نظم الرقابة القضائية على أعمال الإدارة وموضع النظام القضائي الجزائري
تمهيد:
يعد
القاضي الإداري ملجأ الأفراد لحماية حقوقهم من كل أشكال التعسف والاستبداد لاسيما
في مواجهة الإدارة، سواءً بإبطال تصرفاتها غير المشروعة أو إلزامها بالتعويض عن
الأضرار الملحقة بالأفراد، حيث تحوز الإدارة على إمتيازات السلطة العامة وتستطيع
بمقتضاها فرض سلطتها على الفرد المجرَد من تلك الامتيازات.
خصّ
القانون مهمة الرقابة على أعمال الإدارة للقاضي الإداري، حيث يعد من أكثر الأجهزة
القادرة على حماية مبدأ المشروعية والدفاع عن الحقوق والحريات، إذ يسعى إلى تكريس
الحقوق والحريات الأساسية للمواطن.
لقد
اتجهت أغلب الدول إلى تعميم نظام الرقابة القضائية منتهجة في ذلك مناهج وأساليب
مختلفة في تنظيمه وضبطه، فمن الدول من التجأت إلى إسناد الرقابة القضائية على
أعمال الإدارة العامة إلى نفس جهات القضاء المختصة بفض نزاعات الأفراد ومن الدول
من أفردت له قضاء خاص مستقل وهو ما يعرف بنظام الازدواجية القضائية.
وأمام
أهمية الرقابة القضائية كآلية لتكريس دولة القانون فقد عمدت الدولة الجزائرية إلى
تفعيل دور الرقابة القضائية على أعمال الإدارة، غير أن منظومة القضاء الجزائري عرف
تطورات كثيرة فيما يخص أسلوب تنظيمه ووظيفته وقد ارتبط ذلك في واقع الأمر بالظروف
التاريخية والسياسية والاقتصادية التي مرت بها الدولة.
وعليه
يتعين تبيان نظم الرقابة القضائية على أعمال الإدارة (المطلب الأول)، وموضع النظام
القضائي الجزائري بينهما (المطلب الثاني).
المطلب الأول: نظم الرقابة القضائية على أعمال الإدارة
لم تنتهج الدول منهجا واحدا في تنظيم شكل
الرقابة القضائية على أعمال الإدارة العامة، إذ تباينت النظم القضائية فيما بينها وفقا
للاديولوجية السياسية السائدة في كل دولة، فمن الدول من أسند هذا الدور في الرقابة
للقاضي العادي الذي يفصل في جميع المنازعات العادية والإدارية كما هو الحال
بالنسبة للنظام القضائي الأنجلوسكسوني، ومنها من عهد بهذا الدور في الرقابة
القضائية لقاض متخصص في منازعات الإدارة، بحيث يتولى البت في المنازعات الإدارية
دون العادية.
فيسود
في دول العالم نظامين قضائيين رئيسيين، النظام الأنجلوسكسوني الذي يقوم على أساس
القضاء الموحد (الفرع الأول)، والنظام اللاتيني حيث يوجد القضاء المزدوج (الفرع
الثاني).
الفرع الأول: نظام القضاء الموحد
يسود
في النظام الأنجلوسكسوني قاعدة تقليدية تتمثل في أن الملك لا يخطئ مثل المملكة
المتحدة والدول التي أخذت بهذا النظام كالهند والفلبين، ومع ذلك فقد حدث تطور هام
بشأن هذه القاعدة حيث تم ليسمح للأفراد برفع الدعاوى في مواجهة الموظفين شخصيا، وفي
مواجهة الأشخاص العامة الأمر الذي يتعين منا تبيان مفهوم نظام القضاء الموحد (أولا)، ثم إبراز مميزاته
وأحكامه (ثانيا).
أولا: مفهوم نظام القضاء الموحد
هو
أسلوب رقابة قضائية يقوم على وجود هيكلا قضائيا واحدا في جميع مستوياته، يختص
بالفصل في جميع المنازعات مهما كانت طبيعتها عادية وٕإدارية قاض واحد مطبقا
لقانون واحد، وهذا النظام يضع الإدارة على قدم المساواة مع الأفراد.
ويعرف
هذا النظام انتشارا واسعا على الصعيد العالمي إذ تنتهجه الكثير من الدول فبالإضافة
للمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية بعض الدول العربية كفلسطين والأردن
والعراق دول إفريقية، ومن أمريكا اللاتينية بحكم ارتباطها تاريخيا بالثقافة
البريطانية بسبب الانتداب.
ويقوم
نظام القضاء الموحد على عدة مبررات ولعل أهمها مبدأ سيادة القانون، بمعنى تطبيق
القانون على الجميع حكام ومحكومين دون تمييز، وخضوع الإدارة إلى جانب الأفراد
لقضاء واحد وهو القضاء العادي الذي يعد القضاء الأصيل لحماية حقوق الأفراد
وحرياتهم وحماية النظام القانوني السائد في الدولة.
ولذا
فإن نظام القضاء الموحد يقوم على أساس أن السلطة القضائية ممثلة في جميع محاكمها
باختلاف أنواعها ودرجاتها، تتولى الفصل في جميع المنازعات مهما كانت طبيعتها وفقا
لقانون واحد.
