مفهوم الأسرة بين المحافظة على الثوابت في الشريعة الإسلامية ومواكبة التحديات على ضوء المواثيق الدولية
وزارة التعليم العالي والبحث
العلمي
جامعة حسيبة بن بوعلي بالشلف
كلية الحقوق والعلوم السياسية
بالتنسيق مع مخبر القانون الخاص
المقارن
تنظم الملتقى الدولي الأول حول:
التطور التشريعي لأحكام الأسرة في
الدول العربية – بين الثابت والمتغير –
يومي 25 و 26 نوفمبر 2015
المحور الرابع
المواثيق الدولية وأثرها في تشريعات
الأسرة بين المحافظة على الثوابت ومواكبة التحديات
***
مداخلة بعنوان: مفهوم الأسرة بين المحافظة على الثوابت في الشريعة الإسلامية ومواكبة
التحديات
على
ضوء المواثيق الدولية
من إعدد: أ.بن تالي الشارف (كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة حسيبة بن
بوعلي بالشلف)
مقدمة
لقد
حظي تنظيم الأسرة بعناية بالغة، تمثلت في سن مجموعة من القوانين التي تحكم وتنظم
شؤون الأسرة من زواج وطلاق ونسب وميراث وغيرها، وطرحت مسألة تكييف الأسرة واختلفت
الآراء حولها، فهناك من يقول بأنها نظام قانوني واجتماعي وهناك من يرى بأنها مؤسسة
تمثل مجموعة من الأشخاص لا تتمتع بالشخصية وإنما يحكمها نظام تشريعي خاص بها.
واعترفت
هيئة الأمم المتحدة بأن الأسرة بمعناها الإنساني المتحضر لم يكن لها وجود إلا في المجتمعات
الإسلامية، رغم التخلف الذي تشهده هذه المجتمعات في شتى المجالات الأخرى، وكان هذا
في التقرير الصادر بمناسبة العام العالمي للمرأة عنها لعام 1975م. وهذا ما يفيد
بالأهمية الكبيرة التي تحظى بها الأسرة في المجتمعات في الإسلام وكذا في القوانين
الوضعية على رأسها المواثيق الدولية ذات الصلة.
فالأسرة
هي بمثابة الصرح الأخير الذي صار لزامًا على الأمة الإسلامية الحفاظ عليه، إذا
أرادت أن تحمي نفسها من الفناء، بل والانطلاق منه للنهوض من كبوتها.
الإشكالية:
تتمحور
إشكالية هذا البحث في أنه إذا كان الفضل في وجود الأسرة وتنظيمها يعود للشريعة
الإسلامية التي سبقت المواثيق الدولية في مجالات عديدة، فما هو مفهوم الأسرة في كل
من الشريعة الإسلامية والمواثيق الدولية وما مكانتها وما هي أبرز القضايا ذات
الصلة بشؤون الأسرة فيهما؟
منهج البحث:
بهدف
الإجابة عن الإشكالية المطروحة سأعتمد على المنهج الوصفي التحليلي.
خطة البحث: سنعتمد في هذا البحث على الخطة التالية: مقدمة تتناول البعد
التاريخي لوجود الأسرة، ثم في مبحث أول نتطرق إلى مفهوم الأسرة في الإسلام
من خلال مطلب أول يتعرض لتعريف الأسرة في الإسلام، وفي مطلب ثاني
يتناول مكانة الأسرة في الإسلام وأما في المطلب الثالث فنفصل في أبرز
القضايا ذات الصلة بشؤون الأسرة في الشريعة الإسلامية.
وفي
المبحث الثاني نتناول مفهوم الأسرة في المواثيق الدولية من خلال مطلب
أول للتعريف بالأسرة في المواثيق الدولية، ثم في مطلب ثاني لمكانة
الأسرة في المواثيق الدولية وفي المطلب الثالث نفصل كذلك في أبرز القضايا
ذات الصلة بشؤون الأسرة في المواثيق الدولية، وفي الأخير نختم البحث بخاتمة
تتناول جملة من الاقتراحات قد الأسرة في الحفاظ على ثوابتها العربية الإسلامية
ومواجهة التحديات التي تتضمنها المواثيق الدولية.
