تعريف العقد وتقسيماته وخصائصه
يعتبر
العقد أهم مصدر إرادي للالتزام، حيث يحضا بأهمية بالغة في الحياة اليومية للأشخاص،
ففي جميع طرق حصول الأشخاص على حاجياتهم نجد أن العقد يحتل معظمها، وعليه سنتناول
تعريف العقد وتقسيماته وخصائصه، وذلك في ما يلي˸
- المطلب الأول˸ تعريف العقد.
- المطلب الثاني˸ خصائص العقد.
- المطلب الثالث˸ تقسيمات العقود
المطلب الأول: تعريف العقد
العقد
لغة: كلمة تفيد "الربط بين أطراف الشيء وجمعها وأما بين الكلاميين يراد به
العهد"[1]
والعقد إصطلاحا هو "توافق إرادتين على إحداث اثر قانوني سواء كان هذا الأثر
هو إنشاء الالتزام أو نقله أو تعديله أو إنهائه".
ويميز
بعض الفقهاء بين الاتفاق والعقد، ويرون أن الاتفاق هو توافق إرادتين أو أكثر على
إنشاء الالتزام أو تعديله أو إنهائه، بينما يكون العقد اخص من الاتفاق، أو بمعنى
آخر إعلان الاتفاق جنس والعقد نوع من أنواعه، وعلى هذا الأساس يكون العقد هو احد
صور الاتفاق المتمثلة في تطابق إرادتان على إنشاء الالتزام أو على نقله.
بالرجوع
إلى المشرع الجزائري نجده عرف العقد في المادة 54 من القانون المدني والتي جاء في
نصها˸
"العقد
اتفاق يلتزم بموجبه شخص أو عدة أشخاص آخرين بمنح أو فعل أو عدم فعل شيء ما"
من
خلال نص المادة نلاحظ أن تعريف المشرع للعقد هو تعريف قاصر ويؤخذ عليه ما يلي˸
1. انه
عرف العقد من خلال صور محل الالتزام التي يمكن أن يتضمنها، المتمثلة في الالتزام
بإعطاء والالتزام بالقيام بعمل والالتزام بالامتناع عن عمل.
2. انه
تعريف لم يبرز دور الإرادة في إنشاء العقد، في حين أن العقد لا يقوم إلا على
إرادتان متطابقتان يعتد بهما القانون.
3. انه
جعل العقد هو احد أشكال الاتفاق وبذلك فإنه يميز بينهما، في حين أن اغلب الفقه
استقر على أنهم مصطلحان مترادفان.
ومن
الجدير أن نميز بين عقد القانون الخاص والعقد الإداري، ولقد عرف العقد الإداري على
انه˸
"ذلك
العقد الذي ابرمه شخص معنوي عام بقصد تسيير مرفق عام أو تنظيمه وتظهر فيه نية
الإدارة في الأخذ بإحكام القانون العام، وآية ذلك أن يتضمن العقد شروط استثنائية
وغير مألوفة في القانون الخاص أو أن يخول المتعاقد مع الإدارة الاشتراك مباشره في
تسيير المرفق العام".
من
خلال التعريف السابق يمكن القول بان العقد الإداري هو ذلك العقد الذي تكون فيه
الإدارة طرفا بوصفها سلطه عامه، فإذا أبرمت العقد بأي صفه أخرى غير هذه الصفة
انتفت صفه الإدارية عن العقد، أصبح بذلك من عقود القانون الخاص وهذا ما قضت به
المحكمة الإدارية العليا في مصر ومما جاء في هذا القضاء˸ "ومن حيث أن قضاء
هذه المحكمة قد استقر على أن العق يعتبر إداريا إذا كان احد طرفيه شخصا معنويا
عاما، ومتصلا بمرفق عام ومتضمنا شروطا مألوفة في نطاق قانون خاص...".
والشروط
الاستثنائية غير المألوفة في عقود القانون الخاص والمقترنة بالعقد الإداري يمكن أن
نعطي لها أمثله في ما يلي˸
1. حق
السلطة الإدارية في تعديل الالتزامات المتعاقدين معها نقصا أو زيادة.
2. امتياز
سلطة التدخل للإشراف على تنفيذ العقد.
3. امتياز
سلطة تغيير طريقه تنفيذ العقد ووقف التنفيذ مؤقتا.
4. امتياز
سلطة فسخ العقد بإرادتها المنفردة.
5. امتياز
سلطة الإدارة في توقيع عقوبات مختلفة على المتقاعد معها في حاله إخلاله بالتزامه
حتى ولو تتضرر من ذلك.
