نظريتي الاختصاص والدعوى
تعتبر مسألة الاختصاص من المسائل المهمة التي يجب على
المتقاضين احترامها أثناء التقاضي، كما تعتبر الدعوى القضائية المدخل الطبيعي
للمتقاضين لحماية حقوقهم ومصالحهم أمام الجهات القضائية المختصة. وسيتم التطرق في
هذا الفصل لنظرية الاختصاص القضائي في مبحث مستقل ثم لنظرية الدعوى القضائية في
مبحث آخر.
المبحث الأول: نظرية الاختصاص القضائي
يعد الاختصاص (La compétence)
من المسائل الجوهرية في سير الدعوى القضائية، ويقصد به صلاحية المحكمة للنظر في
الدعوى ومدى أهليتها للفصل في القضية دون غيرها.
وقد نظم المشرع الجزائري قواعد الاختصاص بشقيه النوعي
والمحلي في الباب الثاني من قانون الإجراءات المدنية والإدارية المعنون بالاختصاص.
وتكمن أهمية معرفة قواعد الاختصاص لرافع الدعوى أمام المحكمة المختصة التي يعود
إليها الاختصاص بالنظر في النزاع قبل رفعها، لأنه لو رفعها أمام محكمة ليست لها
سلطة الحكم بمقتضى القانون في هذا النزاع تقضي بعدم الاختصاص. لذا يقع على
المتقاضي أن يدرك تماما الجهة التي خولها القانون النظر في دعواه نوعيا
وإقليميا.
أولا - الاختصاص النوعي:
يقصد بالاختصاص النوعي (La compétence
matérielle) سلطة الجهة القضائية المختصة على اختلاف
درجاتها بالنظر في نوع محدد من الدعاوى. فإذا كان النزاع قائما بين أشخاص من بينهم
أفراد القانون العام (إدارات) أعتبر النزاع إداريا تختص به نوعيا المحاكم
الإدارية، وإذا كان بين أفراد من القانون الخاص أعتبر عاديا تختص به نوعيا المحاكم
العادية على اختلاف أنواعها ودرجاتها، مثل القضايا الجنائية (جنايات، جنح،
مخالفات)، القضايا التجارية، المدنية...، إلخ.
1- الاختصاص النوعي للمحاكم:
يعتمد التنظيم القضائي في الجزائر على وحدة الجهة
القضائية الأساسية المتمثلة في المحكمة بحيث لا وجود للتعدد المادي للمحاكم، إنما
هناك محكمة تتشكل من أقسام مكلفة بالنظر في مختلف القضايا المطروحة أمامها بحسب
طبيعة النزاع وتعتبر المحكمة الدرجة الأولى للتقاضي.
نصت المادة 32 من ق.إ.م.إ على أن المحكمة هي الجهة
القضائية ذات الاختصاص العام، ويفهم من هذا المبدأ بأن المحاكم لا تنظر في القضايا
الإدارية كأصل عام. أما الاستثناء فنجده في بعض الحالات، منها أحكام المادة 802 من
ق.إ.م.إ التي نصت بأن يكون من اختصاص المحاكم العادية المنازعات المتعلقة بمخالفات
الطرق، والمنازعات المتعلقة بكل دعوى خاصة ترمي إلى طلب التعويض عن الأضرار
الناجمة عن حوادث المرور التي ترتكبها السيارات الإدارية.
أ- تحديد الاختصاص النوعي للمحاكم:
1. اختصاص الأقسام: حدد المشرع
عدد الأقسام المشكِّ لة للمحكمة ونوعها؛ وذكرها في ستة أقسام هي: المدنية
والتجارية والبحرية والاجتماعية والعقارية وقضايا شؤون الأسرة، -إضافة للقسم
الجزائي- وتتم جدولة القضايا أمام هذه الأقسام حسب طبيعة النزاع عملا بأحكام
المواد 423-536 من ق.إ.م.إ، غير أن المحاكم التي لم تنشأ فيها الأقسام يبقى القسم
المدني هو الذي ينظر في جميع النزاعات باستثناء القضايا الاجتماعية.
2. الإحالة ما بين الأقسام: وتكون في
حالة جدولة قضية أمام قسم غير القسم المعني بالنظر فيها، يحال الملف إلى القسم
المعني عن طريق أمانة الضبط، بعد إخبار رئيس المحكمة مسبقا.
