مراحل إعداد البحث العلمي
تكتسي عملية إعداد البحث العلمي أهمية خاصة وذلك من حيث
التقيد بقواعد مادة المنهجية، كونها تزود الباحث بأدوات علمية لإعداد بحث علمي
ناجح، سواء فيما يتعلق بالجانب الشكلي أو الموضوعي، وهذا ما يظهر في مختلف مراحل
إعداد البحث العلمي وهي: مرحلة اختيار الموضوع ومرحلة جمع الوثائق العلمية ومرحلة
القراءة ومرحلة تقسيم الموضوع ومرحلة تخزين المعلومات.
أولا: مرحلة اختيار الموضوع:
يتم في هذه المرحلة، تحديد المشكلة العلمية التي تتطلب
حلا علميا لها، وذلك بواسطة الدراسة والبحث والتحليل لاكتشاف الحقيقة العلمية
المتعلقة بالمشكلة محل البحث.
تعد مرحلة اختيار الموضوع أولى خطوات إعداد البحث
العلمي، وتعتبر أصعب الخطوات، ذلك أن اختيار الموضوع يتوقف على مدى توفر المراجع،
خاصة إذا كان موضوع البحث جديد لم يسبق وأن كتب فيه.
1- طرق اختيار الموضوع:
هناك طريقتان لاختيار الموضوع وهي: الاختيار الذاتي
للموضوع أو تولي الأستاذ المشرف اختيار الموضوع.
أ- اختيار الموضوع من قبل الباحث (الاختيار الذاتي للم وضوع):
يتولى الباحث من تلقاء نفسه اختيار موضوع البحث الذي
يتماشى مع قدراته الفكرية والعلمية، حيث يقترح الباحث لنفسه مجموعة من الموضوعات
في تخصصه، ومن خلال المطالعة المكثفة لمحتويات هذه المواضيع يتوصل في النهاية إلى
اختيار موضوع واحد من هذه المواضيع، وبعد ذلك يعرضه على الأستاذ المشرف لتقديم
موافقته لكي يتم تسجيله نهائيا في إدارة الجامعة.
ب- اختيار الموضوع من قبل الأستاذ المشرف:
قد يعجز الطالب في الكثير من الحالات في اختيار الموضوع
لنفسه، لذلك يستعين بالأستاذ المشرف ليقترح عليه بعض المواضيع التي يمكن أن تكون
محلا للبحث. وإن كانت هذه الطريقة لا تمس سلامة الاختيار إلا أنها طريقة غير مرغوب
فيها، لأن الأستاذ المشرف قد يقترح موضوعا يتميز بقلة المراجع، وهذا ما يسبب له
متاعب كثيرة و كبيرة وخاصة في الحالات التي يكون فيها الموضوع جديدا لم تسبق له دراسات
كافية التي يمكن للباحث من خلالها تحديد نطاق عمله، وأكثر من ذلك، قد يكون هذا
الموضوع لا يتماشى مع الرغبة النفسية للباحث وهذا ما يصعب مهمة إعداد البحث العلمي.
2- العوامل المؤثرة في اختيار موضوع البحث العلمي:
تخضع عملية اختيار موضوع البحث لمجموعة من المعايير
المتعلقة بالباحث نفسهأ وبموضوع البحث، وذلك كما يلي:
أ- العوامل الذاتية المؤثرة في اختيار موضوع البحث العلمي:
تسود عملية اختيار موضوع البحث العلمي وتتحكم فيها عدة
عوامل ومعايير ذاتية متصلة بنفسية الباحث ومدى استعداداته وقدراته العلمية، ونوعية
تخصصه العلمي وكذا ظروفه الاجتماعية والاقتصادية، حيث يمكن إجمال مختلف هذه
العوامل فيما يلي:
أ-1- عامل الرغبة النفسية:
يولَد مثل هذا العامل إرادة قوة مليئة بالحيوية والنشاط،
تدفع بالباحث إلى تسخير وقته في العمل، باعتبار أن هناك نوع من الانسجام العاطفي
بين الباحث وموضوع البحث وهذا ما يجعل الباحث لا يستسلم لمختلف الصعوبات التي يمكن
أن تصاحب عمله مستقبلا، كونه يتحدى الأمور بطريقة علمية لكي يصل لهدفه الأساسي
المتمثل في إعداد بحث ناجح.
