ماهية الدعوى وشروط قبولها
تثير
دراسة ماهية الدعوى تعريفها، والتمييز بينها وبين ما يختلط بها من مفاهيم
ومصطلحات.
المطلب الأول : تعريف الدعوى وتمييزها عما يختلط بها من مفاهيم
لعل
اللغة القانونية المستعملة لتعبير الدعوى، من المشرع، ومن رجال القضاء، قد أدى إلى
وجود خلاف حول تعريفها، فتعدد بتعدد معاني لفظ الدعوى، وبذلك فهي تحتاج إلى
تعريفها وتمييزها عما يختلط بها من مفاهيم.
أولا: تعريف الدعـوى
لم
يكن موقف المشرع من تعريف الدعوى، هو نفس موقف الفقه.
أ) على المستوى التشريعي:
يعد
الحق مجردا من أية قيمـة، ما لم تكن لصاحبه وسائل لحمايتـه، لذلك استقـر الأمـر في
المجتمعات المتمدينة، على أن مهمة حماية الحقوق فيها، قد أنيطت بسلطة مستقلة،
يتمتع أفرادها بضمانات تكفل حيادهم، وهي السلطة القضائية، عن طريق ممارسة الدعوى،
وهو أمر يقتضي تعريفها.
لكنه
ومع ذلك فالمشرع سواء من خلال قانون الإجراءات المدنية، أو من خلال قانون
الإجراءات المدنيـة والإداريـة الحديث لم يعن بتعريفها، استجابة للدعوة الفقهية
المنادية بضرورة هذا التعريف، وبتحديد شروط قبولها، اعتقادا من المشرع بأن هذه
المسألة تبقى ذات صبغة فقهية محضة، لذلك خلا القانون الإجرائي من تعريفها، وهو
بذلك يكون قد ترك للفقه الاعتناء بوضع تعريف لها.
ولم
ينفرد المشرع الجزائري في الابتعاد عن تعريف الدعوى، بل أن قوانين المرافعات في كل
من فرنسا ومصر والمغرب والأردن ولبنان بدورها، جاءت خالية من أية إشارة إلى تعريف
الدعوى، وتحديد كافة شروطها، والعناية بمختلف تفصيلاتها.
ولعل
السبب في عدم اعتناء المشرع بتعريف الدعوى، يرجع إلى أن الدعوى القضائية في حد
ذاتها تشغل مركزا وسطا بين القانون المدني وقانون الإجراءات المدنية والإدارية،
ذلك أن تعريف الدعوى وتحديد شروطها، وبيان الأشكال التي تظهر بها، تعتبر في مجملها
من متممات القانون المدني من جهة، ومقدمة لا غنى عنها لدراسة قانون الإجراءات
المدنية والإدارية من جهة أخرى، يضاف إلى ذلك أن تعبير الدعوى، يستعمل في بعض الأحيان
للدلالة عن المطالبة أو عن الخصومة القضائية، بما يؤدي إلى اختلاط مفهومها مع تلك
المفاهيم، وحتى مع الحق في حد ذاته في بعض الأحيان، وهي في مجملها مسائل تفرض
التوقف مع بعض التعاريف الفقهية لها.
ب) على المستوى الفقهي:
إذا
كان القانون قد منح للفرد سلطة اللجوء إلى القضاء، للحصول على الحماية القانونية
لحقوقه، فانه يكون قد منحه الحق في الدعوى، ومع ذلك فثمة عدة تعاريف فقهية لها،
فمجلة الأحكام العدلية عرفتها في المادة 1613 منها بأنها:(طلب أحد حقه بحضور
الحاكم ويقال للطالب المدعي وللمطلوب المدعى عليه)، وهو التعريف الذي أخذت به
محكمة التمييز الأردنية، في قرار لها يحمل رقم 196/82 ، حيث أشارت فيه إلى أن:(
المقصود بالدعوى الوارد في المادة 115 من قانون العمل الباحث عن ميعاد التقادم
لرفع الدعوى، هي الدعوى بتعريفها القانوني وهو طلب أحدد حقه من آخر في حضور الحاكم
المنصب من قبل السلطان لفصل المخاصمة بين الناس كما هو صريح في المادتين 1613
و1785 من المجلة)
وذهب جانب من الفقه إلى تعريف الدعوى
بأنها:(السلطة القانونية الممنوحة لشخص
ما، لحماية حقه بواسطة القضاء، دون غيره من سلطات الدولة)، فيما ذهب البعض إلى تعريفها على أنها:(الحق
المقرر لكل إنسان بمراجعة السلطة القضائية للحصول على حق مجحود أو مغتصب)
وقد
عرف جمهور الفقهاء الدعوى بأنها:(الوسيلة التي خولها القانون صاحب الحق في
الالتجاء إلى القضاء لتقرير حقه أو حمايته)، وبهذا المعنى فالدعوى تتميز عن غيرها
من الحقوق والمطالبات القضائية.
ثانيا: تمييز الدعوى عما يختلط بها من مفاهيم
تتميز
الدعوى عن الحق الذي تحميه، وعن المطالبة
القضائية، التي تباشر الدعوى بواسطتها غالبا، وعن الخصومة التي تنشأ عن مباشرتها
في هذه الحالة ، وعن مجرد حق اللجوء إلى القضاء.
أ) التمييز بين الدعوى والحق
1) في الفقه التقليدي:
اعتبر
الفقه التقليدي، بأن الدعوى هي ذات الحق الذي تحميه، وكل ما في الأمر أن الحق وقت
إقامة الدعوى، يكون في حالة حركة، بحيث نجد الحق الموضوعي،كما هو الشأن بالنسبة
للملكية، أو جبر الضرر الناجم عن
المسؤولية العقدية، أو التقصيرية، أو حق الدائنية هادئا، وبمجرد الاعتداء عليه
يتحرك فيأخذ صورة الدعوى، بغرض الحصول على القرار بالحق أو بسط الحماية القانونية
الواجبة لحمايته.
2) في الفقه الحديث:
يرى
الفقه الحديث بانه وعلى الرغم من أن الارتباط وثيق، بين الحق ودعوى حمايته، فان
ذلك لا يعني وحدتهما، نتيجة الاختلاف في سبب وموضوع كل منهما:
**بالنسبة للسبب:
يلاحظ بأن سبب الحق، هو الواقعة القانونية
المنشئة له،كالعقد، أو الإرادة المنفردة، أو العمل غير المشروع، أو الإثراء بلا
سبب، وغير ذلك من الوقائع القانونية، فيما أن سبب الدعوى، هو الاعتداء على الحق،
أو هو النزاع القائم بين الخصوم بشأنه.
**بالنسبة للموضوع:
يكمن
موضوع الحق ، فهو المنفعـة التي يخولها القانون لصاحب الحق، فيما أن موضـوع الدعوى
هو الحصول على قرار من المحكمة بما يدعيه ممارسها، أو بما يدحض هذا الإدعاء، بما
يعني وأن ذلك الارتباط بينهما ومع قيامه، فانه لا يعني بحال أنه لا يمكن وجودهما
إلا معا، طالما أنه يمكننا تصور وجود الحق دون وجود الدعوى، شأن الحق الناقص، الذي
لا تقابله من جانب المدين سوى التزامات طبيعية، وفي ذات الوقت فانه يمكننا تصور
وجود الدعوى دون وجود الحق، مثلما هو عليه الحال في دعوى الحيازة ، التي لا يشكل
المركز الذي تحميه حقا.
ب) التمييز بين الحق والمطالبة القضائية
لا
يمكن لمختلف الجهات القضائية، أن تباشر وظيفة حماية الحقوق والحريات من تلقاء
نفسها، بل أنها تتولى هذه الوظيفة، بناء على الطلب الذي يتقدم به صاحب الحق أمامها، والذي يفتح بموجبه خصومة مع خصمه، فيما يعرف بالمطالبة القضائية.
