الاختصاص النوعي والإقليمي لجهات القضاء العادي
تثير
دراسة قواعد الاختصاص النوعي، جملة من المسائل تتعلق بالتعريف به وبيان مبرراته
واستثناءاته، وبالاختصاص الذي يتحدد بقيمة الدعوى، أو بنوعها بالنسبة لجهات القضاء
العادي.
المبحث الأول : التعريف بالاختصاص ومبرراته واستثناءاته
استند
المشرع في توزيع المحاكم إلى اعتبارين :
الاعتبار الأول: يقوم على مراعاة طبيعة المنازعات، وبمقتضاه قسم المشرع السلطة
القضائية إلىجهتين قضائيتين: القضاء العادي، والقضاء الإداري، وأخص الأولى بالفصل
في المنازعات المدنية والجزائية الخاضعة للقانون الخاص، فيما أخص الثانية بالنظر
في المنازعات الإدارية.
الاعتبار الثاني: ويقوم على مراعاة مصالح الخصوم، وبموجبه قام المشرع بإنشاء مجموعة
من المحاكم من فئة واحدة، موزعة بين مختلف مناطق الوطن، فتكون قريبة من محل إقامة
الخصوم، وبذلك يسهل عليهم اللجوء إليها، لفض المنازعات الناشئة فيما بينهم، سواء
كانت خاضعة للقانون الخاص، أو خاضعة للقانون الإداري.
لذلك
كان لزاما على المشرع أن يضع قواعد قانونية، تعنى بتقسيم الاختصاص النوعي مابين
تلك المحاكم، والتي يمكن من خلالها معرفة المحكمة المختصة نوعيا بنظر المنازعة
القائمة، وهي مسألة من شأنها إثارة بعض التساؤل، حول ماذا كان حل جميع المنازعات
يخضع لتلك الجهات القضائية، أم أن ثمة ما يخرج عن ولايتها.
إن
الإجابة على هذا التساؤل، تقتضي التعريف بالاختصاص وإبراز مبرراته، ومن تم تحديد
طبيعة المسائل التي يمكن أن تخرج عن ولاية مختلف الجهات القضائية، سواء كانت عادية
أو إدارية.
المطلب الأول : التعريف بالاختصاص ومبرراته
أولا: مبررات قواعد الاختصاص :
يكمن
عدم تركيز السلطة القضائية في جهة قضائية واحدة ، وتوزيعها على عـدة جهات قضائية،
تختص كل منها بجزء محدد من ولاية القضاء، تستقل به عن غيرها من الجهات القضائية
الأخرى، في جملة من المبررات قد تكمن إما في الدين بالنظر لموضوع المنازعة، وإما
لوجود الدولة كطرف فيها بالنظر لأطراف الدعوى، واما لوجود مصلحة عامة ، وما لاتساع
رقعة إقليم الدولة.
أ) مبرر الدين :
يشكل مبررا لترك الحكم في منازعات الأحوال الشخصية لجهة قضائية معينة، لها ذاتيتها إزاء
الجهات القضائية التي تنظر في المنازعات الأخرى، لاختلاف أو اتحاد ديانة مواطني
الدولة، ومن تم اختلاف القانون – الذي يستمد من الدين- الذي تخضع له تلك
المنازعات، ذلك أن القوانين المنظمة للحق في الزواج مثلا، وعلى حد ما ذهبت إليه
المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان، عادة ما تضع قواعد قانونية شكلية، تتعلق بإعلانه
و تحديد أشكال الاحتفال به وفك روابطه، مع ما يترتب عنه من حقوق والتزامات، تكون
في الأصل مستمدة من أسس دينية، تحت طائلة عدم الاعتراف به، وأن الفصل في مثل هذه القضايا،
يتطلب معارف معينة قد لا تتوفر لدى جميع القضاة.
ب) مبرر وجود الدولة كطرف:
وقد يشكل وجود الدولة أو إحدى هيئاتها طرفا في
الدعوى، مبررا لإخضاع تلك المنازعة للقضاء الإداري المستقل عن القضاء العادي، إما
لتمتعها بامتياز في مواجهة الأفراد، وإما
لكون الفصل في هذا النوع من المنازعات يستلزم إجراءات خاصة، تختلف عن الإجراءات المتبعة أمام القضاء العادي، مما
يتطلب خبرة وثقافة قانونية خاصة، قد لا تكون متوفرة لدى جميع القضاة.
د) مبررات المصلحـة العامـة :
قد
يكمن مبرر قواعد الاختصاص، في المصلحة العامة من تعدد درجات التقاضي في حد ذاتها،
والتي تستند في الأساس إلى أن القاضي
الفاصل في النزاع على مستوى محكمة الدرجة الأولى قد يقع في الخطأ، إما لعدم إحاطته بالوقائع، و إما لعدم توفيقه في الأخذ
بالنص القانوني الواجب التطبيق، وهي المصلحة
التي بررت وجود المجالس القضائية، بوصفها درجة ثانية من درجات التقاضي،
خولها القانون صلاحية النظر في الدعوى من جديد، وقيامها بإلغاء أو تعديل أو تأييد
حكم الدرجة الأولى، فيكون حكمها عنوانا للحقيقة، على اعتبار وأنه جاء تتويجا
للمشورة التي تمت بين أعضائه ، وهي المشورة التي لا تتم إلا بتعدد القضاة.
غير
أن هذا التعدد وان كان يبدو حتميا على مستوى المجالس القضائية، بوصفها درجة ثانية
للتقاضي، فتعميمه على مستوى محاكم الدرجة الأولى، قد يكلف الدولة موارد طائلة،
لذلك تقرر اقتصار تعميمه بالنسبة لهذه الجهات، على نوعية وأهمية المنازعات المخولة
بنظرها كمحاكم الأقطاب المتخصصة، فيما تتشكل هيئات الحكم بالنسبة لباقي الأقسام
الأخرى من قاض فرد متخصص وبمساعدة معاونين في بعض الأقسام الأخرى، فيما يتعلق
بالقضايا ذات الأهمية البسيطة التي لا يستوجب الفصل فيها وجود تلك المشورة.
هـ) مبررات اتساع رقعة إقليم الدولة :
لعل
اتساع رقعة الإقليم، وضرورة تقريب القضاء من المتقاضين في حد ذاتها، قد استوجبت
تعدد المحاكم والمجالس القضائية، ومن صنف واحد من أصناف الجهات القضائية، فثمة على
مستوى القضاء العادي، عدة محاكم تتشكل من قاض فرد، شأن المحاكم الفاصلة في المواد
المدنية، أو عدة محاكم تتشكل إما من قاض فرد مع مساعدين اثنين فأكثر، كالمحاكم
التجارية والعمالية، وإما من عدة قضاة محترفين، كمحاكم الأقطاب المتخصصة، وهو وضع
نجده على مستوى محاكم الدرجة الأولى، وعلى مستوى المجالس القضائية.
إن هذا التعدد قد يؤدي إلى اختلاف الحلول بالنسبة للقضايا المتشابهة، وهو أمر يؤدي إلى
زعزعة الثقة في القضاء وعدله، لذلك دعت الضرورة إلى إنشاء محكمة عليا واحدة ،
تتكفل بمراقبة تطبيق القانون وتفسيره ، والعمل على توحيد الحلول لجميع المخاصمات
المتشابهة، على مستوى جهات القضاء العادي.
وأمام
تلك المبررات لتعدد الجهات القضائية، كان لزاما على المشرع أن يعتني بوضع المعايير، التي على ضوئها يتحدد
ما لكل جهة من تلك الجهات القضائية، من قسط من الولاية القضائية في الدولة.
ثانيا: التعريف بالاختصاص وأنواعه
ينبغي
التعرض بداية إلى التعريف بالاختصاص، فالإشارة إلى أنواعه.
أ) التعريف بالاختصاص :
يمكن
التمييز بين التشريع والفقه:
1) بالنسبة للتشريع:
لم
يضع لا قانون الإجراءات المدنية، ولا قانون الإجراءات المدنية والإدارية أي تعريف
للاختصاص، وكذلك باقي التشريعات المقارنة التي لم تعن بدورها بتعريفه، ويبقى الفقه
هو المرجع في تعريفه، حيث نجد به جملة من الآراء، قد استندت في مجملها في تعريف
الاختصاص، من حيث النظر إلى الولاية أو الصلاحية أو السلطة الممنوحة لكل جهة من
الجهات القضائية، للفصل في المنازعات المعروضة على القضاء.
2) بالنسبة للفقه:
انقسم
الفقه في تعريف الاختصاص الى عدة اتجاهات:
الأول: ذهب إلى القول بأن:(الاختصاص لغة يعني التفضيل والانفراد، وفي
الاصطلاح القانوني يقصد به الولاية أو السلطة أو الصلاحية التي منحها المشرع
للقضاء للفصل في المنازعات بين الأفراد) ، وهو رأي قد استند في هذا التعريف إلى
قانون أصـول المحاكمات المدنية الأردني، وبحسبه فمصطلح الاختصاص يعد مرادفا لمصطلح
الصلاحية في هذا التشريع، بالنظر إلى تشكيل محاكم الصلح، وأن قواعد الاختصاص
الواردة به، ما هي إلا عبارة عن قواعد إجرائية، تحدد المنازعات التي تدخل في ولاية
كل محكمة من المحاكم، وبذلك ففكـرة الاختصاص لا يتصور وجودها إلا مع تعدد المحاكم
داخل الدولة الواحدة.
الثاني: ذهب رأي آخر إلى تعريفه بالقول على أنه يقصد بالاختصاص:(مقدار ما
لجهة قضائية أو محكمة من سلطة أو صلاحية
الفصل في المنازعات) ، وقد استند هذا التعريف إلى قانون المرافعات المدنية
والتجارية المصري، حيث إصلاح الاختصاص بهذا القانون يطلق على سلطة المحاكم على
اختلاف درجاتها، وبذلك فهو يعبر عن النطاق المندرج ضمن ولاية كل جهة من تلك الجهات
القضائية، الذي تملك أن تباشر في حدوده تلك الولاية، وفي نفس الوقت فانه يعبر عن
حد ولاية الجهات القضائية الأخرى.
الثالث: ذهب الى تعريف الاختصاص بأنه :(سلطة الحكم بمقتضى القانون في خصومة
معينة) وعلى هذا الأساس فاختصاص محكمة ما، يعني نصيبها من المنازعات التي يجوز لها
الفصل فيها، دون غيرها من الجهات القضائية الأخرى.
الرابع: ذهب الى تعريف الاختصاص بأنه :(سلطة الحكم بمقتضى القانون في خصومة
معينة) ويقترب منه تعريف آخر يرى بأن الاختصاص يعني:(صلاحية التحقيق بمقتضى
القانون في خصومة معينة)
3) تقدير هذه التعاريف :
يلاحظ
من خلال تلك التعاريف، وأنها لم تفرق بين عبارتي الاختصاص والولاية، مع أنهما
عبارتان لاتؤديان معنى واحدا، ذلك أن جميع الجهات القضائية في الدولة لها ولاية
القضاء، وهي الولاية التي تتوزع فيما بينها، أما الاختصاص فيتعلق بتحديد المنازعات
التي تباشر المحكمة وظيفة القضاء بشأنها، من بين القضايا المندرجة ضمن ولاية جهة
القضاء التابعة لها، لذلك فولاية القضاء تعرف بأنها:(نصيب كل جهة قضائية من ولاية
القضاء)، فيما يعرف الاختصاص بأنه:(نصيب المحكمة من المنازعات التي تباشر وظيفة
القضاء بشأنها من بين المنازعات الداخلة في ولاية جهة القضاء التابعة لها للفصل
فيها)، وبذلك فالاختصاص ما هو إلا عبارة عن حد لولاية المحكمة القضائية، بسبب وجود
محاكم أخرى تابعة لنفس جهة القضاء التي تتبعها، وهو على هذا الأساس يكون أنواعا.
ب) أنـواع الاختـصاص:
قد
يكون الاختصاص متعلقا، بتحديد قسط من ولاية القضاء الممنوحة لنظام قضائي
معين،كولاية القضاء العادي، وبحسبه يتم تحديد المنازعات التي تخرج عن ولايته، وهذا
النوع من الاختصاص يسمى بالاختصاص الوظيفي.
وخلافا
لذلك فقد يكون الاختصاص متعلقا، بتحديد قسط من ولاية القضاء الممنوح لكل محكمة،
حسب نوع الدعوى داخل نفس النظام القضائي، مثلما هو عليه الأمر بالنسبة للاختصاص
الممنوح لمحاكم القضاء العادي، وفيما إذا كان الفصل فيها يكون ابتدائيا أو ابتدائيا
وانتهائيا، وكذلك الاختصاص الممنوح للمجالس القضائية، وفيما إذا كان انتهائيا أو
ابتدائيا وانتهائيا، وهو اختصاص يسمى بالاختصاص النوعي.
وإذا
تحدد ذلك القسط من الولاية في هذه الحالة، حسب القيمة المالية للدعوى، تمت تسميته
بالاختصاص القيمي، كشأن المنازعات التي تختص المحاكم بالفصل فيها ابتدائيا
ونهائيا.
وقد
يكون الاختصاص متعلقا بولاية جهات القضاء الجزائري بنظر المنازعات، المندرجة ضمن
نطاق العلاقات الخاصة الدولية، أي كل نزاع يتعلق برابطة من روابط القانون الخاص،
المشتملة
على عنصر أجنبي، سواء تعلق الأمر بأطراف تلك العلاقة أو بمحلها، تمت تسمية هذا
الاختصاص بالاختصاص الدولي للمحاكم الجزائرية.
وتتعلق
قواعد هذا النوع من الاختصاص، بتحديد ما إذا كانت المحاكـم الجزائرية
مختصة، أم غير مختصة بنظر النزاع ، الذي يدخل في نطاق العلاقات الخاصة
الدولية ، أي كل نزاع يتعلق برابطة من روابط القانون الـخاص ، المشتملة على عنصر
أجنبي، سواء تعلق الأمر بأطراف تلك العلاقة أو بمحلها ، كما لو كان المدعي أو
المدعى عليه طرفا أجنبيا، وهي مسائل يعني بدراستها القانون الدولي الخاص، ومن
ذلك أن نص المادة 10 من القانون المدني قد
تضمنت النص على أن الأشخاص الاعتبارية الأجنبية التي تمارس نشاطها في الجزائر،
فإنها تخضع للقانون الجزائري ، وبالنتيجة للمحاكم الجزائرية .
ومتى
كنا داخل الصنف الواحد من المحاكم، وأردنا توزيع الاختصاص، على كل منها على حدة،
حسب الدائرة الجغرافية، تمت تسميته بالاختصاص الإقليمي.
ومع
ذلك وبالنظر الى النصوص القانونية الواردة في قانون الإجراءات المدنية والإدارية
ومختلف النصوص الخاصة الأخرى ذات الصلة، فالمشرع قد تضمن النص على نوعين من
الاختصاص هما: الاختصاص النوعي والاختصاص الإقليمي، لذلك سنؤجل البحث في الاختصاص
الإقليمي إلى الفصل الثاني، على أن نتولى بحث الاختصاص النوعي في هذا الفصل، بعد
معالجة بعض المسائل ، التي تخرج عن اختصاص مختلف الجهات القضائية، وهي الأنواع
التي نتولى دراستها.
المطلب الثاني: المسائل التي تخرج عن اختصاص مختلف الجهات القضائية
إذا
كانت المادة 32 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، قد نصت على أن المحكمة هي
الجهة القضائية ذات الاختصاص العام، فهي على هذا الأساس تتولى الفصل في جميع
المنازعات إلا ما تم استثناؤه بنص خاص.
وظاهر
من هذا النص أنه يقرر وبكل وضوح، بأن المحكمة هي جهة من جهات القضاء العادي، وهي
الجهة القضائية ذات الاختصاص العام والشامل للفصل في جميع المنازعات، إلا ما تم
التصريح بخروجه من دائرة اختصاصها بنص خاص.
وبحكم
تلك النصوص الخاصة، فثمة مسائل تخرج عن ولاية جهات القضاء العادي، وجهات القضاء
الإداري على حد سواء، لا تختص بالفصل فيها، بل أن الاختصاص قد ينعقد بشأنها إلى
هيئات دستورية أو لجان إدارية، وقد لا ينعقد لأية هيئة في الدولة أصلا، لا قضائية
ولا دستورية ولا إدارية، فيما أن بعضها الآخر يخرج من ولاية القضاء العادي، ويندرج
ضمن اختصاص جهة القضاء الإداري، وفقا لنص المادة 800 وما بعدها من قانون الإجراءات
المدنية والإدارية، والتي هي بدورها يخرج عن دائرة اختصاصها، ما يندرج ضمن ولاية
جهات القضاء العادي، وهي الاستثناءات التي يعبر عنها بانتفاء الولاية، أو انعــدام
الاختصاص، وتتعلق أساسا بجميع المنازعات المتعلقة بأعمال السيادة، وبحالات الحصانة
القضائية المنصوص عليها في قواعد القانون الدولي العام، وبمختلف المسائل المتعلقة
بالرقابة على دستورية القوانين.
