المحاضرة الثالثة: مصادر القانون
من إعداد : د. دموش حكيمة
المحاضرة الثالثة: مصادر القانون
يقيد القاضي عند فصله في أي نزاع معروض أمامه، بالرجوع
لمصادر القانون بالترتيب المنصوص عليه في أحكام نص المادة الأولى من التقنين
المدني الجزائري التي جاءت على ما يلي: " يسري القانون على جميع المسائل
التي تتناولها نصوصه في لفظها أو في
فحواها.
وإذا لم يوجد نص تشريعي، حكم القاصي بمقتضى
مبادئ الشريعة الإسلامية، فإذا لم يوجد فبمقتضى العرف.
فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعي
وقواعد العدالة ".
تنقسم بذلك
مصادر القانون حسب نص هذه المادة إلى مصادر رسمية أصلية (المبحث الأول) ومصادر
رسمية احتياطية إلى جانب المصادر التفسيرية (المبحث
الثاني).
المبحث الأول: التشريع كمصدر رسمي أصلي للقانون
يستند القاضي للفصل فيما يعرض أمامه من قضايا على
التشريع أولا، باعتباره المصدر الرسمي الأول، بذلك لا ينتقل إلى المصادر الأخرى
إلا في حالة عدم وجود نص قانوني يطبقه، نظرا لتقديم هذا المصدر واعتباره أصليا وجب
تعريفه وتبيان مختلف الخصائص التي تميزه (لمطلب الأول)، ثم بيان مختلف أنواعه (المطلب
الثاني).
المطلب الأول: تعريف التشريع وخصائصه
اختلف الفقهاء في تقديم تعريف جامع ومانع للتشريع (الفرع
الأول) هذا الأخير يتميز بعدة خصائص تميزه عن المصادر الأخرى (الفرع الثاني).
الفرع الأول: تعريف التشريع
بتعدد التعاريف المقدمة للتشريع قد يقصد منه معنيين إما
المعنى العام الواسع، أو المعنى الخاص.
أولا- المعنى العام للتشريع La
législation: يقصد به إما قيام السلطة المختصة في الدولة
بوضع مجموعة من القواعد المكتوبة في حدود اختصاصاتها ووفقا للإجراءات المقررة لذلك،
أو هي مجموعة من القواعد المكتوبة التي تضعها السلطة التشريعية أو التنفيذية في
الدولة.
يستعمل مصطلح التشريع في مفهومه الواسع تارة للدلالة إما
على مصدر القواعد القانونية المكتوبة، وتارة أخرى للدلالة على القواعد المستمدة من
هذا المصدر.
ثانيا- المعنى الخاص للتشريع La
loi: يقصد بها
مجموعة القواعد القانونية التي تضعها السلطة التشريعية في الدولة في حدود الاختصاص
المخول لها دستوريا.
الفرع الثاني: خصائص التشريع
نستنتج من خلال مختلف التعاريف المقدمة للتشريع الخصائص
التي تميزه والتي تتمثل أساسا في:
أولا- التشريع يتضمن قواعد قانونية: هذه القواعد
تكون بالخصائص التي سبق وأن درسناها في المحاضرة الأولى، حيث أنها قواعد تنظم سلوك
وعلاقات الأفراد في المجتمع، قواعد عامة ومجردة وخاصة هي قواعد ملزمة مقترنة
بجزاء.
ثانيا- قواعد مكتوبة: تعتبر قواعد
التشريع قواعد مكتوبة، وتعتبر هذه الخاصية من أهم خصائص التشريع لما لها من مزايا
المتمثلة في :
- الكتابة تقطع كل مجال للشك، لأن القواعد القانونية
ستكون واضحة.
- الكتابة تسمح لنا بتحديد سريان القاعدة القانونية من
حيث الزمان.
- الكتابة تضمن الدقة والوضوح في القواعد بذلك تضمن
الاستقرار والعدالة بين الأفراد.
