العلاقة بين حقوق الإنسان وبعض المفاهيم الأخرى
نتناول
بعض المفاهيم التى دائما ما تختلط أو تربط بحقوق الإنسان:
أولا: العلاقة بين القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان
يهدف
القانون الدولي الإنساني و القانون الدولي لحقوق الإنسان إلى تحقيق غرض مشترك ألا
وهو حماية الإنسان وكرامته، وهناك اتجاه متنامي في الفقه الدولي ينظر إليهما على
أنهما يسيران نحو الاندماج والانصهار في قانون واحد. ومع ذلك يجدر بنا محاولة
التفرقة بينهما:
1- من حيث التعريف
- القانون الدولي الإنساني هو مجموعة القواعد المستمدة من الاتفاقيات
والأعراف و يهدف لحماية شيئين أساسيين الأول هو حماية شخص الإنسان، وثانيا حماية
الأعيان والممتلكات الضرورية لبقاء هذا الإنسان أثناء النزاعات المسلحة الدولية وغير
الدولية. وهذا القانون يطبق خصوصا في مواجهة السلطة المحتلة.
- يعرف قانون حقوق الإنسان بأنه مجموعة القواعد والمبادئ المنصوص
عليها في عدد من الإعلانات والمعاهدات الدولية، والتي تهدف إلى حماية حقوق وحريات
الأفراد في مواجهة الدولة التي ينتمون إليها.
2- من حيث الاتفاقيات
- القانون الدولي الإنساني أهم الإتفاقيات هي اتفاقيات جنيف
وتسمى أيضا ب " قانون جنيف" وهي اتفاقيات تهتم تحديدا بأحوال ضحايا
الحرب الذين يقعون في قبضة العدو، أشهرها لعام 1949 وايضا إتفاقيات لاهاي وتسمى ب
"قانون لاهاي" وهي تنصب على تقييد أساليب و وسائل القتال والأسلحة التي يتم استخدامها في الحرب.
-القانون الدولي لحقوق الإنسان يتشكل من عدة اتفاقيات والمواثيق
والعهود وكانت البداية بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 ثم اتفاقية منع
جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948 و الاتفاقية الدولية للقضاء على
جميع أشكال التمييز العنصري لعام 1965 ثم العهدين الدوليين لعام 1966 و اتفاقية
القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لعام 1979..الخ إضافة للمواثيق والصكوك
الإقليمية.
3- من حيث النطاق الزمني
- النطاق الزمني لتطبيق القانون الدولي الإنساني هو وقت النزاعات المسلحة -الدولية أو
غير الدولية- فهو يبقى في حالة سكون في وقت السلم، وبمجرد حصول نزاع مسلح، تدّب
الحيوية في قواعده.
- القانون الدولي لحقوق الإنسان دوره الرئيسي حماية حقوق الإنسان وقت
السلم، ومع دلك يعتبره البعض قانونا شامل، تسري قواعده على كل الأوضاع لأجل حماية
الأفراد فهو يعنى بحماية حقوق الإنسان سواء في وقت السلم أو الحرب. وإن كان فإن
ظرف النزاع المسلح لا يستبعد تطبيق هذا القانون.
4- من حيث النطاق الشخصي – الأشخاص المحميين-
- يقسّم
الأشخاص المستفيدين من الحماية التي تقدمها قواعد القانون الدولي الإنساني
إلى فئتين رئيستين هما فئة المقاتلين وفئة غير المقاتلين: وهدا القانون يهتم بفئة
غير المقاتلين (المدنيين) دون فئة المقاتلين (العسكريين)
- الأشخاص
المحميين في القانون الدولي لحقوق الإنسان هم جميع البشر في كل الأزمنة والأماكن
يتمتعون على قدم المساواة بكافة الحقوق التي نظمها هذا القانون وذلك بتعزيز حقوق الإنسان
وحرياته بدون تمييز.
5- من حيث أجهزة الحماية
- أجهزة الحماية في القانون الدولي الإنساني - التزام الدول جميعاً باحترام
القانون الدولي الإنساني - اللجنة الدولية للصليب الأحمر: أنشئت اللجنة الدولية
للصليب الأحمر في عام 1863.