أولا: أعمال السيادة
على
الرغم من أن قانون الإجراءات المدنية، لم يتضمن النص على استثناء أي نزاع من ولاية
القضاء ، فمما لاشك فيه بأن أعمال السيادة تخرج عن دائرة اختصاصه، بحيث لا يكون له
حق النظر في هذا النوع من المنازعات ، لذلك يكون من الأهميـة بمكان ، تحديـد
الأعمال التي يمكن وصفها بأعمال سيادة، وسلطة المحاكم في تكييف الأعمال المثارة
بشأنها.
أ) تحديد أعمال السيادة
إذا
ما أردنا اعتماد النصوص التشريعية كمرجع لتحديد هذه الأعمال، فإننا نجدها لم تقدم
لنا أي تعريف دقيق لها، ولم تقم بحصرها، لذلك لامناص من اتخاذ الفقه والقضاء
كمرجعين للوقوف على ماهيتها، وبحسبها فقد تم تعريفها بالقول على أنها:(تلك الأعمال
التي تباشرها الحكومة، بمقتضى سلطتها العليا، وتتصل بسلامة الدولة الداخلية
والخارجية،أو التي تحكم روابط ذات صبغة سياسية ظاهرة) ، وعلى هذا الأساس فقد بات
من المتفق عليه، على أن أعمال السيادة، تنصرف لتشمل كل الأعمال المتعلقة بتنظيم
علاقات الدولة، مع أشخاص القانون الدولي العام ،كما هو الشأن بالنسبة لإبرام
المعاهدات الدولية، وإنشاء العلاقات الدبلوماسية، أو قطعها، وذلك إلى جانب قرارات
إعلان الحرب، أو إنهائها، وضم الأراضي، أو التنازل عنها، أو إبرام أي صلح بالنسبة
لتدابير الأمن الداخلي والخارجي، وفي حالة الظروف الاستثنائية، والتي يكون للدولة
بموجبها تنظيم القوات المسلحة، وإعلان
حالة الطوارئ، ويضاف إلى ذلك كل الأعمال المتصلة بتنظيم العلاقات بين سلطات الدولة
المختلفة، حال دعوة مجلس الوزراء ، أو المجلس النيابي للانعقاد، أوحلهما، أو
الإعلان عن انتهاء دورة المجلس النيابي، أو تأجيلها، وغير ذلك من الأعمال المماثل.
ب) سلطة المحاكم في تكييف أعمال السيادة
على
الرغم من خروج أعمال السيادة من ولاية
مختلف الجهات القضائية، فان ذلك لا ينال من سلطتها في تكييف الأعمال المثارة
أمامها، فيما إذا كانت ذات طبيعة سيادية أو غير كذلك، من أجل توصلها إلى التصريح
باختصاصها أو بعدم اختصاصها نظر النزاع، وحتى يتقرر لها ذلك ، يكفي تمسك الحكومة ،
بأن العمل المعروض على الجهة القضائية المعنية هو عمل سيادي ، لتقوم هذه الجهة
القضائية وعلى ضوء عناصر النزاع ، استنادا للمعايير الفقهية والقضائية تكييف ذلك
العمل، فيما إذا كان بالفعل من الأعمال السيادية أم لا، وبالنتيجة فمتى صح
الإدعاء، تعين على الجهة القضائية الامتناع عن الفصل في النزاع ، سواء تعلق الأمر
بالإلغاء أو إيقاف التنفيذ مؤقتا أو بالتعويض ، بل عليها أن تصرح بعدم الاختصاص.
ثانيا: حالات الحصانة القضائية في ضوء القانون الدولي العام
ثمة
قواعد قانونية دولية، تشكلت عن طريق العرف الدولي ، تقضي بتمتع بعض الأشخاص
الطبيعية والاعتبارية بالحصانة القضائية، قد يكون من المفيد الإشارة إليها، والى مضمونها.
أ) السند القانوني الدولي للحصانة القضائية
تتمتع
الدول الأجنبية ورؤسائها، وكذلك الأمر للمنظمات الدولية وممثليها، وكافة رجال
السلك الدبلوماسي الأجنبي، والموظفين الدوليين بالحصانة القضائية، أي عدم خضوعهم
لسلطة القضاء الأجنبي، وذلك بمقتضى قواعد القانون العرفي التي تم تدوين بعضها في
اتفاقيات دولية، يأتي في مقدمتها لائحة فيينا لعام 1815 تم بروتوكول أكس لاشابل
لعام 1818، بخصوص ترتيب المبعوثين الدبلوماسيين ، وكذلك اتفاقية فيينا للعلاقات
الدبلوماسية الموقعة بتاريخ 18/4/1961، وهي الاتفاقية التي أعدت مشروعها لجنة
القانون الدولي ، بناء على طلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1952 ، وهو
المشروع الذي تم عرضه على الجمعية العامة للأمم المتحدة عامي 1958 و1959 ، والتي
قررت عرضه على مؤتمر دولي دبلوماسي ، حيث تم توقيعه بالتاريخ المذكور.
ب) مضمون قواعد الحصانة القضائية :
إذا
كان من المسلم به، بأن أشخاص القانون الدولي العام وممثليهم، يتمتعون بالحصانة
القضائية أمام المحاكم الأجنبية، فان هذه الحصانة القضائية قد تكون مطلقة، مثلما
هو الشأن بالنسبة لرؤساء الدول الأجنبية، لاسيما بالنسبة للمتابعات الجزائية، وقد
تكون نسبية ، بحيث تخضع بعض أنشطة السلك الدبلوماسي للقضاء الأجنبي ، ومن ذلك على
سبيل المثال ، أن مجمع القانون الدولي ، في هامبورغ ، قد أدرج ضمن جدول أعماله سنة
1891 ، موضوع التصرفات القانونية الخاصة برئيس جمهورية الدولة، وانتهى إلى تكريس
قواعد ، تفيد وأن المحاكم تكون مختصة في مواجهة حكومات ،أو رؤساء دول أجنبية في حالات تم حصرها في الدعاوى العقارية، وحتى
دعاوى المنقولات الموجودة في إقليم الدولة المرفوعة أمامها الدعوى، والدعاوى
الخاصة بتركات مفتوحة على إقليم الدولة، تشترك فيها حكومات أو رؤساء دول أجنبية ، بوصفهم ورثة أو موصى إليهم، وكذلك
الأمر في حالة قبول الحكومة أو الرئيس الأجنبي اختصاص القضاء الإقليمي ، فضلا عن
دعاوى التعويضات المستحقة نتيجة فعل ضار، وقع من الرئيس الأجنبي في الإقليم، وهي
دعوى لا تقبل عن أضرار ناتجة عن عمل من أعمال السيادة ).
ومع
ذلك فان كان رئيس الدولة ، هو المدعي في الدعوى ، ومهما كان موضوعها فلا وجود
حينئذ لأي مبرر للقول بإعفائه من القضاء الأجنبي ، لأن مبادرته برفع الدعوى أمام
هده الجهات القضائية الأجنبية، إنما يعني وبكل بساطة بأنه قد تنازل عن الإعفاء من
الخضوع لهذا القضاء ، ومن أهم الشواهد المؤدية
لهذه القواعد ، ذلك الحكم الشهير الصادر عن المحكمة العليا الأمريكية عام
1870، في القضية المرفوعة أمامها ، والتي تتلخص وقائعها، في أن تصادما وقع في
ميناء سان فرانسيسكو عام 1867 ، بين سفينة أمريكية وسفينة فرنسية ، فتم رفع دعوى
أمام محكمة أمريكية باسم نابليون الثالث
إمبراطور فرنسا ، طالب من خلالها بالتعويض ، وقد قبلت المحكمة الدعوى ، وأيدتها
المحكمة العليا الأمريكية ، تعليلا منها على أن لرئيس دولة أجنبية ، الحق في أن
يرفع دعوى أمام المحاكم الأمريكية.
ثالثا : المسائل المتعلقة بالرقابة على دستورية القوانين :
مما
لاشك فيه بأن الجهة الوحيدة ، التي يمكنها في جميع دول العالم توفير الحصانة
للحريات العامة، إنما تكمن في القضاء، ومع ذلك فان الاختصاص لا ينعقد له
للنظر في مسألة دستورية القوانين، في ظل النظام القانوني السائد في الجزائر، وذلك
خلافا لما هو سائد في بعض الأنظمة القانونية المقارنة.
أ) المبدأ العام في الرقابة الدستورية على القوانين
ثمة
قاعدة قانونية في مجال الرقابة على دستورية القوانين، تفيد أنه يتعين على المشرع
احترام الحقوق والحريات الأساسية التي
كرسها الدستور، وهي القاعدة التي تستلزم ضرورة مطابقة كل نص تشريعي للدستور، وإلا
وقع تحت طائلة عدم دستوريته، وهو مبدأ قد اختلفت دساتير دول العالم في تحديد طبيعة
الرقابة الدستورية المقررة بموجبه وفاعليتها، حيث بعض الدساتير قد خولت صلاحية
ممارستها للمحاكم، إذ يمكن لكل مواطن إقامة دعوى، أو إثارة دفع بعدم دستورية أي نص
تشريعي، كما هو عليه الحال في كل من الولايات المتحدة الأمريكية ومصر، ويوصف هذا
النوع من الرقابة بالرقابة الواسعة .
وخلافا
لذلك فثمة بعض الدساتير، قد أخذت بالرقابة الضيقة، إذ لا يمكن أن تتم إلا أمام جهة
قضائية واحدة، كالمجلس الدستوري مثلا، وان الحق في إثارتها قد لا يكون مخولا لأي
مواطن، بل أنه يقتصر على أفراد أو أجهزة معينة في الدولة، كما هو عليه الحال
بالنسبة لرئيس الدولة، ورئيس مجلس الوزراء، ورئيس أو نسبة من أعضاء الجمعية
الوطنية، أو رئيس أو نسبة من لأعضاء مجلس الشيوخ، أو البرلمان ، وهذا النوع من
الرقابة ، هو المطبق في كل من فرنسا والجزائر.
ب) خروج الرقابة على دستورية القوانين عن ولاية القضاء في الجزائر
بمقتضى
المواد 163 إلى 169 من دستور الجزائر لعام 1996، فالرقابة على دستورية القوانين في
النظام القانوني في الجزائر، تعد من الوظائف الأساسية للمجلس الدستوري، وهو لا
يندرج لا ضمن جهات القضاء العادي ولا جهات القضاء الإداري، لأن نصوص الدستور
المتعلقة به وردت في الدستور تحت عنوان الرقابة، لا تحت عنوان السلطة القضائية،
وأن تشكيلته وحسب المادة 164 من الدستور تتألف من تسعة أعضاء لا ينتسب منهم للجهات
القضائية سوى عضوين، أحدهما ينتخب من طرف المحكمة العليا، والآخر من طرف مجلس
الدولة، فيما يتولى رئيس الجمهورية تعيين ثلاثة منهم من بينهم الرئيس ، وينتخب
اثنان منهم من طرف المجلس الشعبي الوطني، واثنان من طرف مجلس الأمة، يضاف إلى ذلك
أن معظم الاختصاصات المخولة للمجلس الدستوري لا تندرج ضمن العمل القضائي ، لاسيما
تلك المنصوص عليها بالمادة 163 من الدستور ، فيما يتعلق بالسهر على صحة عمليات
الاستفتاء، وانتخاب رئيس الجمهورية، أو انتخاب النواب، أو إعلان نتائج هذه
العمليات، وتلك المنصوص عليها بالمادة 165 منه، والمتعلقة بالفصل في دستورية
المعاهدات والقوانين والتنظيمات، إما برأي قبل أن تصبح واجبة التنفيذ، أو بقرار في
الحالة العكسية، وإبداء الرأي في دستورية القوانين العضوية بعد مصادقة البرلمان
عليها.
وقد
سمحت الفرصة لمجلس الدولة، التعرض لهذه المسألة بمناسبة الطعن الذي أثاره المرحوم
محفوظ نحناح، رئيس حزب حركة مجتمع السلم، حين رفض المجلس الدستوري ترشحه
للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها بتاريخ 15/04/1999، فصرح بأن القرارات المتخذة
من طرف المجلس الدستوري تنفيذا لاختصاصه الدستورية لا تخضع لرقابته.
المبحث الثاني : الاختصـاص القيمـي
إذا
كان الاختصاص القيمي للمحاكم، يلعب دورا مزدوجا في بعض التشريعات المقارنة كالمصري
مثلا، من حيث التعرف على المحكمة المختصة نوعيا بنظرها، ومعرفة قابلية أو عدم
قابلية الحكم الصادر فيها للاستئناف أو الطعن، فهو في التشريع الجزائري لا يؤدي
سوى هذا الدور الأخير، أي عدم قابلية الحكم للاستئناف، ومع ذلك فان دراسته تحتاج
إلى تحديد أساس ومعيار تقدير قيمة الدعوى، والقواعد المتعلقة بهذا التقدير.
المطلب الأول: أساس ومعيار تقدير قيمة الدعوى
يختلف
أساس تقدير قيمة الدعوى، عن المعيار المعتمد عليه في تحديد تلك القيمة:
أولا: أساس تقدير قيمة الدعوى :
لا
يعتد في مجال تقدير قيمة الدعوى، إلا على أساس قواعد قانون الإجراءات المدنية
والإدارية، ومع ذلك يجب عدم الخلط بين القواعد المتخذة كأساس لتحديد الاختصاص
القيمي، وبين القواعد المتخذة كمعيار لتحديد موضوع النزاع، حيث تم النص على هذه
الأخيرة بالمادة 25 منه، فيما تم النص على الأولى في المادة 33 من هذا القانون،
وبحسبها فموضوع النزاع يتحدد بالطلبات الواردة بالعريضة الافتتاحية، وبمذكرات
الرد، ويمكن تعديله بتقديم طلبات عارضة، متى كانت مرتبطة بالطلب الأصلي، كما أن
قيمته يمكن أن تتحدد بالطلب الأصلي أو الإضافي أو المقابل أو بالمقاصة القضائية،
وهو معيار يمكن الاستناد إليه في إعمال العديد من قواعد هذا القانون.
ثانيا : معيار تقدير قيمة الدعوى
بالرجوع
للمادة 33/01 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، نجد وأن المشرع قد اعتد
بمعيار قيمة الطلبات المقدمة من المدعي فقط، كمعيار لانعقاد الاختصاص الابتدائي
والانتهائي للمحاكم، بصرف النظر عن تعلق موضوع الطلب بدعوى منقولة، أو بدعوى شخصية
عقارية، أو بدعوى حقوق عينية عقارية، أو بدعوى المؤجر والمستأجر، أو بأية دعوى
أخرى، وهو معيار يحتاج إلى بيان بعض القواعد التي تتحكم في إعماله.
المطلب الثاني : قواعد تقدير قيمة الدعوى
على
الرغم من أن نص المادة 33 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، قد نص على أن
القيمة التي يعتد بها في تقدير قيمة الدعوى، هي قيمة الطلبات المقدمة من المدعي،
فان تطبيق هذا النص قد يثير جملة من التساؤلات، حول القواعد التي يمكن الاعتماد
عليها في هذا التقدير.
فالتشريع
والفقه المقارن، قد اقترح مجموعة من القواعد لتقدير قيمة الدعوى، تختلف باختلاف
الطلب، فيما إذا كان واحدا أو متعددا من جهة، وفيما إذا كان أصليا أو ملحقا أو
مندمجا، مع وحدة الخصوم أو تعددهم من جهة أخرى.
أولا : قواعد تقدير الدعوى في حالة وجود طلب واحد
ثمة
أربعة قواعد يمكن الاعتداد بها في مثل هذه الحالة، لتقدير قيمة الدعوى:
أ) قاعدة الاعتداد بطلب المدعي لا بما يحكم القاضي
يمكن
اعتبار نص المادة 33 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، قد تضمن النص على هذه
القاعدة من خلال عبارة:(إذا كانت قيمة الطلبات المقدمة من المدعي)، وهي بهذا تشكل
إحدى القواعد العامة، التي تقرر بأن الخصم هو الذي يحدد قيمة طلبه، دون أن يكون
للقاضي دورا في ذلك، وهي مسألة تبدو منطقية لاعتبارين :
1) سبق تحديد الاختصاص على الحكم في الدعوى
تكمن
العلة في سبق تحديد الاختصاص على الحكم في الدعوى، في كون المدعي عادة ما يكون في
حاجة إلى معيار موضوعي، يمكن له اللجوء إلى تطبيقه مسبقا، ليحدد على ضوئه نوع
اختصاص المحكمة التي يرفع إليها الدعوى، كما أن القاضي بدوره في حاجة إلى هذا
المعيار، لكي يتثبت من انعقاد الاختصاص له ابتدائيا كان أو انتهائيا بداية، حتى
يمكنه إصدار حكمه في الدعوى بعد ذلك.
