الأحكام الإجرائية لإقامة المسؤولية الجزائية عن الجرائم البيئية (بين النص القانوني والتطبيق الميداني)
الملخص:
تعتبر
الحماية الإجرائيّة للبيئة من بين الموضوعات التي لا تزال محل دراسة وبحث بخصوصها،
خاصّة في ظل وجود حماية موضوعيّة للبيئة وصفها البعض بالتخمة في النصوص القانونية،
فلا يمكن أن نتصوّر أبداً وجود حماية موضوعيّة للبيئة في ظل عدم وجود حماية إجرائيّة
أو قصورها إن وجدت، وذلك لأنّ النصوص الإجرائيّة هي التي تنقل النص الموضوعي من
حالة الجمود والسكون إلى حالة الحركة والتطبيق.
لهذا
كان الاهتمام واجباً من طرف المشرّعين بموضوع الحماية الإجرائيّة للبيئية وإحاطتها
بقواعد استثنائية وخاصّة غير تلك الموجودة في قانون الإجراءات الجزائيّة؛ نظرا
للطبيعة الخاصّة للجرائم البيئيّة فهي جرائم تمتاز بأنّها ذات طابع تقني وفنّي
ويرتكبها أشخاص يملكون تكويناً كبيرا يؤهّلهم للإفلات من العقاب وطمس معالم وأثار
جرائمهم، لهذا كان من اللازم أن يتم مواكبة تلك الحركيّة الفنيّة والتقنيّة في
الإجرام البيئي بحركيّة إجرائيّة جزائيّة تتناسب مع ذلك.
الكلمات
المفتاحية: الحماية الإجرائيّة، تحريك الدعوى العموميّة، الضبطيّة القضائيّة، الجرائم
البيئيّة، المعاينة.
Abstract
Procedural protection of the
environment is considered among the questions and subjects which remain under
consideration, in particular, in the context of objective protection which is
of no value to some, it is only an inflation in the legal texts, so, it cannot be imagined that there is objective
protection in this total absence of procedural protection, this means that the
procedural texts that transfer the objective text from stagnation to movement
and implementation.
For this reason, the importance was
obligatory by legislators regarding the procedural protection of the
environment and surrounding it by exceptional rules of environmental crime, the
latter is characterized by a technicality, which means that these crimes
committed by well-trained people are qualified to escape and cover up the
traces and fingerprints of these crimes. So it was necessary to accompany and
understand this technical movement in environmental crime with an adequate
criminal procedure.
Key Words: Procedural protection,
setting the public in motion, judicial police, environmental crime,
inspection .
المقدمة:
لا
تقف الحماية الجزائيّة للبيئة عند تجريم السلوكيات التي تعتبر ضارّة بها وتحديد
المسؤولين جزائيّاً عن ارتكابها، وكذا رصد مختلف العقوبات الرادعة لأمثال هؤلاء المخالفين،
بل تمتد الحماية الجزائية للبيئة لتشمل الجانب الإجرائي الذي تتمثل وظيفته في نقل
مختلف النصوص القانونيّة المتعلقة بحماية البيئة من حالة السكون إلى حالة الحركة.
وذلك
لأن تلك النصوص الموضوعيّة مهما بلغت درجة الإحاطة والشمول والدقّة الذي تتمتّع
بها في مجال حماية البيئة، فإنّ نجاح تلك النصوص في الوصول إلى الغاية التي سُنّت
من أجلها لن يتسنّى إلاّ من خلال إجراءات فعّالة تكفل مهّمة ملاحقة المخالفين
ومتابعتهم والكشف عنهم وتقديمهم للمحاكمة حتى تطبّق عليهم مختلف العقوبات المنصوص
عليها في الشق الموضوعي من الحماية الجزائيّة للبيئة.
الجانب
الإجرائي يعتبر أهم جزء في المنظومة القانونيّة المتعلقة بحماية البيئة، لهذا فقد
حرص المشرع على العناية به من الجانب التشريعي والقانوني، حيث سخّر لعمليّة معاينة
الجرائم البيئيّة ومتابعة مرتكبيها مجموعة من الأجهزة والأسلاك منهم من منحه صفة
الضبطيّة القضائيّة ومنهم من منحه صفة أعوان الضبطيّة القضائيّة، كما قام المشرع
الجزائري بإحاطة تلك الأجهزة والأسلاك بمختلف الصلاحيّات والسلطات التي تمكّنهم من
القيام بالمهام المنوطة بهم على أتم وجه، وصولاً إلى إحالة مختلف مخالفي التشريع
البيئي أمام النيابة العامّة من أجل أن تتوّل هي الأخيرة مهمّة متابعة هؤلاء
المجرمين وإحالتهم بدورها إلى القضاء المختص
حتى ينظر في شأنهم ويرى أنسب العقوبات الواجبة في حقهم والتي تتوافق مع تصرفاتهم
وأفعالهم المخالفة للنظام البيئي المحمي.
المشرع
الجزائري عندما شكّل جهاز الضبطيّة القضائيّة المكلف بمهمّة معاينة الجرائم
البيئيّة وعندما قام كذلك بمنحهم العديد من الصلاحيّات والسلطات التي تؤهّلهم
للقيام بمهامهم، فهو قد أخذ ذلك من قانون الإجراءات الجزائية والذي يظمّ القواعد
العامّة الإجرائية المطبّقة على مختلف الجرائم بصفة عامّة، بينما من المتعارف عليه
أنّ الإجرام البيئي يعتبر نوعاً خاصاً من الجرائم لا يمكن أن يتم قمعه من خلال
القواعد الإجرائيّة التقليدية المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائيّة، خاصّة
إذا ما علمنا أنّ الجرائم البيئيّة تعتبر في غالبها ذات طابع فني وتقني وعلمي يستلزم
تأهيلاً وتكويناً خاصاً من أجل معاينتها، بالإضافة إلى أنّ مرتكبي هذا النوع من
الجرائم يعتبرون ذوو خبرة وتأهيل في الغالب ويشغلون وظائف هامّة في المجتمع من خلال
المؤسسات التي يديرونها.
من
خلال ذلك جاءت هذه المداخلة من أجل إثارة الإشكال المتعلق بقدرة المنظومة الإجرائيّة
الحالية في ضمان مكافحة فعّالة للجرائم البيئيّة وإقامة المسؤوليّة الجزائية على
مرتكبيها، لنطرح الإشكال التالي من أجل الإجابة على ذلك: إلى أي مدى وفّق
المشرع الجزائري في إقامة نظام إجرائي فعّال يضمن ملاحقة المجرمين البيئيين وإقامة
المسؤولية الجزائّية التي تدينهم؟.
من
أجل الإجابة على هذه الإشكاليّة اقترحنا الخطّة التالية:
المبحث الأوّل: معاينة الجرائم البيئية
المطلب الأول: الأشخاص المؤهّلون لمعاينة الجرائم البيئيّة
المطلب الثاني: السلطات وصلاحيات الضبطية القضائية في معاينة الجرائم
البيئيّة
المبحث الثاني: إشكالات معاينة الجرائم البيئية وتأثيرها على
المتابعة الجزائية لتلك الجرائم
المطلب الأوّل: نقص تأهيل الضبطيّة القضائيّة في هذا النوع من الجرائم
وقلة إمكانيّاتها
المطلب الثاني: امتداد تأثير إشكاليّات معاينة الجرائم البيئيّة على
عمل النيابة العامّة في متابعة تلك الجرائم
المبحث الأوّل: معاينة الجرائم البيئية
إنّ
حماية البيئة الطبيعيّة لا تقف عند تجريم الأفعال الضارّة بها ومن ثمّ تحديد المسؤولين
جزائياً عن ارتكاب تلك الجرائم، بل تمتد تلك الحماية إلى وضع آليّات جزائيّة إجرائيّة
تهدف في الأخير إلى قمع الجرائم الماسة بالبيئة الطبيعيّة، ولن يتأتى ذلك إلاّ من
خلال تشكيل جهاز رقابة فعّال يهدف إلى البحث والتحرّي عن تلك المخالفات التي تعتبر
اعتداءا على البيئة؛ ومعاينتها بغرض تقديم مرتكبيها إلى العدالة.
يُقصد
بمعاينة الجرائم البيئيّة مشاهدة واثبات
حالة قائمة في مكان الجريمة وضبط الأشياء التي تتعلق بها، كما تتعلق معاينة الجرائم
البيئيّة بالبحث والتحرّي عن الأشخاص الذين لهم صلة بها، أو بمفهوم أخر هي إثبات
كل ما يتعلق بماديات الجريمة، وقد خوّل المشرع الجزائري لضبّاط الشرطة القضائيّة
مهمّة معاينة جرائم البيئة نظرا لحيازتهم سلطة الاختصاص العام في البحث والتحرّي
عن الجرائم.
كما
أنّ مختلف التشريعات البيئيّة قد خصّت أشخاصاً محدّدين بمهمّة معاينة الانتهاكات
الصّريحة للتشريع البيئي، يمارسون مهامهم جنباً إلى جنب مع الشرطة القضائيّة وهذا
في مجال تخصّصهم، فإلى جانب مفتشي البيئة نجد أسلاك الدرك الوطني والأمن وشرطة
المناجم ومفتشي الصيد البحري ومفتشي العمل ومفتشي التجارة ومفتشي السياحة وضبّاط
حرس الموانئ وحراّس الشواطئ وغيرهم.