- أجهزة الحماية في القانون الدولي لحقوق الإنسان-الآليات الوطنية تلتزم جميع الدول
باحترام حقوق الإنسان -الآليات على المستوى الإقليمي -آليات تنفيذ القانون الدولي
لحقوق الإنسان في إطار الأمم المتحدة خلافا للقانون الدولي.
ثانيا: العلاقة بين حقوق الإنسان والقانون الدولي الجنائي
يهدف
القانون الدولي لحقوق الإنسان لحماية حقوق الأفراد فهو يلعب دورا وقائيا أما
القانون الدولي الجنائي هو مجموعة القواعد التي تهدف معاقبة المتسببين في انتهاكات
حقوق الإنسان في حال فشل الحماية، وعدم إفلات المسؤولين عن الانتهاكات من العقاب،
وكذلك ردع كل من تسول له نفسه المساس
بحقوق الإنسان.
ثالثا: العلاقة بين الديمقراطية وحقوق الإنسان
كلمة
الديمقراطية مشتقة من اللغة اليونانية، ومعناها: حكم الشعب أي "الحكم بواسطة
الناس"، وهي تعبّر عن فكرة أن الناس لهم الأولوية، فالحكم والسلطة يجب أن
يتوافق مع احتياجات الناس، لا العكس.
إن
النظام الديمقراطي هو النظام السياسي الوحيد الذي يحترم التسابق المفتوح على
السلطة ويتماشى مع احترام جميع حقوق الإنسان (السياسية، والمدنية، والإقتصادية،
والإجتماعية، والثقافية)، لأنه يعطي الإطار السياسي الأمثل لتجسيد حقوق الإنسان،
فالتنمية لجميع الناس، وليس لفئة معينة فق، تنمية تتم بواسطتهم ومن أجلهم.
رابعا: العلاقة بين حالة الطوارئ وحقوق الإنسان
إن إطلاق
الحريات والحقوق يمكن أن يؤدي إلى الفوضى مما يعني ضرورة وجود ضوابط وقيود قانونية
على ممارسة الحريات لضمان التوازن بين حقوق الفرد ومصالح المجتمع إن ممارسة
الحريات تخضع لنوعين من الضوابط والحدود
وهما:
1- تقييد الحريات -القيود- يقصد بها مجموعة الحدود والضوابط الواردة على جميع الأفراد
دون استثناء بهدف الحد من التعسف في استعمال الحقوق والحريات لان من شان التعسف
الاعتداء على حقوق الآخرين وهذه القيود دائمة غير مرتبطة بزمن وتخضع لمعايير مرنة وغامضة كالنظام العام و
السكينة العامة والأمن العام و الصحة العامة والأخلاق العامة -وهذه المسألة لا
تثير جدلا-
2- تعطيل الحريات–التحلل- نتيجة لحالة الطوارئ وهذه هي محل
النقاش.
تعرف
حالة الطوارئ بأنها نظام دستوري استثنائي قائم على فكرة الخطر المهدد للكيان
الوطني للدولة يسمح للسلطات المختصة اتخاذ كل التدابير المنصوص عليها في القانون
والمخصصة لحماية أراضي الدولة وبحارها وأجوائها كلاً أو جزءاً ضد الأخطار الناجمة
عن عدوان مسلح داخلي أو خارجي وتسمح حالة الطوارئ بنقل صلاحيات السلطات المدنية
إلى السلطات العسكرية.
(إن
حالة الطوارئ حالة معروفة في العالم بمسميات مختلفة، حيث تعرف باسم"الأحكام
العرفية"، وقد تأخذ اسم "قانون السلامة الوطنية" وحاليا تسمى
" قوانين مكافحة الإرهاب" وقد أصبحت حالة الطوارئ منظمة في الاتفاقات
والمعاهدات الدولية والإقليمية، طبق قانون الطوارئ في دول العالم المتخلف كثيرا
ولكن الأمر تطور جذريا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 فشمل دولا كانت تعتبر نفسها قلعة
الديمقراطية وحصن حقوق الإنسان).