ثانيا: مميزات نظام وحدة القضاء
يتميز
هذا النظام من الجانب التنظيمي والعضوي بوجود هيكل قضائي واحد يتخذ شكل هيكل أو
هرم قضائي واحد، ينقسم داخليا إلى أقسام
وفروع وعرف تجسيدا لمبدأ التخصص وتقسيم العمل ومن نتائجه عدم طرح إشكالية الاختصاص
القضائي لإمكانية التحويل الإداري من قسم لأخر في إطار نفس الهيكل وبالتالي يكون
المتقاضي في منأى عن متاعب البحث عن جهة الاختصاص التي كثيرا ما يتعرض لها في نظام
القضاء المزدوج.
ويتميز
نظام القضاء الموحد بوجود نزاع واحد عادي ولا يوجد لنزاع إداري كون القانون واحد
بالنسبة للأفراد والإدارة، فذلك يفترض وجود قاضي واحد يحكم في جميع النزاعات التي
تعرض عليه دون تمييز بين عادي وٕإداري ويطبق عليه نفس الأحكام القانونية موضوعا
وٕإجراءً، وتختص المحاكم العادية بالرقابة القضائية على أعمال الإدارة وتطبق
أحكام القانون الخاص.
فالمتقاضي
في ظل نظام القضاء الموحد يعلم أنه أمام جهة قضائية واحدة عليه أن يتجه إليها
للفصل في منازعاته، سواء تلك المتعلقة بأقرانه الخواص أو تلك المتعلقة بالإدارة،
وتكون له حظوظ كبيرة للحصول على العدل والإنصاف، لأن القاضي العادي دائما شديد في
مواجهة الإدارة ولا تهمه طبيعة نشاطها المرتبط بالمصلحة العامة، التي كثيرا ما
كانت أساسا لتمييز الإدارة وتمكينها من امتيازات إجرائية وموضوعية أمام القضاء
الإداري.
وعلى
الرغم من أخذ الكثير من الدول بنظام القضاء الموحد فإنه يعاني بجملة من العيوب
والتي لا يستهان بها ولعل أهمها أن نظام القضاء الموحد يتجاهل الحد الأدنى الضروري
من الامتيازات التي ينبغي أن تتمتع بها الإدارة لتحقيق المنفعة العامة، فهو يصلح
للدول المتطورة التي لم تعد الإدارة فيها مدعوة لتدخلات كبيرة بفعل تطور التجهيزات
والخدمات فيها من جهة، ومن جهة أخرى بفعل تطور القطاع الخاص وتفانيه لسد
الاحتياجات.
بينما
تحتاج الدول النامية إلى إدارة عامة لأنها مدعوة إلى تدخلات ضخمة، ولأن دورها أثقل
في التنمية لمجابهة مظاهر التخلف ومن ثم فإنه من الضروري تخويل الإدارة حدا أدنى
من الامتيازات، كما أن الاعتراف للإدارة بمهمة تحقيق المصلحة العامة يجعلها من
البديهي أن تحتل مركزا متميزا عن مركز الأفراد وٕإلا كان في ذلك تعطيل للمصلحة العامة.
الفرع الأول: نظام القضاء المزدوج
يرتبط
هذا النظام بالدول اللاتينية وتعد فرنسا مهده و يقوم هذا النظام على أساس وجود
قضاء إداري متخصص في المنازعات الإدارية يتولى مهمة الرقابة على أعمال الإدارة، بجوار
القضاء العادي الذي يختص بالفصل في المنازعات الخاصة وكذلك المنازعات التي تكون
الإدارة طرفا فيها دون أن يكون لها صفة السلطة العامة، ولهذا يوجد في دول هذا
النظام قانون إداري مستقل عن القانون المدني يمنح للإدارة امتيازات استثنائية، لأنها
تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة، كما يفرض عليها بعض القيود ولذا سنتناول مفهوم
نظام الازدواجية القضائية (أولا)، ثم نعالج نشأة وتطور نظام الازدواجية القضائية
في فرنسا (ثانيا).
أولا: مفهوم نظام الازدواجية القضائية
هو
نظام يوجد فيه هرمان قضائيان (قضاء عادي وقضاء إداري) يفصل في المنازعات المرفوعة
إليهما بحسب طبيعتها تطبيقا للقانون الخاص أو العام ويتوسطهما جهة قضائية عليا تفصل في تنازع
الاختصاص بينهما تدعى محكمة التنازع.
فهو
نظام يقوم على الثنائية القضائية، حيث يعهد بالوظيفة القضائية إلى جهتين قضائيتين
إحداهما عادية تتولى مهمة الفصل في المنازعات المدنية والأخرى تنظر في المنازعات
التي تثور بين الأفراد والإدارة بوصفها سلطة عامة، وتتكون جهة القضاء العادي من
المحاكم العادية القضائية على اختلاف أنواعها ودرجاتها وترأسها محكمة عليا يصطلح
عليها بمحكمة النقض، فيما تتألف جهة القضاء الإداري من المحاكم الإدارية بمختلف
أنواعها ودرجاتها ومن مجلس يطلق عليه اسم مجلس الدولة وتنصب بين النظامين
القضائيين هيئة قضائية مستقلة تتوسط بينهما تدعى محكمة التنازع تفصل في تنازع
الاختصاص الإيجابي والسلبي بين القضاء العادي والإداري.
