البعد العالمي لحقوق الإنسان
سنتناول
في هذه الدراسة تحديد البعد العالمي لحقوق الإنسان على المستوى القانوني (المطلب الأول)،
لننتقل إلى تحديد البعد العالمي لحقوق الإنسان على المستوى المؤسساتي (المطلب
الثاني).
المطلب الأول: البعد العالمي لحقوق الإنسان على المستوى القانوني
مع
التغيرات العالمية الجديدة زاد التركيز على عالمية حقوق الإنسان وأصبحت حقوق
الإنسان جزء من القانون الدولي بوجود أكثر من 100 معاهدة وعهد دولي وافقت وصدَقت
عليها معظم الدول في العالم، وأصبحت هذه
الاتفاقيات مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هي المرجعية الدولية لحقوق الإنسان.
و عندما نتكلم عن البعد القانوني لعالمية حقوق الإنسان فالمقصود هو هذه الترسانة
من العهود و الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وأهمها:
الفرع الأول: ميثاق منظمة الأمم المتحدة
يمثل
ميثاق منظمة الأمم المتحدة انطلاقة جديدة في مجال الاعتراف بحقوق الإنسان وحرياته،
من حيث صياغتها صياغة أكثر تحديدا واعطاء الفرد أهمية كبرى في العلاقات الدولية،
ومما جاء في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة الإيمان " ... بالحقوق الأساسية
للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق
متساوية ... ".
وتمثل
حماية واعمال حقوق الإنسان أحد الأهداف الأربعة الأساسية التي حددتها الأمم
المتحدة مثلما ورد في المادة الأولى التي
تلت مباشرة الديباجة:" ...(3) ولتحقيق التعاون الدولي في حل المشاكل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
أو الإنسانية ولتعزيز وتشجيع احترام لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية للجميع دون
تمييز على أساس العرق أو اللغة أو الجنس، أو الدين...". كما وافق أعضاء الأمم
المتحدة أيضا بموجب المادة 2 ، على أن يتصرفوا وفقا لعدد من المبادئ، ومن ضمنها
مبدأ الوفاء بالتزاماتهم بحسن نية وفقا للميثاق الحالي ".
وقد
تضمن الفصل التاسع من الميثاق ("التعاون الدولي الاقتصادي والاجتماعي" (
بموجب المادتين 55 و 56 التزامات اتفاقية خاصة متعلقة بحقوق الإنسان ،ومن ضمنها: (أ)
تحقيق مستوى أعلى للمعيشة وتوفير أسباب الاستخدام المتصل لكل فرد والنهوض بعوامل
التطور والتقدم الاقتصادي والاجتماعي؛ (ب) تيسير الحلول للمشاكل الدولية
الاقتصادية والاجتماعية والصحية وما يتصل بها، وتعزيز التعاون الدولي في أمور
الثقافة والتعليم؛ (ج) أن يشيع في العالم احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية
للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ولا تفريق بين الرجال والنساء، ومراعاة
تلك الحقوق والحريات فعلاً ."
وبموجب
المادة 55 يتعهد جميع الأعضاء بأن يقوموا،
منفردين أو مشتركين، بما يجب عليهم من عمل بالتعاون مع الهيئة لإدراك المقاصد
المنصوص عليها في المادة 55.
الفرع الثاني: الشرعة الدولية لحقوق الإنسان
تطلق
تسمية "الشرعة الدولية لحقوق الإنسان The International Bill of Human Rights"على كل من:
1- الإعلان
العالمي لحقوق الإنسان؛
2- العهد
الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛
3- العهد
الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والبروتوكولان الملحقان بها:
(أ)
البروتوكول الاختياري المتعلق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية؛
(ب)
البروتوكول الاختياري الثاني للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي
يهدف إلى إلغاء عقوبة الإعدام.
وتعد
هذه الوثائق الأصل الدستوري للحقوق والحريات العامة، لذلك فإن الوثائق اللاحقة
إنما تفصل وتوضح الضوابط الخاصة بالممارسة لما ورد في الشرعة الدولية. كما أن
التطوارت اللاحقة تتناول إلى حد كبير كيفية تطبيق هذه الحقوق من جانب الدول
والجهود التي بذلتها المؤسسات الدولية والإقليمية لكفالة تمتع الإنسان بحقوقه
وحرياته.