ب - الأقطاب القضائية المتخصصة:
تختص الأقطاب المتخصصة (Les pôles
spécialisés) المنعقدة في بعض المحاكم بالنظر دون سواها
في بعض المنازعات التي حددها المشرع حصريا بموجب المادة 32 من ق.إ.م.إ والمتمثلة
في المنازعات المتعلقة بالتجارة الدولية، والإفلاس والتسوية القضائية، والمنازعات
المتعلقة بالبنوك، ومنازعات الملكية الفكرية، والمنازعات البحرية والنقل الجوي،
ومنازعات التأمينات، وعند النظر في هذه النزاعات فإن الأقطاب المتخصصة تفصل فيها
بتشكيلة جماعية مكونة من ثلاثة قضاة.
وإذا كان المشرع الجزائري قد استحدث الأقطاب المتخصصة
تشريعيا بموجب المادة 32 من ق.إ.م.إ غير أن هذه الأقطاب المتخصصة لم تر النور بعد
في القضايا المدنية في انتظار تجسيدها على أرض الواقع.
2- الاختصاص النوعي للمجالس:
يشمل الاختصاص النوعي للمجالس القضائية: النظر في الأحكام
المستأنفة، والفصل في تنازع الاختصاص، وطلبات رد القضاة وتنحيهم.
أ- الفصل في الاستئناف:
تكريسا لمبدأ التقاضي على درجتين تعتبر المجالس القضائية
الدرجة الثانية للتقاضي، فهي التي ترفع إليها الاستئنافات المتعلقة بالأحكام
الصادرة عن المحاكم الابتدائية كي تنظر وتفصل فيها طبقا للمادة 34 من ق.إ.م.إ.
ب - الفصل في تنازع الاختصاص:
يختص المجلس القضائي بالنظر والفصل في الطلبات المتعلقة
بتنازع الاختصاص بين قضاة الدرجة الأولى، فعندما يثور النزاع بين قضاة محكمتين من
الدرجة الأولى لذات المجلس حول اختصاص كل منهما من عدمه، فإن الفصل في هذا النزاع
يعود إلى المجلس القضائي، وهذا ما قررته المادة 35 من ق.إ.م.إ.
ج - الفصل في طلبات رد القضاة وتنحيهم:
يفصل المجلس القضائي في طلبات رد القضاة وتنحيهم لمحاكم
الدرجة الأولى التابعة لاختصاصه، وهذا طبقا لما قررته المادة 35 من ق.إ.م.إ.
3- الاختصاص النوعي للمحكمة العليا:
تتشكل المحكمة العليا من الغرف الآتية: المدنية،
العقارية، شؤون الأسرة والمواريث، التجارية والبحرية، الاجتماعية، الجنائية، الجنح
والمخالفات.
والمحكمة العليا هي محكمة قانون بحيث تمارس الرقابة على
الأحكام والقرارات القضائية من حيث تطبيقها السليم للقانون؛ لا سيما احترامها
لأشكال وقواعد الإجراءات، ويمكن أن تكون محكمة موضوع في الحالات المحددة في
القانون.
ويمكنها إثبات الأحكام القضائية محل الطعن، أو إبطالها.
وفي هذه الحالة، يتم إحالة القضية من جديد على الجهة المختصة التي أصدرت الحكم
القضائي لتنظر فيها بتشكيلة أخرى.
وتنص المواد 349، 350، 351، 352 من ق.إ.م.إ على الاختصاص
النوعي للمحكمة العليا.
وإجمالا يمكن القول بأن المحكمة العليا تختص بالفصل في
الطعون بالنقض المرفوعة ضد القرارات والأحكام النهائية الصادرة عن المجالس
والمحاكم باستثناء الجهات القضائية التابعة للنظام الإداري.
4- طبيعة الاختصاص النوعي:
تعد قواعد الاختصاص النوعي من القواعد العامة الآمرة،
فالتقيد بالاختصاص النوعي من النظام العام، وعلى ذلك فإن عدم التقيد به من طرف
الخصوم يجعل من الجهة القضائية في وضع يحتِّم عليها أن تقضي به تلقائيا وفي أية
مرحلة كانت عليها الدعوى.