2) إطلاق يد الخصم في تحديد قيمة الدعوى :
تعد
مسألة إطلاق يد الخصم في تحديد قيمة الدعوى مسألة منطقية، ذلك أنه إذا لم يترك له
تحديدها، فذلك يعني ترك المجال مفتوحا للقاضي لتحديد ماذا كان مختصا ابتدائيا أو
مختصا انتهائيا، فيكون له أن يستند لهذا المعيار، متى أراد ألا يعقد الاختصاص
الابتدائي أو الانتهائي لنفسه، ومن دون أن يكون قد خالف القانون، وهي مسألة تنطوي
على خطورة بالغة الأهمية، لأنه بإمكانه في مثل
هذه الحال، أن يعطل وظيفة الجهة القضائية الأعلى منه درجة في مراقبة أحكامه، على
اثر تقديره لقيمة الدعوى، على نحو يحرم من خلاله الخصم من حق الطعن في حكمه.
ب) قاعدة الاعتداد بقيمة الطلب يوم رفع الدعوى
مع
أنه يعتد لتقدير قيمة الدعوى بيوم رفعها، فان تطبيقه يبقى في حاجة إلى توضيح، ذلك
أن الخصومة التي تنشأ بين الطرفين بمجرد رفع الدعوى ومع مرور الوقت، يستمر تتابع
الإجـراءات فيها، وقبل أن تنشغل المحكمة بها، قد يطرأ تغيير في قيمتها بطلب عارض،
يزيد عن القيم الواردة بالمادة 20 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على سبيل
الحصر، وهي مسألة بدورها قد أثارت بعض التساؤل، حول وصف الحكم الصادر فيها، فيما
إذا كان ابتدائيا قابلا للاستئناف، أم أنه ابتدائي وانتهائي غير قابل لذلك .
ج) قاعدة الاعتداد بقيمة الحق كله
إذا
تعلق الطلب بجزء من قيمة الحق لا بقيمة الحق بأكمله، فالعبرة في تقدير قيمة الدعوى
في التشريع المقارن تكون بهذا الجزء، ما لم يكن الحق بأكمله متنازعا فيه، وحتى في
مثل هذه الحال، فقد لا يكون من المنطق، تقدير قيمة الدعوى بما يزيد عن القيمة
المطلوبة، متى كانت هي الرصيد المتبقي من الحق، وهي قاعدة قد أغفل قانون الإجراءات
المدنية والإدارية الاعتناء بها، وذلك خلافا لبعض التشريعات المقارنة، التي نصت
عليها صراحة،كالمادة 40 من قانون المرافعات المصري والمادة 70 من قانون أصول
المحاكمات اللبناني.
د) قاعدة عدم تأثر قيمة الدعوى بوسائل الدفاع
عادة
ما يلجأ كل من المدعي والمدعى عليه، إلى تدعيم طلباته بوسائل دفاع وبمستندات مثبتة
لهذه الوسائل، فالقاعدة أن قيمة الدعوى تتحدد بقدر المنفعة التي يبتغيها المدعي،
ولا تتأثر بوسائل الدفاع، التي يسوقها المدعي أو المدعى عليه، والتي قد تتعلق
بحقوق تزيد قيمتها عن القيمة المطلوبة، فلو طالب المدعي باسترداد ثمن معين، مستندا
في ذلك إلى أن عقد البيع باطل، وقدم لتعزيز هذا الادعاء صورة لهذا العقد، فلا عبرة
في تحديد قيمة الدعوى بقيمة الورقة المقدمة كدليل على العقد المدعى بطلانه، لذلك
فان كان الثمن المطالب باسترداده من قبل المدعي يقل عن مائتي ألف دينار، بينما
قيمة الحق المثبت في عقد البيع يزيد عن هذه القيمة، فان الاختصاص ينعقد للمحكمة
للفصل فيه بحكم نهائي غير قابل للاستئناف، وفقا لمقتضيات المادة 33 من(ق.ا.م.ا.)
ثانيا : قواعد تقدير الدعوى في حالة تعدد الطلبات ووحدة الخصوم
ثمة
مجموعة من القواعد يمكن اللجوء إلى إعمالها عند تعدد الطلبات الأصلية، أو عند حدوث
هذا التعدد في وقت لاحق بتقديم طلبات إضافية من المدعي، أو بفعل تقديم المدعى عليه
لأكثر من طلب مقابل.
أ) قاعدة الاعتداد عند تعدد الطلبات الأصلية بوحدة السبب أو تعدده
إذا
تعددت الطلبات الأصلية، فالعبرة في تقدير قيمة الدعوى تكون بوحدة السبب أو تعدده،
لذلك فان كان السبب واحدا ، أو أن الطلبات الأصلية المقدمة كانت متلازمة، قدرت
قيمة الدعوى بمجموع هذه الطلبات، وإذا كانت الأسباب مختلفة، وكانت الطلبات نتيجتها
غير متلازمة، قدرت قيمة الدعوى باعتبار كل طلب على حدة، فلو طالب الدائن في الدعوى
بإبطال البيع الحاصل من مدينه المفلس لصوريته صورية مطلقة، وطالب في ذات الوقت
إبطاله لصدوره منه في فترة الريبة، فان الطلبين وان اتحدا محلا وخصوما، فان السبب
القانوني في كل منهما يعد مختلفا عنه في الآخر.
ب) قاعدة الاعتداد بالطلبات الملحقة للطلب الأصلي قبل رفع الدعوى
لم
يعتن قانون الإجراءات المدنية والإدارية بهذه الحالة، ومع ذلك فالاختصاص الابتدائي
والانتهائي المنعقد للمحكمة في التشريع المقارن، يتوقف على الوقت الذي استحقت فيه
الملحقات، فان كان قبل رفع الدعوى، أضيف إلى قيمة الطلب الأصلي، ما يكون مستحقا
إلى تاريخ رفعها من فوائد ومصاريف، وغيرها من الملحقات المقدرة القيمة، لأنها تشكل
عنصرا من عناصر الطلب الأصلي، وذلك خلافا لتلك المستحقة منه بعد رفع الدعوى، لعدم
إمكانية تقديرها قبل رفعها.
ج) قاعدة عدم الاعتداد بالطلب المندمج في الطلب الأصلي :
لم
يتعرض نص المادة 25 من(ق.ا.م.ا) للطلب المندمج، فيما أن التشريع المقارن قد اعتبر
الطلب مندمجا في الطلب الأصلي، متى كان الحكم في هذا الأخير يعد بمثابة الحكم في
الطلب المندمج، حال الطلب المتعلق ببراءة ذمة المستأجر وهو طلب أصلي، مع طلب إلغاء
الحجز المضروب على منقولاته، ضمانا لسداد بدل الإيجار وهو طلب مندمج، وطلب بطلان
البيع وهو طلب أصلي، وطلب شطب تسجيله وهو طلب مندمج، وبذلك فالقاعدة العامة هي أن
قيمة الطلب المندمج لا تؤخذ بعين الاعتبار عند تقدير قيمة الدعوى، بحيث يتم
الاكتفاء بالطلب الأصلي وحده.
د) قاعدة الاعتداد بالطلب الإضافي للطلب الأصلي
إذا
كان تعدد الطلبات، يرجع إلى قيام المدعي بتقديم طلبات إضافية، إلى جانب طلبه
الأصلي الذي تم تقدير قيمة الدعوى على أساسه، فان هذه الطلبات الإضافية تعد بمثابة
تصحيح للطلب الأصلي، أو تعديله أو تكملة له، سواء لاتصاله به اتصالا مباشرا لا
يقبل التجزئة أو لإضافة أو تغيير سبب الطلب الأصلي، فالعبرة في مثل هذه الأحوال في
تقدير قيمة الدعوى، تكون بما جاء في الطلب الإضافي أي الطلب الختامي، لأنه هو الذي
يعبر عن القيمة الحقيقية لدعوى المدعي، وهو الطلب الذي تكون المحكمة مطالبة بالفصل
فيه.
ه) قاعدة الاعتداد بأكثر الطلبين عند اشتمال الدعوى على طلبين: أصلي واحتياطي
ثمة
حالات يلجأ فيها المدعي، إلى مطالبة خصمه في الأصل بتنفيذ ما التزم به تنفيذا
عينيا، ويطالب بصورة احتياطية في حالة عدم تنفيذ هذا الالتزام، إما بالتعويض وإما
بفسخ العقد مع التعويض، وهي حالة تجد أساسها القانوني في المادة 119 من القانون
المدني، وقد أثير بشأن مثل هذه الحالة بعض التساؤل، حول القيمة التي يعتد بها في
تقدير قيمة الدعوى، فيما إذا كانت قيمة الطلب الأصلي أم قيمة الطلب الاحتياطي.
لم
يتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية، أي نص يجيب على هذا التساؤل، ومع ذلك
فقد ذهب جانب من الفقه المصري، إلى الاعتداد بقيمة الطلب الاحتياطي في تحديد
الاختصاص الانتهائي للمحكمة، إذا كان الطلب الأصلي قد أخذ به، فيما ذهب جانب آخر
منه، إلى الاعتداد بالطلب الأصلي دون الطلب الاحتياطي، وذهب اتجاه ثالث إلى
الاعتداد بأكبر الطلبين قيمة.
فيما
أن محكمة النقض المصرية قد استقر العمل لديها، على الاعتداد بالطلب الأصلي لا
الاحتياطي، تأسيسا منها على أن المحكمة التي لا تكون مختصة بالفصل انتهائيا في
الطلب الأصلي، فإنها لا تكون كذلك مختصة بالفصل في الطلب الاحتياطي انتهائيا، ولو
كانت قيمته تدخل في اختصاصها بالفصل فيه وفقا لذلك الأساس، عملا بقاعدة أن الفرع
يتبع الأصل.
ثالثا : قواعد تقدير قيمة الدعوى عند تعدد الخصوم
ثمة
عدة قواعد يمكن الاستناد إليها عند تعدد الخصوم في تقدير قيمة الدعوى:
أ) قاعدة الاعتداد عند تعدد الخصوم بوحدة السبب أو تعدده
لم
يتعرض قانون الإجراءات المدنية والإدارية لمعالجة هذه الحالة، فيما أن التشريعات
المقارنة قد اعتنت بها، ومن ذلك أن المادة 55 من قانون تنظيم القضاء العدلي في
لبنان، قد نصت على أنه إذا كانت الدعوى مرفوعة من واحد أو أكثر على واحد أو أكثر
بمقتضى سبب قانوني واحد، كان التقدير باعتبار قيمة المدعي به بتمامه، بغير التفات
إلى نصيب كل منهم فيه.
وتأسيسا
على ذلك فمتى تعدد المدعون، أو تعدد المدعى عليهم، فالاعتداد بتقدير قيمة الدعوى،
يكون بالقيمة التي تم الادعاء بها، من دون النظر إلى حصة كل طرف فيها، شريطة أن
يكون السبب المستند إليه في تقديم الطلب واحدا، أما إذا كان المطلوب من المدعين أو
من المدعى عليهم ناشئا عن سبب مختلف، حتى ولو تماثلت تلك الأسباب، فالخصومة تكون
هنا مشتملة على عدة دعاوى، وتقدر كل منها بقيمة ما هو مطلوب لكل مدع أو من كل مدعى
عليه على حدة.
ب) قاعدة الاعتداد بقيمة كل دعوى أو طلب عند الضم والتضامم
لم
يتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية النص على مثل هذه الأحوال، فيما أن
التشريعات المقارنة، ومنها قانون أصول المحاكمات اللبناني ، قد أختصها بقواعد
صريحة، حيث الفقره الثانية من المادة 70 منه ، قد نصت على أن:(ينظر في تقدير قيمة
النزاع إلى: مجموع الطلبات المتلازمة أكانت ناشئة عن سبب قانوني واحد أم عن أسباب
مختلفة، وسواء قدمت في خصومة واحدة أم خصومات مختلفة ضمت فيما بعد، وأيا كان عدد
الأطراف في هذه الخصومة أو الخصومات)، لذلك فمتى تم الحكم بضم خصومتين أو أكثر،
وبصرف النظر عن وحدة أو تعدد أطرافها، أو وحدة السبب أو تعدده، فكل دعوى تظل
محتفظة بقيمتها، عند انعدام التلازم بين الطلبات المقدمة فيها، أما إذا كان ذلك
التلازم قائما، فانه يؤخذ بمجموع تلك الطلبات، بما يعني وأن الضم قد لا يؤثر على
قواعد الاختصاص.
ج) قاعدة الاعتداد بقيمة إحدى الطلبات عند التضامم
لا
يعتد في أحوال التضامم إلا بقيمة إحدى الطلبات المقدمة في مواجهة جميع المدينين
المتضامنين، بصرف النظر عما إذا كانت تلك الطلبات، قد وجهت إلى هؤلاء بصورة أصلية،
أو بصورة احتياطية، وهي حالة تجد تطبيقاتها في الدعوى المباشرة، حيث نجد فيها بأن
الدائن له مدينان يرجع على أي منهما بنفس الدين، دون أن يكون المدينان متضامنين،
فيكون الالتزام بهذا الدين التزاما تضامميا لا تضامنيا ويجب التمييز في هذا الإطار
بين الالتزام التضاممي والالتزام التضامني، كون المدينين المتضامنين في الالتزام
التضاممي لا وجود لوحدة المصلحة لديهم، فيما المصلحة تجمع المدينين المتضامنين،
وذلك خلافا للالتزام التضاممي فالمصدر فيه يكون متعددا.
المبحث الثالث : توزيع الاختصاص النوعي بين جهات القضاء العادي
إذا
كانت الغاية من الاختصاص النوعي لجهات القضاء العادي، تكمن في تحديد نصيب الجهة
القضائية الواحدة من المنازعات التي يجوز لها الفصل فيها، فان المشرع قد اعتمد على
هذا المعيار في تحديد الاختصاص النوعي لكل من: محاكم الدرجة الأولى، أو المجالس
القضائية، أو المحكمة العليا، بموجب المواد 32 إلى 36 و349 إلى 353 من قانون
الإجراءات المدنية والإدارية، المقابلة للمواد 01 إلى 06 و07 مكرر و231 من قانون
الإجراءات.
المطلب الأول : الاختصاص النوعي للمحاكم
على
الرغم من أن المشرع كمبدأ عام، وبمقتضى نص المادة 32 من قانون الإجراءات المدنية
والإدارية، قد نص على أن للمحاكم اختصاص شامل، للفصل في جميع المنازعات أيا كانت
طبيعتها، فانه واستثناء من ذلك، قد خول لبعض أقسام المحاكم الخاضعة لإجراءات خاصة،
أو المسماة أقطابا متخصصة اختصاصا مانعا، للفصل في بعض القضايا، بالنظر إلى
الرابطة القانونية محل الحماية، أو لتوزيع الاختصاص بين مختلف الأقسام، بصرف النظر
عن قيمتها، ومن دون الاعتداد بالنسبة للبعض منها بأطرافها، أي حتى ولو كان أولئك
الأطراف خاضعين من حيث الأصل للقانون العام، وفي الحالتين فالمحاكم تتولى الفصل في
تلك القضايا، إما بحكم ابتدائي قابل للاستئناف، نزولا عند مبدأ التقاضي على
درجتين، وإما بحكم ابتدائي انتهائي غير قابل للاستئناف، بما يخالف ذلك المبدأ.
أولا: الاختصاص الابتدائي للمحاكم
يمكن
التمييز لدراسة هذا النوع من الاختصاص بين المبدأ العام، والاستثناءات الواردة
عليه، إما في قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وإما في نصوص خاصة.
أ) المبدأ العام بالنسبة للاختصاص الابتدائي
يتحدد
هذا النوع من اختصاص المحاكم، بجميع الدعاوى المدنية والتجارية والبحرية
والاجتماعية والعقارية وشؤون الأسرة ، غير القابلة للتقدير كمبدأ عام ، أو اعتد
بطبيعة الرابطة القانونية محل الحماية، التي تستوجب الفصل بحكم ابتدائي قابل
للاستئناف لانعقاد الاختصاص للمحاكم، وهو اختصاص واسع مما دعا المشرع إلى تسميتها
بمحاكم الولاية العامة.
وبمقتضاه
يكون للمحاكم الفصل ابتدائيا بحكم قابل للاستئناف في تلك القضايا، متى كانت غير
داخلة بموجب نص خاص في صلاحية محكمة أخرى، بسبب ماهية الدعوى أو قيمتها، وبحسب ذلك
فقسم شؤون الأسرة بها، يفصل في المنازعات الواردة حصرا بنص المواد 423 إلى 426 من
قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فيما يفصل القسم الاجتماعي في قضايا العمل
الفردية، المنصوص عليها بالمادتين: 500 و506 من القانون نفسه، ويتولى القسم
العقاري الفصل في المنازعات العقارية المنوه عنها بالمواد 511 إلى 517 و523 من نفس
القانون، والقسم البحري في المنازعات المترتبة عن عقود النقل البحري، والقسم
التجاري في المنازعات التجارية، المنصوص عليها بالمواد 32 و531 و536 من هذا
القانون، غير تلك التي تم استثناءها بنص خاص ، على النحو الذي سيأتي بيانه.
