نظرة على مجموع النصوص القانونية التي تحكم عقد الإيجار
نظم
المشرع الجزائري عقد الإيجار المدني في المواد 467-537 من التقنين المدني، وقسم
هذه المواد إلى قسمين، الأول (467-513) تناول فيه الإيجار بصفة
عامة، والثاني (514- 537) تناول فيه الحق في البقاء واسترجاع الأمكنة.
فكان
المشرع يحمي بالدرجة الأولى المستأجر وذلك بإعطائه حق البقاء في العين المؤجرة
وإلى جانب النصوص الواردة في التقنين المدني، صدر المرسوم التشريعي 93-03، حيث
راعى فيه المشرع هذه المرة مصلحة المؤجر أكثر من مصلحة المستأجر، وهذا بغرض
التشجيع على الاستثمار في المجال العقاري. ولا يسري هذا الأخير على الإيجارات التي
وقعت قبل سريان مفعوله واستمرت بعده ولو عن طريق التجديد بل يسري على الإيجارات
التي وقعت بعده ابتداء ً، فيما يتعلق بحق البقاء وإعادة النظر في الأجرة.
وبعد
التعديل الأخير بموجب القانون رقم 07-05 سالف الذكر، ألغيت المواد 470- 475
المتعلقة بالأجرة من حيث طبيعتها وقيمتها والمنازعة فيها، وكذلك من حيث مدة
الإيجار؛ لأنه أصبح تحديد كل منها واجبا يترتب عليه بطلان العقد، ومن ثم لا مكان
للمنازعة حولها كما أنه ألغي التنبيه بالإخلاء المحدد وفق المادة 475 من التقنين
المدني.
وألغيت
كذلك المواد 508-537، المتضمنة التجديد الضمني للإيجار، والحق في البقاء، واسترجاع
الأمكنة.
هذه
النصوص لم تكن الوحيدة، كما لم تكن الأولى، إذ سبقتها نصوص صدرت غداة الاستقلال
لتنظيم الأملاك الشاغرة بعد رحيل المستعمر الفرنسي؛ فصدر الأمر رقم 62- 20 المؤرخ
في 24 أوت 1962، المتضمن حماية وتسيير الأملاك الشاغرة. هذا الأمر أتاح لعامل
العمالة (رئيس المقاطعة الإدارية) -الوالي حاليا - أن يقوم بإدارة السكنات الشاغرة
التي لم يستغلها أو يستعملها أو يستولي عليها أصحابها الشرعيون لمدة تزيد عن شهرين
دون مبرر، ولا يعتبر الّسّكن شاغرا إلا إذا حرر بشأنه محضر معاينة
أو تم التصريح بالشغور من طرف الإدارة، حيث يقوم بإحصائها في مدة 30 يوما من تاريخ
نشر الأمر، كما يقوم بطرد كل الشاغلين غير الشرعيين، ويحرر محاضر ٺتضمن وصف
الأماكن والمنقولات الموجودة بها. كما يقوم بحجز المساكن الشاغرة وتسليمها
للمحتاجين دون شرط، مع إعطاء الأولوية للمجاهدين والمناضلين ومعطوبي الحرب،
وتمكينهم من استعمال المنقولات الموجودة بها دون إفراط إلى حين مطالبة أصحابها
بها.
بيد
أّنّ هذا الأمر شابته بعض العيوب جعلت تطبيقه صعباً، وغير ملٍّبٍّ لما استهدف منه؛
فنقص الإطارات والأكفاء عطّلا العامل أو الوالي عن القيام بمهمته في إحصاء وإعلان
حالات الشغور. ومما زاد في المعضلة، قصر المدة الممنوحة لعملية الإحصاء.
يضاف
إلى ذلك، أن الأوضاع السياسية والاجتماعية جعلت من المستحيل تطبيق هذا الأمر،
خصوصا مع شغل الأماكن من طرف المؤسسات الفلاحية والصناعية.
أما
من الناحية القانونية، فإن الأمر 62- 20 لم يحدد مفهوم الأملاك الشاغرة تحديدا
دقيقا، مماّ جعل الـكثير من المعمرين الذين غادروا الجزائر يطالبون باسترجاع
ممتلكاتهم بالرجوع إلى نصوص التقنين المدني الفرنسي، لاسيما نصا المادتين 513 و539
اللتان حّدّدتا أن الملك الشاغر هو الذي يكون مالـكه غير معروف ولا يوجد له وارث،
والمالك أو الوارث هنا معروف.