المبحث الأول: مفهوم الأسرة في الإسلام
تنشأ
الأسرة بعقد زواج بين الزوج والزوجة وإنجاب الأولاد فالأسرة هي النواة في المجتمع،
فهي تقوم على العلاقة بين مجموعة من القيم أبرزها: البر بالوالدين، وصلة الأرحام،
فهي الجماعة التي ارتبط ركناها بالزواج الشرعي والتزمت بالحقوق والواجبات بين
طرفيها وما نتج عنها من ذرية، وما اتصل بها من أقارب[1].
وعلى
هذا الأساس سنقسم هذا المبحث إلى ثلاثة مطالب، المطلب الأول يتناول تعريف
الأسرة في الإسلام، وأما المطلب الثاني فيتعرض إلى مكانة الأسرة في
الإسلام، وأما المطلب الثالث فيتعرض إلى أبرز القضايا ذات الصلة بشؤون
الأسرة في الشريعة الإسلامية.
المطلب الأول: تعريف الأسرة في الإسلام
أولا- الأسرة لغة: الأسرة لغة من "أ. س. ر" الألف
والسين والراء ومعناه الحبس والإمساك، وأسر إسارة هي شدة وربطة وقد اشتق مصطلح
الأسرة من هذه المادة اللغوية لما يترتب على كل واحد من أعضائها من التزامات نحو
الآخرين، ويقال أيضا أن الأسرة هي الدرع الحصينة، وأسرة الرجل: عشيرته وأهله
الأدنون الذين يتقوى بهم، وقيل هم أقارب الرجل من قبل أبيه[2].
كما
أنها تعطي معنى القوة والشدة وهي الدرع الحصين فهي تعد لكل من أعضائها الدرع
الحصين، وهذا المعنى اللغوي للأسرة يجعل منها حصن حصين يصعب اختراقه، والذي بهدمه
تضيع العلاقات في المجتمع، ومفهوم الأسرة هذا من خواص الإنسان، فلا يطلق على ذكر
الحيوان وأنثاه.
ثانيا- الأسرة اصطلاحًا: مفهوم الأسرة من منظور الإسلام فهي "الجماعة
التي ارتبط ركناها بالزواج الشرعي والتزمت بالحقوق والواجبات بين طرفيها وما نتج
عنها من ذرية، وما اتصل بها من أقارب"[3]،
وعلى هذا فإن الأسرة في الإسلام لها ركنان أساسيان هما الزوج والزوجة، وركنان
تابعان لهما: الأولاد وذوي القربى، والأسرة الممتدة في الإسلام تنشأ بالزواج والإنجاب
كالأسرة النواة وتكتمل بزواج الأبناء وإنجاب الأحفاد وتتأسس العلاقة فيها على
مجموعة من القيم أبرزها: بر الوالدين، وصلة الرحم الذي يعني إسداء البر والخير
والمعروف واكتساب الحقوق وأداء الواجبات، ويتنوع حكم هذه الصلة بين الفرض والواجب
والمندوب بحسب قوة القرابة أو بعدها، الأقرب فالأقرب حتى ترتفع إلى درجة الإيثار
للوالدين لأنهما سبب الوجود، وتتقدم الأم على الأب إقرارًا بمكانة الأمومة.
وأما
مفهومها في الاتفاقيات الدولية فهي تعتمد تعريفاتها على اكتساب التعاطف، على اللعب
على وتر الأفضلية والدونية، بمعنى الادعاء أن كثير من الثقافات تكرس دونية المرأة،
وأفضلية الرجل، وذلك حين توكل للمرأة دور رعاية الأسرة وتعفيها من مهام كسب العيش
خارج المنزل، وتفضل الرجل حين تخصه بالعمل والإنفاق، وفي هذا مغالطة كبيرة للمفهوم
الأصلي للأسرة؛ فتميز كل من الرجل والمرأة بخصائص وملكات وقدرات بدنية ونفسية
معينة لا تجعل أحدهما أعلى شأنا من الآخر، ولكنه منوط بقدرة كل منهما على أداء
وظائف حياتية، وبحيوية معينة لا يستطيع الآخر القيام بها، وهي سنة اﷲ في البشر
كافة حتى بين الرجال بعضهم البعض وكذلك النساء، فقوامة الرجل في الأسرة هي في
حقيقة الأمر حق للمرأة لا للرجل، فحقها على الرجل أن ينفق عليها ويكفيها مؤونتها.