ويتميز
هذا النظام بوجود هرمين قضائيين مستقلين عن بعضهما البعض (هيكليا ،بشريا ،قانونيا
وتنظيميا) كما يوجد نزاعين قضائيين نزاع إداري وأخر عادي يتم فيه التمييز بين
القانون العام والقانون الخاص في التطبيق، ويتصف نظام القضاء المزدوج بوجود إجراءات
عادية تسري على القضاء العادي وأخرى متميزة ومستقلة تسري على القضاء الإداري،
بالإضافة إلى أن نظام الازدواجية القضائية لا يعرف نظام الإحالة وٕإنما يدفع بعدم
الاختصاص.
من
مميزات نظام الازدواجية القضائية وجود قضاة إداريين متخصصين بشكل عميق بنشاط
الإدارة يعملون على تخفيف العبء عن المحاكم العادية التي أصبحت تعرف تراكما كبيرا
في حجم القضايا والمنازعات المقامة أمامها، كما يساهم نظام القضاء المزدوج بفضل
اجتهاده بتحقيق التوازن المأمول بين المصلحة العامة وما تفرضه وبين مصالح الأفراد
المتمثلة في حماية الحقوق والحريات العامة وذلك عن طريق تأكيد مبدأ المشروعية.
ثانيا: نشأة وتطور القضاء الإداري في فرنسا
قبل
قيام الثورة الفرنسية انفردت محاكم القضاء العادي مسألة النظر في المنازعات
الإدارية وقد اتصفت هذه المحاكم بالرجعية والوقوف بوجه كل إصلاح. وعندما اندلعت
الثورة الفرنسية كان لا بد من هؤلاء الثوار من العمل على إبعاد جميع المحاكم عن
التدخل في نشاط الإدارة تطبيقا لمبدأ الفصل بين السلطات وصدور قانون 1790 ،حيث
أكدت المادة 13 منه أن الوظائف القضائية مستقلة وتبقى منفصلة عن الوظائف الإدارية،
وعلى القضاة تحت طائلة ارتكابهم لجريمة الخيانة العظمى ألا يتعرضوا لأعمال
الإدارة، فيحظر على القاضي محاكمة رجال الإدارة.
فبعد
الفصل التام بين الهيئات الإدارية والهيئات القضائية كان لا بد من البحث عن هيئة
للنظر في المنازعات الإدارية، فلجأ رجال الثورة إلى نظام الوزير القاضي، حيث تتولى
هذه الهيئات الإدارية بالفصل في المنازعات التي تكون الإدارة طرفا فيها فأصبحت الإدارة
خصما وحكما في نفس الوقت، وتتولى الإدارة
مراقبة أعمالها ذاتيا ودون تدخل من أي جهة كانت، وكان يتم ذلك عن طريق تظلم لدى الموظف
المصدر للأمر الإداري أو لدى رئيسه.
ثم
تأتي مرحلة نظام القضاء المحجوز أو المقيّد، وذلك بعدما اشتكى المواطنون الفرنسيون
من عدم فعالية نظام الإدارة القاضية، فقام نابليون بإنشاء مجلس الدولة ومجالس
الأقاليم (المحاكم الإدارية) وأصبح مجلس الدولة المستشار القانوني للحكومة يمدها
بالآراء والاستشارات وكان مجلس الدولة يفصل في المنازعات الإدارية ولرئيس الدولة
الحق في التصديق أو رفض التصديق على الحكم.
لكن
بصدور قانون 24 ماي 1872 أصبح مجلس الدولة
الفرنسي جهة قضائية مستقلة عن الإدارة العامة وله سلطة البت النهائي في المنازعة الإدارية
وبذلك أصبح القضاء الفرنسي مزدوجا يضم في شق منه القضاء العادي الموكل له مهمة
الفصل في المنازعات العادية، وفي شق أخر يضم القضاء الإداري المكون من المحاكم الإدارية
ومجلس الدولة وتم تأسيس في هذه الفترة
محكمة التنازع، فسميت هذه المرحلة مرحلة القضاء المفوض.
ولم
يحجب خلال مرحلة القضاء المفوض دور الإدارة التي ظلت تختص كجهة أولى يلتزم الأفراد
باللجوء أولا إليها للفصل في المنازعة الإدارية، ثم إلى مجلس الدولة كهيئة استئناف،
واستمر العمل بهذا الشكل إلى أن قضى مجلس الدولة نهائيا على نظام الإدارة القاضية
باستبعادها نهائيا في حكمه الشهير في"قضية كادو" وتقرر منذ ذلك الحين
عرض جميع المنازعات الإدارية بصفة عامة ومباشرة على مجلس الدولة.
وبعدها
تأتي مرحلة أصبح فيها مجلس الدولة كقاضي عام للمنازعات، حيث يلجأ المتقاضي مباشرة
لمجلس الدولة دون المرور على الإدارة، فانتهى دورها وتم إرساء نظام الازدواجية
القضائية كأسلوب للعمل القضائي في فرنسا وتم تنصيب المحاكم الإدارية صاحبة الولاية
العامة في المنازعات الإدارية بحكم قابل
للاستئناف أمام مجلس الدولة، من أجل تخفيف العبء على مجلس الدولة، وتم تعميق الإصلاحات
القضائية من خلال إنشاء محاكم استئناف سنة 1987 وبهذا اكتمل النظام القضائي في
المادة الإدارية في فرنسا وأصبح مماثلا لنظيره العادي.
