الدفاتر التجارية
أهمية الدفاتر التجارية
فرض القانون التجاري على التجار مسك دفاتر معينة يقيدون فيها ما لهم من
حقوق وما عليهم من ديون، ويثبتون فيها جميع العمليات التجارية التي يباشرونها،
وللدفاتر التجارية دور هام سواء بالنسبة للتاجر أو الغير، ولا شك في أن مسك
الدفاتر التجارية بطريقة منتظمة تعود بالفائدة على التاجر، فتبين لنا مركزه المالي
وحالة تجارته وماله وما عليه من ديون وما حققه من ربح أو ما أصابه من خسارة،
ويستخلص الطرق المناسبة التي يوجه على مقتضاها نشاطه التجاري، كما أن مصلحة
الضرائب تستطيع أن تحدد الضرائب المستحقة على التاجر وفقا لبيانات هذه الدفاتر
المنتظمة دون إجحاف به، بدلا من أن تحدد جزافا يكون في غير مصلحة التاجر، كما أن
للدفاتر التجارية أهمية من حيث الإثبات في المعاملات التجارية متى كانت منتظمة
ومرتبة، وتصلح كوسيلة في المنازعات التي تحصل بين التجار، ثم أنه إذا أفلس التاجر
فحصت دفاتره للتحقق مما إذا كانت عملياته جدية منتظمة، فإذا أفلس التاجر وكانت
دفتره منتظمة اعتبر مفلسا إفلاسا بسيطا ويمكنه الاستفادة من الصلح الواقي، أما إذا
كانت دفاتره غير منتظمة يعتبر مفلسا بالتقصير ويعاقب بعقوبة جنائية.
وعلى ضوء ما تقدم سوف نتكلم في الدفاتر التجارية عن موضوعات خمسة:
1- الأشخاص الملتزمون بمسك الدفاتر التجارية.
2- أنواع الدفاتر التجارية.
3- تنظيم الدفاتر التجارية.
4- الجزاءات المترتبة على عدم مسك الدفاتر التجارية أو على عدم انتظامها.
5- حجية الدفاتر التجارية في الإثبات.
المطلب الأول: الأشخاص الملزمون بمسك الدفاتر التجارية، أنواعها، تنظيمها، مدة الاحتفاظ بها والجزاءات المترتبة على عدم مسكها
أولا: الأشخاص الملزمون بمسك الدفاتر التجارية
تنص المادة التاسعة من القانون التجاري الجزائري على ما يلي: "كل
شخص طبيعي أو معنوي له صفة التاجر ملزم بمسك دفتر لليومية يقيد فيه يوما بيوم
عمليات المقاولة أو أن يراجع على الأقل نتائج هذه العمليات شهريا بشرط أن يحتفظ في
هذه الحالة بكافة الوثائق التي يمكن معها مراجعة تلك العمليات يوميا".
ويفهم من نص هذه المادة أن الالتزام بمسك الدفاتر التجارية واجب على كل
تاجر دون تمييز بين التاجر الجزائري والتاجر الأجنبي المقيم بالجزائر أو بين
التجار الأفراد والشركات التجارية، كما أن هذا النص لا يفرق بين التاجر الكبير
والتاجر الصغير، إلا أن العرف التجاري يتسامح مع طائفة التجار الصغار، لما يتطلبه
ذلك من وقت وتكاليف باهظة لا طاقة لهم بخها ولا تتناسب مع الفائدة التي تعود عليهم
من مسك مثل هذه الدفاتر، وللعلم أن الشركاء المتضامنين في شركات التضامن ولو أنهم
يكتسبون صفة التاجر لمجرد كونهم أعضاء في الشركة، إلا أنهم لا يلتزمون بمسك دفاتر
تجارية اكتفاء بدفاتر الشركة، ولو ألزمنا الشركاء المتضامنين بمسك الدفاتر
التجارية لكان تكرار لدفاتر الشركة، لأن الشركاء المتضامنين يقومون بالتجارة من
خلال شخص الشركة، أما إذا ما مارس أحد الشركاء المتضامنين تجارة مستقلة إلى جانب
كونه شريك في الشركة، فيتعين عليه في هذه الحالة مسك دفاتر تجارية خاصة بتجارته.