5- اختصاص محكمة التنازع:
أقر المشرع الدستوري سنة 1996 في المادة 152 من دستور
1996 على أن تؤسـس محكمة تنازع تتولى الفصل في حالات تنازع الاختصاص بين المحكمة
العليا ومجلس الدولة.
وتختص محكمة التنازع في الفصـل في منازعات الاختصاص بين
الجهات القضائية الخاضعة للنظام القضــائي العادي والجهات القضائية الخاضعة للنظام
القضائي الإداري حسب الشروط المحددة في القانون، ولا يمكن لمحكمة التنازع التدخل
في مـنازعات الاختصاص بين الجهات القضائية الخاضعة لنفس النظام ، وبذلك فإنه لا
ترفع أمام محكمة التنازع إلا المواضيع المتعلقة بتنازع الاختصاص، مما يجعل محكمة
التنازع ذات اختصاص محدد، وليست ذات اختصاص عام. ومن ثم يمكن حصر الدعاوى التي
ترفع أمام محكمة التنازع في ثلاثة أنواع من الدعاوى:
- دعاوى تهدف إلى الفصل في التنازع في الاختصاص، عملا
بالمادة من 16 من القانون العضوي 98-03؛
- دعاوى تهدف إلى إزالة تناقض بين أحكام نهائية صادرة عن
جهتين قضائيتين مختلفتين عملا بالمادة 17 من القانون العضوي 98-03؛
- دعاوى ترفع تطبيقا لأحكام المادة 18 من القانون العضوي
98-03، فمتى لاحظ القاضي المخطر في خصومة أن هناك جهة قضائية قضت باختصاصها أو
بعدم اختصاصها وأن قراره سيؤدي إلى تناقض أحكام قضائية لنظامين مختلفين.
ثانيا - الاختصاص الإقليمي:
المقصود بالاختصاص الإقليمي (La compétence
territoriale) هو ولاية الجهة القضائية بالنظر في الدعاوى
المرفوعة أمامها استنادا إلى معيار جغرافي يخضع للتقسيم القضائي. ويشمل موضوع
الاختصاص الإقليمي قاعدة عامة تعتمد مقر المدعى عليه معيارا للاختصاص، ومجموعة
استثناءات بحسب كل حالة.
1- القاعدة العامة في الاختصاص الإقليمي:
تتمثل القاعدة العامة في الاختصاص الإقليمي هي أن
"يؤول الاختصاص الإقليمي للجهة القضائية التي يقع في دائرة اختصاصها موطن
المدعى عليه، وإن لم يكن له موطن معروف، فيعود الاختصاص للجهة القضائية التي يقع
فيها آخر موطن له، وفي حالة اختيار موطن، يؤول الاختصاص الإقليمي للجهة القضائية
التي يقع فيها الموطن المختار، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك".
أما في حالة تعدد المدعى عليهم، فإن الاختصاص الإقليمي
يؤول للجهة القضائية التي يقع في دائرة اختصاصها موطن أحدهم.
2- الاستثناء عن القاعدة العامة في الاختصاص الإقليمي:
يشمل الاستثناء عن القاعدة العامة عدد من الدعاوى تستند
إما إلى طبيعة الوقائع، أو إلى صفة أطراف الخصومة.
أ- الاستثناء الذي يستند إلى طبيعة
الوقائع:
الاستثناء الذي يستند إلى طبيعة الوقائع تم تحديده بموجب
المادتين 39، 40، من ق.إ.م.أ.
أما التحديد للاختصاص الإقليمي في المادة 39 فإنه لا
يجوز للقاضي إثارته تلقائيا ما لم يثره أحد أطراف الخصومة، فهو من باب التوجيه
فقط. فإن تقدم المدعى عليه بدفع يتضمن عدم اختصاص الجهة القضائية كان على القاضي
الرد على هذا الدفع.
