مداخلة بعنوان: التكامل المغاربي كآلية لمواجهة التهديدات الأمنية الحدودية -الواقع والمأمول-
الملتقى الدولي التاسع الموسوم بـ: التهديدات الأمنية الحدودية الجديدة في
منطقة المغرب العربي، المنعقد يومي: 30 و 31 جانفي 2019، كلية الحقوق والعلوم
السياسية، جامعة الشهيد حمة لخضر – الوادي –
(التكامل المغاربي كآلية لمواجهة التهديدات الأمنية الحدودية - الواقع
والمأمول - )
الموسم الجامعي: 2018- 2019
من إعداد:
- بن بادة عبد الحليم
- بن رمضان عبد الكريم
مـلخـص
تمرّ منطقة المغرب العربي اليوم
بتحوّلات كبيرة لم تعهدها من قبل خاصّة مع ظهور موجة الثورات العربية أو ما تعارف
عليه بالربيع العربي والذي انطلق من المنطقة المغاربيّة وصولاً إلى دول المشرق
العربي، ذلك الربيع العربي قد وضع العمل المغاربي المشترك على المحك وجعله أمام
اختبار حقيقي خاصّة مع تغيّر بعض الأنظمة السياسيّة في المنطقة والتي شهدت على
تأسيس إتحاد المغرب العربي، مثل نظام زين العابدين بن علي في تونس ونظام معمر
القدافي في ليبيا.
تلك المتغيّرات السياسيّة رافقتها موجة
غير مسبوقة من التهديدات الأمنيّة الجديدة أو ما يُطلق عليها بالتهديدات الهجينة،
خاصّة مع سقوط النظام الليبي ونهب مخازن السلاح التي كان يملكها وتبعثرها على طول
الحدود المغاربيّة، لتدخل الجماعات الإرهابيّة إلى ليبيا مُستغلّة حالة الفوضى
والفراغ من أجل استعمالها كقاعدة لضرب دول الجوار المغاربي، بالإضافة إلى عصابات
الجريمة المنظّمة التي استغلّت هي الأخرى حالة الانفلات الأمني وذلك لقيامها بعمليّات
المتاجرة بالأسلحة والمخدّرات، لم تتوقّف معاناة الدول المغاربيّة عند ذلك الحد بل
شهدت كذلك موجة كبيرة من الهجرة غير الشرعية التي اكتسحت الدول المغاربية من أجل
العبور نحو أوروبّا.
تلك المتغيّرات اللاتماثليّة أوجبت على
دول المغرب العربي أن تقوم بتبنّي مقاربة أمنيّة مُشتركة تكون أساساً لتحقيق تكامل
مغاربي، من أجل مواجهة التهديدات الجديدة المشتركة والتي يفوق حجمها إمكانيّات
الدّول منفردة.
الكلمات المفتاحية: التكامل المغاربي، التهديدات
الأمنيّة، الجماعات الإرهابيّة، المغرب العربي، المتغيّرات اللاثماثليّة.
Abstract
Today, the
Maghreb region is undergoing major transformations that have not been pledged
before, especially with the emergence of the wave of Arab revolutions or the
so-called Arab Spring, which began from the Maghreb to the Levant, and that The
Arab Spring has put joint Maghreb action on the line and made it a real test,
especially with the change of some political systems in the region that
witnessed the founding of the Arab Maghreb Union, such as the Zine Abidine Ben
Ali regime in Tunisia and the Regime of Moamer Kadhafi in Libya.
These
political changes have been accompanied by an unprecedented wave of new
security threats or so-called hybrid threats, especially with the fall of the
Libyan regime and the looting of the weapons stores it owned and scattered
along the Maghreb border, to the intervention of terrorist groups to Libya
exploited The chaos and emptiness to be used as a base to strike the Maghreb
neighbouring countries, in addition to organized crime gangs, which also took
advantage of the insecurity situation for their operations in the trade in arms
and drugs, did not stop the suffering of the Maghreb countries at that time,
but also witnessed a wave of A large amount of illegal immigration that has
swept maghreb countries to cross into Europe.
These
asymmetric changes have forced maghreb countries to adopt a shared security
approach that will be the basis for Maghreb integration, in order to counter
new and common threats that are beyond the potential of individual states
KeyWords: Maghreb integration,
security threats, terrorist groups, Maghreb, atholithic variables.
مقدّمة
لقد شهد العالم في الألفيّة الماضية
تغييرات جذريّة وتحوّلات جوهريّة خاصّة مع نهاية الحرب الباردة وإعلان قيام النظام
العالمي الجديد، ذلك النظام العالمي الجديد وما صحبه من مظاهر كان أهمّها تحويل
العالم إلى قرية صغيرة مُترابطة بواسطة الثورة التكنولوجيّة الحديثة التي رافقت
قيامه وتشكّله، بالإضافة إلى تكريس نظام الأحاديّة القطبيّة الذي أحكم قبضته على
النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي للعالم المعاصر.
تلك السيطرة التي كانت ستاراً على
أطماع وجشع أقطاب النظام العالمي الجديد التي مسّت مُختلف أماكن الثروات في العالم
وعاثت فيها فساداً، الأمر الذي تسبّب في ظهور عالم غني وأخر فقير يرزح تحت رحمة صدقات
ومنح العالم المتحضّر الغني، الذي جمعت بينه المصالح في تكتّلات واتحادات ومنظّمات
لا تعدّ ولا تحصى؛ كلّها جاءت من أجل توزيع مواقع النفوذ ووقاية العالم المتقدّم
من أي صدام حول تقاسم مصادر الثروات أو الأسواق الناشئة المستهدفة كسوق
استهلاكيّة.
لقد تسبّب ذلك الواقع المر في تغيّر
خارطة المخاطر والتهديدات الأمنيّة من النمط التقليدي أو التماثلي المتعارف عليه
إلى نمط جديد أُصطلح عليه بالتهديد اللاتماثلي أو التهديد الهجين، والذي ترافق
ظهوره مع ما يسمّى بالإرهاب والجريمة المنظّمة والهجرة غير الشرعية كأبرز صور لذلك
النمط الجديد من التهديدات الأمنيّة.
التهديدات الأمنيّة كانت من إحدى نتائج
النظام العالمي الجديد، حيث ظهرت جماعات مسلّحة في مختلف بقاع الأرض من أجل
الانتقام من ذلك العالم المتقدّم الذي نهب ثروات الشعوب المستضعفة، وكذا من أجل
إسقاط مُختلف الأنظمة التي نُصّبت على دول العالم الثالث من أجل تمرير أجندات
خاصّة بزعماء الأحاديّة القطبيّة، تلك الفوضى المسلّحة التي ظهرت نتيجة لذلك،
صاحبها توغّل كبير لعصابات الإجرام المنظّم التي استغلت حالة الفوضى واللأمن في
العالم من أجل تنفيذ خططها ومشاريعها المتعلّقة بكسب المزيد من الثروات عن طريق
المتاجرة بكل أنواع المخدّرات أو بيع الأسلحة بل وحتى الاتجار بالبشر، لنجد أنفسنا
أمام ظاهرة جديدة أخرى متمثّلة في الهجرة غير الشرعية من طرف مواطني دول العالم
الثالث الذين أنهكتهم الحروب والنزاعات المسلّحة وكذا العصابات الإجرامية بالإضافة
لحالة التخلّف والفقر الذي تعيشه بُلدانهم بسبب عدم التوزيع العادل للثروات ونهبها
من طرف المستعمر أو من طرف حكّام نُصّبوا لتسيير تلك المستعمرات بالوكالة، فلم يجد
هؤلاء المهاجرون بُدّا إلاّ مُغادرة بلدانهم نحو بلدان العالم المتقدّم لعلّهم
ينعمون ببعض من الامتيازات التي ينعم بها سكّان مُستعمر الأمس.
إنّ منطقة المغرب العربي وباعتبارها
فضاءاً جيوسياسي هام في العالم، قد مسّته تلك المتغيّرات الأمنيّة الجديدة بصورة
بالغة، فالمنطقة المغاربيّة لم تسلم من الحركات الإرهابيّة والاضطراب العسكري
المسلّح، بل لقد عانت من ويلاته أشدّ معاناة، بدءاً بالجزائر التي خسرت عشرات
الألوف من أبنائها نتيجة حرب إرهابيّة دامية، وصولاً إلى ليبيا التي هي عُرضة
للتفتت والتقسيم نتيجة الجماعات المسلّحة التي تتقاسم حكم أراضيها، وليس إنتهاءا
بتونس والمغرب وموريتانيا الذين عانوا من ويلات الجماعات الإرهابيّة، ومن المعلوم
فإنّه أينما يوجد الإرهاب والنزاع المسلّح توجد الجريمة المنظّمة وتنمو، وهو ما
أرّق دول المغرب العربي خاصّة مع الحدود المترامية وفوضى السلاح الليبي والجماعات
الإرهابيّة المرابطة في الصحراء، لم تتوقّف محنة دول المغرب العربي عند ذلك الحد بل
زادت عليها مشاكل الهجرة غير الشرعيّة من الساحل الأفريقي، إذ وفد الملايين من
الأفارقة من بلدانهم هرباً من الفقر والمجاعة والنزاعات المسلّحة من أجل العبور عن
طريق دول المغرب العربي إلى أوروبّا أو الاستقرار في البلدان المغاربيّة في حالة
فشل مُحاولاتهم للهجرة، هذا الواقع الأليم المليء بالمشاكل حتّم على دول المغرب
العربي إقامة إتحاد يجمع فيما بينها أُطلق عليه إتّحاد المغرب العربي سنة 1989،
إلاّ أنّه لم يصل إلى الغاية المرجوّة منه وبقي معطّلاً إلى غاية اليوم بسبب
النزاعات السياسية بين دول المنطقة، على أمل أن تعيد دول المغرب العربي بعث ذلك
الإتحاد من أجل تحقيق التكامل على الأقل في الجانب الأمني من أجل التصدّي
للتهديدات الأمنيّة الجديدة التي أخذت بُعداً دولياً عابراً للحدود الوطنيّة، في
وقت عجزت فيه إمكانيّات وقدرات الدّول في التصدّي لتلك المخاطر مُنفردة، لنطرح الإشكال
التالي: إلى أي مدى يمكن أن تدفع التهديدات الأمنيّة الجديدة لمنطقة المغرب
العربي إلى بلورة مقاربة أمنيّة مغاربيّة مُشتركة تكون أساساً للتكامل المغاربي من
أجل التصدّي لتلك المخاطر المشتركة ؟.