ثانيا: أنواع الدفاتر التجارية
أوجب المشرع الجزائري على كل تاجر أن يمسك دفاتر تجارية إلزامية، وتنحصر في
دفتر اليومية ودفتر الجرد، وترك له الحرية في اختيار دفاتر أخرى مناسبة إذا
استلزمت طبيعة وأهميتها ذلك، فالدفاتر التجارية هي المرأة الصادقة التي يتبين من
خلالها المركز المالي للتاجر وبيان ماله وما عليه من الديون المتعلقة بتجارته.
الدفاتر الإلزامية
1- دفتر اليومية: وهو أهم الدفاتر التجارية يسجل فيه التاجر
جميع العمليات المالية التي يقوم بها، ويتم هذا التسجيل كما جاء في نص المادة
التاسعة يوما بيوم وبالتفصيل، ومن ثم يجب أن تقيد في الدفتر جميع العمليات
التجارية التي يقوم بها التاجر من بيع أو شراء أو اقتراض أو دفع أو قبض لأوراق
نقدية أو تجارية أو غير ذلك، أما من الناحية العملية فلا يكفي قيد العمليات
التجارية في دفتر واحد، مما يستحسن الاستعانة بمسك دفاتر يومية مساعدة لإثبات
تفاصيل الأنواع المختلفة من العمليات التي يقوم بها، فيخصص دفتر يومية للمشتريات
وآخر للمبيعات وثالث للمصروفات ورابع لأوراق القبض وخامس لأوراق الدفع، ولا حاجة
للتاجر لإعادة قيد تفاصيل هذه العمليات في دفتر اليومية الأصلي، وإنما يكتفي في
هذه الحالة بتقييد إجمالي لهذه العمليات في دفتر اليومية الأصلي في فترات منتظمة
من واقع هذه الدفاتر كأن يكون ذلك مرة كل شهر مثلا.
2- دفتر الجرد: ألزم المشرع الجزائري على كل تاجر بمسك دفتر
الجرد وذلك ما جاءت به نص المادة العاشرة من القانون التجاري الجزائري بقولها: "يجب
عليه أيضا أن يجري سنويا جردا لعناصر أصول وخصوم مقاولته وأن يقفل كافة حساباته
بقصد إعداد الميزانية وحساب الخسائر والأرباح، وتنسخ بعد ذلك هذه الميزانية وحساب
الخسائر والأرباح في دفتر الجرد".
يؤخذ من هذا النص أن التاجر يلتزم في أخر كل سنة مالية بجرد أموال منشأته
وهي ما للتاجر من أموال منقولة أو ثابتة وتقويمها وحصر ماله من حقوق وما عليه من
ديون وتدوين ذلك تفصيلا في دفتر الجرد، فإذا كانت هذه التفاصيل مدونة في دفاتر أو
قوائم مستقلة فعلى التاجر أن يكتفي بإثبات بيان إجمالي عنها في دفتر الجرد، كما
يستفاد من نص المادة العاشرة أن التاجر يلتزم في نهاية السنة المالية بتحرير
الميزانية العامة من واقع دفتر أو قوائم الجرد، والميزانية تتكون من جانبين الأصول
والخصوم، وتشمل الأصول الأموال الثابتة والمنقولة والديون التي على الغير للتاجر،
بينما تشمل الخصوم الديون التي على التاجر للغير وكذلك رأس مال المنشأة باعتبارها
دينا على المنشأة لصاحبها وكذلك بيان حساب الأرباح والخسائر، ويجب أن تقيد صورة من
هذه الميزانية بدفتر الجرد إذا لم تقيد في أي دفتر آخر، وتحتفظ كما جاء في نص
المادة 12 من القانون التجاري الدفاتر والمستندات لمدة عشر سنوات، كما يجب أن ترتب
وتحفظ المراسلات الواردة ونسخ الرسالات الموجهة طيلة نفس المدة، ولدفتر الجرد دور
هام في التعرف على المركز المالي للتاجر، كما يسمح للدائنين في حالة الإفلاس معرفة
ما لمدينهم من حقوق وما عليه من التزامات.
