تعريف وطبيعة عقد الإيجار

الصفحة الرئيسية

تعريف وطبيعة عقد الإيجار

تعريف وطبيعة عقد الإيجار

تمهيد

يعد الإيجار من أهم العقود وأكثرها تعاملا بين الناس بعد عقد البيع؛ وهو أحد العقود المسماة، التي خصها المشرع الجزائري كباقي نظرائه بنصوص عديدة ودقيقة، تناولت معظم إن لم نقل كل جوانب هذا العقد.
فقد تناوله المشرع الجزائري ضمن التقنين المدني الصادر بموجب الأمر 75- 58، من نص المادة 467 إلى 537، أي في 71 مادة. ولم يكتِفِ بالنصوص الواردة في التقنين المدني، رغم كثرتها، بل عززها بنصوص أخرى عديدة، منها ما له علاقة مباشرة بها مثل المرسوم التشريعي 93- 03، المتعلق بالنشاط العقاري، ومنها ما ينظم العلاقة الإيجارية في جانب خاص، مثل المرسوم التنفيذي 76- 147، المتضمن تنظيم العلاقات بين المؤجر والمستأجر لمحل معد للسكن وتابع لمكاتب الترقية والتسيير العقاري.
تخصيص مواد للإيجار أكثر من البيع راجع إلى أن الإيجار أكثر حيوية من عقد البيع، ولوجود استمرارية الالتزامات المتبادلة بين المؤجر والمستأجر؛ فهذه الاستمرارية تؤدي غالبا إلى كثرة المنازعات وتنوعها، وهذه الـكثرة وهذا التنوع يؤديان إلى وجوب تصدي المشرع لهما بنصوص تكفل حلها

المطلب الأول: التعريف بعقد الإيجار

الفرع الأول: تعريف الإيجار لغة

الإيجار أو الإجارة لغة مأخوذ من مادة أَجرَ، والأَجرُ الجزاء على العمل، أو الثواب، ويقال: الأُجرة والإجارة، والأُجارة، وَالأَجارة، أي ما أعطيت من أجر، وهي أيضا الـكراء.

الفرع الأول: تعريف الإيجار اصطلاحا

أما اصطلاحا، فهو عقد يلتزم بمقتضاه المؤجر أن يمّكّن المستأجر من الانتفاع بشيء معين مّدّ ة محددة لقاء بدل أجر معلوم، وهذا الأجر إما أن يكون نقودا أو تقديم أي عمل آخر، وهذا هو نص المادة 467 من التقنين المدني.
ويستفاد من هذا التعريف أن عناصر الإيجار هي التمكين من الانتفاع ،والأجرة، والمّدّةّ، والشيء المؤجر الذيّ يكون معينّاً بالذاّت وغير قابل للاستهلاك، وإلا كناّ أمام قرض استهلاكي، دون إغفال طرفي العقد وهما المؤجر والمستأجر.
وعرّف فقهاء الشريعة الإسلامية الإيجار بأنه تمليك منفعة بعِوضَ، أو بيع منفعة بأجر معلوم.

