المحاضرة الرابعة: نطاق تطبيق القاعدة القانونية
من إعداد : د. دموش حكيمة
المحاضرة الرابعة: نطاق تطبيق القاعدة القانونية
تطرقنا إلى دور القواعد القانونية في تنظيم سلوك الأفراد
داخل المجتمع، مبينين لمختلف الخصائص التي تميزها، كما تطرقنا إلى مختلف المراحل
التي تمر بها هذه القواعد حتى تكون نافذة، إذن بعد تكون القواعد القانونية نكون
أمام تساءل مهم جدا وهو على من؟ أين، ومتى نطبق هذه القواعد.
يقصد بالسؤال الأول، على من تطبق القاعدة القانونية؟
تطبيق القانون من حيث الأشخاص (المبحث الأول) أما أين تطبق؟ فنقصد به تطبيق القانون من حيث المكان (المبحث الثاني)،
أخيرا متى نطبق القاعدة؟ تطبيق القانون من حيث الزمان (المبحث الثالث).
المبحث الأول: نطاق تطبيق القانون من حيث الأشخاص
(مبدأ عدم جواز الاعتذار بجهل القانون)
نتساءل هنا، هل تطبق القواعد القانونية على كل الأشخاص
المخاطبين بأحكامها حتى ولو كان بعضهم يجهلها؟ أم تطبق على من علم بها فقط؟ يحكم
نطاق تطبيق هذه القواعد من حيث الأشخاص مبدأ يدعى "بمبدأ عدم جواز
الاعتذار بجهل القانون"، فما مضمون ونطاق هذا المبدأ (المطلب الأول) وما
هي الاستثناءات الواردة عليه (المطلب الثاني).
المطلب الأول: مضمون مبدأ عدم جواز الاعتذار بجهل القانون ونطاقه
قبول مبرر الادعاء بجهل القانون سيحدث خللا في القواعد
القانونية ويجعل تطبيقها محدودا، خاصة وأنه من الصعب إثبات عنصر العلم، فكل فرد
يصبح بإمكانه الادعاء بجهل القاعدة القانونية، لهذا فمن الضروري تحديد مضمون
المبدأ (الفرع الأول) ونطاقه (الفرع الثاني).
الفرع الأول: مضمون مبدأ عدم جواز الاعتذار بجهل القانون
إذا تكونت قاعدة قانونية أصبحت نافذة فهي تطبق على جميع
الأشخاص المخاطبين بها دون استثناء، سواء علموا بها أو لم يعلموا فلا يعفى أحد من
الخضوع لهذه القاعدة بدعوى أو بحجة أنه كان جاهلا لها،
فالقاعدة القانونية تسري على كل الأشخاص مهما كانت حالتهم، لأن المشرع وضع لكل حالة حكما كعديم
التمييز، ناقص التمييز، وكامل الأهلية كل واحد تطبق عليه القاعدة حسب حالته لكن لا
يخرج من دائرة تطبيق المبدأ.
أساس مبدأ عدم
جواز الاعتذار بجهل القانون هو الحكمة من وجود القانون ذاته وهو فرض سلطان القانون
على كافة المخاطبين به تحقيقا للنظام العام والعدالة في المجتمع فلا يمكن للقانون
والقاعدة القانونية أن توقف عند الظروف الخاصة لكل شخص لأنه سيحدث فوضى، لذلك
لأمكن لهم الهروب والتهرب منها بعذر جهلهم لها كلما كانت لهم مصلحة في ذلك، ولقد
أقرت معظم الدساتير هذا المبدأ منها المشرع الجزائري.
الفرع الثاني: نطاق مبدأ عدم جواز الاعتذار بجهل القانون
أولا- نطاق المبدأ من حيث مصادر القاعدة
القانونية: يسري هذا المبدأ على جميع القواعد القانونية مهما يكن مصدرها.
ثانيا- نطاق المبدأ من حيث طبيعة القواعد
القانونية: أي هل يسري هذا المبدأ على القواعد الآمرة فقط أو المكملة
فقط أو كل منهما؟.
هنا انقسم الفقه إلى فريقين:
يرى الفريق الأول أن هذا المبدأ ينطبق على القواعد
الآمرة فقط لأن القواعد المكملة بإمكان الأشخاص الاتفاق على مخالفتها، بذلك يمكن
لهم الاعتذار بجهلها.