1) تمييز الدعوى عن الطلب القضائي:
لذلك
فالطلب القضائي، وان كان بدوره يعد وسيلة لاستعمال الحق في الدعوى، فهو بهذا
المعنى قد يختلط بها، لاسيما وأن ثمة جانب من الفقه، قد اعتبر بأن الدعوى هي نفسها
الطلب القضائي.
والظاهر
أن الواقع يفيد غير ذلك، لأن الدعوى توجد قبل الطلب القضائي، كما أنها قد تظل
قائمة رغم زوال هذا الطلب، أي عند زوال الخصومة دون الحكم في موضوعها، إذ يكون
لصاحب الحق في إقامتها استعماله مرة أخري وبطلب جديد، فضلا عن كون وجود الطلب
القضائي، يبقى مرهونا بثبوت حق مقدمه في إقامة الدعوى، بما يعني وأن وجود الطلب
القضائي، قد ينتهي معه الأمر، إلى أن مقدمه لا يملك الحق في إقامة الدعوى.
وإذا
كان الطلب القضائي، هو الأداة الوحيدة لإقامة الدعوى، فله مجالات أخرى قد يوجد
فيها دون وجود دعوى، كالطلب الولائي والعريضة والدفع، ما دامت العريضة وسيلة
لاستعمال الدعوى بدون خصومة، والدفع وسيلة لاستعمال الدعوى بواسطة المدعى عليه.
2) تمييز الدعوى عن حق اللجوء الى القضاء:
هذا
وتجب الإشارة إلى أن حق اللجوء إلى القضاء، يشكل إحدى الحقوق المدنية، التي كفلتها
مختلف دساتير الدولة للأفراد، فيكون لأي فرد ممارسته، حتى عند انعدام شروط الدعوى
لديه، طالما أن قيام هذه الشروط من عدمها، لا يمكن فحصها والتحقق منها، إلا بعد
إقامته للدعوى أمام القضاء، ومن هنا نلاحظ بأن الدعوى لا تؤدي نفس المعنى، الذي يؤديه حق اللجوء إلى القضاء،
بل يبدو وأنهما مختلفان تمام الاختلاف، ومع ذلك فان تبين بعد رفع الدعوى، بأن من
أقامها هو صاحب الحق في ذلك، كانت الدعوى
وحق اللجوء إلى القضاء شيئا واحدا، بما يعني وأن كل استعمال للدعوى، ما هو
في الواقع إلا عبارة عن مباشرة حق اللجوء إلى القضاء ، وفي المقابل فليس كل لجوء
إلى القضاء ، هو استعمال للدعوى.
ج) التمييز بين الدعوى والخصومة القضائية
يتم
مباشرة الدعوى عن طريق الطلب القضائي، لأنه يؤدي
في العادة إلى إنشاء علاقة قانونية بين الخصوم وبعضهم البعض ، وبينهم وبين
القاضي، وهي العلاقة التي تبقى مستمرة الى حين صدور حكم بإنهائها، وهذه العلاقة هي
التي نسيمها الخصومة القضائية، لذلك فهي عبارة عن الوسط الإجرائي، الذي تعيش فيه الدعوى، التي تم استعمالها بواسطة الطلـب
القضائي، إلى غاية إنهائها بحكم .
والظاهر
من خلال ذلك، أن الدعوى ليست هي الخصومة، لأن هذه الأخيرة تقوم بمجرد اتخاذ الإجراءات الشكلية، التي نص عليها القانون،
ويأتي الطلب القضائي في مقدمتها، وتظل نتيجة ذلك هذه الخصومة متتابعة، حتى ولو كانت شروط قبول
الدعوى غير متوافرة كما أن زوال الخصومة لا يؤدي إلى انقضاء الحق في إقامة الدعوى
من جديد، طالما أنه يمكن لصاحبه استعمال الدعوى من جديد بغرض حمايته، وذلك عن طريق
إنشاء خصومة جديدة.
هذا
ويجب التذكير إلى أن الخصومة الأصلية، قد تؤدي إلى نشوء خصومات فرعية، شأن الطلب
العارض، والطلب الرامي إلى الطعن الفرعي بالتزوير، ومجموع هذه الخصومات الفرعية،
مع الخصومة الأصلية، هي ما نصطلح على تسميته بالقضية، وبذلك فهذه الأخيرة لا تختلط
بالدعوى، شأنها في ذلك شأن الخصومة القضائية.
المطلب الثاني : شروط قبول الدعوى
على
الرغم من أن الدعوى، ما هي إلا عبارة عن وسيلة لحماية الحق، فان ذلك لا يعني بأن
كل
من يستخدمها بالفعل هو صاحب حق، لأن التأكد من ذلك، لا يتم إلا بعد نظرها، وهذه
مسألة من شأنها إثارة بعض التساؤل، حول ما إذا كانت كل دعوى قضائية، تستحق النظر
فيها ؟.
للإجابة
على هذا التساؤل، تجب الإشارة إلى أن التشريعات الإجرائية، عادة ما تضع شروطا
معينة، يجب توافرها في الدعوى، حتى تكون صالحة لنظرها، وهي الشروط المتعلقة بقبول
الدعوى أي قبول نظرها، بصرف النظر عما إذا كانت تستند إلى حق أم لا، طالما أن
المحكمة قد تصرح بقبول الدعوى، وعند النظر في موضوعها، يتضح لها وأن رافعها، لم
يكن صاحب حق فيها والعكس صحيح، فقد يكون هذا الحق قائما، ولكن شروط قبول نظر
الدعوى غير مستوفية، فلا تنظر المحكمة في موضوعها.
ويبدو
أن لتلك الشروط مبررات، تمكن في كونها تكشف ابتداء ، عما إذا كان للمدعي حقا ظاهرا
أم لا، وهي مسألة تمكن من تفادي إرهاق القضاء ، بدعاوى ليس لرافعيها أية حقوق،
وبذلك فان هذا النوع من الدعاوى، وفضلا عن كونها تشكل تعسفا في استعمال حق اللجوء
إلى القضاء ، فإنها مضيعة للوقت، لذلك أوجب المشرع توافر تلك الشروط لقبولها،
لاسيما شرط الصفة، والمصلحة، والأهلية، وانعدام الصلح، والتحكيم، وسبق الفصل، وهي
شروط عامة، إلى جانب بعض الشروط الخاصة ببعض الدعاوى، كالمدة في دعوى الحيازة،
والتظلم المسبق في بعض الدعاوى الإدارية، أو دعاوى الضمان الاجتماعي، أو الدعاوى
العمالية، وشهر العرائض الافتتاحية بالنسبة لبعض الدعاوى العقارية، وغيرها من
الشروط المستوجبة لرفع العديد من الدعاوى.
الفقرة الاولى : الشروط العامة لقبول الدعوى:
ثمة
ستة شروط عامة أوجبها القانون لقبول الدعوى، ثلاثة منها نصت المادة 13 من قانون
الإجراءات المدنية والإدارية، المقابلة للمادة 459 من قانون الإجراءات المدنية على
ضرورة توافرها، وهي على هذا الأساس عدت ايجابيـة، وثلاثـة منها أوجبت نصوص أخرى–
نأتي على ذكرها لاحقا- عدم توافرها، وهي لذلك اعتبرت سلبية.
أولا: الشروط العامة الايجابية لقبول الدعوى:
باستقراء
نص المادة 13 من قانون الإجراءات المدنية
والإدارية، المقابلة للمادة 459 من قانون الإجراءات المدنية القديم، نستخلص بأن
الشروط العامة الايجابية الواجب توافرها تحت طائلة عدم قبول الدعوى، هي: المصلحة
والصفة والأهلية.