ثالثا- قواعده القانونية تصدر عن السلطة
المختصة: تحديد السلطة المختصة في وضع التشريع يختلف باختلاف
الدول والدساتير.
المطلب الثاني : أنواع التشريع
هناك تفاوت في درجات التشريع، أعلاها درجة هو التشريع الأساسي
(الفرع الأول) ثم التشريع العادي والعضوي (الفرع الثاني) وأخيرا التشريع (الفرع
الثالث)، ويترتب على هذا التدرج التشريعي أن التشريع الأقل درجة يجب أن لا يعدل أو
يخالف التشريع الأعلى منه درجة.
الفرع الأول : التشريع الأساسي (الدستور)
أولا- تعريف التشريع الأساسي:
هو التشريع الذي يضع أساس الدولة ونظام الحكم وكذا السلطات العامة في الدولة واختصاص كل منها، كما يبين للأفراد الحقوق والحريات والواجبات.ثانيا- طرق وضع الدساتير:
هناك طريقين لوضع الدساتير:
أ-الطرق غير الديمقراطية لوضع الدساتير: يكون عن
طريق
1- المنحة: تكون من صاحب
السلطان في الدولة بمقتضاها يتنازل عن بعض سلطاته لصالح رعاياه، هنا غياب مشاركة
الشعب في الحكم.
2- العقد: فيكون بين الحاكم وممثلي الشعب الذين
يختارهم الملك، هنا أيضا غياب المشاركة الشعبية،
وهذه الطرق هي غير ديمقراطية لأن في كلتا الحالتين لا
توجد مشاركة شعبية في الحكم.
ب- الطرق الديمقراطية لوضع الدساتير:
ويكون هذا إما :
1- إعداد مشروع الدستور من قبل هيئة غير
منتخبة وطرحه على الاستفتاء الشعبي : في هذه
الطريقة رغم تدخل الشعب في إعداد مشروع الدستور إلا أنه لا يملك الرقابة عليه لأنه
لم ينتخب تلك الهيئة.
2- إعداد مشروع الدستور من قبل هيئة منتخبة
دون عرضه على الاستفتاء الشعبي : هي طريقة أكثر
ديمقراطية من الطريقة الأولى إلا أنها ناقصة لأن الشعب ليس له الكلمة الأخيرة
3- إعداد مشروع الدستور من قبل هيئة تأسيسية منتخبة مع عرضه على
الاستفتاء الشعبي : وهي أكثر ديمقراطية تمزج بين الطريقة الأولى و الطريقة الثانية وهي
الطريقة الديمقراطية لأن الشعب يساهم في كل مراحل إعداد مشروع الدستور.
ثالثا- كيفية تعديل الدستور الجامد والمرن:
تعديل الدستور المرن يكون بنفس الكيفية والإجراءات التي يعدل بها التشريع العادي ومن نفس السلطة أي التشريعية، فلا فرق بين قواعد الدستور وقواعد التشريع العادي، أما بالنسبة للدستور الجامد فلا يمكن تعديله إلا بواسطة هيئة مخالفة للهيئة التي لها حق وضع التشريع العادي وبإجراءات مخالفة لوضع هذا الأخير، وقواعد الدستور الجامد أعلى من التشريع العادي لذلك لا يمكن للتشريع العادي أن يخالف أو يعدل أحكام الدستور.الفرع الثاني: التشريع العادي والعضوي
أولا- معنى التشريع العادي والعضوي:
هي مجموعة القواعد القانونية التي تضعها السلطة المختصة المتمثلة في السلطة التشريعية في حدود اختصاصها المبين في الدستور ولقد حدد المشرع الجزائري في المادة 140 من الدستور الجزائري المجالات التي يشرع فيها البرلمان بتشريعات عادية والتي تتمثل في 29 مجال، كما حددت المادة 141 منه المجالات التي يشرع فيها البرلمان بتشريعات عضوية.