أما الفريق الثاني (وهو الرأي الراجح)، يرى أن هذا
المبدأ ينطبق على كلا من القاعدتين سواء الآمرة أو المكملة، لأن القواعد المكملة
مثلها مثل القواعد الآمرة يتوفر فيها عنصر الإلزام، وإمكانية الاعتذار بجهل
القواعد المكملة في حالة عدم وجود اتفاق على عدم مخالفة هذه القاعدة، القاضي سيجد
نفسه أمام فراغ قانوني، فلا يجد ما يطبق على الطرفين لأنهما من جهة لم يتفقا
مخالفة القاعدة المكملة، ومن جهة أخرى لو أن هذه القاعدة المكملة يمكن جهلها فلا
يجد القاضي ما يطبق على الأشخاص.
إذن فبالرغم من أن القاعدة المكملة يمكن للأفراد اتفاق
على مخالفتها فهذا لا يخرجها من دائرة وجوب العلم بها، فالشخص ملزم بالعلم بكل
القواعد سواء كانت آمرة أو مكملة.
المطلب الثاني : الاستثناءات الواردة على مبدأ عدم جواز الاعتذار بجهل القانون
بالرغم من
التسليم بأن مبدأ عدم جواز الاعتذار بجهل القانون هو مبدأ أساسي من مبادئ القانون
تقتضيه روح العدالة ويفرضه مبدأ المساواة أمام القانون، إلا أنه لا يمكن تطبيقه
بصفة مطلقة دون أن يرد عليه أي استثناء.
ولقد ثار جدل في الفقه بشان حالات الاستثنائية لتطبيق
هذا المبدأ، ولم يقع الإجماع إلا بصدد حالة القوة القاهرة (الفرع الأول)، أما
الاستثناءات الأخرى فقد نصت عليها بعض التشريعات فقط (الفرع الثاني).
الفرع الأول: القوة القاهرة
وجود قوة قاهرة
تحول دون وصول الجريدة الرسمية إلى مناطق معينة من إقليم الدولة يؤدي إلى استبعاد
العمل بهذا المبدأ، أي يمكن للأشخاص الاعتذار بجهل القواعد القانونية، فاستحالة
وصول الجريدة الرسمية إلى تلك المنطقة يعني استحالة العلم بها نذكر
على سبيل المثال هنا: الحرب، الفيضان، الزلزال...الخ.
الفرع الثاني: الاستثناءات الأخرى لمبدأ عدم جواز الاعتذار بجهل القانون
توجد إلى جانب القوة القاهرة استثناءات أخرى غير متفق
عليها، معناه تطبق في تشريعات دول دون الأخرى مثل طلب إبطال العقد لغلط في القانون
(أولا)، جهل تشريع غير جنائي ينفي المسؤولية الجزائية (ثانيا) جهل أجنبي لقانون
العقوبات للدولة التي يذهب إليها خلال فترة معينة(ثالثا).
أولا- طلب إبطال العقد لغلط في القانون
يمكن للشخص الذي وقع في غلط، إمكانية طلب إبطال العقد،
وهذا يعتبر خروج لتطبيق هذا المبدأ حيث نصت المادة 81 من القانون المدني الجزائري على ما يلي: « يجوز للمتعاقد الذي
وقع في غلط جوهري وقت إبرام العقد، أن يطلب إبطاله» وشرحت لنا المادة 82 معنى
الغلط الجوهري حيث نصت على ما يلي: «يكون الغلط جوهريا إذا بلغ حدا من الجسامة
بحيث يمتنع معه المتعاقد عن إبرام العقد لو لم يقع في ذلك
الغلط، ويعتبر الغلط جوهريا على الأخص إذا وقع في صفة للشيء يراها المتعاقدان
جوهرية...».
إذن الغلط وهم يقوم في ذهن الشخص يصور له واقعة على غير
حقيقتها ويدفعه إلى التعاقد، مثلا: أن يهب رجلا لمطلقته مالا وهو يعتقد أنه استردها
لعصمته جاهلا أن الطلاق الرجعي ينقلب إلى طلاق بائن بانتهاء العدة، فلا ترجع
لعصمته إلا بعقد جديد، هنا وحسب المادة 81 من القانون المدني الجزائري السالفة
الذكر يمكن له طلب إبطال العقد أي الهبة نظرا للغلط الذي وقع فيه المتمثل في
اعتقاده آنذاك أن زوجته ما زالت في عصمته وهي في الحقيقة خرجت منها وأصبحت غريبة
عنه.
