مداخلة بعنوان: آليات التصدي للجرائم العابرة للحدود في النطاق الدولي والداخلي
الملتقى الوطني الموسوم بـ: الإجرام المنظم العابر للحدود بين المكافحة
الدولية والتعاون القضائي، المنعقد يومي: 02 و 03 جويلية 2018، كلية الحقوق
والعلوم السياسية، جامعة لبليدة 2 –علي لونيسي–
الموسم الجامعي: 2017- 2018
(آليات التصدي للجرائم العابرة للحدود في النطاق الدولي والداخلي)
من إعداد:
- بن بادة عبد الحليم
- عبد العالي بشير
مـلخـص
يُعتبر
الإجرام المنظّم أو ما يصطلح عليه بالجريمة المنظّمة عبر الوطنيّة أو الجريمة
المنظّمة العابرة للحدود؛ من أخطر الظواهر الإجراميّة الحديثة ومن أبرز التحديّات
التي تواجه دول العالم كافّة، حيث يُعاني العالم اليوم من التنامي المتزايد
للجماعات الإجراميّة المنظّمة العابرة للأوطان والتي تطوّرت بصفة رهيبة بسبب
الثورة التكنولوجيّة والتقنيّة التي يشدها العالم اليوم، فمخاطر الجريمة المنظّمة
لم تعد تقتصر من حيث الأثر على إقليم الدولة الذي تُرتكب فيه؛ بل تعدّته إلى
أقاليم دول أخرى، وهو ما أعتبر تهديداً صارخاً للأمن والاستقرار على المستويين
الدولي والوطني.
هذا النوع من
الإجرام المنظّم قد أصبح يشكّل مصدر قلق بالغ لكل أفراد المنظومة الدوليّة، خاصّة
في ظل الحجم الكبير للأموال والإمكانيّات الهائلة التي صارت تملكها تلك المنظمات
الإجراميّة، حتّى أصبحت تمثّل كيانات موازية للدّول وتتورّط في الكثير من
المؤامرات والنزاعات السياسيّة والأمنيّة، حيث استدعى ذلك من المجتمع الدولي البحث
عن أنجع السبل لمكافحة ظاهرة الجريمة المنظّمة سواء على المستوى الدولي أو الوطني،
ولعلّ أهم بادرة لذلك هي قيام منظّمة الأمم المتحدة بإصدار اتفاقيّتها الخاصّة
بمكافحة الجريمة المنظّمة عبر الوطنية في سنة 2000، لتقوم أغلب دول العالم
بالمصادقة عليها وتضمين مُحتواها ضمن تشريعاتها الداخليّة، خاصّة وأنّ تلك
الاتفاقيّة قد تضمّنت الكثير من الأحكام الموضوعيّة والإجرائيّة الكفيلة بمحاربة
الجريمة المنظّمة سواء على الصعيدين الدّولي أو الوطني.
الكلمات
المفتاحية: جريمة منظّمة، تهريب، مكافحة موضوعيّة، مكافحة
إجرائيّة، تعاون دولي.
Abstract
Organized crime or so-called transnational organized crime or
transnational organized crime is one of the most serious modern criminal
phenomena and one of the most prominent challenges facing all the countries of
the world, as the world today is experiencing the growing growing organized
criminal groups. The transnational nature, which has evolved dramatically
because of the technological and technical revolution that the world is
tightening today, is no longer limited to the territory of the state in which
it is committed, but has been extended to the territories of other countries,
which was considered a flagrant threat to security. Stability at the
international and national levels.
This type of organized crime has become a major concern for all members
of the international system, especially given the huge amount of money and
potential that these criminal organizations have become, and have become
parallel entities and involved in many One of the most important initiatives is
the issuance of its convention on combating transnational organized crime. In
2000, most countries in the world ratified it and included its containment in
its domestic legislation, particularly since the agreement contained many
substantive and procedural provisions to combat organized crime, both
internationally and nationally.
KeyWords: Organized crime, smuggling,
objective combat, procedural combat, international cooperation.
مقدّمة
تُعتبر
الجريمة قديمة قدم الإنسان في الأرض ومتطوّرة بتطوّر معيشته وظُروفه الحياتية، وهو
ما يستشف من نوعية الوسائل التي أضحت تُرتكب بها الجرائم، وكذا ظُهور صور جديدة
لها لم تعرف من قبل وحدوث تغير مُتسارع في أساليب ارتكاب الجريمة، وهو ما أعطى
انطباعاً قوياً بأنّ الجريمة أصبحت متّصلة اتصالاً وثيقاً بحركة التصنيع وبوسائل
النقل السريع، بالإضافة إلى استغلال مُرتكبيها للحريّة التي يشهدها العالم في
تنقّل الأشخاص والأموال وتوظيف التطوّر أو الطفرة التكنولوجية الهائلة التي تمرّ بها
البشريّة.
ذلك الوقائع
المعاش اليوم في نوعيّة الجرام المرتكبة، أظهر الاستجابة السلبيّة والعكسيّة لدى
بعض البشر لما أفرزته الثورة الصناعيّة والتكنولوجيّة الحديثة، حيث تمّ استغلال كل
ذلك في تطوير الإجرام في نسق أفضى إلى جعل غالبيّة الأنشطة الإجراميّة تتم في إطار
منظّم، وأخذت أبعاداً خاصّة من حيث تجاوزها لطابع المحليّة، وهو ما جعل الجرائم
تتمّ بقدرٍ عالي من التركيز والتحكّم في السلوك بعدما كانت تتمّ ببساطة وعفويّة.
وما زاد من
خطورة هذا النوع من الإجرام المنظّم العابر للحدود؛ هو حجم الأموال الضخم الذي
كانت الجريمة المنظّمة العابرة للحدود سبباً في تمركزه بيد فئة معيّنة من الأشخاص
الأمر الذي جعلهم يحترفون ارتكاب الإجرام كمصدر للربح السريع وكسب الأموال
الطائلة، حيث تشكّلت جماعات إجراميّة منظّمة قويّة وكبيرة تُضاهي في حجمها كبرى
الشركات الدوليّة في العدّة والعتاد، وتضمّ مجموعة من الأشخاص ينتمون إلى مستويات
اقتصاديّة واجتماعيّة وثقافيّة مُتباينة، بما في ذلك المختصون في مجال القانون
والمال والاقتصاد إلى جانب ذوي الكفاءات العالية في تكنولوجيا الاتصال.
المجتمع
الدولي لم يقف مكتوف الأيدي أمام هذه الظاهرة الحديثة، خاصّة وأنّها صارت ذات بُعد
دولي أكبر منه محلي، وما تسببت فيه من زعزعة لأمن الدّول واقتصاديّاتها نتيجة ركوب
منظّمات الإجرام العابر للحدود موجات النزاعات والمشاكل التي تشهدها أماكن وبُؤر
التوتّر المنتشرة في مُختلف أطراف الكرة الأرضيّة ونواحيها.
حيث انخرطت
جميع دول العالم في مُكافحة الإجرام المنظّم العابر للحدود وذلك من خلال اتخاذ
العديد من الإجراءات الكفيلة بذلك، سواء أكان ذلك على المستوى المحلي أو الإقليمي
أو الدولي ولعل اتفاقيّة الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظّمة العابرة للحدود
الوطنيّة التي عُرضت بتاريخ 15 نوفمبر 2002 للمصادقة عليها في الجمعيّة العامّة
للأمم المتحدة في دورتها الخامسة والخمسون إحدى نتائج ذلك، حيث تبنّت هذه
الاتفاقيّة تعزيز التعاون على منع وقوع الجريمة المنظّمة عبر الوطنيّة ومُكافحتها
بمزيد من الفعاليّة باعتبارها "هيكل تنظيمي مؤلّف من ثلاثة أشخاص أو أكثر،
موجودة لفترة من الزمن وتعمل بصورة مُتضافرة من أجل الحصول بشكل مُباشر أو غير
مُباشر على منفعة ماليّة أو ماديّة أو تحقيق أهداف أخرى".
ولأنّ
التشريعات الوطنيّة غالباً ما انبثقت عن الاتفاقيّات الدوليّة في العديد من
أحكامها، قام المشرع الجزائري هو الآخر بتكييف منظومته القانونيّة بما يتلاءم مع
أحكام اتفاقيّة الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظّمة عبر الوطنيّة التي صادقت
عليها الجزائر بموجب المرسوم الرئاسي رقم 02-55 المؤرّخ في 05 فيفري 2002.
