الشخصية المعنوية للشركة
الشخصية المعنوية هي وسيلة من الوسائل القانونية التي يهبها المشرع للشركات
متى كانت مؤسسة على وجه صحيح وذلك بغية إيجاد حياة قانونية ذاتية خاصة بها تميزها
عن حياة الأفراد المكونين لها تساعدها على تحقيق الأهداف التي قامت من أجلها،
وبتعبير أدق فإن اكتساب الشركة للشخصية المعنوية يؤهلها لامتلاك الصلاحيات لثبوت
الحقوق والواجبات والقيام بكافة إجراءات التصرف والتعاقد والتقاضي والإدارة بما
يشبه إلى حد كبير الأشخاص الطبيعية، وقد اعترف القانون الجزائري شأنه شأن القوانين
الحديثة للشركة بالشخصية المعنوية حيث نص في المادة 417 من القانون المدني
الجزائري على أن الشركة تكتسب الشخصية المعنوية بمجرد تكوينها، غير أن هذه الشخصية
لا تكون حجة على الغير إلا بعد استيفاء إجراءات الشهر التي ينص عليها القانون، ومع
ذلك إذا لم تقم الشركة بالإجراءات المنصوص عليها في القانون فإنه يجوز للغير بأن
يتمسسك بتلك الشخصية، ويترتب على الشخصية المعنوية آثار قانونية تتمثل في استقلال
الشركة عن الأشخاص الشركاء المكونين لها من حيث اكتسابها لاسم وجنسية ومواطن
وأهلية وامتلاكها لذمة مستقلة عن ذمم الشركاء وهذه الآثار تشبه إلى حد كبير آثار
ولادة طفل، ويستمر الشخص المعنوي في العمل حتى أن خروج أحد الشركاء من الشركة، أو
موت ّأحد أعضاء مجلس الإدارة فيها، فلا يؤدي ذلك إلى انتهاء الشركة تلقائيا،
وتكتسب جميع أنواع الشركات الشخصية المعنوية سواء كانت شركات مدنية أو تجارية
باستثناء شركة المحاصة بسبب عدم خضوعها لإجراءات الشهر والنشر، وجسد انفصال الشركة
عن الشركاء فيها قرار حكم في قضية مشهور عرضت على القضاء الانكليزي، المعروفة
بقضية، salomon v. salomom and co. Ltdملخصها: أن
"سالمون" تاجر جلود ولديه مصنع للأحذية، اضطرب عمله فحول نشاطها إلى
شركة محدودة المسؤولية من سبعة أشخاص، هو وزوجته وأطفاله الخمسة وباع للشركة مصنع
الأحذية بمبلغ مقداره (30000 جنيه انجليزي تسلم 20000 منها) وبقى دين على الشركة
مبلغ (10000 جنيه انجليزي)، صفيت الشركة بعد أن اتجهت نحو الإفلاس، وقد وجد المصفي
أن أموال الشركة لا تكفي لسداد ما عليها من الديون، فأراد استبعاد دين
"سالمون" من ديون الدائنين تأسيسا على أنه والشركة واحد، المحكمة وجدت
خطأ هذا التصور، وقالت أن الشركة بمجرد تأسيسها تصبح شخصا مستقلا عن الأشخاص
الموقعين على عقدها، وحتى إذا كان نشاطها هو ذات النشاط السابق، على تأسيس الشركة
والأشخاص هم الذين يتسلمون الأرباح التي تدرها، فالشركة شخص قائم بذاته لا تعد وكيلا عن الشركاء ولا ضامنة لهم، كذلك
لا يسأل الشركاء شخصيا عن الشركة إلا بمقدار ما يحدده القانون.