يري رأي من الفقه أن هذا الاستثناء ليس معناه جواز
الاعتذار بجهل القانون، وإنما المقصود منه تمكين المتعاقدين من تطبيق حكم القاعدة
القانونية تطبيقا سليما.
ثانيا- جهل التشريع غير جنائي ينفي المسؤولية الجنائية
في قانون العقوبات تكون المسؤولية كاملة حتى في حالة جهل
الأشخاص لقانون العقوبات، لكن جهل تشريع آخر غير جنائي مثلا المدني يؤدي إلى
استبعاد القصد الجنائي واستبعاد المسؤولية الجزائية في اعتقاد الشخص أنه يقوم بفعل
مشروع، ولقد نصت بعض التشريعات صراحة على هذا المبدأ.
نذكر أيضا على سبيل المثال فيما يخص هذا الاستثناء، ما
قضى به القضاء الجنائي الفرنسي: "جهل المتهم بقاعدة تشريعية غير جنائية
تؤسس عليها العقوبة يصلح عذرا له فترفع عنه المسؤولية الجنائية".
حيث قضي ببراءة عامل من تهمة السرقة لانتفاء القصد
الجنائي لديه أين استولى هذا العامل على كنز عثر عليه في أرض مملوكة لغيره، جاهلا
قواعد التقنين المدني التي تنص على أنه يستحق فقط النصف، أما النصف الآخر فهو لمالك العقار.
ثالثا- جهل أجنبي لأحكام قانون العقوبات الدولة التي يذهب إليها في فترة معينة:
نصت صراحة بعض التشريعات على هذا المبدأ، مثل التشريع العراقي في المادة 37 الفقرة الثانية من قانون العقوبات التي نصت على ما يلي: «للمحكمة أن تعفو من العقاب الأجنبي الذي يرتكب خلال سبعة أيام على الأكثر تمضي من تاريخ قدومه إلى العراق، إذا ثبت جهله للقانون، وكان قانون محل إقامته لا يعاقب عليها»، كما نصت الفقرة الثانية من المادة 223 من قانون العقوبات العراقي السابق الذكر على ما يلي:
« ... جهل الأجنبي الذي قدم إلى لبنان منذ
ثلاثة أيام على الأكثر بوجود جريمة مخالفة للقوانين الوضعية لا تعاقب عليها شرائع
البلاد التي كان مقيما فيها».
نستنتج من نص المادتين شروط تطبيق هذا المبدأ والمتمثلة
في :
- أن يكون الشخص أجنبيا عن الدولة التي ذهب إليها.
- أن يكون الفعل الذي قام به مباح في دولته التي كان
مقيما فيها.
- أن يقوم بذلك الفعل في المدة المحددة لذلك.
المبحث الثاني : نطاق تطبيق
القاعدة القانونية من حيث المكان
(مبدأ شخصية ومبدأ إقليمية القوانين)
بسبب انتقال الأشخاص من دولة إلى أخرى، و لأسباب
اقتصادية واجتماعية خاصة فإنه يكون على إقليم دولة واحدة مواطنوها ورعايا دول أخرى،
نتساءل هنا هل يطبق القانون في الدولة على إقليمها دون التمييز بين مواطنيها
والأجانب؟ أم أنه يطبق فقط على مواطنيها أينما كانوا سواء داخل الإقليم أو خارجه؟
للإجابة على هذا السؤال يقتضي بنا دراسة مبدأين مهمين
يتمثلان في مبدأ الإقليمية ومبدأ الشخصية سواء من حيث مضمونهما وأساسهما (المطلب
الأول)، وكيفية تطبيقهما في القانون الجزائري (المطلب الثاني).