- أساس القوة الملزمة للعقد (مبدأ سلطان الإرادة)˸
ترجع
قدرة العقد على إنشاء الالتزام وفق ما ساد في فترة معينة (مرحله انتشار المذهب
الفردي)، إلى مبدأ سلطان الإرادة، الذي يقصد به أن هذه الأخيرة تكفي وحدها لإنشاء
العقد، كما أن الإرادة حرة في تعيين الآثار التي تترتب على العقد.
ونتائج
مبدأ سلطان الإرادة في إطار العقد تتمثل في حرية التعاقد وحرية تحديد مضمون العقد،
وكذلك في وجوب احترام إرادة المتعاقدين، فلا يجوز نقض العقد أو تعديله إلا باتفاق
الطرفان.
ومبدأ
سلطان الإرادة يرجع ظهوره إلى عوامل اقتصاديه والمتمثلة في الروح الفردية، غير انه
بعد ذلك ما لبث أن تراجع بسبب عوامل اقتصاديه مرجعها التيار الاشتراكي الذي واجه
التيار الرأسمالي وهو ما أدى إلى تقهقر هذا المبدأ.
ولقد
فرضت الوقت الحاضر قيود على مبدأ سلطان الإرادة نجد من بعض مظاهرها ما يلي˸
1. بطلان
العقد إذا كان سببه أو محله مخالفا للنظام العام والأدب العامة، فبالرغم من أن
الإرادة كانت حرة في إنشاء مثل هذا العقد، إلا أنها مقيده بإطار الدواعي الأخلاقية
والأمنية للمجتمع، وهذا ما نص عليه المشرع الجزائري في نص المادتين 93 و 97 من
القانون المدني.
2.
إمكانيه مراجعه الثمن في عقد البيع العقاري إذا وجد الغبن، وهذا ما نص عليه المشرع
الجزائري في المادة 358 من القانون المدني.
3. فرض
الشكلية على مجموعة من العقود، حيث لا يكفي تطابق إرادتين لانعقاد العقد في بعض
الحالات، بل وجب إفراغها في شكل معين، وهذا ما نصت عليه المادة 324 "مكرر 01
" من القانون المدني.
- مجال تطبيق القواعد الخاصة بالعقد˸
إن
العقد الذي ينظمه القانون المدني وجب أن يكون في نطاق القانون الخاص، وفي دائرة
المعاملات المالية، فالمعاهدة لا تدخل في مجال العقد وكذلك الوظيفة العامة بالرغم
من كونهما اتفاقان، ذلك انه يتعين أن يكون الطرفان من أشخاص القانون الخاص.
ولا
تنطبق قواعد نظرية العقد على الاتفاقات التي تخرج عن الإطار المالي، حتى ولو كانت
في ظل القانون الخاص، فعقد الزواج لا تحكمه نظرية العقد المدني.
المطلب الثاني: خصائص العقد
من
التعريف السابق للعقد يمكننا أن نستخلص خصائصه، ونذكر أهمها فيما يلي˸
1. العقد مصدر للالتزام˸
يترتب
عن العقد نشوء التزام في ذمت كلا طرفيه أو في ذمة طرف واحد، وهذا الالتزام قد يكون
محله إعطاء شيء مثل نقل ملكية منقول أو عقار، وقد يكون محله القيام بعمل مثل
التزام المقاول بالقيام بالأعمال المتفق عليها في عقد المقاولة، وقد يكون محله
الامتناع عن القيام بعمل، مثل التزام البائع بعدم التعرض للمشتري في انتفاعه
بالمبيع.
2. العقد مصدر إرادي للالتزام˸
يقوم
العقد على إرادتين متطابقتين، حيث تتجه إرادتان فأكثر إلى التقيد بما يفرضه من
التزامات بكل حرية، وهذا ما يميز العقد عن مصادر الالتزام الأخرى، كالمسؤولية
التقصيرية والإثراء بلا سبب، التي لا تتدخل الإرادة فيها لإنشاء الالتزام.
3. العقد مصدر للحق الشخصي˸
وهذه
نتيجة منطقيه لكون العقد مصدر للالتزام، إذ بنشوء الالتزام ينشا بالموازاة معه حق
شخصي، ففي عقد الإيجار يترتب التزام في ذمة المستأجر بدفع بدل الإيجار، وفي
المقابل يترتب حق للمؤجر وهو أحقيته في هذا البدل، ومن ثم يملك وسيلة الدعوى
للمطالبة به.
