الفصل في الدعوى خلال مدة معقولة
تمهيد
لا يكفي لمواجهة على نحو فعال أن يتضمن القانون الجنائي نصوص للتجريم أو يفرض لها عقوبات رادعة ، بل ينبغي على المشرع أن يؤزرها بالقواعد الإجرائية اللازمة التي تمكن السلطات المختصة من سرعة الكشف عن الجريمة وضبط الجاني و إذانته في أقرب وقت ممكن .
ولكن
السرعة لا تعني العجلة في إتخاذ الإجراءات، لأن المحاكمة المتسرعة تنطوي على
إنتقاص من الضمانات المقررة للمتهم ، وبالتبعية لذلك لحسن سير العادلة الجنائية .
فإلى أي
مدى يمكن التوفيق بين سرعة الإجراءات المحاكمة الجنائية التي تحقق الفاعلية التي
تتطلبها سرعة العادلة وبين ضرورة مرعاة القواعد الإجرائية المقررة لضمان حقوق
الدفاع؟ (1)
و للإجابة
عن هذا التساؤل ارتأينا أولا تحديد مفهوم
الحق في المحاكمة خلال مدة معقولة في المطلب الأول و الأساس القانوني لضمان حق
المتهم في محاكمة سريعة في المطلب الثاني.
المطلب الأول: مفهوم الحق في المحاكمة خلال مدة معقولة
المحاكمة
السريعة أو المحاكمة خلال مدة معقولة كما تناولت ذلك المحكمة الأوروبية لحقوق
الإنسان، هو أن يتم النظر في القضية في وقت قصير ليس فيه إيلام أو إضرار بحق
المتهم ، ولكن السرعة لا تعني التسرع كما أشار بذلك الفقه (2)، وهو ما سوف نتعرض
إليه في فرعين بحيث سنتناول في الفرع الأول تعريف الحق في سرعة المحاكمة و خصائص
الحق في المحاكمة خلال مدة معقولة في الفرع الثاني.
الفرع الأول: تعريف الحق في سرعة المحاكمة
يعود أصل
الحق في المحاكمة خلال مدة معقولة إلى العهد الأعظم (الماجنا كارتا) في بريطانيا
سنة 1215 الذي جاء فيه مايلي " لن ننكر على الإنسان حقه في العدالة ولن نأجل
النظر في القضايا " ثم نضم إعلان الحقوق لولاية فرجينيا الأمريكية سنة 1776
نص واضحا على هذا الحق تم دستور ولاية ماساسوتش سنة 1780 (3).
وهذا ما
ورد في الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان و الشعوب الذي أقرته منظمة الوحدة
الإفريقية في 27 جوان 1981 بنيروبي (كينيا) في المادة 7 منه " حق التقاضي
المكفول للجميع ويشمل هذا الحق: د/ حق المحاكمة خلال فترة معقولة وبواسطة محكمة
محايدة (4) .
وضمان
المحاكمة السريعة المرتبطة بحق في الدفاع و إفتراض براءة الإنسان والتي تقضي ضرورة
البث في مصير المتهم دون أي تأخير لا مبرر له .
والحق في
المحاكمة السريعة لا يعني المحاكمة المتسرعة ، لأن هذا الأخير تأتي المخالفة لحقوق
الدفاع وهذا ما جعل الاتفاقية الدولية تفسر المحاكمة السريعة للمحاكمة خلال مدة
معقولة ، والمعقولية تعني استعباد التسرع في إتخاذ الإجراءات وفي نفس الوقت عدم
جواز إطالة المحاكمة على نحو مبالغ فيه (5).