أ-2- عامل مدى توفر الاستعدادات و القدرات الذاتية:
يجب أن تكون لدى الباحث استعدادات وقدرات ذاتية تمكَنه
من إعداد بحث علمي في مجال اختصاصه، حتى يكون قادرا على الفهم والتعمق والتحليل
والرَبط والمقارنة بين مختلف أجزاء الموضوع، ومن بين هذه القدرات تحكم الباحث في
اللَغة، سواء كانت لغة وطنية أو لغات أجنبية، باعتبار أن هناك وثائق علمية مكتوبة
باللغات الأجنبية فالإطلاع عليها وفهم محتواها لتوظيفه في البحث لا يكون إلا
بالتحكم فيها.
أ-3- عامل توفر الباحث على إمكانيات اقتصادية كافية تمكَنه من إعداد البحث العلمي:
يجب على الباحث أن يتوافر على بعض القدرات الاقتصادية
التي تسمح له بالتنقل من مكان لآخر للبحث عن الوثائق العلمية، شرائها أو تصويرها،
لأن حالة الفقر تسبب متاعب للباحث وتحد من نشاطه العلمي، فالبحوث العلمية خاصة الطويلة
منها، كبحوث الماجستير والدكتواره، تتطلب وسائل مادية معتبرة من أجل التنقل
واقتناء المراجع والمصادر العلمية من المكتبات الوطنية والخارجية.
أ-4- عامل تمتع الباحث بالقدرات العقلية اللاَزمة وأخلاقيات وفضائل الباحث العلمي:
يجب أن تتوفر لدى الباحث القدرات العقلية اللازمة وسعة
الإطلاع والتفكير والتأمل والصفات الأخلاقية مثل هدوء الأعصاب وقوة الملاحظة وشدة
الصبر والموضوعية والنزاهة والابتكار.....إلخ.
أ-5- عامل احترام معيار التخصص:
لكي يكون البحث العلمي ناجحا، على الباحث اختيار بحث
يدخل في تخصصه، لأن المعلومات والمبادئ الأساسية التي اكتسبها خلال فترة دراسته وتكوين
تخصصه تمنحه استعدادات ذاتية تساعده في إعداد بحثه في أحسن صورة للوصول لأفضل
النتائج.
ب- العوامل الموضوعية المؤثرة في اختيار البحث العلمي:
بالإضافة إلى العوامل والمعايير الذاتية، هناك مجموعة من
العوامل والمعايير الموضوعية تتوقف عملية اختيار موضوع البحث العلمي عليها، ومن
أهم هذه العوامل نذكر:
ب-1- عامل مدى توفر الوثائق العلمية:
يجب على الباحث اختيار الموضوع الذي يتوفر على قدر معين
من المراجع فالقيمة العلمية للبحث تقدر بكثرة المراجع وتنوعها، فالموضوعات
المطروحة للبحث تختلف بدرجات متفاوتة من حيث كمية الوثائق والمصادر العلمية
المختلفة المتعلقة بها، فهناك موضوعات تعاني من ندرة الوثائق العلمية وهذا ما يسبب
للباحث متاعب كبيرة، كونه يضيع جهده لمدة معينة وبعد ذلك يتنازل عن هذا الموضوع.
ب-2- عامل الجدَة والابتكار:
يجب أن يكون الموضوع المراد البحث فيه جديدا و مبتكرا لم
يناقش من قبل، وذلك لغرض تقييم القدرات العلمية للباحث من جهة، وكذا تشجيع عملية
الابتكار التي تساهم في تطوير العلوم بمختلف أصنافها.