ب) الاختصاص الابتدائي الوارد استثناء في بعض النصوص
يمكن
إيجاز هذا النوع من الاختصاص الابتدائي الاستثنائي للمحاكم ضمن نوعين من
المنازعات:
1) منازعات المؤسسات العمومية ذات الصبغة التجارية والصناعية
باستقراء
نص المادتين 800 و801 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية بمفهوم المخالفة ،
نتوصل إلى أن المنازعات التي تكون إحدى
المؤسسات العمومية، ذات الطابع التجاري والصناعي طرفا فيها إنما ينعقد الاختصاص
للفصل فيها إلى المحاكم.
كما
أن هذا المبدأ، قـد كرسته المحكمـة العليا في الجزائر، في قرارها الصادر بتاريخ
28/6/1980 تحت رقم 19052،الذي أشارت من خلاله، إلى أن منازعات مقاولـة النقل
والأشغال العمومية لا تخضع للغرف الإدارية، لأنها ذات طابع تجاري وصناعي.
2) المنازعات الواردة بالمادة 802 من قانون الإجراءات المدنية
والإدارية
لقد
أورد نص المادة 802 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، استثناءات من القاعدة العامة
المنصوص عليها بالمادتين800 و801 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، تقرر
بموجبها انعقاد الاختصاص للمحاكم، مع أن أحد أطراف النزاع جهة إدارية، للنظر في
القضايا المتعلقة بمخالفات الطرق، والمنازعات المتعلقة بكل دعوى خاصة بالمسؤولية
الرامية إلى طلب تعويض الأضرار الناجمة عن مركبة تابعة إما للدولة، أو لإحدى
الولايات، أو البلديات، أو المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية.
3) الاستثناءات الواردة بالمادة 32/07 من قانون الإجراءات المدنية
والإدارية
وفقا
للفقرة السابعة للمادة 32 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فالاختصاص ينعقد
لأقطاب المحاكم المتخصصة، للنظر دون سواها، في المنازعات المتعلقة بالتجارة
الدولية والإفلاس والتسوية القضائية، والمنازعات المتعلقة بالبنوك، ومنازعات
الملكية الفكرية، والمنازعات البحرية والنقل الجوي، ومنازعات التأمينات، وهي في
مجملها منازعات كان الاختصاص ينعقد بشأنها للمحاكم المتواجدة بمقر المجالس
القضائية طبقا للفقرة الثالثة من المادة الأولى من قانون الإجراءات المدنية
القديم، الذي كان ينص على أن تلك المحاكم هي المختصة بالفصل في المنازعات الخاصة
بالحجز العقاري، وتسوية قوائم التوزيع ، وحجز المشاع ، وحجز السفن والطائرات
وبيعها قضائيا، وتنفيذ الأحكام الأجنبية، ومعاشات التقاعد الخاصة المثقلة بقيد
الرهن الحيازي، وذلك بصرف النظر عن أطراف النزاع.
4) بعض المنازعات العقارية التي تكون الدولة طرفا فيها
ينعقد
الاختصاص الابتدائي للمحاكم الفاصلة في المواد العقارية، للنظر في جميع الدعاوى
التي ترفعها الدولة، بخصوص التركات التي تكون لها حقوقا فيها، سواء كانت منقولة أو
عقارية، وكذلك الحال بالنسبة لدعاوى استحقاق الدولة للأملاك العقارية المجهولة
المالك، أو الأملاك العقارية الشاغرة، أي تلك التي لا مالك لها، وذلك تطبيقا
لأحكام المواد 51 إلى 53 من القانون رقم 90/30 المؤرخ في 01/12/1990 المتضمن قانون
الأملاك الوطنيةأو تلك المملوكة لشخص مفقود أو غائب، إعمالا لنص المادة 92 من
المرسوم رقم 91/454 المؤرخ في 23/11/1991 المحدد لشروط إدارة الأملاك الخاصة
والعامة التابعة للدولة وتسييرها وضبط كيفية ذلك،كما تتولى المحكمة الفصل وبنفس
الصيغة في كل دعوى عقارية متعلقة بمقايضة أملاك خاصة، بأملاك عقارية تابعة للأملاك
الوطنية الخاصة، المملوكة للجماعات المحلية، سواء تم التبادل بين الدولة والخواص،
أو بين هؤلاء وبين تلك الجماعات المحلية أو أية مؤسسة عمومية، وذلك طبقا للمادة 96
مـن القانـون 90/30، وكذلك نص المادة 517 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
5) الاستثناءات الواردة في نصوص خاصة :
يمكن
إيجار هذه الاستثناءات، في المنازعات المتعلقة بحقوق الجمارك، وبعض منازعات الضمان
الاجتماعي، أو الجنسية، أو السجل التجاري.
**المنازعات المتعلقة بحقوق الجمارك
نصت
المادة 273 من قانون الجمارك على أن:(تنظر الهيئة القضائية المختصة بالبت في
القضايا المدنية بالاعتراضات المتعلقة بدفع الحقوق والرسوم أو استردادها، ومعارضات
الإكراه، وغيرها من القضايا الجمركية الأخرى التي لا تدخل في اختصاص القضاء
الجزائي) ، وبحسبها فالاختصاص بشأن تلك المنازعات ينعقد للمحاكم، يضاف إلى ذلك أن
المادة 257/03 من نفس القانون، قد نصت على أن المحكمة المدنية التي ينعقد لها
الاختصاص، للفصل في الطعون الموجهة ضد المحاضر الجمركية، هي تلك التي يقع بدائرة
اختصاصها مكان تحرير تلك المحاضر، فيما نصت المادة 288 من هذا القانون على انعقاد
الاختصاص للمحاكم المدنية، للفصل في الدعاوى التي ترفعها إدارة الجمارك، والرامية
إلى النطق بالمصادرة العينية للأشياء المحجوزة على مجهولين، أو على أفراد لم يكونوا
محل ملاحقة، كما نصت المادة 291 من ذات القانون على انعقاد الاختصاص للمحكمة
المدنية للفصل في طلبات الجمارك، الرامية إلى الترخيص لها بتوقيع الحجز التحفظي
على الأشياء المنقولة، أو الرامية إلى رفع اليد عنه، متى قدم المحجوز عليه كفالة
مصرفية كافية لضمان حقوقها.
**بعض المنازعات المتعلقة بالجنسية
وفقا
لمقتضيات المادة 37 من قانون الجنسية، ينعقد الاختصاص للمحاكم وحدها للفصل في
المنازعات المتعلقة بالجنسية الجزائرية، ومتى أثيرت هذه المنازعات عن طريق دفع
أمام المحاكم الأخرى، فانه يتعين على هذه الأخيرة، تأجيل الفصل في الدعوى المقدمة
أمامها إلى حين الفصل في مسألة الجنسية من قبل المحكمة المختصة، التي يجب أن يرفع
الأمر إليها خلال فترة شهر تسري ابتداء من تاريخ النطق بقرار التأجيل، وذلك من قبل
الطرف الذي ينازع في الجنسية، تحت طائلة إهمال الدفع.
ويتعلق
هذا الاختصاص المنعقد للمحاكم ، بالفصل في الدعاوى التي يتولى وكيل الجمهورية
رفعها بخصوص تطبيق أحكام قانون الجنسية، طبقا للمادة 38/02 من قانون الجنسية،
لاسيما عند تعلق موضوعها بإثبات تمتع أو عدم تمتع المدعى عليه بالجنسية الجزائرية
المدعى بها، وهي الدعوى التي يتعين عليه وجوبا رفعها، متى طلبت السلطات العمومية
منه ذلك، إلى جانب الدعاوى التي يمكن لأي شخص إقامتها ، بشأن استصداره لحكم يفيد
تمتعه أو عدم تمتعه بالجنسية الجزائرية، وهي بدورها دعوى توجه ضد النيابة العامة،
طبقا لنص المادة 38/01 من نفس القانون.
ويستثنى
من هذا الاختصاص المنعقد للمحاكم ، الفصل في دعاوى الإلغاء الموجهة ضد القرارات
الإدارية المتخذة سواء بمراسيم رئاسية أو بقرارات وزارية ، بخصوص منح أو تجريد أو
سحب أو استرداد أو فقدان الجنسية، أو رفض اكتسابها أو التنازل عنها أو رفض
استردادها، لأن الاختصاص بشأنها ينعقد للقضاء الإداري، على النحو الذي سيأتي بيانه
بمناسبة الحديث عن تطبيقات المعيار العضوي.
**المنازعات المتعلقة بالسجل التجاري
بمقتضى
نص المادة 25 من القانون رقم 90/22 المؤرخ في 18/08/1990 المعدل والمتمم المتعلق
بالسجل التجاري، ينعقد الاختصاص للمحاكم الفاصلة في المواد التجارية، للنظر في
المنازعات المتعلقة بالسجل التجاري، وذلك على الرغم من أن أحد طرفي النزاع وهو
المركز الوطني للسجل التجاري يعد مؤسسة عمومية ذات صبغة إدارية وفقا لنص المادة 15
من نفس القانون.
ثانيا : الاختصاص الابتدائي والانتهائي للمحاكم
على
الرغم من أن القاعدة العامة المقررة في القانون الإجرائي، تتمثل في كون الأحكام
الصادرة عن محاكم الدرجة الأولى، يجب أن تكون قابلة للطعن فيها أمام محاكم
الاستئناف تحقيقا لمبدأ التقاضي على درجتين
المكرس في القانون الدولي ، والمتخذ كمبدأ من مبادئ التنظيم القضائي في
الجزائر، فالمشرع قد ينص صراحة في بعض الحالات، على أن أحكام محاكم الدرجة الأولى
تكون ابتدائية وانتهائية في نفس الوقت، بما يعني عدم قابليتها للطعن فيها بطريق
الاستئناف، وهي حالات تتعلق بقيمة الدعوى، وقد تعرضنا إلى دراستها فيما تقدم، أو
بالنظر للرابطة القانونية محل الحماية، فضلا عن وجود بعض الحالات واردة في نصوص
خاصة.
أ) حالات الاختصاص الانتهائي بالنظر إلى طبيعة الرابطة القانونية محل الحماية
ثمة
عدة حالات يتحدد فيها اختصاص محاكم الدرجة الأولى، للفصل في بعض الدعاوى بالنظر
إلى طبيعة الرابطة القانونية محل الحماية، بحكم ابتدائي غير قابل للاستئناف، تتعلق
بفك الرابطة الزوجية بالطلاق أو التطليق أو الخلع، أو برابطة العمل بين العامل
والمستخدم مع ما قد يترتب عنها من بعض الحقوق.
1) حالة الاختصاص الانتهائي بالنسبة للطلاق
ينعقد
الاختصاص للمحاكم الفاصلة في قضايا شؤون الأسرة، للنظر في المنازعات المتعلقة
بالطلاق والتطليق والخلع، بأحكام غير قابلة للاستئناف، وذلك طبقا لنص المادة 57 من
قانون الأسرة، المعدل والمتمم بالقانون رقم 05/02، وذلك خلافا لما كان عليه الحال
في نص المادة 53 من قانون الأسرة قبل تعديله، الذي اقتصر على النص بأن الأحكام
التي تكون غير قابلة للاستئناف هي تلك المتعلقة بالطلاق دون التطليق والخلع.
يمكن
أن يضاف إلى ذلك، أن المواد 434 و 442 و 445 و448 من قانون الإجراءات المدنية
والإدارية، قد تضمنت النص على أن كل الأوامر المتعلقة بالتدابير المتخذة بخصوص منح
مهلة تفكير للزوجين، بمناسبة إجراء محاولة الصلح بينهما، والأوامر الملغية أو
المعدلة أو المتممة لها، وتلك المتضمنة المصادقة على محضر الصلح، المتوصل إليه من
قبل المحكمين المعينين لمحاولة الصلح، والأمر المتعلقة باتخاذ أي تدبير مؤقت
لحماية مصالح القاصر، هي في مجملها أوامر غير قابلة لأي طريق من طرق الطعن.
2) حالة الاختصاص الانتهائي بالنظر لروابط العمل
ينعقد
الاختصاص للمحاكم الفاصلة في المواد العمالية، بالفصل بحكم غير قابل للاستئناف، في
بعض المنازعات العمالية متى كان موضوع الدعوى متعلقا بإلغاء قرارات التسريح من منصب
العمل، وتسليم شهادات العمل، وكشوف الراتب، وفقا لنص المادة 21 من القانون 90/04
المؤرخ في 16/11/1990 المعدل والمتمم المتعلق بتسوية النزاعات الفردية في العمل،
وكذلك الأمر بالنسبة للدعاوى المتعلقة بالتعويض عن تسريح العمال تسريحا تعسفيا
طبقا للمادة 73/04 من القانون 90/11 المؤرخ في 21/4/1990، المعدل والمتمم بالقانون
رقم 91/29 المؤرخ في 21/12/1991 المتعلق بعلاقات العمل، وذلك إلى جانب المنازعات
المتعلقة بالاعتراضات المثارة بخصوص انتحاب مندوبي المستخدمين طبقا للمادة 100 من
القانون 90/11.
وقد
سمحت الفرصة للمحكمة العليا تطبيق هذه النصوص، والتأكيد على أن الأحكام المتعلقة
بتلك المسائل، هي أحكام غير قابلة للاستئناف، لاسيما قرارها رقم 111984 الصادر
بتاريخ 20/12/1994، والقرار رقم 135570 الصادر بتاريخ 23/07/1996،والقرار رقم
235002 الصادر بتاريخ 11/07/2000.
ب) حالات الاختصاص الانتهائي الواردة في نصوص خاصة
يخضع
الفصل في قضايا الفقدان، في الحروب والحالات الاستثنائية وفي الحالات التي تغلب
فيها سلامة المفقود، للقواعد الموضوعية الواردة بنص المواد 109 إلى 115 من قانون
الأسرة، وللقواعد الإجرائية الواردة بقانون الإجراءات المدنية والإدارية، وبحسب
المادة 33 فقرة أخيرة من هذا القانون،فالحكم الصادر بموت المفقود يعد حكما
ابتدائيا قابلا للطعن فيه بطريق المعارضة والاستئناف، خلال مهلة شهر واحد للمعارضة
وشهر واحد للاستئناف، ابتداء من تاريخ التبليغ الرسمي للحكم ، طبقا لنص
المادتين329 و336 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
لكنه وخلافا لهذه القواعد العامة، فالمادة 32 من
الأمر رقم 06/01 المؤرخ في 27/02/2006 المتضمن تنفيذ ميثاق السلم والمصالحة
الوطنية، قد نصت على أنه:( يصدر الحكم القاضي بوفاة المفقود بناء على طلب من
احد ورثته أو من كل شخص ذي مصلحة في ذلك أو من النيابة العامة، يفصل القاضي المختص
ابتدائيا ونهائيا في أجل لا يتجاوز شهرين ابتداء من تاريخ رفع الدعوى).
المطلب الثاني : الاختصاص النوعي للمجالس القضائية :
تم
النص حصر الاختصاص النوعي للمجالس القضائية، بمقتضى نص المادتين 34 و35 من قانون
الإجراءات المدنية والإدارية، وبحسبهما فالاختصاص المنعقد لهـذه الجهات القضائية،
قد يكون انتهائيا وقد يكون ابتدائيا وانتهائيا قابلا أو غير قابل لطرق الطعن.
أولا: الاختصاص الانتهائي للمجالس القضائية
بمقتضى
نص المادة نص المادة 34 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فالمجالس القضائية
تختص بالنظر في الطعون بالاستئناف، المرفوعة ضد الأحكام الصادرة عن محاكم الدرجة
الأولى، وفي جميع المواد، أي تلك الصادرة عن مختلف أقسام هذه المحاكم، حتى ولو كان
وصفها خاطئا، كوصف الحكم بأنه انتهائي فيما أنه ابتدائي، أو وصفه بأنه ابتدائي،
فيما أنه انتهائي، أو وصفه بأنه تحضيري فاصل في جزء من موضوع النزاع، بما لا يقبل
استئنافه إلا مع الحكم القطعي الفاصل في الموضوع،
بحكم
المادة 334 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فيما أنه ابتدائي والعكس.
وينعقد
الاختصاص للمجالس القضائية، بوصفها درجـة ثانيـة للتقاضي، للفصل انتهائيا في
الطعون بالمعارضة، أو اعتراض الغير الخارج عن الخصومة، أو التماس إعادة النظر،
المرفوعة ضد القرارات الصادرة عنها.