المطلب الثاني: مكانة الأسرة في الإسلام
إن
النظام الاجتماعي في الإسلام جزء من الدين، وتدور حوله معظم النصوص الدينية
واجتهاد الفقهاء، وقد استأثر نظام الأسرة بقسط كبير بالعناية وحظي باهتمام بالغ في
تفريع مسائله وتفصيل ما جاء مجملا في النصوص الشرعية، ومن أبرز نظم الأسرة التي
بالغ الإسلام في تنظيمها أحكام الزواج والطلاق والنسب والميراث وتقرير الدعائم
الأساسية لصيانة الأسرة وحمايتها من الاعتداء عليها.
إن
الجانب الأسري من حياة المسلمين يعد جزءا كبيرا من نظامنا الإسلامي في سعته
وشموله، وإذا نالت الأسرة حظها من الرعاية وأخذت ما ينبغي لها من الإصلاح، وأقيمت
على المرتكزات الإسلامية فإن إصلاح الجوانب الأخرى سيكون أقل صعوبة وأكثر نجاحا
لأن "موضع الأسرة من المجتمع موضع القلب من الجسد"[4].
المطلب الثالث: أبرز القضايا ذات الصلة بشؤون الأسرة في الشريعة الإسلامية
من
بين وأهم القضايا التي تتعلق بحياة الأسرة وتكوينها وتنظيمها نذكر على سبيل المثال
لا الحصر مسألة القوامة، الزواج والميراث، فكلها لها أهمية كبيرة في استقرار
وتنظيم الأسرة، وقد تحدثت عنها الشريعة الإسلامية سواء ما جاء به القرآن الكريم أو
ما روي عن النبي صلى اﷲ عليه وسلم.
أولا- القوامة: إن القوامة لغة هي القيام على أمر، يقال قام بالأمر، يقوم به قياما
فهو قائم والقوام والقيام على الأمر حفظه ورعايته وجاء في القاموس قام الرجل على
المرأة، قام بشأنها وقام أهله: أي قام بشأنهم. أما اصطلاحا فلا يخرج عن معناه
اللغوي، فإن الفقهاء لم يضبطوا مصطلح القوامة بتعريف محدد إلا أن هناك من أعطى بعض
المفاهيم مثل أن القوامة هي قيام الرجل على أمر المرأة بالإنفاق عليها وحمايتها
وتقويم ما قد يطرأ من اعوجاج على سلوكها بالطريق الشرعي[5].
وبما
أن الأسرة تجمع بين نوعي الإنسان الذكر والأنثى ومن مقتضى أمور الحياة أن لكل تجمع
لابد من قائد أو رئيس من بين أفراده يتولى مهام الجماعة ويدير شؤونها ويتحدث
باسمها ويشرف عليها وإلا شاعت الفوضى وقد راعى الشارع ذلك حتى في السفر ونحوه، وفي
هذا قال تعالى "الرجال قوامون على النساء بما فضل اﷲ بعضم على بعض وبما
أنفقوا من أموالهم" وقال الرسول
صلى اﷲ عليه وسلم"إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا عليها أحد".
فحكم قوامة الرجل على المرأة حكم ثابت في الشريعة الإسلامية وفي السنة النبوية الشريفة
رغم تغير الظروف أو الأحوال ومهما كانت هذه التغيرات التي تمس حياة المجتمع.
ثانيا- تعدد الزوجات: لقد ورد في مشروعية تعدد الزوجات في القرآن
الكريم والسنة النبوية الشريفة، ومن ذلك قوله تعالى "فانكحوا ما طاب لكم
من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك
أدنى ألا تعدلوا". وكذلك قوله تعالى "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين
النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة......" صدق اﷲ
العظيم.
