آثار عقد العمل
يقصد
بآثار عقد العمل مجموعة الحقوق والالتزامات الناشئة عنه، وبما أن عقد العمل من
العقود الملزمة للجانبين، فهو يخلق علاقة دائنية في ما بين أطرافه، أي أنه يرتب
التزامات مختلفة يقع بعضها على عاتق العامل في حين يقع البعض الآخر على عاتق صاحب
العمل.
وعليه
سنتطرق إلى حقوق التزامات العامل في (المطلب الأول) ثم حقوق والتزامات صاحب العمل
في (المطلب الثاني).
المطلب الأول: حقوق والتزامات العامل
يترتب
عن عقد العمل حقوق والتزامات للعامل فهو يتمتع بمجموعة من الحقوق الناتجة عن عقد
العمل (الفرع الأول)، كما يخضع في المقابل لمجموعة من الالتزامات (الفرع الثاني).
الفرع الأول: حقوق العامل
أقر
قانون العمل مجموعة من الحقوق يتمتع بها العامل وهي تعتبر التزام في ذمة صاحب
العمل ومن أهمها ما يلي:
أولا: الحق في الأجر
يعتبر
الأجر جوهر علاقات العمل وهو من أهم الحقوق الأساسية التي يتمتع بها العامل وهي من
أهم التزامات المستخدم، فيقصد به ذلك المقابل الذي يدفعه المستخدم للعامل مقابل ما
ينجزه هذا الأخير من عمل، أو هو مبلغ من النقود يتفق عليه المتعاقدان في
العقد وفقا لأسس تحديد الأجر.
أما
المشرع الجزائري وفقا لنص المادة 80 من قانون علاقات العمل لم يتعرض إلى تعريف
الأجر إلا أنه يظهر دائما الجانب الاجتماعي عن كون الأجر عبارة عن مقابل العمل
المؤدى.
ويتكون
الأجر من حيث المحتوى من عنصرين أساسيين هما العنصر الثابت أو أجر المنصب أو الأجر
الأساسي، والعنصر المتغير الذي يتكون من مجموع التعويضات والحوافز المالية
المرتبطة بالإنتاج أو بالأقدمية.
وقد
اعتمد المشرع الجزائري على طريقتين مختلفتين في تحديد الأجر: الطريقة اللائحية أو
التنظيمية التي كرستها القوانين الصادرة في ظل الاقتصاد المخطط أو الموجه و
الطريقة التفاوضية أو التعاقدية المكرسة بموجب القانون رقم 90 – 11 المتعلق
بعلاقات العمل، الذي جاء ليساير الإصلاحات الاقتصادية و الاجتماعية المكرسة في
دستور 1989 المعدل و المتمم بدستور 1996.
فقد
حدد المشرع الجزائري وسيلتين يمكن لطرفي التفاوض الجماعي الاعتماد عليها في تحديد
الأجور، تتمثل الوسيلة الأولى في وضع الأجور الأساسية الناجمة عن التصنيف المهني
على مستوى كل هيئة مستخدمة، إضافة إلى التعويضات المدفوعة بحكم أقدمية العامل أو
مقابل الساعات الضافية، أو بحكم ظروف عمل خاصة لاسيما العمل التناوبي والعمل المضر
والعمل الإلزامي بما فيه العمل الليلي، و علاوة المنطقة و العلاوات المرتبطة
بإنتاجية العمل و نتائجه، و يلاحظ أن المشرع الجزائري بموجب هذه الوسيلة مزج بين
الطريقتين السالفتين الذكر.
وتلعب
المفاوضات بين كل من العامل وصاحب العمل، دورا هاما في تحديد الأجور والحوافز
الملحقة بها، وفق قواعد وأساليب تعاقدية في أغلب الأحيان سواء أكان ذلك في إطار
عقود فردية أو جماعية، بالنسبة لعلاقات العمل في ظل قانون العمل.
ثانيا: الحق في ممارسة النشاط النقابي
أقر
الدستور الجزائري لجميع المواطنين الحق في الممارسة النقابية من خلال الاعتراف لهم
بتأسيس نقابة، كما نصت على ذلك المادة 02 من الأمر رقم 90 - 14 المؤرخ بتاريخ 02 بتاريخ 02 جوان 1990
المتعلق بكيفية ممارسة الحق النقابي "أنه يحق للعمال الأجراء من جهة
والمستخدمين من جهة أخرى، الذين ينتمون للمهنة الواحدة، أو الفرع الواحد أو قطاع
النشاط الواحد أن يكونوا منظمات نقابية للدفاع عن مصالحهم المادية والمعنوية".
كما
أقر إجراءات خاصة من اجل تكريس حماية قانونية للنقابيين تضمن لهم ممارسة نشاطهم
بكل ضمانة واستقلالية تتمثل على الخصوص في حظر الإجراءات العقابية التي تتخذ ضد
النقابيين بمناسبة ممارستهم لمهامهم.
