المحاضرة الثانية: تقسيم القانون
من إعداد : د. دموش حكيمة
يعتبر
القانون مجموعة من القواعد القانونية، الهدف والغاية من وضعها هو تنظيم سلوك
الأفراد داخل المجتمع أي علاقة الأفراد فيما بينهم حسب ما تطرقنا إليه سابقا، هنا
نكون أمام مجموعة مختلفة من القواعد القانونية تم تقسيمها حسب العلاقة التي تنظمها
(المبحث الأول)، كما قسمت هذه القواعد حسب طريقة مخاطبة الأشخاص بها وقوة الإلزام
فيها (المبحث الثاني). المبحث الأول : تقسيم القانون حسب العلاقة التي ينظمها
يعيش الأشخاص في جماعات سواء كبيرة أو صغيرة،
لهذا إضافة إلى تنظيم القواعد القانونية للعلاقات بين أفراد المجتمع فيما بينهم،
تمتد لتنظم علاقة الأفراد بالدولة، وكذا علاقة هذه الأخيرة مع غيرها من الدول
والمنظمات، بذلك قسم القانون إلى عام وخاص، ولهذا التقسيم معايير وأهمية بالغة(المطلب
الأول) ولكل قسم فروع سواء القانون العام (المطلب الثاني) أو القانون الخاص (المطلب
الثالث)
المطلب الأول : معايير وأهمية التمييز بين القانون العام والخاص
تقسيم
القانون إلى عام وخاص ليس بالأمر السهل، نظرا لكثرة القواعد وتشعبها وكثرة
العلاقات التي تنظمها، فالبحث عن معيار جامع ومانع، أمر ضروري
من أجل الاعتماد عليه للتمييز بينهما (الفرع الأول)، وتبرز لنا أهمية بالغة عن هذا
التمييز (الفرع الثاني).
الفرع الأول : معايير التمييز بين القانون إلى عام وخاص
اختلف
الفقهاء حول تقسيم القانون إلى عام وخاص،
بذلك ظهرت عدة نظريات تعتمد على معايير مختلفة فاقت 17 معيار سنتطرق إلى أهم هذه
المعايير.
أولا- معيار الأشخاص أطراف العلاقة القانونية:
أ- مضمون المعيار: حسب هذا المعيار فالتفرقة بين القانون العام
والخاص يكون على أساس الأشخاص الذي يكونون أطرافا في العلاقة القانونية، فإذا كانت
بين أشخاص طبيعية نكون أمام القانون الخاص، أما إذا كانت الدولة طرف فيها فإننا
نكون أمام القانون العام.
ب- نقد هذا المعيار: هو معيار سهل لكن يعاب عليه كون الدولة عند
قيامها بتصرفاتها ونشاطها لا تتدخل بصفة واحدة، وإنما يمكن أن تكون في بعض الأحيان
حاملة للسيادة وفي أحيان أخرى بدونها، وهذا ما تم تداركه في معيار صفة الأشخاص.
ثانيا- معيار طبيعة قواعد القانونية:
أ- مضمون المعيار : ارتكز أنصار هذا المعيار على فكرة سهلة للتميز
بين القانون العام والخاص، فالقانون العام قواعده كلها آمرة أما القانون الخاص فكل
قواعده مكملة.
ب- نقد هذا المعيار: هو معيار بسيط سهل لكن غير صحيح، حيث وقع
أنصار هذا المعيار في خطأ، فإن كانت حقيقة قواعد القانون العام كلها آمرة فإن القانون
الخاص ليست كل قواعد مكملة، وإنما هي مزيج من القواعد الآمرة والمكملة.
ثالثا- معيار طبيعة المصلحة المراد تحقيقها:
أ- مضمون المعيار: حسب أنصار هذا المعيار فالقانون العام يهدف
إلى تحقيق المصلحة العامة أما القانون الخاص فيهدف إلى تحقيق المصلحة الخاصة.
ب- نقد هذا المعيار: في الحقيقة لا يوجد فاصل بين المصلحة العامة
والمصلحة الخاصة حيث أن كل القواعد القانونية تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة بما
فيها قواعد القانون الخاص التي هي أساس تحقيق المصلحة الخاصة للأفراد، فلا يمكن
لقاعدة قانونية أن تسعى إلى تحقيق مصلحة خاصة إذا كانت تتعارض مع المصلحة العامة
للجماعة.