3- القواعد الأساسية المؤثرة في تحديد مشكلة البحث العلمي:
هناك ثلاثة قواعد أساسية في مرحلة اختيار الموضوع تؤثر
في تحديد مشكلة البحث، تتمثل فيمل يلي:
أ- وضوح موضوع البحث:
يجب أن يكون موضوع البحث محددا وغير غامض أو عام، حتى لا
يصعب على الباحث التعرف على جوانبه المختلفة فيما بعد، فقد يبدو الموضوع للباحث
سهلا للوهلة الأولى، ثم عندما يدقق فيه تظهر له صعوبات كثيرة قد لا يستطيع
تجاوزها، أو قد يكتشف أن هناك من سبقه في دراسة المشكلة ذاتها، أو أن المعلومات
التي جمعها مشتتة وضعيفة الصلة بالمشكلة، وهذا كله نتيجة عدم وضوح الموضوع في ذهن
الباحث و تصوره.
ب- وضوح المصطلحات:
يحذر المتخصصون من إمكانية وقوع الباحث في متاعب وصعوبات
نتيجة إهماله وعدم دقته في تحديد المصطلحات المستخدمة.
ج- تحديد المشكلة:
هي أن تصاغ مشكلة البحث صياغة واضحة، بحيث تعبر عما يدور
في ذهن الباحث وتبين الأمر الذي يرغب في إيجاد حل له.
ثانيا: مرحلة جمع الوثائق العلمية
بعد اختيار موضوع البحث العلمي وفقا للمعايير السابقة وتسجيله
لدى الجهة المختصة، تأتي مرحلة جمع الوثائق العلمية التي تتضمن كافة المعلومات
والمعارف المتعلقة بموضوع البحث، وسيتم هنا توضيح المقصود بالوثائق العلمية وكذلك
تحديد أنواعها وأماكن وجودها وكذا وسائل الحصول عليها.
1- المقصود بالوثائق العلمية:
يطلق مصطلح الوثائق العلمية على جميع المصادر والمراجع
الأولية والثانوية التي تحتوي على جميع المعلومات والحقائق والمعارف المكوَنة
لموضوع البحث.
2- أنواع الوثائق العلمية:
تنقسم الوثائق العلمية بصفة عامة إلى قسمين هما:
أ- الوثائق الأصلية الأولية والمباشرة (المصادر):
هي تلك الوثائق التي تتضمن الحقائق والمعلومات الأصلية
المتعلقة بالموضوع وبدون استعمال وثائق ومصادر وسيطة في نقل هذه المعلومات، وهي التي
يجوز أن نطلق عليها اصطلاح "المصادر"، أي أنها تلك المصادر التي قام
الباحث بتسجيل معلوماتها مباشرة استنادا إلى الملاحظة أو التجريب أو الإحصاء، أو
جمع بيانات ميدانية لغرض الخروج بنتائج جديدة و حقائق غير معروفة سابقا.
تتمثل أنواع الوثائق الأصلية والأولية في ميدان العلوم
القانونية فيما يلي:
- المواثيق القانونية العامة والخاصة، الوطنية والدولية.
- محاضر ومقررات وتوصيات هيئات المؤسسات العامة
الأساسية، مثل المؤسسة السياسية، التشريعية والتنفيذية.
- التشريعات والقوانين والنصوص التنظيمية المختلفة.
- العقود والاتفاقيات والمعاهدات المبرمة والمصادق عليها
رسميا.
- الشهادات والمراسلات الرسمية.
- الأحكام والمبادئ والاجتهادات القضائية.
- الإحصائيات الرسمية.