المطلب الثالث: تقسيمات العقود
إن
جميع العقود تتحد من حيث الأركان وتتحد كذلك في كثير من الأحكام التي تخص نظرية
العقد، غير أن هناك اختلافات في بعض المسائل أملتها خصوصية بعض العقود، ونتيجة
لذلك تم وضع بعض القواعد تجد سبيل تطبيقها في عقد دون الآخر، هذه الاختلافات دفعت
بالفقه إلى تقسيم العقود في إطار يأخذ بعين الاعتبار خصوصية كل عقد، وذلك بغية
تسهيل تحديد القواعد التي وجب تطبيقها على كل عقد من هذه العقود.
ومسٲلة
تقسيم العقود تعد من الأمور التي يهتم بها الفقه، ذلك أن المشرع ليس من أولوياته
التفرغ لهذه التقسيمات، التي قد يصعب عليه وضعها في إطارها الدقيق، ونجد أن المشرع
الجزائري قد أورد بعض التقسيمات في المواد "55 -56- 57- 58" من القانون
المدني، غير أنها اقتصرت على العقد الملزم للجانبين والملزم لجانب واحد وعقد
المعاودة.
وتختلف
تقسيمات العقود عن بعضها بحسب الناحية التي ينظر إليها في العقد.
أولا˸ العقود المسماة والعقود غير المسماة˸
العقود
المسماة هي العقود التي وضعها المشرع لها تنظيما خاصا في القانون المدني، حيث تم
تنظيم كل عقد بموجب قواعد متميزة عن تلك التي تحكم عقدا آخر، ولقد نظمها المشرع
الجزائري في خمس مجموعات، لذلك فهي عقود تقع تحت طائلة الحصر مثل البيع والإيجار
والمقاولة...الخ.
أما
العقود غير المسماة فهي التي لم يضع لها المشرع قواعد خاصة بها في القانون المدني،
وبذلك لا يمكن وضعها في إطار محصور، فعقد الفندقة لم يضع له المشرع قواعد خاصة،
وعقد التمثيل الذي يتعهد فيه الممثل بالقيام بدور في فيلم معين لم يضع له المشرع
قواعد خاصة تحكمه...الخ.
- أهميه التمييز بين العقود المسماة
والعقود غير المسماة
تتمثل
أهمية التمييز بين العقود المسماة والعقود غير المسماة في أن الأولى تطبق عليها القواعد
الخاصة بها، فإذا تعلق النزاع بعقد بيع طبقت القواعد الخاصة بعقد البيع، وإذا تعلق
النزاع بعقد مقاولة طبق القاضي القواعد القانونية الخاصة بعقد المقاولة.
أم
العقد غير المسمى فانه ونظرا لعدم وجود قواعد خاصة به فإننا نطبق عليه المبادئ العامة
في نظرية العقد، والقاضي يقع على عاتقه القيام بعملية تكييف العقد، بمعنى إعطاء
الوصف القانوني للعقد، أي تحديد ضمن أي مجموعه هو، فإذا وجده عقدا مسمى تعين عليه
تسميته داخل مجموعته.
ثانيا˸ العقود من حيث تكوينها إلى رضائية وشكلية وعينية˸
أ. العقد الرضائي˸
هو
ذلك العقد الذي يكفي لانعقاده توفر التراضي بين الطرفين، إذا لا نحتاج إلى إفراغ
إرادة المتعاقدين في شكل معين، ومن ثم فمجرد توفر التراضي والمحل والسبب ينعقد
العقد ويكون منتجا لجميع آثاره، فإذا كان العقد مقاولة مثلا أصبح المقاول ملزما
بالأعمال التي يتضمنها العقد منذ اللحظة التي يتحقق فيها التراضي، وكذلك الحال
بالنسبة لرب العمل إذ يصبح ملزما بدفع الأجرة بعد تسلم العمل ما لم يكن هناك اتفاق
على دفعها قبل ذلك، والمشرع الجزائري جعل الرضائية هي القاعدة في جميع العقود إلا
إذا وجد نص خاص.
ب. العقد الشكلي˸
هو
ذلك العقد الذي لا يكفي لانعقاده توفر التراضي بين الطرفين، بل وجب فوق ذلك وضع
هذا التراضي في شكل معين، الشكل عادة هو الكتابة الرسمية ( التوثيق) التي يقوم بها
شخص مخول قانونا، والهدف من الشكلية هو تنبيه المتعاقدين إلى خطورة ما سوف يقدمان
عليه.
وقد
يكون العقد رضائيا في أصله لكن إرادة المتعاقدين تتجه إلى جعله عقدا شكليا، وهنا
تصبح الشكلية واجبة لا بنص القانون وإنما بحكم الاتفاق، ومثال ذلك أن يتفق
المتعاقدان في عقد تمهيدي على وجوب كتابة العقد النهائي في شكل رسمي.