رابعا- معيار صفة الأشخاص أطراف العلاقة القانونية:
أ- مضمون المعيار: يعتبر هذا المعيار تصحيح للمعيار الأو ل، وه و
من بين أهم المعايير المقترحة من طرف الفقه، فهذا المعيار لا يعتمد على الأشخاص أطراف
العلاقة القانونية وإنما على الصفة التي يتدخل بها هذا الشخص حسب حالتين :
الحالة الأولى : نكون أمام القانون العام عندما تكون العلاقة بين الدولة أو أحد
فروعها وأشخاص أخرى عندما تكون هذه الدولة حاملة للسيادة، أي لها امتيازات السلطة
العامة.
الحالة الثانية : نكون أمام القانون الخاص، - إذا تدخلت الدولة أو أحد فروعها كشخص
طبيعي أي ليس لها امتيازات ، – أو إذا كانت العلاقة بين أشخاص طبيعية.
نستنتج
إذن، أن العبرة في تقسيم القانون إلى عام
وخاص تكمن في الصفة التي تتدخل بها الدولة أو أحد فروعها فإذا كانت هناك
امتيازات نكون أمام القانون العام، أما عدا ذلك نكون أمام القانون الخاص.
ب- تعريف القانون العام والخاص بالارتكاز على هذا المعيار: يمكن تقديم تعريف للقانون العام
والخاص حسب هذا المعيار الأخير :
القانون العام هو "مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقات بين الدولة
أو أحد فروعها وأشخاص أخرى عندما تكون حاملة للسيادة أي تتمتع بامتيازات السلطة
العامة و يسمى بـ"قانون الخضوع
والسيطرة."
أما
القانون الخاص فهو "مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم العلاقات
بين الأشخاص الطبيعية أو بين الدولة وأشخاص أخرى لكن لا تكون حاملة للسيادة".
الفرع الثاني : أهمية تقسيم القانون إلى عام وخاص
تبرز
أهمية تقسيم القانون إلى عام وخاص في عدة مجالات خاصة في مجال الامتيازات (أولا)
العقود (ثانيا) الأموال (ثالثا) كذلك الاختصاص القضائي (رابعا).
أولا- أهمية التقسيم في مجال الامتيازات: من أجل تحقيق المصلحة العامة في المجتمع ،منحت للسلطة العامة عدة
امتيازات لم يمنحها القانون للأفراد، لأنهم يعملون فقط لتحقيق مصالحهم الخاصة، من
بين هذه الامتيازات نذكر الخدمة العسكرية، دفع الضرائب، نزع الملكية من أجل
المنفعة العامة...الخ.
ثانيا- أهمية التقسيم في مجال العقود: العقود التي تبرمها الدولة أو أحد
فروعها كصاحبة السيادة هي عقود إدارية تكون في مركز ممتاز وأعلى من الفرد، فلها حق
تعديل أو إلغاء شروط العقد أو فسخه، وهي عقود تخضع للقانون العام، أما في القانون
الخاص فطرفا العقد يكونان متساويان أمام العقد ( العقد شريعة المتعاقدين).
ثالثا- أهمية التقسيم في مجال الأموال : المال العام مخصص للمنفعة العامة فلا يجوز
التصرف فيه ولا الحجز عليه ولا اكتسابه بالتقادم، عكس المال الخاص فيمكن التصرف
فيه، الحجز عليه كما يمكن اكتسابه بالتقادم.
رابعا- أهمية التقسيم بالنسبة للاختصاص القضائي : المنازعات التي تكون فيها الدولة أو
احد فروعها طرفا فيها تكون أمام القضاء الإداري، والقانون الواجب التطبيق هو
القانون العام، أما المنازعات التي تكون بين الأفراد تكون أمام القضاء العادي
والقانون الواجب التطبيق هو القانون الخاص.
المطلب الثاني : فروع القانون العام والقانون الخاص
تطرقنا
في هذا المطلب إلى فروع كل من القانون العام (الفرع الأول) وفروع القانون الخاص (الفرع
الثاني).