المبحث الأول: أساس الشخصية المعنوية وتحديد مدتها
تنص المادة 549 من القانون التجاري الجزائري على ما
يلي: " لا تتمتع الشركة بالشخصية المعنوية إلا من تاريخ قيدها في السجل
التجاري، وقبل إتمام هذا الإجراء يكون الأشخاص الذين تعهدوا باسم الشركة ولحسابها
متضامنين من غير تحديد أموالهم إلا إذا قبلت الشركة، بعد تأسيسها بصفة قانونية أن
تأخذ على عاتقها التعهدات المتخذة، فتعتبر التعهدات بمثابة تعهدات الشركة منذ
تأسيسها"، والمعنى من هذا أن الشركات التجارية على مختلف أنواعها سواء كانت
شركة أشخاص أو شركات أموال – ماعدا شركة المحاصة- لا يحق لها كأصل عام أن تباشر
أعمالها إلا بعد قيدها في السجل التجاري، إلا أن هنالك حالات يستغرق تأسيس الشركة
وخصوصا شركات الاموال مدة زمنية معينة لأن تأسيسها يتطلب اتخاذ العديد من
الإجراءات المادية والقانونية، وخلال هذه المدة قد يبرم المؤسسون كثيرا من
التصرفات لحساب الشركة، فكيف يكون وضعهم إزاء هذه التصرفات التي أبرموها لحساب
الشركة أثناء فترة التأسيس هل يتحملونها هم أم الشركة وخاصة إذا علمنا أن مشروع
تأسيس الشركة قد يفشل كما قد ينجح؟ ولحسم هذه المسألة فقد نص المشرع الجزائري على
أن المؤسسين يسألون مسؤولية شخصية وتضامنية عن التصرفات والعقود التي أبرموها باسم
الشركة ولحسابها أثناء فترة التأسيس، أي قبل تاريخ قيدها في السجل التجاري، لأن من
غير المعقول أن تلتزم الشركة بتصرفات المؤسسين خلال مدة لم تكن قد وجدت فيها بعد،
أما إذا تم تأسيس الشركة بصفة قانونية فيكون للشركة الخيار بين قبول التعهدات التي
أبرمها المؤسسون لحساب الشركة أو رفضها، وقد اتخذ المشرع الجزائري هذا الحكم على
خلاف بعض التشريعات الأجنبية التي منحت للشركة خلال فترة التأسيس، أي قبل قيدها في
السجل التجاري شخصية اعتبارية بالقدر اللازم لتأسيسها، بمعنى شخصية معنوية ناقصة
أو مؤقتة تسمح بموجبها انتقال العقود والتصرفات التي أبرمها المؤسسون مباشرة إلى
الشركة بعد تأسيسها قانونيا وتقوم علاقة مباشرة بينها وبين الغير الذي تعاقد معه
المؤسسون، فالشركة تكون مسئولة عن هذه التصرفات باعتبار أن المؤسسون يكونون ممثلين
لها طالما أنها تتمتع بشخصية معنوية بالقدر اللازم للتأسيس، وهذا ما يحقق ميزة
للمؤسسين لأنهم يتحررون من الالتزامات الشخصية قبل الغير بمجرد تمام التأسيس
واكتساب الشركة الشخصية المعنوية الكاملة، فالشركة في هذه المرحلة تشبه بالجنين
قبل ميلاده، إذ أن لها شخصية قانونية ناقصة، وشخصيته الكاملة تتوقف على ميلاده حيا،
وللإشارة أن الشركات المدنية تكتسب الشخصية المعنوية بمجرد تكوينها بالرغم من أنها
لا تخضع لإجراءات الشهر، لأن المشرع في قانون المعاملات المدنية لم يحدد ما هي
إجراءات الشهر الواجبة الإتباع بالنسبة للشركات المدنية، وهذا ما أدى إلى انقسام
الفقهاء بين من يقول تتبع نفس إجراءات الشهر الواجبة الإتباع في الشركات التجارية
وبين من يقول بأن الشركة المدنية لا تخضع لأي إجراءات شهر إلى أن يحدد القانون هذه
الإجراءات، والشركات التجارية المنصوص عليها في القانون التجاري الجزائري هي: شركة
التضامن، والشركة ذات المسؤولية المحدودة، وشركة المساهمة، وشركة التوصية، وعليه
فإن الشخصية المعنوية للأنواع الأربعة من الشركات تبدأ من تاريخ قيدها في السحل
التجاري، لأن هذه الشركات بحاجة إلى الإجازة لبدء نشاطها، وتبقى الشركة محتفظة
بشخصيتها المعنوية طوال بقائها وحتى بعد انقضائها وطوال فترة التصفية وبالقدر
اللازم للتصفية، فإذا انتهت تصفية الشركة وتم تسوية جميع ديونها وحقوقها فإن
شخصيتها المعنوية تنتهي وتزول نهائيا (المادة 444 من القانون المدني الجزائري)،
إلا أن مهمة المسيرين تنتهي عند انحلال الشركة، ويخلفهم المصفي الذي يصبح الممثل
الوحيد للشركة أثناء فترة التصفية، ويترتب على بقاء الشخصية المعنوية للشركة بعد
انحلالها وفي فترة التصفية بقاء ذمة الشركة قائمة وضامنة، ولا تقسم أموالها على
الشركاء إلا بعد استيفاء دائني الشركة لدينهم، وإذا توقفت الشركة عن دفع ديونها
أثناء التصفية أمكن شهر إفلاسها.