والفترة
الزمنية التي نأخدها بعين الإعتبار من أجل تحديد المدة الزمنية المعقولة من اللحظة
التي يخطر فيها بأن السلطات تتخذ خطوات محددة لإقامة الدعوى القضائية ضد ، أي منذ
لحظة توجيه الإتهام وهناك من الفقه من يرى بأنها تبدأ منذ فترة الإحتجاز أمام
الضبطية القضائية ، وتنتهي عندما تستنفد جميع سبل الطعن إلى غاية أن يصبح الحكم
نهائي وجاهز للتنفيذ وهذا ما قالت به اللجنة المعنية بحقوق الإنسان الأوروبية
من كل
ماسبق يمكن تعريف المحاكمة السريعة و بإجاز بأنها "حق المتهم بأن يحاكم
خلال مدة معقولة ودون تأخير لا مبرر له"
ويجب
التفرقة بين الحق في المحاكمة خلال مدة معقولة و الحق في الدفاع ، دالك أن الحق
الثاني يقتضي أن تأخد الدعوى العمومية وقتها الكافي لمناقشة الدليل ، ولتمكين
المتهم من الدفاع عن نفسه بأن يلزم المحكمة أن تسمعه وتسمع الشهود الذين يقدمهم
إلى المحكمة وإلى مناقشة أوجه دفاعه(6).
ويصاحب
ذلك في بعض الأحيان تعطل في الإجراءات ، وقد يظهر وأن إحترام كل هذه الإجراءات فيه
تعارض مع الحق في المحاكمة السريعة ولكنه الحقيقة خلاف ذلك فلا يوجد أي مانع من
تحقيق السرعة في إجراءات المحاكمة مع إحترام للمبادئ الأساسية لحق الدفاع (7).
أولا: طبيعة حق المتهم في المحاكمة السريعة
من خلال
هذا التعريف نقول أنه ضمان من مستلزمات حق المتهم في الدفاع ولكن هذا القول لا
يسمح لنا بأن نعتبرها شيئا واحدا ذلك أن حق الدفاع يقتضي تمكين المتهم من الدفاع
عن نفسه بشتى وسائله وصوره، أما الحق في محاكمة سريعة فهو لازم لممارسة حق الدفاع
وهو بذلك أمر سابق وضروري له ومتميز عنه في ذات الوقت وقد يقول قائل : أن هذا الحق
يتعارض مع حق الدفاع الذي يقتضي بعض التأجيلات اللازمة لتمكين المتهم من إعداد
دفاعه لكن هذا القول مجافي للصحة ذلك أنه لا تعارض بين الحقين، بل كما سبق لنا وأن
وضحنا أنهما متلازمان ولكنهما متمايزان، فإذا قدر المتهم أن ممارسته لحق الدفاع
تقتضي تأخير نظر القضية يعتبر متنازلا عن حقه في محاكمة سريعة في حدود هذه التأجيلات
التي طلبها، ويتسم هذا الحق بأنه ذو طبيعة موضوعية وليس مسألة قانونية بحتة، ذلك
أنه لإعماله معرفة المدة الزمنية التي استغرقتها الإجراءات ومعرفة أسباب التأخير
وهذا يعود إلى سلطة المحكمة التقديرية والتي تخضع فيها لرقابة المحكمة العليا من
حيث كفاية التسبيب، ويقتضي هذا الحق إيجاد جزاء على مخالفته لأن الأمر يتعلق
بمسألة إجرائية خطيرة في منظومة الشرعية الإجرائية (8).
ثانيا: نطاق حق المتهم في محاكمة سريعة
إن المتهم
هو المستفيد الأول من هذا الحق لكن هذا لا ينفي أن هذا الحق يلعب دور هام جدا في
حسن سير العدالة، هذا من حيث النطاق الشخصي، أما من حيث النطاق الزمني الذي يمكن
الحديث فيه عن هذا الحق فنشير إلى أن هناك عدة آراء في هذا المجال لكن نختار
الأرجح حسب اعتقادنا وهو أن الحيز الزمني له يبدأ من وقت تحقيق صفة المتهم ويستمر
احتساب المدة الزمنية له إلى أن تنتهي الدعوى العمومية بصدور حكم في الموضوع ولأنه
يعني أصلا بحماية المتهم من التأجيلات المتكررة التي تحصل أثناء نظر الدعوى (9).