ومن
العقود الشكلية عقد الرهن الرسمي وعقد الشركة، ولقد نصت المادة "324 مكرر 01 "
على جملة من العقود الشكلية، نذكر منها عقود الإيجار الزراعية والتجارية والعقود
الناقلة لملكية عقارية، كما يعتبر عقد الإيجار وفقا للتعديل المؤرخ في˸ 13- 05-
2007 عقدا شكليا (المادة 467 من القانون المدني).
ويترتب
على عدم استيفاء الشكل الذي يتطلبه القانون البطلان المطلق للعقد، بمعنى أن العقد
يعتبر في حكم العدم من الناحية القانونية.
- التمييز بين شكليه الانعقاد والإثبات
بالكتابة˸
إن
العقد الشكلي هو عقد يقوم على ركن إضافي، إلا وهو ركن الشكل (التراضي والمحل
والسبب بالإضافة إلى الشكل)، وتخلف هذا الركن يؤدي إلى عدم قيام العقد من أساسه،
ولقد حدد القانون كتابة لا يراد بها أن تكون ركنا يقوم عليه العقد، وإنما يراد
منها إثبات ما ورد في العقد، حيث تكون الكتابة هنا شرطا لإثبات التصرف لا شرطا
لقيامه، وبذلك فهي تختلف عن الشكلية المشتركة في العقد الشكلي والتي تعتبر عنصرا
جوهريا لقيامه، وتخلف الكتابة المشروطة للإثبات يؤدي إلى صعوبة إثبات المدعي حقه
الناشئ عن العقد (المادة 333 مدني)، ولكن إقرار المدعي عليه يغني عن الإثبات
بالكتابة.
ج. العقد العيني
هو
ذلك العقد الذي لا يكفي لانعقاده توفر التراضي بين الطرفين، بل وجب توفر ركن آخر
يسمى بالتسليم أو "القبض"، ولقد كانت الشكلية في القديم هي الأصل، لكن
القانون الروماني استغنى عن الشكل بضرورة القيام بالتسليم وذلك في عقود محدده،
والعقد العيني الوحيد في القانون الجزائري هو هبه المنقول.
ثالثا˸ تقسيم العقود من حيث مضمونها˸
العقد الملزم للجانبين والعقد الملزم لجانب واحد˸
العقد الملزم للجانبين˸
هو
ذلك العقد الذي يكون كلا طرفيه دائما ومدينا في نفس الوقت، أو بمعنى آخر يكون فيه
كل متعاقدين ملتزما بأداء وله في نفس الوقت حق يقابله، ومثال ذلك في عقد الإيجار
حيث أن كلا من المستأجر والمؤجر لهما صفه الدائن والمدين، فالمستأجر يقع عليه
التزام دفع بدل الإيجار، وله في المقابل حق الانتفاع بالعين المؤجرة، وفي الجهة
المقابلة نجد أن المؤجر يقع عليه التزام تمكين المستأجر من العين المؤجرة، وله حق
قبض بدل الإيجار.
العقد الملزم لجانب واحد˸
هو
ذلك العقد الذي يكون فيه الالتزام مقتصرا على طرف واحد، أو بمعنى آخر يكون هناك
طرف له صفه المدين فقط، والطرف الآخر له صفة الدائن فقط ، ومثال ذلك في عقد
الوديعة بدون اجر، حيث ينشا التزام في ذمة طرف واحد وهو المودع لديه، دون التزام
يقع على عاتق المودع.
- أهمية التمييز˸
تتمثل
أهميه التمييز بين العقود الملزمة للجانبين والعقود الملزمة لجانب واحد في عده
نقاط هي˸
1. من حيث تبعة الاستحالة˸ في العقد الملزم لجانب واحد إذا استحال
على الطرف الملزم تنفيذ ما عليه بسبب لا يد
له فيه، انقضى التزامه، ولا يستطيع الدائن أن يطالبه بشيء، ومن ثم فان الذي
يتحمل تبعة هذه الاستحالة هو الدائن، ومثال ذلك في عقد الوديعة بدون اجر هلك فيها
الشيء المودع، حيث نرى بان المودع لديه يستحيل عليه رد الشيء إلى المودع، ومن ثم
فان المودع هو الذي تحمل الخسارة.