ويختلف
التشريع العادي عن التشريع العضوي في عدة نقاط نذكر منها :
- التشريع
العضوي عبارة عن إجراء تشريعي لتكملة قواعد الدستور وإدخالها حيز التنفيذ.
- يخضع
وضع التشريع العضوي لنفس المراحل التي يخضع لها التشريع العادي، إلا أن للتشريع
العضوي مرحلة أخيرة لا يخضع لها التشريع العادي وهي مرحلة رقابة مطابقة النص مع
الدستور من طرف المجلس الدستوري، وهذا ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة 141
من الدستور الجزائري التي نصت على ما يلي: « يخضع القانون العضوي لمراقبة
مطابقة النص مع الدستور من طرف المجلس الدستوري قبل صدوره».
- المجالات
التي يشرع فيها البرلمان بتشريعات عادية، أوسع من تلك التي يشرع فيها بتشريعات
عضوية.
ثانيا- السلطة المختصة في وضع التشريع العادي والعضوي
أ- الأصل : السلطة المختصة أصلا في وضع التشريع العادي والعضوي هي السلطة
التشريعية المتمثلة في البرلمان، وحسب المادة 112 من الدستور، فالسلطة التشريعية
يمارسها البرلمان المتكون من غرفتين وهما المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة.
ينتخب
أعضاء المجلس الشعبي الوطني يتم عن طريق الاقتراع العام المباشر والسري أما أعضاء
مجلس الأمة ثلثي 2\3 من أعضاءه يتم انتخابهم عن طريق الاقتراع غير المباشر والسري
بمقعدين عن كل ولاية من بين أعضاء المجالس الشعبية البلدية والولاية
والثلث الباقي يعين من طرف رئيس الجمهورية من بين الشخصيات والكفاءات الوطنية.
ب- الاستثناء: حلول السلطة التنفيذية محل السلطة التشريعية في وضع التشريع العادي
والعضوي وذلك في بعض الحالات:
1- حالة الضرورة: نصت عليها المادة 142 من الدستور بعد التعديل الدستوري لسنة 2016 حيث يمكن لرئيس الجمهورية أن يشرع
بأوامر في مسائل عاجلة وذلك بتوفر الشروط التالية :
- أن
تكون هناك حالة عاجلة تستدعي تدخل رئيس الجمهورية، وتقدير وجود أو عدم وجود هذه
الحالة تعود لرئيس الجمهورية.
- حدوث
حالة الضرورة أثناء غياب السلطة التشريعية : ويكون هذا إما في حالة شغور المجلس
الشعبي الوطني أو خلال
العطل البرلمانية.
- أن
يعرض رئيس الجمهورية تشريع الضرورة الذي أتخذه على كل غرفة من البرلمان في أو دورة
له لتوافق عليه، وفي حالة عدم الموافقة يعتبر تشريع الضرورة لاغيا.
2- حالة التفويض: هناك بعض التشريعات تستدعي الدقة والسرعة في صياغتها مثل التشريعات
المتعلقة بالضرائب حيث تستدعي المصلحة الوطنية كتمان مضمونها قبل الإعلان عنها
لمنع التهرب منها، لهذا تحل السلطة التنفيذية محل السلطة التشريعية في وضعها،
فتشريع التفويض هو ذلك التشريع الذي يسنه رئيس الجمهورية لمواجهة ظروف معينة بناء
على تفويض من السلطة التشريعية.
ويختلف
تشريع التفويض عن تشريع الضرورة في بعض النقاط نذكر منها:
- يصدر
رئيس الجمهورية تشريع التفويض والسلطة التشريعية موجودة، أما في تشريع الضرورة
فالسلطة التشريعية تكون غائبة حسب الحالات المذكورة سابقا.
- تقدير
حالة التفويض تعود للسلطة التشريعية، أما في تشريع الضرورة فهذه السلطة تعود لرئيس
الجمهورية.