ب- الوثائق غير الأصلية وغير المباشرة (المراجع):
أي أنها الوثائق و المراجع التي نقلت الحقائق والمعلومات
عن الموضوع محل البحث أو عن بعض جوانبه من مصادر و وثائق أخرى، فهي تلك الوثائق
التي تستمد قوتها العلمية ومعلوماتها سواء من المصادر (الوثائق الأصلية المباشرة)
أو المراجع (وثائق غير أصلية و ثانوية)، سواء من الدرجة الأولى أو الثانية أو
الثالثة ... وهكذا، فيعتبر مرجعا من الدرجة الأولى إذا اعتمد في نقل المعلومات من
المصدر مباشرة، والمثال على ذلك إذا أراد الباحث (أ) دارسة موضوع ما في قانون
العقوبات واستعمل مباشرة نصوص هذا القانون، يعتبر بحثه مرجعا من الدرجة الأولى. ويعتبر
مرجعا من الدرجة الثانية إذا استعمل مرجعا سبق أن تطرق لهذا الموضوع، واستنادا إلى
المثال السابق يكون:
- نصوص قانون العقوبات: مصدرا أصليا.
- مرجع الباحث (أ): مرجعا من الدرجة الأولى.
- مرجع الباحث (ب): مرجعا من الدرجة الثانية.
ومن أمثلة الوثائق غير الأصلية (المراجع) في المجال
القانوني نذكر:
- الكتب والمؤلفات القانونية الأكاديمية العامة والمتخصصة
في موضوع من الموضوعات ،مثل كتب القانون الدولي، القانون الإداري، الدستوري،
القانون المدني والتجاري....،
- الدَوريات والمقالات العلمية المتخصصة.
- الرسائل العلمية الأكاديمية المتخصصة ومجموع البحوث و
الدَراسات العلمية والجامعية التي تقدم من أجل الحصول على درجات علمية.
- الموسوعات والقواميس.
3- أماكن تواجد الوثائق العلمية:
توجد الوثائق العلمية في أماكن مختلفة، كالمكتبات العامة
مثل المكتبات الجامعية والمكتبات التابعة لجهة معينة، وكما توجد في المكتبات
الخاصة التي تبيع الكتب.
4- وسائل الحصول على الوثائق العلمية:
يتحصل الباحث على الوثائق العلمية المتعلقة بموضوع البحث
بوسائل عديدة مثل:
الشراء، التصوير، الإعارة العامة والخاصة أو بوسائل
النقل والتلخيص.
ثالثا: مرحلة القراءة والتفكير
بعد جمع الوثائق العلمية التي لها صلة بالموضوع، تأتي المرحلة
الموالية المتمثلة في قراءة ما تحتويه هذه الوثائق وتقسيم الموضوع تبعا لذلك.
يقصد بمرحلة القراءة والتفكير،عمليات الإطلاع والفهم
لكافة الأفكار والحقائق التي تتصل بالموضوع، وتأمَل هذه المعلومات والأفكار تأمَلا
عقليا فكريا، حتى يتولد في ذهن الباحث النظام التحليلي للموضوع يجعل الباحث مسيطرا
على الموضوع، مستوعبا لكل أسراره وحقائقه، متعمَقا في فهمه، قادرا على استنتاج
الفرضيات والأفكار والنظريات منها.
1- أهداف مرحلة القراءة و التفكير:
تهدف القراءة إلى تحقيق مجموعة من الأهداف التي تساعد
الباحث على استخراج الأفكار التي يراها ضرورية لإعداد بحثه، ويمكن تلخيصها في
النقاط التالية:
أ- التعمق في فهم الموضوع والسيطرة على كافة جوانبه.
ب- اكتساب نظام تحليلي للمعلومات.
ج- اكتساب الأسلوب العلمي المنهجي.
د- القدرة على إعداد خطة الموضوع.
ه- الثروة اللغوية الفنية المتخصَصة.
و- اكتساب الباحث للشجاعة الأدبية.
2- شروط وقواعد القراءة:
لكي تكون قراءة الوثائق العلمية سليمة وناجحة، يجب مراعاة
مجموعة من الشروط المتمثلة فيما يلي:
أ- أن تكون القراءة واسعة وشاملة لجميع الوثائق والمصادر
والمراجع المتعلقة بالموضوع.
ب- الذكاء والقدرة على تقييم الوثائق و المصادر.
ج_ الانتباه و التركيز أثناء عملية القراءة.
د – يجب أن تكون القراءة مرتبة ومنظمة لا ارتجالية وعشوائية.
