جريمة التجسس الإلكتروني نمط جديد من التهديدات السيبرانيّة الماسّة بأمن دول المنطقة – دراسة سياسيّة قانونيّة – بقلم د. بن بادة عبد الحليم د. بوحادة محمد سعد
الملتقى الدولي الأول الموسوم بـ: أمن المعلومات في الفضاء الإلكتروني:
الرهانات والتحديات في شمال إفريقيا، المنعقد يومي: 17 و 18 فيفري 2020، كلية
الحقوق والعلوم السياسية، – جامعة غرداية –
الموسم الجامعي: 2019- 2020
(جريمة التجسس الإلكتروني نمط جديد من التهديدات السيبرانيّة الماسّة بأمن
دول المنطقة)
– دراسة سياسيّة قانونيّة –
من إعداد:
- د. بن بادة عبد الحليم
- د. بوحادة محمد سعد
مـلخـص
تُعتبر الثورة
التي يشهدها العالم المعاصر في مجال التقنيّة والاتصالات من الفوائد العظيمة التي
استفادت منها البشرية جمعاء في مُختلف النواحي التي تمس حياة الإنسان مُباشرة،
إلاّ أنّ تلك الثورة التقنيّة قد تسبّبت في نفس الوقت في ظهور أنماط جديدة من
الجرائم بالغة الخطورة، خاصّة مع ربط مُختلف أجهزة الحاسب وأنظمة المعلومات
بالشبكة العالميّة للانترنت.
ذلك النوع
الجديد من الجرائم تميّز بتعدّد صُوره وأشكاله وبسرعة التنفيذ وحداثة الأسلوب
والقدرة على طمس معالم وآثار الجريمة بكل سهولة، فلا مسرح ارتكابها هو نفسه
المعروف في الجرائم التقليديّة ولا حتى مُرتكبيها يحملون نفس مُواصفات مُرتكبي
الجرائم التقليديّة، حيث أنّ المجرم السيبراني يُعتبر من نوع خاص يمتلك ثقافة
واسعة وتكوين راقي ومُمتاز، الأمر الذي جعل المختصين بدراسة هذا النوع الجديد من
الجرائم يُطلقون على مُرتكبيها لفظ "جريمة الياقات البيضاء".
جريمة التجسس هي الأخرى قد تأثّرت بصفة كبيرة
بتلك التحوّلات التي يمر بها العالم في المجال الإلكتروني، حيث يُعتبر التجسس من
أبرز مظاهر التهديدات السيبرانية الحديثة باعتبار مُرتكبي الإجرام الإلكتروني
يستعينون ببرامج إلكترونيّة ومواقع وهميّة مُفخّخة من أجل التجسس على ضحاياهم في
المجال السيبراني والحصول على مُختلف المعلومات التي تُساعدهم في ارتكاب جرائهم.
التجسس
الالكتروني انتقل كذلك من كونه مُجرّد جريمة عاديّة مُرتكبة من طرف أشخاص عاديين؛
إلى أداة ووسيلة مُستخدمة من طرف الدّول ضد بعضها البعض من أجل اقتحام البرامج
الأمنيّة والشبكات الإلكترونيّة للدّولة المنافسة أو العدوّة إن صحّ التعبير، وما
الحادثة المثارة في العالم اليوم والمتمثّلة في عمليّات التجسس الروسي على خيارات
الناخبين الأمريكيين والتأثير عليها في انتخابات الرئاسة الأمريكيّة لسنة 2016،
خير دليل على خُطورة هذا النوع الجديد من التهديدات السيبرانيّة المهدّدة للأمن
والاستقرار الدّولي.
الكلمات
المفتاحية: التجسس الإلكتروني، الجريمة السيبرانيّة، الأمن
المعلوماتي، الانترنت، البرامج الإلكترونيّة.
Abstract:
The revolution in communication
and technicalityexperienced in our modern ageis one of the greatadvantages in
the service of humanity in various aspects of human life. However,
thistechnologicalrevolutionhas givenrise to new
styles of extremelyserious crimes. In particular, with the connection and network establishedwith the
Internet.
The new type of crime ischaracterized by its multiple form and speed of
implementation and a modernity of method and an ability to blur the borrowings
and effects of the crime; the crime is the same in traditional crimes, even the
perpetrators do not have the samecharacteristics as the perpetrators of
traditional crimes, cybercrimebeing a particular type. An extensive culture and
asophisticated and excellent configuration, which have ledspecialists in the
study of this new type of crime to call the perpetrators of the term
"white collar".
The crime of espionage has also been greatlyaffected by these global
changes in the field of e-mail, whereespionageis one of the most important
manifestations of modern cyber threats, as perpetrators of cyber crime use
electronic programs and faketrap sites to spy on theirvictims and obtainvarious
information thathelpsthem to commit their injuries.
Electronicespionage, once a simple crime committed by ordinarycitizens,
has become a tool and meansusedagainsteachother to penetrate the hostile or
hostile state'ssecurity programs and electronic networks. This iswhatis
happening in the world today, The Russian influence on American voters' choices
and the 2016 American presidentialelectionis the best evidence of the dangers
of this new type of cyber-threat to international security and stability.
KeyWords: Electronicespionage - cybercrime -
cyber security - Internet, electronic software.
مقدمة
يُعدّ التجسس
من أقدم الأنشطة الاستخباراتيّة التي مارسها الإنسان، حيث تعج كتب التراث العالمي
بنماذج عدّة وكثيرة عن مُقّدرات فطرية في مجال التجسس شهدتها منذ القدم أروقة
السياسة وبلاطات الأباطرة والأكاسرة ومُنتجعات النبلاء وميادين الحروب التي مازالت
البشريّة تزيدها كل يوم اتساعاً على اتساعها وانتشارها.
فالتجسس من
العمليات القديمة حيث كان الإنسان يتجسس على أعدائه لمعرفة أخبارهم والخطط التي
يُعدّونها لمهاجمته، ولهذا كان للتجسس أهميّته الكبيرة على كافّة مُستويات
النزاعات الإنسانيّة التي مرّ بها البشر منذ بدأ الخليقة، فتطوّرت عمليّات التجسس
طبقاً لما يسود المجتمع من تطوّرات علميّة وتكنولوجيّة.
حيث أنّ
الثورة المعلوماتيّة وانتشار شبكات الاتصالات وتزاوجها مع شبكات المعلوماتيّة
وظهور شبكة الانترنت، جعل من المعلومات المخزّنة على تلك الشبكات هدفاً للمحتالين
ومُحترفي الأعمال التجسسيّة وذلك باستخدام التكنولوجيا المعلوماتيّة، حيث تمكّن
العديد من الجواسيس من اختراق الكثير من أجهزة الحاسب والشبكات المؤمّنة الخاصّة
بالدّول والشركات والأفراد دون أن يُغادروا أماكن تواجدهم ودون أن يتركوا أي أثر
يُذكر.
فقيام الجاني
بالدخول أو الولوج إلى النظام المعلوماتي بقصد الاعتداء على بيانات أو معلومات غير
مُتاحة للجمهور، تمس الأمن الوطني أو العلاقات الخارجيّة للدّولة أو السلامة
العامّة من خلال حذفها أو إتلافها أو تدميرها أو تعديلها أو تغييرها أو نقلها أو
مسحها أو إفشائها يُعد جريمة تنال من أسرار الدّولة، واعتداء على حقّها في سريّة
هذه المعلومات وعدم كشفها.
ونظراً لخطورة
التجسس بصفة عامّة والتجسس الإلكتروني بصفة خاصّة، قامت العديد من التشريعات
المقارنة بسن الأنظمة والقوانين التي من شأنها توفير حماية خاصّة للمعلومات
والمعطيات المتداولة عبر الشبكة العنكبوتيّة وحمايتها من الاختراق أو التلاعب
بمختلف صوره، ومن بين تلك التشريعات نجد التشريع الجزائري الذي تفطّن مُبكراً
لخطورة هذا النوع من الجرائم وقام بسن العديد من الأحكام الموضوعيّة والإجرائيّة
وأخيراً المؤسساتية للوقاية من جريمة التجسس وجرائم المعلوماتيّة بصفة عامّة
ومكافحتها، لهذا جاءت هذه المداخلة من أجل توضيح مفهوم جريمة التجسس الإلكتروني
وتسليط الضوء قدر الإمكان على المجابهة التشريعيّة لتلك الجريمة من طرف المشرّع
الجزائري كنموذج، وحتى يتسنى لنا ذلك قمنا بإثارة التساؤل التالي: فيما يتمثّل
مفهوم جريمة التجسس الإلكتروني؟، وما هي السياسة الجنائيّة المتّبعة من طرف
المشرّع الجزائري للتصدّي لها؟.
للإجابة على
هذه الإشكالية فضلنا إتباع الخطّة التالية:
المحور
الأوّل: مفهوم التجسس الإلكتروني
أولاً: تعريف
التجسس
ثانياً:
مجالات التجسس
ثالثاً: صور
التجسس الإلكتروني من حيث الوسيلة
المحور
الثاني: التصدّي القانوني لجريمة التجسس الإلكتروني باعتبارها جريمة معلوماتيّة
(التشريع الجزائري نموذجاً)
أوّلاً:
المكافحة الموضوعيّة
ثانياً:
المكافحة الإجرائيّة
ثالثاً:
المكافحة المؤسساتيّة
المحور الأوّل: مفهوم التجسس الإلكتروني
يعدّ التجسس
الهاجس الأكبر للدّول لاسيما بعد الانتشار السريع والواسع للشبكة العنكبوتيّة التي
أخذت مكانها المتقدّم في استخدامات الدّول والأفراد على حد سواء، حيث يقتضي بيان
مفهوم التجسس الإلكتروني معرفة المفهوم العام للتجسس ثمّ توضيح المقصود بالتجسس
الإلكتروني بالإضافة إلى مجالاته وصوره.
أولاً: تعريف التجسس
مُصطلح التجسس
ليس بالمصطلح الجديد بل هو قديم قدم البشرية وموجود من الأزل، إلاّ أنّ الطارئ على
ذلك المصطلح هو تغيير آليّات وأساليب ارتكابه، الأمر الذي جعلنا أمام نوعين من
التجسس؛ تقليدي وحديث، يتّفقان في الغرض والهدف ويختلفان في الوسائل والآليّات.
01- تعريف
التجسس التقليدي: يطرح تعريف التجسس بعض الصعوبات وخاصّة الإلكتروني منه
نظراً لجدّة المصطلح التي تُضاف إلى عدم وجود إجماع أصلاً حول تعريف التجسس
التقليدي، حيث لاحظنا من خلال البحث أنّ مُعظم التشريعات قد تفادت وضع تعريف جامع
ومانع للتجسس لتترك مُهمّة تعريفه للفقه.
حيث عُرّف
التجسس بأنّه نمط من أنماط السلوك الإنساني رافق نُشوء المجتمعات مُنذ القدم وتطوّر
بتطوّرها حتى غدا له في عصرنا الحاضر شأن كبير وأهميّة بالغة، وهو قديم قدم
البشريّة، فقد عرّفه الفراعنة وكذلك الصينيّون الذي يقول حكيمهم صن تزو (Sun Tzu): إنّ ما يُمكّن الملك الحكيم
والقائد الصالح من إنزال الضربة والانتصار وبلوغ ما يتجاوز حدود الرجل العادي هو
المعلومات السابقة.
كما يعرّفه
الفقيه جارو (Garou) بأنّه السعي الذي يقوم به الأجنبي لجمع الوثائق والمعلومات
السريّة حول الموارد العسكريّة وتنظيمات الدّولة الهجوميّة أو الدفاعيّة ووضعها
السياسي أو الاقتصادي بقصد تسليم هذه الوثائق والمعلومات إلى حكومة أجنبيّة
مجّاناً أو مُقابل منفعة ماليّة.
كما يُعرّف
التجسس بأنّه كل نشاط يقوم به أجنبي ويخدم مشاريع أو مصالح أمّة أجنبيّة، ويُعرّف
كذلك بأنّه فعل يقوم به أجنبي بقصد خدمة مصالح أو مشاريع بلاده أو دولة أجنبيّة
أخرى وذلك إضراراً بالدّولة المتجسّس عليها.
02- تعريف
التجسس الحديث ( الإلكتروني ): لا يختلف التجسس
الإلكتروني عن التجسس التقليدي إلاّ في الأداة المستخدمة وهي تكنولوجيا المعلومات
التي وفّرت للجاسوس الإلكتروني الحريّة والسهولة في التجسس بعيداً عن أعين الرقيب،
هذا وقد تباينت تعريفات الفقهاء للتجسّس الإلكتروني بين من جعله عاماً يشمل
الأفراد والجماعات والدّول وبين من حصره في نطاق الدّولة وأسرارها فقط دون الأفراد
والجامعات، ولذلك عرّفه بعض من الفقه بأنّه: "الإطلاع على معلومات خاصّة
بالغير محفوظة على جهاز إلكتروني وليس مسموحاً لغير المخوّلين بالإطلاع
عليها".
أمّا الفريق
الأخر من الفقه فيرى بأنّه استخدام وسائل تقنيّة المعلومات الحديثة للدخول بشكل
غير مسموح وغير قانوني إلى أنظمة المعلومات الإلكترونيّة الخاصّة بالدّول
والحكومات والتنصّت عليها بقصد الحصول على ما لديها من معلومات مُهمّة تتعلّق
بنظامها وأسرارها، حيث تشمل عمليّة التجسس جميع المعلومات العسكريّة والأمنيّة
والسياسيّة والاقتصاديّة والعلميّة والاجتماعية.
كما عُرّف
التجسس الإلكتروني بأنّه قيام أحد الأشخاص غير المصرّح لهم بالدخول إلى نظام
التشغيل في مُختلف أجهزة الاتصالات بطريقة غير مشروعة ولأغراض غير سويّة، حيث
يُتاح للشخص المتجسّس أن ينقل أو يمسح أو يُضيف ملفّات أو برامج، كما أنّه بإمكانه
أن يتحكّم في نظام التشغيل فيقوم بإصدار أوامر مثل إعطاء أمر بالطباعة أو التصوير
أو التخزين، على أن ينبني هذا الأمر على أساس مُنظّم أو فردي بالتجسس على الأشخاص
أو الدّول أو المنظّمات أو الهيئات أو المؤسّسات الدّوليّة أو الوطنيّة وهذا
باستخدام الموارد المعلوماتيّة والأنظمة الإلكترونيّة التي جلبتها حضارة التقنيّة
في عصر المعلومات.