من خلال كل
ذلك ارتأينا معالجة موضوع التصدّي للجريمة المنظّمة العابرة للحدود الوطنيّة سواء
على المستوى الدولي أو الإقليمي، مثيرين الإشكال التالي: ما هي الآليّات
والإجراءات القانونيّة المتّخذة لمكافحة الجريمة المنظّمة العابرة للحدود الوطنيّة
على المستوى الدولي والمحلّي؟.
للإجابة على
هذه الإشكاليّة اقترحنا تقسيم المداخلة وفق الخطة التالية:
المبحث الأول:
آليّات التصدّي للجريمة المنظّمة العابرة للحدود على المستوى الوطني
المطلب الأول:
الآليّات الموضوعيّة
المطلب
الثاني: الآليّات الإجرائيّة
المطلب
الثالث: الآليّات المؤسّساتية
المبحث
الثاني: آليّات التصدّي للجريمة المنظّمة العابرة للحدود على المستوى الدولي
المطلب الأول:
المساعدة القانونيّة المتبادلة
المطلب
الثاني: تنفيذ الأحكام القضائيّة الأجنبيّة
المطلب
الثالث: تسليم المجرمين ومُصادرة العائدات الإجراميّة
المبحث الأوّل: آليّات التصدّي للجريمة المنظّمة العابرة للحدود على المستوى الوطني
بعد مُصادقة
الجزائر بتحفّظ على اتفاقيّة الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظّمة العابرة
للحدود الوطنيّة بموجب المرسوم الرئاسي رقم 02-55 ، قام المشرع الجزائري بمراجعة
كبيرة لمنظومته القانونيّة والتشريعيّة بغرض تكييفها مع أحكام تلك الاتفاقيّة،
خاصّة وأنّ الجزائر قد عانت من ويلات الإجرام المنظّم العابر للحدود الوطنية في
العشريّة السوداء، إذ كان أحد أهم روافد ومصادر تمويل الجماعات الإرهابيّة التي
عاثت في البلاد فساداً، حيث قام المشرّع الجزائري بانتهاج مُراجعة شاملة تركّزت
على العموم في ثلاثة محاور تمثّل الأوّل في تجريم مُختلف الأفعال الموصوفة بأنّها
إجرام منظّم وتشديد العقوبات الردعيّة ضدّ مُرتكبيها وهو ما سمي بالأحكام
الموضوعيّة (المطلب الأول)، أمّا المحور الثاني فكان من خلال سن إجراءات جديدة
لمتابعة ومكافحة الإجرام المنظّم بما يتوافق مع حركيّة وتطوّر وسائل ارتكاب هذا
النوع من الجريمة، بالإضافة لتغيير بعض القواعد العامّة في الإجراءات وهو ما أطلق
عليه بالآليّات الإجرائيّة (المطلب الثاني)، كذلك في سبيل مُكافحته للجريمة
المنظّمة العابرة للحدود اعتمد المشرّع الجزائري على الشق المؤسّساتي، وذلك من
خلال استحداث وإنشاء العديد من الهيئات المنوط بها مهمّة مُكافحة الجرائم المنظّمة
العابرة للحدود (المطلب الثالث).
المطلب الأوّل: الآليّات الموضوعيّة
على الرغم من
أنّ المشرّع الجزائري لم ينص على تجريم خاص بالجريمة المنظّمة قائم بذاته إلاّ أن
التشريع الجزائري قد تضمّن بعض الأحكام الخاصّة بالجريمة المنظّمة في قانون
الإجراءات الجزائية ، وكذا انتهاجه أسلوب تجريم مُختلف السلوكات المعتبرة إجراماً
منظّماً كالاتجار بالمخدّرات والمؤثّرات العقليّة والفساد والتهريب وتبييض العائدات
الإجراميّة وتمويل الإرهاب، حيث خصّص المشرّع الجزائري لكل جريمة من تلك الجرائم
قانوناً خاصاً بها وهو ما سنتناوله تباعاً وفق ما يلي:
الفرع الأوّل: جريمة الاتجار بالمخدّرات والمؤثّرات العقليّة
تُعتبر جرائم
المخدّرات من أبرز صور الإجرام المنظّم وأكثرها شيوعاً في المجتمعات المعاصرة، حيث
بلغ حجم الأموال الناتجة عن الاتجار بالمخدّرات حوالي 400 مليار دولار سنويا أي ما
يعادل 08 % من إجمالي الصادرات العالميّة، وتشير بعض الإحصائيّات إلى أنّ الأرباح
الناتجة عن تجارة المخدّرات والتي تحصّلت عليها جماعات الجريمة المنظّمة متعدّدة
الجنسيات؛ تتراوح بين 450 و750 مليون دولار سنوياً، وأنّ حجم الأموال المتحصّلة من
تجارة المخدّرات في أمريكا تصل إلى 100 مليار سنوياً.
حيث يشكّل
الاتجار غير المشروع بالمخدّرات المصدر الرئيسي للموارد الماليّة التي تجنيها
المنظّمات الإجراميّة من وراء أنشطتها.
المشرّع
الجزائري نصّ على تجريم الاتجار بالمخدّرات والمؤثّرات العقليّة في قانون خاص وهو
القانون رقم 04-18 ، حيث يُلاحظ على هذا القانون استعمال مُصطلح الجماعة
الإجراميّة المنظّمة في المادة 17 منه.
القانون رقم
04-18 تضّمن عدّة تدابير في سبيل مُكافحة هذه الجريمة التي تدر أموالاً طائلة على
أفراد الجماعات الإجراميّة المنظّمة، بالإضافة إلى تسبّبها في إحداث مشاكل
اجتماعيّة خطيرة، حيث تمحورت سياسة المشرّع من خلال القانون 04-18 في اتخاذ تدابير
وقائيّة وأخرى علاجيّة من أجل مُحاربة الاتجار بالمخدّرات والمؤثّرات العقليّة،
كذلك تضمّن نفس القانون أحكام جزائيّة ضد كل من حرّض أو شارك في ارتكاب الجريمة،
كما تُشدّد العقوبة لتصل إلى السجن المؤبّد في بعض الحالات وفق ما هو منصوص عليه
في المادة 22 والمادة 23 وتُضاعف في حالة العود.
الفرع الثاني: جريمة تبييض الأموال
يعدّ نشاط
تبييض الأموال أحد أكبر الأنشطة التي تقوم بها المنظّمات الإجراميّة العابرة
للحدود الوطنيّة، فمن خلال تبييض الأموال يتمّ استغلال واستثمار العائدات
الإجراميّة التي تدرّها مُختلف الأنشطة الجرميّة على المنظّمات العابرة للحدود، بل
إنّ تبييض الأموال في حدّ ذاته يُعتبر صورة من صور الجريمة المنظّمة العابرة
للحدود الوطنيّة كونه يمرّ عبر عدّة مراحل معقّدة ومتنوّعة ويُرتكب على أراضي عدّة
دول مُختلفة.
قام المشرّع
الجزائري بتجريم نشاط تبييض الأموال بمُقتضى القانون رقم 04-15 المؤرّخ في 10
نوفمبر 2004، المعدّل والمتمّم لقانون العقوبات الجزائري، وذلك من خلال استحداث
المادة 389 مكرّر إلى غاية المادة 389 مكرّر 07.
المشرّع
الجزائري خصّ جريمة تبييض الأموال بنص قانوني خاص وهو القانون رقم 05-01 المؤرّخ في 06 فيفري 2005 المتعلّق بالوقاية من
تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومُكافحتهما.
حيث حدّد
القانون رقم 05-01 الأشخاص المُلزمون بواجب الإخطار بالشبهة في المادة 19 منه وهي
المادة التي كانت قبل ذلك مُتضمّنة في قانون المالية لسنة 2003 ضمن المواد من 104
إلى 110.
حيث يتبيّن
لنا من خلال دراسة القانون رقم 05-01 أنّ المشرّع الجزائري قد وضع كل الآليّات
اللاّزمة لمُكافحة جريمة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وهو بذلك يكون قد حاول
بجديّة تجفيف منابع تمويل الجماعات الإجراميّة وقطع الطريق أمام الإجرام المنظّم
العابر للحدود في استعمال الأموال التي تحصّل عليها من ارتكابه للجرائم.
الفرع الثالث: جرائم الفساد
أصبحت ظاهرة
الفساد في الوقت الحالي الوسيلة الرئيسيّة التي تلجأ إليها الجماعات الإجراميّة
المنظّمة والتي لا تستطيع الاستغناء عنها بأي حال من الأحوال، إلى درجة يمكن القول
معها بأنّه لولا الفساد لما استطاعت هذه الجماعات أن تبلغ بإجرامها درجة من
الخطورة مهدّدة للأمن والسلم الدوليين.