المبحث الثاني: تحويل الشركات وأثره على شخصيتها المعنوية
يقصد بالتحويل تغيير الشكل القانوني للشركة كتحولها
من الشكل الذي نشأت عليه إلى شكل آخر من أشكال الشركات التجارية، كما لو تحولت
شركة تضامن إلى شركة توصية بسيطة أو ذات مسؤولية محدودة إلى شركة مساهمة أو شركة
تضامن إلى شركة ذات مسؤولية محدودة، ونص المشرع الفرنسي في هذا الشأن بأنه إذا تم
التحويل بصفة منتظمة، أي في إطار نص قانوني أو عقد الشركة تبقى شخصية هذه الأخيرة
قائمة ومستمرة في الشكل الجديد، أما إذا كان عكس ذلك فيترتب عليه زوال الشركة
الأولى وإنشاء شركة جديدة، أما تغيير جنسية الشركة عن طريق نقل مركز إدارتها
الرئيسي من بلد لآخر فقد يترتب عنه زوال الشخصية المعنوية لهذه الشركة ما عدا إذا وجد
اتفاق خاص بين دولتين في هذا الشأن، هذا ويعد كل تغيير لموضوع الشركة الأصلي عبارة
عن إنشاء لشركة جديدة.
المبحث الثالث: النتائج المترتبة على الشخصية المعنوية
تتمتع الشركة كشخص اعتباري بجميع الحقوق إلا ما كان
منها ملازما لصفة الإنسان، وذلك في الحدود التي يقررها القانون (المادة 50 من
القانون المدني الجزائري)، ويترتب على هذا الأصل أن للشركة ذمة مالية مستقلة عن
ذمم الأشخاص المكونين لها، كما تكتسب أهلية واسم وموطن وجنسية تميزها عن غيرها من
الشركات.
المطلب الأول : ذمة الشركة المالية
من أهم النتائج المترتبة على الشخصية المعنوية، هو
اكتساب الشركة لذمة مالية مستقلة عن الذمم المالية للشركاء المكونين لها، فالشركة
كونها شخصا قانونيا لا يمكن أن تفي بالتزاماتها وتقوم بأنشطتها بغير أن تكون لها
ذمة مالية، ومن ثم لا يجوز للشركاء التصرف فيها، بل هي ملكا للشركة توضع لخدمة الغرض
الذي أنشأت من أجله، ويدخل ضمن الذمة المالية للشركة رأس المال والموجودات، ولابد
من توضيح المصطلحين، فمصطلح رأس المال هو الرقم المثبت في عقدها، وهو ثابت عادة،
إلا إذا قامت الشركة بإجراءات تغييره، زيادة أو تخفيضا، أما الموجودات فتشمل جميع
أموال الشركة، والأبنية والمعدات، وما استقطع من الأرباح لتكوين الاحتياطات، وتدخل
ضمن الضمان العام للدائنين، ويتمثل ضمان الدائنين عادة كحد أدنى بمقدار رأس المال
الاسمي، هذا ويترتب على أن للشركة ذمة مالية مستقلة ما يلي:
1- أن حق الشريك في مواجهة الشركة هو من طبيعة منقولة،
بمعنى أن الحصة التي يقدمها الشريك للشركة تخرج عن ملكة وتصبح مملوكة للشركة كشخص
معنوي، ولا يبقى له إلا مجرد نصيب في الأرباح وفي فائض التصفية المتبقية بعد
انقضاء الشركة واستيفاء ديونها، وهذا النصيب يعتبر دينا في ذمة الشركة، وهو لا
يعدو من أن يكون كأي دين آخر من طبيعة منقولة ولو كانت الحصة التي قدمها الشريك
للشركة عقارا أو حتى إذا ما كانت جميع الحصص المقدمة من العقارات، ويبقى حق الشريك
مقدم الحصة محتفظا بطبيعته المنقولة إلى أن تتم تصفية أموال الشركة، وعندئد تزول
شخصية الشركة فيتخذ حق الشريك صفة منقولة أو عقارية تبعا لطبيعة النصيب الذي يحصل
عليه في القسمة، هذا ويترتب على حصة الشريك في مواجهة الشركة من الأموال منقولة
إمكان تداول هذه الحصة بطرق القانون التجاري السريعة دون الحاجة إلى استيفاء
الإجراءات المقررة في القانون المدني، فلو كانت الحصة تمثل حقا عقاريا لا منقولا
لما كان التصرف بها إلا بعد استيفاء إجراءات التسجيل، مع الإشارة بأن التشريع
الجزائري انفرد عن التشريع الفرنسي والمشرق العربي والمغرب العربي من حيث أنه
يتطلب الكتابة الرسمية لكي يستطيع الشريك أن يتنازل عن حصته في رأسمال الشركة إلى
الغير.