الفرع الأول : فروع القانون العام
ينقسم
القانون العام إلى قانون عام خارجي (أولا) وقانون عام داخلي (ثانيا).
أولا- القانون العام الخارجي (القانون الدولي العام ) : هو مجموعة من القواعد القانونية تنظم
العلاقات بين الدولة في وقت السلم أو في وقت الحرب وعلاقتها بالمنظمات الدولية
وعلاقات المنظمات الدولية فيما بينها.
أ- في وقت السلم : يبين من هم أشخاص القانون الدولي، الشروط التي
يجب أن تتوفر في الدولة حتى يعتبر شخص دوليا، ينظم المعاهدات أو الاتفاقيات التي
تبرمها الدول، يحدد حقوق الدول ووجباتها تجاه الدول الأخرى، كما يبين طرق التمثيل
الدبلوماسي، كذا الطرف السلمية لحل النزاعات كالمفاوضات، والتحكيم...الخ.
ب- في وقت الحرب: ينظم إجراءات إعلان الحرب من دولة على دولة،
يحدد الوسائل المشروعة وغير المشروعة لهذه الحرب، طريقة إنهاء الحرب (الهدنة أو
الصلح)، طريقة معاملة الأسرى والجرحى...الخ.
ثانيا- القانون العام الداخلي : هو مجموعة من القواعد القانونية التي
تنظم العلاقات بين الدولة أو أحد فروعها مع أشخاص أخرى حين تكون لها سيادة أو
امتيازات السلطة العامة،
بذلك ينقسم القانون العام الداخلي إلى :
أ- القانون الدستوري : هو مجموعة من القواعد القانونية الملزمة التي
ينظم شكل الدولة وسلطاتها، وهيئاتها العامة والعلاقة فيما بينها، يمثل القانون
الأسمى للدولة، ومن
موضوعاته نذكر:
- شكل
الدولة ونظام الحكم.
- توزيع
السلطات في الدولة (التشريعية، التنفيذية والقضائية)، العلاقة التي تربط بينها
واختصاص كل منها.
- الحقوق
الأساسية للأفراد وحرياتهم العامة (حرية الرأي، حرية العقيدة، حق الانتخاب...الخ)
المنصوص عليها في الدستور الجزائري.
ب- القانون الإداري: هو مجموعة القواعد القانونية المتميزة غير المألوفة
في القانون الخاص، تحكم الإدارة العامة من حيث تنظيمها، نشاطها ومنازعاتها، ومن
موضوعاته :
- تنظيم
الإدارة المركزية الإدارية والإدارة اللامركزية.
- نشاط
الإدارة (الضبط الإداري والمرفق العام).
- أساليب
الإدارة (إصدار القرارات، وإبرام الصفقات العمومية).
- المنازعات الإدارية...الخ.
ت- القانون الجنائي:هو مجموعة القواعد التي تحكم الجرائم، العقوبات
المقررة لها والإجراءات الواجب إتباعها من يوم وقوع الجريمة إلى إصدار الحكم
النهائي، لذلك ينقسم القانون الجنائي إلى قانون العقوبات وقانون الإجراءات
الجزائية.
*قانون العقوبات: ينقسم قانون العقوبات بدوره إلى قسمين عام وآخر خاص، فالقسم العام
يبين القواعد العامة للمسؤولية الجزائية (تعريف الجريمة، أركان الجريمة، الظروف
المشددة والظروف المخففة، العقوبات بصفة عامة).
أما
القسم الخاص فهو يدرس كل جريمة على حدى فيبين لنا الحد الأدنى والحد الأقصى
للعقوبة وكل ما يتعلق بها.
* قانون الإجراءات الجزائية: يتمثل في تلك الإجراءات المتبعة من
يوم وقوع الجريمة إلى غاية إصدار الحكم مثلا : من ينتقل إلى مسرح الجريمة؟، ما هي
المحاضر الواجب تحريرها؟ اختصاصات قاضي التحقيق، حقوق المتهم، كيف تكو ن
المحاكمة...الخ
ث- القانون الجبائي : مجموعة من القواعد التي تنظم مالية
الدولة من حيث تحديد الإرادات أو النفقات، كما يتضمن أيضا كيفية إعداد الميزانية
السنوية، كيفية الرقابة على هذا التنفيذ.
