آثار العقد
إذا
توفرت في العقد أركانه وفق شروط السابقة، فإن العقد يصبح قائما من الناحية
القانونية، ومن ثم يرتب أثاره التي استهدفها المتعاقدان، ويصبح العقد بعد أن كان
فكرة كامنة، حقيقة واقعه لا يمكن تجاهلها، وفق ذلك تترتب عن الإخلال بما تولد
مسؤولية عقدية، وإذا كان من المسلم به أن العقد يلزم المتعاقدان بما يرتبه من
التزامات، فإن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: هل تبقى هذه الالتزامات حبيسة هذه
الدائرة الضيقة أم أنها تمتد لأشخاص خارجها يرى القانون أن مقتضيات العدالة تستوجب
أن يتعدى إليها اثر العقد؟.
ونحو
ذلك سوف نتناول كل هذه المسائل في هذا البحث، ولعل المنطق يستدعي منا أولا قبل
الخوض في آثار العقد بالنسبة لطرفيه وغيرهم، أن نحدد كيف يهتدي لتحديد الالتزامات
والحقوق التي تضمنها العقد، وهذا ما يسمى بتحديد مضمون الرابطة العقدية، وإليكم كل
هذا فيما يلي:
المطلب الأول: تحديد مضمون العقد
يتحدد
مضمون العقد عن طريق القيام بتفسيره، ثم بعد ذلك تكييفه، والتفسير معناه تحديد
معنى عبارات العقد، أو ما أراده المتعاقدان من خلال هذه العبارات، أما التكييف فهو
تحديد طبيعة العقد، هل هو إيجار ام بيع أم هبه...الخ، وسنعالج كمرحله أولى
التفسير، يليه التكييف، وأخيرا نصل إلى مسالة تحديد نطاق العقد.
الفرع الأول: تفسير العقد
يختلف
دور القاضي في تفسير العقد، بحسب كون العبارات الواردة فيه واضحة أم غير واضحة، فإذا
كانت عبارات العقد واضحة فان القاضي ملزم بمعناها الظاهر، ولا يجوز له أن ينحرف
عنها (المادة 111 من القانون المدني)، إلا إذا كان معناها الظاهر لا يتطابق مع
الإرادة الحقيقية للمتعاقدين، فحين إذ تعين إهمالها والأخذ بما يتفق مع إرادة
المتعاقدين، وهنا وجب على القاضي أن يبين في حكمه الأسباب التي أدت به إلى استبعاد
المعنى الظاهر للعبارات.
أما
إذا كانت عبارات العقد غير واضحة، بمعنى أنها تحتمل اكثر من معنى، فانه يتعين على
القاضي ترجيح معنى معين على باقي المعاني، وللوصول إلى هذا الترجيح، فانه يبحث عن
الإرادة المشتركة للمتعاقدين، ولقد حدد القانون بعض الأسس التي يعول عليها في هذا
الأمر وهي:
أ.
طبيعة التعامل
ب.
ما ينبغي أن يتوفر من أمانه وثقه بين المتعاقدين وفقا للعرف الجاري.
ومن
ثم فإن العبارة التي تحتمل معاني عديدة، وجب على القاضي أن يأخذ في تفسيرها بالمعنى
الذي يتفق مع العقد والعرف الجاري التعامل معه، والقاضي في بحثه عن النية المشتركة
للمتعاقدين بناءا على الأسس السابقة، فإنه لا يخضع لرقابه محكمه النقض، لان بحثه
يندرج ضمن مسائل الواقع لا المسائل المتعلقة بالقانون.
وهناك
من يرى بأن القاضي في تفسير العقد الغامض، لا يأخذ بالإرادة الباطنة المحضة، وإنما
يأخذ بالإرادة الباطنة الذي يستطيع تعرف عليها.
ونشير
إلى أن القاضي إذا وجد تنازعا بين عرف عام وعرف خاص، فإنه وجب عليه تفضيل العرف
الخاص، ويجب أيضا أن يكون العرف غير متعارض مع النظام العام.
فإذا
لم يستطيع القاضي أن يحدد النية المشتركة للمتعاقدين على وجه دقيق، بأن تراوح
تفسير العقد بين معاني عديدة، كل واحد منها محتمل ولا ترجيح لأحدها على الأخر،
فإننا في هذه الحالة نكون بصدد الشك في التعرف على الإرادة المشتركة للمتعاقدين،
والقاعدة أن الشك يفسر لمصلحه المدين (المادة 112 من القانون المدني)، فإذا كنا
بصدد عقد ملزم لجانب واحد، فسر القاضي هذا العقد لمصلحة هذا الجانب، وفي عقد
الملزم للجانبين يفسر القاضي هذا العقد لمصلحه الطرف الذي قام الشك في تحديد
التزامه.
فإذا
قام الشك فيما إذا كان الشرط الجزائي (التعويض الاتفاقي) مستحقا في حالة التأخر عن
التنفيذ أم في حاله عدم التنفيذ، فسره القاضي على انه يكون مستحقا في حاله عدم
التنفيذ، وإذا كان المدين مثلا ملزما بإنشاء طرق معينه دون تبيان الكيفية لذلك،
ألزم المدين بان يتبع اليسير والأخف.
وقاعدة
تفسير الشك لمصلحة المدين، هي قاعدة لا تطبق إلا في حاله صعوبة الكشف عن الإرادة
المشتركة للمتعاقدين، وذلك بوجود شك يصعب ترجيح معنى فيه على آخر، كما لا تطبق هذه
القاعدة في عقود الإذعان، لأن الشك يفسر لمصلحة الطرف المذعن، سواء كان دائنا أم
مدينا (المادة 112/ 02 من القانون المدني).