2- تعتبر ذمة الشركة ضمانا لدائني الشركة وحدهم دون
دائني الشركاء الشخصيين، كما أن ذمة الشريك هي الضمان العام لدائنيه الشخصيين دون
دائني الشركة، وبالتالي لا يجوز لدائني الشريك التنفيذ على أموال الشركة ومن بينها
حصة الشريك المدين لأن هذه الحصة انتقلت من ذمة الشريك إلى ذمة الشركة، وإنما لهم
أن يتقاضوها من أرباح الشريك في الشركة وهذا ما نصت عليه المادة 436 من القانون
المدني الجزائري بقولها: "إذا كان لأحد الشركاء دائنون شخصيون، فليس لهم
أثناء قيام الشركة أن يتقاضوا ديونهم إلا من نصيب ذلك الشريك في الأرباح دون نصيبه
في رأسمال الشركة، أما إذا انحلت الشركة وتمت التصفية، فيحق لدائني الشريك أن
يتقاضوا ديونهم من نصيب مدينهم في رأس مال الشركة بعد طرح ديونها".
3- يترتب على استقلال ذمة الشركة عن ذمم الشركاء بأنه
لا تجوز المقاصة بين دين للشركة ودين على أحد الشركاء، فإذا كان شخص واحد أجنبيا دائنا
للشريك ومدين للشركة فليس له أن يتمسك في مواجهة الشركة بوقوع المقاصة بين الدين
الذي عليه للشركة والدين الذي يكون له قبل أحد الشركاء مادامت ذمة الشركة مستقلة
عن ذمة الشريك، ولأن المقاصة تقع عندما يوجد شخصان كلاهما دائن ومدين للآخر في وقت
واحد، فيسقط أقل الدينين من الطرفين أما بالاتفاق أو بقوة القانون حسب توافر شروط
يتطلبها القانون في حين نحن الآن وحسب المثال في مواجهة ثلاثة أشخاص الشركة
والدائن الأجنبي والشريك في الشركة، بيد أنه إذا كان يمتنع على دائني الشركة أن
ينفذوا على أموال الشركة فإن لدائن الشركة الحق في أن ينفذ على أموال الشريك
الخاصة إذا كان الشريك يسأل عن ديون الشركة مسؤولية شخصية تضامنية ومطلقة، كما هو
الحال بالنسبة لجميع الشركاء في شركة التضامن، بحيث يتزاحموا دائنوا الشركة مع
الدائنين الشخصيين للشركاء لاستيفاء مبلغ الدين من ذمة الشريك، أما إذا كان الشريك
يسأل عن ديون الشركة مسؤولية محدودة كما هو الحال بالنسبة لجميع الشركاء في الشركة
ذات المسؤولية المحدودة وشركة المساهمة فلا يجوز لدائني الشركة أن ينفذوا على
أمواله الخاصة بل على أموال الشركة فحسب، فذمة الشريك في كلا هذين النوعين من
الشركة تكون الضمان العام لدائنيه الشخصيين دون دائني الشركة.