وأما
ما جاء في السنة النبوية الشريفة ما رواه الشافعي في مسنده أن نوفل بن معاوية
الديلمي قال: " أسلمت وتحتي خمس نسوة، فسألت النبي صلى اﷲ عليه وسلم،
فقال: فارق واحدة وأمسك أربعا، فعمدت إلى أقدمهن عندي عاقر منذ ستين سنة
ففارقتها".
فالشريعة
الإسلامية لم تمنع التعدد كليا ولم تتركه في إباحته المطلقة التي لم تكن محدودة
بحد معين، فعلى عكس ما كان عليه الوضع قبل الإسلام في ممارسة التعدد من غير قيود،
واستعمال لهذا الحق بدون ضوابط، فإن قضية تعدد الزوجات كانت ولا تزال إلى يومنا
هذا من أهم القضايا التي يحتدم حولها الجدل والنزاع كلما أثير موضوع تنظيم الأسرة،
فقد قيدت الشريعة الإسلامية موضوع تعدد الزوجات بمجموعة من الشروط لابد من توافرها
وعلى الزوج الراغب في إعادة الزواج أن يتقيد بها، وهي: عدم الزيادة عن أربع زوجات،
العدل بين الزوجات والقدرة على الإنفاق.
وبقراءة
سريعة في قوانين الأحوال الشخصية للدول العربية والإسلامية فإننا نجد أنها لم تتفق
في هذا الموضوع من حيث تنظيمه ووضع ضوابط محددة بشأنه بين من يمنعه ومن يقيده
بشروط، وإن كان الاتجاه الغالب هو اتجاه تقييد التعدد، وحتى تلك القوانين التي
سلكت هذا الاتجاه لم تتفق في جملة من القيود بين اشتراط الإذن القضائي وعدمه،
وأيضا في الآثار التي رتبتها القوانين على مخالفة تلك القيود أيضا، ولم يرد في
الشريعة الإسلامية ما يدل على شرعية تلك القيود، أو أن التعدد موقوف على إذن
القاضي، وهو ما قرره فقهاء الأحوال الشخصية، زيادة على المشاكل والسلبيات التي
تنجم عن تقييد التعدد بتلك القيود، مما يفرض مراجعة أحكام التعدد الواردة في قوانين
الأحوال الشخصية العربية.
ثالثا- الميراث: لقد بين الشارع الحكيم في عدد من الآيات وفي جملة من الأحاديث
النبوية الشريفة أصناف الورثة الذين يستحقون أن يرثوا من تركة المتوفى، كما بين ما
يستحقه كل صنف من الورثة من نصيب في التركة، سواء كان من أصحاب الفروض أو ممن
يرثون بالتعصيب.
وفي
هذا تجري كثير من قوانين الأحوال الشخصية أو قوانين الأسرة في الدول الإسلامية على
توزيع تركة المتوفى بحسب ما نص عليه القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ولم
يثر أي من هذه الأحكام أي جدل أو نقاش، إلا في حالات نادرة فيما يخص حكم استحقاق
الأنثى نصف نصيب أخيها الذكر في حال وفاة أحد والديهما.
المبحث الثاني: مفهوم الأسرة في المواثيق الدولية
لقد
أخذت الأسرة مكانة هامة وحيزا معتبرا في المواثيق الدولية، إلا أنه نظرا للاختلاف
العقائدي بدا جليا التضارب في الاستقرار على مفهوم موحد بين جميع أطياف المجتمع
الدولي، ويظهر الاختلاف أكثر بين المفاهيم في العالم العربي والإسلامي من جهة وبين
العالم الغربي من جهة أخرى وظهر ذلك جليا في نصوص المواثيق الدولية ذات الصلة.
وعلى
هذا الأساس سنقسم هذا المبحث إلى ثلاثة مطالب، المطلب الأول يتناول تعريف
الأسرة في المواثيـق الدولية، وأما المطلب الثاني فيتعرض إلى مكانة الأسرة
في المواثيـق الدولية، وأما المطلب الثالث فيتعرض إلى أبرز القضايا ذات
الصلة بشؤون الأسرة في المواثيـق الدولية.