وفي
الفقه الإسلامي نجد أن القاعدة هي الأخذ بالإرادة المشتركة للمتعاقدين، وذلك لأن
العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني، لا بالألفاظ والمباني.
الفرع الثاني: تكييف العقد
إذا
انتهى القاضي من تفسير العقد، فإنه يتعين عليه أن يقوم بإعطاء الوصف القانوني له،
وعملية التكييف تعتبر من مسائل القانون، حيث لا يتقيد القاضي فيها بالوصف الذي
أعطاه المتعاقدان للعقد، فإذا وجد أن الوصف المعطى لا ينسجم مع طبيعة العقد، عدل
عنه إلى الوصف الذي يراه القانون مناسبا، سواء كان الوصف الخاطئ قد وضع عن قصد أم
عن غير قصد من المتعاقدين، والقاضي في إعطائه للوصف الصحيح ليس ملزم بأن يمضي في
ذلك بناء على طلب احد المتعاقدين، بل انه يسعى في ذلك كلما تجلت له عدم مطابقة بين
طبيعة العقد والوصف الممنوح.
الفرع الثالث: نطاق العقد
إذا
انتهى القاضي من تفسير العقد وتكييفه، تعين عليه بعد ذلك تحديد نطاقه، حيث أن
العقد لا يلزم المتعاقدين بما ورد فيه فقط، بل يمتد ليلزمهما بما هو من مستلزماته،
وفقا للقانون والعرف والعدالة، فمثلا في بيع العقار يعتبر من مستلزمات الشيء
المفاتيح ومستندات التمليك، وبيع حيوان يشمل الصوف والشعر المهيأ للجز، وهنا نلاحظ
بان طبيعة الالتزام تستوجب هذا النوع من المستلزمات.
كما
قد يحدد العرف بعض الالتزامات التي يتعين تنفيذها، ومن ثم تضاف إلى العقد الشروط
المألوفة، ويصبح لكل واحد من المتعاقدين المطالبة بتنفيذ ما تقضي به هذه الشروط
ولو لم تذكر، ومثال ذلك ما يجري عليه العمل في بعض المطاعم والفنادق الفخمة، من
حيث إضافة نسبه مئوية إلى حساب العميل، ويسمى العرف هنا بالعرف المكمل لمضمون
الالتزام، وليس العرف الذي ذكرناه كأساس لتحديد العبارة الغامضة.
الفرع الرابع: ضرورة الالتزام بمضمون العقد (القوة الملزمة للعقد)
ترجع
القوة الملزمة للعقد، إلى مبدأ سلطان الإرادة، إلا انه مع تراجع هذا المبدأ، فإنه
يمكن رد القوة الملزمة للعقد إلى اعتبارات أخلاقية واقتصادية، والعقد يلزم كل
المتعاقدين بما اتفقا عليه، ولا يجوز لأحدهما أن يحله أو يعدله بإرادته المنفردة،
وهذا ما يعبر عنه بقاعدة "العقد شريعة المتعاقدين" (المادة 106 من
القانون المدني)، وكما وجب على المتعاقدين احترام ما في العقد، فإن احترامه يتعدى
أيضا إلى القضاء، فلا يجوز للقاضي أن يعدل ما اتفق عليه المتعاقدان.
وينبغي
كذلك تنفيذ العقد بحسن نية، وهذا المبدأ واجب في جميع العقود، ففي عقد المقاولة
مثلا، إذا كان المقاول ملزما بمد الأسلاك الكهربائية بين منطقتين فإنه يتعين عليه
وفقا لمقتضيات حسن النية، أن يختار المكان الأكثر اختصارا، لا أن يختار المكان
الأطول لتحقيق ربح مالي أكبر، ولا يختصر حسن النية على المدين فقط بل يجب على
الدائن أن يتحلى به، وذلك بعدم التعسف في استعمال حقه.
غير
أن قاعدة العقد شريعة المتعاقدين، ترد عليها استثناءات، حيث يجيز القانون في بعض
الأحيان لأحد المتعاقدين أن ينهي العقد بإرادته المنفردة، من قبيل ذلك ما نصت عليه
المادة " 587 من القانون المدني" في خصوص الموكل في إنهاء الوكالة،
وكذلك ما نصت عليه المادة "469 /02 مكرر" في خصوص أحقيه المستأجر في
إنهاء عقد الإيجار بإرادته المنفردة.