إلاّ
أنّ ذلك العدد الكبير من الجهات المنوط بها مهمّة معاينة الجرائم البيئية ورغم كل
الصلاحيّات والوسائل الممنوحة لهم من أجل القيام بمهامهم؛ إلاّ أنّ الواقع قد أثبت
وجود صعوبات جمّة تعترضهم بمناسبة أدائهم لمهامهم، الأمر الذي عاد سلبا على ضمان
مكافحة فعّالة لمختلف الجرائم الماسة بالبيئة الطبيعيّة.
المطلب الأول: الأشخاص المؤهّلون لمعاينة الجرائم البيئية
ينطوي
جانب من إجراءات الضبط على المساس بحريّات الأفراد وهو ما استوجب تحديد أشخاص يوثق
فيهم تناط لهم مهمّة ممارسة هذه الإجراءات بمنحهم صفة الضبطية القضائيّة.
يختلط
الضبط القضائي مع الضبط الإداري في جوانب متعدّدة، حيث يختص الأوّل بمهمّة التحرّي
عن الجرائم بعد وقوعها، بينما يتكفل الثاني بوظيفة وقائيّة بحثيّة تتمثل في اتخاذ
مختلف التدابير الكفيلة لمنع وقوع الجرائم كالتحرّي عن المشتبه فيهم وتنظيم
الدّوريّات لمراقبة حالة الأمن ليلاً ونهارا.
كما
تتجلى مهمّة الضبط القضائي في مجموعة الإجراءات التي يتّخذها ضبّاط الشرطة
القضائيّة وأعوانهم في سبيل البحث والتحرّي عن الجرائم ومرتكبيها وجمع الاستدلالات
التي تلزم التحقيق وإجراءات تحريك الدعوى
العموميّة.
حيث
يتولى الأشخاص المكلفون بمعاينة الجرائم البيئيّة مجموعة من المهام بعد وقوع
الجريمة ويكون لتلك المهام دور كبير في تقرير المسؤولية الجزائيّة لمرتكبي الجرائم
الماسة بالبيئة الطبيعيّة والتي من خلالها تباشر إجراءات المتابعة بعد المعاينة
للجريمة وذلك بتحريك الدعوى العموميّة أمام المحاكم المختصّة.
تتميّز
الضبطية القضائيّة بقدر كبير من المسؤولية كونها تلامس حريّات الأفراد، وعليه فقد
أعطى لها القانون مكانة هامّة بالإضافة إلى تحديدها بدقّة تفادياً لأي انتهاكات
محتملة، ومنه سنحاول تبيان ضبّاط وأعوان الضبط القضائي المنصوص عليه في قانون الإجراءات
الجزائيّة والذي له اختصاص عام ثمّ نعرج على أعوان الضبط الإداري وفقاً للتشريعات
البيئيّة أي الذين لهم اختصاص نوعي محدّد وخاص.
المادّة
111 من القانون رقم 03-10 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة، نجدها
قد نصّت على "إضافة إلى ضباط وأعوان الشرطة القضائية العاملين في إطار
أحكام قانون الإجراءات الجزائية، وكذا سلطات المراقبة في إطار الصلاحيات المخولة
لهم بموجب التشريع المعمول به، يؤهّل
للقيام بالبحث ومعاينة أحكام هذا القانون:
- مفّتشو البيئة
- موّظفو الأسلاك التقنية للإدارة المكلفة بالبيئة
- ضبّاط وأعوان الحماية المدنية
- متصرفو الشؤون البحرية
- ضباط الموانئ
- أعوان المصلحة الوطنيّة لحراسة الشواطئ
- قواد سفن البحّرية الوطنية
- مهندسو مصلحة الإشارة البحرية
- قوّاد سفن علم البحار التابعين للدولة
- الأعوان التقنيون بمعهد البحث العلمي والتقني وعلوم البحار
- أعوان الجمارك
يكلف القناصلة الجزائريون في الخارج بالبحث عن مخالفات الأحكام
المتعلقة بحماية البحر وجمع المعلومات
لكشف مرتكبي هذه المخالفات وإبلاغها الوزير المكلف بالبيئة والوزراء المعنيون".
الفرع الأوّل: الضبطية القضائية ذات الاختصاص العام لمعاينة الجرائم البيئية
تعتبر
الضبطيّة القضائيّة من الأشخاص المؤهّلين لمعاينة كل الجرائم الواردة في قانون
العقوبات الجزائري والقوانين المكمّلة له بما فيها جرائم البيئة.
المشرع
لم يعرّف الضبطيّة القضائيّة ولكن حدّد الأشخاص الذين تمنح لهم هذه الصفة وحدّد
الوظائف والمهام المنوطة بهم من جمع الأدلة والبحث والتحرّي عن الجرائم وإلقاء القبض على مرتكبيها.
ضباط
الشرطة القضائيّة تمنح لهم هذه الصفة بمقتضى القانون وكذلك أعوان الضبطيّة
القضائيّة الذين يقومون ببعض أعمال الضبط القضائي، حيث حدّدت المادّة 15 من قانون
الإجراءات الجزائري؛ ضبّاط الشرطة القضائيّة والتي جاء فيها "يتمتّع بصفة
ضابط الشرطة القضائية:
- رؤساء
المجالس الشعبية البلدية،
- ضباط
الدرك الوطني،
- الموظّفون
التابعون للأسلاك الخاصة للمراقبين، ومحافظي ضباط الشرطة للأمن الوطني،
- ذوو
الرتب في الدرك، ورجال الدرك الذين أمضوا في سلك الدرك الوطني ثلاث (03) سنوات على
الأقل والذين تم تعيينهم بموجب قرار مشترك صادر عن وزير العدل ووزير الدفاع الوطني،
بعد موافقة لجنة خاصة،
- الموظّفون
التابعون للأسلاك الخاصّة للمفتشين وحفّاظ وأعوان الشرطة للأمن الوطني الذين أمضوا
ثلاث(03) سنوات على الأقل بهذه الصفة والذين تم تعيينهم بموجب قرار مشترك صادر عن
وزير العدل ووزير الداخلية والجماعات المحلية، بعد موافقة لجنة خاصة،
- ضباط
وضباط الصف التابعين للمصالح العسكرية للأمن الذين تم تعيينهم خصيصا بموجب قرار
مشترك صادر عن وزير الدفاع الوطني ووزير العدل…"، كما حدّدت المادّة
19 أعوان ضبّاط الشرطة القضائيّة حيث نصّت على أنّه "يعّد من أعوان الضبط
القضائي موظفو مصالح الشرطة وذوو الرتب في الدرك الوطني ورجال الدرك ومستخدمو
مصالح الأمن العسكري الذين ليست لهم صفة ضباط الشرطة القضاّئية ".
بالإضافة
إلى ما جاءت به المادة 21 من قانون الإجراءات الجزائية فيما يخص مهام الموظّفين
والأعوان المكلفون ببعض مهام الضبط القضائي، حيث جاء فيها بأنّه يقوم رؤساء الأقسام
والمهندسون والأعوان الفنيّون والتقنيّون المختصّون في الغابات وحماية الأراضي واستصلاحها
بالبحث والتحري ومعاينة جنح ومخالفات قانون الغابات وتشريع الصيد ونظام السير وجميع
الأنظمة التي عيّنوا فيها بصفة خاصّة وإثباتها
في محاضر ضمن الشروط المحدّدة في النصوص الخاصّة.
ويعمل
كل هؤلاء على جمع الأدلة والقيام بالبحث والتحري تحت سلطة وكيل الجمهورية في
الدائرة الإقليمية التي يمارسون فيها وظائفهم مع إمكانيّة تمديد اختصاصهم المحلي
في حالة الاستعجال إلى كامل دائرة اختصاص المجلس القضائي ويمتد إلى كامل التراب الوطني
إذا تعلق الأمر بضباط شرطة قضائيّة للأمن العسكري.
أمّا
بالنسبة للاختصاص النوعي في السلطات الممنوحة لرجال الضبطية القضائيّة فيكمن في
البحث والتحرّي عن الجرائم المقرّرة في قانون العقوبات والقوانين المكملة له بما
فيها الجرائم البيئيّة، إلى جانب تلقّي الشكاوى والبلاغات وجمع الأدلة والقبض
والتفتيش والوضع تحت النظر، وهذه المهام غير موكلة للمؤهّلين لمعاينة جرائم البيئة
ذوو الاختصاص الخاص، حيث لا يمكن لهم القبض على المتهّمين أو وضعهم تحت النظر.
الفرع الثاني: الضبطية القضائية ذات الاختصاص المحدد في قانون حماية البيئة والقوانين الأخرى
أورد
القانون البيئي لأجل معاينة الجرائم البيئيّة نصوصاً إجرائيّة تهدف إلى تحديد
الأشخاص المؤهّلين للبحث والتحري ومعاينة الجرائم البيئيّة، إضافة إلى مأموري
الضبط القضائي ذوو الاختصاص الشامل في البحث والتحرّي عن أي جنوح خصوصاً الجنوح
البيئي.