المطلب أول: تعريف الأسرة في المواثيق الدولية
لغة واصطلاحًا: يختلف تعريف الأسرة في القانون الوضعي باختلاف ما تعطيه لها
التشريعات من وظائف ومسؤوليات، كما عرفنا آنفا الأسرة في الإسلام بأنه يختلف عما
في التشريعات الوضعية وخاصة الغربية منها.
فقد
مرت رؤية الأمم المتحدة للأسرة وأشكالها وأدوارها بمراحل عديدة، ففي المرحلة الأول
جاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948؛ بحيث عرف الأسرة في المادة 16 منه بأنها
الوحدة الجماعية الطبيعية والأساسية للمجتمع، وينص على أن الرجال والنساء البالغين
لهم الحق في الزواج وفي تكوين أسرة دون أية قيود بسبب العرق أو الجنسية أو الدين[6].
وعليه
يمكن القول بأن وثائق الأمم المتحدة تتناول مفهوم الأسرة من المنظور الأنثوي
الرديكالي Radical
Féminisme وهو المنظور الذي يطرح الشذوذ الجنسي كحق من
حقوق الإنسان، واعتبار الأسرة المكونة من رجل وامرأة ارتبطا برباط الزواج الشرعي
أسرة نمطية تقف في طريق الحداثة، ويجب استبدالها بالنموذج اللانمطي الإبداعي
للأسرة[7].
وفي هذا الصدد عرف علماء الاجتماع الأسرة على أنها "جماعة اجتماعية
بيولوجية نظامية تتكون من رجل وامرأة – تقوم بينهما رابطة زوجية مقررة –
وأبناؤهما"[8].
ويظهر
من خلال هذا التعريف أنه اعتمد على النمط الحديث الذي آلت إليه الأسرة، فبعد أن
كانت في القديم تطلق على "القبيلة" أو "العشيرة" صارت تطلق
على العائلة وهي: منظمة اجتماعية تتكون من أفراد يرتبطون ببعضهم بروابط اجتماعية
أخلاقية ودموية وروحية"، وهي ما يطلق عليها علماء الاجتماع "الأسرة
النواة" لما تتميز به من صغر حجمها حيث تتكون عادة من زوج وزوجة وأبنائهما
غير المتزوجين، ويرى كثير من الباحثين في علم الاجتماع الحضري أن هذا النموذج من
الأسرة هو الذي يتزايد انتشاره في المجتمعات الحضرية[9].
وأما من الناحية القانونية أو تعريف الأسرة من المنظور القانوني فهي تتشكل من كل
الأشخاص الذين تربطهم القرابة أو المصاهرة.
المطلب ثاني: مكانة الأسرة في المواثيق الدولية
على
غرار المكانة السامية التي تحظى بها الأسرة في التشريع الإسلامي؛ فقد تفطن المجتمع
الدولي للأهمية البالغة للأسرة في تلبية حاجات الأفراد وترقية المجتمعات والأمم،
فسعت الأسرة الدولية وعلى رأسها هيئة الأمم المتحدة إلى دعم إنشاء المنظمات
والجمعيات العالمية التي تعنى بشؤون الأسرة، وفتح فروع لها في أغلب الدول ودعمها
بالرجال والمال، ومن بين التوصيات نذكر ما جاء في المؤتمر الثاني للأمم المتحدة في
مجال تماسك الأسرة ورعاية الأطفال:
المادة
07: ينبغي لكل مجتمع أن يعطي أولوية لاحتياجات الأسرة وجميع أفرادها.
المادة
08: نظرا لأن الأسرة هي الوحدة المركزية المسؤولة عن التنشئة الاجتماعية ...
ينبغي مواصلة الجهود الحكومية والمجتمعات للمحافظة على وحدة الأسرة.
المادة
09: ينبغي للحكومات أن تضع سياسات من شأنها... تزويد الأسرة التي تحتاج إلى
المساعدة بالخدمات اللازمة لتسوية أوضاعها الداخلية غير المستقرة وحل نزاعاتها.