وهناك
حالات يجوز فيها القاضي تعديل العقد، من ضمن هذه الحالات، تدخل القاضي لتعديل
الشرط الجزائي، وكذلك تدخل القاضي في منح اجل للمدير (نظرة الميسرة)، وكذلك أحقية
القاضي في تعديل عقد الإذعان، أما أهم الاستثناءات فهي تلك المتعلقة بالظروف
الطارئة، والتي نتناولها مع عقد الإذعان في ما يلي:
يقصد
بالظروف أو الحوادث الطارئة تلك الوقائع التي تحدث بعد انعقاد العقد وقبل إكمال
تنفيذه، بحيث تؤدي إلى جعل التزام المدين مرهقا له، أي يهدده بخسارة فادحة وهذا
ليس معناه أن يصبح مستحيلا، وهنا يجوز للقاضي أن يتدخل لتعديل التزامات الطرفين
بحيث يجعل الالتزام المرهق في حدود المعقول (المادة 107 /03 من القانون المدني)،
وترجع نظرية الظروف الطارئة إلى القانون الكنسي الذي حرم الغبن في العقود، سواء
تحقق الغبن عند إبرام العقد أو طرأ عند تنفيذه، "غير أن نظرية الظروف الطارئة
وإن لم تصادف قبولا في القضاء المدني الفرنسي إلا أنها وجدت نصيرا في قضائه
الإداري، فقد بعث هذا القضاء هذه النظرية من مرقدها لما دعته ظروف الحرب العالمية
الأولى إلى ذلك"، عن شروط الأخذ بهذه النظرية في يمكن أن نجملها في ما يلي:
1. أن
يكون التزام المدين نابعا عن عقد دوري التنفيذ أو عقد مدة، أو عقد فوري مؤجل
التنفيذ، ويجب أيضا أن يكون العقد محددا لا من العقود الاحتمالية التي تقوم على
احتمال الربح والخسارة، ويشترط ألا يكون تراخي التنفيذ ناتجا عن خطأ المدين، لأنه
لا يجوز افادة المدين من إهماله.
2.
أن يكون الحادث الطارئ عاما استثنائيا غير متوقع، ذلك أن الحوادث الخاصة بالمدين
كإفلاسه أو احتراق محصوله ليس لها وصف الحادث الطارئ، بل وجب أن يكون عاما كحرب أو
زلزال أو ثورة...الخ، كما يشترط أن يكون الحادث غير متوقع فلو كان بإمكان المدين
يتوقعه فذلك يعني انه راض بالالتزامات العقدية تحت مسؤوليته وهو ما يحرم استفادته
من الحوادث الطارئة، والمعيار هنا موضوعي، وهو ما يمكن توقعه من الرجل العادي.
3. أن
يكون الحادث الطارئ مفضيا إلى إرهاق المدين في تنفيذ التزامه، فالحادث الذي يجعل
تنفيذ الالتزام مستحيلا يعتبر بمثابة قوة قاهرة ينجم عنها فسخ العقد بقوة القانون،
ولذلك فإن الحادث الطارئ هو ما يجعل المدين يتحمل خسارة جسيمة إذا نفذ التزامه على
النحو المتفق عليه دون أن يصل إلى حد استحالة التنفيذ.
فإذا
توفرت هذه الشروط جاز للقاضي تعديل الالتزامات الطرفين بما يؤدي إلى الحد من فداحة
الخسارة التي ستصيب المدين، وللقاضي سلطه تقديرية في هذا، قد يرى أن ينقص التزامات
المدين في مقدارها، أو أن يبقى على المقدار السابق مع إعفاء المدين من الجودة التي
كانت مشترطة قبل، وقد يرى القاضي أن الأنسب هو الزيادة في مقدار الالتزام المقابل
دون تخفيض التزام المدين.
كما
قد يرى القاضي وقت تنفيذ العقد حتى يزول الظرف الطارئ، مثل أن يتعهد مقاول بناء
مدرسه وترتفع أسعار مواد البناء بشكل فاحش لحادث استثنائي، ولكنه ارتفاع مهدد
بالزوال لأن باب استيراد مثل هذه المواد على وشك أن يفتح، فيقف القاضي تسليم
المقاول للمدرسة إلى وقت معين لتفادي إرهاق المقاول.
ولكن
لا يجوز للقاضي أن يحكم بالفسخ بناءا على طلب المدين، ولكن يجوز للدائن أن يطالب
بالفسخ دون تعويض، وجواز تعديل العقد في الظروف الطارئة متعلق بالنظام العام، ومن
ثم لا يجوز الاتفاق مسبقا على استبعاد تدخل القاضي (المادة 107 /03 من القانون
المدني).
- عقد الإذعان
كثيرا
ما تتم عملية التعاقد عن طريق مفاوضات تتم فيها المساومة المتبادلة بين الطرفين،
وقد تنتهي هذه المفاوضات بإبرام العقد كما قد لا يتحقق ذلك، إلا أن هذه الصورة
المعروفة لم تعد هي النمط الوحيد، حيث ظهرت صورة أخرى لا يكاد يملك فيها أحد المتعاقدين
القدرة على المساومة، وذلك لأن شروط التعاقد محدد مسبقا من الطرف الآخر، والأمر
الثاني أن الطرف الذي استقل بتحديد الشروط إنما استغل في ذلك ما يملكه من ثقل
اقتصادي، مرجعه ما يحتكره من خدمة أو سلعة أساسية للأشخاص، ومن ثم نجد أنفسنا أمام
مشهد فيه إرادة قوية لا تخشى في تعاقدها دافع الحاجة ما دامت واضعة في حسبانها انه
يصعب للأشخاص أن يستغنوا عن التعاقد معها، وفي الجانب الآخر تبرز إرادة ضعيفة قد
يكون خيارها أما التسليم بالشروط المعروضة من الطرف القوي، وإما عدم التعاقد ومن
ثم تحرم من تلبية حاجتها المرجوة من العقد، وقد اعتبر المشرع خضوع الإرادة الضعيفة
لإرادة الطرف القوي (التسليم) هو شكل من أشكال القبول (ومن أمثلة عقود الإذعان
التعاقد مع شركه سونلغاز أو الجزائرية للمياه...الخ).