الدفاتر الاختيارية
جرت العادة على أن يمسك التاجر دفاتر تجارية أخرى علاوة على الدفاتر
الإجبارية وهي دفتر اليومية ودفتر الجرد، وهذا الدفاتر الأخرى اختيارية تبعا لما
إذا كانت تستلزمها طبيعة التجارة وأهميتها، وأم هذه الدفاتر:
1- دفتر الأستاذ: وتنقل إليه القيود الواردة بدفتر اليومية
وترتب فيه حسب نوعها أو بحسب أسماء العملاء لكل عميل أو لكل نوع منها حساب، حساب
البضائع وحساب الأوراق التجارية للقرض أو الأوراق التجارية للدفع إلى غير ذلك.
2- دفتر المسودة: وتدون فيه العمليات التجارية بمجرد وقوعها
بسرعة وبصورة مذكرات، ثم تنقل بعد ذلك إلى دفتر اليومية بعناية وانتظام.
3- دفتر المخزن: تدون فيه البضائع التي تدخل مخزن التاجر
والتي تخرج منه.
4- دفتر الأوراق التجاري: تقيد فيه تواريخ استحقاق الأوراق التجارية
الواجب تحصيلها من الغير وتلك التي يتعين الوفاء بقيمتها للغير.
5- دفتر الصندوق: وتدون فيه كل المبالغ النقدية التي تدخل
الصندوق والتي تخرج منه، وهو ذو أهمية بالنسبة للتاجر من حيث أنه يبين رصيده في
آخر كل يوم.
ثالثا: تنظيم الدفاتر التجارية
يخضع مسك الدفاتر التجارية لأحكام خاصة يقصد بها كفالة انتظامها وضمان صحة
ما يرد فيها من معلومات أو بيانات، وذلك نظرا للأهمية الخاصة التي تكتسيها الدفاتر
التجارية في مجال الإثبات أمام القضاء أو الضرائب التي تستحق من التاجر أو بيان
مركزه المالي، وهذا ما جاءت به نص المادة 13 من القانون التجاري الجزائري بقولها: "يجوز
للقاضي قبول الدفاتر التجارية المنتظمة كإثبات بين التجار بالنسبة للأعمال
التجارية"، كما ألزم القانون التجاري في المادة 11 منه بمسك دفتر اليومية
ودفتر الجرد بحسب التاريخ وبدون ترك بياض أو تغيير من أي نوع كان أو نقل إلى
الهامش، وترقم صفحات كل من الدفترين ويوقع عليهما من طرف قاضي المحكمة حسب الإجراء
المعتاد، ويستفاد من نص هذه المادة أنه يجب على التاجر تدوين العمليات التجارية
حسب تواريخ وقوعها، كما يجب أن تكون الدفاتر التجارية خالية من أي فراغ أو كتابة
في الهامش أو كشط أو تحشير بين السطور، والقصد من ذلك هو سلامة البيانات الواردة
بها ومنع الإضافة إليها عن طريق الفراغ المكتوب، وإذا أريد تصحيح بيان قيد خطاء
كان ذلك بكتابة أخرى في تاريخ كشف الخطاء، ويتعين قبل استعمال دفتري اليومية والجرد
أن ترقم كل صفحة من صفحاته وأن يوقع كل ورقة فيها قاضي المحكمة المختصة التي يقع
في دائرتها السجل التجاري، والغرض من ذلك حفظ الدفاتر التجارية ومنع إخفاء بعض
الصفحات أو أن يستبدل بها غيرها أو أن يعدم الدفتر بأكمله ويبدل به آخر مصطنع.