ه – يجب احترام القواعد الصحية و النفسية أثناء عملية
القراءة.
و– اختيار الأوقات المناسبة للقراءة.
ي – اختيار الأماكن الصحية والمريحة.
ن – ترك فترات للتأمل والتفكير ما بين القراءات
المختلفة.
م – الابتعاد عن عملية القراءة خلال فترات الأزمات
النفسية والاجتماعية والصحية.
3- أنـواع القراءة:
تكون قراءة الوثائق العلمية عادة على ثلاثة مراحل هي:
أ- القراءة السريعة الكاشفة:
تتم بكيفية سريعة للتعرف على الموضوعات ذات الصَلة
بالموضوع، وذلك بأخذ نظرة كلَية خاطفة للموضوع، عن طريق تصفح فهارس الوثائق
بعناوينها الأساسية والجزئية، كما تشمل القراءة السريعة الإطلاع على مقدمات
الوثائق والخاتمة وقائمة المراجع المستعملة في إعدادها.
بعد إطلاع الباحث على الوثائق العلمية المختلفة بالكيفية
السابقة، يحدد ذات القيمة العلمية منها والأكثر فائدة لإنجاز بحثه بصورة أفضل.
ب- القراءة العادية:
يتمركز هذا النوع من القراءة حول الموضوعات التي تم
اكتشافها بواسطة القراءة السريعة
والاستطلاعية، يقوم بها الباحث بعمق وهدوء ويستخلص الأفكار والنتائج
ويدونها بعد ذلك في البطاقات و الملفات المعدة لذلك.
ج- القراءة العميقة والمركزة:
هي القراءة التي تتركز حول بعض الوثائق دون البعض الآخر،
لما لها من أهمية في الموضوع وصلة مباشرة به، الأمر الذي يتطلب التركيز في القراءة
والتكرار و التمعن والدَقة والتأمل وتتطلب صرامة والتزاما أكثر من غيرها من أنواع
القراءات.
رابعا: مرحلة تقسيم الموضوع
بعدما ينتهي الباحث من قراءة الوثائق العلمية التي
بحوزته، تتكون في ذهنه فكرة عامة عن الموضوع، فيسهل عليه وضع خطة أولية لبحثه.
1- تحديد مصطلح الخطة:
إن الخطة هي تصميم البحث وهيكل البناء الذي يقوم عليه
العمل العلمي، أو هي المشروع الهندسي لأجزاء البحث، تهدف إلى ترتيب الأفكار
والبيانات المحصَلة، وذلك بصفة منتظمة ومتسلسلة ومرتبطة بعضها بالبعض، بالتمييز
بين المسائل الهامة والثانوية والفرعية التي تتضمنها هذه البيانات والمعلومات، وتعتبر
الخطة هي الدَالة الأولى على إمكانيات الباحث ومؤهلاته العلمية لمجابهة الموضوع
والإبداع فيه.
2- مشتملات خطة البحث:
تشمل خطة البحث عادة العناصر التالية: عنوان البحث، مقدمة،
متن الموضوع، خاتمة الملاحق والفهرس.
أ- عنوان البحث:
هو أكثر تحديدا من الموضوع ودالا عليه، والأفضل اختيار
عنوان مناسب ودال على الموضوع و يتسم بالوضوح و الدَقة.
ب- مقدمة البحث:
تعتبر المقدمة عماد البحث، تكفي قراءتها للإحاطة بمضمون
البحث و إدراك قيمته العلمية، بالرغم من أنها توضع في بداية البحث إلا أن ذلك لا
يعني أن تكتب في البداية، بل الأغلب أن تكون آخر ما يكتب.
تشمل المقدمة على عدَة عناصر تتمثل فيما يلي:
ب-1- ماهية الموضوع:
يقدَم فيه الباحث تعريفا للموضوع وتحديد عناصره وجوهره
ومضمونه.