ثانيا: الاختصاص الابتدائي والانتهائي للمجالس القضائية
ينعقد
الاختصاص للمجالس القضائية، وبحكم المادة 35 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية،
للفصل في الطلبات المتعلقة بتنازع الاختصاص بين القضاة، متى كان النزاع متعلقا
بجهتين قضائيتين واقعتين ضمن الدائرة الإقليمية لاختصاص المجلس المعني، إلى جانب
النظر في طلبات الرد المرفوعة ضد قضاة المحاكم التابعة لدائرة اختصاص المجلس نفسه.
ويلاحظ
بأن الاختصاص ينعقد للمجالس القضائية في مثل هذه القضايا، للفصل فيها ابتدائيا
وانتهائيا، بقرار قابل للطعن بالنقض، فيما تعلق منها بتنازع الاختصاص بين القضاة ،
طبقا للمادة 398 وما يليها من نفس القانون، وبقرار ابتدائي وانتهائي غير قابل لأي
طريق من طرق الطعن، في جميع المنازعات المتعلقة برد قضاة محاكم الدرجة الأولى
التابعة لها، وفقا لمقتضيات المادة 242 من القانون نفسه.
المطلب الثالث : الاختصاص النوعي للمحكمة العليا
ينعقد
الاختصاص النوعي للمحكمة العليا، بمقتضى نص المادة 349 من قانون الإجراءات المدنية
والإدارية، للنظر في الطعون بالنقض المرفوعة ضد الأحكام والقرارات ، الصادرة عن
المحاكم وعن المجالس القضائية، في جميع المواد المدنية، الفاصلة في موضوع النزاع
والصادرة في آخر درجة لتلك الجهات القضائية.
ويندرج
ضمن تلك الأحكام والقرارات، تلك الصادرة في آخر درجة، والتي تنهي الخصومة إما بالفصل
في أحد الدفوع الشكلية، أو بعدم القبول ، أو أي دفع عارض آخر، وذلك طبقا للمادة
350 من نفس القانون.
كما
تختص المحكمة العليا أيضا، بالفصل في الطعون بالنقض المرفوعة ضد القرارات الصادرة
في آخر درجة عن الغرفة الجزائية، إلى جانب القرارات الصادرة عن غرفة الاتهام،طبقا
للمادة 495 من قانون الإجراءات الجزائية.
وينعقد
الاختصاص للمحكمة العليا كذلك أيضا، للنظر في الطعون بالنقض المرفوعة ضد القرارات
الابتدائية والانتهائية الصادرة عن محكمة الجنايات، طبقا للمادة 313 من قانون
الإجراءات الجزائية، وكذلك الحال بالنسبة للأحكام الصادرة عن المحاكم العسكرية،
وفقا للمادة 181 من قانون القضاء العسكري.
وتختص
المحكمة العليا إلى جانب ذلك، بالفصل في تنازع الاختصاص بين محكمتين تابعتين لأكثر
من مجلس قضائي، أو بين محكمة ومجلس قضائي أو بين مجلسين قضائيين طبقا لنص المادتين
399 و400 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
كما
تختص بالفصل في طلبات الرد المرفوعة لرد القضاة العاملين في المجالس القضائية، أو
لرد رئيس مجلس قضائي، أو لرد قضاة المحكمة العليا، وفقا لنص المادة 244 من قانون
الإجراءات المدنية والإدارية، فضلا عن اختصاصها بالفصل في طلبات الإحالة بسبب
الأمن العام المقدمة من النائب العام لدى المحكمة العليا، إعمالا لنص المادة248 من
نفس القانون، وطلبات الإحالة بسبب الشبهة المشروعة المستهدف التشكيك في حياد الجهة
القضائية، طبقا للمادة 249 من:(ق.ا.م.ا).
وخلافا
لنص المادة 295 من قانون الإجراءات المدنية، فالطعن بدعوى التماس إعادة النظر ضد
القرارات الصادرة عن المحكمة العليا لم تعد جائزة بحكم المادة 375 من:(ق.ا.م.ا.)
المطلب الرابع : اختصاص القضاء المستعجل
إذا
كان حسن سير القضاء، يقتضي التزام التروي في تحقيق ادعاءات الخصوم ، وفي إصدار
الأحكام، فهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا إذا أخذت إجراءات التقاضي أوضاعها القانونية
لاعتبارات يأتي في مقدمتها حماية مصالح الخصوم، لاسيما فيما يتعلق بتهيئة الوقت
الكافي لإعداد وسائل الدفاع، وهي في مجملها أوضاعا يترتب عنها إطالة أمد التقاضي،
وتأخر الفصل في الدعاوى المرفوعة، إما لتلك الاعتبارات، وإما لمماطلة الخصوم سيء
النية، وهو تأخر قد يتسبب في الإضرار بمصالح الخصوم ضررا بليغا لا يمكن تجنبه.
لذلك
رأى المشرع بأن اللجوء إلى قضاء الموضوع وحده، وضرورة إتباع إجراءاته العادية، قد
يكون غير منتج في بعض الحالات، التي تتطلب سرعة الفصل قبل فوات الوقت، فنص على
إنشاء القضاء الاستعجالي بجانب قضاء الموضوع، ينعقد اختصاصه لاتخاذ أي تدبير أو
إجراء وقتي سريع ، يرمي إلى حماية مصالح الخصوم، وذلك من دون أن يتعرض لأصل الحق
المتنازع عليه.
وبحسبه
فاختصاص قاضي الاستعجال، وطبقا لنص المادتين 299 و300 من قانون الإجراءات المدنية
والإدارية، يتقرر في حالات الاستعجال، وفي الحالات التي تقتضي البث في تدبير
للحراسة القضائية، أو أي تدبير تحفظي آخر غير منتظم في إجراءات خاصة، وفي المواد
التي ينص القانون صراحة على أنها من اختصاصه، وهذه مسائل تحتاج إلى تبسيط.
أولا: أركان دعوى الاستعجال
تحتاج
الدعوى الإستعجالية، إلى قيام عنصرين أساسيين ، لانعقاد الاختصاص لقاضي الاستعجال ونعني بهما قيام حالة الاستعجال ، ووقتية
التدبير المطلوب :
أ) قـيام حالـة الاستعـجال :
أن
قيام حالة الاستعجال ، وفقا لمقتضيات المادة 299 وما يليها من(ق.ا.م.ا) ، لا تتحقق
بمجرد حصول الرغبة لدى المدعي، في الحصول على حقه على وجه السرعة ،بل أنها تخضع
لظروف وملابسات الحق المطلوب حمايته، أي وجود خطر داهم،أو ضرر محدق بذلك الحق،
والذي لا يمكن تفاديه، بلجوء طالب الحماية ،إلى إجراءات التقاضي العادية، بل تتم
تلك الحماية عن طريق اتخاذ إجراء مستعجل.
لذلك
فان تقدير قيام هذه المسألة من عدمها ، تبقى في الواقع متروكة لتقدير القاضي، في
ضوء وقائع وظروف وملابسات كل قضية على حدة، إلا إذا اعتبرت ذات طبيعة استعجاليه
بموجب نص خاص في القانون، شأن الحالات التي جاء بها نص المادة 57 مكرر من القانون
05/02 المؤرخ في 27/02/2005، المتضمن تعديل قانون الأسرة ، والـذي أجاز لقاض
الأمـور المستعجلة التدخل وعلى وجه السرعة ، لاتخاذ التدبير المطلوب ، بالنسبة
للحضانة والنفقة والزيارة والمسكن وذلك بموجب أمر على ذيل عريضة.
ب) وقتية التدبير المطلوب :
باستقراء
نص المادة 299 من:(ق.ا.م.ا)، يتضح وأن قيام عنصر الاستعجال وحدة لا يكفي لانعقاد
اختصاص قاضي الاستعجال، بل يتعين أن يكون الطلب متوقفا ، على اتخاذ تدبير وقتي ، لا يمس بأصل الحق.
وفي
ضوء ذلك الاجتهاد القضائي، فقد اعتبرت الفصل في الدعوى ، التي تتسم بالجدية و
بالاعتماد على تفحص الوثائق ، المتصلة اتصالا مباشرا بوقائع الدعوى ، إنما هي مسألة تمس بأصل الحق ،
وزهو الحكم الذي يسري على طلب، ينشأ بشأنه
نزاع بين الطرفين، حول مفهوم أو مدى فعالية عقد أو قانون لتبرير التدبير المطلوب اتخاذه.
ثانيا: تحديد المحكمة المختصة بالفصل في الدعوى الإستعجالية
بعد
الوقوف على عناصر الاستعجال ، كان لنا أن نتساءل عن الجهة القضائية ، التي تكون
مختصة بالبث في التدبير المطلوب، وعن الإجراءات التي يتطلبها القانون لذلك ، وعن
طبيعة الأمر الصادر فيه .
أ) المحكمة المختصة :
على
الرغم من تعدد التدابير المطلوب اتخاذها ، سواء بالاستناد إلى قانون الإجراءات
المدنية ، أو بالاستناد إلى أي نص خاص، فان الاختصاص النوعي بشأنها،ينعقد لقاضي
الاستعجال ، وهو رئيس المحكمة أو من ينوب عنه من قضاتها، وذلك بصرف النظر عن طبيعة
الإجراء ، الذي قرره القانون للتدبير المطلوب اتخاذه ، فيما إذا كان البث فيه يجري
بموجب أمر على ذيل عريضة ، أو أنه يتطلب إقامة دعوى استعجاليه يتم الفصل فيها بموجب أمر استعجالي، وهي ذات
الأحكام التي تخضع لها إشكالات التنفيذ ، القائمة بشأن أي سند من السندات
التنفيذية .
ب) إجراءات الدعوى المستعجلة :
لعل
فكرة الاستعجال المبررة لاتخاذ التدبير المطلوب، قد دفعت المشرع إلى وضـع قواعد
إجرائية بسيطة ، يمكن إتباعها للحصول عليه، وهي قواعد تتميز بميزتين :
1) خاصية المهل القصيرة :
أنه
وعلى الرغم من أن الطلب الرامي إلى اتخاذ التدبير الإستعجالي ، قد يقدم في شكل أمر
على ذيل عريضة ، يتم البث فيه بموجب أمر ولائي ، وذلك من دون إعلانه للخصم ، وقد
يرفع بموجب عريضة افتتاح دعوى استعجاليه،
يتم إعلانها للخصم، وفقا للقواعد العامة
للإعلان، فان المواعيد المقررة
فيها، يمكن تقصيرها ، إعمالا لنص المادة 301 من:(ق.ا.م.ا) وفقا للظروف ، كما يجوز
تقديمها في غير الأيام والساعات المحددة لنظر القضايا المستعجلة ، عند قيام حالات
الاستعجال القصوى، والذي يكون للقاضي
المكلف بالقضايا الإستعجالية ، أن يأمر
فورا بتحديد تاريخ الجلسة كما له أن يأمر بحضور الأطراف في الحال والساعة ، وله
البث فيها ، ولو في أيام العطل.
2) خاصية النفاذ المعجل :
تعد
الأوامر الصادرة في المواد الإستعجالية، بطبيعتها مشمولة بالنفاذ المعجل ، بكفالة
أو بدون كفالة ، وللرئيس أن يأمر بتنفيذها ، بموجب المسودة ، وذلك حتى قبل الأمر،
وهي بهذه الحالة غير قابلـة لا للمعارضة ولا للاعتراض
على النفاذ المعجل، وذلك بحكم المادة 303 من:ق.ا.م.ا)
وفي
ضوء هذه الأحكام ، فان تنفيذها لا يتوقف على الصيرورة النهائية لها، والتي لا
تتقرر للأحكام العادية إلا بعد تبليغها ،وانقضاء مواعيد الطعن فيها، لأن ذلك يؤدي
إلى إهدار الفائدة التي جاءت لتحقيقها ، مع مرور الوقت، لذلك جعلها المشرع معجلة
النفاذ بقوة القانون .
ج) طبيعة الأمر المستعجل :
متى
كان الأمر المستعجل وقتيا وغير فاصل في أصل الحق المتنازع فيه ، فانه لا يتمتع
بحجية الشيء المقضي فيه، لأن هذه الحجية لا تتمتع بها سوى الأحكام النهائية،
الفاصلة في أصل الحق حسب متطلبات نص المادة 338 من القانون المدني.
غير
أنه ومع ذلك ، فانه لا يجوز تعديله أو إلغاؤه، ما لم تتغير الظروف التي قام عليها
وبخلاف ذلك فان طرأت ظروفا جديدة أمكن العدول عنه، حيث أثـر الأمر الإستعجالي
القاضي بدفع نفقة مؤقتة لإعالة المحضون، يمكن العدول عنه إن قرر الحكم الصادر في
الموضوع ، بحق الحضانة للمدين بتلك النفقة
الوقتية.
وقد
يضع هذا الامر الطرفين أمام أمر واقع يستحيل تغييره و محو آثاره، أو إزالة النتائج
المترتبة عنه، فيؤثر في أصل الحق المتنازع فيه أمام قاضي الموضوع، فالأمر بمواصلة
التنفيذ مؤقتا، لبيع المنتوج الزراعي المحجـوز
عليه قبل تلفه، وفيما صرح قاضي الموضوع ببطلان الحجز ، فهو أمر يؤدي إلى
استحالة استرداد الأشياء المحجوزة، نتيجة استهلاكها من قبل المشتري.
الاختصاص الإقليمي
ان
الاختصاص المنعقد لكل جهة من الجهات القضائية، وفضلا عن تحديده استنادا لمعيار
قيمة الدعوى أو نوعها، فانه يتحدد كذلك أيضا على أساس معيار إقليمي، فيما يعبر عنه
بالاختصاص الإقليمي أو المحلي أو المكاني، وإما على أساس معيار شخصي، فيما يعبر
عنه بالاختصاص الدولي للمحاكم الجزائرية، للفصل في المنازعات المشتملة على عنصر
أجنبي.
المبحث الأول : الاختصاص الدولي للمحاكم الجزائرية
ثمة
قاعدة قانونية تفيد، بأن لمحاكم الدولة ولاية على الأجانـب المقيميـن بها، فيمـا
أن الأجنبي الذي لا يقيم في أرض الدولة، فالقاعدة العامة أنه لا يخضع لتلـك
الولايـة، ومـع ذلـك فان تشريعات مختلف الدول، عادة ما تتضمن أحكاما تتعلق بمدى
ولايتها على الأجانب الذين لا يقيمون بأراضيها، ومبرر ذلك يكمن في التيسير على
مواطنيها حتى لا يحرموا من مقاضاة الأجنبي الذي تعامل معهم أمام محاكمها، إذ ليس
من العدل أن يلجأ جزائري، إلى مقاضاة طرف أجنبي، يكون قد ارتكب في الجزائر، ما
يؤدي إلى قيام مسؤوليته المدنية، بدعوى أنه لا يقيم في الجزائر، فينعقد الاختصاص
جوازيا للمحاكم الجزائرية، متى كان أحد أطراف النزاع الرامي إلى تنفيذ الالتزامات المتعاقد
عليها أجنبيا، أو متى قرر الطرفان بإرادتهما الخضوع للقضاء الجزائري.
المطلب الأول : الاختصاص القضائي الدولي الجوازي للمحاكم الجزائرية
ثمة
حالتان يتقرر الاختصاص الدولي الجوازي فيهما للمحكم الجزائرية، تتعلق الأولى
بالالتزامات التعاقدية التي تعاقد عليها أجنبي مع جزائري في الجزائر ولو لم يكن
مقيما بها، أو التي تعاقد عليها جزائري مع أجنبي خارج الجزائر، وتتعلق الثانية
بحالة الخضوع الإرادي لأطراف المنازعة للتقاضي أمام المحاكم الجزائرية.
أولا : الاختصاص القضائي الدولي بالنظر للالتزامات التعاقدية
يمكن
التمييز في هذه المنازعات، بين المركز القانون للطرف الجزائري، فيما إذا كان مدعيا
أو مدعى عليه.
أ) جواز اختصام جزائري لأجنبي :
تنص
المادة 41 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية،على أنه:( يجوز أن يكلف بالحضور
كل أجنبي، حتى ولو لم يكن مقيما في الجزائر، أمام الجهات القضائية الجزائرية،
لتنفيذ الالتزامات التي تعاقد عليها في الجزائر مع جزائري، كما يجوز تكليفه
بالحضور أمام الجهات القضائية الجزائرية بشأن التزامات تعاقد عليها في
بلد أجنبي مع جزائريين).
ويلاحظ
من خلال هذا النص، بأن المشرع الجزائري قد عقد الاختصاص للمحاكم الجزائرية، للنظر
في كل دعوى يكون المدعى عليه فيها أجنبيا، وذلك بصرف النظر عما إذا كانت
الالتزامات التعاقدية قد أنشئت بالجزائر أو في بلد أجنبي، وبصرف النظر عما إذا كان
الطرف الأجنبي مقيما أو غير مقيم بالجزائر، وهي مسألة قد انفرد بها التشريع
الجزائري، رغم اقترابه في مجال انعقاد الاختصاص الدولي للمحاكم الوطنية، إلى حد
بعيد بما هو منصوص عليه في التشريع المقارن.