للإجابة على هذه الإشكاليّة اقترحنا
الخطّة التالية:
مقدّمة
المبحث الأول: مقوّمات التكامل
المغاربي
المطلب الأول: المقوّمات الجيوسياسيّة
المطلب الثاني: المقوّمات الاقتصاديّة
المطلب الثالث: المقوّمات البشريّة
المطلب الرابع: المقوّمات التاريخيّة
والثقافيّة
المبحث الثاني: المقاربة المغاربيّة
المشتركة لمواجهة التحدّيات الأمنيّة
المطلب الأوّل: التهديدات الأمنية
الجديدة لدول المغرب العربي
المطلب الثاني: تداعيات غياب تنسيق
أمني مُشترك بين دول المغرب العربي
المطلب الثالث: الجهود المغاربيّة
الثنائيّة لمواجهة التحديّات الأمنيّة الجديدة
المطلب الرابع: بوادر التعاون المغاربي
المشترك لمواجهة التهديدات الأمنيّة المشتركة
خاتمة
المبحث الأوّل: مقوّمات التكامل المغاربي
تمتلك منطقة المغرب العربي مقوّمات
للتكامل لا تتوفّر لدى أكبر التكتّلات
الإقليميّة الناجحة حالياً وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي الذي لم يجمع شمله إلاّ
المصلحة المشتركة بين دوله، عكس دُول المغرب العربي التي تجمع بينها اللغة
والثقافة والدين والمذهب والتاريخ المشترك والإمكانيّات الاقتصادية الهائلة التي
تزخر بها هذه المنطقة من العالم.
لهذا فإنّ أي مبادرة جادّة وصادقة
لتفعيل التكامل المغاربي في مواجهة مُختلف التحدّيات الراهنة وعلى رأسها التهديدات
الأمنية الجديدة؛ سوف تجد الأرض الخصبة والصلبة لنجاحها متى توافقت مع إرادة
سياسيّة جادّة وصادقة لتحقيق ذلك التكامل.
المطلب الأوّل: المقوّمات الجيوسياسيّة
إنّ المتمعّن في الخريطة الجغرافيّة
لدول المغرب العربي يظهر له جلياً حجم التكامل والتناسق الطبيعي لتلك المنطقة،
وبالأخص ما تزخر به من موارد طبيعيّة مُختلفة ومُتنوّعة وحدود مُشتركة بريّة
وبحريّة.
كل تلك الخصائص الجغرافيّة عزّزت
المكانة الجيوسياسيّة لمنطقة المغرب العربي، حيث تقع هذه المنطقة على الضفّة
الجنوبيّة الغربيّة للبحر الأبيض المتوسط، ويمكن تحديد المنطقة جغرافياً والتي
تمتدّ من المغرب إلى المشرق على طول 42° طولاً، أي ما بين خطّي طول 17° غرباً (الساحل
الأطلسي الموريتاني)، و25° شرقاً (الحدود الليبية المصرية)، ومن الجنوب إلى الشمال
على 19° عرضاً أي ما بين خطّي عرض 15° شمالاً ( حدود الجزائر الصحراوية مع مالي )،
و37° شمال بنزرت بتونس.
كما تطلّ منطقة المغرب العربي على
البحر الأبيض المتوسّط الذي يحدّها شمالاً بساحل طوله 4837 كلم وعلى المحيط
الأطلسي غرباً بساحل طوله 3.146 كلم، ويحدّها من الشرق مصر والسودان ومن الجنوب
دول الساحل الصحراوي.
كما تتربّع منطقة المغرب العربي على
مساحة إجماليّة تقدّر بـ 5.783.961 كلم2، حيث تمثّل هذه المساحة ما نسبته 42 % من
مساحة الوطن العربي ، تُعتبر منطقة المغرب العربي محور تقاطع لثلاث قارات وهي
أوروبا وأفريقيا وآسيا ممّا يزيد منطقة المغرب العربي إستراتيجية بالغة، بالإضافة
إلى شريطها الساحلي المطل على البحر الأبيض المتوسّط على طول 4.837 كلم، الأمر
الذي جعل المنطقة مركز مُراقبة على الملاحة البحريّة، ناهيك عن اعتبار الشريط
البحري لحوض البحر الأبيض المتوسّط والذي تطلّ عليه المنطقة المغاربيّة أهم معبر
أو ممر تجاري.
هذه الطبيعة الجغرافية لمنطقة المغرب
العربي جعلت منه همزة وصل بين ضفّتي المتوسّط (قارة أوروبا وقارة إفريقيا) ومركزاً
للتبادلات الاقتصاديّة والتجاريّة والثقافيّة بحكم موقعه على البحر الأبيض
المتوسّط ونقطة لالتقاء ثلاث قارات (قارة آسيا وقارة إفريقيا وقارة أوروبا).
تُعتبر المنطقة المغاربيّة كذلك
مُفترقاً للقاء الشمال بالجنوب وجسراً بين أوروبا وشمال إفريقيا، حيث تشكّل
المنطقة بعداً إستراتيجياً في التوازنات الدوليّة، وهو ما جعل منها مهداً للحضارات
ومركزاً للصراع بين الدول العظمى، الأمر الذي يفسّر سعي العديد من الدول
والإمبراطوريّات قديما وحديثاً للسيطرة عليها واختراقها.
المطلب الثاني: المقوّمات الاقتصاديّة
إنّ الحديث عن مقوّمات التكامل
المغاربي يقودنا بطبيعة الحال إلى التعرّف على الإمكانيّات والموارد المتاحة في
منطقة المغرب العربي، فبلدان هذه المنطقة تقدّر فيها نسبة الأراضي الصالحة للزراعة
بـ 3.7% من المساحة الإجماليّة للمغرب العربي، تقع منها 43 % بالمملكة
المغربية، كما يبلغ الناتج المحلّي
الإجمالي لدول المغرب العربي 389.6 مليار دولار وهو ما يعادل 32 % من إجمالي
الناتج المحلي للدول العربية.
كما أنّ دول المغرب العربي تملك
مُنفردة الكثير من المقوّمات الاقتصاديّة التي سوف تخدم خيار التكامل المغاربي في
حالة ما إذا تمّ توجيهها لذلك الغرض فنذكر على سبيل المثال:
الجزائر والتي تُعتبر من بين أكبر
مُنتجي الغاز الطبيعي والنفط في العالم ولها خامس احتياطي عالمي من الغاز والمرتبة
الرابعة عشر لاحتياطي النفط، تمتلك كذلك العديد من المعادن الأخرى مثل الذهب
والفوسفات والحديد واليورانيوم، بالإضافة إلى الإمكانيّات الزراعيّة الأخرى التي
تزخر بها الجزائر، حيث تُعتبر كافية لوضع لبنة لتحقيق اكتفاء ذاتي جزائري ومغاربي.
أمّا تونس فرغم أنّها لا تتوفّر على
ثروات طبيعيّة خصوصاً المعادن وموارد الطاقة، فهي تمتلك قاعدة سياحيّة ساهمت في
توفير دخل مالي للدّولة، بالإضافة إلى الفلاحة والنسيج والخدمات وهو ما أهّل
الاقتصاد التونسي إلى أن يكون من الاقتصاديّات الأكثر تنافسيّة في القارة
الإفريقيّة وعلى الصعيد العربي رغم قلّة إمكانيّاته.
المملكة المغربيّة رغم افتقارها هي
الأخرى للمحروقات، إلاّ أنّها تتمتّع بموارد معدنيّة هامّة، فهي تُعتبر أكبر دولة
مصدّرة للفوسفات في العالم، بالإضافة إلى امتلاكها لـ 70 % من احتياطي الفوسفات
العالمي، وتزخر كذلك بمعدن الحديد والنحاس والذهب والفضّة، كما تعتمد المملكة
المغربيّة في اقتصادها على الزراعة والصيد البحري نتيجة امتلاكها لثروة سمكيّة
كبيرة، بالإضافة إلى اعتمادها على نشاط السياحة التي تُعتبر مورداً هاماً للاقتصاد
المغربي.
بالنسبة للجمهورية الليبية فهي تعتبر
كذلك من بين أكبر منتجي النفط في العالم ويمثّل عماد اقتصادها، حيث احتلّت المرتبة
الثامنة عشر عالمياً سنة 2009 في تصدير النفط.
موريتانيا هي الأخرى تتميّز بتنوّع
ثرواتها وتعدّدها خصوصاً المعادن من حديد ونُحاس وكذلك احتياطي مهم من الفوسفات ،
ولها شريط ساحلي غني بالثروة السمكيّة، بالإضافة إلى الثروة الحيوانية الكبيرة
التي تمتلكها الجمهوريّة الموريتانيّة.
يُلاحظ على مُختلف الإمكانيّات
الاقتصاديّة التي تمتلكها دول المغرب العربي؛ بأنّها تتميّز بالتنوع والتعدّد وهو
ما يمكّن دول المغرب العربي من إقامة سوق داخليّة مُتكاملة، وجعل المنطقة قادرة
على الاكتفاء الذاتي وتأسيس تكامل اقتصادي قوي وكبير له مكانته ومركزه في المنظومة
الاقتصاديّة الدوليّة.
كما تشير التقارير إلى أنّ غياب
الاندماج المغاربي يكلّف كل دولة خسارة على مستوى نسبة نموّها تقدّر بـ 02 %
بالنسبة لناتجها الداخلي المحلي، إضافة إلى عجز في مناصب الشغل يقدّر بحوالي 20
ألف منصب شغل سنوياً، وحسب الحكومة التونسيّة فإنّ تكلفة عدم التكامل المغاربي
تمثّل خسارة بـ 01 % على الأقل سنوياً على مستوى النمو الاقتصادي للدّول
المغاربيّة، وهذه النسبة لو تحقّقت سوف تحقّق قيمة إضافيّة تقدّر بـ 10 مليار
دولار سنوياً.
كما أنّ الجزائر تستورد المنتجات
النسيجيّة من الصين وتُركيا وإسبانيا بكميّات كبيرة، بينما تستوردها من المغرب
وتونس بنسبة ضئيلة جداً تقدّر بـ 0.8 و0.9 % على التوالي رغم قرب المسافة
الجغرافيّة التي تسهّل عملية الاستيراد وانخفاض تكاليف النقل.
كما أنّ نسبة التجارة البينيّة بين دول
المغرب العربي لا تتجاوز نسبة 03 % من التجارة الخارجيّة لدول المغرب العربي والتي
تقدّر بحوالي 70 مليار دولار، إلاّ أنّ التجارة الحدوديّة الموازية وغير الشرعيّة
قد بلغت بين دول المغرب العربي ما قيمته 04 إلى 05 بلايين دولار بشكل أضرّ
بالاقتصاد الجزائري بصفة خاصّة.