ب-2- أهمية الموضوع:
يبين الباحث في هذا الجزء أهمية الموضوع النظرية
والعلمية ويبرز الأسباب التي جعلته يتناول الموضوع بالدَراسة.
ب-3- منهج الدراسة:
لدراسة أي موضوع يستعين الباحث بمنهج أو مجموعة من
المناهج وذلك تبعا لطبيعة الموضوع محل الدَراسة، كالمنهج الوصفي الذي يصف النظام
القانوني دون زيادة أو نقصان، المنهج التحليلي الذي يقوم بتحليل النظام القانوني
بإبراز مزاياه وعيوبه، المنهج المقارن الذي يقارن بين النظام القانوني الوطني والنظم
القانونية الأجنبية، المنهج التاريخي الذي يدرس الجذور التاريخية لنظام ما،
.....إلخ.
ب-4- الصعوبات:
يشير الباحث إلى أهم العراقيل والمشاكل التي اعترضت
عملية إعداد البحث وغالبا ما تتلخص هذه الصعوبات في ندرة الوثائق العلمية.
ب-5- الإشكالية:
هي المشكلة محل الدراسة، تعبر عما يريد الباحث معالجته
في هذا الموضوع وتكون في طبيعة سؤال أو مجموعة من الأسئلة تتم الإجابة عنها من
خلال مضمون البحث وخاتمته.
ب-6- عرض الخطة:
تختم المقدمة بالخطة كعنصر تتويجي لها وكمدخل لمعالجة
الموضوع محل البحث وهي تقسيم للموضوع إلى أهم الأفكار والعناصر التي يتضمنها، وتوضع
وفق تقسيم منهجي متدرج، فمثلا: القسم، الباب، الفصل، المبحث، ....، أي تبعا لطبيعة
الموضوع وحجمه.
ج- متن الموضوع:
هو الجزء الأكبر والحيوي في البحث، فهو يتضمن كافة
الأقسام والعناوين والأفكار والحقائق الأساسية والفرعية التي يتكون منها موضوع
البحث، ويجب أن يمهد الباحث لكل قسم بمقدمة صغيرة يتعرض فيها لما ينوي أن يقوم بدراسته
في ذلك القسم.
د- خاتمة البحث:
ليست خلاصة للبحث يتم فيها تكرار النقاط المعالجة في
الموضوع، وإنما يبين فيها الباحث النتائج المتوصل إليها من خلال البحث وتقديم
الاقتراحات والتوصيات، وعليه فخاتمة البحث تشمل:
- ملخص مركز للبحث (فقرة أو فقرتين).
- النتائج المتوصل إليها.
- تقديم وجهة نظر الباحث بشأن الموضوع ( الرأي الشخصي)،
وتقديم الاقتراحات والتوصيات، وكل هذا يعتبر تكملة للإجابة على الإشكالية المطروحة
في مقدمة البحث، والتي تمت الإجابة عليها من خلال متن البحث.
ه- الملاحق:
تأتي الملاحق
بعد الخاتمة وقبل قائمة المراجع، وهي عبارة عن وثائق قد تتمثل في القوانين،
الاتفاقيات، أحكام قضائية غير منشورة، جداول إحصائية متحصل عليها من جهاز مختص، قرارات
منظمات دولية، ..... و هي ليست حاسمة في موضوع البحث، إذ تعتبر مجرد سجل إداري
للبحث أو أرشيف لوثائقه، من خصائصه أنه: تكميلي و مساعد، أن يكون طويلا لا يمكن
إدراجه في المتن والهامش.
و- قائمة الوثائق العلمية:
يتناول الباحث فيها قائمة المصادر والمراجع التي
استعملها في البحث، يمكن له تقسيم قائمة المراجع إلى قسمين، القسم الأول يتناول
فيه قائمة المراجع باللغة العربية والقسم الثاني يتناول فيه قائمة المراجع باللغة
الأجنبية.