إنّ
هذا التنوع الكبير لمعايني الجرائم البيئيّة يؤكّد بأنّ نجاح وزارة البيئة يكمن في
اختفائها، أي أنّها قد وزعت مهام حماية البيئة على عدّة إدارات وأجهزة الأمر الذي
يساهم في تفعيل الحماية الجنائيّة البيئيّة لاسيما على المستوى الإجرائي.
1- مفتشو البيئة: يوضع مفتشو حماية البيئة في موقع عمل لدى الوكالة الوطنيّة لحماية
البيئة ويفوّضون تحت وصاية الوزير المكلف بالبيئة ويكونون محلفين ويجب أن يكونوا
حاملين لمهمّة تفويضهم ويعيّنون على مستوى الجماعات المحليّة بمقرر من الوزير المكلف.
كما
نصّ القانون رقم 03-10 المتعّلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة؛ على أنّ
مفتشو البيئة يؤهّلون لمعاينة مخالفات وجنح هذا القانون، سواء تعلق الأمر بالجرائم
التي نصّ عليها القانون البيئي أو حتى تلك التي هي منصوص عليها في القوانين أو
النصوص التنظيميّة التي تهتم بالبيئة.
حيث
تتمثل مهمّة مفتشو البيئة فيما يلي:
-
السهر على تطبيق النصوص القانونيّة في مجال حماية البيئة في كل المجالات الحيويّة سواء
كانت أرضيّة أو بحريّة أو جويّة.
- القيام
بمراقبة مدى تطابق المنشأة المصنّفة للتشريع المعمول به وكذا شرط إثارة الضجيج.
- التعاون
والتشاور مع المصالح المختصّة لمراقبة النشاطات المستعملة فيها مواد خطيرة.
- إعداد
حصيلة سنويّة عن نشاطهم وتدخّلاتهم في المجال البيئي ووضع تقارير بعد كل عمليّة
تفتيش أو تحقيق لترسل إلى الوزير المكلف بالبيئة والولاة المعنيين.
2- الضبط الغابي: نصّ عليهم قانون الإجراءات الجزائية الجزائري
في المواد 21 و22 ضمن أعوان الضبط القضائي، حيث تتولى الهيئة الغابيّة التقنيّة مسألة
معاينة الجرائم البيئيّة في مجالها، إضافة لمعاينة مختلف الجرائم المتعلقة بقانون
الرعي وحماية الثروة السهبية، كما يتشكّل هذا السلك من رؤساء الأقسام والمهندسون
والأعوان الفنيّون والتقنيّون المختصّون في الغابات، وفي سبيل أداء مهامهم يؤدّي
هؤلاء الأعوان اليمين القانونيّة أمام المحكمة التابعة لمقر سكناهم وهم ملزمون
بارتداء زي رسمي ولهم في سبيل تأدية مهامهم حق حمل السلاح وهم ملزمون بتحرير محاضر
بالمخالفات التي عاينوها وبإرسالها إلى الجهة القضائيّة المختصّة.
3- شرطة المياه: استحدث المشرع الجزائري في القانون المتعلق بالمياه شرطة المياه
والذين يعتبرون أعوان تابعين للإدارة المكلفة بالموارد المائيّة يؤدّون اليمين
القانونيّة ويؤهّلون بالبحث ومعاينة مخالفات التشريع الخاص بالمياه، حيث منحهم
القانون سلطة الدخول إلى المنشآت والهياكل المستغلة بعنوان استعمال الأملاك
العمومية للمياه، كما يمكنهم مطالبة مالك أو مستغل هذه المنشآت والهياكل بتشغيلها
من أجل القيام بالتحقيقات اللازمة، كما يمكنهم كذلك أن يطلبوا الإطلاع على كل الوثائق
الضرورية لتأدية مهمّتهم. كما يستطيعون تقديم كل شخص متلبّس بتهمة المساس بالأملاك
العمومية للمياه أمام وكيل الجمهورية أو ضابط الشرطة القضائيّة المختص، ولهم الحق
في طلب تسخير القوّة العمومية لمساعدتهم من أجل ممارسة مهامهم.
4- شرطة المناجم: في إطار السياسة الشاملة الهادفة إلى إنشاء
أسلاك مختلفة للشرطة البيئيّة في شتى المجالات، جاء هذا السلك ليختص في مجال المراقبة
الإداريّة والتقنية للنشاطات المنجميّة، وفي سبيل تأديتهم لمهامهم يلزم هؤلاء
الأعوان بتأدية اليمين القانونيّة أمام مجلس قضاء العاصمة، ومن بين صلاحيّاتهم
- مراقبة
مدى احترام القوانين والأنظمة في المجال البيئي عندما يتعلق الأمر بنشاط منجمي لاسيما
تلك المتعلقة بالأمن والنظافة.
- مراقبة
البحث والاستغلال المنجمي.
- السهر
من أجل الحفاظ على الأملاك المنجميّة وحماية الموارد المائية والطرق العموميّة
والنباتات المسطّحة وحماية البيئة.
كما
أعطاهم المشرع صلاحيّة زيارة المناجم وبقايا المعادن وأكوام الأنقاض والمقالع
وورشات البحث في أي وقت وتقدّم لهم كل الوثائق بمختلف أنواعها وتسليمهم كل العيّنات
الضروريّة، كما ألزمهم القانون بإرسال محاضر المخالفات إلى وكيل الجمهورية المختص
خلال أجل ثمانية أيّام.
5- شرطة الصيد: نصّ عليهم القانون رقم 04-07 المتعلق بالصيد، حيث نصّ القانون على
الهدف من القواعد العامّة لممارسة الصيد والمتمثّلة فيما يلي:
- تحديد
شروط الصيد والصيادين والمحافظة على الثروة الصيدية والعمل على ترقيتها وتنميتها.
- منع
كل صيد أو أي نشاط له علاقة به خارج المناطق والفترات المنصوص عليها في أحكام هذا
القانون ونصوصه التنظيميّة.
كما
أنشأ القانون شرطة الصيد لمعاينة مخالفة أحكام قانون الصيد وفي إطار أداء مهامهم
فإنّهم ملزمون بتحرير محاضر بالمخالفات التي عاينوها إضافة إلى قيامهم بحجز
منتوجات وآلات الصيد موضوع المخالفة مع إرسالها إلى الجهة القضائيّة المختصّة. كما
نصّ القانون رقم 01-11) المتعلق بالصيد البحري وتربية المائيّات على إنشاء سلك
مفتشي الصيد البحري يكلف بمراقبة نشاطات الصيد البحري وتربية المائيّات، حيث يؤدّي
هؤلاء المفتشين اليمين القانونيّة ويؤهّلون لمعاينة المخالفات الواقعة على الصيد
البحري وتربية المائيّات بمعيّة ضبّاط الشرطة القضائيّة وقادة سفن القوات البحرّية
وأعوان المصلحة الوطنيّة لحرس السواحل، هذا وقد أجاز القانون لمفتشي الصيد البحري
وتربية المائيّات أن يطلبوا تسخير القوّة العموميّة لمتابعة المخالفات المتعلقة بمجال
عملهم ومعاينتها وكذا لحجز الآلات والعتاد المحظور والمنتوجات المصطادة خرقا لأحكام
القانون المتعلق بالصيد البحري وتربية المائيّات، ليُلزمهم القانون كذلك بعد
معاينتهم للمخالفات المرتكبة وحجز المعدّات المرتبطة بها أن يقوموا بتحرير محضر
يتم فيه استعراض الوقائع التي تمّ استعراض وجودها والتصريحات التي تلقوها وكذا
منتوجات الصيد والآلات التي تمّ النطق بحجزها.
المطلب الثاني: سلطات وصلاحيات الضبطية القضائية في معاينة الجرائم البيئية
للضبطية
القضائية دور هام في مجال مكافحة جرائم البيئة وذلك بالنظر للطبيعة الخاصة لهذه
الجرائم، حيث يُلاحظ على قانون حماية البيئة أنّه لم يحدّد صلاحيّات الضبطيّة
القضائيّة في مجال جرائم البيئة الأمر الذي يلتزم منّا الرجوع إلى القواعد العامّة
في قانون الإجراءات الجزائيّة والذي جاء فيه
"تناط بالضبط القضائي مهمة البحث والتحرّي عن الجرائم المقررة في
قانون العقوبات وجمع الأدلة عنها والبحث عن مرتكبيها ما دام لم يبدأ تحقيق
قضائي".
بالإضافة
إلى ما نصّت عليه المادة 17 من قانون الإجراءات الجزائيّة التي جاء فيها "يباشر
ضباط الشرطة القضائية السلطات الموضحة في المادتين 12 و13 ويتّلقون الشكاوى
والبلاغات ويقومون بجمع الاستدلالات وإجراء
التحقيقات الابتدائية ".
كما
يقوم أعوان الضبط القضائي بجمع كافّة المعلومات الكاشفة عن مرتكبي الجرائم ومن
بينها الجرائم البيئيّة. بالإضافة إلى قيام أعوان الضبط القضائي المنصوص عليهم في
المادة 21 من قانون الإجراءات الجزائيّة بالبحث والتحرّي ومعاينة جنح ومخالفات
قانون الغابات وتشريع الصيد ونظام السير وجميع الأنظمة التي عيّنوا فيها بصفة
خاصّة وإثباتها في محاضر ضمن الشروط المحدّدة في النصوص الخاصّة.