المطلب الثالث: المقوّمات البشريّة
تقدّر مساحة المغرب العربي بحوالي 06
ملايين كلم2 يقطنها أزيد من 90 مليون نسمة موزّعين على الدول الخمس أي ما يُعادل
نسبة 27 % من سكان الوطن العربي.
وتختلف الدول المغاربيّة من حيث
الكثافة السكانيّة والتمركز البشري والتوزيع الحضري والقطاعي والعرقي والثقافي،
فهناك دول تُعاني من كثافة سكّانية كبيرة وأخرى ذات كثافة سكّانية ضعيفة، وهو ما
يدعوا إلى تشجيع التكامل المغاربي لتحقيق المصالح المتبادلة خاصّة في القطاع
الزراعي والصناعي، حيث تمتلك دول المغرب العربي مساحات شاسعة غير مُستغلة وموارد
صناعيّة غير مُستخدمة، ومن أجل استغلالها الاستغلال الأمثل يجب أن يكون هناك تكامل
بين عنصر الأرض في دولة مثل ليبيا وعنصر العمالة في دول كالمغرب وتونس مثلاً
لتحقيق منافع كثيرة مُتبادلة.
كما تتميّز دول المغرب العربي بالمعدّل
العمري الصغير لسكّانها، إذ أنّ نسبة الشباب تمثّل ربع عدد السكّان وتصل إلى غاية
40 % في موريتانيا. أمّا نسبة السكّان
الأقل من 30 سنة في الجزائر فقد بلغت حوالي 23 مليون جزائري أي ما يمثّل نسبة 54 %
من إجمالي عدد السكّان.
حيث يمكن القول أنّ عدد سكان المغرب
العربي يشكّل سوق استهلاكيّة واسعة نظراً للكثافة السكانيّة ويخلق الظروف المواتية
لقيام إتحاد في مختلف المجالات، فكما أشرنا سابقاً يُعتبر المجتمع المغاربي مُجتمع
شبّاني قادر على العمل والإنتاج، وبالتالي فإنّ تحقيق التكامل المغاربي سوف يمكّن
من استغلال تلك الطاقة البشريّة الهائلة خاصّة في تحقيق الاندماج والتكامل
الاقتصادي والسياسي والثقافي. فسكّان المغرب العربي لهم روابط جامعة تسهّل عمليّة
اندماجهم بحكم أصولهم ولغتهم ودينهم وتاريخهم المشترك.
المطلب الرابع: المقوّمات التاريخيّة والثقافيّة
تُعتبر وحدة التاريخ عاملاً أساسياً في
تكامل المغرب العربي فمنذ القدم والشعوب المغاربيّة تعيش معاً تاريخاً واحداً،
فليس الغرض من دراسة الاعتبارات التاريخيّة والثقافيّة هو التأكيد على أنّ المغرب
العربي كان موحّداً في الكثير من الفترات مثلما تذهب إلى ذلك العديد من الكتابات
والدراسات، وإنّما الغرض منه هو تبيان أنّ هذه المنطقة وإن لم تتوحّد إلاّ في
فترات قليلة جداً فقد كان لها تاريخ مشترك، أي بعبارة أخرى أنّ المنطقة وإن لم
تتوحّد داخلياً فإنّ الآخر في الخارج كان دائما يتعامل معها وينظر إليها ككتلة
واحدة مُتكاملة مُتناسقة، وعلى هذا الأساس نجد أنّ مُعظم الحضارات التي عمّرت في
بلاد المغرب العربي، ومختلف الهجمات التي تعرّضت لها كانت شاملة لكل منطقة المغرب
العربي دون استثناء.
كما أنّ منطقة المغرب العربي قد عاشت
أحداث تاريخيّة مُشتركة في السلم والحرب وعرفت نفس المصير عبر التاريخ فتعاملت مع
الفينيقيين وتعاطت معهم في التجارة بشكل واسع، وتعرّضت للاستعمار الروماني
والوندالي والبيزنطي عدّة قرون، وشاركت بقسط كبير في إقامة صرح الحضارة العربيّة
بل وحتى الغربية من خلال الحضارة الأندلسيّة التي لعب فيها سكان المغرب العربي
دوراً محورياً، كما واجهت المنطقة تهديدات الغرب الأوروبي الحاقد بعد سقوط الأندلس
على طوال قرون العصر الحديث إلى غاية سيطرة المستعمر على بلاد المغرب العربي، حيث
اشتركت كل من تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا في كونها خضعت للاستعمار الفرنسي،
بينما اختصّت ليبيا بالاستعمار الإيطالي، وتُعتبر الجزائر أوّل دولة سقطت تحت
الاستعمار في دول المغرب العربي سنة 1830.
كما تميّزت شعوب المغرب العربي
بالتضامن فيما بينها لمكافحة الاستعمار الغاشم، وهو ما تمّ بالفعل بظهور مُقاومة
متعدّدة الأشكال في البلدان المغاربية، تميّزت بالتضامن بين شعوب المنطقة وتلاقي
أهداف الحركات الوطنيّة على المستوى المغاربي حتى وإن كان حقل نشاطها وطنياً
بحثاً.
كذلك تُعتبر من بين مقوّمات التكامل
الثقافي لمنطقة المغرب العربي وحدة اللغة، حيث تنتشر اللغة العربية في منطقة
المغرب العربي والتي ارتبط انتشارها بانتشار الإسلام، فاللغة العربيّة أصبحت اللغة
المشتركة والسائدة في منطقة المغرب العربي وهو ما أهّل كل دول المنطقة إلى
الانضمام لجامعة الدول العربيّة.
فارتباط منطقة المغرب العربي باللغة
العربية يُعتبر من العوامل التي ساعدت في قيام اتحاد المغرب العربي وسهلّت التكامل
بين دوله، وما يؤّكد ذلك أنّ كل دساتير الدول المغاربيّة تؤكّد اعتمادها اللغة
العربيّة كلغة رسميّة ووطنيّة للشعب والدّولة وكأداة للتعامل الرسمي والترابط بين
الشعوب المغاربيّة.
ومع هذا لا يُنكر بأنّ المغرب العربي
يحتوي على لغات ثانويّة ولهجات بربريّة متعدّدة كالقبائليّة والشاويّة والتارقيّة
والميزابيّة والشلحيّة.
لقد سعت مُختلف دول المغرب العربي ومن
خلال عدّة حركات وفعّاليات إلى الدعوة في الاستمرار لتعريب منطقة المغرب العربي
قصد المحافظة على اللغة العربيّة كقاسم مُشترك بين الشعوب المغاربيّة، خاصّة بعدما
خلّف الاستعمار الغاشم وبالأخص الفرنسي منه؛ مخلّفاته اللغويّة التي أثّرت نوعاً
ما على اللغة العربيّة في بعض دول المغرب العربي، فاللغة العربيّة هي اللغة
السائدة في كل أنحاء المغرب العربي حتى لدى البربري الذي لا يعرف اللغة العربيّة
فهي أساس الشخصيّة المغاربيّة. وهي التي
بُني عليها إتحاد المغرب العربي، وهي التي تمثّل المقوّم الأساسي في أي عمليّة
تفعيل للتكامل المغاربي، حيث تمثّل مقوّم حضاري ومكسب مدعّم لبناء التكامل
المغاربي، إذ يتمّ بها الانسجام في التفكير والنظم والأهداف.
كما تُعتبر من مقوّمات التكامل
المغاربي الثقافيّة وحدة الدّين، حيث تُعتبر الوحدة الدينيّة بمثابة العامل
الأساسي والهام لقيام التكامل المغاربي، نظراً لأنّ المنطقة المغاربيّة اعتنقت
الدين الإسلامي منذ أربعة عشر قرناً، بالإضافة إلى أنّ شعوبها مُرتبطة ببعضها البعض
وغير مُنفصلة.
فالدين الإسلامي يُعتبر دعامة أساسيّة
لقيام أي تكامل مغاربي، حيث أنّ أكثر من 95% من سكّان المغرب العربي مُسلمون، وما
زاد من قوّة هذا العامل كون الوحدة الدينيّة لدول المغرب العربي صاحبتها وحدة
مذهبيّة وهي سيادة المذهب المالكي، فلا وجود لطوائف دينية مذهبيّة كالعراق ولبنان
وسوريا ودول الخليج العربي بل وحتى الدول الغربيّة تتنازعها المذاهب
المسيحيّة.
فتعدّد الديانات والمذاهب غير مطروح في
الأقطار المغاربيّة ولا وجود لخلافات مذهبيّة إطلاقاً، إذ أنّ الإسلام هو أداة
الوحدة ونبذ التفرقة والتجزئة لأنّها من عناصر الضعف والانحطاط ويحترم الحقوق
الإنسانيّة والحريّات الشخصيّة ويدعم الأسس العدليّة، فهو أساس العمليّة
التكامليّة، كما نشير في هذا المقام إلى
وجود قليل للمذهب الاباضي في دول المغرب العربي، حيث يتمركز حالياً في الجزائر
وليبيا وتونس وهو لا يمثّل إلاّ أقل من نسبة 01 % من سكّان المغرب العربي.
المبحث الثاني: المقاربة المغاربيّة المشتركة لمواجهة التحدّيات الأمنيّة
تُواجه منطقة المغرب العربي تهديدات
أمنيّة زادت في تعقيداتها، خاصّة بعد الحراك الذي شهدته المنطقة سنة 2011، حيث
تمثّلت أساساً في الإرهاب والجريمة المنظّمة وتجارة الأسلحة وصولاً إلى ظاهرة
الهجرة غير الشرعيّة.
تلك الأزمات الأمنيّة التي أضحت تشكّل
خطراً على الفضاء المغاربي؛ جعلت من الدوّل المغاربيّة تُعيد النظر في مبادئ
ومفاهيم العقيدة الأمنيّة المشتركة والتعاون الأمني المتبادل فيما بينها، ذلك لأنّ
منطقة المغرب العربي تُعتبر منطقة ذات وحدة جغرافيّة إقليميّة مُنسجمة ومُتوافقة
تجعل منها فضاءاً جيوسياسياً وثقافياً مُتجانساً، ولهذا كان من الضروري بناء
مُقاربة إقليميّة مغاربيّة أمنيّة مشتركة تُجابه مُختلف التهديدات الأمنيّة
الجديدة التي باتت تشكّل خطراً حقيقياً على أمن المنطقة واستقرارها، وهو ما يرهن
عمليّة بناء الدّولة وعمليّة الاستقرار الإقليمي في المنطقة.