والثقل
الاقتصادي الذي يتمتع به المتعاقد القوي لا يرقى لدرجة تعييب رضا الطرف الضعيف، ما
دام أن الإرادة حرة في قبول التعاقد من عدمه، إلا أن المشرع راعى هذا التفاوت في
الإمكانيات، وذلك بأن قيد هذا النوع من التعاقد بقيد عدم التعسف في وضع الشروط،
فإذا ثبت أن عقد الاذعان تضمن شروطا تعسفية، جاز للقاضي أن ينقص من هذه الشروط أو
يعفي الطرف المذعن منها كلية (المادة 110 من القانون المدني)، والقاضي له سلطه
تقديرية في تحديد الشرط المجحف، ولا يمكن الاتفاق على استبعاد تدخل القاضي، لأن
مثل هذا الإتفاق يقع باطلا، ولذلك يعتبر عقد الاذعان استثناء من قاعدة "العقد
شريعة المتعاقدين".
المطلب الثاني: آثار العقد من حيث الأشخاص
إن
المبدأ الذي يحكم آثار العقد هو مبدأ "نسبية الأثر الملزم للعقد" ومفاده
أن العقد كقاعدة عامة لا يرتب التزامات ولا يكسب حقوقا في ذمة الغير، والشخص
الأجنبي الذي لم يكن طرفا في العقد ولا تربطه أية صلة بطرفيه، لا يثار التساؤل
بشأنه إذ لا تنصرف إليه الآثار من الناحية المبدئية، ولكن هناك أشخاص هم ليسوا
أطرافا في العقد من جهة، ومن جهة أخرى لهم صلة قانونية بأحد طرفي العقد بحيث تتأثر
حقوقهم بما يرتبه العقد (الخلف)،
فهؤلاء
يطرح السؤال حول مدى انصراف آثار العقد إليهم، وفي الأخير يجدر البحث في مدى
انصراف آثار العقد إلى دائني المتعاقدان، ومدى وجود حماية لهم إذا كانت عقود
المدين من شأنها الإضرار بهم، ونتناول كل هذا فيما يلي:
الفرع الأول: الخلف العام
الخلف
هو من يتلقى حقا عن غيره، وهو نوعان، عام وخاص، الخلف العام هو من يخلف السلف في
كامل ذمته المالية أو في جزء منها باعتبارها مجموعة مالية واحدة، ومثل الخلف العام
الوارث الوحيد والوارث مع غيره والموصى له بحصة في التركة، فإذا كان السلف حال
حياته قد ابرم عقودا ترتبت عنها حقوق له والتزامات عليه، فهل تمتد هذه الاخيرة إلى
خلفه العام؟ أجابت على هذه المسالة "المادة 108 من القانون المدني"،
وجاء في مضمونها أن الخلف العام تنصرف إليه آثار عقود السلف، ومن ثم يتمتعون بما
اكتسبه من حقوق وينفذون ما أوجبه من التزامات، غير أن الديون الثابتة في ذمه السلف
تكون مسؤوليتهم عنها في حدود أموال التركة، وما زاد على ذلك لا يتعدى إلى أموالهم
الخاصة.
وهذا
في الحقيقة يعد تطبيق لقاعدة "لا تركة إلا بعد سداد الديون"، وهي تفرض
أن شخصية المورث تبقى قائمة بعد وفاته إلى غاية أخد قيمة الديون من أمواله، وهناك
من يعارض هذا الافتراض ويرى بأن أموال السلف تنتقل إلى الورثة بمجرد وفاته لكنها
تكون محملة بحق عيني تبعي لفائدة دائني السلف، كما أن مسؤولية الورثة عنها تكون
محددة في نطاق أموال التركة.
ونحو
ذلك يمكن القول بأن الخلف العام ليسوا من الغير بالنسبة للعقود التي أبرمها السلف،
حيث يتعين عليهم المضي في تنفيذها، ومثال ذلك إذا توفي المقاول ولم تكن مؤهلاته
الشخصية محل اعتبار في العقد، فإنه وجب على الورثة تنفيذ الأعمال المتبقية لصالح
رب العمل.
وإذا
كانت القاعدة هي انصراف آثار العقد إلى الخلف العام فإن هناك استثناءات ترد عليها
نذكر أهمها في ما يلي:
الاستثناء الأول: إذا كانت شخصية السلف محل اعتبار في العقد، كما
يتعاقد مع ممثل أو رسام، حيث انه بوفاة السلف لا تتصرف اثأر عقده إلى الخلف العام (وفاه
الممثل أو الرسام).
الاستثناء الثاني: إذا نص القانون على عدم انصراف العقد إلى الخلف،
كما هو الحال بالنسبة لعقد الشركة (المادة 439 مدني)، وعقد الإيجار (المادة 469
مكرر 02)، وعقد الوكالة (المادة 586 مدني)، وتجدر الاشارة إلى أن عدم انصراف آثار
العقد إنما يكون أثره بالنسبة للمستقبل فقط، أما ما ترتب من التزامات قبل الوفاة
فإنها تعتبر دينا يتعين سداده من أموال التركة.
الاستثناء الثالث: إذا اتفق المتعاقدان على عدم انصراف اثر العقد
إلى خلفهما العام.
الاستثناء الرابع: الهبة في مرض موت السلف لا تنصرف إلى الورثة
على أساس هذه الصفة، وإنما باعتبارها وصية، وهذا ما جاء في المادة 204 من قانون
الأسرة، والحكمة في ذلك هي حماية الورثة مما قد يؤدي إلى الإضرار بهم، ذلك أن
السلف في مرض الموت لا يأبه بمصير أمواله ما دام انه مشرف على الهلاك، لذلك قد
يتصرف فيها على نحو يضر بمصلحه الخلف، ومن ثم قيد المشرع الهبة وجعلها تأخذ حكم
الوصية لغاية عدم تجاوزها الثلث.