المشرّع
الجزائري قام كذلك في سبيل مُكافحة هذه الجريمة بالمصادقة على عدة اتفاقيّات
دوليّة وإقليميّة لها علاقة بهذا الشأن، خاصّة اتفاقيّة الأمم المتحدة لمكافحة
الفساد والمصادق عليها بموجب المرسوم الرئاسي رقم 04-128 ، ليقوم المشرّع الجزائري
بعدها بإصدار نص خاص متضمّناً مُختلف الجرائم التي تُعتبر فساداً وذلك بموجب
القانون رقم 06-01 المتعلّق بالوقاية من
الفساد ومُكافحته، هذا القانون تضمّن سياسة شاملة وقائيّة وعقابيّة، فهذا يستشفّ
من اسمه أولاً ثمّ من خلال النصوص القانونيّة التي تضمنها لا من حيث إجراءات
النزاهة والشفافيّة التي دعا إليها ولا من حيث مُختلف العقوبات التي رصدها من أجل
قمع كل صور الفساد، مع العلم أنّ تلك الأحكام كانت متضمّنة في قانون العقوبات
الجزائري ليتمّ إلغاءها وجمعها في هذا القانون الخاص.
الفرع الرابع: جرائم التهريب
التهريب هو
إدخال البضائع إلى البلاد وإخراجها منها بصورة مُخالفة للتشريعات المعمول بها دون
أداء الرسوم الجمركيّة والرسوم والضرائب الأخرى كلياً أو جزئياً أو خلافاً لأحكام
المنع والتقييد الواردة في القانون.
والتهريب
يُعتبر من أبرز وسائل المنظّمات الإجراميّة العابرة للحدود في ارتكاب الجرائم،
ولأنّ كل أنشطة تلك الجماعات غير قانونيّة وغير شرعيّة، فهي تسعى دائماً إلى
استعمال أسلوب التمويه والإخفاء عبر المنافذ البريّة والبحريّة والجويّة.
المشرّع
الجزائري ومن أجل مُكافحة هذه الجريمة قام بإصدار الأمر رقم 05-06 المؤرّخ في 23 أوت 2005 المتعلّق بمكافحة
التهريب.
حيث تضمّن هذا
القانون مجموعة من التدابير الوقائيّة والتدابير القمعيّة لمكافحة التهريب على
المستوى الوطني، فالتدابير الوقائيّة نصّت عليها المادة 03 من الأمر رقم 05-06
والتي بيّنت أهميّة الوقاية واتخاذ التدابير المُسبقة للحد من ظاهرة التهريب
وإشراك المجتمع المدني في مجال مُكافحة التهريب، كما تضمّن القانون تقديم تحفيزات
ماليّة لكل من يقوم بمهمّة الكشف عن عمليّات التهريب وهو ما نصّت عليه المادة 05
من القانون رقم 05-06، أمّا بالنسبة للأحكام الجزائيّة فقد نصّت عليها المواد من
10 إلى غاية 15 من نفس القانون.
المطلب الثاني: الآليّات الإجرائيّة
لقد أخضع
المشرّع الجزائري قانون الإجراءات الجزائيّة لعدّة تعديلات تضمّنت في مُجملها
تغييراً لبعض القواعد العامّة الخاصّة بمتابعة الجريمة المنظّمة العابرة للحدود
بالإضافة لاستحداث وسائل وآليّات جديدة للبحث والتحري عن مثل تلك الجريمة، كل هذا
جاء مُسايرة من طرف المشرع لخطورة الإجرام المنظّم العابر للحدود وكذا تطوّر وسائل
ارتكابه، حيث نذكر مثلاً المرسوم التنفيذي رقم 06-348 المؤرّخ في 05 أكتوبر 2006 المتضمّن تمديد
الاختصاص المحلّي لبعض المحاكم ووكلاء الجمهوريّة وقضاة التحقيق، فقد نص في المادة
الأولى منه على تمديد الاختصاص المحلي في بعض الجرائم ومنها الجريمة المنظّمة إلى
دوائر اختصاص محاكم أخرى، ويخصّ هذا الإجراء بعض المحاكم ووكلاء الجمهوريّة وقُضاة
التحقيق، وعلى سبيل المثال قد نصّت المادة الثانية من نفس المرسوم على تمديد
الاختصاص المحلي لمحكمة سيدي أمحمد ووكيل الجمهوريّة وقاضي التحقيق بها إلى محاكم
المجالس القضائيّة لكل من الجزائر والشلف والأغواط والبليدة والبويرة وتيزي وزو
والجلفة والمدية ولمسيلة وبومرداس وتيبازة وعين الدفلى.
كذلك سجّل
قانون الإجراءات الجزائيّة الجزائري قفزة نوعيّة في مجال مُحاربة الجريمة المنظّمة
العابرة للحدود وذلك بعد تعديل القانون رقم 06-22
المؤرّخ في 20 ديسمبر 2006، فالمادة 16 من القانون المعدّل مدّدت الاختصاص
المحلي لضبّاط الشرطة القضائيّة عند بحث ومُعاينة الجريمة المنظّمة إلى كامل
الإقليم الوطني، كما نصّت المادة 16 مكرّر على السماح لضبّاط الشرطة القضائيّة
وتحت سُلطتهم أعوان الشرطة القضائيّة بتمديد عبر كامل التراب الوطني عمليّة
مُراقبة الأشخاص الذين يُشتبه فيهم ارتكاب جريمة منظّمة، كما يجوز لهم مُراقبة
وجهة نقل أشياء أو أموال أو متحصّلات من ارتكاب هذا النوع من الجرائم أو قد
تُستعمل في ارتكابها، كما أجازت المادة 47 من قانون الإجراءات الجزائيّة القيام
بعمليّة التفتيش والمعاينة والحجز في كل محل سكني أو غير سكني في كل ساعة من ساعات
النهار أو الليل بناءاً على إذن مُسبق من وكيل الجمهوريّة في حالة وجود جريمة
منظّمة عابرة للحدود، كما يجوز لقاضي التحقيق أن يقوم بأي عمليّة تفتيش أو حجز
ليلاً أو نهاراً في أي مكان على امتداد التراب الوطني، أو يأمر ضبّاط الشرطة
القضائيّة المختصّين للقيام بذلك.
أمّا التوقيف
للنظر فإنّ المواد من 61 إلى 65 سمحت بتمديده بإذن مكتوب من طرف وكيل الجمهوريّة
ثلاث مرّات إذا تعلّق الأمر بجريمة منظّمة، وأعفت المادة 64 في حالة الأمر
بالتحقيق في جريمة منظّمة عابرة للحدود من تقديم رضا صريح مكتوب بخط يد الشخص الذي
تُتخذ في حقّه إجراءات تفتيش المساكن ومُعاينتها وضبط الأشياء المثبّتة للتهمة.
لقد تميز
القانون رقم 06-22 باستحداث فصلين كاملين جديدين هما الفصل الرابع والخامس من
الباب الثاني ضمن الكتاب الأول، وذلك في إطار عصرنة وتطوير وسائل البحث والتحري عن
الجرائم، فالفصل الرابع جاء تحت عنوان "في اعتراض المراسلات وتسجيل
الأصوات والتقاط الصور"، حيث أجازت المادة 65 مكرّر 05 لوكيل الجمهورية
في إطار التصدّي للجريمة المنظّمة العابرة للحدود أن يأذن إذا اقتضت ضرورة التحرّي
في الجريمة المتلبس بها أو التحقيق الابتدائي؛ اعتراض المراسلات التي تتمّ عن طريق
وسائل الاتصالات السلكيّة واللاسلكيّة، ووضع ترتيبات تقنيّة دون مُوافقة المعنيين
من أجل التقاط وتثبيت وبث وتسجيل الكلام المتفوّه به بصفة خاصّة أو سريّة من طرف
شخص أو عدّة أشخاص سواء في أماكن خاصّة أو عموميّة، أو التقاط صور لشخص أو عدة
أشخاص يتواجدون في مكان خاص، كما أجازت الدخول إلى المحلاّت السكنيّة أو غيرها
خارج المواعيد المحدّدة قانوناً وبغير علم أو رضا الأشخاص الذين لهم حق على تلك
الأماكن.
ويكون الإذن
المسلّم من وكيل الجمهوريّة في الحالات السابقة لمدّة أقصاها 04 أشهر قابلة
للتجديد.