تتمثل الدعاوى المستثناة بهذا الشكل فيما تضمنتها المادة
39 التي نصت بأن "ترفع الدعاوى المتعلقة بالمواد المبينة أدناه أمام الجهات
القضائية الآتية:
1. في مواد الدعاوى المختلطة، أمام الجهة القضائية التي
يقع في دائرة اختصاصها مقر الأموال؛
2. في مواد تعويض الضرر عن جناية، أو جنحة، أو مخالفة،
أو فعل تقصيري ،ودعاوى الأضرار الحاصلة بفعل الإدارة، أمام الجهة القضائية التي
وقع في دائرة اختصاصها الفعل الضار؛
3. في مواد المنازعات المتعلقة بالتوريدات والأشغال
وتأجير الخدمات الفنية أو الصناعية، يؤول الاختصاص للجهة القضائية التي يقع في
دائرة اختصاصها مكان إبرام الاتفاق أو تنفيذه، حتى ولو كان أحد الأطراف غير مقيم
في ذلك المكان؛
4. في المواد التجارية، غير الإفلاس والتسوية القضائية،
أمام الجهة القضائية التي وقع في دائرة اختصاصها الوعد، أو تسليم البضاعة، أو أمام
الجهة القضائية التي يجب أن يتم الوفاء في دائرة اختصاصها، وفي الدعاوى المرفوعة
ضد شركة، أمام الجهة القضائية التي يقع في دائرة اختصاصها أحد فروعها؛
5. في المواد المتعلقة بالمنازعات الخاصة بالمراسلات
والأشياء الموصى عليها، والإرسال ذي القيمة المصرح بها، وطرود البريد، أمام الجهة
القضائية التي يقع في دائرة اختصاصها موطن المرسل، أو موطن المرسل إليه".
أما التحديد للاختصاص الإقليمي في المادة 40 فهو استثناء
يتميز بطابع الإلزام؛ وللقاضي أن يثير عدم اختصاصه تلقائيا حتى ولو لم يثره أحد
أطراف الدعوى، كون أن المشرع حدد الاختصاص في ما تضمنته هذه المادة مراعاة منه
لاعتبارات تتعلق بحسن سير مرفق العدالة.
فتنص المادة 40 من ق.إ.م.إ على أن "ترفع الدعاوى
أمام الجهات القضائية المبينة أدناه دون سواها:
1. في المواد العقارية، أو الأشغال المتعلقة بالعقار، أو
دعاوى الإيجارات بما فيها التجارية المتعلقة بالعقارات، والدعاوى المتعلقة
بالأشغال العمومية، أمام المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها العقار، أو المحكمة
التي يقع في دائرة اختصاصها مكان تنفيذ الأشغال؛
2. في مواد الميراث، دعاوى الطلاق أو الرجوع، الحضانة،
النفقة الغذائية والسكن، على التوالي، أمام المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها
موطن المتوفى، مسكن الزوجية، مكان ممارسة الحضانة، موطن الدائن بالنفقة، مكان وجود
السكن؛
3. في مواد الإفلاس أو التسوية القضائية للشركات وكذا
الدعاوى المتعلقة بمنازعات الشركاء، أمام المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها مكان
افتتاح الإفلاس أو التسوية القضائية أو مكان المقر الاجتماعي للشركة؛
4. في مواد الملكية الفكرية، أمام المحكمة المنعقدة في
مقر المجلس القضائي الموجود في دائرة اختصاصه موطن المدعى عليه؛
5. في المواد المتعلقة بالخدمات الطبية، أمام المحكمة
التي تم في دائرة اختصاصها تقديم العلاج؛
6. في مواد مصاريف الدعاوى وأجور المساعدين القضائيين
أمام المحكمة التي فصلت في الدعوى الأصلية، وفي دعاوى الضمان أمام المحكمة التي
قدم إليها الطلب الأصلي؛
7. في مواد الحجز، سواء كان بالنسبة للإذن بالحجز، أو
للإجراءات التالية له، أمام المحكمة التي وقع في دائرة اختصاصها الحجز؛
8. في المنازعات التي تقوم بين صاحب العمل والأجير، يؤول
الاختصاص الإقليمي للمحكمة التي تم في دائرة اختصاصها إبرام عقد العمل أو تنفيذه
أو التي يوجد بها موطن المدعى عليه. غير أنه في حالة إنهاء أو تعليق عقد العمل
بسبب حادث عمل أو مرض مهني يؤول الاختصاص للمحكمة التي يوجد بها موطن المدعي؛
9. في المواد المستعجلة، أمام المحكمة الواقع في دائرة
اختصاصها مكان وقوع الإشكال في التنفيذ، أو التدابير المطلوبة".