الفرع الأوّل: تلقّي الشكاوى والبلاغات
أشارت
المادة 17 من قانون الإجراءات الجزائيّة على أنّ من اختصاصات ضابط الشرطة
القضائيّة؛ تلقي البلاغات والشكاوى عن وقوع جرائم، حيث بقصد بالشكوى البلاغ أو
الإخطار الذي يقدّمه المجني عليه أمام النيابة العامّة أو أحد ضبّاط الشرطة
القضائيّة بوصفه السلطة الممهدّة لإجراءات تحريك الدعوى العموميّة ضد مرتكبي الجرائم
البيئيّة أمام المحاكم الجزائيّة، ويستوي أن تكون الشكوى كتابة أو شفاهة بأيّة
عبارة. إلاّ أنّه بالرجوع إلى الطبيعة الخاصّة لجرائم تلويث البيئة بفعل المخالفات
المرتكبة عليها؛ جعل تقديم الشكوى أو البلاغ عنها أمر غير متصوّر في كثير من
الأحوال بسبب:
- الفرد
العادي في مجتمعات العالم الثالث يصعب عليه اكتشاف ما يشكّل جريمة بيئيّة مضرّة أو
خطرة تستدعي منه الإبلاغ عنها.
- انعدام
الوعي الثقافي البيئي وإحساس الفرد بجسامه الآثار الضارّة الناجمة عن ارتكاب
المنشآت المصنّفة لجرائم بيئيّة، فقد تقع الجريمة لكن لا يبلغ عنها باعتبارها لا
تشكّل لديه أو لغيره أضرارا فوريّة يلزم التصدّي لها.
كما
يجب على ضبّاط الشرطة القضائيّة تدوين الشكاوى والبلاغات في دفاتر خاصّة بها على
أن يتم التدقيق في المعلومات خصوصاً من حيث زمان ومكان وقوع الجريمة، كما يجب
إثبات بيانات الشخص المبلغ وكذا أنواع المادّة الملوّثة وطبيعة الضرر البيئي في
حدود الإمكان وعلة الشاكي.
كما
يجب على رجال الضبط القضائي إخطار الجهات المعنيّة من أجل احتواء الظاهرة وفتح
تحقيق فيها، والتبليغ قد يكون اختياري وقد يكون وجوبي.
1- التبليغ الاختياري: لكل شخص حق العيش في بيئة سليمة ونظيفة
وملائمة وهو ما كرسته الدساتير والاتفاقيات الدولية بالإضافة إلى التشريعات الوطنيّة
ذات الصلة، فمثلاً في الجزائر نصّ القانون المتعلق بالبيئة في إطار التنمية المستدامة
على أن تساهم الجمعيّات المعتمدة قانوناً والتي تمارس أنشطتها في مجال حماية
البيئة وتحسين الإطار المعيشي في عمل الهيئات العموميّة بخصوص البيئة وذلك بالمساعدة
في إبداء الرأي والمشاركة وفق التشريع المعمول به.
كما
نصّت المادة 08 من نفس القانون على أنّه يتعيّن على الأشخاص الطبيعيّة أو
المعنويّة التي بحوزتها معلومات متعلقة بالعناصر البيئيّة التي يمكنها التأثير
بصفة مباشرة أو غير مباشرة على الصحّة العمومية؛ تبليغ هذه المعلومات إلى السلطات
المحليّة أو إلى السلطات المكلفة بحماية البيئة.
2- التبليغ الوجوبي: الأصل وكقاعدة عامّة أنّ التبليغ عن وقوع الجرائم
بصفة عامّة ومنها الجرائم البيئيّة بصفة خاصّة؛ حق اختياري للفرد أن يستعمله أو أن
يمتنع عن استعماله، إلاّ أنّ المشرع الجزائري ومراعاة منه للطابع الخاص الذي
تتميّز به الجرائم البيئيّة وبالنظر إلى أنّ التبليغ في المسائل البيئيّة ناذر
الوقوع لأسباب سبق ذكرها؛ فقد ألزم المشرع بعض الأشخاص بإلزامية التبليغ عن
الأخطار والأضرار الناتجة عن مخالفة القواعد التشريعيّة والتنظيميّة المقرّرة
بموجب قانون حماية البيئة.
وتبدو
الحكمة واضحة والمغزى جلي من ذلك، حيث يصعب أو يستحيل أن يعلم أحدٌ بتلك الجرائم
على خلاف هؤلاء الأشخاص ذوو الاختصاص العلمي والمهني، ومن أمثلة ذلك ما نصّت عليه
المادة 57 من قانون حماية البيئة عندما نصّ على أنّه يتعيّن على كل ربّان سفينة
تحمل بضائع خطيرة أو سامّة أو ملوّثة وتعبر بالقرب من المياه الخاضعة للقضاء الجزائري
أو داخلها؛ أن يبلغ عن كل حادث ملاحي يقع في مركبه ومن شأنه أن يهدد بتلويث أو إفساد
الوسط البحري أو المياه أو السواحل الوطنيّة.
حيث
نصّ القانون المتعلق بالبيئة على غرامة قدرها 1.000.000 دج على كل من يخالف أمر
التبليغ الوجوبي.
الفرع الثاني: الدخول إلى الأماكن
يجوز
لضبّاط الشرطة القضائيّة إجراء التحريّات في الأماكن العامّة كالشوارع والمزارع
والشواطئ العامّة وأخذ عيّنات من الهواء أو الماء الموجودة بها للتحقق من مدى سلامتها
وتطابقها مع المعايير التي يشترطها القانون، غير أنّ معاينة التلوث في هذه الحالة
قد لا تكفي لتوجيه الاتهام إلى أحد ما لم تتوفّر قرائن تفيد بأنّ المواد المفرزة
في الوسط البيئي منبعثة من مصدر محدّد.
كما
يجوز للموظّفين الدخول إلى أماكن العمل المُختلفة كالورشات بغير حاجة إلى نص
القانون الصريح مادام القانون يمنحهم الحق في إثبات الجرائم المخالفة لأحكامه والقرارات
المنفذة له، دون أن يمتد ذلك إلى المنازل أو المساكن أو الأماكن الخاصّة داخل
المنشآت التي يقوم العون بالتفتيش فيها، لأنّ تفتيشها يخضع لشروط معيّنة نصّت
عليها المادّة 47 من قانون الإجراءات الجزائيّة.
كما
خوّل المرسوم التنفيذي رقم 93-160 المنظّم للنفايات الصناعيّة السائلة صراحة الحق
لمفتشي البيئة في الدخول إلى التجهيزات الخاصّة بالتصريف عند ممارسة مهمّة الرقابة
بقصد التثبّت من مخالفات أحكام قانون البيئة.
الفرع الثالث: أخذ العينات
تتطّلب
الطبيعة الفنيّة لقانون البيئة أن يكون الدليل على وجود التلوث الذي يلحق بالبيئة
له طبيعة فنيّة كذلك، فالتلوّث له طبيعة وكيان مادّي محسوس يقتضي الوقوف عليه وجود
دليل يعكس وجوده ونسبته إلى شخص معيّن.
وتعتبر
العيّنات من أهم الأدلة الفنيّة للإثبات مدى توافر عنصر مخالفة المساس بالبيئة، ويستوي
أن تكون مأخوذة من المواد المستخدمة أو الناتجة عن العمليّات الصناعيّة أو غيرها
ولا أهميّة لطبيعة المادّة موضوع العيّنة، إذ يمكن أن تكون سائلة أو غازّية أو
صلبة، حيث يتمّ تحليلها وفق المقاييس المعمول بها في مختلف المخابر المعتمدة.
المرسوم
التنفيذي رقم 93-160 المنظّم للنفايات الصناعيّة السائلة، نصّ على أنّ عمليّة مراقبة
التصريف حسب الحالة فحصاً للأماكن والقياسات والتحليلات في عين المكان وأخذ عيّنات
للتحليل.
كذلك
المرسوم التنفيذي رقم 93-165 المنظّم لإفرازات الدخّان والغاز والغبار والروائح
والجسيمات الصلبة في الجو، هو الأخر نصّ على إمكانيّة خضوع التجهيزات الثابتة لأخذ
عيّنات دوريّة ومراقبات مباغتة من مفتشي البيئة.
واعتبارا
لأهميّة العيّنات في إثبات مدى تطابق الإفرازات الصناعيّة مع المعايير المعمول
بها، أخضع المشرع عمليّة أخذها إلى إجراءات وآجال يحدّدها التنظيم تتعلق بطرق أخذ
العيّنة والمحافظة عليها وتحليلها، كما أنّه إذا تبيّن للموظّف المختص أثناء قيامه
بعمليّة المراقبة داخل أماكن العمل أو خارجها أو بعد صدور نتائج العيّنات؛ مخالفة
المنشأة الصناعيّة للمعايير المعمول بها، يعدّ محضرا بالمخالفة ويسلمه إلى وكيل
الجمهوريّة المختص.