المادة
11: ينبغي للحكومات أن تتخذ التدابير الكفيلة بتعزيز تماسك الأسرة والانسجام بين
أفرادها.
المطلب الثالث: أبرز القضايا ذات الصلة بشؤون الأسرة في المواثيق الدولية
هناك
عدد من القضايا الهامة تتمحور حولها اتفاقيات الأمم المتحدة المتعلقة بالمرأة
والطفل تمس الأسرة بشكل مباشر، وتؤثر عليها تأثيرا خطيرا، من حيث التركيب، والقيم،
والهوية، والتماسك، وكل ما يخص قوانين الأحوال الشخصية داخل الأسرة من: زواج،
وطلاق، وقوامة، وولاية، وغيرها.. كل تلك القضايا يتم تناولها لدى الدول الغربية من
منظور واحد هو منظور تمكين المرأة، وتخليصها من أية قيود أو ضوابط يمكن أن تكون
ملزمة لها حفاظا على كيان الأسرة، وحفاظا عليها هي ذاتها.
أولا- القوامـة: يتجاهل البندان (هـ) و (و) وضع الأسرة كمؤسسة مكونة من زوجين،
القوامة فيها للزوج لقوله تعالى (الِّرجَالُ قـَّوامُونَ عَلى النِّسَاءِ)[10].
كما أن له أيضًا الولاية على الصغار، رغم أن هذا لا يعنى انفراد الزوج بتحديد
القرارات دون رأي الزوجة، فالأمر شورى ومحصلة توافق آراء، مع ترجيح رأي الزوج الذي
لا يسيء استعمال حقوقه، أو يتعسف في استعمالها، في حين ترى الأمم المتحدة أن تلك
القوامة عنفًا ضد المرأة، حيث ينص (البند 82) من تقرير قسم الارتقاء بالمرأة
بالأمم المتحدة لعام 2004 تحت عنوان: "دور الرجال والصبية في تحقيق مساواة
الجندر" "أي شكل من أشكال العنف يستخدم للإبقاء على الأدوار الجندرية
الجامدة والعلاقات غير المتساوية كما هي عليه، بمعنى أنه آلية سياسة لإبقاء وضع
النساء والأنواع المختلفة من الرجال كما هي عليه، وللتأكيد على من يملك القوة ومن
يملك صنع القرار، وتعني تلك التعريفات، أن كل ما يضع الرجل في درجة أعلى من المرأة
يعد عنفًا، وبالتالي قوامة الزوج على زوجته وأسرته يعد "عنفًا مبني على
الجندر Gender based violence"، تجب - من منظور الأمم المتحدة - محاربته وإيقافه، وهنا نلاحظ الأنواع
المختلفة من الرجال التي وردت في التقرير، وفيها إشارة إلى الشواذ من الرجال.
ثانيا- تعدد الزوجات: إن المتأمل في موقف القوانين الوضعية بصفة
عامة والاتفاقيات والمواثيق الدولية بشكل خاص في تناولها لموضوع تعدد الزوجات يجد
فيها تباينا واختلافا ظاهرا، وهذا ناجم عن اختلاف نظرتها للموضوع، فمنها من اعتبره
مشكلة بحاجة إلى تنظيم عقابي ردعي لمعالجتها، ومنهم من اعتبره ضرورة يجب أن تقدر
بقدرها، ومنها من رأى منه علاجا لكثير من الأمراض الاجتماعية، فقد اتجهت أغلب
القوانين الوضعية القديمة أو الحديثة وخاصة الغربية منها إلى اعتبار تعدد الزوجات
جريمة تستوجب العقاب.