3- الحالة الاستثنائية : نصت المادة 142 فقرة أخيرة من الدستور
بعد التعديل الدستوري لسنة 2016 على ما يلي: « يمكن لرئيس الجمهورية أن يشرع
بأوامر في الحالة الاستثنائية المذكورة في المادة 107 من الدستور. تتخذ الأوامر في
مجلس الوزراء».
بالرجوع لنص المادة 107 والتي تقابلها المادة 93
من الدستور 1996 قبل التعديل الأخير، نجد أن الحالة الاستثنائية هي وجود خطر داهم
يوشك أن يصيب المؤسسات الدستورية أو الاستقلال أو سلامة التراب الوطني وسلطة تقدير
وجود هذه الحالة تعود لرئيس الجمهورية.
ولقد حددت هذه المادة شروط تقرير هذه الحالة مثل
وجوب استشارة رئيس الجمهورية لبعض الجهات ووجوب اجتماع البرلمان.
4- الحالة الاستعجالية : حسب المادة 138 الفقرتين الأخيرتين من
الدستور بعد تعديل 2016، فالبرلمان يصادق على قانون المالية
في مدة أقصاها 75 يوم من تاريخ إيداعه، وفي حالة عدم المصادقة عليه يتدخل رئيس
الجمهورية ليصدره بموجب أمر.
ثالثا- مراحل وضع التشريع العادي و العضوي
1- مرحلة المبادرة بالتشريع: حسب المادة 136 من الدستور بعد التعديل
الدستوري (التي تقابلها المادة 119 من دستور 1996 قبل التعديل)، فيحق لكل من
الوزير الأول، النواب، وأعضاء مجلس الأمة اقتراح أو المبادرة بالقوانين، بشرط أن
تكون تلك المقترحة من النواب مقدمة من 20 نائبا عضوا من مجلس الأمة
على الأقل وهذه الأخيرة تقترح في المجالات المنصوص عليها في المادة 137 المتعلقة
بالتنظيم المحلي وتهيئة الإقليم والتقسيم الإقليمي.
نشير هنا إلى أن المبادرة بالتشريع تسمى مشروع
تشريع إذا قدمت من طرف الوزير الأول، أما إذا كانت من النواب أو أعضاء مجلس الأمة
فتسمى باقتراح تشريع، ثم تعرض مشاريع القوانين على الوزراء بعد أخذ رأي مجلس الدولة
ويودعها الوزير الأول حسب الحالة، مكتب المجلس الشعبي الوطني أو مكتب مجلس
الأمة.
7- مرحلة الفحص: بعد الاقتراح تأتي مرحلة فحص محتوى المشروع أمام لجنة مختصة تابعة
للمجلس الشعبي الوطني، وتقدم هذه اللجنة تقرير عما إذا كان هذا المشروع صالحا.
3- مرحلة المناقشة: حسب المادة 138 من الدستور بعد التعديل
الدستوري لسنة 2016 فيجب أن يكون كل مشروع أو اقتراح موضوع المناقشة من طرف المجلس
الشعبي الوطني ومجلس الأمة على التوالي حتى تتم المصادقة عليه.
أضاف
المشرع في نفس المادة حالة تتمثل في حالة وجود خلاف بين الغرفتين، هنا يتدخل
الوزير الأول ويطلب اجتماع لجنة متساوية الأعضاء من كلتا الغرفتين في مدة 15 يوم،
دور هذه اللجنة تتمثل في اقتراح نصوص متعلقة بأحكام محل الخلاف ولها مدة 15 يوم
لإنهاء مهامها، ثم يعرض النص على الغرفتين للمصادقة عليه.
وفي
حالة استمرار الخلاف يمكن للحكومة أن تطلب من المجلس الشعبي الوطني الفصل نهائيا،
هنا المجلس الشعبي الوطني إما أن يأخذ بالنص الذي أعدته اللجنة المتساوية الأعضاء
أو بالنص الأخير الذي صادق هو عليه، وكل إجراء مخالف لذلك يؤدي إلى سحب النص.