الفرع الرابع: تحرير محاضر خاصّة بجرائم البيئة
الاستدلال
في المرحلة السابقة على تحريك الدعوى العموميّة يباشره ضبّاط الشرطة القضائيّة
ويهدف إلى جمع عناصر الإثبات اللازمة لتاهيل مهمّة التحقيق الابتدائي للمحاكمة،
هذا وقد نصّت المادة 101 من القانون رقم 03-10 المتعلق بحماية البيئة على ذلك بما يلي "تثبت المخالفات بمحاضر يحررها ضباط
الشرطة القضائية ومفتشو البيئة في نسختين وترسل إحداها للوالي والأخرى إلى وكيل
الجمهورية ".
هذا
وقد أوجبت المادة 18 من قانون الإجراءات الجزائيّة على ضبّاط الشرطة القضائيّة
تحرير محاضر بأعمالهم وأن يبادروا دون تمهّل إلى إخطار وكيل الجمهوريّة بالجنايات
والجنح التي تصل إلى علمهم.
كما
عليهم وبمجرّد إنجاز أعمالهم أن يوافوه مباشرة بأصول المحاضر التي يحوزونها مصحوبة
بنسخة منها ومؤشّر عليها بأنّها مطابقة لأصول تلك المحاضر التي حرّروها وكذا جميع
المستندات والوثائق المتعلقة بها، بالإضافة إلى الأشياء المضبوطة وترسل المحاضر
الخاصّة بالمخالفات والأوراق المُرفقة بها إلى وكيل الجمهوريّة لدى المحكمة
المختصّة إقليمياً، حيث حدّد المشرع أجل 15 يوم لإبلاغ وكيل الجمهوريّة والوالي عن
جريمة بيئيّة تحدث في إقليم اختصاصه، كما يجب أن يُثبت في تلك المحاضر التي حرّرها
بأنّ له صفة ضابط الشرطة القضائيّة التي تخوّله القيام بذلك.
وفي
حالة عدم احترام تلك الإجراءات تعتبر المحاضر باطلة كأنّها لم تكن ويؤدّي ذلك إلى
فساد الإجراءات وبالتالي إفلات الجناة البيئيين من المتابعة والعقاب.
محاضر
الضبط والتحرّي التي حرّرت بمعرفة من ضبّاط الشرطة القضائيّة لها أهميّة بالغة،
ذلك أنّها لم توجب القيام بتحقيق قضائي بمعناه الوارد في قانون الإجراءات الجزائيّة
بل أجازه الاعتماد على ما هو وارد في المحضر كدليل إثبات عند إقامة المسؤوليّة الجزائيّة
لمرتكبي جرائم البيئة وتوقيع العقوبة عليهم، فهي ليست مجرّد محاضر للاستدلال وفي
هذه الحالة لا يطعن فيها إلاّ بالتزوير لأنّها تتمتّع بالحجيّة المطلقة وعلى هذا
الأساس وجب تدعيم سلك التقنيين بالوسائل الماديّة لاتساع الإقليم المحلي مع ضرورة
تكوينهم بصفة متميّزة لتمكينهم من القيام بعملهم مع التركيز على الجانب القانوني
لكي لا تكون إجراءاتهم معيبة قانوناً وقابلة للبطلان.
المبحث الثاني: إشكالات معاينة الجرائم البيئية وتأثيرها على المتابعة الجزائية لتلك الجرائم
تعترض
مهمّة الكشف عن جرائم البيئة عدّة صعوبات ناجمة عن خصوصيّة هذه الأخيرة، مثل
التوزيع غير المتناسق لسلطات معايني الجرائم البيئيّة وقلة كفاءتهم العلميّة وضعف
الإحاطة الجيّدة بمشاكل البيئة بالنسبة لأسلاك الشرطة القضائيّة وبالمقابل نقص
التأهيل القانوني لمفتشي البيئة والأعوان الآخرون المكلفون بحماية البيئة، الأمر
الذي يجعل مسألة معاينة الجرائم البيئيّة مسألة حساسة ومعقدة تستلزم بدل مجهودات
أكبر.
المطلب الأوّل: نقص تأهيل الضبطية القضائية في هذا النوع من الجرائم وقلة إمكانياتها
لقد
أثرت الطبيعة الخاصّة للجرائم البيئيّة على عمل ضبّاط الشرطة القضائيّة المنوط بهم
مهام معاينة تلك الجرائم، حيث اصطدم رجال الضبطيّة القضائيّة بواقع مغاير لما
ألفوه أثناء معاينتهم للجرائم التقليديّة، حيث وجدوا أنفسهم أمام مخالفات فنيّة
تقنيّة وعلميّة تتطلب تكويناً خاصاً سواء علمي أو قانوني يتعلق بذلك النوع من الجرائم
وهو الأمر الذين يفتقدونه، لم تقف إشكالات وعقبات معاينة الجرائم البيئيّة من طرف
رجال الضبطيّة القضائيّة عند عامل نقص التكوين، بل أمتدّ ذلك إلى ضعف الإمكانيّات
والوسائل والمعدّات المستعملة من طرف الضبطيّة القضائيّة في معاينة تلك الجرائم
التي تتطلب عمليّة إثباتها إلى وسائل علميّة لا توفّر لدى ضبّاط الشرطة القضائيّة.
الفرع الأوّل: نقص تأهيل الضبطية القضائية في معاينة الجرائم البيئية
إنّ
إشكاليّة التعامل مع الجرائم البيئيّة تمتد إلى إجراءات التحرّي والمتابعة والكشف
عن تلك الجرائم من طرف الضبطية القضائيّة، حيث تواجه رجال الضبط القضائي عدّة
صعوبات أثناء قيامهم بمهامهم تلك مثل التعامل مع نصوص تتسم بالتعقيد والتشعّب والعموميّة
واستعمال المصطلحات التقنيّة ممّا يجعل رجل الضبط القضائي في وضعيّة عدم العلم
بالقانون، فقد يحدث في كثير من الأحيان السلوك الإجرامي وتتحقق نتيجته أمام مرأى
من رجال الضبطيّة القضائيّة العامّة (شرطة، درك)، دون أن يعلموا أنّه فعل مجرّم
بيئياً فهم معتادون على التعامل مع الجرائم التقليديّة مثل السرقة والقتل والمخدّرات.
وليس
مع النفايات الخاصّة الخطرة والمواد المشعّة والاعتداء على الأنواع المحميّة،
ويرجع سبب ذلك إلى نقص التأهيل والتدريب في مجال البيئة ومختلف العناصر التي
تشملها والسلوكيات المحظورة قانوناً التي تسبّب الاعتداء عليها.
كما
أنّ الإشكال المطروح هو في تعدّد المكلفون بمعاينة الجرائم البيئيّة وتنوع
مؤهّلاتهم حسب مجالات تخصّصهم، كما أنّ تلك المؤهّلات قد تكون ناقصة الأمر الذي
يؤثر سلباً على كيفيّة أداء مهامهم ومعاينة الجرائم البيئيّة، ذلك الضعف كان نتيجة
نقص التأهيل العلمي أو القانوني لهؤلاء الأعوان الذين لم يتم تأهيلهم في المجال
القانوني والفنّي بصفة كافية لأجل مواجهة الإجرام البيئي فلا يكفي معرفة الفعل المجرّم
بل لابدّ من الإلمام بالإجراءات القانونيّة الواجب إتباعها لأجل متابعة مرتكبي
الإجرام البيئي.
إنّ
القانون حينما منح صفة الضبط القضائي لعدّة أعوان منتمين لأسلاك مختلفة من أجل
معاينة الجرائم الماسة بالبيئة؛ لم يكن الغرض منه تداخل الصلاحيّات والمهام
وانعدام التنسيق بين مختلف وحدات الضبط القضائي والقيام بمهمّة البحث والتحرّي
والمعاينة بصفة مستقلة عن بعضها البعض، إنّما كان ذلك من أجل أن يكمّل بعضها البعض
أي أن يكمّل ضبّاط الشرطة القضائيّة ذوو الاختصاص العام الذين لهم تكوين قانوني؛
أعوان الضبط القضائي الخاص الذين لهم دراية فنيّة وعلميّة بالجرائم البيئيّة
والعكس صحيح كذلك، وذلك لأنّ المشرع الجزائري عندما منح صفة الضبط القضائي لأسلاك
متعدّدة؛ إنّما يعود بسبب ما تمتاز به الجرائم البيئيّة من طابع تقني وعلمي
يمكّنهم من فهم مختلف حيثيّات ارتكاب الجرائم البيئيّة.
فمثلاً
جريمة تلويث المياه لا تخص الضبطيّة التابعة لإدارة المياه وحدها بل يدخل معهم
مفتشو البيئة وشرطة السواحل ومفتشو الصحّة وغيرهم كل حسب مجال تدخّله وذلك عبر
تبادل المعلومات والخبرات وخير مثال على ذلك عمليّات التفتيش المتعلقة بإنشاء
اللجنة الوزارية لمراقبة المؤسسات المصنّفة التي يرأسها الوالي وتتكوّن من ممثّلي 19
قطاع بما فيهم ممثّلين عن المجلس الشعبي البلدي والمديريّات الفرعيّة ووكالات
متخصّصة، فقيام هذه اللجنة بعمليّات التفتيش للمنشأة حتماً سيمس جميع الجوانب
البيئيّة التي يمكن أن تنتهكها هذه المؤسسات وبالتالي تكون هناك فعاليّة أكبر
لنشاطها في اكتشاف السلوكات المحظورة والأضرار البيئيّة كل حسب اختصاصه.