ثانياً: مجالات التجسس
أصبح التجسس
في العصر الحالي شاملاً لمختلف المجالات، فلم يعد يقتصر على النواحي العسكريّة
والحربيّة وإن كان هذا النوع من التجسس يُمثّل أهم الأنواع وأخطرها، إلاّ أنّ
المعلومات المطلوبة الآن تختلف عنها في الماضي، فلم تعد أعداد الجيوش وتجهيزاتها
التقليديّة من الأمور السريّة بل إنّنا نجد أنّ مثل هذه الأمور تتداولها صفحات
الصحف والبرامج التلفزيونيّة والمواقع الإلكترونيّة عندما تحدث أزمة في منطقة
مُعيّنة حيث تهرع تلك الوسائل الإعلاميّة إلى رسم الخرائط العسكريّة واستضافة
المحللين المختصين وتقديم مختلف الإحصائيات التي تمثّل حجم القوات والأسلحة في
الدّول المتحاربة أو المجاورة لمناطق الصراع.
1- التجسس
العسكري: نجد أنّ أشهر أنواع التجسس هو التجسس العسكري وهو يهدف
لمعرفة أسرار الدّول الأخرى المتعلّقة بالجيوش والخطط الحربيّة والأسلحة والمواقع
والعدّة العسكريّة والمشروعات النوويّة وصناعة الأسلحة، كل هذه المعلومات الحسّاسة
والسريّة هي كذلك في أيّ دولة ورغم سريّتها وحساسيتها فإنّها في ظل الثورة
المعلوماتيّة يتمّ تخزينها في ذاكرة الحاسوب ومُعالجتها آلياً أو وضعها على قرص
مغناطيسي سهل الحمل، فالمؤسسات العسكريّة من أهم مُؤسسات الدّولة وأكثرها
استخداماً للمعلوماتيّة، وبالتالي فهي كانت ولا تزال منشأً مُهماً ومجالاً خصباً
لمحاولات التجسس والاختراق.
حيث نجد أنّ
مثل هذا النوع من التجسس تعتمد عليه الدّول الكبرى مثل الولايات المتحدة
الأمريكيّة التي قامت في سنة 1999 بعمليّة اعتراض لمدّة ثلاثة أعوام؛ المراسلات
والاتصالات السلكيّة واللاسلكيّة المشفّرة لنخبة من الضباط المختارين لحراسة
الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، حيث أنّه وحسب ما نقلته جريدة الواشنطن بوست عن
بعثة أونسكوم (UNSCOM)، أنّ لجنة تفتيش الأسلحة
المحظورة في العراق كانت مُزوّدة بأجهزة تفحّص لاسلكيّة جد حسّاسة ومُتطوّرة تعمل
بجميع الموجات، وأجهزة تسجيل رقميّة مُخصّصة لالتقاط الاتصالات المشفّرة وأجهزة
المسح اللاسلكي مُستوردة من جهاز الموساد الإسرائيلي بناء على طلب من مُفتش لجنة
أونسكوم السابق " ويليام سكوت ريتر (William Scott Ritter)" وكانت كل الأحاديث
المسجّلة تُرسل إمّا إلى وكالة الأمن القومي ( NSA ) في مدينة فورت ميد (Fort Meade) بولاية ميرلاند (Maryland) الأمريكيّة، أو إلى بريطانيا
وأحياناً إلى إسرائيل.
كما اعتمد جيش
الاحتلال الإسرائيلي خلال السنوات الماضية بشكل كبير على الأقمار الصناعيّة
للتجسّس على الدّول العربيّة، حيث ارتفعت
نسبة الاعتماد تلك من 150 % إلى 200 % بهدف مُراقبة ما يجري في المنطقة العربيّة،
ويُؤكّد ضابط إسرائيلي من شعبة التنصّت التابعة للمخابرات الحربية في دولة الاحتلال
"أنّ الاعتماد على الأقمار الصناعيّة في الحصول على المعلومات وعمليات
الرصد لن يتوقّف بل سيزداد خلال السنوات القادمة، نظراً لما تتعرّض له المنطقة من
أحداث"، وكشفت صحيفة "إسرائيل اليوم" أنّ دولة الاحتلال
تسيطر على فضاء جميع الدّول العربيّة بواسطة 06 أقمار صناعيّة مُهمّتها تصوير كل
صغيرة وكبيرة تحدث في الدّول العربية وغير العربية، وتُعرف الوحدة المسؤولة عن
إدارة الأقمار الصناعيّة ذات أغراض التجسس في جيش الاحتلال بمجموعة أقمار
"عاموس" حيث يقوم كل واحد من الأقمار الستة بتغطية الكرة الأرضية
بأكملها كل 90 دقيقة.
2- التجسس
الإلكتروني السياسي والدبلوماسي: موضوع هذا النوع من
التجسس هو الحصول على الأسرار السياسية والدبلوماسيّة ويُقصد بها مُخطّطات ونوايا
السلطات الحاكمة في دولة ما بشأن الأساليب الواجب إتباعها في الداخل أو الخارج أو
تلك التي تنوي السير عليها لتحقيق أهداف مُعيّنة ترتبط بالدفاع عن البلاد والوطن
ولو عن طريق غير مباشر، أو هو جمع أي معلومة سياسيّة داخل الدّولة أو خطط
دبلوماسيّة تنوي تنفيذها.
كما يتضمّن
هذا النوع من التجسس المعلومات المتضمّنة الاهتمام بمدى القوى السياسية في الدّولة
واتجاه زعماء الدّولة وتوجّهاتهم السياسية، وتقدير عوامل القوى المعنويّة المؤثّرة
في تكوين الرأي العام في الدّولة، وكذلك المعلومات المتعلّقة بتقدير قوّة الطوائف
الدينيّة والقوميات، وأهم القضايا التي يمكن أن تثير الخلافات المذهبية أو العرقية
أو الطائفيّة، أمّا الأسرار الدبلوماسيّة فتتضمّن تعليمات وزارة الخارجيّة للسفراء
والقناصل بالخارج والرسائل الدبلوماسيّة.
ومن أمثلة ذلك
ما كشف عنه فابريزيو كالفي (Fabrizio Calvi) وزميله تييري بفستر (Thierry
Pfister) في كتابهما
المسمى عين واشنطن (L'œil de
Washington) النقاب عن ضلوع جهاز
المخابرات الأمريكية (CIA) والموساد الإسرائيلي في اختراق أغلب أجهزة الكمبيوتر في العالم
والتجسس على المعلومات المسجّلة فيها، عن طريق وضع كمائن للنظم المعلوماتيّة تقوم
بنقل نُسخة من البيانات المخزّنة على تلك الأجهزة عن طريق برنامج معلوماتي يتمّ
بيعه من قبل أمريكا لخصوم إسرائيل وأعدائها وتقوم إسرائيل كذلك ببيعه لخصوم أمريكا
وأعدائها، كما أشار الكتاب إلى وجود ما يسمى بمركز المعلومات الكوني يتمّ فيه وضع
كل المعلومات التي يتوصّل إلى تجميعها عبر البرنامج المشار إليه، كما تمّ الكشف عن
وجود شبكة دوليّة ضخمة تعرف بـ إيكيلون (ECHELON) تعمل تحت إشراف ( CIA ) الأمريكية بالتعاون مع بعض
أجهزة الاستخبارات في كل من بريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا تقوم برصد
المكالمات الهاتفيّة والرسائل بكافّة أنواعها ( البرقية والالكترونية أو عبر
الفاكس أو التلكس )، ومن تم تقوم بفرزها وتحليلها لأخذ أهم المعلومات منها.
كما قامت
وحدات التجسس المركزيّة التابعة للاستخبارات الإسرائيلية والمعروفة باسم وحدة 8200
في اعتراض مُكالمة هاتفية جرت بين الزعيم الراحل جمال عبد الناصر والملك الأردني
الراحل الحسين وذلك في أول أيّام عدوان 1967، كما اعترضت نفس تلك الوحدة مُكالمة
هاتفيّة جرت بين الرئيس الراحل الشهيد ياسر عرفات ومُسلّحين تابعين لمنظّمة جبهة
التحرير الفلسطينية ( أبو العباس ) الذين قاموا سنة 1985 باختطاف سفينة الركاب
الإيطالية أثناء إبحارها في مياه البحر الأبيض المتوسط، ولكم أن تتصوروا حجم العمليّات والتقنيات التي
تقوم بها الوحدة وتستعملها الآن في هذا العصر الذي يشهد ثورة رقميّة وتكنولوجيّة
بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
3- التجسس
الاقتصادي والصناعي: لم تعد الحروب تقتصر على النواحي العسكريّة
بل تخطّتها إلى الشؤون الاقتصاديّة، ويهدف التجسس الاقتصادي إلى الوقوف على
المقدّرات الاقتصاديّة للدول الأخرى العدوّة والصديقة لمعرفة مواردها وثرواتها
ووضعها المالي والنقدي ومُستوى تجارتها وصناعتها وزراعتها وطرق استثمارها وتحويلها
ومخطّطاتها الاقتصاديّة المستقبليّة وخرائط تواجد ثرواتها الطبيعيّة.
ونظراً
لأهميّة المعلومات الاقتصاديّة والصناعيّة في تحقيق الأمن الاقتصادي للدّولة والذي
له تأثير جلي على باقي مُستويات الأمن الأخرى للدّولة، حيث نُلاحظ بروز العديد من
المصطلحات التي يتمّ استخدامها للتعبير عن ذلك مثل تعبير الاستخبار الصناعي أو
الاقتصادي والذي يُعرّف بأنّه مجموعة التصرّفات والأنشطة المنظّمة للبحث والمعالجة
والتوزيع وكذا لحماية المعلومات المفيدة للفاعلين الاقتصاديين والمتحصّل عليها
بطريقة مشروعة عكس التجسس الاقتصادي والصناعي، فالاستخبار الاقتصادي يُغطّي ما
يُعبّر عنه عادة بفكرة اليقظة التكنولوجيّة أو المراقبة التنافسيّة ومن جهة أخرى
نجد بأنّ التجسس الاقتصادي يُعبّر عن تصرّف تقوم به حُكومة أجنبيّة باستخدام
وبتسهيل وسائل غير مشروعة مُستترة واحتياليّة لأجل جمع معلومات أو استخبارات
اقتصاديّة، ومع توسّع التجارة
الالكترونيّة تحوّلت العديد من مصادر المعلومات إلى أهداف للتجسس التجاري، ففي
تقرير صادر عن وزارة الصناعة والتجارة البريطانية أشار إلى زيادة نسبة التجسس على
الشركات من 36 % عام 1994 إلى 54 % عام 1999.
ثالثاً: صور التجسس الإلكتروني من حيث الوسيلة
ما يمنح
التجسس وصفه الإلكتروني هو ارتكابه بواسطة التقنيات التكنولوجيّة الحديثة، وفيما
يلي شرح لبعض تلك الوسائل والتقنيات:
1- التجسس
الإلكتروني بواسطة الهاتف: إنّ أنشطة الاختراق امتدت بشكل كبير إلى
نُظم الهاتف والاتصالات وأصبح ذات النشاط لا يستهدف أنظمة الكمبيوتر فقط، بل
تزايدت أنشطة الاختراق لخطوط الهاتف بالإضافة إلى استعمال الهاتف كوسيلة فعّالة للتجسس
بالنظر إلى تعدّد التقنيات والبرمجيات الحديثة والخصائص التي تمتاز بها الهواتف
الحالية.
فمثلاً في
العراق أثناء الحرب تمّ تعطيل قنوات البث وتعطيل أجهزة الاتصال العسكريّة ولجأ
العراقيون إلى استخدام نظام جي إس أم (GSM) والثريا (Thuraya)
في عمليّات الاتصال لأنّ تلك الأنظمة كما قيل ذلك الوقت صعبة للتجسس، وفي
تقرير صحفي يقول بالتحديد أنّه تمّ اختراق أجهزة الاتصال العراقيّة وتعطيلها وتم
تحديد أماكنها، وبسبب هذا الاختراق تمّ قطع الاتصالات كُلياً أو تغييرها بين
القيادة في العراق والجيش وبالتأكيد إذا تمّ التوصّل لفك تشفير الموجات المرسلة
يمكن الاطلاع على ما تحتويه أو تغييرها أو حذفها.
2- التجسس من
خلال البريد الإلكتروني: أصبح البريد الإلكتروني الآن وسيلة لا غنى
عنها في الكثير من مجالات العمل خاصّة في الاتصالات الثنائيّة فقد بدأ يقترب في
شيوعه وانتشاره من الهاتف، ولكن مُستخدمي البريد الإلكتروني لا يأخذون قضيّة الأمن
بالجديّة اللاّزمة بل يكتفون باستخدام كلمة السر في الدخول إلى الحاسب كوسيلة
للتأمين وهي بالقطع ليست وسيلة تأمين مثاليّة، كما أنّ وقتنا هذا أصبحت فيه
إجراءات تأمين البريد الإلكتروني سهلة ومُمكنة وتقنيّاته مُتاحة ومُتوفّرة مثل
تقنيّات التشفير وحائط النار وغيرها.
وكثيراً ما
يحدث التجسس الإلكتروني بواسطة البريد الإلكتروني من خلال القيام بإرسال ملفّات
مُرفقة ضمن رسالة عاديّة والتي تكون في الغالب مجهولة المصدر بالنسبة للضحيّة،
وعند فتح هذه المرفقات يتمّ الدخول على جميع الملفّات الموجودة في جهاز الكمبيوتر
وتتبّع حركة صاحب الحساب ونشاطه.
وتكمن خطورة
التجسس على البريد الإلكتروني في حالة ما إذا كان خاصاً بمسؤول عُهد إليه بحفظ
أسرار مُهمّة في الدّولة أو كان مُتعهداً على برنامج عسكري خطير أو اقتصادي مُهم
أم كان البريد الإلكتروني مرتبطاً بحسابات ومواقع مهمّة وسريّة أو كان البريد
تابعاً لمؤسسة أو جهة حكوميّة مما يسهّل على المهاجم الاستيلاء على المعلومات
المهمّة والحسّاسة خُصوصاً السياسيّة والعسكريّة والاقتصاديّة منها، ولا يمكن
التعويل دائماً على برامج الحماية التي تُنتجها الشركات الأجنبيّة، حيث تظل غير
أمنة ولا يمكن الوثوق بها.
3- التجسس
الإلكتروني من خلال الأقمار الصناعيّة: هذا النوع من
أنواع التجسس الإلكتروني الدّولي تُستخدم فيه أجهزة ناذرة جداً، والتجسس من خلال
الأقمار الصناعيّة لا يُمكن أن يقوم به فرد أو مُنظّمة وإنّما يقتصر على الدّول
المتقدّمة التي تُسيطر على كل البيانات في العالم وتمتلك أقماراً صناعيّة.
فالأقمار
الصناعيّة تُعتبر من أخطر الوسائل الخاصّة بالتجسس على الإطلاق، فإن كان من الممكن
وضع آليّات وقائيّة للتجسس عبر الانترنت أو الهاتف، فإنّه من الصعب على الأقل
حالياً تفادي التجسس بواسطة الأقمار الصناعيّة بالنظر لعديد الاعتبارات أهمّها أنّ
هذه التقنية مُحتكرة من طرف بعض الدّول المتطوّرة فقط، بالإضافة إلى صُعوبة تفادي
الانكشاف لهذه الأقمار التي تستفيد من حُريّة الملاحة الفضائيّة، حيث أنّ الفضاء الخارجي
لا يخضع لسيادة دولة مُعيّنة لذا لا يمكن التحجج بفكرة السيادة لإبطال عمل تلك
الأقمار.