المطلب الأوّل: التهديدات الأمنيّة الجديدة لدول المغرب العربي
أصبحت التهديدات اللاتماثلية تُسيطر
على نقاشات الدوائر السياسيّة والأمنيّة في العالم ككل ودول المغرب العربي خاصّة،
حيث يتعلّق ذلك بمثلث الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية، حيث تُعتبر
هذه التهديدات من أبرز المشاكل التي تُخِلّ بالسلم والأمن في العالم ومنطقة المغرب
العربي نظراً لحركيّتها وصُعوبة مواجهتها.
أوّلاً: الظاهرة الإرهابيّة
ازداد اهتمام الدارسين والباحثين
وصنّاع القرار بظاهرة الإرهاب وذلك ليس بسبب حدّتها فقط، ولكن نتيجة ما شهده
العالم من توسّع انتشارها وقوّتها ونوعيّتها، فهي لم تعد حبيسة منطقة أو مناطق
محدودة ولكنّها أخذت طابعاً إقليمياً ودولياً، حيث مسّت العالم الغني والفقير على
حد سواء وساعدها في ذلك التشابكات الدوليّة وتعقيداتها وكثافة الاتصالات وآليّاتها
وما شهدته من تقدّم وتسرّب أنواع مُختلفة من الأسلحة بسرعة وسهولة أكثر ، مثل ما
حدث في الأزمة الليبيّة وما نتج عنها من فوضى سلاح عارمة.
كما أنّ الملاحظ لمنطقة المغرب العربي
يُلاحظ حجم استفحال الظاهرة الإرهابيّة في منطقة الساحل الإفريقي المحيط بدول
المغرب العربي، بحيث تعدّدت التيارات الإرهابيّة بشكل كبير في المنطقة، بالإضافة
إلى الحركات المتطرّفة فكرياً التي لها نفس التوجّهات مثل تلك الموجودة في الجوار
الليبي أو على الحدود الجزائريّة التونسيّة.
ولعلّنا نذكر منها على سبيل المثال
مجموعة من التنظيمات الإرهابيّة الناشطة على مُستوى منطقة المغرب العربي أو
بمحاذاتها، إذ بدأت ملامح التهديد الإرهابي في منطقة المغرب العربي بعد انتهاء
الأزمة في الجزائر، بما يُعرف بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي مع حلول سنة
2007، أين قرّر التنظيم السابق والمعروف باسم الجماعة السلفيّة للدعوة والقتال
والناشط على المستوى المحلي الجزائري؛ إعلان تغيير اسمه إلى تنظيم القاعدة في بلاد
المغرب الإسلامي، ويتحوّل في نشاطه إلى كامل الإقليم المحاذي للساحل الإفريقي عن
طريق توسيع النشاط الإقليمي.
حيث أصبحت ليبيا وموريتانيا وجزء من
الصحراء الغربيّة والجنوب الجزائري بالإضافة إلى النيجر ومالي وتشاد؛ فضاءاً لنشاط
ذلك التنظيم الإرهابي بعد انحصاره من التراب الجزائري نتيجة الضربات الموجعة التي
تلقّاها من طرف الجيش الجزائري والأجهزة الأمنيّة المختلفة.
كما نذكر من بين التنظيمات الإرهابيّة
الناشطة بمنطقة المغرب العربي؛ حركة التوحيد والجهاد الناشطة في غرب إفريقيا، وهي
حركة مُنشقّة عن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ومن بين العمليّات التي
قامت بها اختطاف 03 أوروبيين عاملين في مخيم اللاجئين في تيندوف يوم 23-10-2011،
ويعود سبب انشقاقها إلى صراع الزعامة وتقاسم الفدية وعائدات تجارة المخدّرات، هذا
وقد أصدرت أوّل بيان لها في أكتوبر 2011 مُعلنة الجهاد في غرب إفريقيا واشتراكها
في تمرّد شمال مالي 2012.
كما أنّ هناك عدّة تنظيمات فرعيّة أخرى
تنشط في منطقة المغرب العربي، كتنظيم الجماعة السلفيّة للجهاد ومركزه الأساسي
ليبيا، بالإضافة إلى تنظيم أنصار الشريعة ومقرّه تونس وله تفرّعات في ليبيا وشمال
مالي، وقد كان هذا التنظيم وراء اغتيال السفير الأمريكي في بنغازي، تلك التنظيمات
الإرهابيّة قامت خلال السنوات الماضية بشن حوالي 100 هجوم إرهابي من أبرزها الهجوم
على قاعدة تقنتورين في الجزائر، وقد نجم عن عمليّاتها مئات القتلى والجرحى.
كما نذكر من بين التنظيمات التي أرّقت
الجزائر ودول المغرب العربي؛ تنظيم حركة أنصار الدين، هذا التنظيم الذي يصنّف
بأنّه أقل تطرّفاً ولكّنه قام بارتكاب عمليّات غير مقبولة على المستوى الإقليمي
والدولي، كونه خرق الاتفاق الذي رعته الجزائر بين حركة الأزواد والحكومة المالية،
ليعلن تنظيم حركة أنصار الدين عدم اعترافه بالاتفاق وقام بشن هجمات على المدن
المالية الداخليّة مجنداً عشرات المسلّحين الطوارق الفارين من الحرب الليبية، كما
عقد تحالفاً مع تنظيم القاعدة وحركة التوحيد والجهاد للسيطرة على المدن الأزواديّة
الكبرى.
نشير كذلك إلى أنّ تنظيم الدّولة
الإسلاميّة في العراق والشام المعروف بداعش؛ قد وجد موطئ قدم له في المغرب العربي
خاصّة في ليبيا وتونس والمغرب، حيث يتواجد في ليبيا فرع منضوي تحته باسم الجيش
الإسلامي ويضمّ آلاف المقاتلين ويتواجد في كل من مدينة سرت ودرنة وصبراتة، كما
يتواجد في تونس باسم لواء عقبة بن نافع ويضم كذلك مئات المسلّحين التونسيين
العائدين من سوريا الذين قاموا بأعمال إرهابية بالقرب من جبل الشعانبي وسوسة
وغيرها من المدن التونسية، كما ذكرت السلطات المغربيّة أنّ حوالي 08 آلاف مغربي قد
ذهب إلى سوريا للقتال هناك وفق ما صرّح به معهد "غولف ميلتري انلايسيس"،
وعاد الكثير منهم إلى البلاد ليشكّلوا خلايا نائمة لتنظيم داعش في المغرب.
ثانياً: الجريمة المنظّمة
تُعرّف الجريمة المنظمّة على أنّها
تنظيم إجرامي يضمّ أفراداً أو مجموعات ينشطون بشكل منظّم للحصول على فوائد ماليّة
من خلال مُمارسة أنشطة غير قانونيّة، ويعمل أعضاءه من خلال بناء تنظيمي دقيق
ومعقّد يشبه ما عليه الحال في المؤسّسات الاقتصاديّة، وتشمل الجرائم المنظّمة
وجرائم السرقات والسطو والسلب والنهب الاقتصادي والاجتماعي والتهريب والمخدّرات
والمتاجرة بالبشر والغش الصناعي والتزوير والاحتيال والاتجار بالأعضاء البشريّة،
وأي عمل يجرّمه القانون الداخلي والدّولي يُرتكب بصورة منظّمة ومعدّة سلفاً
بالتخطيط والترصّد والتصميم.
الجريمة المنظّمة التي تقودها شبكات
التهريب أصبحت مصدر خطر حقيقي على الدول المغاربيّة، حيث تشير التقارير الدوليّة
والوطنيّة إلى أرقام كبيرة، فتقارير منظّمة الأمم المتحدة قدّرت بأنّ نسبة 30 إلى
40% من المخدّرات الصلبة تمر عبر منطقة المغرب العربي، ونسبة 27% من المخدّرات
التي صودرت في أوروبا مصدرها المنطقة المغاربيّة بقيمة إجماليّة قدرها 1.8 مليار
دولار.
ومن أبرز أنواع المخدّرات التي يتمّ
الاتجار بها في المنطقة المغاربيّة نجد القنب الهندي بالإضافة إلى تهريب
الكوكايين، فبالرغم من أنّ هذا الأخير لا يتم إنتاجه في إفريقيا إلاّ أنّ ما يروّج
سنوياً في إفريقيا ومنطقة المغرب العربي قدّر بحوالي 1.8 مليار دولار سنة
2011.
لاشكّ أنّ هذا المبلغ قد تضاعف بصورة
مُخيفة وهو ما تدلّ عليه العمليّة الأخيرة التي تمّت في الجزائر يوم 29-05-2018
بميناء وهران والتي تم فيها حجز حوالي 700 كلغ من الكوكايين قادمة في باخرة من أمريكا
اللاتينيّة.
كما أنّه مع نهاية التسعينات أصبحت
تجارة الكوكايين تعرف نشاطاً كبيراً في منطقة المغرب العربي بواسطة أكبر كارتلات
المخدّرات في أمريكا الجنوبيّة، حيث يصل الكوكايين إلى غينيا وسيراليون عبر البحر
ليتمّ نقله بعدها إلى السنغال وموريتانيا ثمّ إلى المغرب إنتهاءاً بأوروبّا، أمّا
الطريق البرّي للكوكايين فيمرّ عبر موريتانيا والمغرب، أمّا التهريب الجوي فيتم
عبر الدار البيضاء في المغرب بالإضافة إلى دولة مالي. كما تحوّلت موريتانيا بصورة تدريجيّة إلى سوق
جُملة لتجارة الكوكايين المرسلة من السنغال والمغرب لتنقل بعدها إلى أوروبّا
بواسطة الحاويات المخصّصة لصيد الأسماك.
هذا وقد أحصت الأمم المتحدة سنة 2007
حجز 49 كلغ من الكوكايين بقيمة 10 مليون دولار، كما تم حجز 75 كلغ من الكوكايين
على الحدود الجزائريّة الماليّة قدّرت بحوالي 45 مليون دولار بالقرب من منطقة تينزواتين
500 كلم جنوب مدينة تمنراست.
لم تقف مظاهر الجريمة المنظمّة في
منطقة المغرب العربي عند الاتجار بالمخدّرات فحسب؛ بل امتدّت لتشمل كذلك عمليّة
الاتجار بالأسلحة مُستغلّة الفوضى العارمة في ليبيا بعد سقوط نظام الرئيس الراحل
معمر القدافي، حيث أكّدت تقارير أمريكيّة
على نفاذ أكثر من 45 مليون قطعة سلاح من مخازن الأسلحة الليبيّة، في حين
أشار تقرير أعدّه فريق من خمسة خبراء لدى الأمم المتحدة نسّق عملهم خبير إقليمي،
إلى استمرار تدفّق الأسلحة إلى ليبيا ومنها يتم تهريبها إلى 14 دولة على الأقل،
وتتورّط أكثر من 1700 ميليشيا ليبيّة بالتنسيق مع شبكات الجريمة المنظّمة
والجماعات الإرهابيّة الناشطة عبر المنطقة.
