من
وجود هذه القواعد في صلب الوثيقة الدستورية هي الرغبة في حماية تلك القواعد وذلك
برفعها إلى منزلة النصوص الدستورية، بحيث يتعذر بعد العمل بالدستور المساس بها،
إلغاء أو تعديلاً، إلا وفقاً بالطريقة التي يعدل الدستور ذاته.
ابتدأت
حركة تدوين الدساتير في الظهور منذ الربع الأخير من القرن الثامن عشر كان ذلك في
دول أمريكا الشمالية بعد تحررها من الاستعمار الإنكليزي ما بين عام (1776) وعام
(1781)، وبعد ذلك صدر الدستور الاتحادي للولايات المتحدة الأمريكية عام (1787).
ومن
الولايات المتحدة الأمريكية انتقلت قاعدة الدستور المدون إلى أوربا، فكان دستور
(3) أيلول (1791) الفرنسي أول دستور مدون.
وبعد
ذلك ظهرت في أوربا طائفة من الدساتير المدونة بين عامي (1830) و(1848).
لقد
ساد الاعتقاد لدى مفكري القرن الثامن عشر أن الدستور المدون أسمى من الدستور غير
المدون لما يمتاز به الأول من دقة الأحكام ووضوحها وتحديدها، واعتبروه بمثابة
تجديد للعقد الاجتماعي وأداة يستطيع الفرد بموجبها التعرف على حقوقها وواجباتها،
ويسهل عليه معرفة الحدود المرسومة لاختصاصات القابضين على السلطة، واعتبروا
الدستور المدون ايضاً وسيلة لتنمية وعي الأفراد السياسي وأداة للتهذيب الخلقي
والسياسي وبفضله يرتفع الفرد إلى مرتبة المواطن والدستور كما يقول (تومابايان) لا
يوجد إلا عندما يكون في مقدورنا وضعه في الجيب أي معرفة نصوصه بمضمونه.
هذا
وانتشرت بعد ذلك حركة تدوين الدساتير بشكل واسع. فبعد الحرب العالمية الأولى ظهرت
عدة دساتير مدونة منها: الدستور السوفيتي لعام (1918) والدستور الألماني لعام
(1919) والدستور النمساوي لعام (1920) والدستور التركي لعام (1924). وبعد الحرب
العالمية الأولى أيضا قامت في الوطن العربي دولة جديدة، وبعد انهيار الدولة
العثمانية، أخذت كلها بقاعدة الدستور المرن، من ذلك الدستور السوري لعام (1920)
والدستور المصري لعام (1923) والدستور العراقي لعام (1925) والدستور اللبناني لعام
(1926).
وبعد
الحرب العالمية الثانية انحسر المد الاستعماري أي أجزاء كثيرة من العالم وأدى ذلك
من دولة وطنية وضعت جميعها دساتير مدونة مؤكدة في ذلك كيانها السياسي والدولي،
ومما يذكر في هذا الصدد أن عدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أصبح في عام (1984)
(159) دولة. وهذا يعني أن عدد الدساتير المدونة في العالم يزيد على هذا الرقم.
2- الدستور غير المدون:
ويقصد
به الدستور الذي لا يتدخل المشرع الدستوري في وضع أحكامه وتثبيتها في وثيقة معينة
بل يستمد أحكامه من العرف والسوابق القضائية.
ويطلق
جانب من الفقه مصطلح الدستور العرفي على الدستور غير المرن نظراً لأن العرف يكون
المصدر الرئيسي لأحكامه، ولكمن مصطلح الدستور غير المدون اكثر دقة من مصطلح
الدستور العرفي، لأنه يتسع ليشمل جميع المصادر غير التشريعية سواء تمثلت في العرف
أو في التفسيرات القضائية.
لقد
بالغ أنصار الدستور غير المرن في ذكر
مزاياه، فقالوا أنه يمتاز بالمرونة وبسهولة التطور والنمو، فهو ليس من وضع شخص أو
هيئة معينة وانما هو وليد المجتمع ومن نتاج طبيعة الكائنات، يساير الحياة المتغيرة
والظروف المتجددة ويلبي حاجات المجتمع السياسي.