ومواجهة
للإشكالات المطروحة، أصدر المشرع الجزائري المرسوم رقم 62-03
المؤرخ في 23 أكتوبر 1962، يتضمّنّ تنظيم الصفقات والبيوع والإيجارات، وكذا تأجير
الأملاك العقارية والمنقولة، كإجراء استعجالي لحماية الأملاك الشاغرة وإدراجها ضمن
أملاك الدولة؛ فاعتبر جميع العقود والاتفاقيات التي تضمنت تجديد أو تمديد
الإيجارات من قبل المعمرين، وأبرمت بعد 1 جويلية 1962 داخل أو خارج الجزائر باطلة
وأوجب التصّريح بجميع المعاملات المذكورة لدى البلدية خلال 15 يوما وإلا كانت
باطلة. كما أعطى لعامل العمالة سلطة مراجعة أسعار المحلات وحتى مضمونها، وله في
ذلك أن يلغي تلك العقود لاسيما إن تضمنت المضاربة أو كانت مخالفة للنظام العام.
وبصدد
تنظيم الأملاك الشاغرة التي تركها المعمرون صدر المرسوم 63- 88 في
18/03/1963 يتعلق بتنظيم الأموال الشاغرة، فجعل جميع الأملاك والمؤسسات التي هجرها
أصحابها أو امتنعوا عن القيام بواجباتهم كملاكّ، تحت تصرف الدولة.
وفي هذا المرسوم أصبح إعلان حالة الشغور يتم
بقرار من عامل العمالة بعد إجراء تحقيق من مصالح الإدارة، بعد أن كان يكفي فيه
التصريح بالشغور، وينشر قرار عامل العمالة خلال 15 يوما في الجريدة الرسمية، غير
أن هذا النشر لم يكن إجراء جوهريا، لأن الغرض منه كان تمكين المعني بالأمر من
ممارسة حقوقه، بحيثً يمكن الطعن في قرار الشغور خلال شهرين من تاريخ نشره. كما حصر
هذا المرسوم حالات الشغور وجعلها كالآتي:
- توقف
صاحب الملك عن استغلال ملـكه مدة شهرين متتاليين ابتداءً من 1962/06/01
- تو
قف المالك عن القيام بالتزاماته بالنسبة إلى العقارات والأجزاء العقارية لنفس
المدة.
- توقف
المالك عن المطالبة بحقوقه بصفته مالكا خلال نفس المدة.
ثم
صدر المرسوم 63- 64 الذي جعل منح المستفيدين من المساكن والمحلات المهنية الشاغرة
بعد صدور قرار الشغور، إجراء مؤقتا، بموجب رخصة مؤقتة قابلة للسحب في أي وقت،
ويمكن طردهم فورا دوًن للجوء إلى القضاء في حالة عدم امتلاكهم لسند شرعي لوجودهم
بالأمكنة، كسند الملـكية أو الإيجار، أو في حال امتناعهم عن إصلاح ما أفسدوه خلال
المدة المحددة من قبل السلطة الإدارية.
بعد
أن وضعت الأملاك الشاغرة تحت حماية الدولة بموجب النصوص المذكورة أعلاه وتنظيم
حالتها، تم نقلها نهائيا إلى الدولة بموجب الأمر 66-102، فنصت المادة الأولى على
أْنْ : "تنتقل ملـكية الأموال المنقولة والعقارات الشاغرة إلى الدولة".
هذا
النقل اقتضى إصدار نصوص قانونية لشغل وإدارة هذه الأملاك، فصدر المرسوم 68- 88
المؤرخ في 23 أفريل 1968، المتضمن القانون الأساسي الخاص
بشغل العمارات المستعملة للسكن أو الحرف المهنية، حيث أسند مهمة منح السكنات إلى
عامل العمالة إذا وقعت في مركز العمالة، أماّ دوائرها فيتكفل بها نائب عامل
العمالة بتفويض منه وأسند مهمة التحقيق في طلبات منح السكنات إلى مصلحة خاصة
بتسيير تلك الأملاك.
وقد
كانت الرخصة الممنوحة إلى المستفيد من طرف عامل العمالة أو نائبه تعطي له الحق في
التمسك بالبقاء في الأمكنة مهما كانت المدة التي قضاها فيها.
أما
شروط استفادة الأشخاص من المحلات الشاغرة فتمثلت في كونهم غير حائزين لأي عقار أو
جزء من عقار صالح للسكن، وإلا سحبت منهم رخصة الاستفادة، ويستثنى من السحب الأشخاص
الذين لهم التزامات مهنية تجبرهم على الإقامة في بلدة لا يملـكون فيها أي سكن.
كما
أعطى هذا المرسوم الحق للشاغلين دون سند أن يصحّحوا وضعيتهم، وذلك في أجل 6 أشهر،
بالحصول على ترخيص من الجهة المختصة.