لكن هذا
الحق لا ينتج الغرض الذي وجد من أجله إذا ما كان هناك بطء في الإجراءات قبل
المحاكمة، لذلك فإن السرعة مطلوبة أيضا في تقديم المتهم للمحاكمة وليس فقط أثناء
المحاكمة، بمعنى سرعة تقديم المتهم للمحاكمة، وسرعة المحاكمة في حد ذاتها (10).
الفرع الثاني: خصائص الحق في المحاكمة خلال مدة معقولة
يتميز
الحق في المحاكمة خلال مدة معقولة بعدة خصائص تجعله حقا دستوريا راقيا يسمو
بالعدالة الجزائية، إلا أن الواقع العملي يبين وجود بعض الإشكالات تعوق تطبيقه على
النحو السليم ومن هذه الخصائص.
أولا : الحق في المحاكمة خلال مدة معقولة من حقوق الإنسان
تعطي بعض
الدول قيمة قانونية كبيرة للحق في محاكمة سريعة بحيث جعلت له بالموازاة قيمة
ىإنسانية عالية، وقدرت أن هذا الحق من حقوق الإنسان ، فأدرجته في دساتيرها مثلما
فعل الدستور الأمريكي وبعض الدساتير الأوروبية (11) إلى جانب الحق في الدفاع (12)
والحق في محاكمة عادلة ، ذلك أن المتفق عليه "أن العدالة البطيئة نوع من
الظلم"(13).
غير أن
أغلب الدساتير العربية لم يتضمن هذا الحق بما فيها الدستور الجزائري (14)، وهذا
قصورا يتعين مراجعته، لأنه من غير المقبول أن تنظم الجزائر كدولة إلى العهد الدولي
الذي يتضمن الحق في محاكمة سريعة ولا نجد في دستورها ما يترجم ذلك (15).
ثانيا: صعوبة تحديد وقت زمني محدد للمحاكمة السريعة
في
الحقيقة يصعب تحديد مدة محددة للمحاكمة للقول وأنها تمت بالسرعة المطلوبة ، وهذا
ما جعل العهد الدولي يعطيها اسم أكثر مرونة وهو الحق في المحاكمة خلال مدة
معقولة ويصعب تبعا لذلك على التشريعات أن تحدد
مواعيد ثابتة للدعوى العمومية ، ولعل التشريعات التي حددت مواعيد لتوجيه الاتهام
مثل بعض الولايات الأمريكية ، و مواعيد لإتمام الإجراءات مثل لتشريع الإيطالي ،
إنما قامت بذلك من باب الإرشاد القانوني لا غير، وهو ما جعلها في الكثير من
الأحيان تتجاوز هذه المدة، وتكون محل توبيخ من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (16).
لكن ليس
كل تأخير في الفصل في الدعوى العمومية
يبرر القول بوقوع مخالفة للحق في محاكمة سريعة، فمن القضايا ما يتسم
بالبساطة، ومنها ما يتسم بالتعقيد ، وتختلف ظروف كل قضية عن الأخرى، وفي كل
الأحوال هي مسالة تخضع للسلطة التقديرية للقاضي الذي عليه أن يقدر المدة المعقولة
من عدمها من خلال المدة التي استغرقتها الإجراءات، وأسباب التأخير ، ووقوع الضرر
ونوعه، بالإضافة إلى مدى تمسك المتهم بحقه في المحاكمة السريعة أم لا ؟ مع الإشارة
أن عمل المحكمة في تقدير ذلك يخضع برقابة المحكمة العليا من حيث سلامة الاستدلال
وكفاية السبب(17).
ثالثا: مشكلة الجزاء عند مخالفة الحق في المحاكمة خلال مدة معقولة
إن أغلب
دساتير الدول التي نصت على الحق في محاكمة سريعة لم تضع الجزاء المترتب على
مخالفته، وكان ذلك محل انتقاد شديد من الفقه (18)، ويرى فيه خللا يتعين تداركه
لكننا نحسبه منهجا سليما لأنه لا يطلب من الدساتير ّأن تضع جزاء معينا لكل حق من
الحقوق الدستورية، فذلك عمل القوانين ، وبالفعل نجد الدستور الأمريكي نص علي الحق في المحاكمة سريعة كأحد أهم مبادئ حقوق
الإنسان لكنه لم يشر إلى الجزاء بل تولى ذلك القضاء الذي جعل الجزاء المناسب لخرق
السلطات لحق الإنسان في محاكمة سريعة هو إسقاط الاتهام(19).