أما
في العقد الملزم للجانبين فان استحال تنفيذ احد الطرفين لالتزامه بسبب لا يد له
فيه، تؤدي إلى سقوط الالتزام المقابل ويفسخ العقد بقوة القانون، ومن ثم فان الذي
يتحمل تبعة الاستحالة هو المدين، ومثال ذلك في عقد بيع هلك فيه المبيع قبل تسليمه
للمشتري بسبب أجنبي، ففي هذه الحالة يستحيل على البائع تنفيذ التزامه، وهذا يؤدي
إلى سقوط التزام المشتري بدفع الثمن فلا يستطيع البائع مطالبته به، ومن ثم فان
البائع هو الذي يتحمل الخسارة الناجمة عن الاستحالة، ولذلك يقال بان الذي يتحمل
الخسارة في العقد الملزم للجانبين هو الطرف الذي أصبح تنفيذه التزامه مستحيلا.
2. من حيث أحقيه الفسخ˸ في العقد الملزم للجانبين إذا تخلف احد
الطرفين أو امتنع عن تنفيذ التزامه، جاز للطرف الآخر أن يرفع دعوى الفسخ، بمعنى أن
يتحلل هذا الأخير أيضا من التزامه ومن ثم أعاده المتعاقدين إلى الحالة التي كانا
عليها قبل التعاقد، وكذلك يحق للمتضرر المطالبة بالتعويض إن كان له مقتضى، ومنه
يستطيع الدائن أن يتحلل أيضا من التزامه عن طريق الفسخ، أما في العقد الملزم لجانب
واحد فانه إذا امتنع المدين عن تنفيذ التزامه فلا مجال لفسخ العقد، إذ يقتصر حق
الدائن على المطالبة بالتنفيذ العيني أو المطالبة بالتنفيذ عن طريق التعويض.
3. من حيث الدفع بعدم التنفيذ˸ في العقد الملزم للجانبين إذا تخلف احد
طرفين عن تنفيذ التزامه، جاز للطرف المقابل أن يمتنع هو الآخر عن تنفيذ ما عليه،
وهذا الامتناع الذي يأتي كردة فعل يسمى "الدفع بعدم التنفيذ"، وهو دفع
يقتصر على العقد الملزم للجانبين، أما في العقد الملزم لجانب واحد فانه لا يتصور
الدفع بعدم التنفيذ، وذلك لان هناك طرفا لا يقع عليه أي التزام يمكن أن يتحلل منه،
ومن ثم يقتصر حق الدائن في العقد الملزم لجانب واحد (إذا ما حدث امتناع عن
التنفيذ) على المطالبة بالتنفيذ العيني أو المطالبة بالتعويض.
ب. عقود التبرع وعقود المعاوضة˸
عقد
تبرع هو ذلك العقد الذي تقتصر فيه المنفعة على طرف واحد، أو بمعنى آخر يلتزم فيه
احد الطرفين بإعطاء شيء أو القيام بعمل لصالح المتعاقد الآخر دون مقابل، ومثاله
عقد الهبة حيث يلتزم الواهب بنقل ملكيه الشيء إلى الموهوب له، في حين أن هذا الأخير
لا يدفع أي قيمة مقابل هذا الشيء، ويميز الفقه بين عقود التبرع وعقود التفضل،
فتكون عقود التبرع متضمنة إعطاء شيء بدون مقابل أو بمعنى آخر الالتزام بنقل ملكيه
دون اخذ قيمه تعادلها، أما عقود التفضل فتكون متضمنة التزام احد المتعاقدين بتقديم
خدمه دون مقابل، مثل التزام المودع لديه في الوديعة بدون اجر.
وعقد
التبرع يقوم على عنصرين، الأول نفسي وهو اتجاه إرادة المتبرع إلى افادة الآخر بدون
مقابل، والثاني مادي ويتمثل في عدم وجود المقابل المادي، بمعنى قيمة مالية يدفعها
المتبرع لا تقابلها قيمة مالية من المتعاقد الآخر، ولذلك لا يعتبر العقد تبرعا إذا
اختل احد هذين العنصرين، فبيع شيء بأقل من قيمته الحقيقية، مع عدم وجود نية التبرع
لا يجعل العقد تبرعا، مثل أن يقوم احد الأثرياء ببيع جزء من أمواله بأقل من قيمتها
(بفارق كبير) لعدم اكتراثه بالمقابل، وفي هذا المثال نلاحظ عدم وجود العنصر النفسي
لعقد التبرع مع توفر العنصر المادي وهو عدم التعادل بين الالتزامين.
أما
عقد المعاوضة فهو ذلك العقد الذي تكون فيه المنفعة متبادلة، حيث يستفيد كل طرف فيه
من قيمة مالية تعادل ما قدمه، ومثاله واضح في عقد الإيجار حيث يستفيد المؤجر من
بدل الإيجار، ويستفيد بالموازاة معه المستأجر بالانتفاع من العين المؤجرة، وكذلك
الحال في عقد البيع حيث يقدم المشتري الثمن ويأخذ عوضا معادلا وهي قيمه المبيع
الذي يلتزم البائع بنقل ملكيته.