أ) شرط المصلحة:
يقصد
بالمصلحة تلك الفائدة العملية، التي يرغب صاحب الحق في الدعوى الحصول عليها من
خلال ممارسته لهذا الحق، وهو شرط يتطلبه القانون في كل دعوى ، أكانت مرفوعة أمام
محكمة أول درجة أو محكمة استئناف ، وحتى أمام المحكمة العليا، كما يتطلبها أيضا في
كل طلب عارض ، أو طلب ولائي ، أو دفع من الدفوع ، بحيث أن القضاء ، لا يجب أن
ينشغل بادعاءات لا مصلحة من ورائها، وهذه المصلحة، قد تتصف بأوصاف ثلاثة هي:
1) وصف المصلحة القانونية:
يفهم
من عبارة:(وله مصلحة قائمة أو محتملة يقرها القانون) الواردة بنص المادة 13 من
قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وأن المصلحة التي يحميها القانون تنحصر في
المصلحة القانونية، بما يعني وأن المصلحة العملية، لا تخضع لهذا الشرط ، ومنها
مثلا أن الدعوى التي ترفعها المخطوبة ضد خطيبها، لمطالبته بالزواج منها ، للعلاقة
الوثيقة التي نشأت بين الطرفين وهي علاقة
لا توجد قاعدة قانونية، تحمي مثل هذه المصلحة الأدبية الناشئة عنها، لأن الخطبة
وحسب نص المادتين 05 و06 من قانون الأسرة ، لا تعدو أن تكون مجرد وعد بالزواج وأن
الآثار القانونية المترتبة عن عدول أي طرف عنها، تبقى متوقفة على حق المطالبة
بالتعويض، مع رد أو فقدان الهدايا المقدمة ليس إلا، بما يعني وأن المصلحة التي
يحميها القانون في مثل هذه الحال، هي التعويض أو رد الهدايا المقدمة ما لم تستهلك،
دون أن يمتد ذلك إلى حق المطالبة بإبرام العقد النهائي.
وخلافا
لهذا الوعد بالزواج، الذي لا وجود فيه لأية مصلحة يحميها القانون، فالمشرع قد يرتب
عن الوعد بإبرام عقد معين وجود تلك المصلحة، حيث المادة 72 من القانون المدني
مثلا، قد منحت الحق للموعود له في مطالبة الواعد بإبرام العقد النهائي، متى تم
تعيين جميع المسائل الجوهرية للعقد، وكان الوعد مستوفيا شكل إتمامه إن كان القانون
يتطلب ذلك، وبحسبه فالمصلحة التي يحميها القانون في مثل هذا الوعد، تتمثل في إبرام
العقد النهائي المستوفي للشروط المستوجبة قانونا لإبرامه.
2) وصف المصلحة القائمة والحالة :
يفهم
من عبارة:(وله مصلحة قائمة) الواردة بنص المادة 13 من قانون الإجراءات المدنية
والإدارية، وأن المصلحة التي يحميها القانون هنا هي المصلحة القائمة أو الحالة:
**المصلحة القائمة:
تعد المصلحة قائمة عند المساس بالحق فعلا، وهو
ما يتحقق إما عن طريق إنكار الحق، وإما عن طريق التشكيك فيه.
**المصلحة الحالة:
تعد
المصلحة حالة، عندما يكون المساس بالحق ، قد أحدث نتائجه الضارة، وعلى هذا الأساس
فان لم يحدث الاعتداء على الحق، فذلك يعني بأن القاعدة القانونية المقررة لحمايته
لم يتم خرقها، ولا حاجة إلى حماية ذلك الحق، بما يعني وأن المصلحة لم تصر حالة.
**وقت البحث عن قيام وحلول المصلحة:
يتم
فيه البحث عن المصلحة القائمة والحالة، في الوقت المحدد لنظر الدعوى، فقد تكون هذه
المصلحة
عند رفعها غير موجودة، لكنها وعند نظرها تكون قد وجدت، كما هو الحال بالنسبة
للدعوى المتعلقة بدين مؤجل، الذي لم يكن أجله قد حل عند رفعها، بل أن أجله يعتبر
قد حان عند نظرها، لسقوط حق المدين في الأجل مثلا لشهر إفلاسه، إعمالا لنص المادة
211 من القانون المدني.
3) وصف المصلحة المحتملة:
على
الرغم من أن القاعدة العامة في هذا المجال، تقضي بأن تكون المصلحة قائمة، فالمشرع
من خلال عبارة: (وله مصلحة قائمة أو محتملة) الواردة بنص المادة 13 من قانون
الإجراءات المدنية والإدارية، قد أقر حماية المصلحة المحتملة، لذلك فالدعوى يمكن
أن تكون مقبولة لحماية هذه المصلحة المحتملة، والدعوى التي تكون فيها هذه المصلحة
يمكن وصفها بالدعوى الوقائية، ومن أهم تطبيقاتها الدعوى المستعجلة، التي ترمي إلى
اتخاذ تدبير وقتي، من شأنه تلافي الأضرار المحتمل وقوعها مستقبلا،حفاظا على حقوق
الأطراف، ومع ذلك فلهذه الدعوى الاحتمالية صورتان هما:
** الصورة الاولى: دعاوى الاحتياط:
تتعدد
هذه الدعاوى بتعدد موضوعها ، ومع ذلك يمكننا إجمالها في ست دعاوى:
1) الدعاوى الوقتية:
وهي
الدعاوى الرامية إلى مواجهة الخطر الممكن وقوعه، من جراء التأخر الحاصل، نتيجة
تباطؤ إجراءات التقاضي العادية، فيما يتم اللجوء إلى رفعها للمطالبة باتخاذ تدبير
وقتي، من شأنه المحافظة على أصل الحق، وهي في الواقع استعجاليه، ومن صورها الدعـوى
الرامية إلى تعيين حارس قضائي ، وهي دعوى لا تهدر حقا ولا تؤكده.
2) الدعاوى التقريرية :
لا
تؤدي هذه الدعاوى بدروها إلى نشوء حق، بل أنها ترفع لتقريره، ومن صورها دعوى بطلان
العقد، بحيث أن المصلحة فيها، ليست مستمدة من الاعتداء على الحق ، بل ترمي إلى
اتقاء الاعتداء في المستقبل على المركز القانوني المستمد من الحق، وبذلك فالمصلحة
فيها تعد محتملة.
3) دعوى الإلزام المستقبلية :
تتعلق
هذه الدعاوى بكل دعوى قضائية، ترمي إلى إلزام المدعى عليه، بالأداء الفـوري للدين
غير الحال الأداء، بالنسبة للعقود المستمرة ، بمناسبة المطالبة بالحقوق الحالة،
متى ثبت تقصير المدين في الوفاء بالحقوق الحالة، كالمطالبة ببدل إيجار لم يحل أجله
بمناسبة المطالبة ببدل الإيجار، الذي حل أجله وتقاعس المستأجر في الوفاء به
بتاريخه.
4) دعوى قطع النزاع :
من
أهم صور هذه الدعوى، تلك المرفوعة من وارث، ضد شخص يحتمل أن يكون هو الآخر وارثا،
وهي دعوى ترمي إلى إلزام هذا الأخير بإثبات صفته كوارث، وبالتالي فهي تستهدف
مطالبة من يدعي بحق الإرث إثباته، وإلا تم الحكم بعدم أحقيته في رفع دعوى مستقبلا
بشأنه، متى عجز عن إثبات تلك الصفة،كالدعوى التي يرفعها الابن ضد الحفيد للمطالبة
بعدم تنزيله منزلة أبيه، إما لكون الجد قد أوصى له أو أعطاه في حياته بلا عوض
مقدار ما يستحق بهذه الوصية مثلا، إعمالا لنص المادة 171 من قانون الأسرة، وهي
دعوى ترمي إلى قطع أي نزاع من الحفيد مستقبلا، بشأن تنزيله منزلة أبيه ومطالبته
بحصة أبيه في تركة جده.