4- إن إفلاس الشركة لا ينتج عنه كأصل عام إفلاس
الشركاء، كما أن إفلاس الشريك لا يترتب عنه إفلاس الشركة، والسبب في ذلك راجع
بالطبع أن لكل من الشركاء والشركة شخصيته وأمواله المستقلة، بمعنى أن الشركة تكون
لها ذمة مالية مستقلة عن ذمم الشركاء، إلا أن الأمر يختلف بين شركات المساهمة
والمحدودة وبين شركات التضامنية والتوصية، فعند إفلاس الشركة من النوع الأول لا
يمتد الإفلاس إلى الشركاء، لأن مسؤولية هؤلاء عن ديون الشركة محدودة بمقدار
المساهمة برأس المال، أما إذا أفلست شركة من شركات التضامن أو التوصية فيتبع ذلك
بالضرورة إفلاس الشركاء المتضامنين في الشركة بسبب مسؤولياتهم التضامنية عن ديون
الشركة في أموالهم الخاصة، ويستتبع ذلك تعدد التفليسات فتوجد إلى جانب تفليسة
الشركة تفليسة كل واحد من الشركاء المتضامنين، على أن كل تفليسة من التفليسات تعتبر
مستقلة قائمة بذاتها، وتفليسة الشركة لا تضم سوى دائنيها دون الدائنين الشخصيين
للشركاء، وأما تفليسة الشركاء فيتزاحم فيها دائني الشركة مع الدائنين الشخصيين
للشركاء.
المطلب الثاني: أهلية الشركة كشخص معنوي
طبقا للمادة 50 من القانون المدني الجزائري تكتسب
الشركة كشخص معنوي أهلية في الحدود التي يعينها عقد إنشائها أو التي يقررها
القانون، والأهلية المقصودة، هي الأهلية بنوعيها، أهلية الوجوب، وهي أن يفرض على
الشركة واجبات وتكون لها حقوق، ويستثنى من ذلك ما هو ملازما لصفة الإنسان، كالحقوق
السياسية وواجبات الأسرة، فيحق للشركة أن تتعامل مع الغير فتصبح دائنه ومدينة، كما
يحق لها أن تساهم في شركة أخرى وأن تبيع وتشتري وتؤجر وترهن وتؤمن وأن تتقاضى
وتقاضي، ويجوز لها قبول التبرعات من الغير في الحدود التي يسمح بها غرض الشركة،
ولها الحق في التبرع لأغراض خيرية أو اجتماعية وغير ذلك من الأنشطة، هذا ولا يعني
أن للشركة حرية مطلقة في التصرف عند مباشرة أهليتها، وإنما عليها أن تلتزم بالحدود
التي رسمها لها عقد الشركة والغرض الذي وجدت من أجله، ولا يجوز للشركة أن تتجاوز
هذا الغرض إلى غيره إلا بتغيير عقدها التأسيسي وذلك تطبيقا لقاعدة "تخصص
الشخص المعنوي"، ومؤداها أن الشخص المعنوي ليس له من الحقوق إلا ما يتفق مع
تحقيق غرضه، هذا وتلتزم الشركة التجارية بالتزامات التاجر المهنية من الأفراد من
مسك الدفاتر التجارية والقيد في السجل التجاري والخضوع لنظام الإفلاس وأداء
الضرائب التجارية أو الصناعية، كما أن الشركة تسأل مسؤولية مدنية بالتعويض عن
الأضرار التي تقع للغير جراء أعمال موظفيها أو عمالها في حالة تأدية وظيفتهم أو
بسببها، كما تسأل عما تحدثه الحيوانات والأشياء تحت حراساتها من ضرر، ولا تسأل
الشركة كالشخص الطبيعي، فليس لها إرادة تعبر بها عن نفسها، كما أنه من غير الممكن
أن ترتكب الشركة الجرائم بذاتها، فضلا عن أن العقوبات البدنية لا يعقل تطبيقها على
الشركة، فالأصل كما نعلم أن العقوبة ذاتية شخصية لا تنزل إلا على الشخص الطبيعي
الذي وقع منه الفعل المكون للجريمة، ولذلك يقول الرأي السائد في الفقه بعدم قيام
المسؤولية الجنائية في جانب الشركة والأشخاص المعنوية بوجه عام، بل أن الذي يسأل
جنائيا هو الشخص الطبيعي مرتكب الجريمة بذاته من عمال الشركة أو موظفوها أو
مدرائها، ومع ذلك يتجه الرأي إلى أنه يجوز أن يحكم على الشركة بالعقوبة المالية
كعقوبة الغرامة لأنها لا تنطوي على معنى الزجر والعقاب بالمفهوم الدقيق الصحيح
وإنما على إجبار أو إصلاح الضرر الذي أصاب الخزانة العامة، كما هو الحال بالنسبة
مثلا للغرامات التي تقضي بها مصلحة الجمارك في مواد التهريب أو الغرامات التي تفرض
على من لم يدفع الضريبة المستحقة لخزانة الدولة أو عل الذي قد تأخر في دفعها.
