تعريف السجل التجاري وأهميته وتاريخ نشأته
يمكن تعريف السجل التجاري بأنه دفتر يعد لتدوين أسماء
التجار والشركات التجارية والوقائع المتصلة بنشاطهم التجاري لتمكن الغير من الوقوف
على حقيقة مركزهم المالي، ومتابعة ما يطرأ على هذا المركز من تغيرات في أثناء
مزاولتهم للتجارة، أما أهميته تكمن في دعم الائتمان التجاري، وهذا لا يتم إلا عن
طريق شهر المركز القانوني للتاجر والعناصر المختلفة التي يتألف منها نشاطه التجاري
والتي من شأنها بعث الثقة والاطمئنان في نفوس المتعاملين معه وتسهيل عمله التجاري،
ولهذه الاعتبارات أنشئ نظام السجل التجاري.
لمحة تاريخية عن نشأة السجل التجاري وتطوره
تعود الأصول التاريخية لنشأة السجل التجاري إلى نظام
الطوائف بايطاليا في القرن الثالث عشر، إذ جرت عادات طوائف التجار على قيد أسماء
أعضائها في سجل خاص، ولم يهدف القيد في السجل التجاري بتلك الفترة أن يؤدي وظيفة
الشهر التجاري مثلما هو الحال في عصرنا، وإنما كان يهدف إلى مجرد التنظيم الداخلي
لشؤون الطائفة وكوسيلة لحصر التجار حتى يمكن دعوتهم إلى الاجتماعات الدورية التي
تعقدها طائفة التجار ومطالبتهم باشتراكات الانتساب لصفوفها، ثم ظهر من بعد ذلك في
مدينة برشلونة باسبانيا في القرن الرابع عشر وفي سويسرا منذ أواخر القرن السابع
عشر، أما ألمانيا التي كانت من الدول الأوائل التي أخذت بنظام السجل التجاري في
عصرنا الحديث لم يظهر فيها إلا في القرن الثامن عشر وبالتحديد سنة 1861، ويكتسي
السجل التجاري في هذا البلد أهمية بالغة إذ يعتبر قرينة قاطعة على ثبوت صفة
التاجر، بينما لم يظهر السجل التجاري في فرنسا إلا في مطلع القرن التاسع عشر أي
سنة 1919، وقد أخذت ألمانيا ومعظم الدول اللاتينية بنظام السجل التجاري بنسبة
متفاوتة من حيث أهميته القانونية ما عدا الدول الأنجلوسكسيونية كانجلترا التي تجهل
نظام السجل التجاري وذلك بسبب أخذهم لقانون واحد موحد للمعاملات التجارية
والمدنية، وسوف نتطرق لنشأة السجل التجاري الألماني ثم الفرنسي ثم الجزائري.
1- السجل التجاري الألماني:
كانت ألمانيا من الدول الأوائل التي أخذت بنظام السجل
التجاري، حيث نص عليه قانون التجاري الألماني الصادر عام 1861 وخصص المواد من 12
إلى 14 للسجل التجاري ثم جاء القانون التجاري الحالي الصادر عام 1897 حيث نص على
السجل التجاري في المواد من 8 إلى 16 وعهد به إلى قاضي خاص يتولى الإشراف بنفسه
عليه والتأكد من صحة البيانات التي يراد منه تدوينها فيه، وفرض التشريع الألماني
غرامات وعقوبات صارمة على كل شخص يدلي ببيانات كاذبة للقاضي المشرف على هذا السجل
الأمر الذي جعل القيد في السجل التجاري الألماني يرتب آثار قانونية هامة أهمها: أن
القيد في السجل التجاري شرط لاكتساب صفة التاجر ومن ثم يعتبر قرينة قاطعة على ثبوت
صفة التاجر بحيث لا يجوز بعدئذ المنازعة فيها ودحضها بإثبات عكسها، ويختلف شرط
القيد في السجل التجاري من مهنة لأخرى، فإذا كان التاجر يحترف إحدى المهن المنصوص
عليها في المادة الأولى من التقنين التجاري الألماني يلتزم حينئذ بالقيد في السجل
التجاري لأن في القانون الألماني توجد مهن تعتبر تجارية بنص القانون، أما إذا كان
الشخص لا يمارس إحدى المهن المنصوص عليها في المادة الأولى ففي هذه الحالة يكون
القيد في السجل التجاري شرط لاكتساب صفة التاجر، كما أن البيانات المدونة في السجل
التجاري يفترض صحتها ومطابقتها للحقيقة وعلى من يدعي عكس ذلك إقامة الدليل عليه
وإثباته، كما أن البيانات الواجبة القيد في السجل التجاري لا تكون حجة على الغير
إلا إذا قيدت في السجل، فإذا قيدت واقعة في السجل كانت حجة على الغير ولو لم يعلم
بها فعلا، وعلى عكس ذلك إذا لم تقيد واقعة لا يستطيع الاحتجاج بها على الغير ولو
كان يعلم بها عن طريق آخر.