الفرع الثاني : فروع القانون الخاص
أولا- القانون المدني : يعتبر أهم فروع القانون الخاص،
وهو الشريعة العامة للقانون الخاص،
ينظم نوعين من العلاقات الخاصة بالإفراد، الأولى تتعلق بالفرد مع أسرته وتسمى "قانون
الأحوال الشخصية" أما الثانية فهي علاقاته المالية وتسمى "قواعد
الأحوال العينية".
- قواعد
الأحوال الشخصية : تشمل الروابط العائلية كالزواج (أركانه، موانعه ،آثاره،
انحلاله ،آثار الانحلال...الخ)،
الوصاية، الحجر القانوني، الكفالة، التركات، المواريث...الخ.
- قواعد الأحوال العينية : تشمل الروابط
المتعلقة بالأموال وتنقسم إلى:
- الحقوق الشخصية (الالتزامات): يقصد بها الحقوق
المالية المترتبة لصالح شخص يسمى الدائن على شخص آخر يسمى المدين، الحق الأول يسمى
الدائنية أما الحق الثاني يسمى الالتزام.
- الحقوق العينية: هي تلك
العلاقات التي بمقتضاها تنشأ سلطة مباشرة لشخص ما على شيء معين وهذه الحقوق نوعين :
- حقوق عينية أصلية : تتمثل في حق
الملكية، حق الانتفاع وحق الارتفاق.
- حقوق عينية تبعية : تسمى
بالتأمينات العينية تتمثل في حق الرهن الرسمي، حق الرهن الحيازي، حق الامتياز وحق
التخصيص.
ثانيا- القانون التجاري: هو مجموعة من
القواعد القانونية التي تحكم العلاقات التجارية (التجار و الأعمال التجارية) ومن بين أهم موضوعاته نذكر:
- الشروط الواجب توفرها في شخص ما حتى يكون تاجرا،
النتائج المترتبة على هذه الصفة، كضرورة مسك الدفاتر التجارية، ضرورة القيد في
السجل التجاري...الخ
- تنظيم الشركات التجارية بأنواعها المختلفة إنشاؤها،
نشاطاتها وكيفية انقضائها.
- الإفلاس، كما يتضمن القانون التجاري موضوعات أخرى كبراءة
الاختراع، العلامات التجارية.
ثالثا- قانون الإجراءات المدنية و الإدارية
: مجموعة القواعد القانونية التي تنظم السلطة القضائية
وتبين اختصاص المحاكم والإجراءات الواجب إتباعها للوصول الى حماية حق مقرر في
القانون الخاص.
رابعا- قانون العمل: مجموعة من
القواعد القانونية التي تنظم العلاقة بين العمال وأصحاب العمل، ومن موضوعاته:
- تنظيم علاقة العمل.
- وضع حد أقص ى لساعات العمل.
- وضع حد أدنى لأجور العمل.
- تحديد السن القانوني للعمل.
- تنظيم الإجازات العمال.
- حماية العمال من إصابات العمل.
- حمايتهم من التعسف أومن الفصل التعسفي.
- الحق النقابي...الخ.
خامسا- القانون البحري والجوي: بالنسبة
للقانون البحري فهو عبارة عن مجموعة من القواعد القانونية المنظمة للعلاقات
التجارية الناشئة عن الملاحة البحرية (يستمد معظم قواعده من الاتفاقيات الدولية)
ترد هذه القواعد القانونية على السفينة، وتشمل:
- التنظيم القانوني للسفينة سواء من حيث الاسم، التسجيل،
الجنسية والعقود التي ترد عليها مثل : عقد البيع، التجهيز، الرهن، وعقد التأمين،
كما يتناول أيضا الأخطار التي تتعرض لها هذه السفينة أثناء الرحلات البحرية.
أما القانون الجوي فهو يتناول كل المسائل المتعلقة
بالملاحة الجوية الواردة على الطائرة يدخل وهو بدوره أيضا يستمد معظم قواعده من
الاتفاقيات الدولية،
وضمن موضوعاته :
جنسية الطائرة، النظام القانوني لطاقمها، عقد النقل الجوي،
مسؤولية الناقل التأمين الجوي...الخ، ولقد صدر أول قانون يتعلق بالطيران المدني في
الجزائر في سنة 1998.