ب) جواز اختصام الأجنبي لجزائري :
على
غرار جواز اختصام الجزائري لاجنبي إمام المحاكم الجزائرية، نتولى عرض جواز اختصام الأجنبي
لجزائري إمام المحاكم الجزائرية في كل من التشريع الجزائري وبعض التشريعات
المقارنة
نصت
المادة 42 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على أنه:(يجوز أن يكلف بالحضور كل
جزائري أمام الجهات القضائية الجزائرية بشان التزامات تعاقد عليها في بلد أجنبي،
حتى ولو كان مع أجنبي)، وهو نص يقترب كذلك أيضا من بعض التشريعات المقارنة على
النحو الاتي.
ثانيا : الاختصاص القضائي الدولي بالنظر للخضوع الإرادي للأفراد
أ) السند القانوني للاختصاص القضائي الدولي :
يجد
هذا النوع من الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم الجزائرية سنده القانوني بالمادة 46
من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فنصت على أنه:(يجوز للخصوم الحضور
باختيارهم أمام القاضي، حتى ولو لم يكن مختصا محليا، يوقع الخصوم على تصريح بطلب
التقاضي، وإذا تعذر التوقيع يشار إلى ذلك، يكون القاضي مختصا طيلة الخصومة، ويمتد
الاختصاص في حالة الاستئناف إلى المجلس القضائي التابع له).
وترتيبا
على ذلك فالمشرع الجزائري، لم يشترط في أن يكون الممارس لهذا الحق جزائريا، بل أنه
تضمن النص عليه بصورة عامة ومن دون شروط ، وبالتالي فمن حق الأجانب الاستفادة منه،
أكانوا مقيمين بالجزائر أو خارجها، وبصرف النظر أيضا عن الالتزامات المتنازع
بشأنها، فيما إذا كانت ناشئة عن الإرادة أو عن الفعل الضار أو النافع.
ب) موقف الفقه من هذا الاختصاص القضائي الدولي :
على
الرغم من أن اختصاص المحاكم الجزائرية أو المصرية في ضوء النصين أعلاه، يبقى متوقفا على الخضوع الإرادي
لطرفي الخصومة، فثمة جانب من الفقه المصري على وجه الخصوص، قد ذهب إلى القول بأن
القواعد المتعلقة بتنظيم مرفق القضاء، إنما هي نصوص متعلقة بالنظام العام ، ويبطل
بالتالي كل اتفاق مخالف لتلك القواعد، وعلى هذا الأساس اعتبر هذا الاتجاه الفقهي،
بأن جميع النصوص المتعلقة بقواعد الاختصاص، إنما هي متعلقة بالنظام العام، لا يجوز
الاتفاق على خلافها، لذلك فنص المادة 32 من قانون المرافعات المصري، يعد جالبا
للاختصاص للمحاكم المصرية وليس سالبا له.
غير
أنه ومع ذلك، فالاختصاص الوارد بنص المادة 46 من قانون الإجراءات المدنية
والإدارية،
وعلى غرار نص المادة 32 من قانون المرافعات المصري، إنما هو اختصاص يلعب في واقع
الأمر دورا مزدوجا، لأنه من ناحية أولى يعد جالبا للاختصاص القضائي الدولي للمحاكم
الوطنية، ومن ناحية ثانية يعتبر سالبا لهذا الاختصاص على حد سواء.
ج) الشرط السالب للاختصاص القضائي الدولي وتنفيذ الحكم الأجنبي :
قد
يفيد تحديد الطبيعة القانونية لهذا النوع من الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم
الجزائرية، في التعرف عن إمكانية تنفيذ الحكم الأجنبي الصادر بمقتضى الشرط السالب
للاختصاص القضائي الدولي للمحاكم الوطنية.
1) في قانون الإجراءات المدنية :
لعل
الأهمية العملية للبحث في طبيعة تلك القاعدة، فيما إذا كانت ماسة أو غير ماسة
بالنظام العام، إنما تكمن فقط في تنفيذ الحكم الأجنبي، ذلك أنه ومن القواعد
المتعارف عليها، أن المحاكم الجزائرية قد استقر العمل لديها في ظل سريان قانون الإجراءات
المدنية، على أن تنفيذ الحكم الأجنبي في الجزائر، يتوقف على عدم تعارضه مع النظام
العام الجزائري، ومن ذلك أن قرار المحكمة العليا الصادر بتاريخ 13/11/1988 تحت رقم
51066 ، قد توصل إلى استخلاص مبدأ قانوني يفيد أنه:(من المقرر قانونا أن الأحكام
والقرارات الصادرة من الجهات القضائية الأجنبية، التي تصطدم وتخالف النظام العام
الجزائري، لا يجوز تنفيذها ، ومن تم فان القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد خرقا
للقانون، ولما كان من الثابت من قضية الحال ، أن قضاة الاستئناف، أيدوا الحكم
المستأنف لديهم ، الآمر بتنفيذ الحكم الأجنبي، القاضي على الطاعنة بتسديد الفوائد
القانونية ، فإنهم بقضائهم كما فعلوا خرقوا القانون، ومتى كان كذلك استوجب نقض
القرار المطعون فيه).
ويبدو
من خلال هذا القرار،أن الشرط السالب للاختصاص القضائي الدولي للمحاكم الجزائرية،
لم يكن يشكل عائقا لتنفيذ الحكم الأجنبي بالنسبة للقضاء في الجزائر، بل أن
تنفيذهما كان يتوقف على عدم مخالفة الحكم الأجنبي للنظام العام وللقانون الداخلي
أو الدولي.
2) في قانون الإجراءات المدنية والإدارية :
تحت
تأثير مقتضيات التشريع المقارن، فالمشرع الجزائري من خلال نص المادة 605 من قانون
الإجراءات المدنية والإدارية، قد نحا بدوره نحو الأخذ بجملة من الشروط لتنفيذ
الحكم الأجنبي، فنص على أنه:(لا يجوز تنفيذ الأوامر والأحكام والقرارات الصادرة من
جهات قضائية أجنبية، في الإقليم الجزائري، إلا بعد منحها الصيغة التنفيذية من إحدى
الجهات القضائية الجزائرية، متى استوفت الشروط التالية: ألا تتضمن ما يخالف قواعد
الاختصاص، حائزة لقوة الشيء المقضي به طبقا لقانون البلد الذي صدرت فيه، ألا
تتعارض مع أمر أو حكم أو قرار سبق صدوره من محاكم جزائرية، وأثير من المدعى عليه،
ألا تتضمن ما يخالف النظام العام والآداب العامة في الجزائر)، فيما أن نص المادة
608 من نفس القانون، قد نص على أن:(العمل بالقواعد المنصوص عليها في المادة 605
أعلاه، لا يخل بأحكام المعاهدات الدولية والاتفاقيات القضائية التي تبرم بين
الجزائر وغيرها من الدول).
المطلب الثاني : الاختصاص القضائي الدولي الوجوبي للمحاكم الجزائرية :
تكاد
معظم تشريعات الدول العربية وغير العربية، تجمع على أن الاختصاص الدولي، إنما
ينعقد وجوبا للمحاكم الوطنية، للنظر في العديد من المنازعات ، قد يكون من المفيد
الإشارة ولو بإيجاز إليها، ثم التعرض إلى الضابط المستند إليه في تحديد البعض من
حالات ذلك الاختصاص.
أولا : في التشريع الجزائري :
ثمة
عدة حالات واردة في التشريع الجزائري، ينعقد فيها الاختصاص القضائي الدولي وجوبا
للمحاكم الجزائرية،أهمها تلك المتعلقة بمال موجود فوق إقليم الدولة الجزائرية،
أكان منقولا أو عقارا بصرف النظر عن المصدر المنشئ للمال، فيما إذا كان إراديا
كالعقد والإرادة المنفردة، أو غير إرادي كالعمل النافع أو الضار.
وفي
ظل مقتضيات هذا المبدأ نجد المشرع الجزائري، قد منح هذا الاختصاص القضائي الدولي
الوجوبي للمحاكم الجزائرية، بموجب المادة 40 من قانون الإجراءات المدنية
والإدارية، وبحسبها فالمحكمة الواقع في دائرة اختصاصها، مكان افتتاح التركة، أو
المحكمة التي يقع العقار في دائرة اختصاصها ، هي التي تختص بالفصل في المنازعة،
حيث جاء بالمادة 08 ما نصه:(...ترفع الطلبات المتعلقة بالمواد المذكورة أدناه،
أمام الجهات القضائية دون سواها على الوجه التالي: في الدعاوى العقارية أو الأشغال
المتعلقة بالعقار، أو دعاوى الإيجارات بما فيها التجارية المتعلقة بالعقارات،أمام
المحكمة التي يقع العقار في دائرة اختصاصها، وفي مواد الميراث أمام المحكمة التي
يقع في دائرة اختصاصها مكان افتتاح التركة...).
وقد
طبقت المحاكم الجزائرية نص المادة 8 من:(ق.ا.م) المقابل لهذا النص في العديد من
الدعوى المتعلقة بالحالات الواردة بالنص أعلاه، أما إذا كانت الدعوى متعلقة
بالحقوق الشخصية العقارية، فقد اعتبرت الاختصاص منعقدا للجهة القضائية الواقع في
دائرة اختصاصها موطن المدعى عليه، وهو الاتجاه الذي نلمسه من خلال قرار المحكمة
العليا الصادر في ظل سريان القانون القديم بتاريخ 29/05/2002 تحت رقم 2599587 الذي
أشار وبكل وضوح ، إلى أن المنازعة الرامية إلى استرداد التسبيق، الذي تم دفعه من
أجل شراء عقار بعد فسخ العقد، إنما تعد منصبة حول حقوق شخصية، مع أنها ناجمة عن
معاملة عقارية، وبذلك فهي حقوق منقولة، لا ينعقد الاختصاص بشأنها للمحكمة التي يقع
العقار بدائرة اختصاصها، بل إلى المحكمة التي يوجد بدائرة اختصاصها موطن المدعى
عليه، وهكذا.
ثانيا : في بعض التشريعات المقارنة :
لم
ينفرد المشرع الجزائري وحده ، بالنص على انعقاد هذا الاختصاص القضائي الدولي الو
جوبي للمحاكم الجزائرية، بل أن المشرع المصري قد تبنى هذا المبدأ أيضا، بموجب
المادة 30 من قانون المرافعات المصري، فنصت على أنه:(تختص محاكم الجمهورية بنظر
الدعاوى التي ترفع على الأجنبي الذي ليس له موطن أو محل إقامة في الجمهورية وذلك
في الأحوال التالية: (إذا كان له في الجمهورية موطن مختار، إذا كانت متعلقة بمال
موجود في الجمهورية، أو كانت متعلقة بالتزام نشأ أو نفذ أو كان واجبا تنفيذه فيها،
أو كانت متعلقة بإفلاس أشهر فيها..).
ويلاحظ
بأن هذا المبدأ لم يعرف في كل من الجزائر ومصر فقط، بل أنه مبدأ معروف بدرجة واسعة
جدا في التشريعات المقارنة، ومن ذلك أن نص المادة 28 من قانون المسطرة المغربي، قد
نص على أنه:(تقام الدعاوى خلافا لمقتضيات الفصل السابق أمام المحاكم التالية: في
الدعاوى العقارية سواء تعلق الأمر بدعوى الاستحقاق أو الحيازة أمام محكمة موقع
العقار المتنازع فيه...في دعاوى التركات أمام محكمة محل افتتاح التركة).
هذا
ومن خلال المقارنة بين النصوص الواردة في تشريعات الدول الثلاث: الجزائر، مصر،
المغرب، نجدها قد أخذت بضابط موقع المال،
لانعقاد الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم الوطنية.
المبحث الثاني : الاختصاص الإقليمي
على
الرغم من أن قواعد الاختصاص الإقليمي، ليست كلها متعلقة بالنظام العام، فثمة بعض
الضرورات العملية قد أوجبت انعقاد الاختصاص، لهذه الجهة القضائية دون تلك، وأدت
إلى وجود قاعدة عامة له ، مع وجود بعض الاستثناءات بشأنها.
المطلب الأول : القاعدة العامة في الاختصاص الإقليمي وضرورات قواعدها
ثمة
بعض الضرورات أوجبت قواعد الاختصاص الإقليمي، تستحق الإشارة إليها قبل التعرض
للقاعدة العامة التي يقوم عليها.
أولا : ضرورة قواعد الاختصاص الإقليمي :
لقد
كان لاتساع رقعة الدولة، وانتشار سكانها في ربوعها المختلفة، أثرا في تعدد المحاكم
ذات الصنف الواحد، وتوزيعها على مختلف الأنحاء، وقد شكل هذا التعدد إحدى الضرورات
العملية، لوضع قواعد قانونية تعنى بتحديد الاختصاص الإقليمي لكل جهة من تلك الجهات
القضائية.
يضاف
إلى ذلك أن المشرع قد أولى بعض القضايا أهمية خاصة، لذلك أسند مهمة الفصل فيها
لجهات قضائية معينة، كما هو عليه الحال بالنسبة لأقطاب المحاكم المتخصصة المنشأة
على مستوى عدد محدود من المحاكم، ومع ذلك فان الاختصاص الإقليمي لها، يمتد إلى
الأقاليم الواقعة ضمن اختصاص محاكم ومجلس قضائية أخرى، وفي انتظار تنصيبها
فالمحاكم المنعقدة في مقر المجالس
القضائية، هي التي تبقى مختصة بالفصل في معظم المنازعات المسندة لتلك الأقطاب، أي
تلك المنصوص عليها في الفقرة الثالثة من المادة الأولى من قانون الإجراءات
المدنيـة القديم، وكذلك المنازعات الموجهة
ضد هيئة الضمان الاجتماعي، وقد شكل ذلك إحدى الضرورات لقواعد الاختصاص
الإقليمي.
ويبقى
أن نشير إلى أن الاختصاص المحلي للمجالس القضائية، يمتد لجميع الأحكام الصادرة عن
المحاكم التابعة لكل مجلس قضائي، وكذلك للفصل في المنازعات المتعلقة بتنازع الاختصاص
بين محكمتين واقعتين في دائرة اختصاص المجلس القضائي نفسه، فيما أن الاختصاص
المحلي لمجلس الدولة، وكذلك الاختصاص المحلي للمحكمة العليا، ومحكمة التنازع، فانه
يمتد عبر كافـة التراب الوطني.
ثانيا : القاعدة العامة في الاختصاص الإقليمي :
يحتاج الإلمام بالقاعدة العامة في الاختصاص
الإقليمي، إلى تحديد مضمونها وإبراز مبرراتها.
أ) مضمون القاعدة العامة في الاختصاص الإقليمي :
تقوم
هذه القاعدة وفقا لنص المواد 37 و38 و803 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية،
على مفهوم مؤداه أن الجهة القضائية - عادية كانت أو إدارية- التي يقع موطن المدعى
عليه بدائرة اختصاصها كقاعدة عامة، هي المختصة إقليميا بنظر الدعوى، وذلك بصرف
النظر عن محل هذه الدعوى.
ومع
ذلك فان لم يكن للمدعى عليه موطن معروف، فان الاختصاص الإقليمي ينعقد للمحكمة التي
يقع في دائرة اختصاصها آخر موطن له، وفي حالة اختياره لموطن، فالاختصاص ينعقد
للجهة القضائية التي يقع بدائرة اختصاصها هذا الموطن المختار، ويترتب على هذه
القاعدة إبراز مبرراتها، وتحديد بعض المفاهيم
المتعلقة بها.
ب) مبررات القاعدة العامـة :
لا
غرو في أن معظم تشريعات دول العالم ، تكاد تتفـق على انعقاد الاختصاص الإقليمي،
لمحكمة موطن المدعى عليه، ويكمن مبرر ذلك، في أن
الأصل هو براءة الذمة، وبالتالي فان من يطالب خصمه بشيء، فعليه أن يسعى
لأقرب محكمة لهذا الأخير، وأن القول بغير ذلك يعني إجبار البريء، على التنقل إلى مكان بعيد عن موطنه للدفاع عن نفسه، في دعوى
قد يتضح في نهاية المطاف عدم صحتها، وهو أمر لا يتماشى ومقتضيات العدالة،
التي ترفض أن تمنح لأي طرف من أطراف الدعوى أي امتياز على حساب الطرف الآخر، بل
تتطلب التسوية بينهما.
هذا
وثمة مبرر آخر، يكمن في كون المدعي وهو الذي أخذ المبادرة في إقامة الدعوى وفي الوقت المناسب له، فمتى كان له ذلك، ومن أجل اقتضاء
التوازن بين مركزه، وبين مركز المدعى عليه فيها، فانه يتعين ألا يمكن أيضا من
اختيار المحكمة التي يريدها، والتي تكون عادة في موطنه، بل يتعين أن تكون تلك
المحكمة، التي يتعين عليه اللجوء إليها، هي تلك الواقعة في موطن المدعى عليه، وهي
قاعدة من شأنها ضمان ذلك التوازن بين طرفي الدعوى.