4- مرحلة إمكانية اعتراض رئيس الجمهورية : حسب المادة 145 من الدستور بعد التعديل
الدستوري لسنة 2016
التي تنص على ما يلي: « يمكن لرئيس الجمهورية
إجراء مداولة ثانية في قانون ثم التصويت عليه في غضون الثلاثين 30 يوما الموالية
لتاريخ إقراره.
وفي هذه الحالة لا يتم إقرار القانون إلا
بأغلبية ثلث 2/3 أعضاء المجلس الشعبي الوطني وأعضاء مجلس الأمة».
نستنتج
من نص المادة أنه يحق لرئيس الجمهورية الاعتراض خلال المدة المحددة في المادة أعلاه،
لكن بالرغم من هذه الإمكانية فيمكن إقراره من طرف أعضاء المجلس الشعبي الوطني
وأعضاء مجلس الأمة لكن بشرط أن يكون بأغلبية 2/3 أعضاءه.
5-مرحلة نفاذ
التشريع:
إذا تم إقرار القوانين من طرف البرلمان ولم يعترض رئيس الجمهورية أو اعترض وتدخل
المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة وصوت ب 2/3 ثلثي أعضاءه، تحقق الوجود القانوني
لهذه النصوص لكن بالرغم من هذا لا يصبح نافذا إلا بعد نشره أو إصداره.
5-1- إصدار
التشريع: ويقصد
به وضع التشريع موضع التنفيذ بتكليف السلطة التنفيذية بتنفيذه، فيعد هذا الإصدار
شهادة ميلاد لهذا التشريع، وسلطة إصدار التشريع تثبت لرئيس الجمهورية الذي يصدره
بمرسوم يسمى مرسوم الإصدار وهذا خلال 30 يوم ابتداء من تاريخ تسلمه إياه حسب
المادة 144 من الدستور بعد التعديل الدستوري لسنة 2016.
5-2- -نشر التشريع: تنفيذ التشريع مرهون بإعلام الناس به ويجب أيضا
تحديد زمن العمل بهذا النص، ووسيلة النشر تتمثل في الجريدة الرسمية حسب المادة
الرابعة من القانون المدني الجزائري التي حددت أيضا ميعاده.
الفرع الثالث: التشريع الفرعي (اللوائح)
أولا- معنى التشريع الفرعي: التشريع الفرعي أو اللوائح تسمى أيضا
بالتنظيمات، وهي مجموعة النصوص القانونية التي تختص السلطة التنفيذية بوضعها في
الحدود التي خولها إياها الدستور.
ثانيا- السلطة المختصة بوضع هذه التنظيمات: السلطة المختصة بوضع التشريع الفرعي
هم رئيس الجمهورية، الوزير الأول اللذان لهما سلطة تنظيمية عامة، الوزراء الذين
تثبت لهم سلطة تنظيمية محصورة في اختصاص كل منهم يضاف إلى هؤلاء سلطات إدارية أخرى
مثل :الولاة، رؤساء البلديات، رؤساء المصالح التي خولت لها سلطة تنظيمية محدودة
بموجب تفويض تشريعي.
ثالثا- أنواع اللوائح
تنقسم
اللوائح إلى:
أ- اللوائح التنفيذية: هي القواعد التفصيلية التي تضعها السلطة
التنفيذية لتنفيذ التشريع الصادر عن السلطة التشريعية، ويجب أن لا تتضمن هذه
اللوائح أي تعديل وإلغاء لقواعد التشريع.
ب- اللوائح التنظيمية: هي القواعد اللازمة التي تضعها السلطة
التنفيذية تنظيما لمرافقها والمرافق العامة في الدولة كونها هي التي تقوم
بإدارتها، هنا السلطة التنفيذية لا تتقيد بأي تشريع صادر عن السلطة التشريعية بل
تكون مستقلة، لهذا أطلق على هذه اللوائح إسم اللوائح المستقلة.