4- التجسس
بواسطة الانترنت والكمبيوتر: يُعتبر أبسط أنواع التجسس الإلكتروني، وهو
معروف ومُنتشر بين الأفراد ومُستخدمي الكمبيوتر الشخصي بشكل عام، هذا النوع من
التجسس يَستخدم فيه "الهكرز" أو من يريد التجسس؛ برامج خارجيّة مبنيّة
على أساس العميل والخادم أو ما يعرف بـ CLIENT و SERVER، ويُشترط في هذه العمليّة أن يكون برنامج الخادم يعمل في النظام
الهدف، ليقوم بعد ذلك الهكرز بالاتصال من خلال برنامج العميل لتبدأ عمليّة التجسس وهذا
النوع من برامج التجسس يعمل على الكمبيوتر الشخصي.
أمّا التجسس
على الكمبيوتر فهذه الطريقة أقرب إلى الطريقة التقليديّة للتجسس وهي تقوم على دس
وحدات ناقلة للبيانات داخل جهاز الكمبيوتر عند توصيله بكابل شحن خارجي وذلك لنقل
البيانات الموجودة في جهاز الكمبيوتر المستهدف، وهذه الطريقة عادة ما تُستخدم في
الأماكن العامّة لبعض الدول (المطارات ومحطّات النقل، القطارات، مباني بعض
المؤسسات)، وبعض المطاعم والمحلات التابعة لبعض مافيا المعلومات، حيث يقوم الشخص
مثلاً بوصل جهازه (كمبيوتر أو هاتف) بنقطة شحن كهربائي موجودة في تلك الأماكن،
فيتم دس وحدات ناقلة للملفات داخل جهازه تقوم بنقل كافّة البيانات الموجودة فيه
ليسهل بعدها تتبّع حركته ونشاطه.
المحور الثاني: التصدّي القانوني لجريمة التجسس الإلكتروني باعتبارها جريمة معلوماتيّة (التشريع الجزائري نموذجاً)
لقد قامت أغلب
الدول في العالم بسن القوانين والأنظمة الكفيلة بمكافحة جريمة التجسس الإلكتروني
والوقاية منها، حيث اختلفت تلك الدول بين من أحاطتها بنصوص خاصّة بها، وبين من
اعتبرتها نوعاً من الجرائم الماسّة بأنظمة المعالجة الآليّة للمعطيات، ومن الدول
التي اعتبرتها كذلك نجد الجزائر التي كيّفت جريمة التجسس باعتبارها جريمة
معلوماتيّة، لهذا سوف نركّز في دراستنا هذه من خلال هذا المحور على السياسة
الجنائيّة التي اعتمدها المشرّع الجزائري في التعاطي مع جريمة التجسس الإلكتروني
باعتبارها جريمة ماسّة بأنظمة المعالجة الآليّة للمعطيات، حيث سنتطرّق للمكافحة
الموضوعيّة (أوّلاً)، ثمّ المكافحة الإجرائيّة (ثانياً)، انتهاءاً بالمكافحة
المؤسّساتيّة (ثالثاً).
أوّلاً: المكافحة الموضوعيّة
إنّ المتفحّص
لمختلف النصوص التشريعيّة الجزائريّة لا يظهر له إطلاقاً وجود نص تشريعي خاص
بمكافحة وقمع جريمة التجسس الإلكتروني كجريمة مُستقلّة، وإنّما يجد فقط نصوص
المواد من 61 إلى 64 من قانون العقوبات الجزائري الصادر بموجب الأمر رقم 66-156، والتي تتكلم عن جريمة الخيانة والتجسس بصفة
عامّة، بغض النظر عن مُرتكبها أو الوسيلة التي تمّت بها عمليّة الخيانة والتجسّس،
وهو ما يحيلنا إلى البحث عن المواد المنظّمة لجرائم المساس بأنظمة المعالجة
الآليّة للمعطيات المنصوص عليها في قانون العقوبات الجزائري وهي المواد من 394 مكرّر
إلى 394 مكرّر 07، والمضافة بموجب القانون رقم 04-15 والمعدّلة بموجب القانون رقم 06-23، والمادة 394 مكرّر 08 المضافة بموجب القانون
رقم 16-02 والخاصّة بمعاقبة مُقدّمي خدمات
الأنترنت عند مخالفتهم للنصوص التشريعيّة ذات الصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال.
إنّ المواد من
394 مكرّر إلى 394 مكرّر 07 من قانون العقوبات الجزائري، تُعتبر هي الإطار العام
المنظّم للجرائم الماسّة بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات أو ما يسمى بالجريمة
المعلوماتيّة، أي أنّ جريمة التجسس الإلكتروني تدخل هي الأخرى ضمن أحكام تلك
المواد ما دام لا يوجد نص مُستقل ينظّمها.
لهذا سوف
نتناول من خلال هذا المطلب دراسة مختلف الجرائم الماسّة بأنظمة المعالجة الآليّة
للمعطيات المنصوص عليها في قانون العقوبات الجزائري، وذلك حتى يتسنى لنا معرفة
العناصر الماديّة المكوّنة لجريمة التجسس الإلكتروني.
1- جريمة الدخول
والبقاء عن طريق الغش في نظام للمعالجة الآليّة للمعطيات: لقد تمّ النص
على هذه الجريمة بموجب المادة الثانية من اتفاقية بودابست حول الجريمة
المعلوماتيّة، تحت عنوان "الدخول
غير القانوني" حيث دعت الدول الأطراف إلى تبني الإجراءات الضروريّة أو أي
إجراءات أخرى ترى بأنّها ضرورية لاعتبار الولوج العمدي لكل أو جزء من الحاسب الآلي
جريمة جنائيّة، هذا الفعل قد جرّمته كذلك جامعة الدول العربيّة من خلال قانونها
النموذجي لمكافحة جرائم تقنية أنظمة المعلومات وما في حكمها لسنة 2004، وذلك من خلال المادة الثالثة منه التي جاء فيها:
" كل من دخل عمداً وبغير وجه حق موقعاً أو نظاماً معلوماتياً يُعاقب
بالحبس ..."، كذلك تمّ تجريم فعل الدخول بموجب المادة رقم 06 من
الاتفاقيّة العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات المنعقدة في سنة 2010.
استشعاراً من
طرف المشرّع الجزائري بخطورة الجرائم الماسّة بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات
وبالأخص منها جريمة التجسس الإلكتروني وما تشكّله من تهديد للدفاع الوطني وأمن
الدّولة؛ قام في سنة 2004 بتعديل وتتميم قانون العقوبات الجزائري بموجب القانون
رقم 04-15 هذا القانون قام بموجبه المشرّع بإضافة القسم السابع مكرّر تحت عنوان "المساس
بأنظمة المعالجة الآليّة للمعطيات"، والذي تضمّن من بين مواده؛ المادة
رقم 394 مكرّر التي تضمّنت تجريم فعل الدخول أو البقاء عن طريق الغش في كل أو جزء
من منظومة للمعالجة الآلية للمعطيات، حيث نصّت تلك المادّة بالتحديد على ما يلي: "يُعاقب
بالحبس من ثلاثة (03) أشهر إلى سنة (01) وبغرامة من 50.000 دج إلى 200.000 دج كل
من يدخل أو يبقى عن طريق الغش في كل أو جزء من منظومة للمعالجة الآلية للمعطيات أو
يحاول ذلك.
تُضاعف
العقوبة إذا ترتّب على ذلك حذف أو تغيير لمعطيات المنظومة.
وإذا ترتّب
على الأفعال المذكورة أعلاه تخريب نظام اشتغال المنظومة تكون العقوبة الحبس من ستة
(06) أشهر إلى سنتين (02) والغرامة من 50.000 دج إلى 300.000 دج".
يُعتبر
فِعْليْ الدخول والبقاء هما الممهدان لعمليّة التجسس الإلكتروني، حيث أنّ
مُرتكبهما يقوم بعمليّة الدخول إلى النظام والوصول إلى البيانات والبرامج المخزونة
فيه أو اعتراض عمل الحاسب الآلي أثناء قيامه بإحدى العمليّات، كما يقع فعل الدخول
بمجرّد استعمال الكمبيوتر ونظامه، فعمليّة الدخول بدون إذن أو غير المصرّح بها إلى
نظام الحاسب الآلي، حيث يعني ذلك قيام الفاعل باختراق النظام، وهو الأمر الذي
يتطلّب منه معرفة مُعتبر بتقنية الكمبيوتر وإتقانها.
كما أنّ هذه
الجريمة تنقسم إلى قسمين؛ الدخول والبقاء، فكلّ فعل يُعتبر في التفسير والمعنى
مُستقل عن الآخر، حيث أنّ الدخول يُقصد به كافة الأفعال التي تسمح بالولوج إلى
نظام معلوماتي، ويتحقّق بالوصول إلى المعلومات والبيانات المخزونة داخل نظام
مُعيّن دون رضا المسؤول عنه من شخص غير مُرخص له باستخدامه.
لذلك يُعدّ
فعل الدخول غير المصرّح به أو المخوّل به؛ من الأنشطة الجرميّة الأكثر انتشاراً
بين جرائم الكمبيوتر أو المعطيات، حيث يقوم التوصّل غير المصرّح به بالأساس على
الدخول إلى نظام الحاسوب أو شبكة المعلومات، ويكون ذلك عادة من خلال استخدام وسيلة
اتصال عن بعد كالمودم (Modem)، ومن خلال التواصل عبر نقاط الاتصال والموجات الموجودة على
الشبكة إلى نظام كمبيوتر مُعيّن بغرض الوصول إلى البيانات أو البرامج المخزّنة في
النظام، ويتطلّب هذا النشاط غالباً تجاوز أو كسر إجراءات الحماية التقنيّة للنظام،
كتجاوز كلمة السر وإجراءات التعريف والجدران الناريّة وغيرها، أو التوصّل لنقطة
ضعف في حماية البرامج والنفاذ منها.
والدخول إلى
المعلومات التي يحتويها جهاز الحاسب الآلي يُقصد بها، كل ما يحتويه الجهاز من
بيانات كالسجلاّت الطبيّة والبيانات الخاصّة بالعملاء في البنوك والبيانات
الشخصيّة للمواطنين في السجلاّت المدنيّة والأسرار العسكريّة في الدّولة وبرامج
الحاسب الآلي بصفة عامّة.
أمّا البقاء
غير الشرعي في نظام المعالجة الآلية للمعطيات، فيقصد به التواجد في النظام ضد
إرادة من له الحق في السماح بالبقاء، وقد يقترن البقاء بالدخول غير الشرعي منذ
البداية، كما يتحقّق البقاء مع دخول شرعي مُصرّح به في حالة ما إذا استمر البقاء
لغير المدّة المحدّدة وهو ما يُعرف بتجاوز التصريح بالبقاء، ومنه يتّضح أنّ كل من
فعل الدخول والبقاء غير مُرتبطين بالضرورة، فمن الممكن أن يكون هناك دخول بصفة غير
شرعيّة ولكن لا يكون هناك بقاء، ومن الممكن أن يكون هناك دخول شرعي وينتج عنه بقاء
غير شرعي.
لهذا نحن
نلاحظ من مضمون المادّة 394 مكرّر من قانون العقوبات الجزائري أنّها قد فرّقت بين
فعل الدخول والبقاء عن طريق الغش في كل أو جزء من منظومة للمعالجة الآلية للمعطيات
باستعمالها كلمة "أو"، في نص المادّة كما يلي: "كل من
يدخل أو يبقى".
كما أنّ هذه
الجريمة تتحقّق بغض النظر عن تحقّق نتيجة مُعيّنة كالوصول للمعطيات أو التلاعب بها
أو حذفها أو تعديلها أو تخريب المنظومة، فبمجرد ارتكاب السلوك الإجرامي تقع
الجريمة فهي من الجرائم الشكليّة.
2- جريمة
التلاعب العمدي بالمعطيات: هذا الفعل يُعتبر صنفاً أخر من الجرائم
المعلوماتيّة الماسّة بأنظمة المعالجة الآليّة للمعطيات، حيث نصّت عليه المادة رقم
394 مكرّر 01 من قانون العقوبات الجزائري والتي جاء فيها: "يُعاقب بالحبس
من ستة (06) أشهر إلى ثلاث (03) سنوات وبغرامة من 500.000 دج إلى 4.000.000 دج، كل
من أدخل بطريق الغش مُعطيات في نظام المعالجة الآليّة أو أزال أو عدّل بطريق الغش
المعطيات التي يتضمّنها"، إذاً فإنّ التلاعب الذي كان يقصده المشرّع
الجزائري حسب منطوق المادة 394 مكرر 01 هو:
·
إدخال مُعطيات
في نظام المعالجة الآليّة للمعطيات عن طريق الغش.
·
إزالة
المعطيات عن طريق الغش.
·
تعديل
المعطيات عن طريق الغش.
كما تجدر
الإشارة إلى أنّه لا يشترط اجتماع كل تلك الصور، بل يكفي وقوع واحدة منها أو أكثر
حتى يتوفّر الركن المادي للجريمة.
كما أنّ الفقه
قد وضع معياراً للتفرقة بين الاعتداء على المعطيات والاعتداء على النظام، وذلك في
حالة ما إذا كان الاعتداء وسيلة أو غاية، فإذا كان الاعتداء الذي وقع على المعطيات
مجرّد وسيلة فإنّ الفعل يُشكّل جريمة الاعتداء العمدي على النظام، أمّا إذا كان
الاعتداء غاية فإنّ الفعل يُشكّل جريمة الاعتداء العمدي على المعطيات.
ويُقصد بفعل
إدخال مُعطيات في نظام المعالجة الآليّة للمعطيات بطريق الغش، إضافة مُعطيات جديدة
على الدعامة الأساسيّة للنظام سواء كانت خالية أم تُوجد عليها مُعطيات من
قبل، كما يتحقّق الجرم بإدخال برامج غريبة
للتجسس والقرصنة والتي سوف تُؤدي بدورها إلى إضافة مُعطيات جديدة، كما يستوي أن
يقوم بفعل الإدخال شخص أجنبي لا يحقّ له التواجد واستعمال النظام أو أن يكون من
المصرّح لهم باستعمال النظام، إلاّ أنّه يعمد لإدخال مُعطيات خاطئة تخرج عن الاستعمال
المنوط بمهامه.