5) دعوى وقف الأعمال الجديدة :
تعد
هذه الدعوى إحدى دعاوى الاحتياط، وهي دعوى
حيازة، كتلك المتعلقة بوقف الأشغال التي تم الشروع فيها، على الرغم من أن تلك
الأشغال، فيما لو اكتملت هي التي تبرر وجود الاعتداء، وبذلك فالمصلحة فيها لا تعد
لا حالة ولا قائمة، بل أنها لم تولد بعد، ومع ذلك فالقانون أجاز رفعها.
6) الدعوى الاستفهامية :
تتعلق
هذه الدعوى ، بتلك التي يطالب من خلالها رافعها المدعى عليه ، بتحديد موقفه من حق
الخيار، الذي أجاز المشرع له ممارسته خلال فترة معنية، كالقاصر الذي له حق إبطال
العقود التي أبرمها من قبل متى بلغ سن الرشد ، وهي دعوى يريد من خلالها المتعاقد
مع القاصر، استقرار مركز ه القانوني بعد بلوغ هذا الأخير سن الرشد.
**الصورة الثانية: دعاوى الأدلة :
يندرج
هذا النوع من الدعاوى، ضمن الإجراءات التي يلجأ إليها أحد طرفي الدعوى للحصول على
دليل لإثبات حقه، أو التخلص منه في دعوى أصلية، وبذلك فهي عبارة عن دعاوى فرعية،
وأن المصلحة فيها تعد قائمة لا محتملة، لوقوع الاعتداء على الحق باستعمال السند
المطعون فيه بموجبها في الدعوى الأصلية المقامة، ومن أشهر صورها، دعوى مضاهاة
الخطوط، ودعوى تزوير العقود العرفية، ودعوى تزوير العقود الرسمية، اللتان يمكن
إقامتهما بموجب دعوى تزوير فرعية، أما إذا تمت إقامتهما بموجب دعوى تزوير أصلية،
فالمصلحة فيهما تكون محتملة لأن الاعتداء على الحق لم يقع بعد، بما يعني وأن إقامة
بعض دعاوى الأدلة، يمكن اللجوء إليه حتى عند انعدام دعوى أصلية أمام قاضي الموضوع،
وفي جميع الأحوال فلهذه الدعاوى عدة صور.
1) دعوى مضاهاة الخطوط :
تنصب هذه الدعوى على السندات العرفية دون السندات
الرسمية، في ضوء مقتضيات المواد 76و77و78 من قانون الإجراءات المدنية، المقابلة
للمواد 164 إلى 174 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وذلك في الوقت الذي
تكون فيه هذه السندات، مثبتة لحق في جانب المدعي أو المدعى عليه، فيجرى اختصامه
بواسطتها، لإثبات صحة نسبها لهذا الطرف أو ذاك أمام المحكمة لدحض إنكاره، وعلى هذا
الأساس فهي دعوى تهدف إلى إثبات أو نفي صحة الخط أو التوقيع على المحرر
العرفي.
ويصح
تقديم دعوى مضاهاة الخطوط ،كدعوى فرعية أمام القاضي المعروضة عليه الدعوى الأصلية،
ويكون حينها مختصا بنظر هذه الدعوى إعمالا للقاعدة القائلة: بأن قاضي الأصل هو
قاضي الفرع، كما يجوز تقديمها كدعوى أصلية أمام الجهة القضائية المختصة، أي أمام
المحكمة الجزائية.
وبهذا
فدعوى مضاهاة الخطوط تشترك مع دعوى التزوير الأصلية، في كون المصلحة فيها قائمة،
حتى عند انعدام دعوى أصلية، كما تتفق معها
في كونها دعوى وقائية، لأنها ترمي إلى تفادي الضرر المحتمل حصوله مستقبلا،
وتختلف عنها في كون الغاية منها ، لا ترمي إلى هدم دليل ظاهـر بل إلى تدعيم دليل
قائم.
2) دعوى التزوير:
قد
يعلم شخص بوجود مستند رسمي مزور، في يد
شخص آخر، يخشى معه اعتماده عليه مستقبلا، في إقامة دعوى للمطالبة بما ورد
في مضمون هذا المستند ، أو احتجاجه به ، لذلك قد يبادر إلى الطعن فيه بالتزوير،
بموجب دعوى أصلية، وهذه الدعوى في واقع الأمر، ما هي إلا دعوى جزائية من اختصاص
النيابة العامة مباشرتها، في إطار مقتضيات
المادة 29 وما يليها من قانون الإجراءات الجزائية، بمجرد علمها بذلك، أي حتى
انعدام طعن من طرف المتضرر من ذلك السند.
وقد
يتم الطعن في السند بموجب دعوى فرعية، تهدف إلى إثبات تزييف أو تغيير سند سبق
تحريره أو إضافة معلومات مزورة إليه، وقد تهدف دعوى التزوير إلى إثبات الطابع
المصطنع لهذا السند، وذلك إعمالا لنص المادة 179 من قانون الإجراءات المدنية
والإدارية.
وسواء
تم الطعن بالتزوير في السند الرسمي بدعوى أصلية أو دعوى فرعية، فان إثارته يجب أن
يتم بموجب مذكرة تودع أمام القاضي المعروضة أمامه الدعوى الأصلية، وهي المذكرة
التي يجب أن تبين بدقة الأوجه المستند إليها من طرف الطاعن الفرعي لإثبات التزوير،
تحت طائلة عدم قبول الادعاء الفرعي بالتزوير، كما يتعين تبليغ مذكرة الطعن الفرعي
بالتزوير إلى الخصم، الذي يحدد له القاضي أجلا للرد على هذا الطلب.
وتأسيسا
على ذلك، فدعوى التزوير بهذا الوصف، إنما هي دعوى ترمي إلى هدم الدليل على وجود
الحق، وذلك بصورة مستقلة عن الدعوى التي يتعلق بها هذا الحق، بما يعني وأنها تندرج
ضمن الدعاوى الوقائية، لكون المصلحة فيها هي مصلحة محتملة.
ب) شـرط الصفة
قد
يحدث اعتداء على حق ما ، فينشأ الحق بالتبعية ، في إقامة دعوى للمطالبة بحمايته
ومع ذلك يبقى السؤال حول الشخص الذي يسمح له القانون بإقامة هذه الدعوى ؟
مما
لاشك فيه، فالذي له السلطة القانونية لاستعمال حق الدعوى ، هو صاحب الحق المعتـدى
عليه، باعتباره الوحيد الذي يمكن أن تعود
عليه المنفعة من الفصل في الدعوى ، أي أنه هو وحده الذي يحتاج إلى القضاء لحماية
حقه ، وعلى هذا الأساس فالمضرور، أو صاحب الحق ، أو صاحب المصلحة الشخصية ، وهو الذي درج القانون على التعبير عنه بشرط الصفة، وهذه إما تكون أصلية ، أو
استثنائية ، أو تمثيلية.
1)الصفة الأصلية :
متى
منح القانون ، سلطة استعمال الحق، في إقامة دعوى لشخص بنفسه ، نتيجة توافر مصلحته
الشخصية المباشرة ، فصفته في هذه الحالة ، يعبر عنها بالصفة الأصلية ، وترتيبا على
ذلك ، فالصفة في إقامة دعوى المديونية ، تكون في
الأصل للدائن ، وفي دعوى المطالبة ببطلان عقد تكون لأطرافه، وفي دعوى
التعويض عن الفعل الضار تتقرر للمضرور، وذلك بصرف النظر عن كون الدعوى، تكون قد
رفعت من صاحب الصفة نفسه ، أو من وكيله الإتفاقي باسم موكله ولحسابه ، متى تصرف في
حدود الوكالة الممنوحة له.