المطلب الثالث: تمثيل الشركة وإدارة ذمتها
بخلاف الشخص الطبيعي لا تستطيع الشركة كشخص معنوي أن
تباشر أهليتها بنفسها، أي بمعنى أنها لا تستطيع التصرف في أموالها والمثول أمام
العدالة لأن شخص الشركة مفترض، ومن ثم ينوب عنها من يمثلها وهو المدير يعبر عن
إرادتها ويتكفل بتسيير كل أعمالها، ويعتبر المدير وكيلا عن الشركة يعمل باسمها
ولحسابها في حدود سلطاتها المرسومة في عقد تعيينه أو في عقد الشركة، ومدير الشركة
ليس وكيلا بالمعنى الصحيح الدقيق، ذلك أن الوكالة تفرض عقدا بين الشركة كشخص معنوي
والمدير، أي تطابق إرادتهما على الوكالة ولا إرادة أصلا للشركة، وتتجسم إرادة
الشركة في إرادة المدير، فلا يمكن للشركة أن تدير ذمتها إلا بوساطته، ولا يجوز
للمدير أن يمنح نفسه الوكالة عن الشركة بل الشركاء هم الذين يمنحون له هذه
الوكالة، وقد لا يقع اختيار مدير الشركة بإجماع آراء الشركاء، وإنما بموافقة
الأغلبية ومع ذلك يعتبر المدير وكيلا عن الشركة وعن جميع الشركاء حتى بالنسبة
للشركاء الذين لم يوافقوا على اختياره، ولو كان المدير وكيلا بالمعنى الصحيح لما
كانت له أي صفة في تمثيل من لم يوافق على تعيينه كمدير للشركة، مع الإشارة أن
لمدير الشركة سلطات خاصة به تجاوز في كثير من الأحيان ما يتمتع به كل شريك من
حقوق، والقانون هو الذي يحدد عادة حقوق المدير لاسيما في شركة الأموال، وللمدير أن
يباشر هذه الحقوق بالرغم من معارضة الشركاء، وهذا ما يعارض قواعد الوكالة، ولذلك
قامت نظرية حديثة تقول بأن مدير الشركة لا يعتبر وكيلا عن الشركة أو عن الشركاء،
بل هو عضوا من أعضائها الداخلة في تكوين بنيانها، فهو العضو الناطق في إدارة
الشركة والعامل لحسابها، من حيث لا تستطيع الشركة أن تعمل إلا بوساطته، على أن
المدير وإن لم يكن وكيلا على الشركة بالمعنى القانوني الدقيق إلا أن قواعد الوكالة
تنطبق عليه كما سنرى وذلك عن طريق القياس.
المطلب الرابع: اسم الشركة
ما دامت الشركة شخصا معنويا، فيفترض أن يكون لها اسم
خاص بها يميزها عن غيرها من الشركات، ويختلف هذا الاسم باختلاف نوع الشركة، ففيما
يتعلق بشركة التضامن وشركة التوصية البسيطة نصت كل من المادتين 552 و 563 مكرر 2
من القانون التجاري الجزائري على أنه" يتألف عنوان الشركة من أسماء جميع
الشركاء أو من اسم أحدهم أو أكثر متبوع بكلمة " وشركاؤهم"، ونفس التسمية
تنطبق على شركة التوصية بالأسهم، أما شركة المساهمة فيتكون اسمها عادة من الغرض
التي قامت من أجل تحقيقه، أي بمعنى أنه يطلق على شركة المساهمة اسم معين تحت عنوان
شركة، يجب أن يكون مسبوقا أو متبوعا بذكر شكل الشركة ومبلغ رأسمالها، ويجوز إدراج
اسم شريك واحد أو أكثر من الشركاء في تسمية الشركة (المادة 593 تجاري)، ومبلغ رأس
مال شركة المساهمة لا يقل عن خمسة ملايين دينار جزائري إذا ما لجأت الشركة علنية
للادخار، ومليون دينار في حالة المخالفة، أما بالنسبة للشركة ذات المسؤولية
المحدودة، فإذا كانت مؤسسة من شخص واحد، ولا تضم إلا شخصا وحيدا كشريك وحيد، تسمى
هذه الشركة "مؤسسة ذات الشخص الوحيد وذات المسؤولية المحدودة"، ويتكون
كذلك اسم الشركة ذات المسؤولية المحدودة من غرضها أي بعنوان للشركة، إلا أنه يمكن
إذا تأسست من عدة أشخاص أن يشتمل على اسم واحد أو أكثر من الشركاء على أن تكون هذه
التسمية مسبوقة أو متبوعة بكلمات "شركة ذات مسؤولية محدودة" أو الأحرف
الأولى منها "ش.م.م" وبيان رأسمال الشركة (المادة 564 تجاري)، ولا يقل
رأسمالها عن 100.000 دج.