أمّا فعل
الإزالة فيقصد به إزالة كل أو جُزء من المعطيات المسجّلة على دعامة والموجودة داخل
النظام أو تحطيم تلك الدعامة أو نقل أو تخزين جُزء من المعطيات إلى المنطقة
الخاصّة بالذاكرة، الفقه القانوني انقسم بشأن فعل الإزالة إلى قسمين بين اتجاه يرى
بأنّ الإزالة تتحقّق في حالة ما إذا تمّ حذف المعلومات نهائياً أو إخفائها، بحيث
لا يمكن الوصول إليها دون أن يتمّ محوها فعلياً دون أن يبقى لها أثر في النظام،
أمّا الاتجاه الثاني فيرى بأنّ إخفاء المعطيات دون محوها لا يشكّل صورة من صور
الإزالة، إلاّ أنّه يمكن القول بأنّ الرأي الأرجح هو الثاني كون أنّ نقل المعلومة
من النظام الذي كانت فيه لمنطقة محجوبة يحقّق صورة الجريمة المتمثّلة في إزالة
المعلومة، وباعتبارها لا تزال موجودة بمنطقة أخرى من عدمه سيان، وذلك لأنّ الجاني
قد حرم صاحب النظام من المعطيات إمّا بإزالتها أو بأخذها أو الاحتفاظ بها في منطقة
أخرى أو بإحدى وسائط التخزين المعروفة.
أمّا فعل
التعديل فيقصد به تغيير حالة المعطيات الموجودة بدون تغيير الطبيعة الممغنطة لها،
أو هو كل تغيير غير مشروع للمعلومات والبرامج يتمّ عن طريق استخدام إحدى وظائف
الحاسب الآلي، وكقاعدة عامّة يتمّ تعديل
المعطيات باستعمال الفيروسات والقنابل المعلوماتيّة التي يصنعها شخص على درجة
عالية من الذكاء وذو قدرة عالية وتحكّم بالتقنيات المعلوماتيّة وهم الملقبون بـ
" المجرمين ذوي الياقات البيضاء "، وذلك باستخدام فيروسات مثل فيروس
دودة الحاسوب الذي يمكن له في مرحلة
مُتقدّمة ليس فقط القيام بتعديل النظام بل بتعطيله كذلك.
3- جريمة
التعامل في مُعطيات غير مشروعة: تُعتبر هذه الجريمة
من أهم الجرائم ضد المعلومات ومن أخطرها، حيث قام المشرّع الجزائري بتجريمها بموجب
المادة رقم 394 مكرّر 02 من قانون العقوبات الجزائري والتي جاء فيها: "يُعاقب
بالحبس من شهرين (02) إلى ثلاث (03) سنوات وبغرامة من 1.000.000 دج إلى 10.000.000
دج، كل من يقوم عمداً وعن طريق الغش بما يأتي:
أ- تصميم أو
بحث أو تجميع أو توفير أو نشر أو الاتجار في مُعطيات مخزنة أو مُعالجة أو مُرسلة عن
طريق منظومة معلوماتيّة يمكن أن تُرتكب بها الجرائم المنصوص عليها في هذا القسم.
ب- حيازة أو
إفشاء أو نشر أو استعمال لأي غرض كان المعطيات المتحصّل عليها من إحدى الجرائم
المنصوص عليها في هذا القسم".
من خلال نص
المادة سالفة الذكر، يظهر لنا حرص المشرّع الجزائري على الحفاظ على ما تبقى من
سريّة للمعلومات المتحصّل عليها بطريقة غير مشروعة بتجريم التعامل بتلك المعلومات،
حيث سعى المشرّع إلى التخفيف من آثار الجرائم المرتكبة على أنظمة المعالجة الآليّة
للمعطيات والتقليل من النتائج المترتّبة عن تلك الجرائم التي سبق ارتكابها،
للتضييق من دائرة الجناة المتعاملين بطريقة غير مشروعة فيها.
لهذا فإنّه
يمكننا تقسيم الركن المادي لهذه الجريمة إلى قسمين، الأوّل يتعلّق بالتعامل في
معلومات صالحة لارتكاب جريمة، والثاني التعامل في معلومات مُتحصّل عليها من جريمة.
أ- التعامل في
معلومات صالحة لارتكاب جريمة: جرّم المشرّع الجزائري مجموعة الأفعال التي
يُؤدّي ارتكابها إلى مُضاعفة جرائم الاعتداء على نُظم المعالجة الآليّة للمعطيات،
ولا يُشترط في تلك الأفعال أن تقع مُجتمعة لتقوم الجريمة بل يكفي أن تقع إحداها
فقط، كما أنّ التعامل المقصود ليس هو المتعارف عليه في القانون المدني بل هو أشمل
وأوسع من ذلك، حيث يُقصد به هنا كل سلوك له علاقة بإعداد وإنتاج المعطيات غير
المشروعة، أو كل سُلوك يكشف عن وجود صلة مُعيّنة بين شخص ومُعطيات غير مشروعة،
وهذه الصلة تتمثّل في القيام بأحد أنواع السلوك التي نصّت عليها المادة 394 مكرّر
02 والمواد المماثلة لها والتي جرّمت نفس السلوك.
المشرّع
الجزائري لم يكتفي فقط بتجريم التعامل في معلومات صالحة لارتكاب جريمة، بل جرّم
أيضا التعامل في معلومات مُتحصّلة من جريمة، وبالتالي فإنّ التعامل في معلومات غير
مشروعة تطبيقاً للقانون الجزائري لها صورتين، فإذا كان يهدف من التجريم الأوّل منع
حدوث الجريمة، فإنّه من التجريم الثاني يحاول أن يقضي على الآثار المترتّبة عن
ارتكاب الجريمة، فهذه الأخيرة قد تُسفر عن الحصول على معلومات مُعيّنة ويكون من
الخطر وُجودها في حوزة غير صاحبها.
المادة 394
مكرّر 02 ورد فيها أفعال على سبيل الحصر والتي تشمل كافّة أنواع التعامل على
المعطيات السابقة، لغاية استعمالها في ارتكاب جريمة والمتمثّلة في (التصميم،
البحث، التجميع، التوفير، النشر، الاتجار).
فالتصميم
يُقصد به خلق أو إيجاد مُعطيات صالحة لارتكاب جريمة، ويتمّ ذلك عادة من طرف مختصين
في مجال المعلوماتيّة وهم في الغالب من فئة المبرمجين، مثل تصميم برنامج تجسس يحمل
فيروساً وهو ما يطلق عليه بالبرامج الخبيثة أو تصميم برامج الاختراق.
أمّا البحث
فيقصد به البحث في كيفيّة تصميم هذه المعطيات وإعدادها وليس مجرّد البحث عن المعطيات.
بالنسبة لعنصر
التجميع فيقصد به جمع عدد من المعلومات التي يمكن أن تُرتكب بها جرائم الدخول أو
البقاء في المنظومة بطريق الغش أو التلاعب في المعطيات، حيث يفترض ذلك أن يحتفظ
الجاني بمجموعة من المعطيات التي تُشكّل خطراً والتي من الممكن استعمالها في ارتكاب
الجرائم.
أمّا التوفير
فيقصد به توفير مُعطيات يمكن أن تُرتكب بها جريمة من خلال وضعها تحت التصرّف
وتقديم المعطيات وإتاحتها لمن يُريدها أي جعلها في مُتناول الغير، ووضعها تحت
تصرّفه.
أمّا النشر
فهو إذاعة المعطيات والتمكين من الإطلاع عليها بأيّ وسيلة من وسائل النشر، وهو من
أخطر الأفعال لأنّه من شأنه نقل المعلومات لأكبر عدد من الأشخاص في وقت واحد
قياسي.
أمّا مصطلح
الاتجار فهو وضع المعطيات في متناول الغير بمقابل سواء كان نقدياً أو عينياً أو في
شكل خدمات.
ب- التعامل في
معطيات مُتحصّلة من جريمة: هي الأفعال التي نصّت عليها الفقرة الثانية
من المادة رقم 394 مكرّر 02 من قانون العقوبات الجزائري، وتشمل أفعال الحيازة
والإفشاء والنشر واستعمال لأي غرض كان المعطيات المتحصّل عليها من أحد الجرائم
الماسّة بأنظمة المعالجة الآليّة للمعطيات.
الحيازة هي
رابطة واقعيّة بين شخص ومال تُتيح للأوّل أن يسيطر على الثاني سيطرة مُستقلّة
مُقترنة بنيّة الاحتباس، وتكون السيطرة على المال مُستقلة إذا كان يمكن للشخص أن
يمارس أي عمل مادي على الشيء دُون رقابة من شخص آخر له على المال سُلطة قانونيّة
أعلى بمقتضى حق من الحقوق، لهذا فإنّ
حيازة أي مُعطيات ناتجة عن أحد الجرائم الماسّة بأنظمة المعالجة الآليّة للمعطيات
تُشكّل جريمة في حد ذاتها، حيث يمارس الحائز حق الانتفاع على تلك المعطيات أو
تعديل كيانها أو تحطيمها أو نقلها فهي سيطرة إراديّة وتامّة على الشيء والتي قد
تكون غير مشروعة.
كما يُقصد
بالإفشاء نقل المعطيات من حيازة الشخص الذي تحصّل عليها بطريقة غير مشروعة إلى
غيره، ومن يقوم بذلك ليس مُؤتمناً على المعطيات، فقد لا يكون قانوناً مُلزماً
بكتمان المعلومات التي قام بإفشائها،إنّما تحصّل عليها أيضاً بطريقة غير مشروعة
ونشرها.
بالنسبة للنشر
قد سبق ذكره في العنصر الأوّل الخاص بالتعامل في مُعطيات صالحة لارتكاب جريمة،
والمادة 394 مكرّر 02 لم تحدّد فيما إذا كان النشر يتمّ بمقابل أم بدون مُقابل،
وبالتالي فهو يتحقّق في كلتا الحالتين، كما لم تذكر المادة وسيلة مُعيّنة يتمّ بها
النشر، وبالتالي فهو يتمّ بكل وسيلة يمكن تصوّرها، سواء كانت وسيلة معلوماتيّة
كالنشر عن طريق شبكة الانترنت أو الأقراص المضغوطة أو كانت تقليديّة كالنشر عن
طريق الكتابة مثلاً.
الاستعمال هو
استخدام واستعمال المعطيات ويشمل الاستعمال كل المعطيات مهما كان الغرض من
الاستعمال ومهما كانت كيفيّته، حيث يقصد به توظيف مُعطيات تمّ التحصّل عليها من
ارتكاب جريمة أخرى بطريقة غير مشروعة كأن تستعمل شركة أو هيئة معلومات خاصّة بشركة
أو دولة تمّ التحصّل عليها بطريقة غير مشروعة وهو من أخطر الجرائم، ولا يهمّ عدد المرّات التي تمّ فيها الاستعمال،
إذ يمكن أن يكون لمرّة واحدة أو عدّة مرّات.
نُشير في
الأخير إلى أنّ المشرّع الجزائري ومن خلال نص المادّة رقم 394 مكرّر 03 من قانون
العقوبات قد نصّ على مُضاعفة العقوبات المنصوص عليها، في حالة ما إذا استهدفت
الجريمة الدفاع الوطني أو الهيئات والمؤسّسات الخاضعة للقانون العام، ودون الإخلال
بعقوبات أشد، ومنه يُستنتج بأنّ جريمة التجسّس الالكتروني سوف تشملها أحكام هذه
المادّة نظراً لكونها تمسّ بالدفاع الوطني ويكون مسرحها نظام المعالجة الآليّة
للمعطيات الخاصّة بالمؤسّسات والهيئات الخاضعة للقانون العام، لهذا فإن العقوبات
تكون مُشدّدة للغاية رغم أنّ المشرّع لم يحدّد مقدارها وترك الأمر خاضعاً للسلطة
التقديريّة للقاضي.
ثانياً: المكافحة الإجرائيّة
نظراً لخطورة
الجرائم الماسّة بأنظمة المعالجة الآليّة للمعطيات بصفة عامّة وخطورة جريمة التجسس
الإلكتروني بصفة خاصّة، فقد أحاطها المشرّع الجزائري بجملة من القواعد الإجرائيّة
الخاصّة التي خرج بها عن القواعد العامّة المعروفة في مجال البحث والتحري
والمتابعة الجزائيّة، حيث خصّ المشرّع هذا النوع من الجرائم بمجوعة وسائل مُستحدثة
للبحث والتحري تتوافق مع خصوصيّتها، بالإضافة إلى قيامه بتوسيع مجال الاختصاص
القضائي لكل من وكيل الجمهورية وقاضي التحقيق والمحاكم المختصّة بالنظر في هذه
الجرائم، وفيما يلي تفصيل كل ذلك:
1- توسيع
الاختصاص القضائي: بعد صدور القانون رقم 04-14 المعدّل
والمتمّم لقانون الإجراءات الجزائيّة
الجزائري رقم 66-155، ومواكبة من طرف
المشرّع الجزائري لنصوص التجريم الموضوعيّة التي جاء بها القانون رقم 04-15
المعدّل والمتمم لقانون العقوبات الجزائري، فقد عمد المشرّع الجزائري إلى توسيع
الاختصاص القضائي لكل من وكيل الجمهورية وقاضي التحقيق بالإضافة إلى إنشاء ما سمي بـ
"الأقطاب الجزائيّة المتخصصة"، كل ذلك إنّما جاء من طرف المشرّع
الجزائري كمسايرة لخطورة بعض الجرائم المحدّدة على سبيل الحصر وهي "جرائم
المخدرات والجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية والجرائم الماسّة بأنظمة المعالجة
الآليّة للمعطيات وجرائم تبييض الأموال والإرهاب والجرائم المتعلّقة بالتشريع
المتعلّق بالصرف"، تلك الجرائم وبالأخص منها الجرائم الماسّة بأنظمة
المعالجة الآليّة للمعطيات؛ هي جرائم عابرة لحدود الدّول فما بالك بحدود الاختصاص
القضائي، لهذا فإنّ أيّ مُكافحة فعّالة وناجعة تقتضي تجاوز الحدود التقليديّة
للاختصاص القضائي.
أ- توسيع
اختصاص وكيل الجمهورية: وسّع المشرّع الجزائري بمقتضى الفقرة
الثانية من المادة رقم 37 من قانون الإجراءات الجزائيّة الاختصاص الإقليمي لوكيل
الجمهورية ليشمل اختصاص محاكم أخرى، حيث جاء في نص المادة 37 الفقرة الثانية من
قانون الإجراءات الجزائيّة ما يلي: "يجوز تمديد الاختصاص المحلي لوكيل
الجمهورية إلى دائرة اختصاص محاكم أخرى عن طريق التنظيم، في جرائم المخدرات
والجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية والجرائم الماسّة بأنظمة المعالجة الآليّة
للمعطيات وجرائم تبييض الأموال والإرهاب والجرائم المتعلّقة بالتشريع المتعلّق
بالصرف"، حيث أحالت تلك الفقرة تطبيق أحكامها على التنظيم، حيث صدر ذلك
التنظيم فعلاً من خلال المرسوم التنفيذي رقم 06-348 المؤرّخ في 05 أكتوبر 2006،
المتضمّن تمديد الاختصاص المحلي لبعض المحاكم ووكلاء الجمهورية وقضاة
التحقيق، حيث تمّ بموجب ذلك المرسوم
التنفيذي تمديد اختصاص وكيل الجمهورية لدائرة اختصاص محاكم مجالس قضائيّة أخرى،
وهي كل من محكمة سيدي أمحمد بالعاصمة ومحكمة قسنطينة ومحكمة ورقلة ومحكمة وهران.