رابعا: مدة الاحتفاظ بالدفاتر التجارية
تنص المادة 12 من القانون التجاري
الجزائري على ما يلي: "يجب أن تحفظ الدفاتر المشار إليها في المادتين 9 و 10
لمدة عشر سنوات، كما يجب أن ترتب وتحفظ المراسلات الواردة ونسخ الرسالات الموجهة
طيلة نفس المدة".
ويستفاد من نص هذه المادة أنه توجب على التاجر الاحتفاظ بالدفاتر التجارية
مدة عشر سنوات تبدأ من تاريخ إقفالها، كما أوجب عليهم كذلك حفظ المراسلات وغيرها
من المستندات التي تتصل بأعمال التجارة مدة عشر سنوات، وللتاجر الحق في أن يعدمها
بعد انقضاء العشر سنوات، ولا يلتزم التاجر بتقديم دفاتره أمام القضاء بعد انقضاء
هذه المدة لوجود قرينة قانونية على إعدامها، غير أنه يمكن إثبات عكسها، وحينئذ
يلتزم التاجر بتقديمها، ومن مصلحة التاجر أن يحتفظ بدفاتره ومستنداته التجارية مدة
أطول حتى تنقضي جميع الحقوق الثابتة بها.
خامسا: الجزاءات المترتبة على عدم مسك الدفاتر التجارية أو عدم انتظامها
الجزاءات المدنية
1- إذا لم يمسك التاجر دفاتر تجارية منتظمة فلا يعتد بها في الإثبات لمصلحة
التاجر في حالة وقوع نزاع بينه وبين تاجر آخر بشأن أعمال تجارية بينهما، على أنه
يجوز للمحكمة أن تأخذ بالدفاتر التجارية باعتبارها مجرد قرائن وعناصر في الإثبات
وليس كأدلة كاملة، كما تستطيع المحكمة رفض الدفاتر التجارية التجارية ولو كانت
منتظمة.
2- إذا لم يمسك التاجر دفاتر منتظمة فرضت عليه ضريبة على الأرباح التجارية
حسب تقدير مصلحة الضرائب أي جزافا وغالبا ما يترتب على ذلك من إجحاف به.
3- إذا مسك التاجر دفاتر تجارية غير منتظمة أجاز حرمانه من الاستفادة من
الصلح الواقي من الإفلاس في حالة توقف عن دفع ديونه، وهذا لصعوبة تحديد مركزه
المالي الناتج عن عدم مسك دفاتر تجارية على الإطلاق أو مسك بها بطريقة غير منتظمة،
كما لا يستفيد من الصلح الواقي إلا التاجر حسن النية الذي تضطرب أعماله المالية
لأسباب طارئة خارجة عن إرادته، ولا شك أن التاجر الذي يمسك دفاتر تجارية غير
منتظمة لا تنطبق عليه صفة حسن النية.
الجزاءات الجنائية
لم يفرض المشرع عقوبة على عدم مسك الدفاتر التجارية أو مسكها بطريقة غير
منتظمة إلا في حالة إفلاس التاجر، وكما بينا من قبل ما للدفاتر التجارية من أهمية
في التعرف على مركزه المالي، فإذا توقف التاجر عن دفع ديونه وتبين أنه لم يمسك
دفاتره التجارية أو كانت غير منتظمة اعتبر مرتكبا لجريمة الإفلاس بالتقصير، فتطبق
عليه العقوبات المنصوص عليها في المادة 383 من قانون العقوبات الجزائري، وجريمة
الإفلاس بالتقصير نصت عليها المادة 370 من القانون التجاري الجزائري في حالة إفلاس
التاجر إذا لم يكن قد أمسك أية حسابات مطابقة لعرف المهنة نظرا لأهمية تجارته، وقد
جاء في نص هذه المادة ما يلي: "يعد مرتكبا لتفليس بالتقصير كل تاجر في حالة
توقف عن الدفع يوجد في إحدى الحالات الآتية:
1- إذا ثبت أن مصاريفه الشخصية أو مصاريف تجارته مفرطة.
2- إذا استهلك مبالغ جسيمة في عمليات نصيبية محضة أو عمليات وهمية.