ونشير
إلى أن عقد التبرع ليس دائما عقدا ملزما لجانب واحد، فقد يكون عقد التبرع ملزما
للجانبين ومثاله الهبة مع التكليف، كما أن العقد الملزم للجانبين ليس دائما عقد
معاوضة إذ قد يكون عقد تبرع، و مثال ذلك˸ بيع شيء بأقل من قيمته مع انصراف نية
البائع إلى نفع المشتري، فهنا نلاحظ بان العقد ملزم للجانبين، إذ يلتزم البائع
بنقله ملكية الشيء ويلتزم المشتري بدفع الثمن، لكن العقد ليس معاوضة وذلك لوجود
نية التبرع التي غالبا ما يدل عليها عدم التعادل بين الالتزامين.
- أهميه التمييز˸
تتلخص
أهميه التمييز بين عقود التبرع وعقود المعاوضة فيما يلي˸
- من حيث الأهلية˸ حيث يشترط القانون في المتبرع أهلية
أداء كاملة وهي بلوغ سن 19 سنه، وإلا كان العقد باطلا بطلانا مطلق، في حين أن
المعاوض يجوز له إبرام العقد مع توفر سن التمييز(13 سنة) مع قابلية العقد للإبطال
باعتباره دائرا بين النفع والضرر.
- من حيث المسؤولية˸ تكون مسؤولية المتبرع اخف من مسؤولية
المعاوض، ففي عقد الوديعة بدون ٲجر يكلف المودع لديه (هو هنا بمثابة متبرع)
بالحفاظ على الوديعة وفق معيار ما يحفظ به ماله، أما إذا كانت الوديعة باجر(هنا
يصبح المودع لديه معاوض) فوجب عليه الحفاظ على الوديعة بعناية الرجل العادي
(المادة 592 من القانون المدني)، كما أن المعير (وهو بمثابة متبرع) لا يضمن العيوب
الخفية التي توجد في الشيء المعار (المادة 541 مدني)، في حين أن المؤجر(بمثابة
معاوض لأنه يأخذ أجرا) يجب عليه ضمان العيوب الخفية (المادة 488 من القانون
المدني).
- من حيث الغلط في شخص متعاقد˸ يؤدي الغلط في شخص المتبرع له إلى قابليه
عقد التبرع للإبطال، لان الغلط جوهري، فإذا قام شخص بهبة منقول إلى شخص معين على
أساس انه من أقاربه، ثم اكتشف لاحقا عدم وجود هذه القرابة، فان عقد الهبة هنا يكون
قابلا للإبطال لان الغلط جوهري، بينما يكون الغلط في شخص المتعاقد معه في عقد
المعاوضة غير جوهري ولا يؤدي إلى قابلية العقد للإبطال، لأنه يفترض في المعاوض أن
شخصية من تعاقد معه غير ذات أهمية في العقد (يستوي عنده أن يتعاقد مع "ٲ"
أو "ب" أو "ج")، غير أن العقد كاستثناء يكون قابلا للإبطال
إذا ثبت أن الدافع إلى إبرام عقد المعاوضة هي صفه شخص المتعاقد معه.
- من حيث الإثبات للتمسك بالدعوى
البوليصية˸ الدعوة
البوليصيه هي دعوى يلجا إليها الدائن للطعن في تصرفات مدينه التي من شانها إعسار
هذا الأخير أو الزيادة في إعساره، ويختلف الأمر بحسب ما إذا كان تصرف المدين تبرعا
أم معاوضة، فإذا كان تبرعا اعفي الدائن من إثبات تواطؤ من تصرف إليه المدين، أما
إذا كان معاوضة فانه يتعين على الدائن للتمسك بهذه الدعوى إثبات تواطؤ من تعاقد مع
المدين.
ج. العقود المحددة والعقود الاحتمالية˸
العقد
المحدد هو ذلك العقد الذي تكون فيه التزامات كلا طرفيه محددة وقت إبرام العقد، أو
بمعنى آخر يكون مقدار الأداء الذي يلتزم به كل متعاقد محددا وقت التعاقد، ومثال
ذلك في عقد بيع يتم فيه تحديد الثمن بـ 850 ألف دينار ويحدد المبيع بسيارة من نوع
"لوغان داسيا"، فهنا نلاحظ بان المقدار النهائي لكل أداء قد تحدد بصفه
نهائية وقت العقد.