ولعلّ من نتائج فوضى السلاح الليبي ما
تسبّب فيه للجزائر من خلال تنفيذ الهجوم على القاعدة النفطيّة بمنطقة تقنتورين،
بالإضافة لحجز آلاف القطع العسكريّة من مُختلف الأنواع سنوياً من طرف الجيش الشعبي
الجزائري، هذا وتسرّب السلاح الليبي عبر جماعات الإجرام المنظّم إلى تونس، حيث
اُستغلّت المسدّسات المهرّبة من ليبيا في عدّة عمليّات اغتيال وهو ما أكّده وزير
الداخليّة التونسي أنداك لطفي بن جدو، بالإضافة إلى أحداث جبل الشعانبي التي
أُستعمل فيها السلاح الليبي الخفيف من طرف الجماعات الإرهابيّة التي هرّبته إلى
تونس بالتعاون مع العصابات الإجراميّة المنظّمة.
كذلك نذكر من بين صور الجريمة المنظّمة
المنتشرة في منطقة المغرب العربي جريمة تبييض الأموال، حيث أصبحت بعض دول المغرب
العربي ملاذاً لمبيّضي الأموال في الكثير من الحالات، ممّا يدعوا إلى عقد تنسيق
أمني فيما بين الدول المغاربيّة من أجل التصدّي للظّاهرة والقضاء عليها.
ثالثاً: ظاهرة الهجرة غير الشرعيّة
تُعرّف الهجرة غير الشرعيّة بأنّها
حالة الخروج من حدود دولة أو الدخول في حدود دولة أخرى دون سلوك المعابر والمنافذ
المخصّصة لذلك، ودون احترام الإجراءات الإداريّة والقانونيّة لحركة دخول الحدود
والخروج منها.
وما يُلاحظ أنّ الهجرة غير الشرعية
كتهديد أمني لا تماثلي أصبحت اليوم عاملاً مؤرّقاً للدّول سواء منها المُستقبلة أو
المُرسلة وحتى دول العبور كمنطقة المغرب العربي ، حيث أنّه من الناحية الأمنيّة من
المحتمل أن يقوم المهاجرين غير الشرعيين بارتكاب الجرائم وأعمال العنف وربما أعمال
إرهابيّة نتيجة لعدم وجود مناصب عمل مُناسبة لهم، أو قد يُستغلّون من طرف الجماعات
المسلّحة كتنظيم القاعدة؛ من خلال تجنيدهم لارتكاب مختلف العمليّات الارهابيّة،
كما أنّ توافد المهاجرين يؤثّر على البناء الديمغرافي السوسيو ثقافي للدّول
المُستقبلة خاصّة إذا تمسّك المهاجرون بثقافتهم وهو ما يخل بالأمن الاجتماعي
والثقافي.
أمّا من الناحية الاقتصاديّة فإنّ
المهاجرين يُوصفون بأنّهم الإسفنجة التي تمتص التنمية حسب قول البعض، لأنّ زحف
الفقراء نحو دول متقدّمة بأفواج كبيرة، يزيد من عبئ البطالة ويزيد من المنافسة بين
مواطني الدّولة المُستقبلة والمهاجرين، وهو ما يولّد حالات اضطراب داخل الدولة
المُستقبلة.
هذا وتُعتبر دُول المغرب العربي في
غالب الأحيان منطقة عبور للمهاجرين غير الشرعيين، إلاّ أنّ مُحاولاتهم الفاشلة في
الهجرة جعلتهم يستقرّون في دول المغرب العربي، حيث تشير تقديرات عديدة إلى أنّ
أكثر من 100 ألف مهاجر إفريقي يقيم في كل من الجزائر وموريتانيا في حين تستقبل
ليبيا حوالي مليون ونصف المليون مهاجر إفريقي، ويقل العدد إلى ما دون 100 ألف في
كل من تونس والمغرب، والمُلاحظ أنّ ظاهرة الهجرة غير الشرعيّة في تزايد مُستمر
ويمكن أن تشكّل مُعضلة أمنيّة حقيقيّة لدول المغرب العربي من جهة، وفي علاقتهم
الأمنيّة مع دول جنوب المتوسّط من جهة أخرى.
نُشير إلى أنّ عدد مواطني المغرب
العربي المهاجرين بطريقة غير شرعية نحو أوروبّا وغيرها من الدول الغربية قد تجاوز
نصف مليون مُهاجر، أمّا على مستوى الهجرة الإفريقيّة غير الشرعيّة نحو دول المغرب
العربي ومنها إلى أوروبّا فقد أشارت الإحصائيّات إلى أرقام كبيرة وهائلة، ففي تونس
سنة 1999 بلغ عدد الأفارقة الذين حاولوا الانتقال إلى أوروبّا عبر تونس 17 ألف
وارتفع العدد إلى 50 ألف عام 2000 و100 ألف عام 2001 وهو في تزايد مُستمر.
أمّا الجزائر فقد وصل فيها العدد إلى
100 ألف سنة 2006 وهو نفس الرقم في موريتانيا، ووصل العدد إلى أكثر من مليون في
ليبيا.
كل هذا العدد الكبير جاء بالرغم من
الاحتياطات التي أُتّبعت ومنها تنظيم الهجرة في المغرب في نوفمبر 2003، ووضع كل من
الجزائر وتونس وليبيا لإجراءات صارمة، بالإضافة إلى انضمامها للعديد من
الاتفاقيّات مع أوروبّا في هذا الشأن، ولكنّها لم تحقّق الأهداف المرجوّة وأصبحت
عامل سلبي أثّر على استقرار المجتمعات المغاربية
وعلى أمنها والعلاقات فيما بينها، خاصّة عملية إجلاء المهاجرين غير
الشرعيين بين الحدود الجزائريّة المغربيّة التي تسببت في مشاحنات سياسيّة بين
الدولتين.
المطلب الثاني: تداعيّات غياب تنسيق أمني مُشترك بين دول المغرب العربي
لقد أصبح بادياً للجميع بأنّ المقاربة
الفرديّة الداخليّة لمواجهة التهديدات الأمنيّة الجديدة لم تعد ذات جدوى كبيرة
للمواجهة، بل إنّ المقاربات الوطنيّة الضيّقة بقيت محدودة ووصفت بأنّها مجرّد
إجراءات دفاعيّة وانتظار للتهديدات الأمنيّة والتصدّي لها داخل الحدود الوطنيّة،
وذلك لأنّ التهديدات الأمنيّة الجديدة أو اللاتماثلية (الإرهاب، الجريمة المنظّمة،
الهجرة غير الشرعية)، هي تهديدات ذات طابع وبُعد إقليمي ودولي فلا بدّ من مواجهتها
بنفس الزخم والحجم التي هي عليه، لهذا فإنّ غياب أي تشارك لأطراف الجوار المغاربي
لن يساهم في تحقيق مكافحة فعّالة للتّهديدات الأمنيّة الجديدة.
فالسياسة الأمنيّة الداخليّة تُمثّل قاعدة
لتأسيس سياسة أمنيّة جهويّة، ومن هنا تأتي ضرورة تنسيق السياسات الأمنيّة بين دول
المغرب العربي وتطوير آليّة مُتكاملة ومُتكافئة حيال التهديدات المشتركة.
إنّ عدم توحيد الجهود بين الدول
المغاربيّة لمواجهة التهديدات الأمنيّة الجديدة عبر الوطنيّة راجع بالأساس إلى عدم
قدرة تلك الدّول على عقد شراكات قائمة على التعاون الحقيقي في المجال الأمني.
فانعدام القدرة على تحديد العدو أو
التهديد المشترك يؤدّي إلى تشتيت وتجزؤ رد الفعل المغاربي، وبالتالي عدم التفكير
الجدّي في مُقاربة مُشتركة، وهو ما دفع بدول المغرب العربي إلى البحث عن مُقاربات
أمنيّة بديلة للتكامل المغاربي من أجل مواجهة التهديدات الأمنيّة، حيث ذهبت كل من
الجزائر والمغرب إلى اتخاذ مُواقف ومبادرات مُتوازية ومُتضادة من بعض القضايا
العربيّ،ة تجلّت مثلاً في المفاوضات المتعلّقة بحل الأزمة الليبيّة وفي المشكل المتعلّق
بمالي والذي رعته الجزائر.
وبسبب تداعيّات عدم وجود تكامل في
منطقة المغرب العربي لمواجهة التحدّيات والتهديدات الأمنيّة الجديدة، فقد لجأت
مُختلف الدّول المغاربيّة إلى البحث عن بدائل إقليميّة للتّعاون في مواجهة
التهديدات الأمنيّة، نذكر منها على سبيل المثال قيام الجزائر مع موريتانيا ومالي
والنيجر بإنشاء هيئة أركان عُليا عمليّاتيّة مُشتركة (C E M O C) بولاية تمنراست سنة 2010، ومنه تمّ إنشاء
وحدة الدمج والربط وهي خليّة لتجميع المعلومات الاستخباراتيّة مُتمركزة في
الجزائر، كما تستضيف الجزائر منذ سنة 2004 "المركز الأفريقي للأبحاث
والدراسات حول الإرهاب"، الذي أُنشئ بمبادرة من الجزائر في إطار الإتحاد
الأفريقي، كما دعت الجزائر إلى وجوب أن تكون مُختلف المبادرات المتعلّقة بالساحل
مكمّلة ومُنبثقة ضمن المسعى الذي تقوم به وليس بديلاً عنه.
المغرب وكمواجهة للإقصاء الذي يقول
بأنّه تعرّض له من طرف الجزائر خاصّة فيما يتعلّق بالمقاربة الجزائريّة الخاصّة
بمواجهة التهديدات الأمنيّة، فقد لجأ هو الأخر إلى المشاركة في هيئة إقليميّة أخرى
بعيدة عن منطقة المغرب العربي وهي المجموعة الاقتصاديّة لدول غرب إفريقيا (C E D E A O)، عبر التعاون الثنائي
مع الدّول الإفريقيّة في المجال الأمني، بالإضافة إلى قيام المغرب باستغلال
علاقاته الجيّدة مع فرنسا وإسبانيا في الترويج لطرحه بأنّه والإتحاد الأوروبي
يُواجهان نفس التهديد الإرهابي القادم من الجنوب، وبالتالي اعتماد المغرب بدل
الجزائر في أيّ مُقاربة أمنيّة لمواجهة الإرهاب والجريمة المنظّمة والهجرة غير
الشرعية، بالإضافة إلى محاولة المغرب الاستفادة من تضرّر العلاقات الجزائريّة ببعض
الدّول الأوروبيّة مثل فرنسا، ليُبرز نفسه بمثابة البديل ذي مصداقيّة والموثوق
والفعّال في إطار شراكة فرنسيّة أوروبيّة ومغربيّة استثنائيّة ومتحرّرة من ثقل
الماضي ومُخلّفاته.