أمّا الفصل
الخامس والذي جاء تحت عنوان "التسرّب" فقد أجاز في المادة 65
مكرّر 11 وما بعدها في إطار مُكافحة الجريمة المنظّمة وبعد إخطار وكيل الجمهوريّة
أن تُباشر عمليّة التسرّب وذلك بمُراقبة الأشخاص المشتبه في ارتكابهم جناية أو
جنحة من طرف ضابط أو عون شرطة قضائيّة، وذلك بإيهامهم أنّه فاعل أصلي معهم أو شريك
لهم أو خاف وذلك باستعمال هويّة مُستعارة.
كذلك نص قانون
الإجراءات الجزائية في المادة 37 منه على تمديد الاختصاص المحلي لوكيل الجمهورية
إلى دائرة اختصاص محاكم أخرى إذا تعلّق الأمر بجريمة منظّمة، المادة 125 مكرّر
كذلك أجازت لقاضي التحقيق تمديد الحبس المؤقّت إلى إحدى عشرة مرّة وذلك في
الجنايات العابرة للحدود، نجد كذلك المادة 603 من قانون الإجراءات الجزائيّة قد
نصّت على عدم استفادة المحكوم عليهم بسبب جريمة منظّمة من نظام وقف تنفيذ الإكراه
البدني رغم ثبوت إعسارهم المالي وهو استثناء عن القاعدة العامّة.
وفي مجال
تقادم الدعوى العموميّة والعقوبة نص المشرّع الجزائري صراحة في المواد 08 مكرّر
و612 مكرّر على التوالي على أنّه لا تتقادم المتابعة في الجرائم المنظّمة العابرة
للحدود الوطنيّة وكذا العقوبات المحكوم بها.
المشرّع
الجزائري كذلك وفي إطار سياسته الوقائيّة للتصدي للإجرام المنظّم العابر للحدود
الوطنيّة، قد نصّ في قانون الإجراءات الجزائيّة على جملة من الإجراءات الخاصّة
بحماية الشهود والمبلّغين عن الجرائم المنظّمة، حيث قام المشرّع الجزائري سنة 2015
ومن خلال الأمر رقم 15-02 ، بإضافة فصل كامل ضمن الباب الثاني من الكتاب الأوّل من
قانون الإجراءات الجزائيّة، حيث سمّى ذلك الفصل السادس بعنوان "في حماية
الشهود والخبراء والضحايا"، والذي نصّ فيه المشرّع الجزائري على إمكانيّة
استفادة الشهود والخبراء من تدبير أو أكثر من تدابير الحماية غير الإجرائيّة و/أو
الإجرائيّة المنصوص عليها في هذا الفصل إذا كانت حياتهم أو سلامتهم الجسدية أو
حياة أو سلامة أفراد عائلاتهم أو أقاربهم أو مصالحهم الأساسيّة معرّضة لتهديد خطير
بسبب المعلومات التي يمكنهم تقديمها للقضاء والتي تكون ضروريّة لإظهار الحقيقة في
قضايا الجريمة المنظمّة أو الإرهابيّة أو الفساد.
حيث تتمثّل
التدابير غير الإجرائيّة لحماية الشاهد والخبير على الخصوص في:
- إخفاء
المعلومات المتعلّقة بهويّته.
- وضع رقم
هاتفي خاص تحت تصرفه.
- تمكينه من
نقطة اتصال لدى مصالح الأمن.
- ضمان حماية
جسديّة مقرّبة له مع إمكانيّة توسيعها لأفراد عائلته وأقاربه.
- وضع أجهزة
تقنيّة وقائيّة بمسكنه.
- تسجيل
المكالمات الهاتفيّة التي يتلقاها أو يُجريها بشرط موافقته الصريحة.
- تغيير مكان
إقامته.
- منحه
مُساعدة اجتماعيّة أو ماليّة.
- وضعه إن
تعلّق الأمر بسجن يتوفّر على حماية خاصّة.
كذلك يستفيد
الضحايا من التدابير غير الإجرائيّة في حالة ما إذا كانوا شهوداً.
أمّا التدابير
الإجرائيّة لحماية الشاهد والخبير فتتمثّل في:
- عدم الإشارة
لهويّته أو ذكر هويّة مُستعارة في أوراق الإجراءات.
- عدم الإشارة
لعنوانه الصحيح في أوراق الإجراءات.
- الإشارة
بدلاً من عنوانه الحقيقي إلى مقر الشرطة القضائيّة أين تمّ سماعه أو إلى الجهة
القضائيّة التي سيؤول إليها النظر في القضيّة.
- كذلك يُمكن
وضع وسائل تقنيّة تسمح بكتمان هويّة الشاهد أو الخبير بما في ذلك السماع عن طريق
المحادثة المرئيّة عن بعد واستعمال الأساليب التي لا تسمح بمعرفة صورة الشخص
وصوته.
كذلك يمكن
للنيابة العامّة أو المتهم أو الطرف المدني أو دفاعهما تقديم الأسئلة المراد طرحها
للشاهد على قاضي التحقيق، ويتّخذ قاضي التحقيق كل التدابير التي تضمن الحفاظ على
سريّة هويّة الشاهد ويمنعه من الجواب على الأسئلة التي قد تؤدّي إلى الكشف عن
هويّته.
المشرّع
الجزائري كذلك نصّ في قانون الإجراءات الجزائيّة بموجب الأمر رقم 15-02 المعدّل والمتمّم
لقانون الإجراءات الجزائيّة على مُعاقبة كل من يقوم بالكشف عن هويّة أو عنوان
الشاهد أو الخبير المحمي بالحبس من ستة (06) أشهر إلى خمس (05) سنوات وبغرامة من
50.000دج إلى 500.000دج.
كذلك المشرّع
الجزائري قد نصّ في المادة 45 من القانون رقم 06-01 المتعلّق بالوقاية من الفساد
ومكافحته، على حماية الشهود والخبراء والمبلّغين والضحايا، من كل شخص يمكن أن يلجأ
إلى الانتقام منهم أو ترهيبهم أو تهديدهم بأيّ طريقة كانت أو بأي شكل من الأشكال،
سواء ضدّهم أو ضدّ أفراد عائلاتهم وسائر الأشخاص وثيقي الصلة بهم، حيث عاقب المشرّع
على ذلك بالحبس من ستة (06) أشهر إلى خمس (05) سنوات وبغرامة من 50.000دج إلى
500.000دج.
يبقى أن نشير
في هذا المقام أنّ الجزائر قد عرفت حركة تشريعيّة كبيرة وجدريّة بموجب تعديل قانون
الإجراءات الجزائيّة في سنة 2006، منح من خلاله المشرّع للضبطية القضائيّة الدور
الجوهري في مجال مُكافحة الجريمة المنظّمة والتصدّي لها مُتماشياً بذلك مع سياسة
التشريع الدولي، لاسيما الاتفاقيّات التي صادقت عليها الجزائر وأهمّها اتفاقيّة
الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظّمة عبر الوطنيّة.
المطلب الثالث: الآليّات المؤسّساتيّة
لقد سلك
المشرّع الجزائري في سياسته الرامية إلى التصدّي للإجرام المنظّم العابر للحدود
الوطنيّة، طريق إنشاء العديد من المؤسّسات والهيئات المستقلّة المنبثقة عن
القوانين الخاصّة التي عُنيت بمكافحة الإجرام المنظّم العابر للحدود، وهو نهج جديد
اعتمده المشرّع الجزائري ربّما استجابة للنصوص القانونيّة التي صادق عليها وهو ما
سنتناوله تباعاً في هذا المطلب.
الفرع الأوّل: خليّة مُعالجة الاستعلام المالي
بهدف مُواجهة ظاهرة تبييض الأموال العائدة من
جرائم الفساد وغيرها من الجرائم قام المشرّع الجزائري بإنشاء جهاز مُستقل
للتحريّات المالية لدى الوزير المكلّف بالمالية مُباشرة بعد المصادقة على
الاتفاقيّة الدوليّة لمكافحة الجريمة المنظّمة عبر الوطنيّة وذلك بعد أحداث 11
سبتمبر 2001 التي هزّت الولايات المتحدة الأمريكيّة والتي أعقبها انعقاد مجلس
الأمن الدولي في 28 سبتمبر 2001، الذي خرج بتوصيات هامّة منها التوصية على إنشاء
هيئة متخصّصة للاستعلام المالي على مستوى كل دولة.
تنفيذاً لتلك
التوصية قامت الجزائر بإنشاء خليّة مُعالجة الاستعلام المالي وذلك بموجب المرسوم
التنفيذي رقم 02-127 ، هذه الخليّة التي تُعنى بمهمّة مُكافحة جريمة تبييض الأموال
وتمويل الإرهاب في الجزائر، قد قام المشرّع في سنة 2002 بموجب القانون رقم 02-11،
المتضمّن قانون المالية لسنة 2003 ، بمنحها ضمانات مهمّة في مجال قيامها بعملها
مثل ضمانة عدم الاحتجاج بالسر البنكي في مواجهتها.