المطلب الثاني: التنظيم القضائي الإداري في الجزائر
ورثت
الدولة الجزائرية غداة الاستقلال تنظيما قضائيا إداريا فرنسيا شكلا وموضوعا سواء
في الجانب القانوني أو الإجرائي، لأن القوانين الفرنسية هي التي كانت مطبقة في الجزائر
آنذاك، نظار لفترة الفراغ القانوني والمؤسساتي الذي عرفته الجزائر بعد الاستقلال، فصدر
قانون بتاريخ 31 ديسمبر 1962 باستمرار تطبيق القوانين الفرنسية واستبعاد كل ما
يتعارض بالسيادة الوطنية، فاستمرت الدولة الجزائرية بتطبيق القوانين الفرنسية إلى غاية
صدور قوانين وطنية تنظم المسائل الإجرائية والمؤسساتية.
ولقد
عرف التنظيم القضائي الإداري الجزائري تطورا كبيرا من الناحية الهيكلية والقانونية
(الفرع الأول)، وتأتي المرحلة الأخيرة بتجسيد الإصلاحات القضائية في المادة الإدارية
وتنصيب الهيئات القضائية الإدارية المكلفة برقابة الإدارة العامة (الفرع الثاني).
الفرع الأول: تطور التنظيم القضائي الإداري في الجزائر
عرف
النظام القضائي الجزائري تطورا كبيرا حيث تم الانتقال من نظام وحدة القضاء المطبق
في الجزائر منذ سنة 1965 إلى نظام ازدواجية القضاء الذي أقره دستور 1996 ثم تواترت
عدة قوانين مجسّدة لذلك، فتم تكريس نظام الازدواجية القضائية وتم توزيع الاختصاص
في مجال المنازعات والخصومات بين أجهزة القضاء الإداري وأجهزة القضاء العادي، وعلية
فإن النظام القضائي الجزائري عرف مرحلتين أساسيتين مرحلة وحدة القضاء(أولا) ومرحلة
الازدواجية القضائية (ثانيا).
أولا :التنظيم القضائي في ظل نظام وحدة القضاء
عملت
فرنسا منذ احتلالها للجزائر على تطبيق قوانينها، فكان النظام القضائي آنذاك تابعا
للنظام القضائي الفرنسي المتميز بالازدواجية القضائية، حيث وجدت ثلاثة مجالس
للمديريات على غرار مجالس الأقاليم الفرنسية ( الجزائر،وهران،وقسنطينة) عهد لها
مهمة الفصل في المنازعات الإدارية وهذا بموجب مرسوم صادر بتاريخ 9/12/1848 ،ثم حلت
محلها المحاكم الإدارية الثلاثة بموجب مرسوم رقم 934 الصادر تاريخ 30/09 /1953
وتصدر قرارات قضائية قابلة للاستئناف أمام مجلس الدولة في باريس باعتبار الجزائر
مقاطعة فرنسية.
ثم
بعد الاستقلال صدر في 18/6/1963 قانون رقم 63 -218 تضمن إنشاء المجلس الأعلى كهيئة
قضائية جمعت اختصاصات محكمة النقض وحلّ أيضا محل مجلس الدولة الفرنسي من خلال
إنشاء غرفة إدارية، فوحّد النظام القضائي واحتفظ بالمحاكم الإدارية الثلاثة (الجزائر،وهران،وقسنطينة).
وفي
تاريخ 16/11/1965 صدر الأمر رقم 65 -278 المتضمن التنظيم القضائي والذي تبنى مبدأ
وحدة الجهات القضائية وحولت المادة 5 منه اختصاصات المحاكم الإدارية الثلاثة
الموروثة من فرنسا إلى الغرف الإدارية الثلاثة بالمجالس القضائية.
وبصدور
قانون الإجراءات المدنية بموجب الأمر رقم 66 -154 في 08/06/1966 وزعت المواد 7 و7
مكرر والمادة 274 منه الاختصاصات القضائية بين الغرف الإدارية بالمجالس القضائية
والتي زاد عددها والغرفة الإدارية بالمحكمة العليا، حيث أصبحت الغرف الإدارية
بالمجالس القضائية صاحبة الولاية العامة في المنازعات الإدارية أما الاستئناف يكون
أمام الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى، هذه الأخيرة وحدها المختصة بالفصل في دعاوى تجاوز السلطة
العامة دون تمييز بين القرارات المركزية واللامركزية، وبقيت الغرف على مستوى
المجالس تنظر في دعاوى القضاء الكامل (التعويض)، وبعدها تم توسيع من عدد الغرف
الإدارية حيث تم رفع عددها بموجب أمر 86 -01 وهو التعديل الذي تجسد واقعا من خلال
إصدار المرسوم 86 -107 والذي تم رفع عدد الغرف إلى 20 غرفة.
وفي
18 أوت 1990 صدر قانون رقم 90 -23 المعدل لقانون الإجراءات المدنية 66 -154، حيث
عدّل نص المادة 7 من قانون الإجراءات المدنية وأضاف المادة 7 مكرر وأقر بموجبها
استئناف قرارات الغرفة الإدارية وجعل دعوى الإلغاء من اختصاص الغرف الإدارية إذا
تعلق الأمر بالهيئات المحلية وبقي من اختصاص الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا القرارات
الإدارية المركزية.