ويرى بعض
الفقه وأن هذا الجزاء مبالغ فيه بالمقارنة مع حق المجتمع في إقامة الدعوى العمومية
، لأن الأمر لا يتعلق بإسقاط دليل معين كما هو الحال مع التفتيش الباطل، بل له
علاقة بحق الدولة في العقاب، ولكن جانب آخر يرى خلاف ذلك، فبطء الإجراءات تجعل
الوقت يمضي ويطول ويضعف معه الدليل وبفتح باب الشك في قيمته كأساس للإدانة ، ويجب
أن يفسر هذا الشك لصالح المتهم(20).
المطلب الثاني: الأساس القانوني لضمان حق المتهم في محاكمة سريعة
نقصد
بالأساس القانوني لهذا الحق تلك النصوص القانونية المكرسة له وذلك على المستوى
الداخلي في الفرع الأول و آثار مخالفته في المحاكمة العادلة في الفرع الثاني على
النحو االتالي:
الفرع الأول: أساس حق المتهم في محاكمة سريعة في التشريع الجزائري
تضمن
الأمر رقم 15-02 المؤرخ في 23 جويلية 2015 المعدل والمتمم للأمر رقم 66-155 المؤرخ
في 08 جوان 1966 المتضمن قانون الإجراءات الجزائية أحكام جديدة تهدف إلى إحداث
تغييرات أساسية في سير القضاء الجزائي في إطار احترام الحقوق الأساسية ومبادئ
المحاكمة العادلة من خلال تعزيز حقوق المشتبه فيه أثناء التوقيف للنظر وتفعيل دور
النيابة في مختلف مراحل الإجراءات من أجل الفصل في الدعوى في أجال معقولة (21).
ونجد أن
المشرع عمل على تعزيز هذه المبادئ والتأكيد عليها وعلى وجه الخصوص حق المتهم في
محاكمة سريعة من خلال قانون رقم 17-07 مؤرخ في 27 مارس سنة 2017 المعدل والمتمم
لقانون الإجراءات الجزائية، بحيث جاء في نص المادة الأولة منه "يقوم هذا
القانون على مبادئ الشرعية والمحاكمة العادلة واحترام كرامة وحقوق الإنسان ويأخد
بعين الاعتبار، على الخصوص : ... أن تجري المتابعة والإجراءات التي تليها في آجال
معقولة ودون تأخير غير مبرر وتعطى الأولوية للقضية التي يكون فيها المتهم موقوفا...".
ومن خلال
قراءة نص المادة 333 المستحدثة بالأمر رقم 15-02 ،المعدل والمتم لقانون الإجراءات
الجزائية، يتضح أن الطرق المتبعة من طرف النيابة العامة لمباشرة الاتهام تتمثل في
الإحالة المباشرة على المحكمة(22).
إذا كانت
الجريمة لا توصف بجناية أو بجنحة من الجنح التي يوجب القانون التحقيق بشأنها (23)
ولا يشوبها أي مانع إجرائي، ففي هذه الحالة تكون تلك المخالفة أو الجنحة صالحة
لمباشرة الإتهام فيها بإحالتها مباشرة على المحكمة المختصة، وتتمثل الطرق المتبعة
من طرف النيابة العامة لإحالة الدعوى العمومية مباشرة على المحكمة في إجراءات
المثول الفوري و الأمر الجزائي والإستدعاء المباشر.
أولا: إجراءات المثول الفوري
ويعد
المثول الفوري إجراء من إجراءات المتابعة التي تتخذها النيابة وفق ملائمتها
الإجرائية في إخطار المحكمة بالقضية ، تحكمها المواد من 339 مكرر إلى 339 مكرر07
من قانون الإجراءات الجزائية، وهي تهدف إلى تبسيط إجراءات المحاكمة فيما يخص الجنح
المتلبس بها، والسرعة في الفصل في الدعوى في آجال معقولة (24).