خلية معالجة
الاستعلام المالي قد بقى دورها معطلاً حتى سنة 2004، وهي السنة التي تمّ فيها
تعيين أعضاءها الستة، كذلك قام المشرّع الجزائري بتجريم الأفعال التي تشكّل
تبييضاً للأموال وتمويلاً للإرهاب ومعاقبة مرتكبيها، وذلك من خلال إصدار القانون
رقم 05-01، وتُعتبر خليّة مُعالجة الاستعلام المالي أوّل آليّة وضعها المشرّع
الجزائري لمواجهة الفساد المالي المتمثّل في جرائم تبييض عائدات الفساد المختلفة
وتمويل الإرهاب عبر البنوك وكذا الأعمال والمهن الماليّة وغير الماليّة، وتمتاز
هذه الخلية بمجموعة من الخصائص نظراً لطبيعتها القانونيّة مثل استقلاليّتها
وتمتّعها بالشخصيّة المعنويّة، كما أنّ هذه الخليّة مخوّلة للقيام بعدّة إجراءات
وأعمال وتصرّفات على المستوى الوطني والدولي لكشف أي شكل من أشكال تبييض الأموال
وتمويل الإرهاب في داخل الوطن وخارجه مع خضوع أي إجراء أو تصرف صادر عنها إلى مبدأ
المشروعية.
لقد كانت
خليّة مُعالجة الاستعلام المالي عند صدور المرسوم التنفيذي رقم 02-127 تُعتبر "مؤسّسة
عموميّة تتمتّع بالشخصيّة المعنويّة والاستقلال المالي"، إلاّ أنّه
وبصدور المرسوم التنفيذي رقم 13-157 تمّ
تعديل الطبيعة القانونيّة لخليّة مُعالجة الاستعلام المالي، حيث عدّلت المادة 02
من المرسوم التنفيذي رقم 02-127 وبالتالي صارت الخليّة "سُلطة إداريّة
مستقلّة تتمتّع بالشخصيّة المعنويّة والاستقلال المالي وتُوضع لدى الوزير المكلّف
بالمالية".
الفرع الثاني: الهيئة الوطنيّة للوقاية من الفساد ومكافحته
أكثر الآليّات
فعاليّة في مكافحة الفساد هي إنشاء هيئة خاصّة لمكافحته وهو ما أكّدته المادة
السادسة في فقرتها الأولى من اتفاقيّة الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
وبتفشّي
الفساد لم يعد مُفاجئاً تدخّل المشرّع الجزائري بنصوص قانونيّة وقائيّة من أجل
ضمان الشفافيّة في تسيير الأموال العموميّة وكذا في إدارة الشؤون العامّة، لذا نص
القانون رقم 06-01 المتعلّق بالوقاية من الفساد ومُكافحته على مجموعة من التدابير
الوقائيّة التي ترمي إلى الوقاية من جرائم الفساد.
إنشاء الهيئة
لم يكن أمراً مُفاجئاً إنّما هو واقع لا بدّ منه أمام تفشّي الفساد وضرورة البحث
عن سلطة متخصّصة تقوم بمساعدة الدّولة في مهمّة التنظيم، لتكفل كل سُلطة من
السلطات الإداريّة المستقلّة بضبط مجال معيّن ومواجهة صور الفساد فيه.
الهيئة
الوطنيّة للوقاية من الفساد ومُكافحته تعمل على تنفيذ الإستراتيجيّة الوطنيّة في
مجال مُكافحة الفساد.
وتعدّ الهيئة
سُلطة إداريّة مُستقلّة تتمتّع بالشخصيّة المعنويّة والاستقلال المالي وتُوضع لدى
رئيس الجمهورية.
يُلاحظ على
المشرّع الجزائري عدم ضبطه للمصطلحات فتارة يستعمل عبارة "هيئة "
وتارة أخرى يستعمل عبارة "سلطة" الأمر الذي أدى لعدم دقّة
المصطلح وخلق لبس في كيفيّة التعبير عن هذه المصطلحات.
يكون المشرّع
الجزائري قد حذا حذو المشرّع الفرنسي في فكرة اعتماد السلطات الإداريّة المستقلّة
التي يهدف إنشاءها إلى ضمان الحياد في مواجهة المتعاملين الاقتصاديين وكذا
الشفافيّة في الحياة السياسيّة والشؤون العامّة.
الفرع الثالث: الديوان المركزي لقمع الفساد
تمّ استحداث
الديوان المركزي لقمع الفساد استجابة لتعليمة رئيس الجمهورية رقم 03 لسنة 2009
المتعلّقة بتفعيل مُكافحة الفساد المؤرّخة في 13 ديسمبر 2009، التي تضمّنت وجوب
تعزيز آليّات مُكافحة الفساد ودعمها وهذا على الصعيدين المؤسّساتي والعمليّاتي ومن
أهم ما تمّ النص عليه في المجال المؤسّساتي هو ضرورة تعزيز مسعى الدولة بإحداث
ديوان مركزي لقمع الفساد بصفته أداة عملياتيّة تتضافر في إطارها الجهود للتصدّي
قانوناً لأعمال الفساد الإجراميّة وردعها، وهو ما تأكّد فعلاً بصدور الأمر رقم
10-05 المؤرّخ في 26 أوت 2010 المتمّم للقانون رقم 06-01 المتعلّق بالوقاية من
الفساد ومُكافحته والذي أضاف الباب الثالث مكرّر؛ الذي تمّ بموجبه إنشاء الديوان
المركزي لقمع الفساد، غير أنّه أحال إلى التنظيم اختصاص تحديد تشكيلة الديوان
وتنظيمه وكيفيّات سيره.
وتطبيقاً
لأحكام المادة 24 مكرّر من القانون رقم 06-01 المتمّمة بموجب الأمر رقم 10-05 فقد
تمّ إصدار المرسوم الرئاسي رقم 11-426.
الفرع الرابع: الديوان الوطني لمكافحة التهريب
لقد أنشأ
المشرّع الجزائري من خلال المواد 06 و07 و08 من الأمر رقم 05-06؛ الديوان الوطني
لمكافحة التهريب كهيئة مركزيّة تعمل على نطاق إقليم الجمهوريّة، حيث نصّت المادة
06 من الأمر رقم 05-06 على "أنّه هيئة تتمتّع بالشخصيّة المعنويّة
والاستقلال المالي وأنّها موضوعة تحت سلطة رئيس الحكومة" وأحالت هذه
المادة على التنظيم فيما يخص الطبيعة القانونيّة للديوان وتشكيلته وتنظيمه وسير
أعماله.
وفعلاً صدر
المرسوم التنفيذي رقم 06-286 ، والذي حدّد في مادته الثانية الطبيعة القانونيّة
للديوان حيث جاء فيها " الديوان الوطني لمكافحة التهريب مؤسّسة عموميّة
ذات طابع إداري، يتمتّع بالشخصيّة المعنويّة والاستقلال المالي، ويُدعى في صلب
النص "الديوان".
يوضع الديوان
تحت وصاية وزير العدل، حافظ الأختام ".
كما نصّت
المادة 04 من نفس المرسوم على أنّ الديوان يتكوّن من مجلس للتوجيه والمتابعة يديره
مدير عام.
المبحث الثاني: آليّات التصدي للجريمة المنظمة العابرة للحدود على المستوى الدّولي
وضعت اتفاقيّة
الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظّمة عبر الوطنيّة الموقّعة في باليرمو سنة
2000 والتي دخلت حيّز التنفيذ سنة 2003، إطاراً عاماً للتعاون الدّولي في هذا
الشأن، حيث أنّ هناك يقين بأنّ فعاليّة مُكافحة الجرائم المنظّمة العابرة للحدود
تستلزم تعميق وعي الدّول بتضامنها، بحيث ينشأ بينها تعاون متعدّد الصور سواء تمثّل
في تبادل المعلومات الأمنيّة والقضائيّة من خلال التعاون الأمني الدولي والإنابات
القضائيّة أو في تسليم المجرمين والاعتراف بحجيّة الأحكام الأجنبيّة.