ثالثا: الحق في التكوين والترقية المهنية
ألزم
المشرع في نص المادة 57 من قانون 90 /11 صاحب العمل بإجراء دورات تكوينية وتنظيم
ملتقيات وندوات دراسية لمصلحة العمال، لتحسين مستواهم و مؤهلاتهم المهنية وتمكينهم
من الإطلاع على أفق جديدة بغية تزويد معارفهم ورفع مردوديتهم أثناء عملهم، وألزم
العمال في ذات الوقت بمتابعة دورات التكوين التي ينظمها رب العمل.
رابعا: الحق في التقاعد
يعتبر
التقاعد من بين الحقوق التي يتمتع بها العامل، إذ يستفيد منه العامل الذي استوفى
شروط استحقاقه، لاسيما توفر شرط السن وذلك ببلوغ العامل 60 سنة على الأقل، أما
بالنسبة للمرأة يجوز بناء على طلبها إحالتها على التقاعد ببلوغها سن 55 سنة، فضلا
عن مدة العمل الذي قام به العامل خلال مسيرة المهنية، مع دفع استحقاقات الضمان
الاجتماعي خلال المدة التي تمكنه من الاستفادة من أداء الصندوق، وهي مقدرة ب 32
سنة يستحق على إثرها العامل الحق في التقاعد على أساس نسبة 80 من المائة من متوسط
الأجر المدفوع عن السنة الأخيرة من العمل، أو الثلاث سنوات الأخيرة من العمل إذا
كان ذلك أفضل للعامل.
خامسا: الحق في الراحة والعطل القانونية
أضحى
الحق في العطل حقا مكفولا دستوريا حسب نص المادة 55 /03 من الدستور.
سادسا: الحق في التأمين والحماية والضمان الاجتماعي
تتقرر
هذه الحقوق في ذمة رب العمل و الدولة، كما هو الحال عند تعرض العامل لحادث عمل، أو
مرض مهني، أو حتى لأسباب غير مرتبطة بعلاقة العمل، كما هو الحال بالنسبة للشيخوخة
والمرض وفق أحكام الضمان الاجتماعي والتي تمتد لفروع العامل و أصوله المكفولين و
لزوجه.
الفرع الثاني: التزامات العامل
يلتزم
العامل بعدة التزامات هي الالتزام بتنفيذ العمل المحدد في العقد والالتزام
بتوجيهات صاحب العمل والالتزام بالسر المهني، والالتزام بعدم المنافسة وكل هذه
الالتزامات هي عبارة عن حقوق يتمتع بها صاحب العمل.
أولا: الالتزام بتنفيذ العمل المحدد في العقد
هو
أول التزام ينصب على عاتق العامل بمجرد إبرام عقد العمل، وتبعا لذلك نصت المادة
السابعة من قانون 90 /11 على هذا الالتزام باعتباره التزاما أساسيا مرتبا على عاتق
العامل بمقتضى العقد، فيجب على العامل أن يؤدي العمل موضوع العقد وفق ما هو متفق
عليه وأن يلتزم بأداء العمل بنفسه ولا يجوز له إسناد تنفيذ العمل إلى غيره دون
موافقة صاحب العمل، كما أن هذا الأخير لا يجوز أن يجبره على أداء عمل غيره دون رضاه.
ويترتب
عن إخلال العامل بهذا الالتزام بدون عذر مقبول يمكن اعتباره خطأ مهنيا جسيما الأمر
الذي يؤدي إلى تسريحه تأديبيا بدون الحق في التعويض وفق نص المادة 73 من القانون 90
/11.
ثانيا: الالتزام بتوجيهات صاحب العمل
من
الواجبات الأساسية المترتبة على عاتق العامل تنفيذ والتقيد بالتعليمات الموجهة
إليه من قبل صاحب العمل أو من طرف الأشخاص المعينين صراحة وفقا لنظام السلطة
الرئاسية التدرجية للمهنة، كما يجب على العامل الخضوع للنظام الداخلي للمؤسسة و أي
مخالفة لهذه الأوامر والتوجيهات والتعليمات الموجهة إليه تترتب عليه مسؤولية
تقصيرية وعقدية.
ثالثا: الالتزام بالسر المهني
إن
علاقة العمل يفترض فيها أن تقوم على أساس الثقة المتبادلة بين العامل وصاحب العمل،
لكون هذا الأخير يضع كل ممتلكاته وأسراره المهنية أو جزء منها في يد العامل، من
أجل ذلك يجب عليه الالتزام بالسر المهني من خلال منع تسرب أسرار العمل للغير بما یمثله
ذلك من أضرار بمصلحة المنشأة، وأسرار العمل هي كل ما یتوصل إليه العامل من خلال
عمله وبمناسبته، ومثال ذلك طرق الإنتاج والمواد المستخدمة ومعاملات المحل وغيرها.
يعتبر
خرق هذا الالتزام بالحالات التي يمكن أن تبرر التسريح الذي يتعرض له العامل دون
الحق في التعويض، على اعتبار أنه من الأخطاء المهنية الجسيمة حسب مفهوم نص المادة 73
/02.