لقد
كرّس قانون رقم 90 -23 الغرف الإدارية المحلية والتي زاد من عددها قصد تقريب القضاء
من المواطن كما أنشأ الغرف الإدارية الجهوية الخمسة المتواجدة على المجالس
القضائية التالية: وهي الجزائر، وهران، قسنطينة ورقلة وبشار بحيث يكون إلغاء تفسير
وفحص مشروعية قرارات البلديات والمؤسسات
العمومية الإدارية المحلية من اختصاصها، في حين يكون للغرف الإدارية الجهوية
اختصاص الفصل في دعاوى تفسير فحص المشروعية وٕإلغاء قرارات الولاة، وتم إبقاء
الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا بالبت في إلغاء، تفسير وفحص مشروعية القرارات الإدارية
المركزية.
وتكون
الغرف الإدارية المحلية بالمجالس القضائية صاحبة الولاية العامة في دعاوى التعويض
سواء تعلق الطعن ضد قرارات إدارية محلية أو قرارات إدارية مركزية وبهذا الشكل تم
توزيع الاختصاص بين الغرف الإدارية المحلية والغرف الإدارية الجهوية والغرفة الإدارية
بالمحكمة العليا.
ثانيا: التنظيم القضائي الإداري في ظل نظام ازدواجية القضاء
اعتبارا
من سنة 1996 تم تكريس نظام الازدواجية القضائية في الجزائر وكان من أسباب تبني
نظام الازدواجية القضائية تزايد عدد المنازعات الإدارية، حيث أصبح المجتمع يخاصم الإدارة
ولا يخاف منها خاصة بعد انتهاج الدولة الجزائرية لسياسة الانفتاح السياسي والاقتصادي
وتطبيق نظام تعدد الأحزاب السياسية، فلم تعد الإدارة ترهب المواطن بحيث كان الفرد
يتفادى متابعتها أمام القضاء، كما كان عليه الحال في عهد الحزب الواحد.
وكان
أيضا من أسباب تبني الازدواجية القضائية في الجزائر، عدم تحكم القاضي العادي في
المنازعة الإدارية نظرا لعدم تخصصه في القانون الإداري، حيث أن القاضي العادي
المتشبع بفلسفة القانون الخاص (القانون المدني) لا يمكن له إنشاء قواعد القانون الإداري
ووضع قواعد توازن بين مصلحتين متعارضتين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة.
فترتب
على مصادقة الشعب على دستور 1996 دخول الدولة على الصعيد القضائي نظاما قضائيا هو
الازدواجية القضائية، الذي يختلف من حيث هياكله وٕإجراءاته عن نظام وحدة القضاء، فتم
استحداث مجلس الدولة في قمة الهرم القضائي الإداري وصدور القانون العضوي رقم 98
-01 المتعلق بتنظيم واختصاصات مجلس الدولة، كما تم إرساء محاكم إدارية وصدر
قانونها رقم 98 -02 والذي يمثل قاعدة
تنظيم القضاء الإداري وبعدها تم تنصيبها على مستوى كل ولايات الوطن، حيث حلت محل
الغرف الإدارية بالمجالس القضائية.
وتفاديا
لأي إشكال في مجال تنازع الاختصاص بين القضاء العادي والقضاء الإداري تم إنشاء
محكمة التنازع بموجب المادة 152 فقرة 4 منه والتي جاء نصها كما يلي: "تؤسس
محكمة تنازع تتولى الفصل في حالات تنازع الاختصاص بين المحكمة العليا ومجلس
الدولة" ثم صدر القانون العضوي رقم 98- 03 المتعلق بمحكمة التنازع وهي
التي تجسد للازدواجية القضائية، حيث يفرض اعتماد نظام الازدواجية القضاء ضرورة
إنشاء جهة قضائية عليا تختص بالفصل في حالات تنازع الاختصاص النوعي التي قد تثور
بين أجهزة القضاء العادي والإداري.
وفي
سنة 2008 بادر المشرع بإصلاح جوهري يتمثل في إصدار قانون للإجراءات المدنية
والإدارية والذي عمد المشرع من خلاله إلى إعادة النظر في المادة القضائية أخذا
بعين الاعتبار التطورات والتغيرات التي طرأت على منظومة القضاء، حيث أفرد قانون
رقم 08- 09 أحكاما وٕإجراءات خاصة للمنازعة الإدارية.
فعلى
مستوى الإجراءات تم سن هذا القانون الذي سدّ
الكثير من النقائص وأضاف الكثير من المواد لكن ضمن قانون واحد للإجراءات.