المطلب الأول: مضمون وأساس مبدأ شخصية ومبدأ إقليمية القوانين
لا يقتصر نشاط الأفراد
في كل زمان ومكان على حدود البلد الذي يعيشون فيه، ولا يمكن الآن تصور خلو
أية دولة من دول العالم من أجانب يعيشون على أراضيها أو يقيمون فيها ولو لمدة
مؤقتة، هذا ما يثير مسألة هامة هي معرفة نوع القواعد التي يجب أن يخضع لها هؤلاء
الأشخاص،
نعني هنا قواعد القانون الوطني الذي يحكم جميع المقيمين على إقليم الدولة من
وطنيين وأجانب (الفرع الأول) أم هناك علاقات معينة يتركها القانون الوطني ليحكمها
قانون الدولة التي ينتمي إليها الأشخاص بجنسياتهم (الفرع الثاني)
الفرع الأول: مضمون وأساس مبدأ إقليمية القوانين
أولا- مضمون مبدأ إقليمية القوانين: معناه سريان
القاعدة القانونية على كل ما يقع داخل إقليم دولة وعلى كل الأشخاص الموجودين فيه و
لا يطبق خارج حدود الدولة.
ثانيا- أساس مبدأ إقليمية القوانين: يستند هذا
لمبدأ على فكرة سيادة الدولة على إقليمها، والإقليم ركن من أركان الدولة.
الفرع الثاني : مضمون وأساس مبدأ شخصية القوانين
أولا- مضمون مبدأ شخصية القوانين: يقصد به
سريان القاعدة القانونية على جميع الأشخاص المنتمين إلى الدولة أي حاملي جنسيتها
مهما كان مكان إقامتهم سواء في إقليمها أو خارجه.
ثانيا- أساس مبدأ شخصية القوانين: يتمثل أساس
هذا لمبدأ في سيادة الدولة على رعاياها أينما وجدوا.
من الناحية العلمية لو طبقنا مبدأ الإقليمية فقط فلا نجد
أي إشكال، فكل دولة تطبق قانونها على إقليمها،
والمشكل هنا أنه لا توجد دولة لا يوجد أجنبي فيها، ولو طبقنا أيضا مبدأ
الشخصية فقط لأدى إلى تعارض مع دولة ما في سيادة إقليمها، فهذا التطبيق سيسمح
للأجانب إمكانية مخالفة القواعد القانونية، لهذا تم الأخذ بالمبدأين معا، لكن مبدأ
الإقليمية يكون هو الأصل ومبدأ الشخصية هو الاستثناء، حيث رجح فقهاء القانون سيادة
الدولة على إقليمها،على سيادة دولة على رعاياها.
المطلب الثاني: تطبيق مبدأ شخصية ومبدأ إقليمية القوانين في القانون الجزائري
بالرجوع للقانون الجزائري نجد أن المشرع الجزائري أخذ
بالرأي الراجح الذي رجح سيادة الدولة إقليمها بذلك فالقانون الجزائري إقليمي
التطبيق أصلا (الفرع الأول) وشخصي التطبيق استثناء (الفرع الثاني).
الفرع الأول: مبدأ الإقليمية هو الأصل في القانون الجزائري
يعتبر مبدأ الإقليمية هو الأصل في القانون الجزائري، حيث
أكدت على ذلك المادة 4 فقرة أولى من القانون المدني الجزائري التي نصت على ما يلي
«تطبق القوانين في تراب الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية ابتداء من يوم نشرها
في الجريدة الرسمية»[.
نستنتج من
المادة أن القانون الجزائري إقليمي التطبيق، وأكد على هذا أيضا المادة 3 الفقرة الأولى من
قانون العقوبات الجزائري التي نصت على ما يلي: « يطبق قانون العقوبات على كافة
الجرائم التي ترتكب في أراض الجمهورية».
الفرع الثاني: الاستثناءات الواردة على مبدأ إقليمية القانون الجزائري
أولا- الاستثناءات الواردة على المبدأ في
مجال الحقوق والواجبات العامة: ترتبط بعض الحقوق والواجبات بجنسية الشخص، أي للتمتع بها تشترط
الجنسية، مثلا يعض الحقوق التي نص عليها الدستور الجزائري مثل: حق الانتخاب
المادة 62 وحق الترشح للانتخابات في المادة 87،
واجب الدفاع عن الوطن المادة 75.
في هذه الحالات نطبق مبدأ الشخصية وهو خروج عن مبدأ
الإقليمية.