رابعا: المحافظة على وسائل العمل
يقع
على العامل أثناء أدائه العمل التزام بالمحافظة على وسائل العمل المسلمة له من طرف
صاحب العمل، حيث يجب عليه أن يتخذ كل التدابير اللازمة لحفظ هذه الوسائل من التلف
وذلك ببذل عناية الرجل العادي.
خامسا: الالتزام بعدم منافسة صاحب العمل
يقتضي
العامل أثناء أدائه للعمل بعدم ممارسة أي نشاط صناعي أو تجاري يتعارض مع مصالح
صاحب العمل حتى ولو كان بعد انتهاء علاقة العمل أشار إليها المشرع الجزائري في
المادة 7 الفقرة 7 من 90-11.
ومن
ضوابط هذا الالتزام عدم تقديم المساعدة للمؤسسات المنافسة أو توظيف الوسائل
المادية والبشرية للمؤسسة لأغراض منافسة صاحب العمل سواء كان ذلك لمصلحة العامل أو
مؤسسة منافسة.
المطلب الثاني: حقوق والتزامات صاحب العمل
كفل
المشرع لصاحب العمل جملة من الحقوق حددها في القوانين، وفي مقابل ذلك ألزمه
بواجبات محددة لا يجوز مخالفتها أو الاتفاق على ما يخالفها باعتبارها من النظام
العام، وسنتطرق في هذا المطلب إلى الحقوق في (الفرع الأول) والواجبات التي يلتزم
بها صاحب العمل (فرع الثاني).
الفرع الأول: حقوق صاحب العمل
تأميناً
لفاعلية علاقات العمل ولتوفير الاطمئنان لصاحب العمل، فقد حدد المشرع جملة من
الحقوق التي يجب أن يتمتع بها منها ما هو ذي طابع تنظيمي تقني ومنها ما هو ذي
طبيعة أدبية نتناولها تباعاً لما يلي:
- لصاحب
العمل الحق في الإدارة والتنظيم الداخلي لشؤون العمل بما يحقق النظام والأمن داخل
المؤسسة، وتمكين العمال من تأدية مهامهم بكل سهولة وإتقان لتحقيق المصالح المشتركة
لأطراف علاقة العمل، ويتجسد التنظيم الداخلي عن طريق اللوائح والأنظمة الداخلية.
- صلاحية
صاحب العمل في إصدار تعليمات داخلية لتنظيم بعض المسائل المرتبطة بالعمل.
- من
حق صاحب العمل أداء العامل للعمل الموكل له.
- من
الحقوق التي يتمتع بها صاحب العمل والمستندة إلى عنصر التبعية سلطته في الإشراف
والرقابة، سواء قدمت هذه التوجيهات مباشرة أو بشكل غير مباشر، لاسيما بمقتضى
التقسيم العضوي للمهام.
الفرع الثاني: التزامات صاحب العمل
في
مقابل الحقوق التي يتمتع بها صاحب العمل يجب أن يلتزم بمجموعة من الواجبات ضماناً
لحسن سير علاقة العمل، وقد تعرض المشرع لواجبات الموظفين، والتي سنبينها تباعاً:
- تمكين
العامل من تنفيذ العمل الموكل إليه من خلال توفير وسائل وأدوات العمل، وتحسين
ظروفه.
- عدم
تكليف العامل بتنفيذ عمل غير العمل المتفق عليه، إلا في حالة الضرورة أو القوة
القاهرة.
- توفير
الحماية والأمن في محيط العمل من كل الأخطار المهنية .
- احترام
العمال وعدم الإساءة إليهم.
- تمكين
ممثلي العمال في النقابات و الاتحادات المهنية من ممارية نشاطهم النقابي - السماح
لبعض الفئات من العمال بغيابات مدفوعة الأجر مثل العمال الذين يمارسون -أنشطة
رياضية، أو الذين يشاركون في اجتماعات المجالس النقابية.
- دفع
أجور العمال حيث يمثل أحد العناصر الأساسية لعقد العمل وهو المقابل الذي يتقاضاه العامل
مقابل العمل الذي يقدمه، كما توجد هناك ملحقات متممة للأجر والتي تشمل مجموعة من
التعويضات.
- الضمان
الاجتماعي ويقصد منه حماية العمال من كل المخاطر التي يمكن أن تصيبه أثناء عمله
والتي تتمثل في كل الحوادث والحالات التي تؤدي إلى فقدان منصب العمل بصفة دائمة أو
مؤقتة.
- توفير
وسائل الأمن.
- يتعين
على المستخدم تنظيم أعمال التعليم والإعلام والتكوين لفائدة العمال.
المرجع
- د. معزيز عبد السلام، محاضرات في قانون العمل، جامعة عبد الرحمان ميرة – بجاية، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم الحقوق، الجزائر، السنة الجامعية: 2015-2016، ص45 إلى ص54.