أما
العقد الاحتمالي فهو ذلك العقد الذي لا تكون فيه التزامات احد طرفيه محدده وقت
التعاقد، وإنما تتوقف على أمر مستقبلي غير محقق الوقوع، ومثال ذلك واضح في عقد
التامين ضد الحريق، حيث يلتزم المؤمن له بدفع مبلغ من النقود لشركة التامين وذلك
لتامين سيارته في مده سنة ضد أي حريق يمكن أن يصيبها، فنلاحظ هنا بان التزام
المؤمن له قد تم تحديده وقت التعاقد بينما التزام شركة التامين غير محدد، فإذا وقع
الحريق التزمت الشركة بدفع مبلغ تأمين، وان لم يقع فإنها لا تلتزم بدفع شيء.
وسميت
هذه العقود بالاحتمالية لأنها تحتمل الربح كما تحتمل الخسارة، والعقد الاحتمالي
يكون دائما عقد معاوضه، أما عقد التبرع فيكون دائما محددا.
- أهمية التمييز˸
تتمثل
أهميه التمييز بين العقد المحدد والعقد الاحتمالي في مسالة التمسك بالغبن، حيث أن
العقد الاحتمالي لا يتأثر بالغبن بينما يمكن التمسك بالغبن في العقد المحدد،
والغبن هو عدم التعادل بين مقدار ما يأخذه المتعاقد وما يعطيه، والفارق بين
المقدارين نسميه غبنا، فإذا قام شخص ببيع عقار بـ 7 مليون دينار (700مليون سنتيم)،
ثم اكتشف بان قيمته الحقيقية هي 10 مليون دينار (1 مليار سنتيم) فانه يستطيع أن
يرفع دعوى الغبن للمطالبة بتكملة الثمن، وذلك لان قيمه التزم به لا تتناسب مع قيمه
ما تحصل عليه، وهذا مثال للغبن في عقد محدد، أما إذا كان العقد احتماليا كمن يبيع
عقارا له نفس قيمة العقار السابق ويكون الثمن عبارة عن مبلغ يدفعه المشتري مدى
حياة شخص اتفقا عليها ولنسميه”علي”، ولنفرض أن المرتب هو " 10آلاف دينار” (1
مليون سنتيم)، فإذا توفي "علي" بعد 24 شهرا يكون المشتري قد دفع "
240الف دينار" (24 مليون سنتيم)، ونلاحظ هنا بان ما تحصل عليه البائع لا
يتناسب بتاتا مع قيمه ما التزم به، وهنا لا يستطيع البائع أن يرفع دعوى الغبن
خلافا للمثال السابق، وذلك لان العقد احتمالي يقوم منذ البداية على ضرورة أن تطال
الخسارة احد الطرفين.
رابعا˸ تقسيم العقود من حيث وظيفة الزمن فيها إلى عقد فوري وعقد زمني˸
العقد
الزمني هو ذلك العقد الذي يكون الزمن فيه محددا لمقدار محل الالتزام، ومثال ذلك
عقد الإيجار وعقد العمل، أما العقد الفوري فهو ذلك العقد الذي لا يتدخل الزمن فيه
لتحديد مقدار محل التزامات طرفين، حتى ولو كان الالتزام لا يتعين بتنفيذه إلا بعد
انقضاء مدة معينة، ومثال ذلك في عقد بيع يكون فيه الثمن مؤجلا، حيث يكون الزمن هنا
غير مؤثر في تحديد مقدار الثمن وإنما مؤثرا في وقت تنفيذ الالتزام.
- أهميه التمييز˸
1) من حيث الفسخ˸ يترتب على فسخ العقد الفوري إرجاع المتعاقدين إلى الحالة التي كانا
عليها قبل التعاقد، بمعنى أن للفسخ اثر رجعي، في حين أن العقد الزمني لا يكون فيه
للفسخ اثر رجعي بل ينصرف أثره للمستقبل، ويبرر البعض عدم رجعية الفسخ في العقد
الزمني إلى أن ما مضى من الزمن قد فات ولا يمكن أن يعود، بينما يرى الفقيه
"إسماعيل غانم" أن لذلك مبررا آخر عبر عنه كما يلي˸ "ترجع العلة في
منع الأثر الرجعي للفسخ في العقد الزمني إلى انه لا ينشئ التزاما زمنيا واحدا، بل
التزامات متعاقبة على الطرف الآخر بقدر عدد فترات التنفيذ، فما تم تنفيذه من هذه
الاداءات المتقابلة لا يؤثر فيه الفسخ جزاء لعدم تنفيذ لاحق".