سادسا- القانون الدولي الخاص : هو مجموعة
القواعد القانونية التي تبين القانون الواجب التطبيق على العلاقات ذات العنصر
الأجنبي ومدى اختصاص المحاكم الوطنية في الفصل في تلك المنازعات ومن موضوعاته :
- الجنسية (قواعد تحدد الجنسية، أنواعها كيفية اكتسابها،
أسباب زوالها...الخ).
- تنازع القوانين أي القانون الواجب التطبيق على العلاقة
ذات العنصر الأجنبي.
- تنازع الاختصاص أي الحالات التي يختص فيها القضاء
الوطني في النظر في المنازعات ذات العنصر الأجنبي.
المبحث الثاني : تقسيم القواعد القانونية من حيث درجة الإلزام
كل القواعد القانونية لها خاصية الإلزام، إلا أن درجته
تختلف من قاعدة إلى أخرى ففي بعض الأحيان يترك المشرع للأفراد حرية تطبيق القاعدة
أو الاتفاق على مخالفتها أين نكون أمام القواعد المكملة، لكن في حالات أخرى لا
يمنح لهم هذا الخيار ونقصد هنا القواعد الآمرة، فما معنى هذه القواعد (المطلب
الأول) وكيف نميز بينها (المطلب الثاني).
المطلب الأول : معنى القواعد الآمرة والقواعد المكملة
تطرقنا فيما سبق إلى خصائص القواعد القانونية، واستنتجنا
أن كلها تشترك في هذه الخصائص، مع ذلك قسمت إلى قواعد آمرة (الفرع الأول) وأخرى
مكملة (الفرع الثاني).
الفرع الأول : تعريف القواعد الآمرة
أولا: القواعد الآمرة :
أ- تعريف القواعد الآمرة: هي تلك
القواعد التي تأمر القيام بأمر أو سلوك أو تنهى عنه، حيث لا يجوز للأفراد الاتفاق
على مخالفتها هنا تكون العلاقة بين الفرد والقاعدة علاقة الخضوع التام أو الكامل.
ب- أثر مخالفة القاعدة الآمرة : لقد سبق وأن
قلنا أن القاعدة الآمرة هي تلك التي لا يجوز الاتفاق على مخالفتها وكل اتفاق على
مخالفتها يقع باطلا وهذا البطلان يكون مطلق ومعنى ذلك لا يمكن تصحيحه ولا إجازته.
ثانيا: القواعد المكملة
أ- تعريف القواعد المكملة: هي تلك
القواعد التي لا يجوز للأفراد الاتفاق على مخالفتها، لأنها تتعلق بمصالحهم الخاصة
حيث ترك المشرع تدبير هذه الأمور لهم حتى ولو كان على نحو مخالف للقاعدة المكملة،
هنا يكون الشخص أمام حالتين:
- إما أن يتفق على مخالفة القاعدة المكملة، معناه هنا
الاتفاق هو الملزم بينهما.
- إما أن لا يتفق على مخالفتها، في هذه الحالة القاعدة
المكملة هي الملزمة.
نستنتج إذن، أن القاعدة المكملة لا تكون ملزمة للطرفين
في حالة اتفاقهما على مخالفتها.
المطلب الثاني : معايير التمييز بين القواعد الآمرة والمكملة
تشترك القواعد القانونية في خاصية الإلزام، لكن تختلف في
درجته، فالقاعدة الآمرة يكون فيها الخضوع
تاما، عكس المكملة التي يجوز للأفراد الاتفاق على مخالفتها فالتمييز إذن
بين هاذين النوعين من القواعد له أهمية كبيرة، هنا انقسم الفقه إلى فريقين الأول
يعتمد على المعيار اللفظي (الفرع الأول) أما الثاني على المعيار المعنوي (الفرع
الثاني).
الفرع الأول : المعيار اللفظي
أولا: مضمون المعيار: هو معيار سهل
فمن أجل التعرف على نوع القاعدة القانونية يكفي النظر إلى العبارات والألفاظ
المستعملة في النص، فهناك عبارات تدل على أن القاعدة آمرة والأخرى مكملة، وهو
معيار جامد لا يحتاج إلى جهد.