ويشترط
أن يثبت الورثة صدور التصرف في مرض الموت، فإذا كان التصرف مدونا في ورقه رسميه
يقع تاريخها في أثناء مرض الموت تحقق هذا الإثبات.
الفرع الثاني: الخلف الخاص
الخلف
الخاص هو من يخلف سلف في ملكيه شيء أو في حق معين، أو في حق شخصي، ومثال الخلف
الخاص المشتري كخلف للبائع والموهوب له كخلف للواهب، كما يعتبر خلفا خاصا من تلقى
حقا شخصيا بطريقة حوالة الحق.
فإذا
كان السلف قد ابرم عقودا في خصوص الشيء الذي انتقل إلى الخلف الخاص، فهل يلزم هذا
الأخير بما ترتبه هذه العقود؟ أجابة على هذه المسالة المادة 109 من القانون
المدني، وقررت بأن انصراف آثار العقد إلى الخلف الخاص مقترن بتحقيق شروط معينه
وهي:
الشرط الأول: أن يكون عقد السلف في خصوص الشيء سابقا على انتقال الشيء للخلف:
ومفاد
هذا الشرط أن العقود التي يبرمها السلف في خصوص الشيء بعد انتقاله للخلف لا تنصرف
أثارها لهذا الأخير، إذ يجب أن يكون تاريخها سابقا على انتقال الشيء للخلف الخاص.
الشرط الثاني: أن يكون الالتزام أو الحق الذي نشأ عن العقد من مستلزمات الشيء:
ونحدد
الشروط التي تجعل الحق والالتزام من مستلزمات الشيء فيما يلي:
أ)
الحق من مستلزمات الشيء: يكون الحق من مستلزمات الشيء إذا توفرت فيه شروط
ثلاثة:
الأول: أن يكون الحق مفضيا إلى حفظ الشيء أو دفع الخطر عنه.
الثاني: أن يكون الحق مقتصرا استعماله على مالك الشيء.
الثالث: أن يكون الشيء هو محل الاعتبار في إنشاء الحق لا شخصية السلف.
ومثال
الحق الذي يعتبر من مستلزمات الشيء، حق مشتري المحل التجاري في عدم منافسة البائع
له، وكذلك حق المؤمن له في مبلغ التأمين على الشيء، حيث ينتقل من البائع (المؤمن
له) إلى المشتري (الخلف الخاص).
ب) الالتزام من مستلزمات الشيء:
يكون
الالتزام من مستلزمات الشيء إذا توفرت فيه ثلاثة شروط هي:
الأول: أن يكون مقيدا لاستعمال الشيء.
الثاني: أن يكون التزاما ليس بالإمكان تنفيذه إلا من قبل الخلف الخاص.
الثالث: أن يكون الشيء هو محل الاعتبار في إنشاء الالتزام لا شخص السلف.
ومن
أمثله الالتزامات التي تعتبر من مستلزمات الشيء، الإرتفاقات العينية، حيث تنتقل
إلى الخلف الخاص، وكذلك القيود التي ترد على البناء.
الشرط الثالث: أن يكون الخلف عالما بالحق أو الالتزام وقت انتقال الشيء إليه:
وعبء
إثبات علم الخلف بالالتزام يقع على عاتق المتعاقد مع السلف، ويجب أن يكون العلم
فعليا، أما الحقوق فهناك من يرى انه لا تشترط ضرورة العلم بها لكي يتمتع بها الخلف
الخاص.
فإذا
توفرت الشروط السابقة، انصرفت آثار العقد الذي أبرمه السلف إلى الخلف الخاص، وتجدر
الإشارة إلى أن القانون في بعض الحالات يقرر انصراف آثار العقد إلى الخلف الخاص
دون شروط معينة، من قبيل ذلك ما نصت المادة "469 مكرر03" في خصوص نفاذ
الإيجار في حق من انتقلت إليه ملكيه العين المؤجرة، سواء كان انتقال الملكية بصفة إرادية
أم جبرية.
الفرع الثالث: آثار العقد بالنسبة للدائنين
تطبيقا
لمبدأ نسبيه الأثر الملزم للعقد فإن دائني المتعاقدين يعتبرون من ضمن الغير، الذين
لا تنصرف إليهم آثار العقد، غير أن المشرع قام بمراعاة مصلحة هذه الفئة في الحالة
التي تكون العقود التي ابرمها المدين ضارة بالدائنين، كأن يقوم المدين بالتبرع
بماله إضرارا بالدائن، أو أن يقوم المدين بإبرام تصرفات تحت غطاء مظاهر كاذبة، مثل
أن يبرم عقد بيع صوري هدفه منع الدائن من التنفيذ على أمواله، وتكون الصورية هنا
مطلقة، حيث يكون تصرف الظاهر بيعا بينما لا يوجد أي تصرف قانوني في حقيقة الحال،
ولمواجهة مثل هذه التصرفات الضارة بالدائنين، خول المشرع لهم مجموعة من الدعاوى،
مثل دعوى عدم نفاذ التصرف (الدعوى البوليصية)، ودعوى الصورية والدعوى غير
المباشرة.