أمّا ليبيا فهي الأخرى صارت تشكّل
مصدراً للتهديد بالنسبة لدول المغرب العربي نتيجة تمتّع الجماعات الإرهابيّة
والجماعات ذات الإجرام المنظّم وشبكات الهجرة غير الشرعيّة بحاضنة محليّة وعلاقات
مع شبكات الجريمة المنظّمة؛ خصوصاً تجارة المخدّرات والأسلحة وبيع النفط في السوق
السوداء في ظل غياب سلطة الدّولة على كامل التراب الليبي المترامي على مساحة
1.775.500 كلم2، ولعلّ هجوم تقنتورين دليل على عدم وجود سلطة الدّولة الليبيّة في
بعض الأجزاء من الترب الليبي، حيث توغّلت المجموعات الإرهابيّة من عمق التراب
الليبي إلى داخل التراب الجزائري للقيام بعمليّتهم الإرهابيّة، بالإضافة إلى هجوم
مُتحف باردو في تونس العاصمة والهجوم على منطقة بنقردان التونسيّة، كل تلك الهجمات
اُستعمل فيها التراب الليبي كمنطلق للهجوم على دول الجوار.
لم تتوقّف الأزمة الليبيّة عند هذا
الحد بل امتدّت لتشمل الحل السياسي، حيث اختار شرق ليبيا بزعامة خليفة حفتر الحل
المصري – الإماراتي – الفرنسي، المبني على الحل العسكري في ليبيا وهو ما ترفضه
الجزائر وتونس، لتضرب حكومة شرق ليبيا عرض الحائط امتدادها الجغرافي الطبيعي
والمنطقي في المغرب العربي، ولعلّ تصريحات خليفة حفتر الأخيرة يوم 08-09-2018 بشن
حرب على الجزائر واجتياحها أبرز مثال على حالة التفكّك في المغرب العربي، رغم أنّ
الجزائر قد احتضنت عدّة جولات للحوار الليبي حضرها خليفة حفتر شخصياً.
موريتانيا هي الأخرى لم تكن بمعزل عن
ذلك فقد توجّهت إلى البحث عن حل إقليمي بديل للحل المغاربي خصوصاً مع توثّر
علاقاتها مع المغرب والجزائر سابقاً، وبعد ما كانت مُنضوية في المبادرة الجزائريّة
المتعلّقة باللجنة العليا العمليّاتية المشتركة لرؤساء أركان الجزائر وموريتانيا
والنيجر ومالي، قامت بالدخول في حلف أخر بعيد عن المقاربة الجزائريّة التي تهدف
إلى إيجاد حل سلمي في مالي، لتدخل موريتانيا في حلف عسكري شكّلته فرنسا تحت مسمّى
"المجموعة الخماسيّة لمنطقة الساحل والتحالف من أجل منطقة الساحل"
ويتشكّل هذا التحالف من موريتانيا وتشاد وبوركينافاسو والنيجر ومالي، ليعلن يوم 02
جويلية 2017 ببماكو عن تشكيل قوّة عسكريّة تابعة لذلك التحالف قوامها 5 آلاف
مُقاتل من تلك الدول المتحالفة بغرض مواجهة الإرهاب والجريمة المنظّمة والاتجار
بالبشر.
موريتانيا نتيجة تصرّفها ذلك تسبّبت في
توثّر العلاقات بينها وبين الجزائر باعتبارها خرجت عن بنود الاتفاق المبرم في
الجزائر مع قادة أركان الجزائر ومالي والنيجر والمتعلّق بإنشاء هيئة أركان
عمليّاتية عُليا مُشتركة للتنسيق والتعاون.
أمّا تونس فيلاحظ عليها مُجاراة
الخيارات الأمنيّة التي تبنّتها الجزائر إلى غاية التطابق في المواقف، خاصّة مع ما
تتلقّاه من دعم اقتصادي وأمني واستخباراتي جزائري جعلها في مأمن من العديد من
الكوارث والمخاطر الأمنيّة والاقتصاديّة.
كذلك يمكن أن نعتبر بأنّه من تداعيّات
عدم التكامل المغاربي هو الاختراق الغربي لمنطقة المغرب العربي ممّا جعله عُرضة
لتصادم العديد من الأجندات خاصّة الأوروبيّة والأمريكيّة ولعلّ من صور ذلك؛ انخراط
دول المغرب العربي في مُؤتمر برشلونة في 27 و28 نوفمبر 1995 المتعلّق بالشراكة
الأورومتوسطيّة، والتي هدفت إلى بناء علاقات مميّزة بين ضفّتي المتوسّط الجنوبيّة
والشماليّة تكون قاعدتها الأمن والاستقرار، بالإضافة إلى ذلك ظهرت آلية ( 5 + 5 )
والتي ضمّت دول غرب أوروبّا وهي فرنسا وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال ومالطا، ودول
جنوب المتوسط وهي ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا أي دول المغرب العربي،
حيث ترتكز الآليّة على مجال التعاون الأمني والسياسي من أجل تطوير التنسيق في مجال
مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعيّة، إلاّ أنّ تلك الآلية قد تحوّلت إلى
(5+1+1+1+1+1)، نتيجة هشاشة المنظومة الأمنيّة المغاربيّة وعدم وجود تنسيق فيما
بينها، الأمر الذي جعلها متفرّقة في مواجهة الدّول الأوروبيّة الخمس، بالإضافة إلى
اعتبار تلك الآليّة مجرّد تفويض من دول الإتحاد الأوروبي الخمس؛ لدول المغرب
العربي بحراستها والقيام بمهام التصدّي للهجرة غير الشرعيّة والإرهاب والجريمة
المنظّمة نيابة عنها، خاصّة وأنّ أجندة تلك الآليّة تخضع للتحديد المسبق من طرف
الأوروبيين دون التشارك والتشاور مع دول المغرب العربي، ولعلّ ما جعل الدّول
الأوربيّة الخمس تتعامل بتلك الطريقة مع دول المغرب العربي؛ هو بسبب كونها دول
مُتفرّقة لا يوجد تكامل فيما بينها يجعلها تتفاوض انطلاقاً منه مع تلك الدول
الأوروبيّة الخمس المنضوية تحت راية الإتحاد الأوروبي.
ولعّل أخر المبادرات التي انخرطت فيها
دول المغرب العربي بصفة جماعيّة، هي مبادرة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والتي
أُطلق عليها الإتحاد من أجل المتوسط الذي أنشئ في جويلية 2008 في قمّة باريس من
أجل المتوسّط بهدف تعزيز الشراكة الأورومتوسطية التي أقيمت سنة 1995 وعرفت بعمليّة
برشلونة، حيث يضمّ الإتحاد من أجل المتوسّط 43 بلداً من حوض البحر الأبيض المتوسط،
إلاّ أن هذا الإتحاد بقي حبيس مراحله الأولى التي توقّفت حالياً.
الولايات المتحدة الأمريكية هي الأخرى
لم تكن في معزل من ذلك الاستقطاب والتوغّل الغربي في المغرب العربي، فهي الأخرى قد
سعت إلى تطبيق أجندتها في المنطقة المغاربيّة مُستغّلة تشتّت دول المنطقة
وتفرّقها، حيث عقدت عدّة اتفاقيّات وبرامج ثنائيّة مع دول المغرب العربي في مجال
الأمن ومكافحة الإرهاب نذكر منها:
مشاركة قادة دول الجزائر والمغرب وتونس
بمعيّة دول إفريقيّة أخرى في اجتماع المركز العام للقيادة العسكريّة الأمريكيّة في
أوروبّا بشتوتغارت الألمانيّة، بهدف إيجاد آليّة مُشتركة للتعاون العسكري في
مواجهة الإرهاب في منطقة الساحل، ليتزايد الاهتمام الأمريكي من خلال زيارة وزير
الخارجية الأمريكي آنذاك كولن باول لمنطقة المغرب العربي سنة 2002.
لتليها الجولة المغاربيّة لمدير مكتب
التحقيقات الفيدرالي يومي 06 و07 فيفري 2006، ثمّ زيارة وزير الدفاع الأمريكي
وقتها دونلد رامسفيلد أيام 11 و12 و13 فيفري 2006.
كما يبرز التعاون العسكري الأمريكي مع
دول المغرب العربي من خلال مُبادرة الساحل، وهو برنامج للتواجد العسكري بالمنطقة
قدّرت ميزانيّته في 2004 بأكثر من 07 مليون دولار، بهدف محاربة التهريب والإرهاب
والجريمة الدّوليّة، وفي سنة 2005 ظهرت مُبادرة أمريكيّة جديدة لمحاربة النشاط
الإرهابي الكثيف في منطقة الساحل تحت مسّمى " مُبادرة مكافحة الإرهاب عبر
الصحراء " حيث قامت بإشراك كل من الجزائر والمغرب وتونس بالإضافة إلى دول
إفريقيّة كالسنغال ونيجيريا.
ولعلّ من أبرز الجهود العسكريّة
الأمريكيّة في المنطقة مُحاولة إنشاء قيادة أفريكوم والتي عُرّفت على أنّها آليّة
عسكريّة – عسكريّة تهدف إلى مساعدة وتحديث الجيوش الأفريقيّة والمساعدة في مكافحة
الإرهاب والجريمة المنظّمة، حيث كانت الولايات المتحدة الأمريكيّة تخطّط لإقامتها
في إحدى دول المغرب العربي إلاّ أنّها قوبلت بالرفض من طرف الدّول المغاربيّة
لاحتضانها.
وهكذا فإنّ غياب أي إستراتيجيّة
مغاربيّة مُشتركة لمواجهة التحدّيات الأمنيّة العابرة للحدود دفع كل منها إلى عقد
اتفاقيّات ثنائيّة الطابع مع أطراف إقليميّة ودوليّة من منظّمات وتكتّلات خارج
المنطقة المغاربيّة.