2) الصفة الاستثنائية :
هناك
حالات يسمح فيها القانون للمدعي برفع الدعوى، على الرغم من عدم توافر المصلحة
الشخصية المباشرة لديه، بل أن هذه قد تعود لغيره، ومن تطبيقاتها دعاوى النيابة
العامة، والتي تعد مخولة قانونا بسلطة رفع الدعاوى المتعلقة بالنظام العام ، وكذلك
الحال بالنسبة لبطلان انعقاد الجمعيات والمظاهرات العمومية، ودعاوى النقابات
المهنية المرفوعة للمطالبة بحق نقابي لأحد أعضائها ، وهو ذات الحكم
الذي تخضع له الدعوى غير المباشرة ، والتي يستعمل الدائن من خلالها حق
مدينه ، في رفع دعوى للمطالبة بحق من حقوق هذا المدين ولحسابه، حسب مقتضيات المادة
189 وما يليها من القانون المدني .
لكنه
ومع ذلك فهذه الصفة الاستثنائية، لا يمكنها أن تؤدي إلى حرمان صاحب المصلحة
الأصلية الشخصية والمباشرة ، من سلطة استعمال حقه في رفع الدعوى ، ومتى قام بذلك،
لم يبق لصاحب الصفة الاستثنائية، سوى استعمالها بصفة تبعية، أي عن طريق التدخل
الإنضمامي.
3) الصفة التمثيلية :
قد
لا يستطيع صاحب الصفة الأصلية، ممارسة الحق في الدعوى، أو غيرها من الأعمال
والتصرفات القانونية، بل أنه قد يكون لشخص آخر، لا يتمتع بذلك الحق، سلطة مباشرة
الدعوى بوصفه ممثلا لصاحب الصفة الأصلية، وهو نتيجة ذلك يسمى بالممثل القانوني.
إن
سلطة التمثيل هذه أمام القضاء، تتوفر لكل من الولي والوصي، نيابة عن القاصر أو عن المحجور عليه،
والممثل القانوني نيابة عن الشخص الاعتباري ، وهي بذلك تختلف عن الصفة الأصلية والاستثنائية ، لأن الممثل القانوني
يطالب بحق لغيره لا لنفسه ، بما يعني وأنه عبارة عن صاحب صفة إجرائية لا غير.
لذلك
فتخلف شرط الصفة في الدعوى ، يترتب عنه عدم قبولها ، ونظامها هذا يختلف عن نظام
الدفوع الإجرائية، كما أن زوال الصفة الأصلية خلال سير الدعوى، يؤدي إلى عدم قبول
الدعوى ، فيما أن زوال الصفة الإجرائية، يؤدي فقط إلى مجرد انقطاع للخصومة ليس
إلا.
ج) شــرط الأهلية
لم
يعط القانون لصاحب الحق سلطة اللجوء إلى القضاء، للمطالبة بحماية حقه الذي تم
إنكاره أو التشكيك فيه، إلا إذا كان يتمتع بأهلية التقاضي، بما يعني وأن فاقدي
الأهلية وناقصيها لا يمكنهم استعمال تلك السلطة، ومع ذلك يجب أن نشير إلى أن مسألة
الأهلية هذه، لا تعد في الواقع شرطا لقبول الدعوى، بقدر ما هي شرط لصحة الخصومة،
لأن الدعوى المرفوعة من طرف صغير السن ، أو من المجنون ، أو من السفيه ، أو من ذي
الغفلة ، أو الغائب أو المفقود ، بوساطة الولي أو الوصي أو المقدم تكون مقبولة ،
وسنعود إلى معالجة هذه المسألة بمناسبة الحديث عن الخصومة .
ثانيا: الشروط العامة السلبية لقبول الدعوى :
ثمة
شروط عامة أخرى، يجب عدم توافرها لقبول الدعوى، وعلى العكس من ذلك فان توافرها
يؤدي إلى عدم قبولها، وعلى هذا الأساس فهي شروط سلبية، بالمقارنة مع شروط الصفة
والمصلحة والأهلية باعتبارها شروطا إيجابية، وتنحصر هذه الشروط العامة السلبية، في
انعدام سبق الفصل في الدعوى ، انعدام الصلح ، وعدم الاتفاق على التحكيم.
أ) شرط انعدام سبق الفصل في الدعوى :
الحكم
القطعي هو الحكم الفاصل في أصل النزاع، أو في مسألة متفرعة عنه، وهو ما يعني بأنه
لا يجوز للمحكمة التي فصلت في نزاع أن تنظر فيه مرة أخرى، كما لا يجوز كذلك أيضا
للمحاكم الأخرى أن تنظر فيه، وذلك تطبيقا لمبدأ حجية الأمر المقضي فيه، وهذه المسألة
هي ما يصطلح على تسميتها بسبق الفصل في
الدعوى.
ويشترط
في الحكم حتى تكون له هذه الحجية، أن يكون قطعيا ونهائيا، ومتعلقا بحقوق لها نفس
المحل ونفس السبب ، وقائم بين الخصوم أنفسهم حسب مقتضيات المادة 338 من:ق.م.
هذا
ويلاحظ بأن حجية الأمر المقضي فيه، ما هي إلا عبارة عن قرينة قانونية قاطعة،
مؤداها أن الحقيقة القضائية، هي أمر مطابق للحقيقة الواقعة، لذلك نجد بأن المشرع
قد رتب عليها آثارا قانونية، متمثلة في كون الأحكام الصادرة عن مختلف الجهات
القضائية ، تشكل حجة بما فصلت فيه من حقــوق، وهي قرينة يجوز نقضها بأي دليل عكسي.
لذلك
فقوة الحجية هنا، لا تعد من النظام العام، إذ لا يكون للمحكمة أن تقضي بها من
تلقاء نفسها، ومع ذلك فثمة جانب من الفقه يرى
بأن حجية الأمر المقضي فيه ، لا تعد قرينة قانونية لأنها تنطوي على معنى
الدليل ، بل على قاعدة موضوعية، قصد المشرع بها، وضع حد للمنازعات التي تكون أية
جهة قضائية قد تولت الفصل فيها، وبالنتيجة
فلا يجوز رفع دعوى جديدة بشأنها .
غير
أن هذا الرأي، وبصرف النظر عن قيام وجاهته من عدمها ، فانه يبقى بحثا نظريا صرفا، على اعتبار وأن المشرع وما دام
يملك سلطة وضع القواعد الموضوعية، ومختلف القواعد القانونية المتعلقة بالقرائن
القانونية، أو قواعد الإثبات، فانه قد اعتبر حجية الأمر المقضي فيه مجرد قرينة
قانونية ليس إلا، مما لا يسمح بإعطاء أي وصف لهذه الأحكام غير الوصف الذي أراده
المشرع.
ب) انعدام الاتفاق على التحكيم
على
الرغم من أن الدعوى ، هي عبارة عن سلطة اللجوء إلى القضاء ، من أجل الحصول على
الحماية المقررة لهذا الحق أو ذاك، فالمشرع قد سمح في بعض الحقوق ، باللجوء إلى
التحكيم وفقا لأحكام المادة 442 وما يليها من قانون الإجراءات المدنية، المقابلة
للمادة 975 وما يليها من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
هذا
ويقصد بالتحكيم، عرض النزاع القائم بين الطرفين، على شخص أو أشخاص معنيين، للفصل
فيه بدلا من القضاء ، ويستوي أن يكون الاتفاق على التحكيم ، قد أبرم بين الطرفين
قبل بداية النزاع ، أو أثناءه ، أو بعده ، وهو بذلك من شأنه أن ينهي النزاع ، فلا
يجوز إعادة عرضة على القضاء من جديد ، وإلا كانت الدعوى غير مقبولة، بما يعني وأن
القانون وخلافا لقرارات لجان التأديب، قد أعطى للحل الذي يتوصل إليه المحكم، صورة
الحكم القضائي القطعي، وهي صورة استثنائية، على اعتبار وأن وصف الحكم ، لا يعطي في واقع الأمر ، إلا
للأحكام الصادرة عن الجهات القضائية المختصة.