ولقد
دافع الفيلسوف الفرنسي (دي بونالد) في كتابه عن نظرية السلطة السياسية والدينية
الصادرة عام (1796) بحرارة عن الدستور غير المدون، وانكر الدستور المدون. لأن
الدستور عنده يستمد أحكامه من التقاليد والأعراف ويصدر من أعماق التاريخ، ولا يمكن
كتابة الدستور لأنه الوجود والطبيعة، ولا يمكن كتابة الوجود ولا الطبيعة، وكتابة
الدستور تعني قلب مفاهيمه.
والمثال
الواضح للدستور غير المدون هو الدستور الإنكليزي ويكاد يكون المثال الوحيد للدستور
غير المدون في العصر الحديث. فلا توجد في إنكلترا (كما هو الحال بقية دول العالم)
وثيقة مدونة تسمى بالدستور الإنكليزي. لأن الغالبية العظمى من القواعد الدستورية
المطبقة في هذا البلد نشأت وتطورت استناداً إلى التقاليد والأعراف والسوابق
القضائية، وعلى هذه الأساس لا توجد في إنكلترا نصوص مدونة تقرر النظام الملكي أو
تحدد سلطات الملك، أو تلك التي تقرر الأخذ بنظام المجلسين أو عدم مسؤولية الملك أو
تلزم اختيار رئيس الحكومة من بين أعضاء مجلس العموم أو تقرر المسؤولية الوزارية..
الخ. فهذه القواعد وغيرها طبقت واستقر العمل بها منذ أجيال عديدة غير أنها مدونة
في وثيقة رسمية صادرة من المشرع تسمى بالدستور الإنكليزي.
بيد
أنه عندما نقول إن الدستور الإنكليزي وهو دستور غير مرن، فلا يعني هذا عدم وجود
قواعد دستورية مدونة في إنكلترا، فهذه القواعد وجدت في وثائق لها أهميتها في
التنظيم السياسي لهذا البلد، ولكنها تعتبر استثناء من الأصل ومن هذه القواعد:
- العهد
الأعظم: Magna
Carta سنة (1215).
- ملتمس
الحقوق: Peition of Rights سنة (1628).
- قانون
الحقوق:Bill of Rightsسنة (1689).
- قانون
توارث العرش:Act
of Settlement سنة (11701).
- قانون
البرلمان: Parliament Actسنة (1911).
- قانون
الوصايا على العرش: Ther Regency Bill سنة (1937).
القانون
الصادر عام (1949) الخاص بتقييد اختصاصات مجلس اللوردات والقانون الخاص بالأعضاء
الدائمين في مجلس اللوردات الصادر عام (1958) الذي سمح للنساء بأن يصبحن عضوات
بمجلس اللوردات.
تقدير تقسيم الدساتير إلى مدونة وأخرى غير مدونة
تعد
الدساتير غير المدونة اسبق في الظهور من الدساتير المدونة، إذ كانت الدساتير غير
المدونة حتى القرن الثامن عشر القاعدة، والدساتير المدونة تمثل الاستثناء.
غير
أن الواضع تغير تدريجياً بعد منتصف القرن الثامن عشر بحيث أصبحت الدساتير المدونة
تكون القاعدة والدساتير غير المدونة الاستثناء، ويعود هذا التحول إلى (حركة
التدوين الدستوري التي كانت تدعو إلى تدوين الدستور، لأنه بالنسبة لها يعتبر ير
وسيلة لتقييد سلطات الحكام المطلقة، ولهذا يجب أن يكون الدستور واضحاً ولا يكون
كذلك إلا إذا كان مدوناً، وعلى هذا الأساس اعتبر فلاسفة القانون الطبيعي في
القرنين السابع والثامن عشر، الدستور بأنه عقد اجتماعي يحدد ما تنازل الأفراد عنه
من حريات عندما كانوا يعيشون في حالة طبيعية، ومقدار ما سيحتفظون به من هذه
الحراسات بعد تأسيس الدولة، وعليه فأن إقامة الدستور الذي هو تجسيد للعقد
الاجتماعي، لا يمكن أن يتم إلا بواسطة الكتابة أي أن يتبلور في مجموعة قواعد مكتوبة
أو مدونة، ولا يمكن أن يترك أمر تحديد الدستور للعرف، الذي هو بطبيعته غير محدد).