كما قامت
الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة بإصدار القرار رقم 52-88 المؤرّخ في 04 فيفري 1998
والمعنون بـ " التعاون الدولي في المسائل الجنائيّة "، والذي عبّرت فيه
عن قناعتها بأنّ معاهدات الأمم المتحدة النموذجيّة بشأن التعاون الدولي في المسائل
الجنائيّة توفّر أدوات مهمّة لأجل تطوير التعاون الدولي وتُسهم في زيادة الكفاءة
في مُكافحة الإجرام، مع إيلاء الاعتبار الواجب لسيادة القانون وحماية حقوق
الإنسان.
حيث تتطلّب
دراسة آليّات التصدّي الدّولي للإجرام العابر للحدود التطرّق إلى المساعدة
القانونيّة المتبادلة في مجال البحث والتحري (المطلب الأول)، ثمّ التطرّق إلى
الاعتراف بحجيّة تنفيذ الأحكام الأجنبيّة (المطلب الثاني)، إنتهاءا بتسليم المجرمين
ومصادرة العائدات الإجراميّة (المطلب الثالث).
المطلب الأول: المساعدة القضائيّة المتبادلة
أولى الفقه
الجنائي المساعدة القضائيّة المتبادلة اهتماماً كبيراً لتحقيق القدرة على التصدّي
للإجرام العابر للحدود الوطنيّة وصد أوجه القصور القانوني التي ساعدت المنظّمات
الإجراميّة على اختراق النظم القانونيّة.
وتعدّ
المساعدة القضائيّة المتبادلة في المسائل الجنائيّة من الآليّات الفعّالة لمواجهة
الإجرام بوجه عام والجريمة المنظّمة بوجه خاص لما يشكّله التعاون في مجال
الإجراءات الجنائيّة من دور في التوفيق بين حق الدّولة في مُمارسة اختصاصها
الجنائي داخل حدود إقليمها وحقّها في توقيع العقاب.
اتفاقيّة
الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظّمة العابرة للحدود الوطنيّة نصّت في المادة
18 منها الفقرة الأولى على إجراء المساعدة القانونيّة المتبادلة، حيث نصّت على "تُقدّم
الدول الأطراف بعضها لبعض أكبر قدر ممكن من المساعدة القانونيّة في التحقيقات
والملاحقات والإجراءات القضائيّة فيما يتّصل بالجرائم المشمولة بهذه الاتفاقيّة
حسبما تنص عليه المادة 03، وتمدّ كل منها الأخرى تبادلياً بمساعدة مُماثلة عندما
تكون لدى الدّولة الطرف الطالبة دواعي معقولة للاشتباه في أنّ الجرم المشار إليه
في الفقرة 01 (أ) و (ب) من المادة 03، ذو طابع عبر وطني، بما في ذلك أنّ ضحايا تلك
الجرائم أو الشهود عليها أو عائداتها أو الأدوات المستعملة في ارتكابها أو الأدلة
عليها توجد في الدولة الطرف متلقيّة الطلب وأنّ جماعة إجراميّة منظّمة ضالعة في
ارتكاب الجرم".
من خلال نص
هذه المادة يتّضح لنا أنّ الاتفاقيّة قد دعت الدول الأطراف فيها إلى ضرورة اللّجوء
للمساعدة القضائيّة، نظراً لأهميّتها في مجال التقصّي والتحقيق عن الجريمة
المنظّمة العابرة للحدود، وأن تكون المساعدة تبادليّة بمعنى تستند إلى مبدأ
المعاملة بالمثل الذي تقوم عليه العلاقات الدوليّة.
ومن أجل تعزيز
التعاون القضائي في إطار المساعدة القضائيّة يمكن للدول أن تلجأ إلى عقد اتفاقيّات
بينها، إمّا ثنائيّة أو متعدّدة الأطراف تُضمّنها أحكاماً خاصّة بهذه المساعدة
تبيّن آليّات وميكانيزمات تطبيقها كما هو الحال في اتفاقيّة التعاون القضائي بين
الجزائر والإمارات العربيّة المتحدة ، حيث تضمّنت تلك الاتفاقيّة أحكاماً تنص على
إمكانيّة اللجوء إلى الإنابات القضائيّة، أي إمكانيّة الدولتين المتعاقدتين؛ بحق
مُطالبة الدولة الأخرى أن تُباشر في إقليمها نيابة عنها بأي إجراء قضائي متعلّق
بدعوى قيد النظر وبصفة خاصّة سماع الشهود وتلقّي تقارير الخبراء ومناقشتهم وإجراء
المعاينة وطلب حلف اليمين، وحدّدت الأحكام الخاصّة بهذه الإنابة من حيث الإرسال
والتنفيذ ، نفس الأمر كان عليه بين الجزائر والسودان في اتفاقيّة التعاون القانوني
والقضائي المُبرمة بينهما.
نُشير إلى أنّ
طلب المساعدة القضائيّة مقيّد بشروط قد حدّدتها اتفاقيّة الأمم المتحدة لمكافحة
الجريمة المنظّمة العابرة للحدود الوطنيّة، بالإضافة إلى القوانين الداخليّة ذات
الصلة كقانون الإجراءات الجزائيّة، حيث اشترطت تلك النصوص والمواثيق القانونيّة أن
يُقدّم طلب المساعدة القضائيّة المتبادلة مكتوباً أو بأي وسيلة تستطيع إنتاج سجل
مكتوب بلغة مقبولة لدى الدولة الطرف متلقية الطلب، وحدّدت عدّة شروط يجب أن يتوفّر
عليها الطلب حتى يكون صحيحاً مثل:
1- أن يكون
قضاء الدّولة الطالبة مختصاً بالنظر في الجريمة المرتكبة.
2- أن يقدّم
الطلب إلى الجهة القضائيّة المختصّة بتلقّي الطلبات وهي سُلطة مركزيّة تكون مسؤولة
ومخوّلة بتلقّي طلبات المساعدة القانونيّة المتبادلة وتقوم بتنفيذ تلك الطلبات أو
إحالتها إلى السلطات المختصّة بذلك.
3- أن يكون
طلب المساعدة القضائيّة المتبادلة مكتوباً.
أمّا من حيث
مُحتوى الطلب فيكون متضمّناً للبيانات التي وردت في اتفاقيّة الأمم المتحدة
لمكافحة الجريمة المنظّمة العابرة للحدود الوطنيّة.
أمّا الدولة
المُطالبة فتملك خيارين في هذا الشأن، إمّا خيار رفض الطلب بناءاً على الحالات
التي نصّت عليها المادة 18 في فقرتها 21، وإمّا أن يكون لها خيار قبول الطلب ويكون
ذلك بضوابط معيّنة تلزم الدّولة المطالبة بمراعاتها سواء من قبلها أو من قبل
الدّولة الطالبة.
المطلب الثاني: تنفيذ الأحكام الأجنبيّة
ظل مبدأ تلازم
السيادتين التشريعيّة والقضائيّة في المجال الجزائي من المسلّمات التي عمّرت
طويلاً في الماضي، إذ ساد اعتقاد مفاده بأنّ الأحكام الجزائيّة الصادرة عن محكمة
أجنبية لا يكون لها قوّة تنفيذيّة على إقليم دولة أخرى، أي أنّ الأحكام الجزائيّة
على خلاف الأحكام المدنيّة لا يكون لها سريان إلاّ في حدود الدّولة التي صدرت
فيها.
إلاّ أنّ ما
آلت إليه الجريمة المنظّمة بفضل تطوّر وسائل التكنولوجيا والمواصلات، أملى على
الدول واقعاً جديداً، حتّم ضرورة هجر فكرة السيادة بمفهومها التقليدي والتفاعل مع
ما وصل إليه حال هذا النوع من الإجرام وذلك بعدم المبالغة في اعتبارات السيادة
والنظرة الضيّقة لمصالح الدول.
مما سبق برزت
أهميّة الاعتراف المتبادل بحجيّة الأحكام الجنائيّة الأجنبيّة كآليّة لمكافحة
الإجرام المنظّم العابر للحدود.
استجابة
للاعتبارات السابقة عمدت العديد من الاتفاقيّات الدوليّة وعلى رأسها اتفاقيّة
الأمم المتحدة لمكافحة الفساد واتفاقيّة الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظّمة
العابرة للحدود الوطنيّة، على حث الدول الأطراف على الاعتراف بحجيّة الأحكام
الجنائيّة الأجنبيّة وإلزام القاضي الوطني على الالتزام بما يقرّره القانون
والقضاء الأجنبيين في هذا المجال.
الفرع الأوّل: الآثار السلبيّة للحكم الجنائي الأجنبي المُعترف به
يترتّب على
مبدأ إقليميّة الأحكام الجنائيّة إمكانيّة مُحاكمة المتّهم مرّة أخرى أمام القضاء
الوطني رغم سابقة الحكم عليه من قضاء دولة أجنبيّة عن ذات الفعل، ولا يؤثّر في ذلك
كون المجرم قد نفّذ العقوبة المقضي بها في الخارج أو لم ينفّذها.