لذلك
فان تم التوصل إلى اتفاق بين طرفين على
التحكيم ، وأراد أحدهما نقضه واللجوء إلى القضاء للمطالبة بالحماية
القانونية ، كان لخصمه الحق في منع المحكمة من نظر الدعوى، بإثارته لدفع منبثق من
سبق الاتفاق على التحكيم ، وهو دفع يندرج
ضمن الدفوع الأولية بعدم قبول نظر الدعوى ، وفي ذات الوقت فهو دفع ينكر بموجبه المدعى عليه، سلطة خصمه في
اللجوء إلى القضاء العام للمطالبة بالحماية القانونية ، بشأن الحقوق المتنازع
عليها.
وتجب
الإشارة أخيرا إلى أن الدفع بالتحكيم، لا يتعلق بالنظام العام، وبذلك فالجهة
القضائية المعروضة عليها الدعوى، لاحق لها في إثارته من تلقاء نفسها، بل يتعين
عليها أن تستمر في نظر الدعوى، إلا إذا أثاره من له مصلحة فيه، فعليها في هذه
الحالة أن تقتضي به، استجابة للدفع المثار أمامها، متى ثبت لها وجاهته.
ج) انعـدام الصلح
قد
يقترن الحق، الذي يمكن اللجوء إلى القضاء لحمايته بالشك، وبذلك فالاتفاق الذي يقوم
بين طرفي الخصومة والقاضي، بتنازل أحدهما عما يدعيه لفائدة الطرف الآخر، هو
الاتفاق الذي يصطلح على تسميته بالصلح، وهو اتفاق من شأنه ازالة ذلك الشك، بما
يعني وأنه لم يعد ثمة أي نزاع بينهما ، حول ذلك الحق لاستئثار أحدهما به.
وقد
أجاز المشرع للطرفين القيام بإجراء الصلح بينهما،
بمقتضى المواد 990 إلى 993 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وبحسبها
فللخصوم القيام به تلقائيا أو بسعي من القاضي في جميع مراحل الخصومة، على أن تتم محاولة إجرائه في هذه الحالة في
المكان والوقت الذي يراهما القاضي مناسبين.
كما
تم النص على الصلح بموجب المادة 459 وما يليها من القانون المدني ، وهو بحكم المادة 461 من نفس القانون،
لا يجوز في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالنظام العام، إلا ما تعلق بالمسائل المالية ، ويشترط
في طرفيه أن يكونا متمتعين بأهلية التصرف في الحقوق المشمولة بعقد الصلح.
وبحكم
المادة 992 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، يجب أن يثبت الصلح في محضر يوقع
عليه الخصوم والقاضي وأمين الضبط، ويودع بأمانة ضبط الجهة القضائية، شأنه في ذلك
شأن الحكم القضائي، بما يفيد وأنه يتمتع بقوة السند التنفيذي، بحيث يكون لكل ذي
مصلحة استلام نسخته التنفيذية، ومباشرة إجراءات التنفيذ بموجبها، للوفاء بالحقوق
التي تضمنها، وذلك إعمالا لنص المادة 993 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
وفي
ضوء وجوده، فان لجأ أحد أطراف الصلح ، إلى القضاء للمطالبة بالحماية في صورة تقرير
الحق، كان للطرف الآخر، أن يمنع المحكمة من نظر الدعوى، لسبق الصلح القائم بينهما،
بشأن الحقوق التي انصب عليها، وهو دفع يندرج ضمن الدفوع المتعلقة بعدم قبول
الدعوى، التي نضمها المشرع بمقتضى نص المواد 67 إلى 69 من قانون الإجراءات المدنية
والإدارية.
الفقرة الثانية: الشروط الخاصة لقبول بعض الدعاوى
قد
يتطلب القانون إلى جانب تلك الشروط العامة، بعض الشروط الخاصة التي يتعين توافرها
لقبول بعض الدعاوى، ومن ذلك أنه يشترط
خضوع العريضة الافتتاحية لترتيب معين، و إلا كانت الدعوى غير مقبولة، وهي شروط تجد
مجال تطبيقها على وجه الخصوص في العرائض الافتتاحية للدعاوى الجبائية ، والعرائض
الافتتاحية للدعاوى الرامية إلى الطعن في السندات المشهرة بالمحافظة العقارية، وهي
في معظم
الأحيان سندات ناقلة للملكية،
وكذلك شرط المدة في دعاوى الحيازة وبعض الدعاوى الإدارية، لاسيما ما تعلق منها
بدعاوى الإلغاء ودعاوى التفسير ودعاوى مدى المشروعية، وشرط التظلم المسبق في البعض
من هذه الدعاوى الإدارية، أو بعض دعاوى الضمان الاجتماعي، أو بعض دعاوى التعويض عن
حوادث المرور الموجهة ضد الصندوق الخاص بالتعويضات في حالة سقوط الضمان، وغيرها
كثير، لذلك سوف يقتصر حديثنا على البعض منها.
أولا: الشرط الخاص بشهر العرائض الافتتاحية لبعض الدعاوى العقارية:
يتطلب
القانون شروطا أخرى خاصة، يجب توافرها في العريضة الافتتاحية للدعوى، وإلا كانت
غير مقبولة، ومن ذلك أن كل عريضة افتتاحية ، ترمي إلى نقض أو إبطال أو فسخ أو
تعديل للحقوق العينة العقارية القائمة على
عقود تم شهرها، يجب إشهارها لدى المحافظة العقارية، و إلا كانت غير مقبولة ، حسب متطلبات نص المادة 85 من المرسوم رقم 76/63
المؤرخ في 25/03/1976 المتعلق بتأسيس
السجل العقاري، وأحكام المادة 519 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
وتطبيقا
لنص المادة 85 من المرسوم 76/63 ، فالمحكمة العليا في العديد من قراراتها، قد
اعتبرت بأن النص على شهر العريضة الافتتاحية للدعوى، إنما جاء لحماية مصالح خاصة،
وهي بذلك مسألة غير متعلقة بالنظام العام، بما يعني وأن عدم شهر العريضة
الافتتاحية، لا يمكن معه للمحكمة أن تثيره من تلقاء نفسها، بل يتعين عليها القضاء
به، استجابة لدفع يكون قد أثاره أحد أطراف الدعوى، وهو مبدأ قد كرسه على وجه
الخصوص قرارها الصادر في 27/9/2000 تحت رقم 196021.
وقد
لا يستقر الحال على هذا الاجتهاد القضائي، بالنظر لمضمون المادة 519 من قانون
الإجراءات المدنية والإدارية، التي أوجبت مراعاة العريضة الافتتاحية للدعوى
العقارية لهذه الأحكام، الخاصة بشهر دعاوى الفسخ أو الإبطال أو التعديل أو نقض
حقوق قائمة على عقود تم شهرها، بما يفيد وأن هذا النص، قد اعتبر شهر العريضة
الافتتاحية للدعوى، مسألة متعلقة بالنظام العام، يكون للقاضي إثارتها من تلقاء
نفسه.