3- إذا كان قد أقام بمشتريات لإعادة البيع بأقل من سعر السوق بقصد تأخير
إثبات توقفه عن الدفع أو استعمل بنفس القصد وسائل مؤدية للإفلاس ليحصل على أموال.
4- إذا قام التوقف عن الدفع بإيفاء أحد الدائنين إضرارا بجماعة الدائنين.
5- إذا كان قد أشهر إفلاسه مرتين وأقفلت التفليستان بسبب عدم كفاية الأصول.
6- إذا لم يكن قد أمسك أية حسابات مطابقة لعرف المهنة نظرا لأهمية تجارته.
7- إذا كان قد مارس مهنته مخالفا لحظر منصوص عليه في القانون.
أما إذا أفلس التاجر وتبين أنه قد أخفى دفاتره أو بددها أو اختلسها اعتبر
متفلسا بالتدليس طبقا للمادة 374 من القانون التجاري الجزائري التي جاء نصها كما
يلي: "يعد مرتكبا للتفليس بالتدليس كل تاجر في حالة توقف عن الدفع يكون قد
أخفى حساباته أو بدد أو اختلس كل أو بعض أصوله أو يكون بطريق التدليس قد أقر
بمديونته بمبالغ ليست في ذمته سواء كان هذا في محرراته بأوراق رسمية أو تعهدات
عرفية أو في ميزانية". زيادة على ذلك يعاقب التاجر المرتكب لجريمة الإفلاس
بالتدليس بالعقوبات المنصوص عليها في المادة 383 من قانون العقوبات، وتنص هذه
المادة على ما يلي: " كل من ثبتت مسؤوليته لارتكابه جريمة التفليس في الحالات
المنصوص عليها في القانون التجاري يعاقب.
- عن التفليس بالتقصير بالحبس من شهرين 2 إلى سنتين وبغرامة من 25.000دج
إلى 200.000 دج.
- عن التفليس بالتدليس بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة من 100.000 دج
إلى 500.000 دج.
ويجوز علاوة على ذلك أن يقضي على المفلس بالتدليس بالحرمان من حق أو أكثر
من الحقوق الواردة في المادة 9 مكرر1 من هذا القانون لمدة سنة على الأقل وخمس
سنوات على الأكثر".
وتطبق هذه العقوبة أيضا على الشركة في حالة توقف عن الدفع، إذ تعتبر مرتكبة
لجريمة الإفلاس بالتقصير في حالة ما إذا أمر القائمين بالإدارة بإمساك حسابات
الشركة بغير انتظام طبقا لنص المادة 378 الفقرة 5 من القانون التجاري التي جاء
نصها كما يلي: "في حالة توقف الشركة عن الدفع، تطبق العقوبات الخاصة بالتفليس
بالتقصير على القائمين بالإدارة والمديرين أو المصفين في الشركة ذات المسؤولية
المحدودة، وبوجه عام كل المفوضين من قبل الشركة، يكونون بهذه الصفة وبسوء نية
أمسكوا أو أمروا بإمساك حسابات الشركة بغير انتظام".
المطلب الثاني: حجية الدفاتر التجارية في الإثبات
جعل القانون الدفاتر التجارية حجة في الإثبات سواء لمصلحة التاجر أو ضده
وسوف ندرس حجية الدفاتر التجارية في كلا الحالتين:
أولا: حجية الدفاتر التجارية في الإثبات لمصلحة التاجر
الأصل أنه لا يجوز للشخص أن يصطنع دليلا لنفسه ولكن القانون التجاري خرج
على هذا الأصل، إذ سمح للتاجر أن يمسك دفاتر تجارية ويمكن له استعمالها كدليل
إثبات لصالحه وللتاجر الآخر الذي يحتج عليه بالدفاتر إثبات عكس ما جاء فيها بجميع
الطرق بما فيها البينة والقرائن، وتختلف حجية الدفاتر التجارية في الإثبات في حالة
ما إذا كان التعامل بين تاجرين أو بين تاجر وغير تاجر.