ثانيا: أمثلة عن القواعد الآمرة والمكملة
استنادا على المعيار اللفظي
أ-
أمثلة عن القواعد الآمرة:
- نصت المادة 418 فقرة أولى من القانون المدني الجزائري
على ما يلي: « يجب أن يكون عقد الشركة مكتوبا وإلا كان باطلا...».
- نصت المادة 351 من القانون المدني الجزائر ي على ما
يلي: «البيع عقد يلتزم بمقتضاه البائع أن ينقل للمشتري ملكية شيء أو حقا ماليا
آخر في مقابل ثمن نقدي».
- نصت المادة 14 من الدستور الجزائري على ما يلي: «
لا يجوز البتة التنازل أو التخلي عن أي جزء من التراب الوطن ».
- نصت المادة 24 من الدستور الجزائري على ما يلي: «
يعاقب القانون على التعسف في استعمال السلطة».
- أيضا نصت المادة 25 من الدستور الجزائري على ما يلي: «عدم
تحيز الإدارة يضمنه القانون».
- نصت المادة الأولى من قانون العقوبات الجزائري على ما
يلي: « لا جريمة ولا عقوبة أو تدبير أمن بغير القانون».
- نصت المادة 09 من القانون التجاري الجزائري على ما
يلي: « كل شخص طبيعي أو معنوي له صفة تاجر ملزم بمسك دفتر لليومية...».
ب- أمثلة عن القواعد المكملة:
- نصت المادة 388 من القانون المدني الجزائري على ما
يلي: «يكون ثمن المبيع مستحقا في الوقت الذي يقع فيه تسليم المبيع، ما لم يوجد
اتفاق أو عرف يقضي بخلاف ذلك».
- نصت المادة 395 من القانون المدني الجزائري على ما
يلي: « إن نفقات تسليم المبيع تكون على المشتري، ما لم يوجد عرف أو اتفاق يقضي
بخلاف ذلك».
-نصت المادة 394 من القانون المدني الجزائري على ما يلي:
« إذا لم يعين الاتفاق أو العرف مكان أو زمان لتسلم المبيع، وجب على المشتري أن
يتسلمه في المكان الذي يوجد فيه المبيع وقت البيع وأن يتسلمه دون تأخير باستثناء
الوقت الذي تتطلبه عملية التسليم».
نستنتج من كل هذه الأمثلة، أن من بين العبارات والألفاظ
التي يستعملها المشرع للدلالة على القواعد الآمرة هي : يجب، كل، لا يجوز، يلتزم
...الخ، أما تلك التي يستعملها للدلالة على القواعد المكملة هي: إذا لم يبين
الاتفاق، ما لم يوجد عرف أو اتفاق ...الخ.
الفرع الثاني : المعيار المعنوي
هذا المعيار ليس
بمعيار حاسم كالمعيار اللفظي، فهو تقديري، يحدد نوع القاعد القانونية على أساس
موضوعها وحسب هذا المعيار تكون القاعدة آمرة إذا كان موضوعها يتعلق بالنظام العام
والآداب العامة، وتكون مكملة إذا تعلقت
بالمصالح الخاصة للأفراد.
لكن لم تعطي قائمة لما هو داخل أو مخالف للنظام العام
والآداب العامة لهذا يصعب العمل بهذا المعيار.
- النظام العام: يصعب تحديد معنى النظام العام
لأن فكرته غير محددة تختلف من مكان إلى آخر ومن زمان إلى آخر، فهو الأساس السياسي،
الاجتماعي، الاقتصادي والخلقي الذي يسود مجتمعا ما، حيث لا يمكن تصور وجود مجتمع
سليم مستقر دون هذا الأساس
الآداب العامة: هي تلك
القواعد الخلقية الضرورية لحفظ كيان المجتمع وهو القدر من المبادئ التي تنبع من
تقاليد ومعتقدات وأخلاق المجتمع، إذن فالآداب العامة جزء من النظام العام، لذا
فالقواعد التي تتعلق بها هي قواعد آمرة لا يجوز للأفراد الاتفاق على مخالفتها،
وعلى سبيل المثال فقد تمكنت المحاكم ببطلان كل الاتفاقات المخالفة للآداب العامة
خاصة في المسائل المتعلقة بالدعارة، المقامرة.