الفرع الرابع: استثناءات من مبدأ نسبيه الأثر الملزم للعقد
ترد
على مبدأ نسبية الأثر الملزم للعقد، استثناءات مردها تارة إلى نص القانون، وتارة
أخرى إلى اتفاق بين الطرفين يقرر انصراف اثر العقد إلى الغير، وسنحاول تناول هذين
الاستثناءين فيما يلي:
ينص
القانون في بعض الحالات على امتداد آثار العقد إلى الغير، من ضمن هذه الحالات، ما
يتعلق بعقد الإيجار، عندما نكون أمام مستأجر من الباطن، حيث تفترض هذه الحالة
وجود:
(ا)
عقد الإيجار (ب) عقد إيجار من الباطن (ج) مستأجر من الباطن
مؤجر مستأجر
في
هذه الحالة نلاحظ بان المستأجر من الباطن (ج) يعتبر من الغير بالنسبة للمؤجر، ومن
ثم فإنه من الناحية المبدئية لا يؤثر فيه العقد الذي بين (ا) و (ب)، غير أن المشرع
كاستثناء جعل (ج) الذي هو من ضمن الغير، يتأثر بهذا العقد، حيث يصبح ملزما بدفع ما
ثابت في ذمته لـ(ب) إلى (ا) إذا تخلف (ب) عن دفعه له (المادة 507 من القانون
المدني)، ومن ثم نلاحظ أن(ج) انصرفت إليه أثار العقد الذي لم يكن طرفا فيه، ونلاحظ
كذلك بأن المؤجر اكتسب حقا من عقد ليس طرفا فيه، وتسمى دعوى رجوع المؤجر على
المستأجر من الباطن، بالدعوى المباشرة، ويرجع بها على مدين مدينه، باسمه هو(اسم
المؤجر) لا باسم المدين.
ومن
حالات الدعوى المباشرة أيضا، أحقية المقاول من الباطن أن يطالب بالأجرة (في حدود
ما يعتبر المقاول الأصلي دائنا به) من رب العمل، حيث نلاحظ بأن رب العمل يعتبر من
الغير بالنسبة للعقد الذي بين المقاول الأصلي والمقاول من الباطن، وكاستثناء من
مبدأ نسبية الأثر الملزم للعقد، ينصرف إليه اثر هذا العقد، حيث يصبح رب العمل
ملزما بدفع ما هو ثابت في ذمته للمقاول الأصلي إلى المقاول من الباطن (المادة 565
من القانون المدني).
تعريف الاشتراط لمصلحه الغير:
الاشتراط
لمصلحه الغير هو عقد بين شخص يوصف بالمشترط وآخر يوصف بالمتعهد، يكلف فيه هذا
الأخير بان يلتزم لصالح شخص خارج العقد يوصف بالمنتفع أو المستفيد، وتكون نتيجة أن
يكتسب هذا الأخير حقا مباشرا من عقد لم يكن طرفا فيه، ولذلك يعتبر الاشتراط لمصلحه
الغير استثناءا واضحا من مبدأ "نسبية الأثر الملزم للعقد".
الخلفية التاريخية للاشتراط لمصلحه الغير:
لم
يكن الاشتراط لمصلحه الغير في البداية موجودا في القانون الروماني، وذلك حفاظا على
قاعدة أن العقد لا ينشا حقا للغير، غير أن الضرورات العملية حملت الرومان على لزوم
مراجعه هذا المسلك المتشدد في التمسك بالقاعدة السابقة، لذلك ما لبثوا أن وضعوا
فكرة إمكانية ترتيب العقد لحق في ذمه الغير محل اهتمامهم، وجسدوها على فترات
وبدرجات متفاوتة، الأولى في شكل إعطاء دعوى للمشترط تبيح له الرجوع على المتعهد،
إذا لم يلتزم لصالح المنتفع، ورغم ذلك بقى هذا الأخير غير متمتع بحق المباشر يخوله
حق مطالبه المتعهد.
وبعد
تطور مستمر وصل الرومان إلى إعطاء المنتفع حقا مباشرا يكسبه في مواجهة المتعهد،
ولكن اقتصروا في ذلك على تمكينه من دفع فقط، غير انه بعد تطور وصلوا إلى حد منحه
دعوى ولكن اقتصرت على حالات استثنائية.
والقانون
الفرنسي القديم اخذ عن الرومان هذه الاستثناءات، وبعد تطورات لاحقة لتقنين نابليون
(سنة1804)، بلغ الفقه والقضاء الفرنسيين درجه تطور الاشتراط لمصلحه الغير اكتفاء
بتوفر شرطين، الأول أن يتعاقد الشخص لنفسه مشترطا حقا أو مرتبا التزاما، فإذا لم
يشترط لنفسه شيئا فيكفي أن يلتزم بشيء عن نفسه، وشرط الثاني هو أن يكون للمشترط
مصلحه ماديه أو أدبيه تدفعه للاشتراط لمصلحه الغير، وبعد مدة استغني عن الشرط
الأول، حيث أصبح ممكنا للشخص أن يشترط للغير دون أن يكون ملتزما بشيء أو يتمتع بحق
معين لصالحه.
أما
المشرع الجزائري فقد اخذ بالاشتراط لمصلحة الغير على النحو الذي انتهى إليه في
تطوره، فأجاز للشخص أن يتعاقد باسمه لترتيب التزامات يشترطها لمصلحه الغير، وذلك
ما دامت له مصلحة مادية كانت أم أدبية (المادة 116 من القانون المدني).