1- حجية الدفاتر التجارية بين تاجرين
منح القانون للتاجر الحق في التمسك بدفاتره التجارية لأجل الإثبات في دعاوى
التجار المتعلقة بمواد تجارية إذا كانت تلك الدفاتر منتظمة، وذلك ما جاءت به نص
المادة 13 من القانون التجاري بقولها: "يجوز للقاضي قبول الدفاتر التجارية
المنتظمة كإثبات بين التجار بالنسبة للأعمال التجارية"، ولكي تكون دفاتر
التاجر حجة لمصلحته يجب أن تتوافر ثلاث شروط:
أ- يجب أن يكون النزاع قائما بين تاجرين، أي بين شخصين يلتزمان بمسك الدفاتر
التجارية حيث يسهل على القاضي التحقق من البيانات عن طريق مقارنة دفاتر كل من
الخصمين، ولا صعوبة إذا تطابقت بياناتها، أما إذا اختلفت الدفاتر جاز للقاضي ترجيح
دفاتر أحدهما إذا كانت منتظمة على دفاتر الطرف الآخر غير المنتظمة.
ب- يجب أن يكون النزاع متعلقا بعمل تجاري بالنسبة لكل من الخصمين، كما إذا
باع التاجر بضاعة إلى تاجر آخر لأجل بيعها، أما في حالة ما إذا اشترى تاجر بضاعة
من تاجر آخر لاستعماله الخاص فلا يجوز لاحتجاج عليه بالدفاتر التجارية لأنها عملا
مدنيا.
ج- ويجب أن تكون الدفاتر التجارية التي يتمسك بها ويحتج بها على الغير
منتظمة، والسبب في ذلك أن البيانات المدونة فيها تستوفي شروط الصحة والجدية.
أما الدفاتر التجارية غير المنتظمة فلا تكون حجة في الإثبات أمام القضاء،
غير أن القاضي يمكن أن يستأنس بها ويستنبط منها قرائن تكمل عناصر الإثبات الأخرى
في الدعوى.
2- حجية الدفاتر التجارية على غير التجار
لا تصلح دفاتر التاجر حجة على خصمه غير التاجر لعدم مسك دفاتر من قبل الخصم
غير التاجر، إلا أنه يجوز للقاضي لاستعانة بدفاتر التاجر لاستخراج قرائن يستند
إليها في حكم الدعوى ويجوز للقاضي أن يكمله بتوجيه اليمين المتممة إلى أي من
الطرفين وذلك فيما يجوز إثباته بالبينة، ولكن يجب توافر الشروط التالية:
الشرط الأول: أن يتعلق النزاع ببضائع وردها التاجر لغير
التاجر كالمواد الغذائية، فإذا ما تعلق الأمر بقرض قدمه التاجر لغير التاجر فلا
يؤخذ بعين الاعتبار.
الشرط الثاني: أن يكون الدين محل النزاع مما يجوز إثباته
بالبينة، كأن تكون قيمة ما ورده التاجر لا تتجاوز 1.000 دينار جزائري، وهذا ما
جاءت به نص المادة 333 من القانون المدني الجزائري بقولها: "في غير المواد
التجارية إذا كان التصرف القانوني يزيد قيمته على 1.000 دينار جزائري أو كان غير
محدد القيمة فلا تجوز البنة في إثبات وجوده أو انقضائه ما لم يوجد نص يقضي بغير
ذلك، ويقدر الالتزام باعتبار قيمته وقت صدور التصرف ويجوز الإثبات بالبينة إذا
كانت زيادة الالتزام على ألف دينار جزائري لم تأت إلا من ضم الملحقات إلى الأصل:
الشرط الثالث: متى قرر القاضي قبول الدفاتر في الإثبات
تعين عليه تكملته بتوجيه اليمين المتممة وهو أمر جوازي للقاضي فله كامل الحرية في
تعيين من توجه إليه هذه اليمين من الطرفين.