المطلب الخامس: موطن الشركة
للشركة موطن مستقل عن موطن الشركاء، وهو المقر الذي
يباشر فيه الشخص المعنوي نشاطه، ونصت المادة 50 من القانون المدني الجزائري أن
موطن الشخص الاعتباري هو المكان الذي يوجد فيه مركز إدارتها، أما بالنسبة للشركات
التي يكون مركزها الرئيسي في الخارج ولها نشاط في الجزائر يعتبر مكانها في نظر
القانون الداخلي في الجزائر، ويقصد المشرع الجزائري بالمركز الرئيسي في الخارج
الشركات الأجنبية التي يكون مركزها الرئيسي في الخارج وتمارس نشاط ما على التراب
الجزائري إذ تعتبر هذه الشركات في نظر القانون مركزها الرئيسي في الجزائر وبالتالي
يطبق عليها التشريع الجزائري، وهذا ما أكدته المادة 547 من القانون التجاري
الجزائري بقولها: "يكون موطن الشركة في مركز الشركة، وتخضع الشركات التي
تمارس نشاطها في الجزائر للتشريع الجزائري"، ويعني بمركز إدارة الشركة أي
المكان الذي تباشر فيه نشاطها حيث تنعقد فيه بالنسبة لشركة المساهمة هيئة الإدارة
والجمعية العمومية والرقابة وتسيير شؤون الشركة وبالنسبة لشركة التضامن محل
الإقامة الذي يباشر فيه المدير عمله، وينص عادة عقد الشركة التأسيسي على بيان
موطنها، وللشركاء مطلق الحرية في تحديده، فقد تتخذ في ذات المكان التي تباشر فيه
أعمالها وهذا هو الغالب وقد تتخذ في مكان آخر، إلا أن القضاء غير ملزم بهذا
التعيين متى تبين صوري وأن إدارة الشركة والمراقبة الفعلية موجودة في مكان آخر،
ذلك أن العبرة بمركز أو بمقر الشركة الحقيقي لا بالمركز أو المقر الصوري، هذا
ولتحديد موطن الشركة أهمية خاصة ذلك أن الشركة تقاضي أمام المحكمة التي يقع في
دائرتها هذا الموطن، كما تعلن إليها الأوراق القانونية فيه ويطلب شهر إفلاس الشركة
أمام المحكمة التي يقع في دائرتها مقرها الرئيسي، وإذا كان للشركة فروع متعددة في
أماكن مختلفة فقد أجاز القضاء تيسيرا للتعامل اعتبار المكان الذي يوجد فيه كل فرع
من فروع الشركة موطن خاص بالأعمال المتعلقة به، ومن ثم يجوز رفع الدعاوى أمام
المحكمة التي يقع في دائرتها فرع الشركة وذلك بالنسبة للمسائل المتعلقة بهذا
الفرع، وأخيرا لنعلم بأن لموطن الشركة أهمية بالغة من حيث أن جنسية الشركة تتوقف
وتتحدد بموطن الشركة.