ت- اللوائح الضبط (البوليس): هي قواعد تضعها السلطة التنفيذية
للمحافظة على الأمن والسكينة العامة، والصحة العامة مثل: اللوائح المنظمة للمرور،
اللوائح المنظمة للمحلات المقلقة للراحة أو المضرة بالصحة، لوائح مراقبة الأغذية
والباعة المتجولين ومنع انتشار الأوبئة...الخ.
المبحث الثاني: المصادر الاحتياطية والتفسيرية للقانون
يعتبر
التشريع ناقصا لأنه من وضع الإنسان، ورغبة في سد هذا النقص تحرص القوانين الوضعية
على إقامة مصادر أخرى تكون إما احتياطية (المطلب الأول) أو تفسيرية (المطلب الثاني).
المطلب الأول: المصادر الرسمية الاحتياطية للقانون
بالرجوع
للفقرة الثانية والثالثة من المادة الأولى من القانون المدني الجزائري التي نصت ما
يلي:" ... حكم القاضي بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية، فإذا لم يوجد
فبمقتضى العرف.
فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة".
نستنتج
من هذه المادة أن المصادر الاحتياطية تتمثل على التوالي أي الترتيب في الشريعة
الإسلامية (لفرع الأول) العرف (الفرع الثاني) وأخيرا القانون الطبيعي وقواعد
العدالة (الفرع الثالث).
الفرع الأول: الشريعة الإسلامية
تتصدر
الشريعة الإسلامية المرتبة الأولى من بين المصادر الاحتياطية الرسمية للقانون،
وهذا حسب نص المادة الأولى من القانون المدني الجزائري، والقاضي ملزم بهذا الترتيب
المذكور سابقا.
أولا – تعريف الشريعة الإسلامية: إن الشريعة الإسلامية هي ما شرع الله
سبحانه وتعالى لعباده من أحكام على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، سواء أكان
بالقرآن أو بسنة رسوله من قول وفعل أو تقرير.
ثانيا- أقسامها: تنقسم أحكام الشريعة الإسلامية إلى ثلاثة أقسام
- علم الكلام: يتعلق بأصول الدين أي العقائد الأساسية للإسلام، كالإيمان بالله
ورسله وكل الموضوعات التي تدخل ضمن علم التوحيد.
- علم الأخلاق: الأحكام التي تتناول تهذيب النفس، وما يجب أن يتحلى به الفرد من
فضائل كالصدق والوفاء.
- علم الفقه: مجموعة الأحكام المتعلقة بما ينشأ بين الأفراد من معاملات.
اتفق
جمهور الفقهاء على أن المصادر الأصلية للفقه الإسلامي هي الكتاب، السنة، الإجماع
والقياس.
ثالثا- نتائج اعتبار الشريعة الإسلامية مصدر احتياطي : من النتائج التي تترتب على اعتبار
الشريعة الإسلامية مصدر رسمي احتياطي أول بعد التشريع مباشرة نذكر:
- لا
يرجع القاضي لأحكام الشريعة إلا إذا لم يجد نص تشريعي يمكن تطبيقه.
- لا
يجوز للقاضي أن يأخذ حكم مخالف للمبادئ العامة الأساسية التي يقوم عليها التشريع.
- على
القاضي البحث عن الحل في كل المذاهب، ولا يقتصر فقط على مذهب واحد.
الفرع الثاني : العرف
يعتبر
العرف أقدم مصادر القانون ظهورا، له دور كبير في تنظيم سلوك وعلاقات الأفراد
بالرجوع لنص المادة الأولى من القانون المدني الجزائري، نجد أن المشرع أعتبر العرف
المصدر الاحتياطي الثاني بعد الشريعة الإسلامية.