الفرع الثاني: الهيئات القضائية الإدارية المكلّفة برقابة الإدارة العامة
ترجع
مسألة توزيع الاختصاص عادة إلى الدستور الذي هو مصدر اختصاص القضاء بمنازعة الإدارة
العامة، فنص الدستور على اختصاص السلطة القضائية بحماية المجتمع والحريات وعلى
ضمانها للجميع ولكل واحد حقوقه الأساسية وكذلك على اختصاصها بالنظر في الطعون
المرفوعة ضد قرارات السلطات الإدارية، وتتقاسم كل من المحاكم الإدارية ومجلس
الدولة اختصاص النظر في منازعات الإدارة الشيء الذي يوجب علينا معرفة تنظيم
واختصاصات كل من المحكمة الإدارية (أولا) ومجلس الدولة (ثانيا)
أولا: المحكمة الإدارية
تعد
المحاكم الإدارية الدرجة الأولى في التقاضي في المنازعات الإدارية والتي تم رفع من
عددها إلى 48 محكمة عبر التراب الوطني يحدد اختصاصها الإقليمي طبقا للمرسوم
التنفيذي رقم 11 -195 في المادة 2 منه.
ولقد
أنشأت المحاكم الإدارية كجهات قضائية للقانون العام في المادة الإدارية أو الاختصاص
المتعلق بالنزاع الإداري الذي تكون الإدارة العامة طرفا فيه، وقد حدد عددها
واختصاصاتها قانون رقم 98 -02 كما خصص قانون الإجراءات المدنية والإدارية ليطبق
على أعمال المحاكم الإدارية وتختص بالنظر في كل القضايا التي حددت أطرافها المواد
800 و801 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية، وتعد المحاكم الإدارية درجة أولى
في التقاضي في المنازعات الإدارية وتشكل قاعدة التنظيم القضائي الإداري فحّلّت محل
الغرف الإدارية التي كانت سائدة في التنظيم القضائي الموحد السابق.
تتشكل
المحكمة الإدارية من غرفة واحدة إلى ثلاثة غرف ويمكن أن تقسم كل غرفة إلى قسمين على
الأقل وأربعة أقسام على الأكثر، كما تتشكل من الناحية البشرية من رئيس المحكمة
ومحافظ الدولة الذي يتولى النيابة العامة بمساعدة محافظي دولة مساعدين، وتقضي
المادة 3 فقرة 2 من القانون رقم 98 -02 بخضوع قضاة المحكمة الإدارية للقانون
الأساسي للقضاء والساري على جميع الجهات القضائية القائمة بالقضاء العادي والقضاء الإداري
وحسب المادة 3 من قانون رقم 98 -02 والمتعلق بالمحاكم الإدارية فإنه لصحة أحكامها
يجب أن تتشكل المحكمة من (3) قضاة على الأقل من بينهم رئيس ومساعدان برتبة مستشار.
وتختص
المحاكم الإدارية في دعاوى الإلغاء ضد القرارات الإدارية الصادرة عن الولاية
والمصالح غير الممركزة للدولة والبلديات والمؤسسات العمومية المحلية ذات الصبغة الإدارية،
وتختص بدعاوى تفسير الرامية إلى تقديم مدلول قرارات تلك الهيئات الإدارية المحلية،
لتوضح المحكمة الإدارية المضمون الحقيقي للقرارات الإدارية الغامضة.
كما
تختص المحاكم الإدارية بتقدير مدى مشروعية القرارات الإدارية الصادرة عن البلديات
والولايات والمؤسسات العامة المحلية ذات الصبغة الإدارية، فالمحكمة الإدارية في
هذه الحالة لا تحكم بإلغاء القرار الإداري بل دورها يقتصر على إصدار حكم بعدم
مشروعية القرار، فالحكم القضائي في هذه الحالة يكون بمثابة فتوى لأن القرار الإداري
غير المشروع يبقى قائما ولا يلغى.
وطبقا
لقانون الإجراءات المدنية والإدارية تكون المحاكم الإدارية صاحبة الولاية العامة
بدعاوى القضاء الكامل والمتعلقة بكل الدعاوى الرامية إلى التصريح بالمسؤولية
التقصيرية أو العقدية للدولة والولاية أو البلدية أو المؤسسات العمومية الإدارية
والقضاء بالتعويض لصالح الضحية، حيث تتمثل دعاوى القضاء الكامل في دعوى التعويض
المترتبة عن المسؤولية الإدارية والتي هي من أهم دعاوى القضاء الكامل بالإضافة إلى
دعاوى المرتبطة بالمنازعات الانتخابية المحلية ومنازعات الصفقات العمومية، إذ وفقا
لقانون الانتخابات المنازعات الانتخابية المحلية تختص المحاكم الإدارية بالبت فيها،
بالإضافة إلى المنازعات الضريبية وغيرها من المنازعات الإدارية التي تنص قوانينها
الخاصة باختصاص المحاكم الإدارية.
وفيما
يتعلق بالاختصاص الإقليمي فقد حددت المواد 803 و804 و810 من قانون الإجراءات
المدنية والإدارية امتداد الاختصاص الإقليمي للمحاكم الإدارية كقاعدة عامة للمادتين
37و38 من القانون نفسه على أساس انعقاد الاختصاص الإقليمي للمحاكم الإدارية التي
يقع في دائرة اختصاصها موطن المدعى عليه وٕإن لم يكن له موطن معروف فيعود
الاختصاص الإقليمي للمحاكم الإدارية التي تقع في دائرة اختصاصها أخر موطن له وفي
حالة تعدد المدعى عليهم يعود الاختصاص الإقليمي للمحكمة الإدارية التي يقع بدائرة
اختصاصها موطن أحدهم.