المطلب الثالث: الجهود المغاربيّة الثنائيّة لمواجهة التحدّيات الأمنيّة الجديدة
إنّ التعاون بين الأقاليم التي تتجاور
مع بعضها البعض بحكم الجغرافيا أو التاريخ أو عمق المصالح الاقتصاديّة والسياسيّة
والأمنيّة؛ يحدث في شتّى مناطق العالم، كما كانت تجري في الماضي وما زالت في
الحاضر، ومن أهم صيغ التعاون الإقليمي الثنائي هي التعاون الأمني المُشترك سواء ما
كان بصفة رسميّة أو غير رسميّة من خلال رابط الحفاظ على المصلحة المُشتركة بين دول
الأقاليم المُجاورة مثلما يتطلّب قيام علاقات اعتماد مكثّفة بين الطرفين، بحيث لا
يمكن من خلالها التخلّي عن خيار المصلحة والفوائد المُتاحة، إذ كلّما وُجدت علاقات
اعتماد مُتبادل مُكثّفة بين مجموعة من الدّول؛ كلّما نشأت علاقات تعاون أمني تجمع
مصالح الطرفين.
في الحالة الأمنيّة المغاربيّة ونتيجة
اتجاه دول المغرب العربي إلى التعامل الثنائي انطلاقاً من المصالح الحيويّة ومدى
تفاعليّة العلاقات بين الدّول من حيث التأثير والتأثّر، ومن أجل القضاء على الهاجس
الأمني القادم من دول الجوار الجغرافي، فقد لجأت دول المغرب العربي إلى تبنّي خيار
التعامل الثنائي المباشر بين دول المغرب العربي بغرض مُجابهة التهديدات الأمنيّة
الجديدة الموجودة في المنطقة المغاربيّة، إذ كشفت العديد من التقارير عن الزيارات
والنشاطات المكثّفة لمسؤولي دول المغرب العربي فيما بينهم بهدف تفعيل العمل
الثنائي وإيجاد آليّات تنسيقيّة تعاونيّة من شأنها التقليل من المخاطر المتنامية
في المنطقة حيث نذكر منها:
1- زيارات المسؤولين التونسيين
المكثّفة إلى الجزائر من زيارة الباجي قائد السبسي رئيس الحكومة التونسية المؤقّتة
يوم 15 مارس 2011، ثمّ زيارة راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسيّة في 20
نوفمبر 2011، وزيارة رئيس الحكومة التونسية السابق حمادي لجبالي يوم 03 ديسمبر 2012،
وكذا زيارة وزير الخارجية التونسي خميّس الجهيناوي إلى الجزائر يومي 05 و06 جوان
2017 للمشاركة في الاجتماع التشاوري لوزراء خارجيّة تونس والجزائر ومصر من أجل
دراسة مُختلف المستجدّات الخاصّة بالملف الليبي وكيفية التقريب بين وجهات النظر
الخاصّة بالفرقاء الليبييّن، بالإضافة لزيارة وزير الداخليّة التونسي للجزائر يوم
07-01-2018، الجانب الجزائري بادل الطرف التونسي نفس الأمر وذلك من خلال زيارة
وزير الخارجيّة الجزائري لتونس وتسوية ملف الحدود البحريّة ومنح قرض للخزينة
التونسيّة بقيمة 50 مليون دولار، بالإضافة إلى تقديم هبة للخزينة التونسيّة بقيمة
50 مليون دولار، كذلك زيارة الوزير الأوّل الجزائري في 29 ديسمبر 2013 لتونس
والاتفاق على عقد اللّجنة العليا المشتركة بهدف التعاون المُشترك في المجال
الاقتصادي والأمني، وصولاً إلى زيارة الرئيس التونسي المنتخب الباجي قائد السبسي في
04 فيفري 2015 إلى الجزائر والتأكيد من الجزائر على توافق الرؤية المُشتركة حول
القضايا الأمنيّة في المنطقة خاصّة في مجال مُكافحة الإرهاب ورفض الحل العسكري في
ليبيا.
كما كانت أخر زيارة بين الطرفين من طرف
الوزير الأوّل الجزائري يوم 08-02-2018 إلى تونس مرفوقاً بوزير الخارجيّة ووزير
الداخليّة.
2- زيارة وزير العلاقات الخارجيّة
المغربي سعد الدين العثماني إلى الجزائر في 22 يناير 2012 وهو ما دعى البعض إلى
القول أنّ العلاقات البينيّة الجزائريّة المغربيّة تخفي تنسيقاً أمنياً قوياً في
مجال مكافحة الإرهاب وهو ما فسّره الأستاذ بوحنية قوي بالقول: " أنّ التنسيق
الأمني المغربي الجزائري موجود عملياً وميدانياً لكنّه غير مُترجم في شكل شراكة أو
اتفاقيّة إستراتيجيّة مُعلنة " ، بالإضافة لمشاركة وزير الداخليّة الجزائري
في المؤتمر الدولي للأمم المتحدة للهجرة الذي نُظّم بمراكش المغربية يوم 10 ديسمبر
2018 وهو أعلى تمثيل جزائري لفعاليّة في المغرب منذ مدّة.
3- كذلك الجولة التي قام بها الرئيس
التونسي المؤّقت منصف المرزوقي في فيفري 2012 لجميع دول المغرب العربي، والتي دعى
من خلالها إلى اعتبار إتحاد المغرب العربي كضرورة حتميّة تقتضيها طبيعة الوضع
الراهن قبل أي وقت مضى.
4- زيارة الملك المغربي إلى تونس في 30
ماي 2014 لمدّة ثلاث أيّام والتي تُعتبر أوّل زيارة له منذ سقوط نظام بن علي في
تونس، حيث تأتي تلك الزيارة بعد حوالي 03 أشهر من زيارة رئيس الوزراء التونسي مهدي
جمعة إلى المغرب، في زيارة وصفها البعض بأنّها رغبة في الحد من نفوذ الجزائر على
دول المغرب العربي، حيث أكّد الملك المغربي على خيار التكامل من أجل تجاوز المشاكل
الأمنيّة في المنطقة، كما قام بتوقيع أكثر من 20 اتفاقيّة في قطاع الأمن والاقتصاد
والسياسة، كما كانت أخر الزيارات بين الطرفين في 19 جوان 2017 والتي قام بموجبها
وزير الخارجيّة التونسي يوسف الشاهد بزيارة المغرب من أجل عقد الدورة التاسعة عشر
للجنة العليا المشتركة بين المغرب وتونس وتمّ فيها التوقيع على 09 اتفاقيّات.
5- زيارة رئيس المؤتمر الوطني الليبي
لتونس يوم 22 نوفمبر 2012، وَوَعَدَ بتقديم إعانة ماليّة ليبيّة إلى تونس بقيمة
200 مليون دولار توضع في البنك المركزي التونسي من أجل مساعدة تونس في الخروج من
أزمتها، كما ردّ الطرف التونسي على الزيارة؛ من خلال زيارة رئيس الحكومة التونسي
إلى ليبيا يوم 07 يناير 2013 على رأس وفد وزاري هام، كما قام رئيس الحكومة الليبية
المؤقّتة عبد الله الثني بزيارة إلى تونس في 29-03-2015 من أجل التباحث في القضايا
المُشتركة وبالأخص الملف الأمني ومُكافحة الإرهاب من خلال التنسيق بين الطرفين.
6- زيارة الوزير الأوّل الجزائري إلى
ليبيا في ديسمبر 2013 من أجل مُناقشة الوضع الأمني الليبي والاتفاق على التنسيق
الأمني الحدودي ومُكافحة الإرهاب وإنشاء لجنة حدوديّة مُشتركة، بالإضافة إلى عرض
الجزائر على الجانب الليبي القيام بتدريب وتقديم المساعدة للجيش والشرطة الليبيين،
ورعاية الجزائر للجولة الثانية من الحوار بين الفرقاء الليبيين وهو ما يعدّ حرصاً
جزائرياً على مساعدة ليبيا للخروج من أزمتها.
7- المبادرة متعدّدة الأطراف في يناير
2013 بغدامس الليبية الواقعة في مثلّث الحدود بين ليبيا والجزائر وتونس، والتي
نُوقشت فيها العديد من القضايا الأمنيّة التي تجمع اهتمامات الدّول الثلاث لمواجهة
التهديدات التي تؤرّق أمن تلك الدول ومنطقة المغرب العربي ككل، انتهت المبادرة
بوضع إستراتيجيّة للتنسيق الأمني بين الدّول الثلاث تتضمّن ما يلي:
- بناء منظومة معلوماتيّة مُشتركة
لمراقبة الحدود.
- إقامة لجان دوريّة مُشتركة لتبادل
المعلومات بين الحكومات الثلاث.
- تفعيل دور المجتمع المدني في توطيد
العلاقات بين شعوب الدّول الثلاث خاصّة في المناطق الحدوديّة.
المطلب الرابع: بوادر التعاون المغاربي المشترك لمواجهة التهديدات الأمنيّة المشتركة
لقد أظهر الحراك السياسي والأمني
والاجتماعي الذي اندلع في منطقة المغرب العربي سنة 2011، قصوراً كبيراً في العمل
المغاربي المشترك ووضع الإتحاد المغاربي أمام اختبار جدّي لم يعهده من قبل، وهو
الذي ظلّ هيكلاً بدون روح وموقفه المتفرّج في مختلف الأزمات التي عانت أو مرّت بها
أطرافه، مثل النزاع المسلّح الليبي التشادي والذي حُلّ عن طريق محكمة العدل
الدوليّة بدلاً من اتحاد المغرب العربي، نفس الأمر سُجّل سنة 1989 فيما يخص النزاع
الموريتاني السنغالي، وهو النزاع الذي وقف فيه إتحاد المغرب العربي موقف أقلّ ما
يُقال عنه أنّه موقف حيادي باستثناء دعوات التهدئة وضبط النفس المنطلقة من الجزائر
والمغرب.
إلاّ أنّ أزمة الربيع العربي وما
تسبّبت فيه من تغيير في الخارطة السياسيّة المغاربيّة بالإضافة إلى تدهور الوضع
الأمني وانتشار حالة الاضطراب واللأمن؛ قد جعلت التفكير أكثر من أي وقت مضى نحو
تفعيل العمل والتكامل المغاربي في إطار الآليّة والمقاربة المغاربيّة المُشتركة
" إتحاد المغرب العربي "، خاصّة إذا ما علمنا سيطرة الهاجس الأمني على
الإدراك النخبوي والشعبي في المغرب العربي وعلى أجندة مسؤولي دول المنطقة، وهو ما
دفع دول المغرب العربي إلى مُحاولة بث الروح في الهيكل المغاربي المُتهالك، ولعلّ
من أهم الجهود المغاربيّة في ذلك الإطار والتي شكّلت أرضيّة حقيقيّة وفُرصة
تاريخيّة نحو انصهار الإرادة السياسيّة في اتجاه واحد ما يلي:
- بيان الجزائر الصادر في جويلية 2012:
حيث تمّ عقد اجتماع استثنائي لوزراء خارجيّة اتحاد المغرب العربي في الجزائر يوم
09 جويلية 2012 وكان مخصّص لدراسة إشكاليّة الأمن، حيث دعى الوزراء المُشاركون في
ما عرف ببيان الجزائر إلى ضرورة مُكافحة المخاطر التي تهدّد المنطقة المغاربيّة،
في إطار مُقاربة مُتكاملة ومُندمجة ومُنسّقة ضمن إستراتيجيّة شموليّة تدمج البعد
التنموي المقرون بالروح التضامنيّة والبعد الديني والثقافي والتربوي المُستند على
مبادئ الاعتدال والوسطيّة، كما دعى الوزراء المُجتمعون إلى تكثيف اللقاءات
التشاوريّة بهدف بلورة رؤية مُشتركة وإيجاد صيغة عمل موحّدة اتجاه الوضع الأمني والإقليمي.