ثانيا- الاستثناءات الواردة على المبدأ في
مجال تطبيق قواعد الإسناد:
نظم المشرع الجزائري قواعد الإسناد في المواد من 9 إلى 24
من القانون المدني الجزائري، وهي قواعد تخص العلاقات ذات العنصر الأجنبي أي أحد
طرفي العلاقة أجنبي ولمعرفة القانون الواجب التطبيق نعود إلى هذه النصوص، حيث بعض
الحالات يطبق القاضي القانون الأجنبي وهو خروج عن مبدأ الإقليمية.
ثالثا- الاستثناءات الواردة على المبدأ في
مجال تطبيق قانون العقوبات:
بالرغم من أن قانون العقوبات إقليمي التطبيق أصلا، إلا
أن المادة الأولى الفقرة الثانية منه نصت على ما يلي: « كما يطبق على الجرائم
التي ترتكب في الخارج إذا كانت تدخل في
اختصاص المحاكم الجزائية الجزائرية طبقا لأحكام قانون الإجراءات الجزائية».
يؤدي تطبيق هذا الاستثناء إلى تطبيق قانون العقوبات
تطبيق شخصي تارة وتطبيق عيني تارة أخرى، يمكن أن نميز هنا حالتين:
أ- التطبيق الشخصي لقانون العقوبات: معناه تطبيق
قانون العقوبات على كل من يحمل جنسية الدولة التي ارتكب جريمته خارج إقليمها وهذا
حسب هذه الحالات:
الحالة الأولى: إذا ارتكب
جزائري جريمة في الخارج وعاد إلى الجزائر هربا من العقاب نطبق عليه القانون
الجزائري لكن بالشروط التالية:
- أن يكون الشخص جزائريا.
- أن يرتكب الجريمة في الخارج ويعود إلى الجزائر هربا من
العقاب.
- أن تكون الجريمة لها نفس الوصف في كلتا الدولتين مثلا
كجنحة أو جناية في القانون الفرنسي جنحة أو جناية في القانون الجزائري.
- أن يعود الشخص إلى الجزائر قبل انقضاء الدعوى
بالتقادم،
- أن لا يكون قد حكم عليه في الخارج، أي لا يعاقب على
الجريمة مرتين، ومعنى هذا أنه لم يقضي العقوبة، لم تسقط عليه العقوبة، ولم يحصل
على عفو، ماعدا هذا يطبق عليه مبدأ الشخصية في القانون الجزائري.
الحالة الثانية: الجرائم التي
يرتكبها رؤساء الدول الأجنبية وأعضاء السلك الدبلوماسي في الجزائر، وهذا حسب
القانون الدولي العام الذي منح لهم حماية وحصانة قضائية هذه الأخيرة تجعلهم لا
يخضعون للقانون الوطني بل لقانون دولتهم.
ب- التطبيق العيني لقانون العقوبات
في هذه الحالة لا يطبق العقوبات لا شخصيا ولا إقليميا،
وهذا في حالة الأجنبي الذي يرتكب الجريمة في الخارج تمس بأمن الدولة الجزائرية
وبعملتها، هنا لا نطبق القانون الجزائري تطبيقا عينيا لأن الشخص ارتكب الجريمة في
الخارج، من جهة، ومن جهة أخرى هذا الشخص أجنبي، إذن فهو خروج عن مبدأ الشخصية،
لهذا يسمى بالتطبيق العيني لقانون العقوبات.
المبحث الثالث: نطاق تطبيق القاعدة القانونية من حيث الزمان
تكون القاعدة القانونية سارية المفعول إلى غاية إلغائها (المطلب
الأول) وإذا ألغيت وعوضت بأخرى نكون أمام تنازع التشريعات من حيث الزمان (المطلب
الثاني).
المطلب الأول: إلغاء القاعدة القانونية
نتطرق في هذا المطلب إلى تعريف الإلغاء، وإظهار السلطة
التي لها الحق فيه (الفرع الأول)، ثم مختلف أنواع الإلغاء (الفرع الثاني).
الفرع الأول: تعريف الإلغاء والسلطة المختصة به
أولا- تعريف الإلغاء: الإلغاء هو
تجريد القاعدة القانونية من قوتها الإلزامية بما يمنع العمل بها من تاريخ هذا
الإلغاء، والإلغاء يكون إما بوضع قاعدة جديدة أو بدونه، والإلغاء
يرد على قاعدة تشريعية صحيحة استكملت أركانها.