أمّا الاعتراف
للحكم الجنائي الأجنبي بالحجيّة الدوليّة أي بقوّة الشيء المحكوم فيه، فإنّه يضع
حداً لإجراء مُحاكمة جديدة عن ذات الواقعة في دولة أخرى ويؤدّي إلى انقضاء الدعوى
العموميّة وعدم جواز إقامتها أو النظر فيها من جديد أمام الدولة الأخرى ضد المتّهم
نفسه، ويُطلق على ما سبق "الآثار السلبيّة للحكم الجنائي الأجنبي".
أي أنّ هذا المبدأ يحول دون مُحاكمة المتّهم مرّة أخرى أمام قضائه الوطني، واستند
في هذا الأمر على أحد المبادئ التي تحمي حقوق الأفراد وهي "عدم جواز مُحاكمة
الشخص عن فعل واحد مرّتين".
المشرّع الجزائري
حدّد جُملة من الشروط للاعتراف بالحكم الأجنبي في شقّه السلبي تتمثّل في:
1- أن تكون
الواقعة المرتكبة موصوفة بأنّها جناية مُعاقب عليها في القانون الجزائري.
2- أن تكون
الواقعة المرتكبة خارج إقليم الجمهورية.
3- أن يكون
الحكم الصادر في الخارج نهائياً.
4- في حالة
الإدانة يجب أن تكون العقوبة قد نفّذت أو سقطت عنه بالتقادم أو حصل على العفو
عنها.
الفرع الثاني: الآثار الإيجابيّة للحكم الجنائي الأجنبي المعترف به
تتمثّل الآثار
الإيجابيّة للحكم الأجنبي في تنفيذ هذا الحكم داخل إقليم دولة أخرى، أي الاعتراف
بالقوّة التنفيذيّة لهذا الحكم خارج البلد الذي صدر فيه، وذلك بالنسبة للعقوبات
الأصليّة والتبعيّة والتكميليّة.
المشرّع
الجزائري اعترف بالقوّة التنفيذيّة للأحكام الجنائيّة الأجنبيّة خاصّة تلك التي
أمرت بمصادرة الممتلكات أو الوسائل المستخدمة في ارتكاب إحدى الجرائم المنظّمة
العابرة للحدود الوطنيّة وهذا طبقاً للقواعد والإجراءات المقرّرة.
المطلب الثالث: تسليم المجرمين ومُصادرة العائدات الإجراميّة
لاشك أنّ
تطوّر الإجرام المنظّم أصبح من أهم المعضلات التي تأرّق القائمين على أجهزة إنفاذ
القانون، وذلك نظراً للقدرة التي يتمتّع بها الأشخاص الذين يحترفون هذا الإجرام في
التنصّل من سُلطان القانون الجزائي، بفضل تطوّر المواصلات وسُرعة الانتقال بين
الدول، وهو ما يستدعي البحث عن آليّات وميكانيزمات من أجل تشديد الخناق عليهم
وضمان خضوعهم للعدالة الجزائيّة.
كما أنّ
مُكافحة الجريمة المنظّمة العابرة للحدود سوف لن يكون فعّالاً ما لم تتضمّن
السياسة المنتهجة من قبل الدول في هذا المجال؛ آليّات كفيلة بضمان تجسيد التعاون
الدولي بينها في منع استفادة الجماعات التي تتورّط في ارتكاب هذا النوع من الإجرام
من الأموال التي تمثّل عائدات الأنشطة الإجراميّة المرتكبة وذلك عن طريق استرداد
العائدات الإجراميّة.
الفرع الأوّل: تسليم المجرمين
يعدّ تسليم
المجرمين واحداً من أهم مجالات التعاون الدولي إلاّ أنّه قد يمس وتراً حساساً
يتعلّق بالسيادة وقد يكون في بعض الحالات محلاً للجدل السياسي.
ويمثّل
التسليم آليّة للملاحقة الجنائيّة عبر الوطنيّة تسدّ الطريق على المتهمين بارتكاب
الجرائم والمحكوم عليهم بالإدانة، والذين قد يلوذون بالفرار من الدّولة التي
ارتكبوا فيها جرائمهم أو التي قضت محاكمها بإدانتهم، أو بصفة عامّة من الدولة
صاحبة الاختصاص بمحاكمتهم، كما أنّه يعكس التطوّر الذي أدرك الكثير من المفاهيم
بفعل ظاهرة العولمة وفي مقدّمة هذه المفاهيم ظهور القضاء الجنائي الدّولي مكمّلاً
للدّور الذي احتكره القضاء الجنائي الوطني.
والتسليم يكون
في حالتين:
1- إمّا أن
يكون الشخص المطلوب تسليمه متّهما بارتكاب جريمة وفقاً للنظام القانوني والقضائي
للدولة الطالبة، وتمكّن من الهروب خارج إقليم الدولة قبل أن يُكتشف أمره أو يُضبط
في أيّ مرحلة من مراحل الدعوى الجنائيّة وقبل صدور الحكم فيها، وفي هذه الحالة
تُقدّم تلك الدولة طلب إلى الدولة الأخرى التي هرب إليها المتّهم من أجل تسليمه
ومُحاكمته عن الجريمة المقترفة.
2- أن يكون
الشخص المطلوب تسليمه قد ارتكب الجريمة وصدر حكم بالإدانة، إلاّ أنّه تمكّن قبل أو
أثناء تنفيذ العقوبة الصادرة ضدّه من الفرار إلى دولة أخرى، فترسل طلب تسليمه
لتنفيذ العقوبة الصادرة ضدّه.
لتطبيق نظام
تسليم المجرمين يجب توفّر مجموعة من الشروط نُوجزها فيما يلي:
1- شرط
ازدواجيّة التجريم أي أن يكون الفعل المرتكب من قبل الشخص الهارب والذي يمثّل سبب
التسليم مُجرّماً في كل من قانون الدولة الطالبة والدولة المطلوب منها
التسليم.
وهو ما أكّدته
اتفاقيّة الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظّمة العابرة للحدود في المادة 16
منها الفقرة الأولى.
2- يجب أن
يكون التسليم في الجرائم التي يجوز فيها التسليم، وبالرجوع إلى اتفاقيّة الأمم
المتحدة لمكافحة الجريمة المنظّمة العابرة للحدود، نجدها قد نصّت على سريان نظام
تسليم المجرمين على الجرائم التي شملتها الاتفاقيّة وهي المشاركة في جماعة
إجراميّة منظّمة وتبييض الأموال والفساد وعرقلة سير العدالة، كما نصّت على سريان
هذا النظام على الحالات التي تنطوي على ضلوع جماعة إجراميّة منظّمة في ارتكاب جرم
خطير ذا طابع وطني.
وتكون الجريمة
خطيرة متى كان يُعاقب عليها بالحرمان التام من الحريّة لمدّة لا تقلّ عن أربع (04)
سنوات أو بعقوبة أشد.
3- الاختصاص
بطلب تسليم المجرمين، حيث يشترط القانون الجزائري من أجل إعمال نظام تسليم
المجرمين أن تكون الدولة الطالبة مُختصّة بالنظر في الجريمة محل الطلب، ويُستشف
ذلك من خلال اشتراط أن يكون التسليم إلى دولة قد اتّخذت في شأن الشخص المسلّم
إجراءات المتابعة أو حكم عليه فيها.
أما أسباب رفض
التسليم فتتمثّل فيما يلي:
1- حظر تسليم
رعايا الدولة المطلوب منها التسليم.
2- حظر تسليم
المجرمين المرتبط بالاختصاص القضائي.
3- حظر متعلّق
بانقضاء الحق.
4- حضر
التسليم المرتبط باعتبارات إنسانيّة.
الفرع الثاني: مصادرة العائدات الإجراميّة
تعدّ المصادرة
أو استرداد العائدات الإجراميّة وسيلة فعّالة في مكافحة الجريمة المنظّمة العابرة
للحدود، حيث أنّها تؤدّي إلى حرمان استفادة الجماعات التي تضّطلع بهذا النوع من الإجرام
من العائدات الماليّة والماديّة الناتجة عن جرائمها، وهو ما يقضي بضرورة التنصيص
عليها كعقوبة تكميليّة تطبّق في حالة الإدانة.