المطلب الثاني: طبيعة عقد الإيجار

يلاحظ على مسلك المشرع الجزائري أنه لم يعرف عقد الإيجار في ظل القانون القديم، وأورد نصا لا حاجة إليه، حيث جاء في المادة 467 من التقنين المدني :"ينعقد الإيجار بمقتضى عقد بين المؤجر والمستأجر"، في حين أنه عرفه في التعديل الأخير في المادة 467 نفسها بقوله :"الإيجار عقد يمَكَّن المؤجر بمقتضاه المستأجر من الانتفاع بشيء لمدة محددة مقابل بدل إيجار معلوم.
يجوز أن يحدد بدل الإيجار نقدا أو بتقديم أي عمل آخر".
أما في التقنينات العربية ،نجد المادة 558 من التقنين المدني المصري عرفت الإيجار بأنه :"عقد يلتزم المؤجر بمقتضاه أن يمكن المستأجر من الانتفاع بشيء معين لقاء أجر معلوم". وعرفه المشرع العراقي في المادة 722 من التقنين المدني على أنه :"تمليك منفعة معلومة بعوض معلوم لمدة معلومة وبه يلتزم المؤجر أن يمكن المستأجر من الانتفاع بالمأجور".
والتساؤل المطروح هنا، هل الالتزام الذي يقوم به المؤجر سلبي أم إيجابي؟ وهل حق الإيجار حق شخصي أم عيني؟
من خلال النصوص السابقة التي عرفت الإيجار يتضح أن التزام المؤجر يتراوح بين كونه عملا  إيجابياّ ،إذ يقوم المؤجر بتمكين المستأجر من الانتفاع أي أنه يقوم بنشاط معين لتًمكين المستأجر وليس عملا سلبيا يتمثل بالترك، وهذا مبني على الفكرة التي بنيت عليها التقنينات الغربية وفي مقدمتها التقنين الفرنسي؛ وبين كونه عملا سلبيًاّ، فلا يكلف المؤجر إلا بترك المستأجر ينتفع بمرافق الشيء المؤجر ومنافعه، وهذا مبني على فكرة الشريعة الإسلامية والتقنينات التي نحت نحوها، باعتبار الإيجار تمليك منفعة.
هذا الفرق يرتب آثاراً مهمة – باعتباره عملا إيجابيا -تتمثل في إلزام المالك وهو (المؤجر) بأن يهيئ العين المؤجرة بما يمكن المستأجر من الانتفاع بها ويقع عليه عبء صيانتها وترميمها قبل أن ينتفع بها المستأجر وهو ما أشير إليه بصراحة في نص المادة 467 وما بعدها من التقنين المدني. بينما لا يلتزم المؤجر في الحالة السلبية إلا بتسليم العين بالحالة التي هي عليها في وقت معين لابتداء الانتفاع.
وغني ّ عن البيان أن الإيجار عند الفقهاء يمثل رابطة شخصيةّ بين المؤ جّر والمستأجر، أي أن بينهما علاقة مديونية، وهو واضح من نص الماد ةّ 467 من التقّنين المدني وغيرها من النصّوص التي توضّح تلك العلاقة بينها.
غير أن المقنن الجزائري وفي نص المادة 512 من تقنين الإجراءات المدنية والإدارية جعل القسم العقاري هو من ينظر في قضايا إيجار السكنات، مما يوهم بأن حق الإيجار حق عيني وليسا حقا شخصيًاّ، وهذا ليس صحيحا، فالعلاقة الإيجارية لا يترتب عنها حق عيني للمستأجر قبلَ المؤجر، وبالتالي فإن النصّ الذي أورده المقنن بهذا الشأن وجعل الاختصاص في قضايا السكنات للقسم العقاري ليس في محله ومن الخطأ القول به.
وعليه فإننا نقول بأن حق الإيجار يبقى دوما حقا شخصيًاّ، ولا يحول دون هذه الطبيعة نص قانوني وضع في غير موضعه. وهذا الاتجاه يشبه قول بعض الفقهاء بأن حق المستأجر رغم كونه شخصيا إلا أنه يعتبر عقارا إذا كانت العين عقارا لا منقولا، حيث يمكن هنا للمستأجر الحصول على العقار المستأجر عن طريق التنفيذ العيني إذا امتنع المؤجر عن تسليم العين. غير أن هذا غير القول غير سليم؛ لأن الحقوق الشخصية الواردة على عقارات لا تعتبر عقارات إلا إذا كانت ملزمة للمدين بها بنقل الملـكية، ومثال ذلك: حق مشتري العقار قبل الشهر.
 ومع ذلك نشير إلى أن هناك فريقا من الشراح قرر أن للمستأجر، زيادة على الحق الشخصي الممنوح له، حقا عينيا على الشيء المؤجر، وعلى رأسهم ميرلان وتروبلنج وجوزون، مؤسسين دعواهم على عدة حجج منها: نص المادة 1743 من التقنين المدني الفرنسي، المقابل لنص المادة 604 من التقنين المصري، ونص المادة 469 مكرر 3 من التقنين المدني الجزائري. حيث يمنحون للمستأجر حق استيفاء المنفعة من العين المؤجرة مادامت مدة الإيجار لم تنته حتى ولو انتقلت ملـكية العين إلى شخص آخر، ولو اعتبرنا حق المستأجر هنا حقا شخصيا لكان من حق المشتري أن يخرج المستأجر من العين كما كان معمولا به في القانون الروماني. أما هنا فحق المستأجر هو حق عيني، فهو لا يخلف البائع في حقوقه الشخصية؛ لأنه خلف خاص له وليس خلفا عاما.
واحتجوا كذلك بنص المادة 1725 من التقنين المدني الفرنسي، المقابلة لنص المادة 571 من التقنين المدني المصري، والمادة 483 من التقنين المدني الجزائري؛ فلو كان حق المستأجر حقا شخصيا لكان له في حالة التعرض المادي الصادر من الغير أن يطلب فقط من المؤجر دفع التعرض لا أن يدفعه هو بنفسه، في حين نرى أن المشرع قرر ضمان المؤجر للتعرض القانوني الصادر من الغير فقط، أما التعرض المادي فأعطى للمستأجر الحق في دفعه بنفسه، مثلما هو مقرر في نص المادة 487 من التقنين المدني الجزائري، الذي يقابله نص المادة 575 من التقنين المدني المصري. فدعاوى وضع اليد هي دعاوى مقررة لحماية الحق العيني، واعتراف المشرع بها للمستأجر يعني أنه قد قرر له حقا عينيا على العين المؤجرة. 