ثانيا: حجية الدفاتر التجارية ضد التاجر
للدفاتر التجارية حرية في الإثبات ضد التاجر الذي صدرت منه أيا كان الخصم
الذي يتمسك بها، سواء كان تاجرا أم غير تاجر، وسواء أكان الدين تجاريا أم مدنيا ولا
يشترط أن تكون الدفاتر منتظمة، وتفسر حجية الدفاتر التجارية على صاحبها بأن
البيانات الواردة فيها تعتبر بمثابة إقرار كتابي صادر من التاجر شخصيا ونتيجة على
ذلك يجب تطبيق قاعدة عدم جواز تجزئة الإقرار متى كانت الدفاتر منتظمة، فعلى التاجر
الخصم أن يأخذها كاملة أو يرفضها كلية، فلا يجوز لمن يريد أن يستخلص منها دليلا
لنفسه أن يأخذ منها ما يفيده ويستبعد منها ما كان مناقضا لدعواه، فلو دون التاجر
في دفتره مثلا أنه باع بضاعة إلى شخص ما وأن الثمن لم يدفع، فلا يجوز للمشتري أن
يستند إلى هذا الدفتر لإثبات وقوع البيع ويرفض الدفتر ذاته فيما يتعلق بإثبات
واقعة أن الثمن لم يدفع، بل عليه أن يتمسك بما ورد في الدفتر كاملا أو أن يرفضه
كلية ويقدم دليلا آخر، وإذا كانت الدفتر غير منتظمة جاز للقاضي أن يقدر مضمونها
دون أن يتقيد في ذلك بقاعدة عدم جواز تجزئة الإقرار، وفي ذلك كله تنص المادة 330
من القانون المدني الجزائري على ما يلي:
"دفاتر التجار لا تكون حجة على غير التجار، غير أن الدفاتر عندما
تتضمن بيانات تتعلق بتوريدات قام بها التاجر، يجوز للقاضي توجيه اليمين المتممة
إلى أحد الطرفين فيما يكون إثباته بالبينة، وتكون دفاتر التجار حجة على هؤلاء
التجار، ولكن إذا كانت هذه الدفاتر منتظمة فلا يجوز لمن يريد استخلاص دليل لنفسه
أن يجزئ ما ورد فيها واستبعاد ما هو مناقض لدعواه".
ثالثا: تقديم الدفاتر التجارية إلى القضاء
القاعدة العامة "لا يجيز للشخص تقديم دليل ضد نفسه"، ومع ذلك فإن
القانون يجيز للمحكمة إلزام التاجر بتقديم دفاتره، والعلة من وراء هذا الاستثناء
ترجع إلى الثقة التي يتمتع بها التجار مما يدعو خصمه في كثير من الحالات إلى
الاعتماد على ما يدونه في دفاتره، فلا يهتم بإثبات التعامل معه كتابه، وإذا طلب
أحد الخصوم إلزام خصمه التاجر بتقديم دفاتره التجارية فإن المحكمة حرة في قبول
الطلب أو رفضه على ضوء تقدير ظروف الدعوى، وللمحكمة أن تأمر بتقديم الدفاتر من
تلقاء نفسها ولا يجوز الأمر بتقديم الدفاتر، إلا إذا اطمأنت المحكمة إلى ضرورته
وفائدته وكانت عناصر الدعوى تدل على جدية الحق المدعى به، وإذا كلف الخصم بتقديم
دفاتره فامتنع، كان للقاضي أن يحمله على التنفيذ عن طريق فرض غرامة تهديديه عن كل
يوم من أيام التأخير تطبيقا للقواعد العامة، وإذا امتنع التاجر عن تقديم دفاتره
للمحكمة فللمحكمة أن تعتبر هذا الامتناع دليلا على صحة ما يدعيه خصم التاجر، ويجب
التفرقة في تقديم الدفاتر للقضاء بين الاطلاع عليها جزئيا والاطلاع عليها كليا.