والملاحظ، كما رأينا أن أنصار الدساتير المدونة قد بالغوا في ذكر مزاياها كما بالغ
أنصار الدساتير غير المدونة أيضاً في ذكر مزاياها.
غير
ان الواقع يثبت أن العبرة في نفاذ الدستور واحترام قواعده ليست بتدوينه أو عدم
تدوينه، بل تستمد القواعد الدستورية قوتها من وعي أفراد المجتمع السياسي ومدى
تعلقهم بها، وعندما يتوفر الوعي يستوي أن تكون القاعدة مدونة أو غير مدونة فالوعي
السياسي في إنكلترا ضمن لدستورها الاحترام والثبات بالرغم من أن أغلب قواعده غير
مدونة. أما إذا تخلف هذا الوعي، فلن يجد المجتمع السياسي عندئذ تدون الدستور.
فكثير ما تحول مجتمع معين يسير وفق دستور مدون من حكم ديمقراطي إلى حكم مطلق، بل
وقد يتم هذا التحول في ظل نفس القواعد الدستورية، وهذا ما حدث فعلاً في إيطاليا
أبان الحكم الفاشي.
هذا
وان تقسيم الدستور إلى مدون وغير مدون وهو تقسيم نسبي وليس تقسيماً مطلقاً ذلك لأن
الدساتير المدونة لا يمكن أن تستغني عن الأطراف الدستورية التي تنشأ جنباً إلى جنب
مع القواعد الدستورية المدونة، لكي تقوم بتفسير الغامض منها أو لتكمل الناقص فيها.
والدستور غيرا لمدونة لا يمن الاستغناء كذلك عن القواعد الدستورية الصادرة من
المشرع الدستوري كما هو الحال في إنكلترا.
أذن
فالتقسيم يقوم على أساس السمة الغالبة في
الدستور، فأذا كانت القواعد المدونة هي
الغالبة فالدستور غير مرن وأذا كانت
القاعد المدونة هي الغالبة فالدستور مدون، وإذا كانت القواعد عبر غير المدونة هي الغالبة فالدستور غير مدون. والملاحظ إن هذا
لتقسيم فقد أهمته في الوقت الحاضر نتيجة للتدخل بين القواعد الدستورية المدونة وغير المدونة من ناحية وجنوح غالبية
دول العالم في العصر الحديث، من ناحية أخرى إلى الدساتير المدونة ذلك لأن التشريع
كما هو معروف أحتل الصدارة كمصدر من مصادر القاعدة الدستورية، بشكل خاص، والقاعدة
القانونية بشكل عام.
ثانياً: أنواع الدساتير من حيث إجراءات تعديلها
تقسم
الدساتير من حيث الإجراءات المتبعة في تعديلها إلى نوعين هما:
1- الدستور المرن:
وهو
الدستور الذي يمكن تعديله بأتباع نفس إجراءات
تعديل القواعد القانونية العادية. وعلى هذا الأساس يستطيع المشرع العادي
المساس بالنصوص الدستورية المرنة تعديلاً أو إلغاء وفقاً لنفس الإجراءات التي
يتبعها في تعديل قواعده القانونية العادية.
ويترتب
على ذلك أن الدستور المرن لا يتمتع بأي سمو شكلي على القانون العادي، فلو أصدر
المشرع العادي قانوناً خالف به نصاً دستوريا مرنا، فهذه المخالفة تعد تعديلاً للنص
الدستوري المرن.
وينبني
على ذلك عدم وجود فرق بين الدستور المرن والقانون العادي من الناحية الشكلية،
ويبقى الفرق موجوداً من الناحية الموضوعية فقط، لأن الموضوع الذي تعالجه النصوص
الدستورية يختلف، بطبيعة الحال عن المواضيع التي تنظمها وتعالجها القواعد
القانونية العادية.
هذا
وتعد الدساتير العرفية أثر الدساتير مرونة، لأنها كما تنشأ عن طريق العرف والسوابق
القضائية، فأن أمر تعديلها يتم بنفس الطريقة أيضا أي بتكوين قواعد عرفية جديدة
تأخذ مكان القواعد العرفية القديمة، كما يستطيع المشرع العادي تعديل تلك القواعد
وفقاً لنفس الإجراءات المعتادة في تعديل القاعد القانونية العادية.