وعلى
خلاف أحكام المادة 803 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية نصت المادة 804 من
القانون ذاته على أن ترفع وجوبا:
- في
مادة الضرائب والرسوم أمام المحكمة الإدارية مكان فرض الضريبة والرسم.
- وفي
مجال العقود تختص به محكمة مكان إبرام وتنفيذ العقد.
- وفي
مواد الأشغال العامة أمام المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها مكان تنفيذ الأشغال.
- في
مادة المنازعات المتعلقة بالموظفين أو أعوان الدولة أو غيرهم من الأشخاص العاملين
في المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري أمام المحكمة التي تقع في دائرة اختصاصها
مكان تقديم الخدمات.
- في
مادة الخدمات الطبية أمام المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها مكان تقديم الخدمات.
- في
مادة التوريدات أو الأشغال أو تأجيل خدمات فنية أو صناعية أمام المحكمة التي يقع
في دائرة اختصاصها مكان إبرام الاتفاق أو تنفيذه.
- وفي
مادة تعويض الضرر الناجم عن جناية أو جنحة أو فعل تقصيري أمام المحكمة التي يقع في
دائرة اختصاصها مكان وقوع الفعل الضار.
- في
مادة إشكالات تنفيذ الأحكام الصادرة عن الجهات القضائية الإدارية أمام المحكمة
التي صدر عنها الحكم موضوع الإشكال.
وشدّد
المشرع الجزائري بموجب المادة 807 من قانون الإجراءات المدنية والادارية بضرورة
احترام الاختصاص النوعي والمحلي واعتبرهما من النظام العام يجب التقيّد بهما.
ثانيا: مجلس الدولة
مجلس
الدولة أعلى جهاز في القضاء الإداري وهيئة مقومة لأعمال الجهات القضائية الإدارية،
وتابع للسلطة القضائية، ويضمن توحيد الاجتهاد القضائي في البلاد ويسهر على احترام
القانون ويتمتع بالاستقلالية حين ممارسة اختصاصاته.
ويتكون
مجلس الدولة من رئيس المجلس والذي يعين بمرسوم رئاسي والذي يسهر على تنظيم تطبيق
النظام الداخلي للمجلس ويتولى توزيع المهام بين رؤساء الأقسام ومستشاري الدولة،
ولرئيس المجلس نائب يستخلفه في حالة حدوث مانع له أو في حالة غيابه، كما للمجلس
محافظ للدولة ومحافظين مساعدين وهم قضاة معينون بمرسوم رئاسي يمارسون مهام النيابة
العامة، وعلى رأس كل غرفة رئيس مهمته التنسيق بين الأقسام الواحدة ورئاسة الجلسات.
لقد
تم إنشاء مجلس الدولة الجزائري ليكون جهة قضائية عليا متخصصة يضمن توحيد الاجتهاد
القضائي في المسائل الإدارية ليكون جهازا مستقلا عضويا ووظيفيا تكون له الحرية
التامة في الفصل في المنازعات الإدارية سواء كدرجة من درجات التقاضي في المادة الإدارية
أو كجهة نقض لأحكام المحاكم الإدارية، كما أنيط
بمجلس الدولة الوظيفة الاستشارية في مشاريع القوانين.
- بالنسبة للاختصاصات القضائية:
ورث مجلس الدولة الاختصاصات الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا، طبقا للمواد
9،10 و 11 من القانون العضوي 98 -01، فهو يختص ابتدائيا ونهائيا في الطعون
المتعلقة بالإلغاء، تفسير وفحص المشروعية
في القرارات التنظيمية أو الفردية الصادرة عن السلطات الإدارية المركزية والهيئات
العمومية الوطنية والمنظمات المهنية الوطنية.
يراد
بالسلطات الإدارية المركزية كل من رئاسة الجمهورية التي تتشكل من الأمانة العامة
لرئيس الجمهورية وديوان رئيس الجمهورية فقراراتها قابلة للطعن القضائي، أما بالنسبة
للأوامر والنصوص التنظيمية الصادرة من رئيس الجمهورية لا تكون قابلة للطعن القضائي
وٕإنما تخضع للرقابة الدستورية، وتطبق القاعدة نفسها بالنسبة لمؤسسة الحكومة فقرارات
الأمين العام للحكومة تكون قابلة للطعن أمام مجلس الدولة، كما أن قرارات الوزراء
تعد قرارات إدارية وقابلة للطعن القضائي باستثناء المنشورات التي تعد قوانين
مستبعدة من الرقابة القضائية.
ومن
اختصاصات مجلس الدولة ابتدائيا ونهائيا تفسير، فحص مشروعية وٕإلغاء القرارات الإدارية
الصادرة عن الهيئات العمومية الوطنية كالمجلس الأعلى للوظيفة العامة، المجلس الإسلامي
الأعلى والهيئات المهنية الوطنية كالمنظمة المهنية للأطباء والمنظمة المهنية
للمهندسين المعماريين والمحضرين القضائيين...
كما
يختص مجلس الدولة بالنظر بالاستئناف ضد كل القرارات الصادرة ابتدائيا عن المحاكم الإدارية،
وتكون مدة الاستئناف شهرين تحسب ابتداء من تاريخ التبليغ، أما الأوامر الاستعجالية
مدة الاستئناف محددة ب 15 يوما، مع العلم أن الاستئناف لا يوقف تنفيذ الحكم
القضائي الابتدائي، حيث لا بد من رفع دعوى موازية لا تمس بأصل الحق تتعلق بوقف
تنفيذ الحكم القضائي الابتدائي.