تطبيقات الاشتراط لمصلحه الغير:
الاشتراك
في مصلحة الغير له تطبيقات عديدة، فنجده في عقد التأمين على الحياة، حيث يشترط
المؤمن له، أن يدفع مبلغ التأمين إلى أولاده أو زوجته، كما يتصور الاشتراط لمصلحة
الغير في عقد البيع حينما يشترط البائع على المشتري أن يدفع الثمن إلى شخص ثالث (المنتفع)،
كما يتصور أيضا في عقد الهبة حينما يشترط الواهب على الموهوب له أن يؤدي ابرادا
لصالح شخص ما.
مسألة محل اختلاف في الاشتراط مصلحه الغير:
ولقد
اختلف في مسٲلة كون الاشتراط لمصلحه الغير عقدا قائما بذاته، أم ٲنه عقد تابع، أو
بمعنى آخر عقد محمل على عقد آخر، أما الفقه في مصر فذهب إلى أن الاشتراط لمصلحة
الغير يمكن تصوره في عقد قائم بذاته ويقدم مثالا في هذا الخصوص، بالأم التي تتفق
مع والد ابنها على أن يلتزم هذا الأخير لمصلحة الابن بنفقات الدراسة في الخارج،
حيث يرى الفقه المصري أن هذا يعد بمثابة عقد مستقل للاشتراط لمصلحه الغير.
مقومات الاشتراط لمصلحه الغير:
1. تعاقد المشترط باسمه لا باسم المنتفع: ما يميز النيابة عن الاشتراط لمصلحه
الغير، هو أن النائب يتعاقد باسم الأصيل لا باسمه هو، سواء كانت نيابة اتفاقية آم
نيابة قانونية، بينما يتعاقد المشترط باسمه هو لا باسم المنتفع.
2. المشترط يشترط حقا مباشرا للمنتفع: يجب في الاشتراط لمصلحه الغير أن يكون
الالتزام الواقع على عاتق المتعهد مستهدفا تحقيق منفعة للغير بصفه مباشرة، فإذا
اشترط المشتري في عقد البيع على البائع شرطا لنفسه، وهو أن يهيأ له جزءا من الطريق
المؤدي للمنزل المباع، ثم استفاد المارة من هذه التهيئأة، فهنا لا نكون بصدد
اشتراط لمصلحه الغير، لان الاشتراط هنا لم يستهدف تحقيق نفع للغير، ومن ثم لن ينشأ
حق لهذا الأخير يخوله حق مطالبة المتعهد بتنفيذ الالتزام.
ويجب
أيضا أن ينشأ الحق مباشرة على اتفاق الاشتراط، لا بواسطة معينة، فإذا قام البائع
بتحويل حقه في الثمن إلى أحد أقاربه بواسطة حوالة الحق، فإننا لا نكون بصدد
الاشتراط لمصلحه الغير، لأن الغير لم ينشأ حقه مباشرة عن العقد وإنما عن طريق
الحوالة.
3. أن تكون للمشترط مصلحة شخصية في الاشتراط للغير: لا بد أن تكون للمشترط مصلحة شخصية في
الاشتراط سواء كانت مادية أم أدبيه، وهذا ما يميز المشترك عن الفضولي، ومثل
المصلحة المادية أن يكون الاشتراط مقررا لمصلحة دائن المشترط لغاية الوفاء بدين،
أما المصلحة الأدبية فمثالها التأمين على الحياة لمصلحه الزوجة، أو الاشتراط لمصلحة
الفقراء أو ذوي الاحتياجات الخاصة، ويجب
أن تكون المصلحة مشروعة و إلا كان الاشتراط باطلا، ومثاله التأمين لصالح الخليلة
لغرض استمرار العلاقة غير المشروعة معها.
- شروط الاشتراط لمصلحه الغير:
إذا
كان الاشتراط لمصلحة الغير محملا على عقد معين (العقد الحامل إن صح التعبير)، وجب
أن تتوفر في هذا العقد الشروط اللازمة لانعقاد عموم العقد، فإذا كان هذا العقد
باطلا، فإن ذلك ينسحب إلى الاشتراط ليصبح بدوره باطلا.
أما
الأهلية في العقد الحامل، فإنها تختلف باختلاف وصف هذا العقد، فإذا كان بيعا وجب
أن يكون كلا متعاقدان قد بلغا سن التمييز، وإذا كان المشترط متبرعا للمتعهد مع
اشتراط إعطاء شيء إلى المنتفع، وجب في المشتري أن يكون متمتعا بأهلية كأملة وهي
بلوغ سن "19 سنه".
أما
بالنسبة لشروط الاتفاق على الاشتراط فوجب
أن تتوفر الأركان العامة في العقد، من تراضي ومحل وسبب، وبالنسبة للأهلية فهي
تختلف بحسب علاقة المشترط مع المنتفع، فإذا كان المشترط متبرعا للمنتفع، وجب في
المشترط أهلية أداء كاملة، وإلا كان الاشتراط باطلا، ويبقى العقد الحامل صحيح غير
متأثر بهذا البطلان، ما دامت الأهلية حسب طبيعته متوفرة، ومثال ذلك أن يشترط
البائع ناقص الأهلية على المشتري أن يدفع جزءا من الثمن إلى شخص معين على سبيل
التبرع، فهنا يبطل الاشتراط لمصلحة الغير ويبقى عقد البيع قائما طالما لم يحكم
ببطلانه (لأنه قابل للإبطال بحكم نقص الأهلية).