إلاّ
أنّه للأسف يلاحظ على أرض الواقع وجود عدم تنسيق وتعاون بين مختلف مصالح الضبط
القضائي المكلفون بمعاينة الجرائم البيئيّة بالإضافة إلى تأثر أنشطتهم بضعف
تأهيلهم القانوني الأمر الذي يؤكّد نقص التكوين القانوني الذي يسود نشاطهم، فرجال
العلم إن صحّ وصفهم بذلك؛ لا يستسيغون بسهولة مدى أهميّة الإجراءات القانونيّة
الواجب إتباعها والتي ينجر عن مخالفتها إبطال جميع الإجراءات القانونيّة التي
اتخذوها، فمثلاً قضي في مصر في اجتهاد قضائي رقم 136 المؤرخ في 01 أفريل 1964،
بأنّ عدم توقيع الموظّف على المحضر الرسمي يفقده قيمته القانونيّة والقيمة
الثبوتية، وهذا ينعكس كله سلباً على حماية البيئة في بداية الأمر ونهايته.
زد
على ذلك مشكلة غموض النصوص القانونية البيئيّة وتفرّقها تجعل من الأعوان يقعون في
أخطاء ناجمة عن سوء فهمهم للنصوص القانونيّة، فالإجراءات المطلوبة للمعاينة
وكيفيّات التفتيش وشروطه ومدة إرسال المحاضر وكيفيّة تحريرها تحتاج تأهيلاً
قانونياً.
كما
أنّ ضبّاط الشرطة القضائيّة المنصوص عليهم في المادة 15 من قانون الإجراءات الجزائيّة
لا يشكّل الإجرام البيئي بالنسبة لديهم مسألة ذات اهتمام كبير ،كما أنّ الصفة التي
يمتاز بها الإجرام البيئي تجعل مهمّة هؤلاء الأعوان ونشاطهم لا يتماشى مع خصوصيّة
الجريمة البيئيّة.
وذلك
بسبب الطبيعة الفنيّة والعلميّة والتقنيّة التي تتميّز بها الجرائم البيئيّة الأمر
الذي يجعل من عمليّة البحث عنها صعباً ومعقداً ممّا يضطر ضبّاط الشرطة القضائيّة
إلى الامتناع عن التدخّل فيها تاركين الأمر لذوي التخصّص العلمي والتكويني.
الفرع الثاني: نقص معدّات الكشف عن الجرائم البيئية لدى الضبطية القضائية
تعاني
الأجهزة المعنيّة بحماية البيئة وكذلك الجهات الإداريّة ذات الصلة من ضعف في
الإمكانيّات المتوفّرة لديها لكي تتمكّن من القيام بالمهام الموكلة لها.
فتصبح
العمليّة معقدة وليس من السهل الكشف عن عناصر الجريمة البيئيّة في غياب الضرر
البيئي أو عدم الكشف عنه أثناء ارتكاب الفعل.
فلأجل
متابعة الجانحين لا بدّ في البداية من الكشف عن الجرائم التي ارتكبوها، هذا الأمر
يتطّلب إمكانيّات ضخمة ووسائل متقدّمة تأهل إثبات هذا الجنوح، فلا بدّ إذن من وسائل
كافية ومعدّات لكنّه مع تواضع الميزانيّات المخصّصة تكون عمليّة الرقابة مستحيلة،
ما يعني أن معرفة واكتشاف الجرائم البيئيّة يعتمد بصفة تلقائيّة على الصدفة، كما
أنّ الملاحظ يلمس بأنّ هناك تردّد ملحوظ لمواجهة هذا الجنوح البيئي، فلا تكفي إذن
إرادة ضبّاط الشرطة القضائيّة على قلتهم ولا رغبة المواطنين في العيش ضمن بيئة سليمة
وصحيّة، بل لا بدّ من إرادة سياسية فعّالة تشترك خصوصاً في تفعيل عمل أعوان
الرقابة عن طريق الرفع من عدد الأعوان المسخّرين، بالإضافة إلى ملاحظة تضارب
المصلحة الاقتصاديّة للدّولة مع المصلحة البيئيّة وهو ما انعكس على حجم الموازنة
والإمكانيّات المسخّرة لحماية البيئة.
فالضبطيّة
القضائيّة المنوط بها مهمّة معاينة جرائم البيئة تستلزم لذلك وسائل خاصّة من أجهزة
ومعدّات القياس التي تقيس نسب التلوّث أو المختبرات سواء المتنقلة أو الثابتة التي
تقوم بعمليّة التحليل وتحديد نسب تواجد المواد.
أمّا
الإشكال فيكمن في التكلفة التي يستلزمها شراء مثل هذه الأجهزة والوسائل سواء بالنسبة
لصاحب المؤسسة أو وحدات الضبط القضائي، وأيضاً التكلفة التي يتطلبها إجراء
التحاليل والقياسات لدى المخابر وهو ما يضعف من أداء عمل الضبطيّة القضائيّة في
كشف الجرائم البيئيّة.
كل
هذا الأمر تسبّب في واقع مفاده أنّ الأعوان المكلفون بمعاينة الجرائم البيئيّة لا
يقومون بمهامهم، بالإضافة إلى أنّهم لا يشكّلون مصدرا حقيقياً لمعلومات النيابة
العامّة، حيث يتدعّم هذا القول من خلال إحصائيّات العمل الإداري، ففي أنة 2005 لم
يقم مفتش البيئة لولاية عنابة بتحرير سوى
36 محاضر فقط تتعلق بمخالفة بعض الورشات والمؤسسات الصغيرة لأحكام التشريعات
المتعلقة بحماية البيئة، في حين تعترف وزارة البيئة بإنتاج المنشآت الصناعيّة
بولاية عنّابة حوالي 67،527 طن في السنة
من النفايات الصناعيّة السامّة والسامّة جداً التي تفرز دون مراقبة في البيئة وتتسبّب
في تلويثها.
كذلك
تسبّب ضعف تكوين رجال الضبط القضائي المكلفين بمعاينة الجرائم البيئيّة؛ بعدم
إخطار النيابة العامّة بجرائم التلوث، وذلك يعود أصلاً لعدم تحريرهم للمحاضر كما أسلفنا،
حتى وان قاموا بتحريرها فهم لا يقومون بإرسالها إلى النيابة العامّة مخالفين بذلك
مقتضيات القانون وذلك لأنّهم يفضّلون العمل التنظيمي والتسوية الإداريّة على إخطار
القاضي الجزائي، وتفضيل التسوية الوديّة بدل إرسال المحاضر إلى الوالي المختص
إقليميّاً ليتّخذ الإجراءات اللازمة.
كما
يعود سبب امتناع الأعوان المكلفون بمهام الضبط القضائي لجرائم البيئة في إرسال
محاضرهم إلى النيابة العامّة وإخطارها، للتصوّر السيئ للموظّفين والأعوان المكلفين
بمعاينة الجرائم لدور النيابة العامّة، فهم يرون فيها حتميّة تسليط العقاب الجزائي
على الملوّث ويتناسون بأنّهم يقومون من خلال تصرّفهم ذلك بخرق التزام قانوني مفروض
عليهم مفاده وجوب إرسال المحاضر إلى النيابة العامّة، ويمنحون لأنفسهم سلطة تقدير
ملائمة المتابعات الجزائيّة للواقعة الإجراميّة لأنّهم برفضهم إعلام النيابة
العامّة عن ارتكاب الجرائم يقومون بحفظ الملفات ويحولون دون مباشرة الدعوى
العموميّة ويتخطّون حدود سلطاتهم الممنوحة لهم.
المطلب الثاني: امتداد تأثير إشكاليات معاينة الجرائم البيئية على عمل النيابة العامّة في متابعة تلك الجرائم
بعد
دراسة مختلف أصناف الضبط القضائي المكلف بعمليّة معاينة الجرائم البيئيّة؛ جاء
الدّور الآن على تبيان الجهات المكلفة بالمتابعة على العموم، حيث أنّ النيابة
العامّة هي التي تتولى تحريك الدعوى العموميّة في الجريمة البيئيّة كأصل عام ولكن
المشرع الجزائري وحسب القانون رقم 03-10 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية
المستدامة، أعطى الجمعيّات البيئيّة حق تحريك الدعوى العموميّة حسب نص المواد 35 36
37 من قانون حماية البيئة، والنيابة العامّة تباشر الدعوى العموميّة طبعاً وفي كل
الأحوال حتى ولو تمّ تحريكها من طرف جهات أخرى.
الفرع الأوّل: أصحاب الحق في تحريك الدعوى العمومية
من
أجل إعادة النظام للتوازن المعتدى عليه تتدخّل النيابة العامّة كطرف بارز لمواجهة الإجرام
البيئي، إذ تشكّل الجهة المكلفة بمتابعة المجرم وهذا باسم المجتمع وذلك بعد أن
تتوصّل بمحاضر معايني الجرائم البيئيّة أو بعد شكوى ترفع ضد الجانح وتبقى لها سلطة
تحريك الدعوى العموميّة أو وقف المتابعة.