ن- الفهرس:
المقصود بفهرسة موضوعات وعناوين البحث العلمي، هو إقامة
دليل ومرشد في نهاية البحث يبين أهم العناوين الأساسية والفرعية وفقا لتقسيمات خطة
البحث، وأرقام الصفحات التي يحتويها، ليمكن الاسترشاد به بطريقة عملية سهلة و
منظمة.
3-شروط خطة البحث:
للخطة بعض الشروط التي يجب أن تتوافر عليها وهي:
- أن تكون الخطة متوازنة وتعتمد التقسيم الثنائي (بابين،
فصلين، مبحثين....)، إلا أنه أحيانا قد يعتمد التقسيم الثلاثي (3 فصول ،3 أبواب ،3
مباحث)، وذلك تماشيا مع طبيعة الموضوع. كما يستحسن أن يكون هناك توازن فيما بين
المباحث بالنسبة للفصول والمطالب بالنسبة للمباحث.
- تفصيل خطة البحث: و ذلك ببيان جميع النقاط الرئيسية والفرعية
التي ستتم معالجتها وهذا التفصيل يبين مدى تحكم الباحث في الموضوع وتمكين القارئ
بمجرد قراءة الخطة من التعرف على موضوع البحث.
- أن تكون عناوين التقسيمات (أبواب، فصول، مباحث، ....)
جملا كاملة و واضحة ودالة على مضمونها، وأن تكون الخطة شاملة لكافة عناصر الموضوع.
- مراعاة عنصر التجديد والابتكار في الخطة، بحيث يتجنب
الباحث تكرار الخطة، لأن ذلك يجعل البحث برمته مكرَرا و مقلدَا (تحاشي تكرار العناوين
الموجودة في الكتب العامة وإيجاد عناوين جديدة).
- التسلسل المنطقي لمفردات الخطة، أي أن تكون مفردات
الخطة مرتبة بشكل متسلسل من الأدنى إلى الأعلى ومن الأصغر إلى الأكبر، مثلا
التعريف قبل التطرق للأركان.
- مرونة الخطة، فينبغي دائما أن تكون الخطة مرنه قابلة
للتعديل، لهذا من النادر أن يعتمد الباحث على خطة جامدة غير متغيرة طيلة مدة إعداد
البحث.
- يجب على الباحث أن يتجنب العناوين العائمة أو السائبة
أو الشاردة، وهي العناوين التي لا ترتبط بخطة البحث.
- الملاءمة بين عنوان البحث وخطته، بحيث لا يدرج في الخطة
أي عنصر خارج صلب الموضوع.
- وضوح الخطة و بساطتها، فيجب أن يبتعد الباحث عن
التقسيمات المعقدة وتداخل الأفكار وتضاربها.
- يجب أن تكون الخطة شاملة لكافة عناصر الموضوع.
خامسا: مرحلة تدوين المعلومات (التخزين)
بعد أن يقوم الباحث بإعداد خطة أولية لبحثه، ينتقل إلى
مرحلة تدوين المعلومات من المصادر والمراجع، وعليه سيتم التعرض هنا إلى تحديد
المقصود بعملية تدوين أو تخزين المعلومات ثم إلى طرق وأساليب تدوين المعلومات وبعدها
سيتم التطرق إلى قواعد تدوين المعلومات.
1- المقصود بعملية تخزين المعلومات:
يقصد بعملية تخزين المعلومات نقل البيانات الواردة في
المرجع أو المصدر وتسجيلها كتابة ولا تشمل إلا الجزء أو المقطع الموجود في الوثائق
العلمية والذي يهم موضوع البحث، وهذا ما يبين أن طريقة التصوير لا تغني عن عملية
التخزين (التدوين)، باعتبار أن هذه الأخيرة تشمل الأفكار المهمة التي يمكن أن
تشملها أحد صفحات المرجع، وهذا بخلاف التصوير الضوئي الذي يتناول صفحات كاملة قد
لا يحتاج الباحث منها إلا فكرة واردة في فقرة صغيرة.