وبمجرد
مثول المتهم أمام المحكمة يتحقق الرئيس من هويته ويعرفه بالإجراء الذي أحيل بموجبه
على المحكمة، ويتحقق كذلك من حضور أو غياب الطرف المدني والشهود، وإذا لم يكن
للمتهم محامي ممثلا عنه ينبهه الرئيس بأن له الحق في مهلة لتحضير دفاعه (المادة
339 مكرر 05 ق إ ج). ويمكن للرئيس ندب محامي عنه تلقائيا إذا طلب المتهم ذلك (المادة 351 ق إ ج). وفي هذه الحالة
إما أن تفصل المحكمة في الدعوى في نفس اليوم وإما أن تقرر تأجيلها إلى جلسة
موالية، وإذا رأت المحكمة أن القضية مهيئة للفصل فيها في نفس اليوم، وكان المتهم
ممثلا بمحام عنه أو تنازل عن حقه في الدفاع، فإنها تأمر(المحكمة) بمواصلة إجراءات
المحاكمة أو ما يسمى بالتحقيق النهائي، الذي قد ينتهي ببراءة المتهم (مع أن فرضية
البراءة مستبعدة في حالة التلبس) أو إدانته بالجنحة موضوع الدعوى ومعاقبته بها.
ويلاحظ
أنه في حالة إدانة المتهم بالجنحة المتلبس بها وكانت العقوبة هي الحبس النافذ فإنه
يخلى سبيل المتهم بمجرد النطق بالحكم، لأنه لم يكن محبوسا مؤقتا إلا إذا قررت
المحكمة
من تلقاء نفسها أو بناء على طلبات وكيل الجمهورية أن يصدر أمرا بإيداع
المتهم – المحكوم عليه – رهن الحبس طبقا لأحكام وشروط المادة 358/1 من ق إ ج.
إذا التمس
المتهم من المحكمة منحه أجلا لإعداد دفاعه (25) وهنا تمنحه المحكمة مهلة لا تقل عن
ثلاثة أيام أو في حالة ما إذا كانت الدعوى غير مهيأة للفصل فيها.
عند تأجيل
المحكمة للملف تفصل وجوبا في وضعية حرية المتهم وذلك بعد الاستماع لطلبات النيابة
والمتهم ودفاعه إن وجد، ومن ثم تقرر أحد الخيارات الثلاثة وفقا لنص المادة 339
مكرر 6 ق إ ج:
- ترك المتهم حرا.
- إخضاع
المتهم لتدبير أو أكثر من تدابير الرقابة القضائية الوارد بالمادة 125 مكرر1 من ق
إ ج.
- وضع
المتهم رهن الحبس المؤقت.
في الجلسة
المقبلة يتم معالجة القضية وفقا للقواعد العامة للمحاكمة(26).
ثانيا: إجراءات الأمر الجزائي
يعد الأمر
الجزائي أحد أهم الإجراءات التي تهدف إلى اختصار الإجراءات في مرحلة المحاكمة، كما
يعتبر بديلا لا يستهان به نظرا للفائدة التي يحققها في التقليص من تضخم القضايا
على مستوى المحاكم، كما تفيد المتهم في عدم تعريضه لمخاطر المحاكمة وسرعة الفصل
بالنسبة إليه ولكل أطراف الخصومة (27).
كما يتسم
الأمر الجزائي بأنه نظام إجرائي خاص، يواجه نوع معين من الجرائم البسيطة بهدف
إنهاء إجراءاتها، ووضع حد لانقضاء الدعوى المترتبة عنها بصورة مبسطة، لا تراعي
فيها القواعد المقررة لنظر المحاكمات العادية (28)، وقد أخذت به تشريعات كثيرة
نظرا لأهميته وكذلك فعل المشرع الجزائري.