أولا- تعريف العرف:
يقصد بالعرف اعتياد الأشخاص على إتباع سلوك معين في مسألة معينة، بحيث يستقر الشعور لدى الجماعة باعتباره سلوكا ملزما مستتبعا بتوقيع الجزاء عند مخالفته، كما عرف أيضا بأنه قاعدة تكونت عفويا عبر مراحل زمنية متعاقبة ناجمة عن التعود على سلوكيات وعادات ارتبطت بها الجماعة وسارت على نهجها.ثانيا-أركان العرف:
نستنتج
أركان العرف من خلال التعريف المقدم له، المتمثلة في :
أ- الركن المادي: تكرار الناس لسلوك معين في مسالة معينة، أو
اعتياد الناس إتباع مجموعة من الأفعال والتصرفات التي تخص أحد أمور حياتهم في
المجتمع، بحيث تنشأ بينهم عادة معينة نتيجة تكرار ذلك الاعتياد وتواتره.
يشترط
في هذا الركن مجموعة من الشروط تتمثل في: القدم، الثبات، العموم والشهرة.
ب- الركن المعنوي: يقصد بالركن المعنوي اعتقاد الناس الذين
يتبعون السلوك المعتاد بأن هذا الأخير ملزم لهم قانونا أي شعورهم بإلزاميته،
وهو عنصر داخلي نفسي.
ثالثا- نتائج تخلف العرف عن التشريع في المرتبة
أ- عدم قدرة العرف إلغاء نص تشريعي : لا يمكن للعرف إلغاء قاعدة قانونية
آمرة كانت أو مكملة، وهذا حسب المادة الثانية الفقرة الثانية من القانون المدني
الجزائري التي نصت على ما يلي: " ولا يجوز إلغاء القانون إلا بقانون لاحق
ينص صراحة على هذا الإلغاء ".
ب- عدم قدرة العرف على مخالفة نص تشريعي آمر متحد معه في الولاية
والاختصاص:
نقصد
هنا في الولاية والاختصاص وجود العرف والقاعدة الآمرة في نفس الفرع، مثلا المدني
أو التجاري، فالعرف المدني لا يمكن له أن يخالف قاعدة آمرة مدنية، كما لا يمكن
للعرف التجاري مخالفة قاعدة آمرة تجارية، هنا يجب تغليب النص الآمر.
ت- جواز مخالفة العرف التجاري نص تشريعي مدني آمر: يعتبر القانون المدني الشريعة العامة
لفروع القانون الخاص، بذلك فنصوصه مكملة لقواعد القانون التجاري، بحيث إذا لم توجد
قاعدة خاصة تحكم مسألة ما تجارية وجب الرجوع إلى قواعد القانون المدني، أما إذا
وجد عرف تجاري فيطبق هذا العرف، ولا داعي للرجوع للقانون المدني عملا بقاعدة "
الخاص يقيد العام" حتى ولو كان العرف مخالف للقاعدة المدنية الآمرة.
ث- جواز مخالفة العرف للنصوص التشريعية المكملة: وضعت القواعد المكملة لتنظيم الأمور
التفصيلية للأشخاص، لهذا منح لهم المشرع إمكانية الاتفاق
على مخالفتها، فالمشرع في كثير من المواد سمح للأشخاص مخالفة القواعد المكملة وعدم
سريانها في حالة وجود عرف مخالف لها.
الفرع الثالث: مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة
أتت
مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة في المرتبة الثالثة بعد الشريعة الإسلامية
والعرف، وهذا حسب المادة الأولى من القانون المدني الجزائري.
أولا- معنى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة: لتعريف القانون الطبيعي وقواعد
العدالة أهمية بالغة، خاصة عند تطبيقها، في هذا الصدد كثيرا ما يجد
القضاة أنفسهم في حيرة عند مطالبتهم بتطبيق هذه المبادئ سواء من حيث محتواها أو من
حيث حجيتها وشرعية الفصل بموجبها..