فعندما يُخطر
وكيل الجمهورية لدى المحكمة الكائن بها مكان وقوع الجريمة ويُبلّغ بإجراءات
التحقيق الأوّلي، ويعتبر بأنّ إجراءات التحقيق الابتدائي تتعلّق بجريمة من جرائم
المساس بالمعالجة الآليّة للمعطيات، يُرسل فوراً نُسخة ثانية إلى النائب العام لدى
المجلس القضائي التابعة له المحكمة المختصّة.
وإذا اعتبر
النائب العام لدى المجلس القضائي الذي تقع باختصاصه المحكمة ذات الاختصاص الموسّع
بأنّ الجريمة تتعلّق بجريمة من الجرائم الماسّة بالمعالجة الآليّة للمعطيات ومن
بينها جريمة التجسّس الإلكتروني، يُطالب بالإجراءات ويجوز له المطالبة بها أثناء
جميع مراحل الدعوى.
ب- توسع
اختصاص قاضي التحقيق: نصّت الفقرة الثانية من المادة 40 من قانون
الإجراءات الجزائيّة هي الأخرى كذلك على تمديد اختصاص قاضي التحقيق في بعض الجرائم
المحدّدة حصراً، حيث جاء فيها: "يجوز تمديد الاختصاص المحلي لقاضي التحقيق
إلى دائرة اختصاص محاكم أخرى عن طريق التنظيم، في جرائم المخدرات والجريمة المنظمة
عبر الحدود الوطنية والجرائم الماسّة بأنظمة المعالجة الآليّة للمعطيات وجرائم
تبييض الأموال والإرهاب والجرائم المتعلّقة بالتشريع المتعلّق بالصرف"،
حيث أحالت هي الأخرى على التنظيم الصادر بموجب المرسوم التنفيذي رقم 06-348، إذ
أنّه بمقتضى ذلك التمديد يُصبح قاضي التحقيق التابع لهذه المحكمة ذو اختصاص إقليمي
يتجاوز اختصاصه العادي، فيمكنه التنقّل أو انتداب أي ضابط شُرطة قضائيّة للقيام
بمهام تتعلّق بالتحقيق القضائي في الجرائم الماسّة بالمعالجة الآليّة للمعطيات ومن
بينها جريمة التجسس الإلكتروني.
ج- توسيع
الاختصاص القضائي لبعض المحاكم: تمّ توسيع اختصاص
محاكم تكون وحدها المختصّة نوعياً للنظر في جرائم المخدرات والجريمة المنظّمة عبر
الحدود الوطنية والجرائم الماسّة بأنظمة المعالجة الآليّة للمعطيات وجرائم تبييض
الأموال والإرهاب والجرائم المتعلّقة بالتشريع المتعلّق بالصرف، حيث سمّيت تلك
المحاكم بـ "الأقطاب الجزائيّة المختصّة"، حيث يُعتبر إنشاء
الأقطاب القضائيّة بصفة عامّة سواء منها المدنيّة أو الجزائيّة توجهاً جديداً من
المشرّع الجزائري في المنظومة القضائيّة، وذلك من خلال القانون العضوي رقم 05-11
المؤرّخ في 17 جويلية 2005، المتعلّق بالتنظيم القضائي الجزائري، حيث تمّ إنشاء هذه الأقطاب القضائيّة المتخصّصة
وأُعطىَ لها اختصاص نوعي محدّد في كل من قانون الإجراءات الجزائيّة وقانون
الإجراءات المدنيّة والإداريّة، وتلك
الأقطاب الجزائيّة المتخصصة حسب المرسوم التنفيذي رقم 06-348 هي: محكمة سيدي أمحمد
(الجزائر العاصمة)، محكمة قسنطينة، محكمة ورقلة، محكمة وهران.
لهذا ومن أجل
تنفيذ هذه الإجراءات الجديدة، فإنّه يجب على ضابط الشرطة القضائيّة إخبار وكيل
الجمهوريّة لدى محكمة مكان وقوع الجريمة وإبلاغه بأصل ونُسختين من إجراءات
التحقيق، وعلى وكيل الجمهورية أن يُرسل النسخة الثانية فوراً إلى النائب العام لدى
المجلس القضائي التابعة له المحكمة المختصّة، فإذا اعتبر هذا الأخير أنّ الجريمة
تدخل ضمن اختصاص المحكمة ذات الاختصاص الموسّع يُطالب بالإجراءات فوراً، وفي هذه
الحالة يتلقى ضُباط الشرطة القضائيّة العاملون بدائرة اختصاص هذه المحكمة
التعليمات مُباشرة من وكيل الجمهورية لدى هذه الجهة القضائيّة، بعدها تسير إجراءات
تحريك الدعوى العموميّة بشأن هذه الجرائم ومن بينها جريمة التجسس الإلكتروني وفق
الإجراءات العادية لتحريك الدعوى العمومية من طرف وكيل الجمهورية لدى المحكمة ذات
الاختصاص الموسّع.
أمّا إذا كان
قد سبق فتح تحقيق قضائي بالمحكمة الأصليّة، فيجوز للنائب العام لدى المجلس
القضائي، التابع للمحكمة المختصّة أن يُطالب بالإجراءات، ويُصدر قاضي التحقيق
للمحكمة الأصليّة أمراً بالتخلّي لفائدة قاضي التحقيق لدى المحكمة المختصّة، وفي
هذه الحالة يتلقى ضُباط الشرطة القضائيّة العاملون بدائرة اختصاص هذه المحكمة
التعليمات مُباشرة من قاضي التحقيق لهذه الجهة القضائيّة.
نُشير في هذا
المقام إلى قيام المشرّع الجزائري بموجب القانون رقم 09-04 المتضمّن القواعد
الخاصّة للوقاية من الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال ومكافحتها، إلى توسيع اختصاص المحاكم الجزائريّة للنظر في
الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال التي تُرتكب خارج الإقليم الوطني
عندما يكون مُرتكبها أجنبي استهدف مُؤسسات الدولة الجزائرية أو الدفاع الوطني أو
المصالح الإستراتيجية للاقتصاد الوطني.
2- إجراءات
البحث والتحري الخاصّة عن جريمة التجسس الإلكتروني: يُقصد
بأساليب التحرّي الخاصّة هي تلك العمليّات والإجراءات التي تتخذها الضبطية
القضائيّة تحت مُراقبة وإشراف السلطة القضائيّة بُغية البحث والتحري عن الجرائم
الخطيرة والمقرّرة في قانون العقوبات الجزائري، وجمع الأدلّة عنها والكشف عن
مُرتكبيها وذلك دون علم ورضا الأشخاص المعنيين.
من خلال هذا
التعريف يتّضح مدى خُطورة هذه الإجراءات الخاصّة للتحري، ومدى مساسها بحرمة حياة
الفرد وسريّتها، إلاّ أنّ المشرّع قد وجد نفسه مجبراً على الموازنة بين المصلحة
الخاصّة للفرد والمصلحة العامّة للدّولة والجماعة، فرجّح مصلحة الدّولة والمجتمع،
وذلك لأنّ جريمة التجسس الإلكتروني والجرائم الماسّة بأنظمة المعالجة الآليّة
للمعطيات هي جرائم خطيرة جداً على الفرد والمجتمع والدّولة، حيث لم تعد أساليب
التحرّي التقليديّة (التفتيش وسماع الأقوال والتتبّع)، قادرة على التصدّي لذلك
النوع من الجرائم، فمرتكبيها هم أشخاص لهم دراية عالية بمجال التقنية
والمعلوماتيّة ويسعون دائماً لتحقيق أهدافهم بطرق حديثة ومُتطوّرة، يصعب على
السلطات القضائيّة إثباتها، وبذلك يُشكّلون خطراً على سلامة الدّولة واستقرار
المجتمعات، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً.
إلاّ أنّ
المشرّع الجزائري قد ضبط اللجوء إلى تلك الأساليب بشروط مُعيّنة تمنع الانحراف بها
عن الغاية والقصد الذي سُنّت لأجله، حيث جاء بها المشرّع بموجب القانون رقم 06-22
المعدّل والمتمم لقانون الإجراءات الجزائيّة الجزائري، وذلك بإضافته للفصل الرابع والخامس إلى الباب
الثاني، حيث خُصّصت تلك الفصول الجديدة لوسائل التحرّي الخاصّة، فالفصل الرابع
تطرّق فيه المشرّع لاعتراض المراسلات وتسجيل الأصوات والتقاط الصور، بينما الفصل
الخامس خصّصه المشرّع لأسلوب التسرّب، بالإضافة إلى أسلوب المراقبة الإلكترونيّة
وكل من إجراء تفتيش المنظومة المعلوماتيّة وإجراء حجز المعطيات المعلوماتيّة التي
نصّ عليه القانون رقم 09-04 المتعلّق بالوقاية من الجرائم المتصلة بتكنولوجيات
الإعلام والاتصال ومكافحتها.
أ- أسلوب
اعتراض المراسلات وتسجيل الأصوات والتقاط الصور (الترصّد الإلكتروني): هذا الإجراء
نصّت عليه المواد من 65 مكرّر 05 إلى 65 مكرّر 10 من قانون الإجراءات الجزائيّة،
حيث يتمّ بموجب هذا الإجراء اعتراض المراسلات التي تتمّ بواسطة وسائل الاتصال
السلكيّة واللاسلكيّة إذا اقتضت ضرورات التحرّي في الجريمة المتلبس بها أو التحقيق
الابتدائي في الجرائم المنصوص عليها في المادة 65 مكرّر 05 من قانون الإجراءات
الجزائيّة، ومن بينها الجرائم الماسّة بأنظمة المعالجة الآليّة للمعطيات.
ويُقصد
باعتراض المراسلات نسخ أو تسجيل المراسلات التي تتمّ عن طريق قنوات وسائل الاتصال
السلكيّة، كالهاتف التقليدي والتلغراف، واللاسلكيّة كالهاتف النقال والانترنت
والبريد الإلكتروني وغيرها من الوسائل التقنية التي تدخل في هذا الحكم.
أمّا تسجيل
الأصوات فهو تلك العمليّة التقنيّة التي يتمّ بواسطتها مُراقبة وتسجيل المحادثات
الشفويّة التي يتفوّه بها شخص أو عدّة أشخاص بصفة سريّة في مكان خاص أو عام، ويكون
المكان خاصاً إذا جرى في مكان مُغلق لا يمكن دُخوله إلاّ لأشخاص يرتبطون مع بعضهم
بصلة خاصّة، ولا يمكن للخارج عنه أن يُشاهد ما جرى بداخله أو أن يسمعه.
أمّا بالنسبة
لالتقاط الصور فهو تلك العمليّة التقنيّة التي يتمّ بواسطتها التقاط صور لشخص أو
عدّة أشخاص وإن تواجدوا في مكان خاص، ويُطلق على هذه التقنيّة بأسلوب التصوير
الفوتوغرافي كونه يتمّ بأجهزة دقيقة ومتطوّرة.
بالنسبة لشروط
وإجراءات اللّجوء إلى هذا النوع من الإجراءات فقد حدّدها المشرّع الجزائري في
المواد من 65 مكرّر 05 إلى 65 مكرّر 10، حيث أنّه بدون توفّر تلك الشروط يُعتبر
الإجراء باطلاً:
·
يجب أن تكون
الجريمة التي يتمّ اللجوء إلى استعمال هذا الإجراء للبحت والتحري فيها من الجرائم
المحدّدة حصراً في نص المادة 65 مكرّر 05 الفقرة الأولى.
·
لا يجوز
اللّجوء إلى أسلوب اعتراض المراسلات وتسجيل الأصوات والتقاط الصور إلاّ إذا اقتضت
ضرورات التحري في الجريمة المتلبّس بها أو التحقيق الابتدائي في الجرائم المذكورة
في المادة 65 مكرّر 05، وكذا في حالة فتح تحقيق قضائي وفق ما نصّت عليه الفقرة
السادسة من المادة 65 مكرّر 05.
·
يجب أن تتمّ
هذه الأساليب بناء على إذن قضائي من طرف وكيل الجمهورية المختص إقليمياً أو قاضي
التحقيق المختص في حالة فتح تحقيق قضائي وهذا تحت رقابتهما وفق ما نصّت المادة 65
مكرّر 05، وهو ما يحيلنا إلى القول أنّ الإذن القضائي يجب أن يكون مُسبقاً
ومكتوباً كما نصّت عليه الفقرة الثانية من المادة 65 مكرّر 07، كما يجب أن يحدّد
الإذن كل العناصر التي تسمح بالتعرّف على الاتصالات المطلوب اعتراضها والأماكن
المقصودة بذلك والجريمة التي تبرّر اللّجوء إلى هذه التدابير ومُدّتها والمحدّدة
بأربعة (04) أشهر قابلة للتجديد حسب مُقتضيات التحري أو التحقيق ضمن نفس الشروط
الشكليّة والزمنيّة.
·
كما يجب
التنبيه إلى أنّ ضابط الشرطة القضائيّة هو الوحيد المؤهّل للقيام بإجراء اعتراض
المراسلات وتسجيل الأصوات والتقاط الصور؛ دون غيره من رجال الضبطيّة القضائيّة
كالأعوان وهو ما يُفهم من محتوى المواد 65 مكرّر 08 و09 و10،كما يخضع ضبّاط الشرطة
القضائيّة أثناء مُباشرتهم لتلك الإجراءات للرقابة المباشرة لوكيل الجمهورية أو
قاضي التحقيق المختصين إقليمياً، وهذا تفادياً للتعسّف في استعمال هذه الأساليب
الخطيرة على حقوق وحريّات الأفراد.
ب- أسلوب
التسرّب: هو أحد أساليب التحرّي الخاصّة أضافها المشرّع الجزائري
إلى قانون الإجراءات الجزائيّة بمناسبة التعديل الصادر بموجب القانون رقم 06-22،
حيث خصّص له المشرّع فصلاً كاملاً وهو الفصل الخامس من الباب الثاني تحت عنوان
" التسرب " وهذا في المواد من 65 مكرّر 11 إلى 65 مكرّر 18، حيث يُعتبر
التسرّب من أهم المصادر السريّة التي يعتمد عليها البحث الجنائي منذ القدم في كشف
الجرائم الغامضة، إذ أنّه يُستخدم كأداة لتغطية المواقع التي تحتاج إلى تركيز
إجراءات التحرّي عن الجريمة فيها، فهو يُعدّ بمثابة وسيلة استشعار للخطر الأمني
الذي يحتاج إلى إجراءات تقي من وقوعه، أو تجعلنا على استعداد إذا ما وقع الخطر،
ونعني بالخطر الجريمة، لهذا فإنّ التسرّب الذي يستهدف كشف وقوعها وإجلاء غُموضها
وتحديد شخصيّة الجاني وإثبات الجريمة عليه بالأدلّة من خلال التغلغل في الوسط
الإجرامي، فالتسرّب يُعتبر كأداة رئيسيّة في مُكافحة التجسس الإلكتروني وقاية
وضبطاً.