النيابة
العامّة تعمل جاهدة على متابعة أي جانح ستؤدّي أفعاله إلى المساس بالعناصر الأساسيّة
للبيئة وفي مقابل ذلك يقع على عاتقها عدّة التزامات منها عدم قدرتها على التنازل
عن الدعوى العموميّة لاعتبارات مردّها عدم امتلاكها حقيقة هذه الدعوى وإنما تنوب عن المجتمع في ذلك كما أنّها ليست
خصماً فيها إلاّ أنّها ورثت صفة الخصم لحلولها محل الأفراد في توجيه الاتهام، حيث
يخطئ الكثيرون عندما يعتبرونها خصم لهم فهي فالحقيقة هدفها الأساسي هو مطالبتها
بتطبيق القانون وبمجرّد إحالتها للملف لقضاء الحكم فلا يحقّ لها التدخّل في إدانة
أو تبرئة المتهم.
وبالنظر
للدّور المهم للنيابة العامّة في مجال مواجهة جرائم تلويث البيئة، فإنّ التعاون
التبادلي بينها وبين مختلف الأجهزة المكلفة بمعاينة هذه الجرائم؛ ضرورة حتميّة لأسباب
تعزى إلى خصوصيّة الجريمة البيئيّة التي يمكن أن ترتكب في سريّة تامّة لاسيما إذا
ارتكبت من قبل أشخاص يملكون القدرة على إخفاء المعلومات داخل جهاز معيّن كتلك
المرتكبة داخل المؤسسات، حيث يقوم المسيّر بإخفاء المعلومات التي تثبت مسؤوليّته
الجنائيّة.
كما
أنّ النيابة العامّة تمتلك خبرة قانونيّة هامّة قد تضطر أحياناً إلى حفظ الملف
لعدم معرفتها التقنيّة بالمكوّنات الماديّة للسلوك الإجرامي البيئي، أو قد ترى
أحياناً أنّ الجريمة غير هامّة ومن تمّ لا توليها الاهتمام اللازم ولكن من شأن
تفعيل التعاون مع الأجهزة الإداريّة المتخصّصة في المجال البيئي أن يوضّح الأمور
أكثر للنيابة العامّة بما قد يؤدّي لتفادي هذه الأخطاء.
كما
يمكن لجمعيّات حماية البيئة أن تتدخّل لتحريك الدعوى العموميّة، فبمجرّد اكتسابها للشخصيّة
المعنويّة بعد تأسيسها يكون لها الحق في التقاضي بأن تتأسس طرفاً مدنياً في المسائل
الجزائيّة والتي تمس المجال البيئي وذلك حتى في الحالات التي تعني الأشخاص المنتسبين
لها بانتظام، حيث نصّ القانون رقم 03-10 المتعّلق بحماية البيئة في إطار التنمية
المستدامة، أنّه يمكن للجمعيّات المنصوص عليها في المادة 35 من قانون حماية البيئة
في إطار التنمية المستدامة؛ رفع دعوى أمام الجهات القضائيّة المختصّة عن كل مساس
بالبيئة حتى في الحالات التي تعني الأشخاص المنتسبين لها بانتظام، والجمعيّات
المعتمدة قانوناً والتي تمارس نشاطها في مجال البيئة وتحسين الإطار المعيشي في عمل
الهيئات العموميّة بخصوص البيئة وذلك بمساعدة
وإبداء الرأي والمشاركة وفق التشريع المعمول به.
كما
يمكن أن تفوّض من طرف الأشخاص المتضرّرين لرفع الشكوى وممارسة الحقوق المعترف بها
للطرف المدني أمام القضاء الجزائي. وبمجرّد اكتساب الشخصيّة المعنوية يكون للجمعية
حق التقاضي وأن تتأسس كطرف مدني في المسائل الجزائيّة التي تمس المجال البيئي، كما
لها الحق في الدفاع عن مصالح البيئة أمام السلطات العمومية والعمل على نشر وعي
بيئي وتفعيل الدّور الوقائي لحماية البيئة.
رغم
الجهود المبذولة من طرف الجمعيّات البيئيّة إلاّ
أنّ دورها ظلّ ناقصاً لعدّة أسباب منها ضعف الاعتمادات الماديّة ونقص الوسائل
المتاحة إلى جانب كون القضاء الجزائري لا يزل متردّداً في التعامل مع هذه الأشخاص
المعنوية على خلاف نظيره الفرنسي.
كما
أنّ التدخّل القضائي للجمعيّات في المجال البيئي له ما يبرّره، فإضافة إلى مساهمتها
في الكشف عن الإجرام البيئي، فهي تعمل على توضيح مدى خطورة الأضرار التي نجمت عنه،
فالبيئة ضحيّة من نوع خاص يصعب حمايتها ممّا يحتم تعدّد محرّكي الدعوى العموميّة.
الفرع الثاني: حالة تصحيح المخالفة البيئية كقيد لتحريك الدعوى العمومية
انتهج
المشرع الجزائري من خلال القانون رقم 03-10 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية
المستدامة وكذا المرسوم التنفيذي رقم 06-198 الذي يضبط التنظيم المطبّق على المؤسسات
المصنفة لحماية البيئة؛ نهجاً جديداً لحماية البيئة يتمثل في نظام تصحيح المخالفة البيئيّة
والذي يتم من خلاله إلزام المخالف للقواعد البيئيّة؛ بتصحيح مخالفته وجعل منشأته
تتوافق مع المتطلبات والمعايير البيئيّة المنصوص عليها، حيث جاء في القانون رقم 03-10
على أنّه عندما تنجم عن استغلال منشأة غير واردة في قائمة المنشآت المصنّفة؛ أخطار
وأضرار تمس المصالح المذكورة في المادة 18 وبناءاً على تقرير من مصالح البيئة يعذر
الوالي المستغل ويحدّد له أجلاً لاتخاذ التدابير الضروريّة لإزالة الأخطار أو الأضرار
المثبتة.
كما
نصّ المرسوم التنفيذي رقم 06-198 على أنّه يمكن للوالي المختص إقليميّاً في الحالة
المنصوص عليها في المادتين 44 و 47 من المرسوم التنفيذي رقم 06-198؛ إعذار مستغل
المؤسسة المصنّفة لإيداع التصريح أو طلب الرخصة أو مراجعة بيئيّة أو دراسة خطر إذا
لم يقم المستغل بتسوية وضعيّته في الآجال القانونية المحدّدة في المادتين رقم 44 و47،
فإنّه يمكن للوالي المختص إقليمياً أن يأمر بغلق المؤسسة.
من
خلال ذلك يمكن القول أنّ المشرع الجزائري قد أوجب على الإدارة إعذار المخالف من
أجل تصحيح المخالفة البيئيّة في أجل محدّد، وفي حالة عدم امتثاله لمتطلبات الإعذار
يتم وقف أو غلق المنشأة إلى غاية تصحيح المخالفة وهذه تعتبر فرصة ثانية من طرف
المشرع للمخالف، وفي حالة عدم امتثاله لذلك يتم سحب الرخصة، أي أنّه لابدّ من منح
المُستغل مدّة زمنيّة معيّنة من أجل تصحيح المخالفة البيئيّة، فإذا قام المخالف
بذلك في الآجال المحدّدة لا يجوز للنيابة العامّة اتخاذ أي إجراء من إجراءات
الدعوى العمومية وفي حالة عدم امتثاله لنظام تصحيح المخالفات البيئيّة وجب في هذه
الحالة رفع الدعوى العموميّة ضدّ المخالف.
الفرع الثالث: تقييم دور النيابة العامّة في متابعة الجرائم المتعلقة بالبيئة
يكشف
عمل النيابة العامّة عن جمودها في المجال البيئي وعدم فعاليّتها مقارنة مع مواقفها
اتجاه القضايا الجزائيّة الأخرى، حيث تبيّن الإحصائيات الخاصّة بالقضايا الجزائيّة
أنّ نسبة القضايا البيئيّة لا تشكّل إلاّ 0.1 % من مجموع القضايا المعروضة أمام
القضاء.
وإذا كان جمود النيابة العامّة يأتي في جزء منه
بسبب تهاون الأعوان المؤهّلون لمعاينة الجرائم البيئيّة وإساءتهم لأداء مهامهم،
فإنّه في جزئه الأخير يرتبط بأسباب تتعلق بعمل النيابة العامّة كالاستعمال المفرط
لحفظ الأوراق وسياستها الجنائيّة في المتابعة.
أوّلاً: الاستعمال المفرط لحفظ الأوراق
رغم قلة المحاضر التي تصل النيابة
العامّة عن الجرائم البيئيّة، وفي الوقت الذي كان يجب عليها دون تردّد متابعة
مرتكبي تلك المخالفات، فإنّها تلجأ إلى حفظ الملفات وعدم الخوض في الإجراءات
الخاصّة بالمتابعة على أساس سلطتها في الملائمة حتى ولو كانت على دراية بخطورة الجرائم
المرتكبة على البيئة في بعض الأحيان، ويُفسر ذلك بسبب الطابع التقني والفني
والعلمي للجرائم البيئيّة والتي تعجز النيابة العامّة عن فك خيوطها لذلك فهي تلجأ
إلى حفظ الملف، بالإضافة إلى تحجج النيابة العامّة بحجم الملفات الخاصّة بالجرائم
التقليديّة والتي أثقلت كاهل العدالة ممّا اضطر النيابة العامّة إلى حفظ الملفات
الخاصّة بالقضايا التي لا تستشعر أهميّتها من أجل تخفيف العبء عن العدالة وتقرّر
عدم السير في الدعوى العموميّة ضد المجرم الملوّث من خلال استعمالها لإجراء حفظ الأوراق.
