الأعمال المختلطة
المطلب الأول: تعريف الأعمال المختلطة
إذا تم العمل التجاري بين شخصين تاجرين فلا صعوبة إذ يطبق عليهما القانون
التجاري، كما إذ باع تاجر الجملة بضاعة لتاجر التجزئة، فإن كلا المتعاقدين يقوم
بعمل تجاري، وإذا وقع العمل بين شخصين مدنيين فيعتبر مدنيا لكلا الطرفين ويخضع
لقواعد القانون المدني، كما إذا استأجر شخص عقار من أخر لسكنه الخاص، فالعمل يعتبر
في الحالة مدنيا في جانب المؤجر ومدنيا كذلك في جانب المستأجر، غير أنه في الغالب
يكون العمل تجاريا بالنسبة لأحد الطرفين ومدنيا بالنسبة للطرف الآخر فعندئد نكون
أمام العمل المختلط، كما هو الحال في شراء التاجر محصولا من مزارع أو بيع تاجر
التجزئة السلع المستهلك، فالعمل في المثال الأول تجاري في جانب التاجر ومدنيا في جانب
المزارع، وهو في المثال الثاني تجاريا في جانب تاجر التجزئة ومدنيا في جانب
المستهلك، ففي كلا الحالتين نكون أمام أعمال مختلطة، والجدير بالذكر أن العمل
المختلط لا يمكن في صفة القائم به وإنما في صفة العمل ذاته، والأعمال المختلطة
ليست نوعا جديدا من الأعمال التجارية قائمة بذاتها، فهي لا تخرج عن كونها أعمالا
تجارية بطبيعته أو بطريق التبعية إذا تم العمل بين طرفين يقوم أحدهما وحده بالعمل
التجاري.
المطلب الثاني: الآثار المترتبة على الأعمال المختلطة
كما سبق وأن ذكرنا يتكون العمل المختلط من طرفين، طرف تجاري وطرف مدني،
وهنا يثار السؤال ما هو النظام القانوني الذي يطبق على كلا الطرفين؟ ولذلك أخذ
الفقه والقضاء بنظام مزدوج مقتضاه تطبيق القواعد التجارية على الطرف الذي يعتبر
العمل تجاريا بالنسبة إليه وتطبيق القواعد المدنية على الطرف الذي يعتبر العمل
مدنيا بالنسبة إليه، ويترتب على هذه الازدواجية ما يلي:
1- الاختصاص القضائي
إن مشكلة الاختصاص القضائي لا تثار في الجزائر لعدم وجود قضاء تجاري مستقل
عن القضاء المدني، أما في الدول التي يوجد فيها قضاء تجاري مستقل مثل فرنسا فيكون
الاختصاص في الأعمال المختلطة للمحكمة المدنية أو التجارية بحسب صفة العمل بالنسبة
للمدعي عليه، وعلى ذلك إذا كان العمل مدنيا بالنسبة للمدعي عليه، فعلى المدعي أن
يرفع الدعوى أمام المحكمة المدنية، أما إذا كان العمل تجاريا بالنسبة للمدعي عليه
فيجوز للمدعي أن يقاضي المدعي عليه أمام المحكمة التجارية أو المدنية، غير أن هذا
الخيار غير متعلق بالنظام العام ومن ثم يجوز التنازل عنه في العقد، واختيار إحدى
المحكمتين بصفة نهائية، وتبعا لذلك يجوز للمزارع الذي باع محصوله لتاجر أن يرفع
دعواه على التاجر أمام المحكمة المدنية أو التجارية، أما التاجر فلا يجوز له أن
يرفع دعواه على المزارع إلا أمام المحكمة المدنية.
2- الإثبات
أما من حيث الإثبات فتطبق قواعد الإثبات التجارية على من يعتبر العمل
تجاريا بالنسبة إليه وتطبق قواعد الإثبات المدنية على من يعتبر العمل مدنيا
بالنسبة إليه، والفرق بينهما أن الإثبات في المواد التجارية يخضع لمبدأ حرية
الإثبات، بينما في المواد المدنية فهو مقيد ويخضع للكتابة، فإذا ادعى التاجر أنه
لم يتسلم المحصول من المزارع أو أنه دفع الثمن وجب عليه التزام قواعد الإثبات
المدنية، أي يتعين عليه الإثبات بالكتابة لأن العمل مدني بالنسبة إلى المزارع، أما
إذا ادعى المزارع أنه سلم المحصول أو أنه لم يقبض الثمن كان له أن يقيم الدليل على
ادعائه بكافة طرق الإثبات بما في ذلك البيئة والقرائن، لأن العمل التجاري بالنسبة
إلى التاجر، هذا وينص القانون المدني الجزائري في المادة 333 منه على الإثبات
كتابة إذا تجاوزت قيمة العقد ألف دينار جزائري.
3- الرهن والفائدة
في غالب الأحيان يصعب الفصل بين الجانب التجاري والجانب المدني للعمل
المختلط وهذا هو الحال في عقد الرهن الحيازي، بحيث يكون جانب منه تجاري والأخر
مدني، ومن غير المقبول تجزئة العمل الواحد إلى جزأين يخضع كل منهما إلى قواعد
قانونية مختلفة، ولهذا لابد من تطبيق نظام قانوني واحد إما القانون التجاري أو
القانون المدني، والعبرة عند التطبيق ليست بصفة القائم بالعمل وإنما بصفة الدين،
فإذا كان الدين المضمون بالرهن بالنسبة للمدين تجاريا اعتبر الرهن تجاريا وأخضع
لقواعد القانون التجاري، أما إذا كان الرهن بالنسبة للمدين مدنيا طبقت عليه أحكام
القانون المدني، وهذا هو الحال أيضا في نظام الفائدة الذي يختلف بحسب ما إذا كان
الدين مدنيا أو تجاريا، ومن المنطقي تطبيق قانون واحد على نظام الفائدة، فإذا كان
الدين تجاريا بالنسبة للمدين طبقت عليه أحكام القانون التجاري، وإذا كان الدين
مدنيا بالنسبة للمدين طبقت عليه أحكام القانون المدني.
المرجع :
- أ.عمورة عمار، شرح القانون التجاري الجزائري، دار المعرفة، الجزائر، 2016، من ص 83 إلى ص 85.