ثانيا: شرط التظلم المسبق في بعض الدعاوى:
إذا
كان المشرع بمقتضى نص المادة 830 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، المحال
إليها بالمادة 907 من نفس القانون، قد أخضع قبول دعوى الإلغاء أو التفسير أو تقدير
مدى المشروعية، الموجهة ضد القرارات الإدارية الصادرة عن السلطات الإدارية
المركزية، إلى شرط خاص يتعلق بتقديم تظلم مسبق إلى الجهة الإدارية مصدرة القرار
المطعون فيه، فثمة دعاوى أخرى يخضع قبولها لشرط التظلم المسبق، مع أنها تخضع
للقانون الخاص، لا القانون الإداري، أي أن الفصل فيها يكون من اختصاص القضاء
العادي لا القضاء الإداري، ونعني بها بعض الدعاوى الموجهة ضد الضمان الاجتماعي،
وبعض الدعاوى المتعلقة بالتعويض عن حوادث السير.
أ) شرط التظلم المسبق لقبول دعوى التعويض عن حوادث السير عند سقوط الضمان:
نصت
المادة 15 من المرسوم رقم 80/37 المؤرخ في 16/02/1980المتضمن شروط تطبيق المادتين
32 و34 من الأمر رقم 74/15 المؤرخ في 30/01/1974 المشار إليه فيما تقدم،
والمتعلقتين بقواعد سير الصندوق الخاص بالتعويضات والأجهزة الضابطة لتدخله، على
أنه يجب على المصاب أو ذوي حقوقه، المتوفرة فيهم شروط المطالبة بالتعويض لهم من
الصندوق الخاص بالتعويضات، أن يقدموا طلبا بالتعويض، لهذا الأخير قبل اللجوء إلى
القضاء لإقامة أية دعوى قضائية.
وبحسبها
فأي طلب قضائي، يقدم في مواجهة الصندوق
الخاص بالتعويضات، لا يكون مقبولا ما لم يكن مسبوقا بتظلم مسبق ، يوجه إلى هذا
الصندوق لمطالبته بدفع التعويض.
وإذا
سبق وأن صدر حكم قضائي، بتعويض المصاب أو تعويض ذوي الحقوق في الحالات المشار
إليها في المادتين 12 و13 من نفس المرسوم، والذي يمكن إعمالا لهما أن تحل الدولة
أو الولاية أو البلدية أو كل هيئة عمومية في دفع التعويض لأعوانها، الذين كانوا
ضحية الحادث محل هؤلاء الأعوان في حقوقهم في حدود المبلغ المدفوع لهم، أو إذا كانت
المسؤولية الكاملة أو الجزئية عن الحادث مسببة من القيادة في حالة سكر، أو تحت
تأثير الكحول أو المخدرات أو المنومات المحظورة، والتي لا يكون معها للسائق
المطالبة بأي تعويض، وهي الأحكام التي لا تسري على ذوي حقوقه في حالة وفاته، فانه
يجب إرفاق طلب التعويض الذي يوجهه المصاب أو ذوي حقوق إلى الصندوق الخاص
بالتعويضات، بنسخة رسمية من ذلك الحكم، تحت طائلة عدم قبول دعوى التعويض.
ب) شرط التظلم المسبق لقبول بعض دعاوى الضمان الاجتماعي:
إذا
كان نص المادة 06 القانون 83/15، قد نص على وجوب رفع الاعتراضات التي تلحق من حيث
طبيعتها بالمنازعات العامة إلى لجنة الطعن الأولى، القائمة على مستوى هيئة الضمان
الاجتماعي، قبل اللجوء إلى الجهات القضائية المختصة، تحت طائلة عدم قبول هذه
الدعوى، فان هذا التظلم وبحسب المادة 09 من نفس القانون، يرفع من طرف المعني إلى
لجنة الطعن الأولى، المشكلة على مستوى هيئات الضمان الاجتماعي، من ممثلين عن
العمال المؤمن لهم، ومن ممثلين عن أصحاب العمل، والتي يتولى أمانتها أحد أعوان
هيئة الضمان الاجتماعي، وهي لجنة تختص بالفصل في جميع الخلافات الناجمة عن
القرارات المتخذة من طرف هيئات الضمان الاجتماعي.
ثالثا: الشروط الخاصة بالمواعيد القانونية:
بمقتضى
هذا الشرط، أوجب القانون لقبول العديد من الدعاوى، رفعها ضمن مواعيد معينة، بعضها
يخضع للقانون العام وبعضها الآخر يخضع للقانون الخاص.
أ) شرط الميعاد لقبول بعض الدعاوى الخاضعة للقانون المدني:
على
غرار دعاوى الطعن في القرارات الإدارية، هناك عدة دعاوى ومع خضوعها للقانون الخاص،
فقد أوجب القانون لقبولها، وجوب رفعها خلال مواعيد قانونية معينة، تحت طائلة عدم
قبولها، كدعاوى الحيازة مثلا، و يوجب القانون الاستمرار في الدعوى خلال ميعاد
معين، وإلا كانت غير مقبولة، حال إعادة السير في الدعوى بعد الخبرة مثلا، تحت
طائلة سقوط الدعوى، أو سقوط الحكم الصادر قبل الفصل في الموضوع، وأمام كثرتها سوف
نقصر الحديث في هذا المقام، عن دعاوى الغبن والبطلان والضمان والشفعة، وتأجيل
الحديث في دعاوى الحيازة، والاستمرار في الدعوى، لحين الحديث عن دعوى الحيازة
وعوارض الخصومة.
1) شرط الميعاد في دعوى الغبن:
بالرجوع
لنص المادة 90 من القانون المدني، نجدها قد أجازت للقاضي، بناء على طلب المتعاقد
المغبون، أن يبطل العقد أو أن ينقص التزامات هذا المتعاقد، متى تم رفع هذه الدعوى
خلال مهلة سنة، تسري اعتبارا من تاريخ العقد، تحت طائلة عدم قبولها، وبحسبه فان
رفع الدعوى خلال هذا الميعاد، يعد شرطا خاصا لقبوا دعوى الغبن، وبانقضائه يسقط حق
المتعاقد المغبون في إقامتها، وبذلك فإنها لا تقبل.
كما
نصت المادة 359 من نفس القانون، على أن دعوى تكملة الثمن بسبب الغبن، تسقط
بالتقادم إذا انقضت ثلاث سنوات من يوم انعقاد البيع، وبالنسبة لعديمي الأهلية، فمن
يوم انقطاع سبب العجز.
وقد
طبقت المحكمة العليا هذا النص في قرارها الصادر بتاريخ 12/05/1999 تحت رقم 188918،
الذي شارت من خلاله، إلى أن دعوى تكملة الثمن بسبب الغبن، تسقط بالتقادم ، إذا
انقضت ثلاث سنوات من يوم انعقاد البيع، وأن القضاء بسقوط دعوى تكملة الثمن بسبب
الغبن التي رفعها الطاعن، اعتمادا على تاريخ رفع الدعوى الثانية المؤرخة في 17/10/1996
هو تأسيس خاطئ، إذ كان ينبغي احتساب بداية مدة التقادم، من تاريخ رفع الدعوى
الأولى المؤرخة في17/10/1995، الذي يعتبر إجراء قضائيا يوقف سريان التقادم المحدد
بثلاث سنوات، ابتداء من تاريخ انعقاد البيع، مما يجعل دعوى تكملة الثمن قد رفعت
ضمن الأجل القانوني، ومتى كان كذلك ، فان قرار المجلس قد خرق أحكام المادة 359 من
القانون المدني يستوجب نقضه.