يضاف إلى ما سبق أن المشرع قد قرر شهر الإيجارات التي تصل مدتها إلى 12 سنة أو تزيد، حيث قرر في المادة 17 من الأمر 75-74 المتعلق بإعداد مسح الأراضي العام وتأسيس السجل العقاري أّنّ هذا الإيجار لا يكون له أي أثر إذا لم يكن مشهرا. والشهر إنما هو مقرر للحقوق العينية فقط.
غير أن هذه الحجج يمكن ردها بما يأتي:
إن نفاذ الإيجار في حق المشتري راجع إلى اعتبارات تاريخية، حيث إن القانون الفرنسي القديم لم يكن يقر هذا إلا بطريق الاتفاق، لذلك كان المستأجرون يحجمون عن الإيجارات الطويلة، ولأجل تشجيع المستأجرين على ذلك، باعتبار أنهم ينفقون أموالا كبيرة على ما يقتضيه إصلاح العين وتعميرها طيلة المدة؛ قام بإدراج نص يتضمن هذا الشرط دون حاجة إلى الاتفاق عليه، ثم نقله عنه المشرع الجزائري، ومن قبله المشرع المصري.
كما أن إعطاء المستأجر الحق في أن يدفع التعرض المادي الصادر من الغير لا يجعل من الإيجار حقا عينيا باعتبار هذا الأخير حقا مطلقا يمنح لصاحبه الادعاء به في وجه الكافة، بل مبناه أن الحق المدعى به من طرف الغير لا يمكن أن ننسبه إلى المؤجر، فلا يسأل عنه، بل يمنح للمستأجر فقط حق دفعه بالوسائل القانونية التي قررها له القانون، ولا يعني منح المستأجر دعاوى وضع اليد اعتباره حقا عينيا بل يمكن تفسيره أنه توسع في نظرية الحيازة وفي استعمال دعاوى اليد، لاسيما إن علمنا أن الحيازة العرضية رغم أنها لا تمثل حقا عينيا، فإنها محمية بدعاوى وضع اليد.
أما مسألة الشهر، فإن النصوص القانونية لم تقرر الشهر على الحقوق العينية فقط بل قررته على بعض الحقوق الشخصية مثل المخالصة أو الحوالة التي تزيد مدتها على 3 سنوات، طبقا لنص المادة 897 من التقنين المدني. كما أن طول مدة الحق أو قصرها لا يمكن أن يغير في وصف الحق أو طبيعته، فالأمر لا يعدو أن يكون مقررا لحماية الغير. 
ما قلناه يصدق على الإيجارات المبرمة في ظل التقنين المدني، أما الإيجارات المبرمة مع دواوين الترقية والتسيير العقاري فإن لها طابعا مغايرا بعض الشيء، حيث يستفيد المستأجر من الإيجار بموجب قرار  استفادة من عند الديوان، فهل هذا يعني أن العقد يمثل قراراً إداريا؟ وهل يعني تسليم المستأجر للشروط التي يفرضها ديوان الترقية يجعل منه عقد إذعان؟
إن الإجابة عن السؤال الأول تكون بالنفي، وهذا مرده أن الإيجارات التي تبرم مع دواوين الترقية والتسيير العقاري رغم صدورها بموجب قرار استفادة إلا أنها تعتبر عقودا بين طرفين هما المؤجر والمستأجر، دون النظر إلى اختلاف وضعهما القانوني، لا قرارات إدارية تصدر عن الدواوين وحدها، يضاف إلى ذلك أن إخلال المستأجر بالتزاماته لا يمنح للمؤجر طرده مباشرة، بل لا بد له من اقتضاء حقه عن طريق القضاء، ولو كان قرارا إداريا لأمكن إلغاء العقد دون المرور على القضاء.
أما الإجابة عن السؤال الثاني فتقتضي النظر إلى نص المادة 70 الذي يقضي بأن عقد الإذعان هو عقد يحصل فيه القبول بمجرد التسليم للشروط التي يضعها الموجب ولا يقبل مناقشتها. وهذا الأمر ظاهر في عقد الإيجار الذي يبرمه الشخص مع ديوان الترقية والتسيير العقاري، فالطرف الأول -وهو غالبا شخص طبيعي ذو دخل محدود أو محروم- ضعيف بالنظر إلى الطرف الثاني الذي يعتبر مؤسسة عمومية ذات طابع صناعي وتجاري، وهذا الأخير هو الذي يملي شروطه التي تكون محددة في نموذج خاص مقرر قانونا، وما على طالب الاستئجار إلا أن يسلم بها أو يرفض التعاقد.
غير أنه يختلف عن عقد الإذعان من نواحي أخرى، حيث يمنح لطالب استئجار الّسّكن إذا رأى أنه قد أجحف في حقه ولم يستفد، أن يطعن في قائمة الاستفادة، ويكون الطعن أمام اللجنة الولائية وليس أمام ديوان الترقية، كما أن أجرة الّسّكن تختلف من منطقة إلى منطقة ومن مسكن إلى مسكن، وتحدد حسابيا عن طريق القانون، ولا يمكن أن يعدل فيها لا ديوان الترقية ولا المستأجر، يضاف إلى ذلك أن مدة الإيجار تكون غير محددة المدة إذا كانت قد أبرمت قبل أكتوبر 1992، وثلاث سنوات قابلة للتجديد باتفاق الطرفين أو عن طريق التجديد الضمني إذا كانت مبرمة بعد أكتوبر 1992.

المرجع:

د. سمير شيهاني، محاضرات في عقد الإيجار، جامعة آكلي محند أولحاج – بالبويرة، السنة الجامعية 2014-2015، ص1 إلى ص11.
google-playkhamsatmostaqltradent