وتحكم
إجراءات الأمر الجزائي المادة 380 مكرر إلى غاية المادة 380 مكرر7 المستحدثة بموجب
الأمر 15-02 المؤرخ في 23 جويلية 2015 المتضمن تعديل ق إ ج وتتكون في الجرائم التي تحمل وصف جنحة المعاقب
عليها و/أو بالحبس لمدة تساوي أو تقل عن سنتين، وذلك بشرط أن تكون هوية مرتكبها
معلومة، والوقائع المنسوبة للمتهم بسيطة غير خطيرة وليس من شأنها أن تثير مناقشة
وجاهية ، وأن الوقائع المنسوبة للمتهم قليلة الخطورة (380 مكرر)، وأن يكون المتهم
محل المتابعة شخص واحد (29).
ويفصل
القاضي في ملف الدعوى بغرفة المشورة وليس في جلسة علنية لإصدار أمرر جنائي
بالبراءة أو بعقوبة الغرامة، دون حضور المتهم ولا النيابة، ودون مرافعة مسبقة،
وإذا تبين للقاضي عدم توافر شروط الأمر الجزائي (السابق بيانها) فإنه يقضي
بإعادة ملف الدعوى إلى النيابة العامة بإتخاذ ما تراه مناسبا (المادة 380 مكرر 2
ق إ ج) (30).
ثالثا: إجراءات الاستدعاء المباشر
هذه الحالة تحكمها المواد 333،.334 و 394 من ق إ ج،
تعتبر إجراءات الاستدعاء المباشر الطريق أكثر شيوعا وإتباعا من طرف النيابة
العامة لإحالة الدعوى العمومية مباشرة على
المحكمة، وتلجأ النيابة العامة إلى الإتهام عن طريق الإستدعاء المباشر في
المخالفات دون إستثناء ما لم ترى ضرورة إجراء تحقيق في المخالفة، كما تلجأ أيضا
إلى طريق الإستدعاء المباشر في كل الجنح
حتى ولو توافر في الجنحة شروط المثول الفوري أو الأمر الجنائي(إذا رأت أن في ذلك
حسن سير الإجراءات) ما عدا الجنح التي يستوجب فيها التحقيق بنص خاص.
فتقوم
النيابة العامة بإرسال ملف الدعوى إلى الجهة القضائية المختصة، وتخطر المتهم
بتاريخ الجلسة إن كان حاضرا أو تكلفه بالحضور إن كان غائبا، وبعد هذا الإخطار أو
التكليف بالحضور الموجه من النيابة العامة تحريكا للدعوى العمومية وإتهامها للشخص
الموجه إليه (31).
كما يمكن
تحريك الدعوى العمومية من طرف المظرور عن طريق التكليف المباشر بالحضور في جرائم
مذكورة على سبيل الحصر طبقا لنص المادة 337 مكرر من ق.إج (32).
ونجد أيضا
أن المشرع الجزائري قد وضع سلطة الضابط في التوقيف للنظر وتحديد مدة التوقيف للنظر
بـ "48" في جميع الجرائم مهما كانت طبيعتها فتنص المادة 51/2 من ق إ ج "لا يجوز أن تتجاوز
مدة التوقيف للنظر ثمان وأربعين ساعة"إلا أن تمديد مدة التوقيف للنظر
خاصة بعد الأحكام الجديدة التي أدخلت عليه
عقب التعديلات المختلفة التي لحقت قانون
الإجراءات الجزائية، يميز بين الجريمة العادية وبين جرائم خاصة أو موصوفة (33).
وقد أكد
المشرع أيضا في نص المادة 270 من ق إ ج المعدلة بموجب فانون 17-07 على السرعة في
استجواب المتهم باستخدام مصطلح (في أقرب
وقت) والتي نصت على أن "يقوم
رئيس محكمة الجنايات الابتدائية أو القاضي الذي يفوضه باستجواب المتهم المتابع
بجناية في أقرب وقت".
إن تحديد
إجراءات وآجال المحاكمة وتقصيرها يضمن من جهة حرية الإنسان ومن جهة أخرى مبدأ من
مبادئ ضمانات المحاكمة العادلة (34).