ونجد
من اختصاصات مجلس الدولة الطعن بالنقض وهو ما نصت عليه المادة 11 من القانون
العضوي رقم 98 -01 والتي جاء نصها كما يلي :"يفصل مجلس الدولة في الطعون
بالنقض في قرارات الجهات القضائية الإدارية الصادرة نهائيا وكذا الطعون بالنقض في
قرارات مجلس المحاسبة". فتكون القرارات القضائية الصادرة ابتدائيا ونهائيا
من المحاكم الإدارية قابلة للطعن بالنقض أمام مجلس الدولة وذلك إذا ما توفرت
الحالات المنصوص عليها في المادة 358 من قانون 08 -09 ،ومدة الطعن بالنقض محددة بشهرين
طبقا لنص المادة 956 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية وذلك ابتداء من تاريخ
التبليغ الرسمي ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.
يختص
مجلس الدولة بالنقض في قرارات مجلس المحاسبة والذي يعد هيئة مكلفة بالرقابة
البعدية لأموال الدولة والجماعات المحلية والمرافق العامة، كما يختص المجلس
بالطعون بالنقض في القرارات التأديبية الصادرة عن المجلس الأعلى للقضاء ويكون أثار
الطعن بالنقض إما رفض الطعن بالنقض شكلا لكونه غير مقبول لعدم توافر شروط النقض أو
رفضه موضوعا إذا لم يكن مؤسسا.
أما
إذا قبل الطعن شكلا وموضوعا يقوم مجلس الدولة بنقض ذلك القرار كليا أو جزئيا ويعمد
إلى الإحالة أو بنقض الحكم دون إحالة إذا لم يترك النزاع ما يتطلب الحكم فيه، وُيُحيل
المجلس الدعوى إلى الجهة القضائية مصدرة القرار المطعون فيه مشكلة تشكيلة أخرى أو
إلى جهة أخرى من نوعها ودرجاتها.
- بالنسبة للاختصاصات الاستشارية: فيعد مجلس الدولة الأساس القانوني
لصلاحياته في الدستور بموجب المادة 119 والمادة 4 من القانون العضوي رقم 98 -01
والتي جاء نصها "يبدي مجلس الدولة أريه
في مشاريع القوانين حسب الشروط التي يحددها هذا القانون".
وهو
ما أكدته المادة 12 من القانون العضوي رقم 98 -01 والتي جاء مضمونها: "يبدي
مجلس الدولة رآيه في المشاريع التي يتم إخطاره بها حسب الأحكام المنصوص عليها في
المادة 4 أعلاه ويقترح التعديلات التي يراها ضرورية".
فمجلس
الدولة يعد مستشارا للحكومة في مجال التشريع بحيث يشكل غرفة مشورة بالنسبة للحكومة
في مجال التشريع حتى يساهم في صناعة التشريع وسد الثغرات التي قد تظهر فيه كما
يعمل مجلس الدولة على إحداث التنسيق بين النصوص القانونية وحذف كل ما يشوبها من أخطاء
سواء في الشكل أو الموضوع.
وفيما
يتعلق بالطبيعة القانونية للاستشارة فبعد أن يأخذ مشروع القانون مساره العادي أو
الاستثنائي ويبدي مجلس الدولة رأيه حول المشروع بتمعن النظر في فحوى نص المادة 4
من القانون العضوي المتعلق بمجلس الدولة نفهم أن مصطلح الرأي لا يحمل إلا تفسيرا
واحدا وهو أن مجلس الدولة لا يعد إلا هيئة استشارية في المجال التشريعي وآراؤه لا
تلزم الحكومة فقد تأخذ بها وقد لا تأخذ بها، إلا أن الحكومة ملزمة وكإجراء وجوبي
استشارة مجلس الدولة فلا يتصور أن تبادر الحكومة إلى تقديم مشروع قانون وتعرضه
مباشرة على مجلس الوزراء دون عرضه على مجلس الدولة كما أن التشكيلة القضائية
للمجلس والمكلفة بالفصل في المنازعات الإدارية هي نفسها التي تتولى الوظيفة
الاستشارية الأمر الذي ينعكس سلبا على الرأي الاستشاري.
وبناء
عليه نصل إلى نتيجة وهي أن كل مشروع قانون يمر وجوبا على مجلس الدولة ليقول فيه
كلمته وليتداول بشأنه ويعبر فيه عن أريه، وهذا الرأي قد تأخذ به الحكومة وقد لا تأخذ
به ولا تتحمل المسؤولية.
وعليه
لقد أُثقل مجلس الدولة الجزائري بالاختصاصات
القضائية والاستشارية، مما كان له أثر سلبي على الوظيفة الأساسية لمجلس الدولة
والتي هي توحيد الاجتهاد القضائي في المادة الإدارية.
المرجع:
- د. كمون حسين، محاضرات في مقياس "المنازعات الإدارية"، جامعة أكلي محند أولحاج –البويرة، السنة الجامعية: 2018-2019، ص26 إلى ص46.