ثانيا- السلطة المختصة بالإلغاء: يرد الإلغاء
على كل القواعد القانونية، وتقوم بذلك السلطة التي وضعته أو السلطة الأعلى منها،
إذن لا تلغى القاعدة القانونية إلا بقاعدة قانونية مساوية لها أو أعلى منها درجة، بذلك لا يمكن للعرف مثلا إلغاء القاعدة
القانونية مهما يكن نوعها آمرة أو مكملة.
الفرع الثاني: أنواع الإلغاء
تنص المادة
الثانية من القانون المدني الجزائري على ما يلي: «لا يسري القانون إلا على ما
يقع في المستقبل ولا يكون له أثر رجعي.
ولا يجوز إلغاء القانون إلا بقانون لاحق ينص
صراحة هذا الإلغاء.
وقد يكون الإلغاء ضمنيا إذا تضمن القانون
الجديد نصا يتعارض مع نص القانون القديم أو نظم من جديد موضوعا سبق أن قرر قواعده
ذلك القانون القديم».
نستنتج من نص هذه المادة، أن الإلغاء نوعان إما أن يكون
صريحا أو ضمنيا.
أولا- الإلغاء الصريح: الإلغاء
الصريح هو ذلك الإلغاء الذي يتم عن طريق التشريع، هنا ترفع القوة الملزمة للقاعدة
القانونية في حالتين:
أ- النص صراحة على الإلغاء: يعبر عنه
المشرع صراحة باستعمال ألفاظ لا غموض فيها "كالإلغاء" مثلا: (تلغى جميع
الأحكام المخالفة لهذا الأمر) أو(يلغي القانون رقم من تاريخ....إلخ). أي أن المشرع
ينص ويقرر الإلغاء صراحة.
ب- توقيت سريان النص الجديد لمدة معينة: بذلك يصبح
هذا القانون الجديد ملغى بانتهاء تلك المدة المحددة، ويسمى هذا التشريع بالتشريع
المؤقت، يصدر عادة لمواجهة بعض الظروف كالحرب، الطوارئ، بعض الأمراض...إلخ.
ثانيا- الإلغاء الضمني: يسمى
بالإلغاء الضمني لأنه يستخلص من موقف المشرع ويكون حسب المادة الثانية المذكورة
سابقا إما بتنظيم نفس الموضوع من جديد، أو بتعارض قاعدة جديدة مع قاعدة قديمة.
أ- تنظيم نفس الموضوع من جديد: هنا في هذه
الحالة يقوم المشرع بإلغاء القانون القديم ووضع مكانه قواعد جديدة إذن نفهم أن
المشرع تخلى عن القواعد القديمة وأخذ بالقواعد الجديدة.
ب- تعارض قاعدة جديدة مع قاعدة قديمة: قد يكون هذا
التعارض إما كليا أو جزئيا:
1- التعارض الكلي: في هذه الحالة
لا يوجد إشكال حيث أن القاعدة القديمة والقاعدة الجديدة تختلفان تماما، حيث يستحيل
التوفيق بينهما ولا يمكن تطبيق القاعدتين معا، فالقاعدة الجديدة تلغي
القديمة.
2- التعارض الجزئي: التعارض هنا يكون جزء أو شق
من القاعدة القديمة، والإلغاء يكون في هذا الجزء فقط.
ونشير هنا، أنه
في التعارض إذا كانت القاعدة الجديدة عامة والقديمة عامة فلا يوجد أي إشكال، ونفس
الشيء عندما تكون القاعدة الجديدة خاصة والقديمة خاصة، لأن الجديد يلغي القديم،
لكن الإشكال المطروح في حالة ما إذا كانت القاعدة الجديدة عامة والقاعدة القديمة
خاصة أو العكس، فكيف يكون الإلغاء؟.
الحالة الأولى: تعارض بين قاعدة جديدة خاص
وقاعدة قديمة عامة: في هذه الحالة لا تلغى القاعدة القديمة
كلها، وإنما يلغى منها ما جاء النص الجديد بتخصيصه، ويظل النص القديم ساري المفعول
عملا بقاعدة الخاص يقيد العام.
الحالة الثانية: التعارض بين قاعدة جديد
عامة وقاعدة قديمة خاصة: هنا لا يتم إلغاء القاعدة القديمة الخاصة لأنها
لا تلغى إلا بحكم خاص جديد، لكن يتم العمل بالقاعدتين معا ويكون النص الجديد العام
هو الأصل والنص القديم الخاص هو الاستثناء.