والمثال
البارز للدستور المرن هو الدستور الإنكليزي، الذي يستمد أغلب أحكامه من العرف
والسوابق القضائية، ولهذا يستطيع البرلمان الإنكليزي تعديل القواعد الدستورية بنفس
الطريقة والإجراءات المتبعة من قبله في وضع وتعديل التشريعات العادية.
هذا
وليس حتمياً أن تكون جميع الدساتير العرفية مرنة، لأنه وجدت قواعد دستورية عرفية
غير مرنة (جامدة) ففي المدن اليونانية القديمة وجدت تفرقة بين القوانين العادية
وطوائف أخرى من القوانين مثل القوانين الدائمة (Permantent Laws) وقوانين
المدينة (Laws of
the City) إذا كان يشترط لتعديل هذه الأخيرة شروط
وإجراءات خاصة. وفي ظل الملكية المطلقة في فرنسا وجدت القوانين الأساسية للمملكة
التي لم يكن يكفي لتعديلها موافقة السلطة التشريعية العادية المتمثلة في شخص الملك
وانما كان يشترط كذلك موافقة الهيئة النيابية المسماة بمجلس الطبقات وفي مقابل ذلك
فقد وجدت دساتير مدونة ولكنها مرنة ومثال ذلك دستورا فرنسا لعام (1814) ولعام
(1830) ودستور جنوب أفريقيا لعام (1909) والدستور السوفيتي لعام (1918) ودستور
أيرلندة الحرة لعام (1922) وكذلك الدستور الإيطالي لعام (1848) الذي أستمر العمل
بموجبه حتى نهاية الحرب العالمية الثانية حتى أدخلت عليه تعديلات كثيرة أبان الحكم
الفاشي في عهد (موسوليني) عام (1939)، تمت جميعها بقوانين عادية.
فالملاحظ
أذن هو عدم وجود تلازم حتمي بين الدساتير المرنة والدساتير غير المدونة بالرغم من
أن أغلب القواعد الدستورية غير المدونة هي مرنة. ولا يوجد تطابق كذلك بين الدساتير
الجامدة والدساتير المدونة، بالرغم من أن أغلب الدساتير المدونة هي دساتير جامدة.
إذن فالحكم على دستور معين بأنه مرن يتوقف على طريقة تعديله، فمتى ما تماثلت هذه
الطريقة مع طريق تعديل القانون العادي كان الدستور مرناً ويستوي بعد ذلك أن يكون
الدستور قد وضع عن طريق هيئة خاصة غير الهيئة التشريعية العادية (سواء كانت منتخبة
أو معينة) أو بإجراءات مختلفة عن إجراءات وضع القانون العادي، أو أن يكون الدستور
قد وضعته ذات الهيئة التشريعية العادية وبإجراءات وضع القانون العادي، كما حدث ذلك
بالنسبة لدستور فرنسا لعام (1830).
2- الدستور الجامد:
وهو
الدستور الذي لا يمكن تعديله وفقاً لنفس إجراءات تعديل القواعد القانونية العادية،
غير أن هذا لا يعني أن الدستور الجامد لا يعدل مطلقاً إذ يمكن تعديله ولكن بأتباع
إجراءات خاصة تختلف عن تلك المتبعة في تعديل القواعد القانونية العادية وغلباً ما
تكون تلك الإجراءات أعقد من تلك المتبعة في تعديل التشريعات العادية. وغنى عن
البيان أن تلك الإجراءات ينص عليها عادة في صلب الدستور.
وعلى
هذا الأساس فلو أصدر المشرع العادي قانوناً خالف به نصاً دستورياً جامداً فلا
تعتبر هذه المخالفة تعديلاً للنص الدستوري الجامد وحينذاك تثور مسألة الرقابة على
دستورية القوانين، ذلك لأن الدستور الجامد يتمتع وحده بعلو وسمو على القواعد
القانونية العادية ولا يمكن والحالة هذه للقاعدة الدنيا مخالفة القاعدة التي
تعلوها في المرتبة استناداً لمبدأ التدرج القانوني.