وما يلاحظ
على قانون 17-07 المؤرخ في 27 مارس 2017
والأمر رقم 15-02 المؤرخ في 23 جويلية
2015 في صياغتهما أنهما يقومان على تعزيز مبادئ الشرعية والمحاكمة العدالة واحترام
كرامة وحقوق الإنسان و حماية المتهم من خلال التقليل من مدة الحجز تحت النظر والتقليص
من الحبس المؤقت وتسريع إجراءات المحاكمة مع ضمان حقوقه كاملة بما فيها الحق في
الدفاع.
الفرع الثاني: مخالفة حق المتهم في محاكمة سريعة وآثاره على حقه في محاكمة عادلة
قد يكون
من مصلحة المتهم تأجيل نظر دعواه حتى يقوم الدفاع بالإطلاع على الأوراق غير أن ذلك
لا يصدق بالنسبة لكثير من القضايا التي يضار فيها المتهم من جراء التأجيلات
المتكررة لأسباب خارج عن إرادته، فيصبح بذلك من ضحايا إساءة استعمال السلطة الذين
عرفهم "لإعلان المبادئ الأساسية لتوفير العدالة لضحايا الجريمة وإساءة
استعمال السلطة" في الجزء الثاني منه حيث قال عنهم بأنهم : الأشخاص الذين
أصيبوا بضرر، فرديا أو جماعيا بما في ذلك الضرر البدني أو العقلي أو المعانات
النفسية أو الخسارة الاقتصادية أو الحرمان بدرجة كبيرة من التمتع بحقوقهم الأساسية
عن طريق أفعال أو حالات إهمال لا تشكل حتى الآن انتهاكا للقوانين الجنائية الوطنية
ولكنها تشكل انتهاكات للمعايير الدولية المعترف بها والمتعلقة بحقوق الإنسان"(35).
ويعد حق
المتهم في محاكمة سريعة من حقوق الإنسان المقررة أساسا لمصلحة المتهم ولكن هذا لا
ينفي أنه لازم أيضا لحسن سير العدالة، وذلك ما عبرت عنه المحكمة الأمريكية إثر
تحديدها لوظيفة الحق في محكمة سريعة بقولها :" إن هذا الحق يرمي إلى تفادي
الأضرار التي تلحق بالمتهم في حقه في الدفاع بصورة أضرار مادية أو نفسية أو طول
الحبس السابق على المحاكمة بطريقة غير قانونية أو تعسفية" حيث أنه وإثر
الإخلال بهذا الحق يهتز كيان حق الدفاع ، جراء ما يؤدي إليه بطء الإجراءات من
التأثير على الأدلة المقدمة سواء تعلق الأمر بأدلة الإثبات أو النفي (36).
وتظهر
ضرورة إعمال هذا الحق عند إخضاع المتهم لإجراءات قسرية مثل الحبس الاحتياطي
ومحاولة إجراء التوزان بين هذه الإجراءات اللازمة في أحيان كثيرة، وبين حق المتهم
في محاكمة سريعة، حيث إطالة مدة تلك الإجراءات تلحق حتما بالمتهم أضرار مادية
ونفسية لذلك نقول أن له حقا أكيدا في إنهاء تلك المرحلة حتى يستقر وضعه القانوني
والاجتماعي والنفسي، فنجد أن حق المتهم في محاكمة سريعة إذا ما تم احترامه وتطبيقه
سيعود بالفائدة الجليلة على حق المتهم في محاكمة عادلة ، كما أن له آثار جد سيئة
على ذات الحق إذا ما تمت مخالفته، مشكلا بذلك ضمانة فعالة من ضمانات حق المتهم في
عدالة محاكمة (37).
التهميش
1- الدكتور
عبد الرحمان خلفي، أبحاث معاصرة القانون الجنائي المقارن نظرة حديثة للسياسة
الجنائية، دار الهدى للطبع والنشر والتوزيع، طبعة 2014، ص 98.
2- غنام
محمد غنام، حق المتهم في المحاكمة السريعة دون الطبعة، دار النهضة العربية،
القاهرة، 2003، ص03.
3- غنام
محمد غنام، المرجع السابق، ص 04.