ويقتضي
التعاون الدولي في مجال مُصادرة العائدات الإجراميّة؛ إيجاد نظام خاص يجسّد
الكيفيّة التي على أساسها يتمّ تفعيل هذا الإجراء خاصّة في مجال الجريمة المنظّمة
العابرة للحدود أين تتوزّع هذه الجريمة عبر عدّة دول وهو ما قد يترتّب عليه
بالموازاة إمّا تعدّد الطلبات المتعلّقة بالمصادرة أو تعدّد الدول المنفّذة لطلب
المُصادرة.
اتفاقية الأمم
المتحدة لمكافحة الجريمة المنظّمة ذهبت إلى تشجيع الدول الأطراف على إبرام
مُعاهدات أو اتفاقيّات أو ترتيبات ثنائيّة أو مُتعدّدة الأطراف لتعزيز التعاون
الدولي.
كما حدّدت
اتفاقيّة الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظّمة العابرة للحدود، الإجراءات التي
يتمّ إتباعها في حالة اللجوء إلى وسيلة المساعدة القضائيّة المتبادلة لضبط
ومُصادرة العائدات المترتّبة عن هذه الجريمة من تقديم الطلب إلى غاية تنفيذه.
فطلب المصادرة
حتى يكون مقبولاً يجب أن يشتمل على الأحكام المتعلّقة بالمساعدة القضائيّة
المتبادلة بصفة عامّة والمنصوص عليها في المادة 18 من اتفاقيّة الأمم المتحدة لمكافحة
الجريمة المنظّمة العابرة للحدود مع مراعاة ما يقتضيه تدبير المُصادرة من
خصوصيّة.
أمّا بالنسبة
لتنفيذ الطلب فبعد تلقّي الدولة المطلوب منها المصادرة تقوم بتنفيذ الطلب وذلك
باتخاذ التدابير اللاّزمة للتعرّف على الأشياء واقتفاء أثرها وتجميدها أو ضبطها بغرض
مُصادرتها في نهاية المطاف.
وتتّبع في هذه
الحالة إحدى الطريقين:
1- أن تُحيل
الطلب إلى سُلطاتها المختصّة لتستصدر منها أمر المصادرة ولتنفيذ ذلك الأمر في حالة
صدوره، مع ضرورة أن يشتمل الطلب في هذه الحالة وصفاً للممتلكات المراد مُصادرتها
وبياناً بالوقائع التي تستند إليها الدولة الطالبة.
2- أن تُحيل
إلى سلطاتها المختصّة أمر المصادرة الصادر عن جهة قضائيّة تابعة للدّولة الطالبة
بهدف تنفيذه بالقدر المطلوب، ويكون ذلك بتقديم نُسخة مقبولة قانوناً من أمر
المصادرة التي يستند إليها الطلب الصادر عن الدولة الطالبة وبيان بالوقائع
والمعلومات بشأن النطاق المطلوب لتنفيذ الأمر.
خاتمة
لقد أصبحت
الجريمة المنظّمة العابرة للحدود الوطنيّة تشكّل هاجساً حقيقياً أكثر من أي وقت
مضى، خاصّة وأنّ العالم يشهد توترات أمنيّة وسياسيّة عديدة قد استغلتها الجماعات
الإجرامية المنظّمة من أجل ارتكاب جرائمها، فلا تخلوا بؤرة توتّر في هذا العالم
إلاّ وتواجدت فيها الجريمة المنظّمة العابرة للحدود أو كان لها يد فيها، فهي
مُلازمة للفوضى والعنف والإرهاب، كيف لا وهي التي تغدّي النزاعات والصراعات عن
طريق الاتجار بالأسلحة وتجنيد البشر في أماكن النزاعات المسلّحة، بالإضافة إلى أنّ
الجريمة المنظّمة تنتعش في أوساط الدول الهشّة والتي تعرف هزّات أمنيّة وانعدام
للدّولة والسلطة.
لهذا صار على
المجتمع الدولي اليوم أن يأخذ بجديّة أكبر مسألة التصدي للجريمة المنظّمة العابرة
للحدود، نظراً لخطرها الكبير على الأمن والسلم الدوليين، فالمجهودات الحالية
لمحاربتها هي مجهودات فرديّة في غالبها ومازالت لم ترقى إلى مرحلة المواجهة
الفعّالة والحاسمة لتلك الجريمة، لهذا يجب على المجتمع الدولي أن يُواكب حركيّة
وسُرعة تطوّر هذه الجريمة من خلال تحيين منظومته التشريعيّة دورياً بما يضمن إحداث
توافق بين وسائل ارتكاب الجريمة وآليّات مُكافحتها وقمعها، وعلى دول العالم أن
تلتزم بأن تكون أكثر إرادة في مُحاربة الإجرام المنظّم العابر للحدود، لأنّ بعض
الدول لم يسجّل عليها ذلك نتيجة تحالفها الضمني مع العصابات الإجراميّة المنظمة
لتصفية بعض حساباتها السياسيّة مع دول أخرى.
من خلال هذه
المداخلة قد توصلنا لمجموعة من النتائج نوردها تباعاً وإيجازاً كما يلي:
1- لمسنا رغبة
صادقة من طرف المنظومة الدوليّة لمحاربة الجريمة المنظّمة العابرة للحدود
الوطنيّة، وهو ما تعكسه التشريعات والإجراءات القانونيّة الخاصّة بمحاربة الجريمة
المنظّمة، وذلك نظراً لاستشعار المجتمع الدولي بخطورتها.
2- مواكبة
الجريمة المنظّمة للثورة الصناعيّة والتكنولوجيّة التي يشهدها العالم اليوم، حيث
أنّ هذه الجريمة تتطوّر من حيث أدوات ووسائل ارتكابها بتطوّر الصناعة والمواصلات
والتكنولوجيا.
3- تأخّر
المجتمع الدولي في سن التشريعات والقوانين والإجراءات لمحاربة الجريمة المنظّمة
فهي قديمة جداً ولو أنّها ظهرت في ثوب جديد، حيث نُلاحظ أنّ الاتفاقيّة الأمميّة
لمكافحة الجريمة المنظّمة قد صودق عليها في سنة 2000 ودخلت حيز التطبيق في سنة
2003.
4- الطابع
الدولي للجريمة المنظّمة فهي بالكاد تكتفي بحدود دولة واحدة بل تمتدّ لتشمل
أنشطتها العديد والكثير من الدول، بالإضافة لاحتواء هذه الجريمة أغلب الأنشطة
الإجراميّة الخطيرة كالفساد وتبييض الأموال والإرهاب والاتجار بالبشر والاتجار
بالمخدرات.
أما بالنسبة
للتوصيات التي ندعو إليها في ختام هذه المداخلة فجاءت كالتالي:
1- ضرورة
صياغة إستراتيجيّة شاملة دوليّة لمكافحة هذه الجريمة تنخرط فيه جميع الدول بدون
استثناء.
2- يجب أن
تكون هناك نيّة صادقة من طرف المجتمع الدولي لمكافحة الجريمة المنظّمة، وأن لا
يُكتفي بالاتفاقيات والمعاهدات التي بقيت في غالبها حبراً على ورق، بل إنّ الكثير
من الدول لم تصادق عليها أصلاً.
3- يجب
مُواكبة تطوّر وسائل وأدوات ارتكاب الجريمة المنظّمة العابرة للحدود الوطنيّة
بإجراءات قانونيّة وأمنيّة أكثر فعاليّة وتطوراً.
4- السعي إلى
حل النزاعات الأمنيّة والسياسيّة بالطرق السلميّة، لأنّ التجربة قد أثبتت أنّ
الإجرام المنظّم العابر للحدود يتغذى من تلك النزاعات، بل إنّ تلك المنظّمات قد
كانت سبباً في العديد من المرّات في إثارة المشاكل الأمنيّة والفوضى والنزاعات
المسلحة، مثل ما تسبّبت فيه داعش في العراق وكذا المافيا الإيطاليّة والقراصنة
الصوماليون، وهذا من أجل خلق مناطق هشّة أمنياً ورقابياً لجعلها ممراً لتجارتهم
غير الشرعيّة.
5- على دول
العالم أن تبذل المزيد من التعاون فيما بينها لمكافحة هذه الجريمة الخطيرة، وأن
تتخلى عن الفكرة المتشدّدة في السيادة الوطنيّة، لأن خطر الإجرام المنظّم أكبر
بكثير من تلك الخلافات الضيّقة بين الدول والتي تسبب عدم التنسيق فيما بينها وعدم
التعاون الجاد والفعّال في توفير ملاذات أمنة للعصابات الإجراميّة المنظّمة، كما
أنّ الإجرام المنظّم أوسع من أن تستطيع دولة واحدة مواجهته بمفردها.