وصفة
الجمود تسري على جميع القواعد الواردة في صلب الوثيقة الدستورية سواء كانت قواعد
دستورية موضوعية أو قواعد دستورية شكلية وتسري كذلك على القوانين العادية ذات
الطبيعية الدستورية.
والملاحظ
أن إجراءات تعديل النصوص الدستورية الجامدة تختلف من دستور لآخر وذلك حسب درجة
جمود الدستور فكلما كان الجمود شديداً كانت إجراءات التعديل أكثر صعوبة وتعقيداً
من تلك المتبعة في تعديل القواعد القانونية العادية وعلى خلاف ذلك كلما كان اختلاف
هذه الإجراءات عن القواعد القانونية العادية طفيفاً كان الجمود بسيطاً. فقد يشترط
الدستور مثلاً، لإجراء تعديل نص من نصوصه، ضرورة اجتماع المجلسين التشريعيين في
هيئة مؤتمر، إذا كان برلمان الدولة يتكون من مجلسين وقد يشترط لإجراء التعديل أيضا
أغلبية خاصة تختلف عن الأغلبية المطلوبة لتعديل القوانين العادية كاشتراط أغلبية
الثلثين أو ثلاثة أخماس أو ثلاثة أرباع أعضاء المؤتمر مثلاً.
وقد
يشترط الدستور كذلك ضرورة موافقة المواطنين على التعديل وذلك عن طريق الاستفتاء
الدستوري.
هذا
وان الاختلاف في إجراءات التعديل قد يكون شكلياً بحتاً، بحيث أن الإرادة التي تعدل
القانون العادي هي نفسها التي تعدل الدستور ولكن الأسلوب الذي يتبع للتعبير عن هذه
الإرادة يختلف في تعديل الدستور عنه في تعديل أو وضع القوانين العادية.
نوعا الجمود الدستوري وأهمية تقسيم الدساتير إلى مرنة وجامدة:
الجمود
الدستوري على نوعين هما: الجمود النسبي والجمود المطلق:
يكون
الدستور جامدا جمودا نسبياً إذا كانت إجراءات تعديله تختلف عن إجراءات تعديل
القانون العادي بالشكل الذي ذكرناه أعلاه.
أما
الجمود المطلق فيعني تحريم تعديل الدستور جزئياً أو كلياً بشكل مطلق. والجمود
المطلق يأخذ عدة صور وهي:
1- تحريم
المساس ببعض نصوص الدستور بشكل مطلق، وينصب هذا المنع على نصوص محددة تعالج
موضوعات معينة، ويسمى بالحظر الموضوعي أو بالجمود المطلق الجزئي.
2- تحريم
المساس بجميع نصوص الدستور خلال فترة زمنية معينة وهذا يسمى بالحظر الزمني أو
الجمود المطلق الكلي الموقت.
3- تحريم
المساس بجميع نصوص الدستور بشكل مطلق ودون تحيد لفترة زمنية معينة وهذا المنع يسمى
بالحظر المطلق أو الجمود المطلق الكلي الدائم ومن أمثلة الدستور اليوناني الصادر
عام (1864).
ونظراً
للعلاقة الوثيقة بين الحظر الزمن والحظر الموضوعي من ناحية وتعديل الدستور من
ناحية أخرى فسنتكلم عليهما عند الكلام عن تعديل الدستور.
أما
فيما يتعلق بالحظر المطلق أو الجمود المطلق الكلي الدائم فهناك اختلاف بين الفقهاء
حول مشروعيته ولكن وفق للرأي الراجح أن ليس كل حظر مطلق مرفوض ولا كل حظر مطلق
مقبول ، فالمسألة تعتمد على مضمون الحظر وهدفه البعيد. فكل حظر هدفه الحفاظ على
مبدأ الدستورية مطلوب وهذا ما يقرره الشعب صاحب السلطة الحقيقي فأرادته هي التي
تقرر جمود الدستور المطلق وهي التي تقره لأن الشعب هو المالك الوحيد لأرادته.
وقد
جسدت الثورة الفرنسية هذه الحقيقة فنصت المادة الأولى من الفصل السابع من دستور
عام (1791) الفرنسي على أن (الجمعية الوطنية التأسيسية تعلن بأن حق الأمة بتغيير
دستورها غير قابل للسقوط أو التقادم).