وطبقًا
للاتفاقية، منح المرأة والرجل نفس الحقوق على قدم المساواة في عقد الزواج، يستلزم
إما منح المرأة الحق في أن تعدد الأزواج، أو حرمان الرجل من هذا الحق، وقد علقت
لجنة السيداو على تقارير الدول في هذه النقطة بما يلى:
"كشفت
تقارير الدول الأطراف عن وجود ممارسة تعدد الزوجات في عدد من الدول، وإن تعدد
الزوجات يتعارض مع حقوق المرأة في المساواة بالرجل، ويمكن أن تكون له نتائج
انفعالية ومادية خطيرة على المرأة وعلى من تعول، ولذا فلا بد من منعه
"وتستنكر اللجنة التناقض في مواقف الحكومات التي تنص دساتيرها على المساواة
بين الرجل والمرأة، وفى الوقت ذاته تسمح بانتهاك هذا الحق بموجب قوانين أحوال
شخصية أو عرفية، فتعلق عقب هذا بأن العديد من الدول تعتمد في حقوق الزوجين على
تطبيق مبادئ القانون العام أو القانون الدينى أو العرفى بدلاً من الاتفاقية"[11].
وهنا نقد موجهة بإشارة صريحة إلى الدين الإسلامي الذي جعل لكل من المرأة والرجل
مكانة خاصة وحقوق وواجبات ليست نفسها عند
كل منهما.
ثالثا- الميراث: في هذا الصدد تنص المادة 13/أ من اتفاقية سيداو على أن
"تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في
المجالات الأخرى للحياة الاقتصادية والاجتماعية لكي تكفل لها، على أساس تساوي
الرجل والمرأة نفس الحقوق لاسيما: الحق في الاستحقاقات الأسرية". والمقصود
هنا بالاستحقاقات الأسرية هو التساوي في الميراث بين الذكور والإناث.
وهنا
قد تتأثر القوانين عميق التأثر بالأفكار المقبولة الراسخة في التقاليد الاجتماعية
والافتراضية بشأن الأدوار غير المتساوية من الجنسين (وذلك في إشارة إلى الدين
الإسلامي الذي يعطي القوامة للرجل)، فتخضع القوانين المتعلقة بالعائلة للقوانين
والمحاكم الدينية، وبذلك تكون الدولة قد أناطت الشؤون التي تطال المرأة إلى حد
بعيد بمؤسسات منحازة إلى هذا المجال. وأيا كان الدين، فإن القوانين المتعلقة
بالعائلة تستند إلى الافتراض بأن الزوج هو معيل العائلة وربها، بينما تعتبر المرأة
متلقية العناية والإرشاد، وعليه فإن العلاقة بين الزوج وزوجته طبقية وغير متساوية
في طبيعتها.
ومن
ثم يظهر أن الفكر الأنثوي قد انتقل إلى العالم العربي والإسلامي من خلال نساء
تبنين هذا الفكر، وعملن على ترويجه من خلال مؤتمرات وندوات إقليمية، مثل تلك
الندوة التي أشرنا إليها، والتي تعتبر أن تقسيم الأدوار بين الزوجين، التقسيم
الفطري والطبيعي الذي تمليه فطرة الإنسان من إعطاء القوامة للرجل في الأسرة وقيامه
بإعالة الأسرة وقيام المرأة بإنجاب الأطفال وتربيتهم ورعاية أسرتها، من عوامل
التمييز ضد المرأة، وبالمثل أية فوارق بين الرجل والمرأة في التشريعات –والنابعة
في الأساس من الفوارق الخلقية والبيولوجية بينهما- تعدّ تمييزا ضد المرأة على حسب
اعتقادهم، وقد تحفظت معظم الدول الإسلامية على تلك المادة لتعارضها الواضح مع ثوابت الشريعة الإسلامية.
وفي
ردها على مزاعمهم تلك تقول الأستاذة الأمريكية كاثرين فورث: "إن المواثيق
والاتفاقات الدولية التي تخص المرأة والأسرة والسكان تصاغ الآن في وكالات ولجان
تسيطر عليها فئات ثلاث: الأنثوية المتطرفة، وأعداء الإنجاب والسكان، والشاذون
والشاذات جنسيا، وإن لجنة المرأة في الأمم المتحدة شكلتها امرأة اسكندنافية كانت
تؤمن بالزواج المفتوح، ورفض الأسرة، وكانت تعتبر الزواج قيدًا، وأن الحرية الشخصية
لابد أن تكون مطلقة".
