الشروط الشكلية وبطلان الشركة
تقتضي المادة 418 الفقرة الأولى من
القانون المدني الجزائري تحت عنوان أركان الشركة "يجب أن يكون عقد الشركة
مكتوبا وإلا كان باطلا، وكذلك يكون باطلا كل ما يدخل على العقد من تعديلات إذا لم
يكن له نفس الشكل الذي يكتسبه ذلك العقد"، ويؤخذ من هذا النص أن الكتابة هي
شرط لانعقاد عقد الشركة سواء كانت هذه الشركة تجارية أم مدنية ومهما كان رأسمالها،
بمعنى أن الكتابة أصبحت ركن من أركان العقد لا تنعقد الشركة من دونه، لا مجرد
وسيلة من وسائل إثبات الشركة، فلا يغني عن الكتابة إقرار أو يمين، إلا أن الفرق
الموجود بين الشركة التجارية والمدنية هو أن هذه الأخيرة لم يستلزم فيها المشرع
الرسمية بل تكفي الكتابة العرفية كذلك لا يشترط في الشركات المدنية إجراء الشهر ،
كما اشترط المشرع الجزائري أيضا في المادة 545/1 من القانون التجاري "أن تثبت
الشركة بعقد رسمي وإلا كانت باطلة"، واشتراط المشرع الكتابة الرسمية فيما
يتعلق بقيام الشركة التجارية إنما يعود لتنبيه الشركاء على خطورة العقد وما يتضمنه
من مسائل قانونية معقدة تتطلب تدخل شخص مختص في الشركات التجارية يناط به توثيق
عقد الشركة (الموثق)، خاصة وأنه ينشأ عن الشركة شخص معنوي جديد له وجوده المستقل
عن الشركاء، ويبقى العقد قائما فيما بين الشركاء مدة طويلة 99 عاما بحيث يكون من
الأفضل عدم الاعتماد على ذاكرة الشهود، كما أن العقد المكتوب من شأنه تقليل عدد
المنازعات لأن الشروط الموجودة فيه محددة، كذلك تلزم الكتابة لصحة ما يدخله
الشركاء على العقد من تعديل، كأن يحصل زيادة أو تخفيض في رأس مال الشركة أو كأن
يمدد الشركاء في حياة الشركة أو يقصرونها، والبطلان المترتب على عدم استيفاء
الشركة للشكل الكتابي هو بطلان من نوع خاص لا يخضع للقواعد العامة للبطلان كما جاء
ذلك في نص المادة 418 الفقرة 2 من القانون المدني: "غير أنه لا يجوز أن يحتج
الشركاء بهذا البطلان قبل الغير ولا يكون له أثر فيما بينهم إلا من اليوم الذي
يقوم فيه أحدهم بطلب البطلان"، ولم يبين القانون المدني طريقة خاصة لكتابة
العقد أو البيانات الواجب ذكرها مما يدل على أن الشركاء أحرار في الكيفية التي تتم
بها كتابة العقد على شرط أن لا تكون مخالفة للنظام العام والآداب، كما يجب أن
يتضمن عقد الشركة حد أدنى من البيانات وعلى وجه الخصوص نوع الشركة (شركة تضامن أو
شركة ذات مسؤولية محدودة أو شركة مساهمة) ومدتها، وغرضها، ورأس مالها، وأسماء
الشركاء، واسم الشركة، ومركزها الرئيسي، وطريقة توزيع الأرباح والخسائر، وكيفية
الإدارة، وبما أن الكتابة لازمة لوجود العقد فهي بالضرورة لازمة لإثباته، إضافة
على ذلك يجب شهر الشركة التجارية ليعلم بها الغير والكتابة هي الخطوة الأولى في
سبيل الشهر، كما أوجب المشرع شهر أي تعديل يطرأ على العقد التأسيسي للشركة ورتب
على تخلف هذا الإجراء الجوهري جزاء قاسيا يتمثل في بطلان الشركة ومن ثم يجوز لأي
شريك طلب تصفيتها بسبب عدم قانونيتها هذا ما يستفاد من صريح نص المادة 548 تجاري:
"يجب أن تودع العقود التأسيسة والعقود المعدلة للشركات التجارية (ما عدا
شركات المحاصة) لدى المركز الوطني للسجل التجاري، وتنشر حسب الأوضاع الخاصة بكل
شكل من أشكال الشركات وإلا كانت باطلة"، وفضلا عن إيداع ملخص العقد التأسيسي
للشركة في السجل التجاري يجب أيضا نشر هذا الملخص في النشرة الرسمية للإعلانات
القانونية، وكذلك نشرة في جريدة يومية يتم اختيارها من طرف ممثل الشركة.
المطلب الأول : في العلاقة ما بين الشركاء
يجوز لكل شريك أن يتمسك ببطلان الشركة، ويقع ذلك مثلا إذا ما طلب بقية
الشركاء بتقديم حصة إلى الشركة فيمتنع الشريك عن ذلك مستندا إلى بطلان الشركة، إلا
أن أكثر البطلان هذا لا ينسحب إلى الماضي لأثر رجعي بل ينتج أثاره بالنسبة
للمستقبل ومن وقت طلب البطلان فحسب، وهذا الحل هو حل منطقي ذلك لأن الشركاء وقد
تعاملوا حتى ذلك الحين على أساس أن الشركة صحيحة وقائمة، إلا أن الفقه والقضاء
استقر على أنه في العلاقة فيما بين الشركاء يجوز إثبات قيام الشركة في خلال المدة
السابقة على تقرير البطلان بكافة طرق الإثبات لكي يتبنى تصفية الروابط الماضية بين
الشركاء ولكي لا يستغل أحد الشركاء أو بعضهم عدم كتابة الشركة وعدم جواز إثباتها
ليستأثر لنفسه دون الباقين لأرباحها وذلك تطبيقا لنظرية الشركة الفعلية.