المطلب الثاني: بعض الحلول التشريعية لمسائل تنازع التشريعات من حيث الزمان
لتبسيط الفكرة حول تطبيق مبدأ عدم رجعية القوانين و مبدأ
الأثر المباشر له تطرقنا في هذا المطلب إلى بعض الحلول التي كرسها المشرع الجزائري
سواء في قانون العقوبات (الفرع الأول) أو في القانون المدني (الفرع الثاني).
الفرع الأول: التنازع الزماني في التشريعات العقابية
كرس المشرع الجزائري مبدأ عدم رجعية قانون العقوبات في
نص المادة 02 من قانون العقوبات التي نصت على ما يلي: «لا يسري قانون العقوبات
على الماضي إلا ما كان منه أقل شدة».
كما أكد المشرع الجزائري على مبدأ عدم رجعية قانون العقوبات
في الدستور الجزائري، حيث نص في المادة 58 منه على ما يلي: «لا إدانة إلا بمقتضى
قانون صادر قبل ارتكاب الفعل المجرم».
يفهم من نص المادتين أن قانون العقوبات لا يسري على
الماضي، وإنما يطبق على الأفعال التي ترتكب بعد صدوره، وهذا ما يسمى بمبدأ عدم
رجعية القوانين،
لكن المادة الثانية من قانون العقوبات الجزائري السابقة الذكر وضعت لنا استثناء
يتمثل في حالة ما إذا كان القانون الجديد أقل شدة من القانون القديم وهو ما يسمى
بالقانون الأصلح للمتهم.
فالجزء الأول من المادة الثانية من قانون العقوبات "لا
يسري قانون العقوبات على الماضي " يقصد به مبدأ عدم رجعية القوانين، أي
أن قانون العقوبات لا يطبق عل الأفعال التي قام بها الشخص قبل صدور القانون الذي
يجرم ذلك الفعل.
أما الجزء الثاني من نص نفس المادة 02 "إلا ما كان منه أقل شدة"
فهنا نقصد الاستثناء المتمثل في القانون الأصلح للمتهم، أي رجعية القانون الجديد،
لكن تطبيق هذا الاستثناء يكون بشروط:
- إذا كان القانون الجديد يقر عقوبة أقل شدة من العقوبة
المقررة في القانون القديم.
- أن لا يكون المتهم قد استنفذ كل طرق الطعن.
- إذا تضمن القانون الجديد إباحة فعل كان مجرما في ظل
التشريع القديم.
الفرع الثاني: التنازع الزماني في التشريعات المدنية
أورد المشرع الجزائري بعض الحلول لحالات تنازع الزماني
في التشريعات المدنية، وذلك في المادة السادسة المتعلقة بالأهلية، المادة السابعة
المتعلقة بالتقادم والمادة الثامنة المتعلقة بالإثبات.
أولا - الأهلية: نصت المادة 06
من القانون المدني الجزائري على ما يلي: « تسري القوانين المتعلقة بالأهلية على
جميع الأشخاص الذين تتوفر فيهم الشروط المنصوص عليها.
وإذ صار شخص توفرت فيه الأهلية بحسب النص
القديم ناقص الأهلية طبقا للنص الجديد، فلا يؤثر ذلك على تصرفاته».
عالجت هذه المادة حالتين، تتعلق الأولى بأهلية الشخص،
أما الثانية فتتعلق بتصرفاته:
أ- بالنسبة لأهلية الشخص: يطبق على
الأهلية مبدأ الأثر المباشر،
فإذا صدر تشريع جديد يرفع سن الرشد من 18 سنة إلى 19 سنة، فإن كل شخص لم يبلغ 19
سنة يصبح ناقص الأهلية وفقا للنص الجديد.
ب- بالنسبة لتصرفات الشخص: أما فيما يخص
التصرفات التي أبرمها هذا الشخص فتخضع للقانون القديم مبدأ عدم رجعية التشريع
الجديد الذي كان خلاله راشدا، لكن لا يمكن له إبرام تصرفات جديدة لأنه أصبح ناقص
الأهلية.