الخـاتمة
لقد
عرف مفهوم الأسرة في الدول العربية والإسلامية بشكل عام عدة محاولات لتغييره، إلا
أنه بالرغم من الحداثة التي عرفها المجتمع العربي والإسلامي إلا أن مفهوم الأسرة
لم يتزعزع بما يخالف ما جاء في الشريعة الإسلامية بالمقارنة ما يحدث على الصعيد
العالمي لا سيما العالم الغربي من خلال الاتفاقيات الدولية ذات الصلة؛ فمفهوم
الأسرة بقي محافظا على معالمه في أغلب
الدول العربية والإسلامية إن لم نقل كلها، وهذا نظرا للعقيدة الإسلامية التي تعتبر
قوام الحياة لدى هذه الأمم ومصدر الدساتير فيها، وكذلك ما يتميز به مفهوم الأسرة
من مكانة وأهمية عند المسلمين، ولمواكبة الاتفاقيات الدولية الصادرة في هذا المجال
ارتأيت أن أطرح جملة من الاقتراحات علها تساعد على زيادة الوعي ونشر المفهوم
الإسلامي السليم للأسرة ودحض المفاهيم الغربية الهدامة؛ وذلك من خلال ما يلي:
1- التأكيد
على التزام خصوصية الثقافة العربية الإسلامية والأحكام الشرعية، واحترام التحفظات
التي تبديها الحكومات العربية والإسلامية اتجاه بعض البنود المتعارضة مع الشريعة
الإسلامية في المواثيق والاتفاقيات الدولية المتعلقة بالأسرة.
2- مراقبة
مدى ملائمة مضمون الاتفاقيات الدولية الخاصة بالأسرة وكذلك مشروعات القوانين في
الدول العربية من قبل أهل الاختصاص من علماء الشريعة والقانون واقتراح تعديلها أو
التحفظ عليها قبل التصديق عليها.
3- العمل
على نشر الوعي لدى الشعوب بحقيقة ما تتضمنه الاتفاقيات الدولية من فكر هدام
للأسرة؛ وعدم إتباع ما تحمله تلك الاتفاقيات من شعارات براقة، وتكون التوعية عن
طريق المؤسسات التعليمية ومنظمات المجتمع المدني التي تعنى بالحفاظ على الأسرة.
4- إدخال
المفهوم العربي الإسلامي للأسرة في مناهج التعليم في المراحل المختلفة.
5- تعزيز
مضمون "ميثاق الأسرة في الإسلام" الذي وضعته اللجنة الإسلامية العالمية
للمرأة والطفل، التابعة للمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة.
6- رفض
ما يخالف نصوص الشريعة الإسلامية في الاتفاقيات والمواثيق الدولية وعدم التصديق
عليها.
[1] http://www.islamonline.net/discussionamessage.jspa?messageID=138413&tstart=0
(الثلاثاء28جويلية2015على الساعة د
30و10سا)
[2] ابن منظور، لسان العرب، دار لسان العرب، بيروت،
د ذ السنة، ص01.
[3] http://www.islamonline.net/discussionamessage.jspa?messageID=138413&tstart=0
[4] أ. بلخير سديد، الأسرة
وحمايتها في الفقه الإسلامي والقانون الجزائري-دراسة مقارنة، دار الخلدونية،
الطبعة الأولى، 2009، الجزائر، ص30.
[5] حسن صلاح الصغير عبد اﷲ، الجوانب الفقهية
للقوامة الزوجية، دراسة مقارنة، طبعة 2007، دار الجامعة الجديدة، مصر، ص05.
[6] د. ىهى القاطرجي، الأسرة في أدبيات الأمم
المتحدة (التحولات-العوامل- الآثار)، ص05.
[7] كاميليا حلمي، مصطلح الأسرة في أبرز المواثيق
الدولية الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة، موقع اللجنة الإسلامية الهالمية للمرأة
والطفل، ص07.
[8] محمد عاطف غيث، قاموس علم الاجتماع، دار
المعرفة الجامعية، 1996، مصر، ص176.
[9] محمد عاطف غيث، المرجع
السابق، ص.178
[10] سورة النساء: الآية
34.
[11] The United Nations and The advancement of Women
1945-1995, Département of
public
Information, United Nations, 1995, page 10-.11