وسوف
نلقي لمحة موجزة على كل من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين فيما
يلي:
أولا: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
تمثل
فكرة العالمية في مجال حقوق الإنسان أساس الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وبموجبها
انتقلت حقوق الإنسان من مجرد شأن من الشؤون الداخلية لتصبح جزءا من القانون
الدولي. وقد جاء في ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 أنه "
لما كان الإقرار بما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة متأصلة فيهم، ومن حقوق
متساوية وثابتة، يشكل أساس الحرية والعدل والسلام في العالم ... وكيفما يكفلوا
بالتدابير المطردة الوطنية والدولية، الاعتراف العالمي بها ومراعاتها الفعلية،
فيما بين شعوب الدول الأعضاء ذاتها وفيما بين شعوب الأقاليم الموضوعة تحت ولايتها
على السواء". وهذا زيادة على كون معظم المواد الواردة في هذا الإعلان تبدأ
بعبارة "لكل إنسان" أو " لكل فرد" و " لكل شخص".
ثانيا: العهدان الدوليان للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
صدرا
سنة 1966 عن منظمة الأمم المتحدة، ويعنى الأول بالحقوق المدنية والسياسية، أما
الثاني فيعنى بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويعتبران خطوة هامة في
سبيل الحماية القانونية لحقوق الإنسان على المستوى الدولي، فهما يشملان كل الحقوق
الرئيسية: السياسية، المدنية، الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية، وهما اتفاقيتان
مفتوحتان لتوقيع كافة الدول.
الفرع الثالث: اتفاقيات حقوق الإنسان المتخصصة
قامت
الأمم المتحدة بوضع قانون دولي لحقوق الإنسان أكثر تحديدا في عدد من المعاهدات
المتصلة بمختلف المواضيع التي حددتها بصورة أولية الشرعة الدولية لحقوق الإنسان.
ومن أهم هذه الاتفاقيات ما يلي :
- اتفاقية
منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها؛
- الاتفاقية
الخاصة بوضع اللاجئين؛
- البروتوكول
الخاص بوضع اللاجئين؛
- الاتفاقية
الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري؛
- اتفاقية
القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة؛
- اتفاقية
مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة او العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو
المهينة؛
- اتفاقية
حقوق الطفل؛
- البروتوكول
الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، بهدف
إلغاءعقوبة الإعدام.
الفرع الرابع: الاتفاقيات الإقليمية لحقوق الإنسان
حتى
على المستوى الإقليمي تم التأكيد على عالمية حقوق الإنسان، بالرغم من محاولات
تطبيق هذه الحقوق على المستوى الإقليمي فحسب حتى تكون لها فعالية كبيرة كما فعلت
منظمة الدول الأمريكية عندما وضعت الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان والتي أبرمت
في كوستاريكا سنة 1969، وتوقيع دول مجلس أوروبا سنة 1950 على الاتفاقية الأوروبية
لحقوق الإنسان، والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب الذي تم إقراره في مؤتمر
قمة منظمة الدول الإفريقية بنيروبي سنة 1981 ودخل حيز التنفيذ في سنة 1986.
ويجب
التأكيد هنا أن هذا التوجه نحو الإقليمية في حماية حقوق الإنسان، إنما يعكس الرغبة
والاعتزاز بالطابع والموروث الثقافي لشعب كل إقليم عند إقرار اتفاقيته أو ميثاقه
بشأن حقوق الإنسان، ولا يعني انقلابا على عالمية حقوق الإنسان، بل على العكس إنما
جاء مؤكدا لها من المنظور الثقافي الإقليمي.
واذا
كانت الأمم المتحدة في فترة من الفترات، غير مرحبة بهذا النوع من الاتفاقيات
الإقليمية، فإنه خلال سنة 1977 دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة الدول التي تقع
في أقاليم لم تتوفر فيها بعد اتفاقيات بشأن حقوق الإنسان أن تنظر في إقرار هذه
الاتفاقيات لإعلاء وحماية حقوق الإنسان.