2) شرط الميعاد في دعوى البطلان :
إذا
كان المشرع قد أجاز بمقتضى المادة 99 من القانون المدني، لأحد المتعاقدين الحق في
المطالبة بإبطال العقد، فانه قد أوجب بموجب المادة 100 من نفس القانون، سقوط الحق
في إبطال العقد، إذا لم يتمسك به صاحبه خلال خمس سنوات، وهي المهلة التي تسري في
حق ناقص الأهلية من اليوم الذي يزول فيه هذا السبب، وفي حالة الإكراه من يوم
انقطاعه، غير أنه ومع ذلك فان التمسك بحق الإبطال لغلط أو تدليس أو إكراه، لا يجوز
إذا انقضت عشر سنوات من وقت تمام العقد.
وقد
طبقت المحكمة العليا هذا النص، في قرارها الصادر بتاريخ 13/11/1996 تحت رقم 136433
، وأشارت من خلاله إلى أن الحق في إبطال العقد، يسقط إذا لم يتمسك به صاحبه خلال
خمس سنوات، ويبدأ سريان هذه المهلة في حالة نقص الأهلية، من اليوم الذي يزول فيه
هذا السبب، ومن تم فقضاة الموضوع لما قضوا بإبطال العقد العرفي المتنازع من أجله،
رغم أن المطعون ضدهم لم يتمسكوا بإبطاله خلال المدة المذكورة، كما أن أصغرهم سنا
عندما بلغ سن الرشد لم يتمسك به هو الآخر، وعليه فان حقهم في طلب إبطال العقد قد
سقط بحكم القانون.
كما
نصت المادة 102 من القانون المدني، على أنه إذا كان العقد باطلا بطلانا مطلقا، جاز
لكل ذي مصلحة أن يتمسك بهذا البطلان، وللمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها، ولا
يزول البطلان بالإجازة، وتسقط دعوى البطلان بمضي15 سنة، من وقت إبرام العقد.
وقد
طبقت المحكمة العليا كذلك أيضا هذا النص،
في قرارها الصادر بتاريخ 20/06/2001 تحت رقم 247506 ، فأشارت من خلاله إلى
أن قضاة الموضوع، لما أسسوا قضاءهم بسقوط دعوى البطلان العقد، على المادة 102 من
القانون المدني، فان ذلك لا يعني أن العقد الباطل قد انقلب إلى عقد صحيح، فهو
مازال عقدا باطلا، لأن دعوى بطلانه سقطت بمضي المدة القانونية.
3) شرط الميعاد في دعوى الضمان:
نصت
المادة 383 من القانون المدني، على أنه تسقط دعوى الضمان بانقضاء سنة من يوم تسليم
المبيع، حتى ولو لم يكتشف المشتري العيب إلا بعد انقضاء هذا الأجل، ما لم يلتزم
البائع بالضمان لمدة أطول، غير أنه لا يجوز للبائع أن يتمسك بسنة التقادم، متى
تبين أنه أخفى العيب غشا منه.
وقد
سمحت الفرصة للمحكمة العليا بتطبيق هذا النص، في قرارها الصادر بتاريخ 02/03/1983
تحت رقم 20921، الذي أشارت من خلاله إلى أنه متى أخضع القانون سقوط دعوى ضمان
العيب في المبيع بالتقادم لانقضاء سنة من يوم تسليم المبيع، لشرط عدم قيام البائع بإخفاء العيب على المشتري
غشا منه، فان القضاء برفض الدعوى على أساس السقوط بالتقادم القصير، يكون قد اخطأ
في تطبيق الفقرة الأخيرة من المادة 383 من القانون المدني، ولما كان الثابت أن
المجلس القضائي، الذي بعد إلغائه الحكم القاضي على البائع بأدائه تعويضا للمشترية،
من جراء وجود مستأجر في العين المبيعة، أبطل الدعوى على أساس أنها لم تقم إلا بعد
مضي أكثر من سنتين، يكون أغفل البند المدرج في العقد المتضمن تصريح البائع بخلو
العمارة من المستأجرين، واخطأ في تطبيق القانون.
4) شرط الميعاد في دعوى الشفعة:
نصت
المادة 802 من القانون المدني، على أنه يجب على طالب الشفعة، أن يرفع دعواه على
البائع والمشتري، أمام المحكمة الواقع في دائرة اختصاصها العقار، خلال مهلة ثلاثين
يوما، تسري ابتداء من تاريخ الإعلان بالرغبة في ممارسة حق الشفعة المنصوص عليه
بالمادة801 من نفس القانون، تحت طائلة سقوط الحق في إقامة دعوى الشفعة.
وبحسب
المادة 799 من نفس القانون، فعلى من يريد الأخذ بالشفعة، أن يعلن رغبته إلى كل من
البائع والمشتري خلال أجل ثلاثين يوما، تسري اعتبارا من تاريخ الإنذار الموجه من
البائع أو المشتري، وإلا سقط حقه في المطالبة بالشفعة، وهو الإعلان الذي أوجب نص
المادة 801 من هذا القانون، بأن يتم بموجب عقد رسمي، يعلن عن طريق كتابة ضبط
المحكمة، تحت طائلة بطلانه.
وقد
تعرضت المحكمة العليا إلى شرط الميعاد لقبول دعوى الشفعة، في قرارها الصادر
بتاريخ26/09/1985 تحت رقم 34707، الذي أشار إلى أن نص المادة 799 من القانون
المدني، قد أوجب على كل من يريد الأخذ بالشفعة، أن يعلن رغبته فيها إلى كل من
البائع والمشتري، في أجل ثلاثين يوما من تاريخ الإنذار الذي يوجهه إليه البائع أو
المشتري وإلا سقط حقه.
ب) شرط الميعاد لقبول بعض دعاوى قانون الاسرة:
نكتفي
بالاشارة هنا الى دعوى اللعان ودعوى الحضانة.
1) شرط الميعاد في دعوى اللعان :
على
الرغم من أن المشرع من خلال نص المادة 40 وما يليها من قانون الأسرة، قد نص على أن
ثبوت النسب، يتم بالزواج الصحيح وبالإقرار وبالبينة وبنكاح الشبهة وبكل زواج تم
فسخه بعد الدخول، فانه لم يورد أية أحكام صريحة، تتعلق بنفيه عند قيام الزواج،
فيما يعرف باللعان، وما إذا كانت ثمة مدة للتمسك به.
وفي
معرض الإجابة على هذا التساؤل، نجد بأن الأمر قد استقر لدى المحكمة العليا، في
قرارها الصادر بتاريخ25/12/2002 تحت رقم 296020، على أن المدة المقررة لرفع دعوى
اللعان هي أسبوع واحد، تسري اعتبارا من يوم رؤية الزنا أو العلم بالحمل.
2) شرط الميعاد في دعوى المطالبة بالحضانة:
نصت
المادة 68 من قانون الأسرة، على أنه إذا لم يطلب من له الحق في الحضانة مدة تزيد
عن سنة بدون عذر سقط حقه فيها، وبذلك يكون هذا النص، قد أوجب رفع دعوى المطالبة
بالحضانة خلال مهلة سنة، تسري اعتبارا من تاريخ ثبوت الحق فيها، ما لم يكن ثمة عذر
مقبول، تحت طائلة عدم قبول الدعوى.
وقد
تمسكت المحكمة العليا، بإعمال هذا النص في قرارها الصادر تحت رقم 58220 بتاريخ
05/02/1990، الذي صرحت من خلاله بأن الحضانة إذا لم يطلبها من له الحق فيها مدة
تزيد عن سنة بدون عذر سقط حقه فيها، ولما كان الثابت في قضية الحال، أن مدة السنة
لم تمض بعد على المطالبة بالحضانة من قبل الأم، وهي لازالت متمسكة بها، فان قضاة
المجلس بحرمانهم الأم من حق الحضانة، وإسنادها للجدة من الأب، يكونوا قد خالفوا
القانون.