ثانياً: سياسة المتابعة الجزائية لدى النيابة العامّة
القضايا البيئيّة ليست مدرجة ضمن
اهتمام النيابة العامّة ومن ورائها وزارة العدل التي تمثل السلطة التنفيذيّة، فهذه
الأخيرة لم تحرص على توصية جهاز العدالة ومن بينه النيابة العامّة بضرورة الاهتمام
أكثر بالجرائم الماسة بالبيئة وملاحقة مرتكبيها ومعاقبتهم، فلا وجود لسياسة
جنائيّة سواء أكانت محليّة أو وطنيّة لمكافحة الإجرام البيئي عكس باقي الجرائم
التي أخذت كل جهد ووقت النيابة العامّة.
كما
أنّ النيابة العامّة لا تحرّك ساكناً عندما يصل إلى علمها بطرق أخرى غير المحاضر ارتكاب
جرائم ماسة بالبيئة، فهي لا تبادر إلى إجراء التحريّات والتحقيقات وفق ما يتطلب منها
وما تتمتّع به من صلاحيّات وسلطات لمباشرة الدعوى العموميّة، وذلك لأنّها غير
مهتمّة بهذا النوع من الجرائم ولا يتحلى أعضاءها بإرادة وحماس كبيرين للخوض في هذا
النوع من المسؤولية الجزائية الذي يتطلب أو يقتضي استثمار وقت وجهد لا يقوم به
إلاّ القليل من الأشخاص.
خاتمة
لا
تكفي عمليّة حماية البيئة من خلال مختلف النصوص العقابيّة المحدّدة للأفعال الإجرامية
والتي تتضمّن العقوبات الردعيّة للمخالفين، بل لابدّ من وجود نظام إجرائي فعّال
يضمن عمليّة نقل تلك النصوص من حالة السكون إلى حالة الحركة، حيث يقوم بتلك
المهمّة جهاز قضائي مختلف مهمّته اكتشاف الجرائم البيئيّة ومتابعة مرتكبيها.
فالمشكل
المطروح حالياً ليس في المنظومة التشريعيّة الموضوعيّة الخاصّة بحماية البيئة،
وذلك لأن هناك ضخامة في تلك النصوص وتنوع كبير في مضامينها بشكل أثر بشكل سلبي على
عملية مكافحة الإجرام البيئي نظرا لتعدد النصوص وتنوّعها وعدم تناسقها، إنّما
الإشكال المطروح والذي يبدو أنّ المشرع الجزائي لم يحطه بعناية كبيرة هو مدى وجود
نظام إجرائي متكامل وذو فاعليّة في ضمان تطبيق تلك النصوص التشريعيّة وبالتالي التمكّن
من معرفة المجرم الحقيقي وإدانته.
فالجرائم
البيئيّة ليست مثل غيرها من الجرائم التقليدية فهي ذات طابع خاص يغلب عليها الطابع
التقني والفني، وهو ما لا يتوفّر في الضبطية القضائيّة المكلفة بمهمّة معاينة تلك
الجرائم ولا في جهاز النيابة العامّة الذي يتولى هو الأخر مهمّة متابعة مرتكبي
الإجرام البيئي، حيث يجب أن تهتم الدّولة الجزائريّة بتكوين تلك الأجهزة وإمدادها
بمختلف الإمكانيّات والوسائل التي تمكّنها من القيام بمهامها.
في
ختام هذه المداخلة قد توصّلنا إلى عدّة نتائج نوجزها فيما يلي:
1-
تنوّع وتعدّد الأسلاك المكلفة بمهمّة معاينة الجرائم البيئيّة، حيث لاحظنا اختلاف
انتماءاتها وتنوع مجالاتها، حيث وجدنا الضبطية القضائيّة ذات الاختصاص العام والتي
تتمتّع بتكوين قانوني، كما وجدنا مفتشو البيئة وكذا شرطة الصيد ومحافظو الغابات وشرطة
المياه وكذا شرطة المناجم وغيرهم، حيث يتبع هؤلاء لإدارات متعدّدة ومختلفة، أثر في
عمليّة تكاملها وتناسقها فيما بينها.
2-
تمتّع الضبطيّة القضائيّة المكلفة بمهمّة معاينة الجرائم البيئيّة بالعديد من
الاختصاصات والصلاحيّات التي تمكّنها من ممارسة مهامها، كما لاحظنا بأنّ تلك السلطات
والمهام هي في الحقيقة مستمدّة من قانون الإجراءات الجزائيّة، حيث تطبّق على مختلف
الجرائم التقليديّة وبالتالي استغربنا من عدم وجود إجراءات جزائيّة خاصّة تتمتع
بها الضبطيّة القضائيّة من أجل معاينة الجرائم البيئيّة إسوة بمختلف الجرائم التي
اختصّها المشرع الجزائري بإجراءات خاصّة في عمليّة مكافحتها.
3-
ضعف تكوين الضبطيّة القضائيّة وعدم إلمامها بالطابع التقني والفني للجريمة
البيئيّة ممّا أثر سلباً على عمليّة مكافحتها، بالإضافة إلى قلة الوسائل التقنية
والفنيّة اللازمة لمعاينة الإجرام البيئي كون عمليّة الإثبات فيه تعتمد على أخذ
العيّنات بواسطة آلات وأجهزة وتحليلها في المخابر المختصّة.
4- تكاد
تنعدم القضايا المحالة على النيابة العامّة والمتعلقة بجرائم بيئيّة نتيجة نزوع
الإدارة إلى الحل الودي لمختلف المخالفات البيئيّة، كما لاحظنا قلة القضايا
البيئيّة المعروضة أمام القضاء من طرف النيابة العامّة وذلك لاستعمالها المفرط
لصلاحيّة حفظ الأوراق التي تتمتّع بها، حيث يعود ذلك لعدم وجود سياسة جنائيّة
قضائيّة تولي أهميّة لمكافحة مثل تلك الجرائم إسوة بالجرائم التقليديّة.
أمّا
فيما يخص التوصيّات التي نوصي بها في ختام مداخلتنا فكانت كالتالي:
1- نتمّن
قيام المشرع الجزائري بتنويع الأسلاك المكلفة بمهمّة معاينة الجرائم البيئيّة
خاصّة عندما زاوج بين الضبط القضائي ذو الاختصاص العام الذي يتمتّع بتكوين قانوني
وبين الضبط القضائي المتخصّص في معاينة الجرائم البيئيّة الذي يتمتّع بتكوين علمي
وفنّي وتقني، ومن أجل القضاء على مشكل عدم التنسيق بين تلك الأجهزة والأسلاك فإنّ
نوصي بتشكيل جهاز مشترك خاص يشملها تناط به مهمّة المعاينة المشتركة للجرائم
البيئيّة والخروج إلى الميدان مع بعض لمعاينة المخالفات البيئيّة.
2-
ندعو المشرع الجزائري إلى التفكير في إصدار قانون إجرائي خاص بالجرائم البيئيّة إسوة
بقانون الإجراءات الجبائية والذي يختص بالجرائم الجبائيّة نظرا لخصوصيّتها، حيث أنّ
قانون الإجراءات الجزائيّة الجزائري يتضمّن القواعد العامّة للإجراءات ولا يمكنه
أن يتضمّن الإجراءات الخاصّة بتفاصيل مختلف الجرائم ومن بينها الجرائم البيئيّة.
3-
يجب على قطاع العدالة في الجزائر أن ينظّم دورات خاصّة لضبّاط الشرطة القضائيّة من
أجل تأهيلهم الفني والتقني لمعاينة الجرائم البيئيّة بالإضافة إلى تكوين الأشخاص
المكلفون بمعاينة الجرائم البيئيّة من الأسلاك الأخرى، وحسب رأيينا أنّ ذلك لا
يتمّ إلا في إطار جهاز ضبط قضائي مشترك خاص يتم تكوينه لهذا الغرض وفق ما دعونا
إليه في التوصية الأولى.
4-
ندعو كذلك إلى تكوين أعضاء النيابة العامّة فيما يخص الجرائم البيئيّة بالإضافة
إلى تكوين قاضي مختص في الشؤون البيئيّة، وهذا لن يكو ن إلاّ من خلال سياسة جنائيّة
شاملة تتبنّاها الدولة الجزائرية من أجل مكافحة الإجرام البيئي، حيث أنّ إرادة السلطة
التنفيذيّة في مكافحة الإجرام البيئي سوف تمتدّ لا محالة إلى مختلف الهيئات
والأجهزة من أجل التنفيذ ومن بينها الأجهزة الأمنيّة والقضائيّة.
المرجع
- د. بن بادة عبد الحليم، مجلة الاجتهاد للدراسات القانونية والاقتصادية، المجلد: 09، العدد: 01، السنة 2020 ، ص436 – 471.