المطلب الثاني: البعد العالمي لحقوق الإنسان على المستوى المؤسساتي
كان
لازما إرفاق المواثيق والاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان بمجموعة من
الآليات المعبر عنها من خلال مؤسسات قائمة تقوم بأدوار إجرائية كفيلة بضمان
الممارسة الحقوقية في العالم، وما يلاحظ على تطور المؤسسات الحقوقية توجهها من
العالمية نحو الإقليمية، ومن الاتجاه الرسمي الحكومي إلى الاتجاه غير الحكومي من
خلال ظهور المنظمات الحقوقية غير الحكومية (الدولية والوطنية) كفاعل رئيسي في مجال
تكريس حقوق الإنسان، ومن أهم المؤسسات الحقوقية نذكر:
الفرع الأول: منظمة الأمم المتحدة
وهي
تضطلع بهذا الدور الريادي في مجال حقوق الإنسان عبر هياكلها وأجهزتها المختلفة
المتمثلة أساسا في: الجمعية العامة، مجلس الأمن، المجلس الاقتصادي والاجتماعي،
لجنة حقوق الإنسان، بالإضافة إلى محكمة العدل الدولية، ومفوض الأمم المتحدة السامي
لشؤون اللاجئين. إضافة إلى المنظمات المتخصصة التي يختص بعضها بحقوق الإنسان على
أساس طبيعة عمل تلك المنظمات وهي: منظمة العمل الدولية، منظمة الأمم المتحدة
للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)، منظمة الصحة العالمية، منظمة الأمم المتحدة
للأغذية والزارعة (فاو)، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف).
الفرع الثاني: المنظمات الإقليمية
تتمثل
أساسا في الآليات التي أوجدتها المواثيق والاتفاقيات الإقليمية لحقوق الإنسان، ونذكر
منها اللجنة الأوروبية لحقوق الإنسان، المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي أنشئت
في عام 1959، بعد أن قبلت ثمانية دول اختصاصها (المادة 56 من اتفاقية عام 1950)،
أما مقرها فهو مدينة ستراسبورغ بفرنسا،
اللجنة الأمريكية لحقوق الإنسان، المحكمة الأمريكية لحقوق الإنسان، اللجنة
الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، جامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر
الإسلامي ... إلخ.
الفرع الثالث: المنظمات الدولية غير الحكومية
المنظمة
غير الحكومية NGO)) هي منظمة ذات مصلحة عامة وهي لا تخضع
لحكومة ولا لمؤسسة دولية، ولا يمنع ذلك أن تتعاون أو تتلقى مساعدات وتمويلات من
الحكومات، ولكنها تأسست وتنشط دون رقابة من الحكومات الوطنية. وغالبا ما شكلت
المنظمات غير الحكومية قوة خاصة في المجتمع الدولي بجانب المنظمات الحكومية
والشركات متعددة الجنسيات، ورغم عدم تمتعها بالوضع القانوني أو بالشخصية القانونية
بمعناها الدقيق فهي تستفيد من نوع من الاعتراف، يمكنها من أن تلعب دوار استشاريا
لدى المنظمات الدولية الحكومية الرسمية إذ نجد أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي
التابع لمنظمة الأمم المتحدة يعتد ببعض هذه المنظمات الدولية غير الحكومية
ويعتمدها كمؤسسات استشارية.
وقد
اعترف مؤتمر فيينا العالمي لحقوق الإنسان بالمساهمة المتزايدة الأهمية التي يمكن
للمنظمات غير الحكومية أن تلعبها في الأنشطة المتعلقة بحقوق الإنسان. كما توسع ميدان
قبول تلك المنظمات بصدور قرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي تحت رقم 31 بتاريخ 25/07/1996
والذي تضمن 70 مادة لتنظيم العلاقة بين هذه المنظمات والمجلس.
ومن
أمثلة المنظمات الدولية غير الحكومية النشطة في مجال حقوق الإنسان نجد كل من منظمة
العفو الدولية، الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، اللجنة الدولية للصليب الأحمر،
منظمة أطباء بلا حدود، منظمة السلام الأخضر في مجال حماية الطبيعة ... إلخ.
المرجع:
- د. بوجلال صلاح الدين، محاضرات في قانون حقوق الإنسان، جامعة سطيف 2، السنة الجامعية 2013/2014، ص10 إلى ص15.