أما
إذا كانت علاقة المشترط بالمنتفع تتصف بالمعاوضة، كالبائع في المثال السابق يشترط
على المشتري دفع جزء من الثمن إلى دائنه (دائن البائع) وذلك وفاء لدين عليه، فهنا
يكفي في المشترط سن التمييز، ونلاحظ بأن بطلان عقد الاشتراط لا يؤدي إلى بطلان
العقد الحامل له، ولكن بطلان العقد الحامل يستتبع بطلان الاشتراط لمصلحه الغير.
وبالنسبة
للشروط الخاصة بالمنتفع، فليس بشرط أن يكون معينا، بل يكفي تحديد الصفات التي
يتعين بها شخصه، وقت نفاذ عقد الاشتراط، مثل التأمين لمصلح’ الأولاد قبل ولادتهم
أو مصلحه الورثة، مصلحه الزوجة قبل الزواج...الخ، وإذا لم يوجد المنتفع أو لم يعين
وقت ترتيب الاشتراط لأثره، مثل موت المشترط في عقد التأمين على الحياة، دون أن
يترك ولدا، فإن الاشتراط يبطل.
- أثار الاشتراط لمصلحه الغير:
أولا: في علاقة المشترط بالمتعهد: لا يهمنا في علاقة المشترط بالمتعهد
الالتزامات المتعلقة بالعقد الأصلي (الحامل) المبرم بين المشترط والمتعهد، فهذه
تخضع لأحكام هذا العقد وفقا لطبيعته، وإنما تهمنا علاقة المشترط بالمتعهد فيما
يتصل باتفاق الاشتراط، وكما سبق الذكر فان المشترط والمتعهد هما طرفا الاشتراط،
وأما المنتفع فليس بطرف فيه، ومن ثم جاز للمشترط أن يطالب بتنفيذ المتعهد لالتزامه
تجاه المنتفع، وأن يطالبه عند الإخلال بتعويض المنتفع، كما يحق له المطالبة
بالتعويض لمصلحته هو إن أصابه ضرر من جراء هذا الإخلال، كما يجوز للمشترط أن يمارس
الدفع بعدم التنفيذ في حاله إخلال المتعهد بتنفيذ التزامه.
ثانيا: علاقة المتعهد بالمنتفع: ينشئ للمنتفع حق مباشر في مواجهه
المتعهد، فيستطيع أن يرفع دعوة للمطالبة بتنفيذ الالتزام المقرر لمصلحته، كما
يستطيع أن يطالب بالتعويض، إذا كان تنفيذ المتعهد لالتزامه غير ممكن، وأحقية المنتفع
في مطالبه المتعهد لا تجيز له طلب فسخ العقد الحامل للاشتراط، إذ يبقى هذا الحق
مقتصرا على المشترط، وذلك لان المنتفع ليس بطرف في هذا العقد.
ويعتبر
الحق المشروط حكرا على المنتفع، ومن ثم لا يدخل في ذمة المشترط، ونتيجة ذلك انه لا
يمكن لدائن هذا الأخير أن ينفذ عليه، كما لا يدخل في تركته، والمنتفع ينشأ حقه من
وقت العقد لا من وقت إبداء رغبته في الحصول على الاشتراط، ومن ثم إذا مات المنتفع
قبل إبداء رغبته، انتقل الحق إلى ورثته، كما أن للمتعهد أن يدفع مطالبة المنتفع له
بجميع أوجه الدفع، مثل الدفع بالبطلان.
وإذا
أخل المشترط بتنفيذ التزامه تجاه المتعهد، كان لهذا الأخير أن يمتنع عن تنفيذ
التزامه المقرر للمنتفع، وذلك تمسكا بالدفع بعدم التنفيذ، كما يجوز للمتعهد أن
يطالب بالفسخ.
العلاقة بين المشترط والمنتفع:
يحق
للمشترط أن ينقض المشارطة، قبل إبداء المنتفع لرغبته، وحق المشترط في نقض المشارطة
حق لصيق بشخصه، فلا ينتقل إلى ورثته، كما لا يمكن لدائني المشترط، أن يتمسكوا بهذا
الحق عن طريق الدعوى غير المباشرة.
ويشترط
أن يكون استعمال المشترط لحقه في نقض المشارطة غير متعارض مع ما يقتضيه العقد،
فإذا كان العقد يوجب على المشتري لنقض المشارطة الحصول على رضا المتعهد، فإنه لا
يتحقق النقض إلا به، ونقض المشارطة لا يشترط فيه شكل خاص، فقد يكون صريحا أم
ضمنيا، ويترتب على نقض المشارطة زوال حق المنتفع بأثر رجعي، وكأنه لم يكن.
أما
إذا أبدى المنتفع رغبته في الاستفادة من المشارطة، فإنه يسقط حق المشترط حينئذ في
نقض الاشتراط، ولا يشترط في إبداء الرغبة شكل خاص، فقد يكون صريحا كما قد يكون
ضمنيا، ويرتب أثره بإعلانه للمشترط أو المتعهد، ودائنوا المنتفع يجوز لهم عن طريق
الدعوى غير المباشرة استعمال حقه في إبداء الرغبة، وذلك إذا كان الاشتراط معاوضة،
أما إذا كان تبرعا فإنه لا يمكن لهم ممارسة هذا الحق.
المرجع:
- د. زكريا سرايش، الوجيز في مصادر الالتزام العقد والإرادة المنفردة، دار هومة، الجزائر، ص123-150.