2- السجل التجاري الفرنسي:
لم يعرف القانون التجاري الفرنسي السجل التجاري إلا
بصدور قانون 18 مارس لسنة 1919، غير أن السجل التجاري لم يكن في ظل هذا القانون
إلا مجرد سجل إداري لا يقوم بأي دور قانوني في الحياة التجارية، ولما تبين أن هذا
القانون فيه عيوب ولا يتماشى مع واقع الحياة التجارية أصبحت الحاجة ماسة إلى إلى
تعديله تعديلا شاملا، ولذلك صدرت عدة قوانين متلاحقة منها قانون 9 أوت 1953 الذي
يحث على إصلاح السجل التجاري، ثم ألغى هذا القانون وحل محله قانون 27 ديسمبر 1958،
إلا أنه ظل نظاما إداريا بحثا، ثم أعيد تنظيم السجل التجاري بمرسوم 23 مارس 1967
المعدل بمرسوم 2 جانفي 1968، وأخيرا قانون 1975 وأصبح بهذه التعديلات السجل
التجاري الفرنسي أقرب إلى السجل التجاري
الألماني، ومن اهم ما استحدثته هذه التعديلات: أن القيد في السجل التجاري أصبح شرط
لممارسة الأعمال التجارية، كما أن القيد في السجل التجاري أصبح قرينة بسيطة على
اكتساب صفة التاجر يجوز دحضها بإقامة الدليل على عكسها، وأخذ بمبدأ الاحتجاج على
الغير ببعض البيانات التي تقيد في السجل، كما جعل قيد الشركات في السجل التجاري
شرطا ضروريا لاكتسابها الشخصية المعنوية.
3- السجل التجاري الجزائري:
خضع نظام السجل التجاري الجزائري قبل الاستقلال إلى
القوانين الفرنسية وظلت سارية المفعول في الجزائر حتى بعد الاستقلال طالما لم
تتعارض مع السيادة الوطنية إلى حين صدور القانون التجاري الجزائري سنة 1975، وقد
مر التشريع التجاري الجزائري من سنة 1975 إلى سنة 1991 بعدة مراحل صدرت خلالها عدة
قوانين ومراسيم تتعلق بتنظيم السجل التجاري، ويتميز السجل التجاري في مرحلته
الأولى بأنه كان يتكون من سجل محلي يوجد في مركز كل ولاية ومن سجل مركزي يوجد في
الجزائر العاصمة، يشرف على السجل المحلي مأمور يعينه مدير المركز الوطني للسجل
التجاري، كما يعهد القانون بالسجل إلى المحكمة تحت إشراف القاضي المختص للتحقيق في
صحة البيانات المتعلقة بالتاجر فضلا عن قيامه بالنظر في المنازعات الخاصة بها، كما
أن القانون التجاري الجزائري جعل القيد في السجل التجاري قرينة بسيطة لاكتساب صفة
التاجر، كما أن الشركات التجارية لا تكتسب الشخصية المعنوية إلا بعد القيد في
السجل التجاري، أما المرحلة الثانية تبدأ من صدور قانون 18 أوت لسنة 1990 المتعلق
بالسجل التجاري فأصبح من خلاله القانون التجاري الجزائري أقرب إلى القانون
الألماني، وسندرس نظام السجل التجاري في الجزائر سواء من حيث تنظيم السجل التجاري
والأشخاص الملزمون بالقيد في السجل التجاري وإجراءات القيد أو من حيث البيانات
الواجب قيدها والآثار القانونية للسجل التجاري وأخيرا الجزاءات الجنائية والمدنية
التي تترتب على القيد في السجل التجاري أو على عدم القيد فيه.
المرجع :
- أ.عمورة عمار، شرح القانون التجاري الجزائري، دار المعرفة، الجزائر، 2016، من ص 107 إلى ص 110.