(ومن
مظاهر حالة الطوارئ وضع قيود على حرية المواطنين كفرض حظر التجول او عزل المناطق
التي تشهد تهديدا خطيرا للأمن وتفتيشها وتقييد بعض سلطات القضاء مثل مدة الحجز الاحتياطي واتخاذ بعض الإجراءات على كافة
أنواع وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية وفرض قيود على وسائل النقل والمواصلات
عليها كما يمكن أن يعطل الحياة السياسية والإعلامية وعمل منظمات المجتمع المدني
وفرض قيود على الأموال والمحال التجارية والنقابات والشركات والمؤسسات ومراقبة
أعمالها ووضع الحراسة وبصفة عامة تؤدي
حالة الطوارئ لنقل الكثير من السلطات المدنية إلى السلطات العسكرية).
خامسا: علاقة حقوق الإنسان بالسيادة-الداخلية- وبتهديد السلم والأمن الدوليين
- علاقة حقوق الإنسان بالسيادة- من السيادة المطلقة الى السيادة النسبية-
أن
تمتع الدولة بخاصية السيادة يعني احتكارها لأدوات القوة اللازمة لتمكينها من
القيام بوظائفها وأدوارها المختلفة على الصعيدين الداخلي والخارجي، وهي وظائف
وأدوار غير قابلة للاختزال والتقاسم خاصة بالنسبة لوظيفة الحفاظ على النظام والأمن...
وقد استغلت بعض الدول هده السيادة للقيام بانتهاك حقوق الإنسان بحجة حفظ النظام
وبحجة أن علاقة الدولة بمواطنيها مسالة سيادية داخلية إلى أن اثبت الواقع الدولي
نسبية مفهوم السيادة وباستحالة ،بل وبخطورة، الادعاء بوجود سيادة مطلقة على ارض
الواقع.
- تأثير انتهاكات حقوق الإنسان على السلم والأمن الدوليين
ان
إنكار حقوق الإنسان والحريات الأساسية ليس
فق مأساة فردية وشخصية بل إنه يخلق
أيض اً يسبب المساس بالسلم والأمن الداخلي- كما يهدد السلم والأمن الدوليين خاصة
بعد أن اتضحت آثار الانتهاكات وانعكاساتها على الدول الأخرى.
وبما
أن الأمم المتحدة تسعى إلى تحقيق عديد من الأهداف السامية، من أهمها حفظ السلم
والأمن الدوليين فتحقيقاً لهذه الغاية
تتخذ الهيئة التدابير الجماعية الفعالة لحفظ السلم والأمن الدوليين، ادا كانت
انتهاكات حقوق الإنسان تهدد السلم والأمن الدولي ويكتسب التدخل شرعية دولية سواء
كان بالطرق السلمية- الوساطة الدبلومسية التوفيق..-، أو بالطرق غير السلمية-
الحصار الاقتصادي التدخل العسكري-.
سادسا: تغيير المصطلح من التدخل الإنساني إلى المسؤولية عن الحماية
يعني
التدخل الدولي الإنساني أن المجتمع الدولي سيكون مضطراً للتدخل تنفيذاً للمبادئ
الواردة في ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات
الدولية الأخرى، وخاصة بعد أن أصبحت علاقة الدولة مع مواطنيها أمراً دوليا، بسبب
امتداد آثاره الكوارث الإنسانية إلى دول أخرى.
ولأغراض
حماية حقوق الإنسان تحول آو بالأحرى تطور التركيز من "الحق في التدخل الإنساني"
إلى فكرة "مسؤولية الحماية" والتغير المقترح في المصطلح هو تغير في
المنظور أيضا، حيث تعترف مسؤولية الحماية في هذا الصدد أن المسؤولية تقع أولا على
الدولة المعنية، إذا كانت الدولة غير قادرة، أو غير راغبة في حماية الحقوق، أو
كانت هي نفسها المرتكبة للجريمة، عندئذ تقع المسؤولية على المجتمع الدولي في
أن يتصرف نيابة عنها.
وتعني
مسؤولية الحماية لا مجرد "مسؤولية رد الفعل والتدخل" وإنما
"مسؤولية الوقاية" وكذالك "مسؤولية إعادة البناء" فهي توجه
أنظارها إلى تكاليف العمل ونتائجه مقابل العمل.
المرجع:
- د. شوقي سمير، محاضرات في حقوق الإنسان، جامعة محمد لمين دباغين – سطيف02، الجزائر، ص10 إلى ص14.