ويُقصد
بالتسرّب قانوناً، قيام ضابط أو عون شُرطة قضائيّة تحت مسؤوليّة ضابط الشرطة
القضائيّة المكلّف بتنسيق العمليّة بمراقبة الأشخاص المشتبه في ارتكابهم جناية أو
جُنحة بإيهامهم أنّه فاعل معهم أو شريك لهم أو خاف.
إذن يجب على
ضابط أو عون الشرطة القضائيّة المتسرّب من أجل البحث والتحرّي عن جريمة التجسس
الإلكتروني بصفة خاصّة والجرائم الماسّة بأنظمة المعالجة الآليّة للمعطيات بصفة
عامّة، أن يكون ذو كفاءة ومُستوى وتأهيل مُعتبر ويُتقن قُدرات تقنيّة تسمح له بهذا
الاختراق، لأنّ المجرم المعلوماتي هو مجرم مختلف عن المجرم التقليدي، فضابط أو عون
الشرطة القضائيّة يقوم بالتسرّب إلى العالم الإلكتروني الافتراضي وذلك عن طريق
اختراقه لمواقع مُعيّنة وفتح ثغرات إلكترونيّة فيها، أو اشتراكه في محادثات غُرف
الدردشة أو حلقات الاتصال المباشر مع المشتبه فيهم، والظهور بمظهر كما لو كان
فاعلاً مثلهم، مُستخدماً في ذلك أسماءاً أو صفات هيآت مُستعارة ووهميّة سعياً منه
للاستفادة منهم حول كيفيّة اقتحام الهاكرز للموقع.
أمّا بالنسبة
لشروط وضوابط التسرّب التي لا يصحّ ولا يُعدّ مشروعاً من دونها فسوف نوردها في ما
يلي:
·
يجب أن تتمّ
عمليّة التسرب في إطار البحت والتحرّي عن إحدى الجرائم المنصوص عليها في الفقرة
الأولى من المادة 65 مكرّر 05 ومن بينها الجرائم الماسّة بأنظمة المعالجة الآليّة
للمعطيات.
·
وفق نص المادة
65 مكرّر 11، يجب أن يصدر إذن التسرّب من طرف الجهات القضائيّة وبالتحديد من طرف
وكيل الجمهورية المختص إقليمياً أو قاضي التحقيق بعد إخطار وكيل الجمهوريّة والجهة
التي تأذن بالتسرّب وتكون العمليّة تحت رقابتها.
·
ضرورة أن يكون
الإذن المسبق بالتسرّب صادراً عن وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق المختصين إقليمياً،
كما يجب أن يكون مكتوباً وذلك تحت طائلة البطلان،
كما يجب أن يكون الإذن مُسبباً وإلاّ أُعتبر الإجراء باطلاً، لهذا يجب على
وكيل الجمهورية أن يُضَمّن إذنه بالأسباب الداعية للقيام بعمليّة التسرّب أي
المبرّرات الموضوعيّة وراء اللّجوء إلى إجراء التسرّب كفشل الإجراءات التقليديّة
للتحري في ضبط وكشف الجناة مثلاً، كما يجب
أن يتضمّن الإذن الجريمة المقصودة بعمليّة التسرّب وهُويّة ضابط الشرطة القضائيّة
المسؤول عن العمليّة.
·
يجب أن تكون
مُدّة التسرّب محدّدة بأربعة (04) أشهر قابلة للتجديد حسب مُقتضيات التحرّي أو
التحقيق ضمن نفس الشروط الشكليّة والزمنيّة، ويجوز للقاضي الذي رخّص بإجراء
العمليّة أن يأمر في أي وقت من الأوقات بوقفها قبل انقضاء المدّة المحدّدة.
·
كما أنّه في
حالة وقف عمليّة التسرّب أو عند انقضاء أجلها المحدّد وفي حالة عدم تمديدها يمكن
للمتسرّب أن يُواصل مُهمّته ونشاطه للوقت الضروري الكافي لتوقيف عمليّة المراقبة
في ظروف تضمن أمنه دون أن يكون مسؤولاً جزائياً على أن لا يتجاوز ذلك مُدّة أربعة
(04) أشهر.
·
كما يجب أن
يقوم بعمليّة التسرب ضابط أو عون شُرطة قضائيّة تحت إشراف ضابط شُرطة قضائيّة يكون
مُسؤولاً عن العمليّة، وفق ما نصّت عليه المادة 65 مكرّر 12 من قانون الإجراءات
الجزائيّة.
·
وجوب قيام
ضابط الشرطة القضائيّة المكلّف بتنسيق عمليّة التسرّب بتحرير تقرير يتضمّن العناصر
الضروريّة لمعاينة الجرائم غير تلك التي قد تُعرّض للخطر أمن الضابط أو العون
المتسرّب وكذا الأشخاص المسخّرين طبقاً للمادة 65 مكرّر 14.
ب- المراقبة
الإلكترونيّة: يُقصد بالمراقبة الإلكترونيّة؛ مُراقبة شبكة الاتصالات
أو هو العمل الذي يقوم به المراقب باستخدام التقنيّة الإلكترونيّة لجمع المعطيات
والمعلومات عن المشتبه فيه سواء كان شخصاً أو مكاناً أو شيئاً حسب طبيعته، مُرتبط
بالزمن لتحقيق غرض أمني أو لأيّ غرض أخر.
أسلوب
المراقبة الإلكترونيّة نصّ عليه القانون رقم 09-04 المتضمّن القواعد الخاصّة
للوقاية من الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال ومكافحتها، وذلك ضمن
الفصل الثاني الذي جاء بعنوان " مُراقبة الاتصالات الإلكترونيّة، الحالات
التي تسمح باللّجوء إلى المراقبة الإلكترونيّة " وبالتحديد في المادة رقم 04
منه والتي حدّدت الحالات التي يمكن فيها اللّجوء إلى إجراء المراقبة الإلكترونيّة
وهي كالتالي:
·
الوقاية من
الأفعال الموصوفة بجرائم الإرهاب أو التخريب أو الماسّة بأمن الدّولة، حيث نصّ
المشرّع على اللّجوء إلى إجراء المراقبة الإلكترونيّة للوقاية من تلك الأفعال،
والوقاية منها كمبدأ عام لا تُطبّق فقط على مُتابعة قضائيّة لجريمة مُرتكبة ولكن
تختصّ بكشف الخطر أو أيّ تهديد محتمل لأمن الدّولة، وعليه فإنّ هذه الجرائم لم
تُرتكب ولكن المشرّع سمح في إطار الوقاية من هذه الجرائم بإجراء عمليّات المراقبة
الإلكترونيّة لأشخاص أو مجموعات يحتمل تورّطهم مُستقبلاً للقيام بأفعال موصوفة
بأنّها جرائم إرهاب أو تخريب أو ماسّة بأمن الدّولة، وهنا لا يهمّ احتمال توفّر
دلائل قويّة تربط هؤلاء الأشخاص بارتكاب تلك الأفعال، وإنما يكفي مجرّد الشكوك ولو
كانت بسيطة.
·
في حالة توفّر
معلومات عن احتمال اعتداء على منظومة معلوماتيّة على نحو يُهدّد النظام العام أو
الدفاع الوطني أو مؤسّسات الدّولة أو الاقتصاد الوطني.
·
لمقتضيات
التحريات والتحقيقات القضائيّة عندما يكون من الصعب الوصول إلى نتيجة تهمّ الأبحاث
الجارية دون اللّجوء إلى مُراقبة الاتصالات الإلكترونيّة.
·
في إطار تنفيذ
طلبات المساعدة القضائيّة الدوليّة المتبادلة.
ما يُلاحظ على
أغلب تلك الحالات أنّها من النوع الذي يُشكّل خطراً على الأمن الوطني ويُهدّد النظام
العام والدفاع الوطني، ولعلّ جريمة التجسس الإلكتروني تُعتبر مُهدّدة لكل تلك
المصالح وهي من الجرائم الماسّة بأمن الدّولة.
المشرّع
الجزائري ومن خلال القانون رقم 09-04 قد نصّ على مجموعة من الضوابط والشروط التي
يتمّ احترامها عند اللجوء إلى إجراء المراقبة الإلكترونيّة لكونه إجراءاً خطيراً
ومنتهكاً لحرمة الحياة الخاصّة للأفراد وسريّتها.
حيث نصّ
المشرّع على أنّ اللجوء إلى أسلوب المراقبة الإلكترونيّة لا يتمّ إلاّ بواسطة إذن
مكتوب من السلطة القضائيّة المختصّة، إلاّ أنّ المشرّع لم يحدّد من هي السلطة
القضائيّة المختصّة بإصدار إجراء المراقبة الإلكترونيّة باستثناء الحالة "أ"
التي حدّد فيها المشرّع الجهة القضائيّة المسؤولة عن إصدار إذن بإجراء المراقبة
الإلكترونيّة وهو النائب العام لدى مجلس قضاء الجزائر، حيث يقوم النائب العام بمنح
الإذن لضبّاط الشرطة القضائيّة المنتمين حصراً للهيئة الوطنيّة للوقاية من الجرائم
المتصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال ومكافحتها، ويكون الإذن لمدّة ستة (06) أشهر
قابلة للتجديد وذلك حسب طبيعة الترتيبات التقنيّة المستعملة والأغراض الموجّهة
لها.
كما أنّ
المشرّع الجزائري قد حرص على تحديد طبيعة الترتيبات التقنيّة الموضوعة للأغراض
المنصوص عليها في الحالة "أ"، حيث تكون تلك الترتيبات التقنيّة مُوجّهة
حصراً لتجميع وتسجيل مُعطيات ذات صلة بالوقاية من الأفعال الإرهابيّة والاعتداءات
على أمن الدّولة ومُكافحتها، لأنّ أي انحراف عن ذلك الغرض سوف يُعرّض مُرتكبه
للعقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات والمتعلّقة بتهمة المساس بحرمة الحياة
الخاصّة للغير.
حسب رأينا أنّ
الجهات القضائيّة المخوّلة بإصدار إذن إجراء المراقبة الإلكترونيّة في غير الحالة
"أ" هي نفسها الجهات القضائيّة المخوّلة بإصدار إذن اللّجوء إلى إجراء
اعتراض المراسلات وتسجيل الأصوات والتقاط الصور وإجراء التسرّب المنصوص عليهم في
المواد من 65 مكرّر 05 إلى 65 مكرّر 18 من قانون الإجراءات الجزائيّة الجزائري،
وهم وكيل الجمهورية وقاضي التحقيق المختصين إقليمياً، وتبقى نفس الترتيبات
القانونيّة المطبّقة على تلك الإجراءات سارية بالنسبة للجوء إلى إجراء المراقبة
الإلكترونيّة، لأنّ الترتيبات التقنيّة لإجراء المراقبة الإلكترونيّة هي نفسها تلك
الموجّهة لإجراء اعتراض المراسلات وتسجيل الأصوات والتقاط الصور وإجراء التسرب.
يبقى أن نُشير
إلى أنّه لا يجوز استعمال المعلومات المتحصّل عليها عن طريق عمليّات المراقبة
الإلكترونيّة إلاّ في الحدود الضروريّة للتحريّات أو التحقيقات القضائيّة.
ج- تفتيش
المنظومة المعلوماتيّة: لقد جاء القانون رقم 09-04 بقواعد إجرائيّة
جديدة وحديثة تتوافق مع خطورة جريمة التجسس الإلكتروني بصفة خاصّة والجرائم
الماسّة بأنظمة المعالجة الآليّة للمعطيات بصفة عامّة، ومن بين تلك الإجراءات غير
التقليديّة نذكر ما سمّاه المشرّع بـ "تفتيش المنظومة المعلوماتيّة"،
حيث جاء في القانون سالف الذكر أنّ السلطات القضائيّة المختصّة بالإضافة إلى ضُباط
الشرطة القضائيّة، يجوز لهم القيام بالتفتيش عن بعد:
• لمنظومة
معلوماتيّة أو جزء منها وكذا المعطيات المعلوماتيّة المخزّنة فيها.
• منظومة
تخزين معلوماتيّة.
كما أجاز
المشرّع بمقتضى الفقرة الثانية من المادة الخامسة من القانون رقم 09-04 لضباط
الشرطة القضائيّة وفي إطار الوقاية من الأفعال الموصوفة بأنّها من جرائم الإرهاب
أو التخريب أو الجرائم الماسّة بأمن الدّولة، أن يقوموا بتمديد التفتيش بسرعة إلى
منظومة معلوماتيّة ثانية مُتصلة بالمنظومة المعلوماتيّة الأولى التي صدر الإذن
بتفتيشها وتبيّن فيما بعد أنّ المعلومات المبحوث عنها مخزّنة في المنظومة
المعلوماتيّة الثانية، حيث تتمّ عمليّة التمديد بعد إعلام السلطات القضائيّة
المختصّة مُسبقاً.
كما أجازت
المادة الخامسة في فقرتها الثالثة من نفس القانون للجهات القضائيّة الجزائريّة وفي
حالة ما إذا تبيّن أنّ المعطيات المبحوث عنها في المنظومة الأولى المفتّشة مخزّنة
بمنظومة معلوماتيّة خارج الإقليم الوطني، أن تقوم بطلب المساعدة القضائيّة من طرف
السلطات الأجنبيّة المختصّة في إطار الاتفاقيّات الدوليّة ومن خلال مبدأ المعاملة
بالمثل.
وكمثال على
المساعدة القضائيّة الدوليّة كإجراء جديد لتتبع مجرمي المعلوماتيّة، قضية توقيف
مصالح الأمن الجزائريّة لشاب جزائري ببلدية بومرداس بعد تقديم المكتب الفدرالي
الأمريكي للتحقيقات شكوى ضده، مفادها أن هذا الشاب قد بعث برسالة إلكترونيّة لهذا
المكتب مُهددا فيها بوضع قُنبلة في أحد أحياء مدينة جوانسبورغ بجنوب إفريقيا
تستهدف المناصرين الأمريكيين قبل انطلاق المباراة الكروية بين المنتخب الجزائري والأمريكي
في بطولة كأس العالم لسنة 2010.