1- الاطلاع الجزئي
يقصد بالاطلاع الجزئي تقديم التاجر دفاتره التجارية إلى المحكمة للاطلاع
عليها جزئيا، كما يحق للمحكمة انتداب خبير لهذا الغرض لاستخراج البيانات المتعلقة
بالنزاع دون غيرها، وذلك بحضور التاجر وتحت رقابته ولا يجوز للخصم الاطلاع على
دفاتر التاجر وذلك للمحافظة على أسرار التاجر، وإذا كانت الدفاتر المطلوب الاطلاع
عليها في أماكن بعيدة عن المحكمة المختصة أجاز القانون للقاضي أن يوجه إنابة
قضائية لدى المحكمة التي توجد بها الدفاتر أو يعين قاضيا للاطلاع عليها وتحرير
محضر بمحتواها وإرساله إلى المحكمة المختصة بالدعوى وهذا ما نصت عليه المادة 17 من
القانون التجاري، ويرجع الحكم الأخير للمحكمة في الأخذ بعين الاعتبار البيانات
المطلوب الاطلاع عليها فلها أن تقبلها أو ترفضها.
2- الاطلاع الكلي
أما الاطلاع الكلي فيكون بتسليم الدفاتر التجارية إلى المحكمة أو إلى الخصم
للاطلاع على جميع محتوياتها، ولما كان الاطلاع الكلي يؤدي إلى كشف أسرار التاجر
وتفشيها بين منافسيه التجار، فإن المشرع لم يجزه إلا في أحوال معينة نصت عليها
المادة 15 من القانون التجاري الجزائري بقولها: "لا يجوز الأمر بتقديم
الدفاتر وقوائم الجرد إلى القضاء إلا في قضايا الإرث وقسمة الشركة وفي حالة الإفلاس".
1- قضايا الإرث: فيجوز للورثة أو الموصى لهم أن يطلبوا
الاطلاع الكلي على دفاتر مورثهم حتى يتمكنوا من معرفة نصيبهم في التركة.
2- قسمة الشركة: إذا انحلت الشركة، جاز للشريك الاطلاع على
دفاترها لمعرفة نصيبه في التركة، وللشريك حق الاطلاع على دفاتر الشركة ومستنداتها
قبل حلها وخلال حياتها إما لتحديد نصيبه من الأرباح والخسائر أو لمراقبة إدارة
أعمالها، غير أن هذا الحق يقتصر على شركات التضامن، أما في شركات المساهمة
فالقاعدة أنه ليس للشريك المساهم الحق في الاطلاع على دفاتر الشركة ويثبت هذا الحق
لمحافظي الحسابات.
3- حالة الإفلاس: متى صدر الحكم بشهر الإفلاس ضد التاجر، جاز
لوكيل التفليسة الذي يمثل يمثل جماعة الدائنين الاطلاع على دفاتر التاجر المفلس
لتحديد أصوله وخصومه ولا يثبت هذا الحق لدائني المفلس لأن وكيل التفليسة هو الذي
ينوب عنهم.
هذه هي الأحوال الثلاث التي يجوز فيها الاطلاع على دفاتر التاجر، والسبب في
ذلك أن الدفاتر في هذه الحالات تعتبر ملكا مشتركا لجميع أطراف الدعوى دون أن يترتب
على هذا ضرر من جراء كشف الأسرار الواردة فيها، ولا يجوز الاطلاع الكلي على دفاتر
التاجر في غير الحالات المتقدمة، لأن تعداد المادة 15 من القانون التجاري قد ورد
على سبيل الحصر ومن ثم يجوز الاتفاق على جواز الاطلاع في غير هذه الحالات، ومن صور
هذا الاتفاق اشتراط البنوك الاطلاع على دفاتر التاجر في حالة فتح الاعتماد، كما
يخول القانون لمصلحة الضرائب حق الاطلاع على دفاتر التاجر طبقا لقانون الضرائب على
الثروة المنقولة.
المرجع :
- أ.عمورة عمار، شرح القانون التجاري الجزائري، دار المعرفة، الجزائر، 2016، من ص 96 إلى ص 107.