2) من حيث التعويض: يترتب على تخلف التنفيذ مؤقتا في العقد الفوري
أحقية الدائن في المطالبة بالتعويض عن التأخر في التنفيذ، أما في العقد الزمني
ولأن الزمن يعتبر عنصرا أساسيا في تحديد مقدار الأداء، فإن التخلف المؤقت عن
التنفيذ يخول الدائن أحقية المطالبة بالتعويض عن عدم التنفيذ لا عن مجرد التأخر في
التنفيذ، ومثال ذلك في عقد إيجار مدته سنة، فإذا تخلف المؤجر عن تمكين المستأجر
بالانتفاع بالعين مدة شهرين، فإن هذه المدة لا يمكن تداركها، وبذلك يكون التعويض
عنها هو تعويض عن عدم التنفيذ، لا مجرد تعويض عن التأخير.[2]
خامسا: تقسيم العقود من حيث مساواة المتعاقدين:
بعد
تردد طويل انتهى الفقه إلى التمييز بين عقد المساومة وعقد الإذعان، وقد أخذ المشرع
بهذا التمييز، حيث خص عقد الإذعان ببعض الأحكام الخاصة، وبعد تعريف كل منها نتعرض
لأهمية التمييز بينهما.
1) عقد المساومة:
يترجم عقد المساومة النموذج التقليدي للعقد، حيث يتمتع فيه كل
متعاقد بحرية كاملة في وضع شروط العقد وبنوده، فيساهم كل طرف في صنع الاتفاق وله
الحق في تقديم عروض تكون قابلة للنقاش من قبل الطرف الثاني، والحقيقة أن تثبيت لكل
متعاقد حرية مناقشة شروط العقد قبل إبرامه يعد من الأمور الجوهرية في العقد كونه
"اتفاق إرادتين" إذ لا يمكن الكلام عن اتفاق ما لم يكن هناك نقاش وأخذ
ورد بين الأطراف، ولكن هذا لا يعني أنه لا بد من مفاوضات، وإنما العبرة هي بحق
المتعاقد في المساهمة في تحديد بنود العقد سواء استعمل ذلك الحق أو امتنع.
2) عقد الإذعان:
عقد الإذعان هو -على العموم- عقد يملي فيه المتعاقد شروطه على
المتعاقد الثاني الذي ليس له الحق في مناقشتها، بل له أن يرفض العقد أو يقبله دون
شرط أو قيد، ويتميز هذا النوع من العقود بسيطرة أحد المتعاقدين على الآخر فيفرض
عليه شروطه ولا يقبل مناقشتها.
لم
يعرف المشرع عقد الإذعان، وإنما تعرض لكيفية حصول القبول فيه، من خلال المادة 70
مدني التي تنص "يحصل القبول في عقد الإذعان بمجرد التسليم لشروط مقررة يضعها
الموجب ولا يقبل المناقشة فيها".
أهمية التمييز:
تبرز
الغاية من التمييز بين عقد المساومة وعقد الإذعان في المسائل التالية:
- يعد
القبول في عقد الإذعان مجرد تسليم بشروط مقررة، أي قبول اضطراري، بسبب التفاوت
الاقتصادي بين المتعاقدين، بينما القبول في عقود المساومة مطابقا تماما للإيجاب
وناتجا عن حرية تامة.
- يمكن
للقاضي في عقد الإذعان -دون عقود المساومة- تعديل الشروط التعسفية أو إعفاء المذعن
من تنفيذه، وتجدر الإشارة في هذا الشأن أن المشرع اعتمد من خلال النصوص الخاصة
أسلوبا جديدا في معالجة الشروط التعسفية بعد تعريفه للشرط التعسفي على أنه
"كل بنذ أو شرط بمفرده أو مشتركا مع بند واحد أو عدة بنود أو شروط أخرى من
شأنها الإخلال الظاهر بالتوازن بين حقوق وواجبات أطراف العقد"، وأورد بعض
صورها على سبيل المثال، ووضع آلية جديدة لتحديد الشروط التعسفية، من خلال
التنظيمات وأقر عقوبات جزائية عند مخالفتها، وقد نتساءل في ضوء هذه المعطيات
الجديدة عن دور القاضي في مراقبة الشروط التعسفية؟
-
يعد قبول الإيجاب مع إضافة أو إنقاص شرط في عقود المساومة، إيجابا جديدا في حين
يعتبر مثل هذا التعديل رفضا في عقد الإذعان.
-
يؤول الشك لصالح المدين، في حين يجب أن يكون تأويل العبارة الغامضة غير ضار بمصلحة
المذعن دائنا كان أو مدينا.[3]
المرجع:
- د. زكريا سرايش، الوجيز في مصادر الالتزام العقد والإرادة المنفردة، دار هومة، الجزائر.
- د. علي فيلالي، الالتزامات النظرية العامة للعقد، موفم للنشر، الطبعة الثالثة 2013، الجزائر.