لهذا قام الفقهاء والفلاسفة بتعريف فكرة القانون
الطبيعي، حيث قالوا بوجود قانون أسمى من القوانين الوضعية يعتبر أساسا لها، ومثلا
يجب على كل مشرع الاهتداء به عند وضع القوانين الوضعية هو القانون الطبيعي الذي
يتكون من قواعد عامة أبدية ثابتة صالحة لكل زمان ومكان، لأنها إنما تصدر عن طبيعة
الأشياء، وأن الإنسان يكشف عنها بعقله، وكلما أدى ذلك إلى سمو القانون الوضعي
وقربه من الكمال والعدالة.
ثانيا- موقف القاضي الجزائري من مبادئ القانون الطبيعي وقواعد
العدالة: إن
القاضي الجزائري وجد نفسه في حيرة من كيفية تطبيق الإحالة الواردة في نص المادة
الأولى من القانون المدني، لأن المشرع من جهة لم يعرف هذه المبادئ والقواعد ولم
يحدد مصدرها هذا ما يوقع القاضي في حيرة التي لن تزول إلا إذا قام بربط هذه المبادئ
بالمثل العليا للمجتمع الجزائري التي يمكن أن تكون في مجتمعات أخرى.
المطلب الثاني: المصادر التفسيرية للقانون
نعني
بالمصادر التفسيرية تلك المراجع التي يستأنس بها القاضي لفهم القواعد القانونية،
وإزالة أي غموض أو لبس، وتتمثل غالبا في الفقه (الفرع الأول) والقضاء (الفرع
الثاني).
الفرع الأول: الفقه
أولا- المقصود بالفقه: يقصد بالفقه مجموعة الأعمال التي أنتجها رجال
القانون على شكل آراء وشرح وتعليقات وبحوث قانونية هذا من جهة، وقد نعني بها فئة
من العلماء اختصوا بدراسة القانون والتعليق عليه.
ثانيا: مكانة الفقه بين مصادر القانون: اختلفت نظرة الشرائع إلى دور الفقه،
فقد كان مصدرا رسميا في بعض الشرائع القديمة مثل اليونان والرومان،
أين كان لفقهائها وفلاسفتها دور كبير في قيامها، نذكر منهم سقراط، أرسطو، أفلاطون،
قايوس، بول وسانت أغستين، وأبرز أعمالهم مدونة جستنيان الشهيرة التي تعتبر حجر
الزاوية في مجموعة القوانين الرومانية التي على أساسها تشكلت النظم القانونية
الحديثة في أوروبا كالنظام القانوني اللاتيني والجرماني وحتى الأنقلوسكسوني، ونفس
الوضع بالنسبة للشريعة الإسلامية حيث تطور دور الفقه
نتيجة لتوسع الدولة الإسلامية هذا ما يفسر ظهور المذاهب المختلفة كالمالكية،
الحنفية والحنبلية، لكن في العصر الحديث أصبح الفقه مصدر تفسيري.
الفرع الثاني: القضاء
يعتبر
أيضا القضاء مصدر تفسيري إلى جانب الفقه فما المقصود به (أولا) وما هي مكانته (ثانيا).
أولا- المقصود بالقضاء: قد يقصد بالقضاء مجموعة المبادئ
القانونية المستخلصة من أحكام المحاكم، ومجموعة الأعمال القضائية الصادرة عن
الجهاز القضائي، كما قد يقصد منه الجهاز الفني المتمثل في مرفق العدالة.
ثانيا- مكانة القضاء
اختلفت
مكانة القضاء باختلاف الأزمان والشرائع مثله مثل الفقه، ففي القانون الروماني
والشريعة الإسلامية اعتبر أحد مصادر الإلزام،
أما في الشرائع الحديثة أصبح في أغلبها مصدر تفسيري، في حين في بعضها الآخر يعتبر
مصدرا رسميا مثل النظام القانوني الأنقلوسكسوني.