المبحث الثالث : ضيق الاختصاص واتساعه
إذا
كان الاختصاص النوعي للجهات القضائية، يتحدد على أساس نوع الدعوى، أو قيمتها، أو
أطرافها، وأن الاختصاص الإقليمي، يتحدد على أساس الدائرة الجغرافية لكل جهة قضائية
كأصل عام، فان هذا الاختصاص ليس جامدا، إذ
أن المنازعات المندرجة ضمن الاختصاص النوعي، أو الإقليمي لجهة قضائية معنية، قد
تطرأ مستجدات أثناء سير الخصومة، فتثير بعض التساؤلات حول دخولها من عدمه، في
اختصاص الجهة القضائية المختصة بالفصل في الطلب الأصلي.
وعلى
الرغم من أن القاعدة العامة المقررة في هذا الإطار، أن كل ما يثار من مسائل متفرعة
عن الطلب الأصلي، وعن الخصومة التي أنشأها، تدخل ضمن اختصاص الجهة القضائية
المختصة بالطلب الأصلي، وهي القاعدة التي تبين مدى انطباقها، على ما يثور أثناء
الخصومة من وسائل دفاع، ومن طلبات، ومسائل عارضة، وهي حالات قد تؤدي إلى امتداد
ولاية الجهة القضائية الأصلية.
واستثناء
من هذه القاعدة، فقد نتوقف على بعض الشروط، تكون قـد تقررت في نصوص، لتنظيم كل
مسألة متفرعة عن الخصومة الأصلية، حتى
تمتد ولاية محكمة الطلب الأصلي لها، وعند انعدامها لا ينعقد اختصاصها بنظرها، وهي حالات يترتب عنها انحسار الاختصاص.
المطلب الأول : اتسـاع الاختصاص
تتعلق
المسائل الفرعية التي تثور أثناء سير الخصومة، إما بموضوع الدعوى ، و إما بإجراءاتها،
وأن المبدأ هو امتداد اختصاص المحكمة للفصل فيها، و الاستثناء غير ذلك.
أولا: المبدأ العام
من
أهم المبادئ العامة المقررة في قانون
الإجراءات المدنية والإدارية، هو أن قاضي الأصل هو قاضي الفرع، وتظهر قيمة هذا
المبدأ، متى كانت هذه المسائل الفرعية، لا تدخل في اختصاص القاضي بحسب الأصل، فيما
لو عرضت عليه في صورة طلب أصلي، بل تكون في مثل هذه الحالة، من اختصاص قاض آخر،
ومن ذلك أن وسائل الدفاع، التي يسوقها المدعي أو المدعى عليه، تأييدا أو دفعا
لطلب، تعد داخلة في اختصاص قاضي الطلب، حتى ولو كان القانون، قد جعل الاختصاص بنظر
هذه الوسائل لجهة قضائية أخرى، فيما لو قدمت على شكل طلب أصلي، وبذلك فان الاختصاص
الأصلي لجهة قضائية معنية، يتحدد نوعيا وإقليميا ثم تكميليا، ليشمل كل ما يطرح على
الجهة القضائية، من مسائل فرعية مرتبطة بالطلب الأصلي، وهو ختصاص سماه البعض
الاختصاص التبعي.
ثانيا: مدى امتداد الاختصاص لوسائل الدفاع :
يقصد
بوسائل الدفاع، تلك التي يسوقها المدعي تأييدا لطلباته، وتلك التي يـرد بها المدعى
عليه عن مزاعم المدعي، بما يعني الأدلة والدفوع، ولا يثور أدنى شك ، في انطباق
قاعدة أن قاضي الأصل هو قاضي الفرع بشأنها، وبناء على ذلك، فان ما يثار من وسائل
دفاع أثناء نظر الموضوع، يدخل في اختصاص المحكمة حتى ولو كان في الأصل من اختصاص
جهة قضائية أخرى ، فيما لو تم عرضها عليها من خلال طلب أصلي.
غير
أن تطبيق هذا المبدأ يعد نسبيا، ذلك أن وسيلة الدفاع التي يعتمد عليها أحد طرفي
النزاع ، أمام جهة من جهات القضاء العادي، فيما لو تمثلت في سند إداري وتقدم الطرف
الآخر بدفوع ترمي إلى الطعن فيها بالبطلان، فان هذه الجهة لا يكون من اختصاصها فحص
السند المطعون فيه ، فيما إذا كان مشوبا بعيب من عيوب البطلان، لأن ذلك من اختصاص
القضاء الإداري.
ثالثا: مدى امتداد الاختصاص لنظر المسائل الأولية :
ينصرف
مدلول الوسائل الأولية، إلى وسائل الدفاع التي يجب إبداؤها، والفصل فيها مسبقا،
قبل إثارة باقي وسائل الدفـاع الأخرى، وذلك تمهيدا للفصل في الطلب الأصلي، حتى ولو
كانت وسائل الدفاع الأولية هذه، خارجة عن اختصاص الجهة القضائية المخولة بالفصل في
الطلب الأصلي، لدخولها اختصاص جهة قضائية أخرى.
وان
تعددت هذه الوسائل الأولية، وكان من بينها الدفع بعدم الاختصاص الإقليمي، تعين على
المحكمة الفصل فيه أولا، قبل غيره من وسائل الدفاع الأولية الأخرى، مع أن هذه وحتى
عند قبولها للدفع، فلها الحق في منح الخصوم أجلا، وقبل الفصل في الدفع بتصحيح
الإجراء، وعند إتمامه فان آثاره تنسحب إلى تاريخ الإجراء المطعون فيه.
رابعا : مدى امتداد الاختصاص لنظر المسائل العارضة :
تتعلق
المسائل العارضة، بكل مسألة تبدى أثناء الخصومة ، ولا يكون لها تأثير على نطاق
المنازعة، بما يعني انطباقها على كل طلب ، يتعلق بالضم أو الفصل بين الخصومات،
ووقفها أو انقطاعها أو سقوطها أو تركها ، وكذلك أيضا كل طلب ، يرمي إلى القيام
بإجراء من إجراءات الإثبات، أو رد القاضي وغيرها.
وإذا
كانت هذه المسألة، لا تضيف إلى موضوع
الطلب الأصلي أي جديد، ولا يمكنها أن تؤثر في اختصاص المحكمة، فان هذه
تعد هي الأجدر دون غيرها، للفصل فيها على
ضوء الوقائع الجارية أمامها ، إلا إذا وجد نص خاص، يعطي الاختصاص لمحكمة أخرى بنظر
المسألة العارضة، كما هو عليه الحال بالنسبة للطلب الرامي إلى رد القاضي.
خامسا : مدى امتداد الاختصاص للطلبات العارضة :
تختلف
الطلبات العارضة عن المسائل العارضة، ذلك أنها وان كانت تتفق معها، فيما يتعـلق
بتقديمها أثناء الخصومة، فإنها تختلف عنها فيما يتناولها، أحد عناصر المنازعة
الأصلية فقط، وهي الموضوع والسبب والخصوم
، وذلك بتعديلها فتضيق أو توسع من نطاقها، وعلى هذا الأساس يختلف نطاق امتداد
اختصاص محكمة الطلب الأصلي إلى الطلب العارض.
والحال
فمحكمة الطلب الأصلي، تكون مختصة بالطلب العارض ، المثار في دعوى قسمة المال
الشائع ، ولو كان عقارا يقع في دائرة اختصاص محكمة أخرى، أو أن المحكمة المختصة
بنظر الطلب العارض، هي التي يقع في دائرة اختصاصها موطن المدعى عليه، كما هو الشأن
بالنسبة لعلاقات المديونية.
لكنه
واستثناء من هذه القاعدة العامة، فان هذا الاختصاص وان كان يمتـد إلى الطلبات
العارضة، المتعلقة بالاختصاص القيمي، أي المحدد بالنظر لقيمة الدعوى ، والذي يشكل
إحدى حالات الاختصاص النوعي، متى كان الطلب الأصلي يتجاوز تلك القيم ، فانه لا يعد
كذلك بالنسبة للطلبات العارضة المتعلقة بالمسائل الوقتية، أي كل طلب من شأنه أن
يثير منازعة تنفيذ موضوعية، لأن الفصل
فيها يكون من اختصاص قاضي الأمور المستعجلة.
المطلب الثاني : ضيـق الاختصاص
على
الرغم من أن الاختصاص ، قد ينعقد لجهة قضائية معينة دون غيرها بنص القانون، فقد
توجد أسباب تمنعها من نظر الدعوى ، أو أن المنع يتعلق بقاض من قضاة المحكمة دون
غيره ، وهي حالات يضيق فيها الاختصاص بدلا
من امتداده ، وهو ما يعبر عنه بالانحسار.
وتكمن
هذه الأسباب، إما في اتفاق الخصوم، على جعل الاختصاص لمحكمة غير المختصة قانونا
بحسب الأصل، والإحالة في أحوال الارتباط،
والإحالة بعد النقض، ودواعي الأمن العمومي، وسنوجز ذلك تباعا
أولا : اتفاق الخصـوم
لا
يمكننا أن نتصور قيام أي دور للخصوم، في توسيع أو تضييق الاختصاص النوعي، لأنه من
النظام العام، وبالتالي فان ذلك الدور قد يقتصر على بعض حالات الاختصاص الإقليمي،
ذلك أنه وبالرجوع لنص المادة 46 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، نجده قد
أجاز لطرفي الخصومة أن يتفقوا على التقاضي أمام أية محكمة، ولو كانت غير مختصة
إقليميا، إذ ينعقد اختصاصها آنذاك لنظر
الدعوى طيلة أمد النزاع ، كما يكون المجلس الواقعة في دائرة اختصاصه تلك المحكمة،
مختصا بنظـر دعوى الاستئناف لحين الفصل فيها، بما يعني وأن الاختصاص الذي جعله
المشرع ، لمحكمة بحسب الأصل لا ينعقد إليها ، مما يترتب عنه انحسار اختصاصها، وفي
ذات الوقت فالمحكمة التي تم الاتفاق على التقاضي أمامها، يكون اختصاصها قد توسع،
وبذلك فاتفاق الخصوم يلعب في الواقع دورا مزدوجا، فهو يعمل إما على امتداد
الاختصاص، و إما على انحساره.
ومن
البديهي فاتفاق الخصوم، لا يشمل قواعد الاختصاص الإقليمي، التي هي في ذات الوقت
قواعد اختصاص نوعي، ومن ذلك أن المشرع
وبموجب نص الفقرة السابعة من المادة 32 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، قد
عقد الاختصاص النوعي والإقليمي للأقطاب المتخصصة، للنظر دون سواها في جميع
المنازعات المتعلقة بالتجارة الدولية، والإفلاس، والتسوية القضائية، والمنازعات
المتعلقة بالبنوك، ومنازعات الملكية الفكرية، والمنازعات البحرية والنقل الجوي،
ومنازعات التأمينات، وبالتالي فانه لا يجوز لطرفي الخصومة، الاتفاق على عقد
الاختصاص،للفصل فيها لجهة قضائية أخرى غير تلك الجهة لتعلقها بالنظام العام.
وتجب
الإشارة إلى أن آثار اتفاق الخصوم ، على مخالفة قواعد الاختصاص الإقليمي لا تمتد
إلى الغير، بل أن الاتفاق لا يلزم إلا طرفيه ، والمحكمة التي انعقد إليها الاختصاص
دون غيرها، وبذلك فلا يقبل الدفع بعدم الاختصاص الإقليمي، من المدعى عليه التاجر
الذي لم يرفع خصمه الدعوى في مواجهته أمام محكمته الأصلية، ما دام أنه قد اتفق معه
على خلاف ذلك، كما أن المحكمة تعد ملزمة بالاتفاق، ولا يحق لها الحكم بعدم
الاختصاص الإقليمي من تلقاء نفسها في هذه الحالة، لأنه غير متعلق بالنظام العام،
وليس لها أن تقضي به إلا استجابة لدفع من طرفي الخصومة.
ثانيا : أحـوال الارتباط
يتوقف
الارتباط على تلك الصلة الوثيقة بين دعويين، تجعل من المناسب ولحسن سير العدالة، ضمهما أمام محكمة واحدة ،
لتعمل على تحقيقهما والفصل فيهما بحكم واحد، وذلك منعا لوجود أحكام حول نفس الموضوع
وبين نفس الأطراف متضاربة، لأن الحكم الذي يتقرر في أحدهما ، قد يؤثر في
الحل الذي يتقرر في الحكم الآخر، ومن أهم الأمثلة على أحوال الارتباط الدعوى
الرامية إلى تنفيذ عقد، والدعوى الرامية إلى بطلانه، وكذلك دعوى الدائن على
المدين، ودعواه على الكفيل للوفاء بنفس الحقوق.
وقد
نصت المادة 54 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، صراحة على أنه يتعين على
الجهة القضائية الأخيرة التي رفع إليها النزاع، أن تتخلى عنها لصالح الجهة الأخرى،
بناء على طلب أحد الخصوم،كما يجوز للمحكمة أن تتخلى عنها من تلقاء نفسها، متى تبين
لها قيام وحدة الموضوع بين الدعويين، وهو توجه يتفق وما هو مقرر في التشريع
المصري، وبذلك فالنقص الذي اعترى نص المادة 91 من قانون الإجراءات المدنية لم يعد
له وجود، حيث من المتوقع أن يعرف تطبيق هذا النص قضاء مغايرا لدى جميع الجهات
القضائية، التي أصبحت ملزمة وبمقتضى هذا النص في التصريح بالتخلي عن نظر الدعوى
الأخيرة لصالح الجهة القضائية الأخرى، الأمر الذي يترتب عنه ضيق واتساع الاختصاص
في نفس الوقت.
ثالثا : حالة الإحالة بعد النقض
نصت
المادة 364 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، على أنه وفي حالة نقض الحكم المطعون
فيه، تحيل المحكمة العليا القضية إما إلى الجهة القضائية التي أصدرت الحكم أو
القرار الذي تم نقضه، للفصل فيه من جديد بتشكيلة جديدة، وإما تحيلها أمام جهة
قضائية أخرى من نوع ودرجة الجهة القضائية التي أصدرت الحكم الذي تم نقضه، وبذلك
فان اختصاص هذه الجهة الأخيرة ، يكون قد توسع، لأنها في الأصل غير مختصة إقليميا
بنظر الدعوى، فيما أن اختصاص الجهة القضائية التي أصدرت الحكم الذي تم نقضه، والتي
تعد مختصة في الأصل يكون قد انحسر، وهي الإحالة التي تقتضي بها المحكمة العليا،
إما من تلقاء نفسها وإما بطلب من أحد الخصـوم.
رابعا : حالة الإحالة لدواعي الأمن العام
نصت
المادة 248 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية،على أنه يمكن للنائب العام لدى
المحكمة العليا، إذا أخطر بطلب إحالة قضية لسبب يتعلق بالأمن العام، أن يقدم بهذا
الشأن التماسات إلى المحكمة العليا، ترمي إلى الاستجابة لهذا الطلب، ويتعين على
المحكمة العليا في هذه الحالة الفصل فيه خلال مهلة ثمانية أيام، في غرفة المشورة
بهيئة متكونة من الرئيس الأول للمحكمة العليا ورؤساء الغرف، وبحسبه فمتى صرحت
بقبول الطلب ، يتم إحالة ملف القضية من الجهة القضائية المختصة في الأصل بنظرها،
إلى جهة قضائية أخرى هي في الأصل غير مختصة بالفصل فيها، وذلك لدواعي الأمن
العمومي، وهي حالة يترتب عنها انحسار اختصاص الإقليمي للجهة القضائية المختصة من
حيث الأصل بنظر الدعوى، وفي المقابل توسيع الاختصاص الإقليمي للجهة القضائية التي
أحيلت إليها الدعوى، بما يعني وأن الإحالة لدواعي الأمن العمومي تلعب دورا مزدوجا،
يتمثل في انحسار الاختصاص الإقليمي لجهة قضائية وتوسيعه لجهة قضائية أخرى من نفس
النوع والدرجة.
خامسا : الإحالة بسبب الشبهة المشروعة
يهدف
طلب الإحالة بسبب الشبهة المشروعة، وفقا لنص المادة 249 وما يليها من قانون
الإجراءات المدنية والإدارية، إلى التشكيك في حياد الجهة القضائية المعروضة أمامها
القضية، وهو طلب يقدم من قبل أحد أطراف الدعوى، وفقا للأشكال المقررة قانونا
لعرائض افتتاح الدعوى، إلى رئيس الجهة القضائية المعنية، الذي يتعين عليه الفصل
فيه بموجب أمر خلال مهلة ثمانية أيام، وذلك إما بقبوله وإما بالاعتراض عليه، بما
يعني وأن للأمر الصادر في طلب الإحالة بسبب الشبهة المشروعة حالتان:
أ) حالة قبول الطلب:
إذا
تبين لرئيس الجهة القضائية المعنية، بأن الطلب مؤسس، فان الأمر الذي يتولى إصداره
في هذه الحالة يتخذ صورتان :
1) الأمر بتعيين تشكيلة جديدة :
قد
يأمر رئيس الجهة القضائية ، حين قبوله طلب الإحالة بسبب الشبهة المشروعة، بتعيين
تشكيلة جديدة تتولى الفصل في القضية، غير التشكيلة المعنية بالفصل فيها من حيث
الأصل، وهو أمر من شأنـه أن يبقي الاختصاص الإقليمي منعقدا لنفس الجهـة القضائيـة،
وبذلك فهو لا يؤدي أي دور، لا في انحسار هذا الاختصاص ولا في توسيعه.