4- إبراهيم
محمد العناني، الحق في المحاكمة العادلة في ضوء الميثاق الإفريقي والشعوب المقارن
في الوثائق الدولية الأخرى، مجلة العلوم القانونية والاقتصادية جامعة عين شمس،
العدد الأول 38 سنة 1996 ص2.
5- شريف
سيد كامل، الحق في السرعة الإجرائية الجنائية (دراسة مقارنة) دون الطبعة، دار
النهضة العربية، القاهرة، 2005، ص 2.
6- غنام
محمد غنام، المرجع السابق، ص 7.
7- شريف
سيد كامل، الحبس قصير المدة في التشريع الجنائي الحديث، دون الطبعة، دار النهضة
العربية، القاهرة، سنة 1999، ص 4.
8- غنام محمد غنام، مرجع سابق،
ص89 وما بعدها.
9- غنام محمد غنام، نفس المرجع، ص
118
10- سليمة بولطيف، ضمانات المتهم
في المحاكمة العادلة – المواثيق الدولية والتشريع الجزائري، ماجستير، سنة
2004-2005، ص 78.
11- أحمد
براك، الحق في المحاكمة السريعة بين النظرية والتطبيق، مقال إلكتروني على موقع (www.alquds.com، منشور بتاريخ 12/كانون الأول
2010، تاريخ الزيارة 22/04/2008 الساعة 12:23.
12- محمود
نجيب حسني، الدستور والقانون الجنائي، دون الطبعة، دار النهضة العربية،
القاهرة، 1992، ص 136
13- غنام
محمد غنام، المرجع السابق ، ص 5.
14- محمد
مصباح القاضي ، حق الإنسان في محاكمة عادلة (دراسة مقارنة) دون الطبعة، دار
النهضة العربية، القاهرة، سنة 1996، و ( أحمد براك ، الموقع الإلكتروني السابق،
15- عبد
الرحمان خلفي، المرجع السابق، ص 102.
16- شريف
السد كمال، المرجع السابق، ص 11.
17- غنام
محمد غنام، المرجع السابق، ص 22
18- غنام
محمد غنام، المرجع نفسه، ص 7.
19- أحمد
براك، الموقع الإلكتروني السابق.
20- غنام
محمد غنام ، المرجع نفسه ، ص 18.
21- د.
علي شملال، المستحدث في قانون الإجراءات الجزائية الجزائري – الاإستدلال والإتهام
-، الكتاب الأول ، دار هومة دون طبعة،
ص166.
22- د.
علي شملال، المرجع السابق ، ص 166..
23- أ عبد
الله أوهايبية، شرح قانون العقوبات الجزائري، القسم العام، موفم للنشر، الجزائر،
ص418.
24- د.
عبد الرحمان خلفي، المرجع السابق، ص 465.
25- د.
علي شملال، المرجع السابق، ص 170.
26- د. عبد
الرحمان خلفي، المرجع السابق، ص 467.
27- أحمد
محمد براك، العقوبة الرضائية في الشريعة الإسلامية والأنظمة الجنائية المعاصرة
(دراسة مقارنة)، الطبعة الأولى، دار
النهضة العربية، القاهرة، ص 97.
28- أحمد
محمد براك، المرجع السابق ، ص 535.
29- د.
عبد الرحمان خلفي، المرجع السابق، ص 468 ،469.
30- د.
علي شملال،ن المرجع الساابق ، ص 173.
31- د.
علي شملال، المرجع السابق ، ص174 ، 175.
32- د.
عبد الرحمان خلفي ، المرجع السابق ، ص 244.
33- أ.
عبد الله أوهايبية، المرجع السابق، ص 321.
34- د. يوسف دلاندة، المرجع السابق، ص 36.
35- محمد
عبد العزيز، حقوق الإنسان ومعايير وقواعد الأمم المتحدة في العدالة الجنائية، حقوق
الإنسان، مجلد رقم "2" المرجع السابق، ص 258.
36- غنام
محمد غنام، المرجع اسابق، ص95.
37- غنام
محمد غنام، المرجع السابق، ص 97.