المطلب السادس: جنسية الشركة
للشركة بصفتها شخص معنوي جنسية تربطها بدولة معينة
كما هو الحال بالنسبة للشخص الطبيعي، إلا أن جنسية الشخص الطبيعي تثبت بمراعاة
نسبة (حق الدم) أو بمراعاة مكان ولاداته أو توطنه في إقليم الدولة (حق الإقليم)،
إلا أن جنسية الشركة كشخص معنوي لا تحدد إلا بموطنها أي بالدولة التي تتخذ فيها
الشركة مركز إدارتها الرئيسي الفعلي، هذا وللشركة جنسية واحدة بالضرورة مستقلة عن
جنسية الشركاء أو جنسية القائمين على الإدارة، فإذا فقدت الشركة جنسيتها لسبب من
الأسباب دون أن تكتسب جنسية أخرى، وجب حلها وتصفيتها وتقسيم أموالها، فبخلاف الشخص
المعنوي الذي قد تكون له إلا جنسية واحدة، فالشخص الطبيعي قد تكون له أكثر من
جنسية واحدة أو يكون عديم الجنسية أصلا، وهكذا فيجب أن تتصف الشركة بصفتها شخص
معنوي بدولة واحدة معينة فتكتسب جنسية هذه الدولة ويطبق عليها قانون الدولة التي
اكتسبت جنسيتها وذلك فيما يتعلق بتأسيسها وإدارتها وانحلالها وتصفية أموالها، هذا
وقد يحدث بأن تباشر الشركة نشاطها في دول متعددة، كما هو الحال عليه خاصة بالنسبة
للشركة البترولية وشركة النقل برا أو جوا، وقد جرت العادة على تسمية هذه الشركات
على أنها شركة متعددة الجنسية، مع العلم أن الشركات كما قدمنا لا تكتسب إلا جنسية
بلد واحد ولكن هذا لا يمنع من أن تكون عابرة للقارات، وإذا باشرت شركة أجنبية
نشاطا لها في ضمن القطر الجزائري فيطبق عليها التشريع الجزائري، وهكذا فإن المشرع
الجزائري قد حسم في مشكل تنازع القوانين في المكان بقوله بأن التشريع الجزائري دون
غيره هو الذي يطبق على الشركات الأجنبية والتي تباشر نشاطها داخل القطر الجزائري،
هذا وتتحدد جنسية الشركة في موطنها كأصل عام كما جاء ذلك في المادة 547 تجاري،
بمعنى أن الشركة تكتسب كأصل عام جنسية الدولة التي يوجد بإقليمها مركز إداراتها
الرئيسي الفعلي ذلك لأن هذا المركز هو بمثابة العقل المحرك للشركة وبه يتركز عادة
نشاطها وينعقد إدارة الشركة ويقع الإشراف على هذه الإدارة، والعبرة في هذا الشأن
كما قدمنا بمركز الإدارة الرئيسي الفعلي فإذا توزعت الإدارة فيعتد بالمركز الرئيسي
دون مراكز الإدارة المحلية أو الفرعية، كما يعتد بمركز الإدارة الرئيسي الفعلي،
والمركز الفعلي لإدارة الشركة هو الذي تجري به إدارة الشركة فعلا فإذا ما كانت
الشركة شركة مساهمة يكون مركز إدارتها الرئيسي الفعلي في المكان الذي ينعقد فيه
فعلا مجلس إدارة الشركة وجمعية المساهمين ومراقبوا حسابات الشركة ويكون فيه المدير
العام للشركة، فلا يعتد بالمركز الذي تتخذه الشركة في بلد أجنبي والذي ينص عليه في
عقدها التأسيسي إذا ما كان صوري لا يتفق مع حقيقة الواقع، إذا ما كان مركز إدارة
الشركة الرئيسي الفعلي بالمعنى المتقدم في القطر الجزائري كانت الشركة شركة
جزائرية وخضعت بالتالي لأحكام القانون الجزائري دون غيره، وكذلك تخضع لأحكام
القانون الجزائري دون غيره الشركات الأجنبية إذا ما باشرت نشاط في القطر الجزائري
حتى وإن كان مركز إدارة الشركة الرئيسي الفعلي في خارج القطر الجزائري وذلك لحماية
الدولة الجزائرية اقتصاديا وسياسيا، إن معيار تحديد جنسية الشركة يختلف باختلاف
الدول كما يختلف تبعا للمكان كما يختلف تبعا لاختلاف الزمن، وهكذا فإن أغلبية
الدول الأوروبية ودول أمريكا اللاتينية أخذت كما هو الحال في التشريع الجزائري
بمعيار مركز إدارة الشركة الرئيسي الفعلي لتحديد جنسية الشركة، وأما الدول
الأنجلوسكسيونية والدول الاسكندينافية أخذت بمعيار مكان تأسيس الشركة أو مكان
التجنيد أو بمعيار المراقبة والإشراف لتحديد جنسية الشركة، وأما التشريع الفرنسي
فأخذ بمعيار الموطن في تحديد جنسية الشركة وذلك في نص المادة 3 من قانون الشركات
الجديد لعام 1996.
المرجع :
- أ.عمورة عمار، شرح القانون التجاري الجزائري، دار المعرفة، الجزائر، 2016، من ص 148 إلى ص 158.