د- حجز
المعطيات المعلوماتيّة: القانون رقم 09-04 جاء كذلك بإجراء غير
تقليدي خاص بالبحث والتحري وهو ما يسمى بـ " حجز المعطيات المعلوماتيّة
"، حيث أنّ القانون سالف الذكر قد أجاز في حالة العثور على معلومات في
المنظومة المفتّشة تكون مُفيدة في الكشف عن الجرائم أو مُرتكبيها؛ القيام بعمليّة
نسخ المعطيات محل البحث وكذا المعطيات اللاّزمة لفهمها على دعامة تخزين إلكترونيّة
تكون قابلة للحجز والوضع في أحراز، كما أنّه يجب على السلطات المكلّفة للقيام
بعمليّة التفتيش والحجز أن تسهر على سلامة المعطيات الموجودة في المنظومة
المعلوماتيّة التي تجري بها العمليّة، ويجوز لتلك السلطات كذلك استعمال مختلف
الوسائل التقنية الضرورية لتشكيل أو إعادة تشكيل تلك المعطيات بشرط أن لا يؤدّي
ذلك إلى العبث بمحتوى المعطيات.
نُشير إلى أنّ
كل تلك الإجراءات سواء الخاصّة باعتراض المراسلات والتقاط الصور وتسجيل الأصوات
وكذا التسرّب والمراقبة الإلكترونيّة وعمليّتي التفتيش والحجز الإلكتروني قد أجاز
القانون أن تتمّ عن بعد ودون إذن صاحبها وذلك بالدخول في الكيان المنطقي لحاسوب
المعني.
ثالثاً: المكافحة المؤسساتيّة
نظراً لكون
جريمة التجسس الإلكتروني وغيرها من الجرائم الماسّة بأنظمة المعالجة الآليّة
للمعطيات، من الجرائم الخطيرة جداً والمهدّدة لأمن الدّولة واستقرارها الاقتصادي،
فقد قام المشرّع بإنشاء هيئة خاصّة بموجب القانون رقم 09-04 تتولّى عمليّة تنشيط
وتنسيق عمليّات الوقاية من الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال
ومكافحتها، هذه الهيئة التي حُدّدت تشكيلتها وتنظمها وكيفيّة سيرها بموجب المرسوم
الرئاسي رقم 15-261، قد شهدت لاحقاً
تغييراً في طبيعتها القانونيّة وهو ما سوف نتناوله فيما يلي:
1- الطبيعة
القانونية للهيئة الوطنيّة للوقاية من الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام
والاتصال ومكافحتها: كما كان مُتوقعاً من طرف المشرّع الجزائري ونظراً لثقل
المهمّة الملقاة على عاتق الهيئة وحساسيتها، فقد منحها صفة "السلطة الإداريّة
المستقلة"، حيث نصّت المادة رقم 02 من المرسوم الرئاسي رقم 15-261 على أنّ
الهيئة سُلطة إداريّة مُستقلة تتمتّع بالشخصيّة المعنويّة والاستقلال المالي وتوضع
لدى الوزير المكلّف بالعدل.
من خلال نص
المادة رقم 02 سالفة الذكر يتّضح لنا أنّ المشرّع الجزائري قد منح صفة السلطة
الضابطة للهيئة، أي تتولى عمليّة ضبط القطاع المتّصل بتكنولوجيا الإعلام والاتصال
من الناحية الجزائيّة، فهي مُكلّفة بصفتها الضابطة تلك في بلورة مختلف
الإستراتيجيّات والبرامج وتنسيق مختلف الجهود ومساعدة الجهات القضائيّة في عمليّة
وقاية قطاع تكنولوجيات الإعلام والاتصال من مختلف الجرائم التي تقع عليه ومكافحتها
في حالة حُدوثها.
ولأنّ السلطات
الإداريّة المستقلّة تتمتّع باستقلاليّة نسبيّة كبيرة فقد أكّد المشرّع على ذلك من
خلال الاعتراف للهيئة بالشخصيّة المعنويّة والاستقلال المالي وهما صفتان مُلازمتان
للسلطات الإداريّة المستقلّة، وإنّما جاء نصّ المشرّع عليهما كتأكيد لاستقلاليّة
الهيئة بعيداً عن التبعيّة العضويّة أو الماليّة لأي جهة كانت، وهو ما يمكّنها من
أداء مهامها بكل أريحيّة وبعيداً عن مختلف الضغوط والتأثيرات التي من الممكن أن
تطالها بسبب مُباشرتها لمهامها وصلاحيّاتها.
كما قام
المشرّع الجزائري بوضعها تحت وصاية الوزير المكلّف بالعدل وذلك لكون اختصاصها
قضائي في مجمله، فهي تتولى عمليّة الوقاية من الجرائم ومُكافحتها في مجال
تكنولوجيات الإعلام والاتصال، ومن المعلوم أنّ الجهات التي تتولى تلك المهمّة في
مختلف دول العالم هي الجهات القضائيّة أو على الأقل تتمّ العمليّة تحت إشراف
القضاء، بالإضافة إلى كون الهيئة تضمّ بين صفوفها ضبّاط وأعوان للشرطة القضائيّة
يعملون تحت إشراف وكيل الجمهورية ويكلّفون للقيام بمختلف عمليات البحث والتحرّي عن
الجرائم المتصلة بميدان الهيئة، ويلجئون للقيام بذلك إلى استعمال وسائل البحث والتحري
الخاصّة والتي كما أسلفنا لا تتمّ إلا بناءاً على إذن من طرف السلطات القضائيّة
المختصّة (وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق)، كما أنّ الهيئة تضمّ ضمن اللّجنة
المديرة المسيّرة لها قاضيان من المحكمة العليا يُعيّنها المجلس الأعلى
للقضاء، بالإضافة إلى إمكانيّة تزويدها
بقضاة آخرين حسب ما نصّت عليه المادة 18 من المرسوم الرئاسي رقم 15-261، كل ذلك
حسب رأينا هو ما جعل المشرّع الجزائري يضعها لدى الوزير المكّلف بالعدل.
كما حدّد
المشرّع الجزائري بموجب المادة رقم 03 من المرسوم الرئاسي رقم 15-261 مقر الهيئة
في ولاية الجزائر العاصمة.
في سنة 2019
قام المشرّع الجزائري بإعادة تحديد الطبيعة القانونيّة للهيئة وتشكيلتها وتنظيمها،
وذلك بموجب المرسوم الرئاسي رقم 19-172، المؤرّخ في 06 جوان 2019، المحدد لتشكيلة
الهيئة الوطنية للوقاية من الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال ومكافحتها
وتنظيمها وكيفيات سيرها، حيث أعاد المشرّع
في ذلك المرسوم صياغة الطبيعة القانونيّة للهيئة وذلك بتحويلها حسب المادة الثانية
منه من سلطة إداريّة مُستقلة إلى مُؤسّسة عُموميّة ذات طابع إداري تتمتّع
بالشخصيّة المعنويّة والاستقلال المالي تُوضع تحت سلطة وزارة الدفاع الوطني.
حيث يُلاحظ
على مضمون المادة 02 من المرسوم الرئاسي رقم 19-172، أنّ المشرّع الجزائري قد
جرّدها من صفة السلطة الإداريّة المستقلّة وهو مركز قانوني قوي كانت تتمتّع به،
ليكيّفها بأنّها مُؤسّسة عُموميّة ذات طابع إداري، أي اعتبرها كغيرها من المؤسّسات
العموميّة التي تُتبع وتُلحق في علاقتها الوظيفيّة والعضويّة بسلطة أعلى منها، أي
اعتبرها بمختصر القول مجرّد "مصلحة مستقلّة لوزارة ما أو مديريّة مركزيّة
تابعة"، كما قام المشرّع بنزعها من وصاية وزير العدل وألحقها بوزارة
الدفاع الوطني وهو في رأيينا أمر منطقي مدام قد منحها صفة المؤسّسة العموميّة ذات
الطابع الإداري.
فبالرغم من
تمتّعها بالشخصيّة المعنويّة واستقلال المالي إلاّ أنّها تبقى منزوعة الاستقلاليّة
نسبياً عكس لو اعتبرت سُلطة إداريّة مُستقلة.
ذلك التغيير
في الطبيعة القانونيّة قد نتج عنه تغيير في تشكيلة الهيئة، إذ اُستبدلت اللّجنة
المديرة للهيئة بمجلس توجيه، وبناءاً على ذلك تمّ تخفيض التمثيل في عضوية مجلس
التوجيه عن التمثيل الذي كان عليه في اللّجنة المديرة، حيث كانت من قبل تضمّ
اللّجنة المديرة، كل من الوزير المكلّف بالعدل رئيساً وعُضويّة وزير الداخلية والوزير
المكلّف بالبريد وتكنولوجيات الإعلام والاتصال وقائد الدرك الوطني والمدير العام
للأمن الوطني، وممثّل عن رئاسة الجمهورية وممثّل عن وزارة الدفاع وقاضيان من
المحكمة العليا، لتصبح التشكيلة في مجلس التوجيه الجديد ما يلي: وزير الدفاع
الوطني أو ممثّله رئيساً و عُضويّة ممثّل عن وزارة الدفاع وممثّل عن وزارة
الداخليّة وممثّل عن وزارة العدل وممثّل عن وزارة البريد وتكنولوجيا الإعلام
والاتصال، هذا التخفيض في مستوى التمثيل هو أمر منطقي كذلك كما أسلفنا بعد تغيير
الطبيعة القانونيّة للهيئة وجعلها مجرّد مُؤسّسة تابعة لوزارة الدفاع الوطني، كما
يُلاحظ أنّ تشكيلة مجلس التوجيه للهيئة تُعتبر وكأنّها تشكيل مُصغّر للمجلس الأعلى
للأمن في الدّولة الجزائريّة وذلك بالنظر لصفات أعضاءه ورئاسة السيد وزير الدفاع
الوطني، وهو ما يُؤكّد الدور المهم المنوط بالهيئة الوطنيّة للوقاية من جرائم
تكنولوجيات الإعلام والاتصال ومُكافحتها.
وفي نظرنا أنّ
تحويلها لوزارة الدفاع الوطني هو أمر مقبول ومطلوب نظراً لأنّ الهيئة تتولّى
الإشراف على قطاع حسّاس ومُهم جداً؛ وهو قطاع تكنولوجيات الإعلام والاتصال، حيث
تتولى الهيئة عمليّة حمايته من الجرائم المرتكبة عليه، كما أنّ من بين مهامها التي
خوّلها إياها القانون رقم 09-04 هي الوقاية من الجرائم المتصلة بتكنولوجيات
الإعلام والاتصال ومن أبرز وأهم مهامها الوقاية من الجرائم الموصوفة بجرائم
الإرهاب أو التخريب أو الماسّة بأمن الدّولة، بالإضافة كذلك إلى مُهمّتها
المتمثّلة في مجابهة الاعتداء على منظومة معلوماتيّة على نحو يُهدّد النظام العام
أو الدفاع الوطني أو مُؤسّسات الدّولة أو الاقتصاد الوطني، وكلها مجالات تدخل في
صميم صلاحيّات وزارة الدفاع الوطني، فلا يمكن أن تمارسها هيئة مهما كانت مُستقلة
بمعزل عن مُساعدة ورقابة وإشراف وزارة الدفاع الوطني.
كما أنّ ما
يعزّز من نقلها لوصاية وزارة الدفاع الوطني هو أنّ أغلب ضبّاط الشرطة القضائيّة
المنتمين لها يتبعون لوزارة الدفاع الوطني سواء من رجال الضبط القضائي المنتمين
لمصالح الأمن العسكري أو المنتمين لقوات الدرك الوطني، بالإضافة إلى أنّ وزارة
الدفاع الوطني تحتوي على وسائل تقنيّة مُتطوّرة لمجابهة التهديدات الإلكترونيّة
المختلفة وكشفها وخاصّة منها جريمة التجسس الإلكتروني، كما تضمّ بين صفوفها وحدات
وكفاءات مُتخصّصة في إدارة ذلك النوع من الجرائم ومُواجهتها.
بالإضافة إلى
أنّ عمليّات المراقبة الإلكترونيّة التي يقوم بها ضُباط الشرطة القضائيّة التابعين
للهيئة، تُعتبر عمليّات سريّة للغاية وفق ما نصّت عليه المادة رقم 23 من المرسوم
الرئاسي رقم 15-261، خاصّة في حالة ما إذا مسّت تلك المراقبة الإلكترونيّة مجموعات
إرهابيّة وتخريبيّة ربما تكون تابعة لمنظّمات إقليميّة أو الكشف عن عمليّات تجسس من
طرف أجهزة تابعة لدول أجنبيّة، فلا يستقيم إدارة تلك المعلومات التي تُصنّف في
خانة الأمن العسكري إلاّ من طرف وزارة الدفاع الوطني.
وما يُعزّز من
رأينا كذلك هو حساسيّة المشرّع الجزائري من المعلومات المتداولة حول الجرائم
الموصوفة بأنّها إرهابيّة أو تخريبيّة أو ماسّة بأمن الدّولة، حيث خصّها دون غيرها
من الحالات المنصوص عليها في المادة رقم 04 من القانون رقم 09-04، بضرورة أن يكون
الإذن الممنوح لضبّاط الشرطة القضائيّة لمباشرة إجراء المراقبة الإلكترونيّة في
ذلك النوع من الجرائم للنائب العام لمجلس قضاء الجزائر العاصمة، عكس بقيّة الحالات
التي يمكن فيها للجهات القضائيّة المختصّة في الأقاليم الأخرى من الوطن في إصدار
إذن المراقبة الإلكترونيّة، وهو ما يوحي لنا بأنّ المشرّع يتوجّس خيفة من الانحراف
بذلك الإجراء واستعماله في غير الغاية التي شُرّع من أجلها وتسريب مُعطياته، حيث
لا تُوجد هيئة تستطيع ضمان القيام بإجراء المراقبة الإلكترونيّة وضمان فعاليّته
وسريّته وعدم انحرافه كوزارة الدفاع الوطني.
كما سمح
المشرّع الجزائري ومن خلال المادة الثالثة من المرسوم الرئاسي رقم 19-172 بنقل مقر
الهيئة إلى أيّ مكان آخر من التراب الوطني بموجب قرار من وزير الدفاع، بعدما كان
المقر محصوراً في مدينة الجزائر العاصمة وفقط وفق ما نصّت عليه المادة الثالثة من
المرسوم الرئاسي رقم 15-261.
2- مهام
الهيئة الوطنية للوقاية من الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال
ومكافحتها: بالنسبة لمهام الهيئة فقد قام بالنص عليها كل من القانون رقم 09-04 في
مادته رقم 14 والمرسوم الرئاسي رقم 15-261 في مادته رقم 04 والمرسوم الرئاسي رقم
19-172 في مادته رقم 06، وبما أنّ أحكام المرسوم الرئاسي رقم 15-261 قد تمّ
إلغائها بموجب المادة رقم 24 من المرسوم الرئاسي رقم 19-172، فإنّا سوف نركّز على
المهام المنوطة بالهيئة المذكورة في هذا المرسوم الرئاسي الأخير بالإضافة إلى
القانون رقم 09-04، حيث تتمثّل مهامها إجمالاً فيما يلي:
·
تنشيط وتنسيق
عمليّات الوقاية من الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال ومكافحتها.