2- طرق (أساليب) تخزين المعلومات:
هناك عدَة طرق وأساليب لتدوين أو تخزين المعلومات، تتمثل
فيما يلي:
أ- طريقة البطاقات:
إن البطاقة عبارة عن قطعة من الورق المقوى، قد يكون مربع
أو مستطيل الشكل، في غالب الأحيان تكون في حجم واحد ولون واحد، ويعتمد على إعداد
بطاقات صغيرة الحجم أو متوسطة ثم ترتب على حسب أجزاء وأقسام وعناوين البحث، ويشترط
أن تكون متساوية الحجم، مجهزة للكتابة فيها على وجه واحد فقط، وتوضع البطاقات
المتجانسة من حيث عنوانها الرئيسي في ظرف واحد خاص، و يجب أن تكتب في البطاقة كافة
المعلومات المتعلقة بالوثيقة أو المصدر أو المرجع الذي نقلت منه المعلومات، مثل
اسم المؤلف والعنوان، بلد ودار الإصدار والنشر، رقم الطبعة، تاريخها ورقم الصفحة
أو الصفحات.
ب- طريقة الملفات:
يتكون الملف من غلاف سميك ومعد لاحتواء أوراق مثقوبة
متحركة، يقوم الباحث بتقسيم الملف أو الملفات على حسب خطة تقسيم البحث المعتمدة ،
مع ترك فراغات لاحتمالات الإضافة وتسجيل
معلومات مستجدة أو احتمالات التغيير والتعديل، يتميز أسلوب الملفات بمجموعة
من الميزات منها:
- السيطرة الكاملة على معلومات الموضوع من حيث الحَيز.
- ضمان حفظ المعلومات المدونة وعدم تعرضها للضياع.
- المرونة، حيث يسهل على الباحث أن يعدل أو يغير أو يضيف
في المعلومات.
- سهولة المراجعة والمتابعة من طرف الباحث لما تجمعه من
المعلومات.
ج- طريقة التدوين عن طريق الكمبيوتر:
تعد هذه الطريقة أحدث الطرق وأسهلها في تدوين المعلومات،
حيث يقوم الباحث بإعداد ملف خاص في الكمبيوتر ويقوم بتنظيم ما بداخله وفقا لتقسيم
بحثه.
3- قواعد تدوين المعلومات:
يجب على الباحث أثناء قيامه بتدوين المعلومات أن يتقيد
ببعض القواعد المنهجية والتي من أهمها:
- إبقاء عملية جمع المعلومات مفتوحة، أي أنه كلما عثر
الباحث على معلومات جديدة تفيده في بحثه جمعها مع المعلومات الأخرى.
- عندما تتعدد المصادر والمراجع التي تتضمن نفس المعلومة
يخصص لكل منها بطاقة أو ملف واحد مع تكرار العنوان.
-مراعاة قواعد الاقتباس.
- يجب على الباحث تجنب كتابة التعليقات الشخصية لتجنب
احتمال اختلاطها مع الأفكار المقتبسة فمن المستحسن تدوينها في أسفل البطاقة.
- إذا كان النص المراد اقتباسه طويلا ورغب الباحث في ترك
بعض منه فمن الأفضل الإشارة إلى ذلك.
- يفضل استخدام عدة ألوان من البطاقات، بحيث يخصص لكل
فصل أو باب لون معين لتسهيل عملية فرز المعلومات.
- حفظ تلك المعلومات في أماكن أمينة بعيدة عن احتمالات
التلف أو الضياع، لأنها تمثل حصيلة جهد بدني وفكري من الصعب تكراره.
- حتمية الدقة والتعمق في فهم محتويات النصوص والحرص
واليقظة في تسجيل الأفكار والمعلومات.
- انتقاء ما هو جوهري وهام ومرتبط بموضوع البحث، وترك ما
كان يمثل حشوا.
المرجع:
- د. سقلاب فريدة، محاضرات في منهجية العلوم القانونية، موجهة لطلبة السنة الثانية حقوق، قسم الحقوق، جامعة عبد الرحمان ميرة – بجاية، الجزائر، السنة الجامعية: 2017/ 2018، ص18 إلى ص37.