المطلب الثاني: أما في علاقة الشركاء بالغير
أما بالنسبة للغير، فلا يجوز للشركاء إثبات الشركة تجاه الغير إلا
بالكتابة، أما الغير فله أن يتمسك بالبطلان في مواجهة الشركاء بقيام الشركة أو بما
أدخل عليها من تعديلات غير مكتوبة وله أن يثبت ذلك بكافة وسائل الإثبات، لأن
الشركة بالنسبة للغير واقعة مادية، كما يحق للغير أن يتمسك ببطلان الشركة إذا ما
كانت له ثمة مصلحة شخصية في ذلك، مثال ذلك أن يكون دائنا لأحد الشركاء ومدنيا في
ذات الوقت للشركة، فتقدم مصلحته في التمسك ببطلانها لتحدث المقاصة ما بين الدين
الذي عليه والدين الذي له، هذا وقد اكتفى المشرع الجزائري بمبدأ لزوم البطلان
لتخلف الكتابة.
المطلب الثالث: جزاء الإخلال بأركان عقد الشركة
يترتب على الإخلال بأي ركن من أركان عقد الشركة السالفة الذكر بطلان هذا
العقد، ويختلف هذا البطلان بحسب الأحوال فقد يكون نسبيا وقد يكون مطلقا.
أولا: البطلان النسبي
وهو البطلان الذي يمس العقد بسبب نقص الأهلية وقت انعقاد العقد، أو إذا
كانت إرادة أحد الشركاء معيبة بعيب من عيوب الرضا، كالتدليس أو الغلط أو الإكراه، ففي
هذه الحالات يكون العقد باطلا بطلانا نسبيا لمصلحة ناقص الأهلية أو من شاب العيب
رضاه، أما الغير من الشركاء فليس لهم حق التمسك بالبطلان، ويعتبر العقد صحيحا
بالنسبة لهم، ولكن يزول حق الشريك في إبطال العقد بالإجازة الصريحة أو الضمنية،
وتستند الإجازة إلى التاريخ الذي تم فيه العقد دون إخلال بحقوق الغير(المادة 100
من القانون المدني الجزائري)، ونصت المادة 101 مدني بقولها: " يسقط الحق في
إبطال العقد إذا لم يتمسك به صاحبه خلال عشرة سنوات، ويبدأ سريان هذه المدة، في
حالة نقص الأهلية من اليوم الذي يزول فيه هذا السبب، وفي حالة الغلط أو التدليس من
اليوم الذي يكتشف فيه، وفي حالة الإكراه، من يوم انقطاعه غير أنه لا يجوز التمسك
بحق الإبطال لغلط أو تدليس أو إكراه إذا انقضت خمسة عشر سنة من وقت تمام
العقد"، هذا تترتب آثار في حالة خروج هذا الشريك من الشركة، فإذا كان شريكا
في شركة أشخاص كشركة التضامن فخروجه منه يؤدي إلى حل الشركة لأن هذا النوع من
الشركات يقوم على الاعتبار الشخصي ويعتمد كل شريك على وجود الشركاء الآخرين بسبب
التضامن الذي يسودهم، أما إذا كان شريكا في شركة أموال كالشركة ذات المسؤولية
المحدودة وعلى وجه الخصوص في شركة
المساهمة فلا تأثير على خروج هذا الشريك لأن في هذا النوع من الشركات لا يعتد على
شخصية الشريك فهي لا تقوم على الاعتبار الشخصي بل العبرة فيها بما يقدمه كل شريك
من مال، وإذا لم يستوفي عقد الشركة للشكل الكتابي أعتبر باطلا، وهذا البطلان كما
ذكرنا سابقا يخرج عن نطاق القواعد العامة في البطلان المطلق، فإذا تخلف ركن
الكتابة استوجب أن تمتنع المحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها بل لابد من طلبه قضاء،
كما أنه لا يجوز للشركاء أن يحتجوا بهذا البطلان على الغير، وأخيرا إن هذا البطلان
يزول إذا استوفيت الكتابة قبل الحكم بالبطلان.
ثانيا: البطلان المطلق
يعتبر العقد باطلا بطلانا مطلقا في الحالات التي ينعدم فيها الرضا كاستعمال
وسائل ضغط أو تهديد غير مشروعه، أو إذا كان محل عقد الشركة أو سببها مخالف للنظام
العام والآداب أي غير مشروع كما لو تمثل في الاتجار في المخدرات أو إدارة محل
للدعارة، أو إذا تخلف ركن اقتسام الأرباح والخسائر بفعل شرط الأسد الذي يمنح
الأرباح لأحد الشركاء أو يعفيه من أية خسارة، ولما كان العقد باطلا بطلانا مطلقا
فقد أجازت المادة 102 من القانون المدني الجزائري لكل ذي مصلحة أن يتمسك بهذا
البطلان، وللمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها، ولا يجوز البطلان بالإجازة، ولا
تسقط دعوى البطلان إلا بمضي خمسة عشر سنة من وقت إبرام العقد.
المرجع :
- أ.عمورة عمار، شرح القانون التجاري الجزائري، دار المعرفة، الجزائر، 2016، من ص 144 إلى ص 147.