·
مُساعدة
السلطات القضائيّة ومصالح الشرطة القضائيّة في التحريات التي تجريها بشأن الجرائم
ذات الصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال بما في ذلك تجميع المعلومات وإنجاز
الخبرات القضائيّة.
·
تبادل
المعلومات مع نظيراتها في الخارج قصد جمع كل المعطيات المفيدة في التعرّف على
مُرتكبي الجرائم المتّصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال وتحديد مكان تواجدهم.
·
كما تقوم
الهيئة بالتداول حول الإستراتيجيّة الوطنية للوقاية من الجرائم المتّصلة
بتكنولوجيات الإعلام والاتصال ومكافحتها.
·
التداول حول
مسائل التطوير والتعاون مع المؤسّسات والهيئات الوطنيّة المعنيّة بالجرائم
المتّصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال.
·
القيام دورياً
بتقييم حالة التهديد في مجال الجرائم المتصلة بتكنولوجيّات الإعلام والاتصال
للتمكّن من تحديد مضامين عمليّات المراقبة الواجب القيام بها والأهداف المنشودة
بدقّة.
·
اقتراح كل
نشاط يتّصل بالبحث وتقييم الأعمال المباشرة في مجال الوقاية من الجرائم المتّصلة
بتكنولوجيات الإعلام والاتصال ومكافحتها.
نُلاحظ أنّ
المرسوم الرئاسي رقم 19-172 قد جاء خالياً من تحديد المهام العامّة للهيئة وإنّما
حدّد مهام مجلس التوجيه والتي استندنا عليها في تبياننا لمهام واختصاصات الهيئة،
وذلك عكس المرسوم الرئاسي رقم 15-261 الذي حدّد مهام الهيئة بصفة عامّة في المادة
الرابعة منه وحدّد كذلك مهام اللجنة المديرة في المادة الثامنة منه.
حيث يُعتبر
ذلك الإغفال من طرف المشرّع الجزائري في المرسوم الرئاسي رقم 19-172 قصوراً منه،
إذ كان من المفروض أن يتمّ تحديد مهام وصلاحيّات الهيئة بصفة عامّة وتفصيلها عن
تلك التي وردت في القانون رقم 09-04 والذي أحال إنشاء وسير الهيئة إلى التنظيم.
كما لاحظنا
أنّ المشرّع قد أغفل في المرسوم الرئاسي رقم 19-172 مُهمّتين للهيئة تمّ ذكرهما في
المرسوم الرئاسي رقم 15-261 وهما: ضمان المراقبة الوقائيّة للاتصالات الإلكترونيّة
قصد الكشف عن الجرائم المتعلّقة بالأعمال الإرهابيّة والتخريبيّة والمساس بأمن
الدّولة تحت سلطة القاضي المختص وباستثناء أي هيئات وطنيّة أخرى، كما أغفل ذكر
مُهمّة تجميع وتسجيل وحفظ المعطيات الرقميّة وتحديد مصدرها ومسارها من أجل
استعمالها في الإجراءات القضائيّة.
بالإضافة إلى
إغفال المرسوم الرئاسي رقم 19-172 النص على تنفيذ طلبات المساعدة القضائيّة
الصادرة عن البلدان الأجنبيّة وتطوير تبادل المعلومات والتعاون على المستوى
الدّولي في مجال اختصاصها.
حيث نرى بأنّ
ذلك الإغفال غير مُبرّر إطلاقاً، فإجراء المراقبة الإلكترونيّة يُعتبر أهم إجراء
تتولاّه الهيئة، فلماذا تمّ إغفال النص عليه وعلى كل ما يتعلّق به من أساسيّات منذ
بدايته إلى غاية الانتهاء منه أثناء تحديد مهام مجلس التوجيه مثلما تمّ النص على
ذلك في المرسوم الرئاسي رقم 15-261 ؟، بالإضافة كذلك إلى قيام المشرّع بإغفال
صلاحيّة التعاون الدّولي في مجال المساعدة القضائية وتبادل المعلومات وهي مُهمّة
أساسيّة تقوم بها الهيئة في مثل هذا النوع من الجرائم الذي يكتسب في غالبه الصبغة
الدّوليّة التي تفرض إقامة تعاون دولي لملاحقة مُرتكبيه.
خاتمة
نخلص في ختام
هذه المداخلة إلى أنّ التجسس الإلكتروني يُعتبر أكثر خُطورة وذلك من خلال التقدّم
التقني والتكنولوجي والمعلوماتي الذي وفّر أجهزة عديدة ومُعدّات غاية في الدقّة
وصغر الحجم ودرجة الكفاءة في التنصت والاستشعار من بعد.
إلاّ أنّ
الملاحظ كذلك هو عدم وجود اتفاق حول مفهوم التجسس في صورته التقليدي، حيث أنّ
الانتقال إلى العصر الرقمي وبروز الفضاء الإلكتروني وضع نقاط غُموض أخرى أمام
مُحاولات التصدّي لإعطاء مفهوم للتجسس الإلكتروني والتي تُعدّ أصلاً قليلة، وما
يزيد من صُعوبة تحديد مفهوم جامع ومانع للتجسس الإلكتروني هو التطوّر والتحديث
المستمرين للوسائل والتقنيات الإلكترونيّة التي تُرتكب بها جريمة التجسس.
كما أنّ
المشرّع الجزائري قد حاول مُكافحة جريمة التجسس الإلكتروني وذلك من خلال إضفاء
الحماية على مُختلف المعطيات التي تحتويها أنظمة المعالجة الآليّة للمعطيات وتجريم
أي تلاعب أو عبث بها من الممكن أن يُؤدّي إلى إفشاء البيانات المتضمّنة فيها
وحيازتها من طرف جهات مُعادية، واستعمالها ضد المصلحة الوطنيّة والإضرار بأمن
الدّولة، حيث تمحورت السياسة الجنائيّة للمشرّع الجزائري في مكافحة جريمة التجسس
الإلكتروني بصفة خاصّة وجرائم المساس بأنظمة المعالجة الآليّة للمعطيات بصفة
عامّة، من خلال المكافحة الموضوعيّة التي اعتمدت على التجريم والعقاب، فقد تضمّن
قانون العقوبات الجزائري ومن خلال المواد 394 مكرّر إلى 394 مكرّر 08 مختلف
الأفعال المجرّمة والعقوبات المرصودة لها ضد مرتكبي الجريمة الإلكترونيّة مع تشديد
المشرّع الجزائري للعقوبة في حالة ما إذا مسّت تلك الجريمة الدفاع الوطني أو
الهيئات والمؤسسات الخاضعة للقانون العام، أمّا المكافحة الإجرائيّة لجريمة التجسس
الإلكتروني فقد رصد لها المشرّع الآليّات والإجراءات التي تتوافق مع خُصوصيّتها
وصُعوبتها التقنيّة والفنيّة، مثل نصّه في قانون الإجراءات الجزائيّة على إجراء
اعتراض المراسلات وتسجيل الأصوات والتقاط الصور وإجراء التسرّب بالإضافة إلى إجراء
المراقبة الإلكترونيّة وإجراء تفتيش منظومة معلوماتيّة وإجراء حجز معطيات
معلوماتيّة المنصوص عليهم ضمن أحكام القانون رقم 09-04، الخاص بقانون الوقاية من
جرائم تكنولوجيّات الإعلام والاتصال ومكافحتها، أمّا فيما يخص المكافحة أو التصدّي
المؤسساتي لجريمة التجسس الإلكتروني، فقد قام المشرّع الجزائري بإنشاء هيئة
مستقلّة وخاصّة بالوقاية من جرائم تكنولوجيا الإعلام والاتصال ومكافحتها، حيث
تتولى تلك الهيئة بتطبيق مُختلف الإستراتيجيات وتسخير كل الإمكانيّات الكفيلة بمنع
وقوع جريمة التجسس الإلكتروني وغيرها من الجرائم المعلوماتيّة ومُكافحتها في حالة
وقوعها.
من خلال هذه
الدراسة المستفيضة لجريمة التجسس الإلكتروني والتصدّي القانوني لها من طرف المشرّع
الجزائري، قد توصّلنا لجملة من النتائج نوردها تباعاً فيما يلي:
1- عدم وجود
مفهوم موحّد لجريمة التجسس بصفة عامّة وجريمة التجسس الإلكتروني بصفة خاصّة، حيث
اختلف الباحثون في تعريفها من حيث وقوعها على الأفراد والجماعات أو وقوعها على
الدّول، بالإضافة إلى الوسائل التي تُرتكب بها كل من جريمة التجسس التقليدي وجريمة
التجسس الإلكتروني.
2- جريمة
التجسس الإلكتروني هي جريمة دوليّة في غالبها، حيث تتمّ من طرف دول ضدّ أخرى
وسُخّرت لها مُختلف الوسائل التقنية الضخمة والمتطوّرة للقيام بها، حيث يعتبر
التجسس الإلكتروني مُهما جداً لمجابهة أي خطر ومُواجهة أي عدوان مُحتمل.
3- تختلف
جريمة التجسس الإلكتروني باختلاف الوسائل التي تُرتكب بها، بالإضافة إلى أنّ جريمة
التجسس تتطوّر اطراداً مع تطوّر التكنولوجيات والتقنيات الحديثة، وهو ما أحالنا
إلى أنّ هذه الجريمة تختلف فقدرات الدول سواء في ارتكابها أو مجابهتها باختلاف
وتبيان امتلاك التكنولوجيات الحديثة والتحكّم فيها.
4- المشرّع
الجزائري لم يقم بتجريم التجسس الإلكتروني بنصوص خاصّة، لهذا أعتبر التجسس
الإلكتروني كنوع من الجرائم الماسّة بأنظمة المعالجة الآليّة للمعطيات، تسري عليه
مُختلف الأحكام الموضوعيّة والإجرائيّة التي تسري على الجرائم الإلكترونيّة.
5- قيام
المشرّع الجزائري بتكييف منظومته الإجرائيّة مع التطوّر السريع والهائل
للتكنولوجيات والتي من الممكن أن تكون وسيلة وأداة لارتكاب الجرائم ومنها جريمة
التجسس الإلكتروني، حيث خرج المشرّع الجزائري عن القواعد التقليديّة للبحث
والتحرّي وقام باعتماد إجراءات تقنيّة حديثة تكون كفيلة للتصدي للجرائم
المعلوماتيّة عامّة وجريمة التجسس الإلكتروني خاصّة، ومن تلك الإجراءات أسلوب
اعتراض المراسلات والتقاط الصور وتسجيل الأصوات وأسلوب التسرّب بالإضافة إلى إجراء
المراقبة الإلكترونية وكل من إجراء تفتيش المنظومة المعلوماتيّة وإجراء حجز
مُعطيات معلوماتيّة.
6- اعتماد
المشرّع الجزائري على الآليات المؤسساتيّة لمكافحة جريمة التجسس الإلكتروني والعبث
بأنظمة المعالجة الآليّة للمعطيات، وذلك بإنشائه لهيئة مُستقلّة تتولّى مُهمّة
الوقاية من تلك الجرائم ومكافحتها، وهي الهيئة الوطنيّة للوقاية من تكنولوجيّات
الإعلام والاتصال ومُكافحتها، هذه الهيئة التي لاحظنا بأنّها قد شهدت تذبذباً في
طبيعتها القانونيّة وتشكيلتها وتنظيمها، حيث كانت سلطة إداريّة مستقلة عند إنشائها
في سنة 2015 لتحوّل إلى مُؤسّسة عُموميّة ذات طابع إداري في سنة 2019، بالإضافة
إلى تغيير هيئتها المسيّرة، حيث كانت تتشكّل
من لجنة مُديرة يرأسها وزير العدل وذلك بموجب المرسوم الرئاسي رقم 15-261،
ثمّ صارت تتشكّل من مجلس توجيه يتوّلى رئاسته وزير الدفاع الوطني أو ممثّله بموجب
المرسوم الرئاسي رقم 19-172.
أمّا بخصوص
التوصيات التي ندعو إليها من خلال مُداخلتنا فهي كما يلي:
1- ضرورة قيام
التشريع بتعريف التجسس الإلكتروني، وذلك لوضع تصوّر لمختلف صُوره وأركانه، وهو ما
يُعدّ احتراماً لمبدأ الشرعيّة الجنائيّة والتفسير الضيّق للنصوص الجنائيّة وعدم
إخضاعها للتأويل والتوسيع في التجريم، أمّا في حالة ما إذا كانت التشريعات ترفض
حصر جريمة التجسس الإلكتروني من خلال تعريفها وذلك تفادياً لإفلات بعض السلوكات
الإجراميّة من المتابعة والعقاب، فيجب على المشرّعين على الأقل تحديد تعريف شامل
يستطيع أن يكون صالحاً لكلّ وقت، ويغضّ الطرف عن التحديد الدقيق لوسائل ارتكاب
الجريمة التي من الممكن أن تكون محلاً للتغيّر والتطوّر المتواصل وبالتالي لا
يُمكن حصرها أو ضبطها.
2- ندعو إلى
سن اتفاقيّة دوليّة لمكافحة التجسس بمختلف أشكاله وخاصّة الإلكتروني منه، تكون
إطاراً للتشريعات الداخليّة في التجريم، بالإضافة إلى تضمين تلك الاتفاقيّة بعض
المبادئ العامّة التي تُلزم الدّول بعدم تجاوزها واحترامها، والمتعلّقة أساساً
بعقلنة التجسّس وعدم استعماله إلاّ إذا اقتضت الضرورة لدفع خطر أو مُواجهة عُدوان،
واحترام سيادة الدّول وعدم التعدّي على خُصوصيّات الأفراد وحُرمة حياتهم
الخاصّة.
3- ندعو
المشرّع الجزائري لتحديث نُصوصه التشريعيّة المتعلّقة بالجريمة المعلوماتيّة وذلك
لمواكبة تطوّر قطاع تكنولوجيات الإعلام والاتصال، حيث أنّه منذ سنة 2004 وهو تاريخ
تجريم الاعتداء على أنظمة المعالجة الآليّة للمعطيات في قانون العقوبات الجزائري
بموجب القانون رقم 04-15 المعدّل والمتمّم، لم يقم المشرّع الجزائري بتحيين تلك
النصوص، بالإضافة إلى كون تلك النصوص لا تتعدّى ثمانية مواد جاءت فضفاضة وعامّة
وشاملة، إذ أنّ هذا لا يليق بجريمة تشهد تغيّراً في وسائل وأدوات ارتكابها سنوياً
إن لم نقل شهرياً نتيجة الحركيّة العلميّة في ميدان التقنيّة والتكنولوجيات.
4- ندعو
المشرّع الجزائري إلى إعادة صفة السلطة الإداريّة المستقلّة للهيئة الوطنيّة
للوقاية من جرائم تكنولوجيّات الإعلام والاتصال ومُكافحتها، وذلك تدعيماً لمركزها
القانوني، نظراً لحجم المهمّة الملقاة على عاتقها وهي حماية قطاع هام وحسّاس جداً
في الدّولة وهو قطاع تكنولوجيات لإعلام والاتصال.