وفي
مرحلة لاحقة أعطيت مهمة تسيير الأملاك الشاغرة إلى هيئات أخرى، أهمها مكاتب
الترقية والتسيير العقاري، حيث صدر الأمر 74-63، المؤرخ في 10 جوان 1974، المتضمن
إحداث وتحديد القانون الأساسي لمكاتب الترقية والتسيير العقاري، ثم المرسوم 76-143،
يتضمن إنشاء مكاتب للترقية والتسيير العقاري للولاية، هذا
الأخير الذي أدى إلى صدور المرسوم 76- 144، المتضمن حل المكاتب العمومية للسكن
معتدل الـكراء (أي الّسّكن لذوي الدخل المنخفض)، والتي كانت قد أنشئت في وقت سابق
سنة 1968 و1969، وتم بموجبه نقل جميع أموال وحقوق والتزامات هذه المكاتب إلى مكاتب
الترقية والتسيير العقاري.
وقد
كان الهدف منها هو بناء المساكن الخاصة بالإيجارات، وكذا اللازمة للحياة
الاقتصادية والاجتماعية، في إطار برامج عمومية للسكن مخصصة للإيجار، فتقوم هذه
المكاتب بتسيير هذه البرامج عن طريق تأجير المحلات السكنية والمهنية وغيرهما، كما
تقوم بمراقبة وصيانة العقارات، إضافة إلى تنظيم الامتلاك الفردي للمساكن؛ للقيام
بترقية عمليات الّسّكن المخصصة للبيع.
هذه
المكاتب -مكاتب الترقية- كانت عبارة عن مؤسسات عمومية ذات طابع إداري تتمتع
بالشخصية القانونية المدنية والاستقلال المالي، ثم تحولت في ظل المرسوم 85- 270 إلى
مؤسسات ذات طابع اقتصادي تتمتع بالشخصية القانونية والاستقلال المالي، ثم منحها
المشرع بموجب المرسوم 91- 147 الطابع الصناعي
والتجاري، واعتبرها تاجرة في علاقتها مع الغير، وأخضعها
لقواعد القانون التجاري.
كما
صدر القانون 84-16، المتعلق بالأملاك الوطنية، وقد نصت المادة 104
منه على أن إيجار الأملاك العقارية المستخلصة للدولة يتم بموافقة الهيئات والجهات
المختصة أي مصلحة أملاك الدولة، أماّ الأملاك العقارية المستخلصة للجماعات
المحلية، فتؤجر من طرف الجهات المختصة بذلك، أي من طرف الولاية أو البلدية.
غير
أن القانون الذي يسري على هذه الإيجارات هو القانون المدني، وهذا ما قضت به الفقرة
3 من نفس المادة، وهذه الإيجارات واجبة الشهر طبقا للفقرة 4، إلا في حالة الإيجار
الذي يتم بين الدولة أو الجماعات المحلية وبين المؤسسات والهيئات العمومية التي
تتمتع بالاستقلال المالي.
لـكن
بموجب القانون 90-30، المتضمن قانون الأملاك الوطنية، حُوّلّ هذا النص إلى النص
رقم 90، وألغى الفقرتين الثالثة والرابعة، وأبقى على الفقرتين الأوليتين، فجعل
الإيجارات المبرمة خاضعة للتشريع والتنظيم المعمول بهما، ثم عّدّل هذا النص بموجب
المرسوم 08-14 وجعل تأجير الأملاك الخاصة للدّولة ذات الاستعمال السكني إلى مصالح
أملاك الدولة مباشرة أو عن طريق تفويض منها، من طرف هيئات عمومية أو خاصة مؤهلة في
هذا المجال، وجعل الإيجار يتم بالقيمة الإيجارية الحقيقية.
ونشير
إلى أن المرسوم التنفيذي 91- 454، الذي يحدد شروط إدارة الأملاك الخاصة والعامة
التابعة للدولة وتسييرها، ويضبط كيفيات ذلك، قد بيّنّ الجهة المخولة بتأجير
السكنات وكيفية ذلك في المواد 17 وما
بعدها، وأهم ما يلاحظ عليه أنه جعل إيجار العقارات التي آلت ملـكيتها إلى الدولة
بموجب الأمر 66- 102، خاضعا إلى المرسوم 76- 147، وهذا بموجب نص المادة 25. كما
حدد مدة الإيجار في نص المادة 91 بألا تزيد عن 9 سنوات في فترة واحدة أو في عدة
فترات.المرجع:
- د. سمير شيهاني، محاضرات في عقد الإيجار، جامعة آكلي محند أولحاج – بالبويرة، السنة الجامعية 2014-2015، ص35 إلى ص43.