2) الأمر برفع الطلب إلى الجهة القضائية الأعلى :
على
الرغم من أن رئيس الجهة القضائية المعنية، قد يقبل الطلب الرامي إلى إحالة القضية
بسبب الشبهة المشروعة، فانه قد يفضل تخلي الجهة القضائية التي يرأسها عن الفصل
فيها، وفي هذه الصورة فانه يصدر أمرا برفع الطلب إلى رئيس الجهة القضائية الأعلى
مباشرة فتتولى تعيين الجهة القضائية التي تحال إليها القضية للفصل فيها، الأمر
الذي يترتب عنه انحسار الاختصاص الإقليمي للجهة القضائية المختصة من حيث الأصل
بنظرها، وتوسيع نفس الاختصاص للجهة القضائية التي أحيلت إليها القضية للفصل فيها.
ب) حالة الاعتراض على الطلب
إذا اعترض رئيس الجهة القضائية المعنية، على طلب
الإحالة بسبب الشبهة المشروعة، قام برفع القضية مشفوعة ببيان أسباب الاعتراض، إلى
الجهة القضائية الأعلى مباشرة، لتتولى الفصل فيها في غرفة مشورة خلال مهلة شهر،
وذلك من دون قيامها باستدعاء الخصوم، بموجب أمر غير قابل لأي طعن، وهو أمر بدوره
إما يصرح برفض الطلب، الأمر الذي يبقى معه الاختصاص الإقليمي منعقدا للجهة
القضائية المعنية، وإما يصرح بقبوله ومن تم تعيين جهة الإحالة، وفي هذه الحالة
تقوم الجهة القضائية التي قدم إليها الطلب بإرسال نسخة من قرارها، إلى الجهة
القضائية المطلوب منها التخلي عن النظر في القضية، كما يتعين على الطرف الذي يهمه
التعجيل، أن يقوم بإجراء التبليغ الرسمي لقرار الإحالة إلى بقية الخصوم، الأمر
الذي يترتب عنه انحسار الاختصاص الإقليمي للجهة القضائية التي تخلت عن نظر القضية
واتساعه لتلك الني التي أحيلت القضية إليها للفصل فيها.
المبحث الرابع : مخالفة قواعــد الاختصاص
إذا
كنا قد توقفنا على المعايير المختلفة، التي استند إليها المشرع ، في توزيع
الاختصاص الإقليمي على مختلف الجهات القضائية، فما هو الجزء الذي يترتب على مخالفة
هذه القواعد.
إن
الجواب على ذلك، هو الحكم بعدم الاختصاص، على أن إعمال هذا الجزاء، يخضع لشروط
تختلف باختلاف نوع الاختصاص، فمن قواعد الاختصاص، ما يتعلق بالنظام العام ومنها ما
لا يعد كذلك.
المطلب الأول : النتائج المترتبة على تعلق قواعد الاختصاص بالنظام العام
إذا
كانت إرادة المشرع، قد انصرفت إلى عدم إسناد ولاية القضاء، لجهة قضائية واحدة، فان
ذلك يعني بأن قواعد الاختصاص النوعي، إنما
هي مسألة اقتضتها طبيعة المنظومة القضائية، وهذه مصلحة لا تهم الأفراد ، بقدر ما
تهم المشرع نفسه، في تنظيمه لأسس التنظيم
القضائي ، ولذلك فهي قواعد تتعلق بالنظام العام.
ويصدق
هذا الحكم، على قواعد الاختصاص النوعي، بالنسبة لجميع الجهات القضائية، أي تلك
المتعلقة بالاختصاص النوعي للقضاء العادي، بما فيها قواعد الاختصاص القيمي،
والقواعد المتعلقة بالاختصاص المانع المنعقد لبعض أقسام القضاء العادي، أي
العمالية، والتجارية، والعقارية، وشؤون الأسرة، ومحاكم الأقطاب، أو محاكم مقر
المجلس حاليا، وكذلك القواعد المتعلقة بتوزيع الاختصاص النوعي بين محاكم الدرجة
الأولى والمجالس القضائية واختصاص المحكمة العليا، أو قواعد توزيع الاختصاص بين
قضاء الموضوع وقضاء الاستعجال، وهي في مجملها قواعد لها صلة بحسن سير القضاء، وهي
بذلك تعد متعلقة بالنظام العام، يترتب على مخالفتها البطلان.
لكنه
وخلافا لذلك فقواعد الاختصاص الإقليمي، قد لا تكون لها أية علاقة بالنظام العام،
لأن القانون لم يرتب من حيث الأصل على مخالفتها البطلان، لذلك لا يجوز للقاضي
الحكم بعدم الاختصاص الإقليمي إلا استجابة لدفع الخصوم، باستثناء تلك الحالات
المتعلقة بحسن سير العدالة أكثر منها رعاية لمصالح الخصوم، لذلك فما هي الآثار المترتبـة
عن مخالفة قواعد الاختصاص.
أولا : مدى إلزامية تعرض المحكمة لبحث الاختصاص من تلقاء نفسها
إذا
كانت القاعدة متعلقة بالمصلحة العامة، فانه يتعين على القاضي التحقق من سلامة
إعمالها، لاسيما إذ تعلق الأمر باختصاصه النوعي، وهو في ذلك لا يحتاج إلى وجود دفع
بذلك من الخصوم، وأن هذا البحث لا يعد خروجا على مبدأ حياد القاضي، لأن ذلك يندرج
ضمن سلطة القضاء وولايته، لا ضمن موضوع الدعوى الذي يتوقف عند مبدأ حياد القاضي.
وتأسيسا
على ذلك، فان كان أحد أطراف النزاع جهة إدارية، وتم عرض النزاع على محكمة عادية،
وخول القاضي لنفسه صلاحية الفصل في الموضوع، كان حكمه باطلا ومعرضا للإلغاء،حتى
ولو لم يتم الدفع أمامه بعدم الاختصاص النوعي، ما دام الأمر متعلقا بالنظام العام.
ويكون
العكس إذا كان الاختصاص لا يتعلق بالنظام العام ، إذ لا يكون للمحكمة أن تثير
مسألة الاختصاص من تلقاء نفسها، حتى ولو
كان واضحا أمامها مخالفة قواعد الاختصاص،
ومن ذلك أن ترفـع دعوى متعلقة بأموال منقولة في موطن المدعي، بدلا من موطن المدعى
عليه ، فعلى المحكمة في مثل هذه الحالة، أن تعتبر نفسها مختصة، وتصدر حكمها في
الموضوع، دون خشية النعي بالخطأ في تطبيق قواعد الاختصاص، بل أن ذلك يعد قائما، إذ
حكمت من تلقاء نفسها بعدم الاختصاص.
ثانيا : مدى جواز الدفع بعدم الاختصاص لأطراف الدعوى
إذا
كان الاختصاص من النظام العام ، وتمت مخالفته من طرف المدعي ، ولم تتفطن المحكمة
لذلك، جاز لباقي أطراف الخصومة ، وهم المدعى عليه والمدخل والمتدخل فيها وكذلك
النيابة العامة إذا كانت طرفا أصليا، أو طرفا منضما في الدعوى الدفع بعدم
الاختصاص.
هذا
ومن مجالات انضمام النيابة العامة كطرف في الدعوى ، أو اعتبارها كطرف أصلي فيها، و
حسب النصين أعلاه ، كل منازعات الأحوال الشخصية ، وكذلك المنازعات المتعلقة بالقصر
، إما لصغر السن ، أو لوجود أي عارض من عوارض الأهلية ، كالسفه والغفلة والجنون ،
وكذلك مختلف المنازعات المتعلقة بالدولة والجماعات المحلية ، والمؤسسات العمومية ،
والمصالح والهيئات والوصايا لصالح الخدمات الاجتماعية ، وكل المنازعات التي تتضمن
دفوعا بعدم الاختصاص النوعي، أو تنازع الاختصاص بين القضاة، ومخاصمة هؤلاء
وإجراءات الطعن بالتزوير، وهي كلها قضايا متعلقة إما بالدولة وموظفيها وإما بحالة
الأشخاص وأهليتهم.
غير
أنه وفيما يتعلق بالاختصاص الإقليمي، فهو ليس من النظام العام، إذ لا يجوز للنيابة
العامـة إثارته، إذا كانت طرفا منضما لا طرفا أصليا، إذ أن الحق في إثارته ، يبقى
حكرا على المدعى عليه وحده ، بصفته صاحب الصفة والمصلحة فيه دون غيره.
ثالثا : مدى جواز الدفع بعدم الاختصاص في أية مرحلة تكون عليها الخصومة
يمكن
الدفع بعدم الاختصاص النوعي قبل إثارة أي دفع في الموضوع، أو دفع بعدم القبول، كما
يمكن إثارته بعد ذلك، بما يعني وأن الاختصاص، متى كان متعلقا بالنظام العام، حق
لأي طرف من أطراف الخصومة، إثارته في أية مرحلة من مراحل الدعوى ، أمام محكمة
الدرجة الأولى، كما يجوز التمسك به ولو لأول مرة أمام محكمة الاستئناف، وحتى أمام
المحكمة العليا.
أما
إذا كان الاختصاص لا يتعلق بالنظام العام، فانه يتعين على صاحب الصفة والمصلحة
فيه، أن يثيره قبل مناقشة الموضوع، أو الدفع بعدم قبول الدعوى، وذلك تطبيقا
للقاعدة العامة في الدفوع الشكلية، والذي يعد الدفع بعدم الاختصاص من بينها، والتي
تقضي بفحص الاختصاص قبل غيره من المسائل الإجرائية الأخرى، لذلك فان قام المدعي
برفع دعواه أمام المحكمة، التي يوجد بدائرة اختصاصها موطنه بشأن الأموال المنقولة،
فعلى المدعى عليه أن يتمسك بعدم اختصاص المحكمة إقليميا، قبل إبدائه لأي دفع بعدم
القبول، أو أي دفع موضوعي، وإذا فاته ذلك سقط حقه في إثارته أثناء نظر النزاع أمام
المحكمة، كما لا يحق له إثارته، لا أمام محكمة الاستئناف ولا أمام المحكمة العليا.
رابعا : حالات عدم جواز اتفاق الخصوم على مخالفة الاختصاص
متى
انصب اتفاق الأطراف، على مخالفة قواعد
الاختصاص المتعلقة بالنظام العام، فهو اتفاق لا يعتد به، ويمكن لأي منهما إثارة
الدفع بعدم الاختصاص ، رغم سبق الاتفاق المبرم بينهما على خلاف ذلك، كما يتعين على
المحكمة، إثارة مسألة الاختصاص من تلقاء نفسها، رغم الاتفاق الصريح من الخصوم ،
والذي لا يعتد به لمخالفته للنظام العام، وتسري هذه الأحكام، على الاتفاقات الضمنية،
والتنازل عن التمسك بالدفع بعدم الاختصاص النوعي الحاصل بين الخصوم، وبالتالي
فالدفـع بعدم القبـول، أو الدفع في الموضوع ، لا يؤدي إلى إسقاط الحق في التمسك
بعدم الاختصاص النوعي، أو إثارته بصورة تلقائية من المحكمة.
ومن
صور هذه الحالة، لجوء بعض المؤسسات العمومية ذات الصبغة التجارية، إلى التمسك في
بعض العقود المبرمة بينها وبين المتعاملين معها، إلى انعقاد الاختصاص للقضاء
الإداري، بدلا من القضــاء العادي، فهو اتفاق لا يعتد به لمخالفته للنظام العام .
أما
إذا كان الاتفاق، بشأن الاختصاص الإقليمي، وهو غير متعلق بالنظام العام، فيصح
الاتفاق على مخالفته، سواء قبل رفع الدعوى أو بعدها ، ويصح أن يكون الاتفاق صريحا
أو ضمنيا، كما يصـح أن يكون التنازل عن التمسك به صريحا أو ضمنيا، كقيام صاحب الحق
فيه، بإبداء دفوعه بعدم القبول أو في الموضوع ، وذلك قبل إثارته للدفع بعدم
الاختصاص الإقليمي.
المطلب الثاني : مدى حجية الحكم الصادر بمخالفة الاختصاص وإمكانية الإحالة بموجبه
يثير
الحكم الصادر بمخالفة قواعد الاختصاص مسألتان، تتعلق الأولى بحجية هذا الحكم
بالنسبة للجهات القضائية الأخرى، فيما تتعلق الثانية بإمكانية الإحالة على الجهة
القضائية المختصة بعد صدور مثل هذا الحكم.
أولا: مدى حجية الحكم الصادر بمخالفة الاختصاص
إذا
كانت الجهة القضائية قد فصلت في موضوع الدعوى، رغم توافر شروط الحكم بعدم الاختصاص
النوعي، أو رغم الدفع من صاحب الصفة والمصلحة بعدم الاختصاص الإقليمي، فالجزاء
الذي يترتب على ذلك بطبيعة الحال هو بطلان الحكم، وهو الأمر الذي يتقرر إما في
دعوى الاستئناف، وإما في دعوى الطعن بالنقض، حسب طبيعة الحكم، فيما إذا كان قابلا
للاستئناف، أو أنه يكون غير قابل لذلك ، بحيث لا يكون للمتضرر منه ، سوى مباشرة حق
الطعن بالنقض فيه، إن كان قد صدر نهائيا، كما هو عليه الحال بالنسبة للحالات
المنصوص عليها بالمادة 33 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
ومع
ذلك فقد يحدث وأن يبلغ الحكم ولا يتم الطعن فيه، سواء بالاستئناف أو النقض خلال
المواعيد القانونية فهل يصبح بذلك هذا الحكم نهائيا ؟.
إن
الجواب يكون بالإيجاب، إذ أن هذا الحكم يعتبر حجة بما فصل فيـه من حقوق، ويصير
واجب الاحترام بالنسبة لجميع المحاكم، كما لو كان حكما سليما صادا عن محكمة مختصة.
ثانيا : مدى إمكانية الإحالة بعد الحكم بعدم الاختصاص
متى
رفعت دعوى قضائية ، أمام محكمة غير مختصة ، وتوافرت فيها شروط الحكم بعدم الاختصاص
فهل يجب على هذه المحكمة ، أن تصدر حكما بعدم اختصاصها ، بما يعني تخليها عن نظر
الدعوى ، ويكون بصفة تلقائية لصاحبها حق رفعها من جديد ، أمام الجهة القضائية
المختصة أم تقوم المحكمة المرفوعة أمامها تلك الدعوى ، بإحالتها على هذه الجهة
القضائية المختصة ؟.
للإجابة
على هذا التساؤل، ذهب جانب من الفقه، إلى أنه وأخذا بمبدأ الاقتصاد في الإجراءات،
مع ما يترتب عن ذلك من إهدار للوقت والمال ، فالمحكمة تكون ملزمة بإحالة الدعوى
على الجهة القضائية المختصة، وهي بذلك لا تقف عند إصدار حكم بعدم الاختصاص النوعي
، لأن ذلك يعني دفع المدعي ، إلى إعادة رفع دعوى من جديد ، أمام الجهة القضائية
المختصة ، مع ما تتطلبه من إجراءات ونفقـات جديدة ، و إهدار لما اتخذ في الدعوى
الأولى من إجراءات ، بالنسبة للسير فيها ، أو بالنسبة لإثبات الحقوق الواردة بها ،
وبذلك فمن الأنسب ، ومن أجل تبسيط الإجراءات والنفقات ، فالمحكمة يجب ألا تتخلى عن
النظر في الدعوى فقط، بل يتعين عليها إحالتها إلى المحكمة المختصة بنظرها.
لكنه
وعلى الرغم من وجاهة هذا الرأي الفقهي، فلا وجود لأي نص في قانون الإجراءات
المدنية القديم، يلزم الجهة القضائية، غير المختصة بنظر الدعوى، بإحالتها على
الجهة القضائية المختصة، لذلك فان العمل مستقر لدى مختلف الجهات القضائية (العادية
والإدارية)، على التصريح بعدم الاختصاص النوعي أو الإقليمي، بما يعني تخليها عن
نظر الدعوى، ومن دون قيامها بإحالتها على الجهة القضائية المختصة للفصل فيها، على
أن يبقى لمن له مصلحة فيها، إعادة قيدها لدى هذه الأخيرة لتتولى الفصل في موضوعها.