ثانيا التقادم: نصت المادة
السابعة من القانون المدني الجزائري في الفقرتين الثانية والثالثة على ما يلي: «
إذا قررت الأحكام الجديدة مدة تقادم أقصر مما قرره النص القديم، تسري المدة
الجديدة من وقت العمل بالأحكام الجديدة، ولو كانت المدة القديمة قد بدأت قبل ذلك.
أما إذا كان الباقي من المدة التي نصت عليها
الأحكام القديمة أقصر من المدة التي تقررها الأحكام الجديدة فإن التقادم يتم
بانقضاء هذا الباقي».
هنا أيضا فيما يخص حساب مدة التقادم قرر المشرع حالتين:
أ- مدة تقادم الجديدة أقصر من مدة النص
القديم : في هذه الحالة نطبق القانون الجديد من يوم صدوره أي
مبدأ الأثر المباشر، دون احتساب ما انقضى من المدة المقررة في القانون القديم.
ب- الباقي من المدة المقررة في القانون
القديم أقصر من المدة المقررة في القانون الجديد: في هذه
الحالة ينقضي التقادم بانقضاء المدة المتبقية من القانون القديم الذي يستمر
سريانه.
ثالثا الإثبات: أخد المشرع
الجزائري بمبدأ عدم رجعية القوانين فيما يخص أدلة الإثبات، التي تخضع لأحكام
التشريع الذي أعدت في ظله.
خاتمة
استنتجنا من خلال هذه الدارسة المكانة الهامة التي
يلعبها مقياس المدخل للعلوم القانونية ضمن المقاييس الأخرى ،فهو يعني بدارسة
القواعد القانونية ودورها في تنظيم سلوك الأفراد في المجتمع.
تطرقنا إلى عدة محاور رئيسية، تتمحور في التعريف
بالقانون والأصل التاريخي لهذا المصطلح، وكذا مختلف استعمالات هذا المصطلح، ثم
بينا خصائص القواعد القانونية
وتوصلنا إلى أن كل القواعد تتمتع بها، فهي قواعد تنظم
سلوك الفرد داخل المجتمع وهي الغاية من وضع القانون، كما أنها قواعد عامة، مجردة
وملزمة مقترنة بجزاء، وبينا أن الإلزام هو محرك هذه القواعد وهو الذي يدفع الأفراد
إلى تطبيقها.
استنتجنا أيضا عند مقارنة هذه القواعد القانونية بقواعد
أخرى كقواعد الدين، قواعد الأخلاق والعادات والتقاليد، أنها تشترك في بعض النقاط
خاصة تنظيم سلوك الفارد ومعاملاتهم، لكن تختلف في عدة نقاط أخرى كالمضمون، الغاية والجزاء
هذا الأخير الذي يكون حال دنيوي، مادي ملموس توقعه سلطة مختصة، عكس الجزاء في
القواعد الأخرى الذي يكون غالبا معنوي.
قسمت القواعد القانونية حسب العلاقة التي تنظمها إلى
قانون عام وقانون خاص، هذا التقسيم يلعب دوار مهما خاصة في مجال بيان الجهة
القضائية المختصة في النزاع، في مجال العقود، الأموال وكذا الامتيازات، وبينا فروع
كل قسم، أين بينا مبادئ وأهم المواضيع التي يدرسها كل فرع وهو البرنامج المسطر
لطلبة الحقوق على مر السنوات الخمسة بالجامعة أما تقسيم هذه القواعد حسب كيفية
مخاطبتها للأشخاص فتتمثل في القواعد الآمرة التي يكون خضوع الأفراد فيها تاما، أما
القواعد المكملة فهي أيضا قواعد ملزمة لكن منح المشرع للأشخاص إمكانية مخالفتها،
لأنها تنظم الأمور التفصيلية لهم.
تطرقنا أيضا إلى مصادر القانون، سواء الرسمية الأصلية،
ونقصد هنا التشريع حيث عرفناه وبينا أنواعه كما ركزنا على مختلف المراحل التي يمر
بها حتى يصدر في الجريدة الرسمية، ويصبح نافذا أما المصادر الرسمية الاحتياطية
التي نص عليها المشرع الجزائري في المادة الأولى من القانون المدني الجزائري،
فتتمثل بالترتيب في الشريعة الإسلامية ،العرف ومبادئ القانون الطبيعي وقواعد
العدالة.