بيان الجزائر أُعتبر بمثابة وثيقة
مرجعيّة واستناداً لما ورد فيه من توصيّات، تمّ عقد عدّة اجتماعات لإتحاد المغرب
العربي نذكر منها:
- اجتماع وزراء الشؤون الدينيّة لدول
المغرب العربي يوم 24 ديسمبر 2012 بنواقشوط من أجل مُناقشة الوضع الأمني الداخلي بالمنطقة
المغاربيّة وجوارها الإقليمي، حيث ركّز الوزراء المجتمعون في بيانهم على ضرورة
العمل على التنسيق بين المؤسّسات الحاضنة للإسلام في منطقة المغرب العربي، وإبراز
صورة الإسلام الحقيقيّة والتركيز على الإسلام السنّي الوسطي الذي يرفض التطرّف
والغلو.
- اجتماع مجلس وزراء الشباب والرياضة
بتونس في 17 ماي 2013، وهو ما جاء تنفيذاً لبيان الجزائر وخصّص لبحث إشكاليّة
التهديد الأمني لمنطقة المغرب العربي من جانب اختصاصه، حيث دعى إلى تكثيف الجهود
ومُواجهة مظاهر الإقصاء والتهميش، بهدف حماية الشباب من عمليّات الاستقطاب والتطرّف
الديني ودمجه في مجالات التكوين والتشغيل والمُشاركة السياسيّة وتمكينه من
المساهمة في دفع مسار التنمية.
- مؤتمر أمن الحدود بطرابلس الذي عُقد
في شهر مارس 2012: شاركت فيه دول المغرب العربي بالإضافة إلى مصر وتشاد ومالي
والنيجر، حيث تُوّج اللقاء بوثيقة سمّيت بخطّة عمل طرابلس تضمّنت ما يلي:
1- توفير التدريب المتخصّص في مجال أمن
الحدود.
2- تطوير القوانين المتعلّقة بالجريمة
المنظّمة والإرهاب والعمل على إرساء شراكة بين دول المغرب العربي ودول المنطقة.
3- الاهتمام بالتنمية المستدامة وتوفير
الاحتياجات التنمويّة الخاصّة بالمناطق الحدوديّة بهدف رفع مستوى المعيشة ممّا
يُساهم في تحقيق الأمن الحدودي.
4- التنديد بكافة أشكال دعم وتمويل
الإرهاب وحرمان الجماعات الإرهابيّة من الملاذ الآمن.
- مجلس وزراء داخليّة اتحاد المغرب
العربي بالرباط في 21 أفريل 2013: جاء هذا اللقاء تكميلاً لسلسلة اللقاءات الوزاريّة بين دول المغرب العربي في
إطار الاتحاد المغاربي، حيث جاء بهدف تنسيق السياسات كتتمّة لما نصّ عليه بيان
الجزائر، بالإضافة إلى توحيد السياسة الخارجيّة بهدف بلورة رؤية أمنيّة مُتكاملة
على المستوى الداخلي والخارجي، كما تُوّج اللقاء بإعلان الرباط والذي نصّ على عدّة
نقاط خاصّة بما يلي:
1- مجال مكافحة الإرهاب والجريمة
المنظّمة.
2- مجال مكافحة الهجرة غير الشرعيّة
والاتجار بالبشر.
3- مجال مكافحة الاتجار بالمخدّرات
والمؤثّرات العقليّة.
خاتمة
استناداً إلى ما تملكه الدول
المغاربيّة من مقوّمات كما ذكرناها سابقاً لا تملكها نماذج تكامليّة أخرى كالاتحاد
الأوروبي، إذ يبقى فقط على الدول المغاربية تفعيل هته العوامل ووضع المصلحة
المشتركة فوق اعتبارات الزعامة والمصلحة الشخصية للدّول، فالاتحاد الأوروبي وما
يتضمّنه من تناقضات وإرث صراعي بين أقوى دوله فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا،
إذ أنّ الدول الأوروبية حتى وهي تطمح إلى الزعامة الإقليميّة إلاّ أنّها لا تمس
بالمصالح الحيويّة للإتحاد الأوروبي، لأنّ خلق شبكة علاقات مُتداخلة في إطار
تكاملي واحد يجعل من ضرب مصلحة طرف في المنظومة هو في نفس الوقت ضرب لمصلحة الطرف
الأخر.
إذ لا مفر لدول المغرب العربي من خيار
التكامل إذا أرادت أن تُواجه التحدّيات الخارجيّة، وإذا ما أرادت أن يكون لها وزن
إستراتيجي قوي، وموقف تفاوضي تواجه به مُختلف الإستراتيجيّات التي تريد النيل من
دول المنطقة أو استغلال ثرواتها، سواء تلك المخطّطات والمشاريع فرنسية أو أمريكية
أو حتى أسيويّة.
كما أنّ استمرار دول المغرب العربي في
سياسة الهروب إلى الأمام ورفض إقامة أي تعاون أمني في إطار مغاربي شامل، كلّف ولا
يزال يُكلّف المنطقة ثمناً غالياً بسبب مُختلف الضربات التي تُوجهها الجماعات
الإرهابيّة، وكذا العصابات الإجراميّة المنظّمة، بالإضافة إلى مئات الآلاف من
المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين الذي أثّروا على اقتصاديّات الدّول المغاربية
وعلى نسيجها الاجتماعي، بالإضافة إلى تسبّبهم في العديد من المشاكل الأمنية داخل
دول المغرب العربي، كما أنّه على دول المغرب العربي أن تعي جيداً بأنّ عالم اليوم
هو عالم التكتّلات والإتحاد، فلا مجال فيه للتفرّق في مواجهة التهديدات الكونيّة
التي يتعرّض لها العالم اليوم، ولعّل دعوة العاهل المغربي الأخيرة يوم 07-11-2018
للجزائر من أجل إقامة حوار صريح ومُباشر من أجل حل الخلافات، والرد الجزائري عليه
يوم 22-11-2018 من أجل عقد اجتماع مُستعجل لوزراء خارجيّة دول المغرب العربي من
أجل إحياء إتحاد المغرب العربي وإعادة بعث هيئاته؛ هو مؤشّر على أنّ دول المغرب
العربي باتت تؤمن بأنّ السبيل الأمثل لمواجهة التحدّيات الأمنيّة المشتركة هو التكامل
المغاربي.
في ختام هذه المداخلة توصّلنا لمجموعة
من النتائج نوجزها فيما يلي:
1- إنّ المغرب العربي يمتلك من
المقوّمات والإمكانيّات الكبيرة ما يمكّنه من تحقيق التكامل بكل سهولة ويسر.
2- حيازة المغرب العربي لموقع جغرافي
إستراتيجي مكّنه من أن يكون طرفاً فاعلاً في أي مُقاربة أمنية إقليميّة ودوليّة.
3- تُعتبر منطقة المغرب العربي من أكبر
المناطق في العالم عرضة للتهديدات الأمنيّة الجديدة كالإرهاب والجريمة المنظّمة
والهجرة غير الشرعيّة نظراً لموقعها المحاذي لقارة أوروبّا.
4- تفرّق دول المغرب العربي وعدم
اجتماعها على آليّة مُوحّدة لمواجهة التهديد الأمني الجديد، لحد وصول بعض دول
الإتحاد إلى الارتماء في مشاريع مُعاكسة لمشروع التكامل المغاربي.
5- وجود تنسيق ثنائي بين دول المغرب
العربي ذات علاقات الجوار الجغرافي من أجل التصدّي للمخاطر الأمنيّة، مع تسجيلنا
لبوادر تنسيق مغاربي شامل لمواجهة التهديدات الأمنيّة الجديدة.
أمّا بالنسبة للتوصيات التي ندعو لها
في ختام هذه المداخلة فكانت كما يلي:
1- ضرورة إعادة بعث مشروع إتحاد المغرب
العربي من جديد، وتفعيله من خلال حوار صادق مُباشر وجاد بين مختلف دول الإتحاد
والتخلّي عن الأنانيّة السياسيّة وحب الزعامة، ومد جسور الثقة بين الأطراف.
2- إقامة تكامل اقتصادي مغاربي من أجل
تحقيق تنمية اقتصاديّة في دول المغرب العربي تكون مُنطلقاً لتحسين الأوضاع
المعيشيّة لدول الإتحاد، وتوسيع التنمية لتشمل المناطق الحدوديّة من أجل حمايتها
من أي استغلال أو توظيف من طرف العصابات الإجراميّة والإرهابيّة التي تجد في الفقر
والحاجة وسيلة من أجل تجنيد أتباعها.
3- يجب زيادة التنسيق الأمني الدّوري
والمستمر، وتبادل المعلومات بين دول المغرب العربي من أجل ضمان مُكافحة فعّالة
للتهديدات الأمنيّة الجديدة، ورسم خطّة عمل مُشتركة لذلك بدلاً من حالات التنسيق
العشوائي والفوضوي بل وحتى الاستفزازي؛ والذي ظهر من خلال قيام إحدى دول إتحاد
المغرب العربي إلى حشر المهاجرين غير الشرعيين عند حدود الدّولة الجارة.
4- تفعيل هياكل إتحاد المغرب العربي من
خلال عقد اجتماعات على أعلى مُستوى تضمن اتخاذ قرارات فعّالة ومُلزمة، من أجل
إعادة إحياء العمل المغاربي المشترك، كاجتماع قمّة بين رؤساء دول الإتحاد أو رؤساء
الحكومات أو وزراء الخارجية بصفة دوريّة.
5- يجب على دول المغرب العربي أن لا
تنخرط في أي مشروعات مُنافية لروح إتحاد المغرب العربي، مثل ما قامت به موريتانيا
من انضمام للتحالف من أجل الساحل والصحراء برعاية فرنسيّة، أو ذهاب شرق ليبيا إلى
حضن أخر غير المنطقة المغاربيّة، بالإضافة إلى دعوات دول مجلس التعاون الخليجي
للمغرب بالانضمام إليهم.