ب - الاستثناء الذي يستند إلى صفة أطراف
الخصومة:
1. الدعاوى المرفوعة من أو ضد الأجانب:
وهو ما أقرته المادتين 41، 42 من ق.إ.م.إ، فأقرت اختصاص
المحاكم الجزائرية جوازي، في توفر العنصر الأجنبي. (هذا الأمر تم التطرق إليه
سابقا- التنازع المكاني).
2. الدعاوى المرفوعة من أو ضد القضاة:
وهو ما أقرته المادتين 43، 44 من ق.إ.م.إ بما يلي:
عندما يكون القاضي مدع في دعوى يؤول فيها الاختصاص لجهة
قضائية تابعة لدائرة اختصاص المجلس القضائي الذي يمارس فيه وظائفه، وجب عليه رفع
الدعوى أمام جهة قضائية تابعة لأقرب مجلس قضائي محاذ للمجلس الذي يمارس فيه مهامه؛
عندما يكون القاضي مدعى عليه، جاز للخصم أن يرفع دعواه
أمام جهة قضائية تابعة لدائرة اختصاص أقرب مجلس قضائي محاذ لتلك التي يمارس في
دائرة اختصاصها القاضي وظائفه.
طبيعة الاختصاص الإقليمي:
لا يعتبر الاختصاص الإقليمي من النظام العام، وبالتالي
يجوز للأطراف الاتفاق على خلافه إلا في حالات استثنائية وردت على سبيل الحصر في ما
تضمنته المادة 40 من ق.إ.م.إ. كما سبق وأن تم توضيحه، وعلى ذلك فإنه:
- يعتبر لاغيا وعديم الأثر كل شرط يمنح الاختصاص
الإقليمي لجهة قضائية غير مختصة، إلا إذا تم بين التجار،
- يجوز للخصوم الحضور باختيارهم أمام القاضي، حتى ولو لم
يكن مختصا إقليميا؛
- يوقع الخصوم على تصريح بطلب التقاضي، وإذا تعذر التوقيع
يشار إلى ذلك؛
- يكون القاضي مختصا طيلة الخصومة، ويمتد الاختصاص في
حالة الاستئناف إلى المجلس القضائي التابع له؛
- يجب إثارة الدفع بعدم الاختصاص الإقليمي، قبل أي دفاع
في الموضوع أو دفع بعدم القبول.
المبحث الثاني: نظرية الدعوى القضائية
أولا - مفاهيم عامة حول الدعوى القضائية:
يقصد بالدعوى (L'action) المطالبة
باستعادة حق أو حمايته، وهي وسيلة مشروعة للتعبير عن الحق المطالب به أمام الجهة
القضائية المختصة. وتنص المادة 3/1 من ق.إ.م.إ على أن "يجوز لكل شخص يدعي
حقا، رفع دعوى أمام القضاء للحصول على ذلك الحق أو حمايته".
وبذلك فإن الدعوى تختلف عن الالتجاء للقضاء كون هذا
الأخير أوسع وأعم وأشمل من الدعوى، ولا يشترط لمن يلجأ للقضاء أن يكون صاحب حق أو
يدعي بذلك ويريد الحصول عليه أو حمايته. كما أن الدعوى أيضا تختلف عن الخصومة سواء
من حيث شروط كل منهما، وعلى ما تستندان عليه، ومن حيث زوال كل منهما، كما أن
الخصومة تزول بزوال
الدعوى لكن العكس غير صحيح ، وهو ما سيتم الإشارة إليه أكثر فيما سيأتي.
1- تصنيف الدعاوى:
تصنف الدعاوى حسب المعيار المعتمد في التصنيف:
فمن حيث طبيعة الحق تنقسم إلى دعوى عينية (ترمي للمطالبة
بحق عيني كالملكية حق الارتفاق حق الانتفاع)، ودعوى شخصية (حق شخصي أي دين مقابل
التزام حق المستأجر د الابطال) ودعوى مختلطة (تستند إلى طلبين الأول عيني والثاني
شخصي مشتري العقار نقل الملكية عيني الالتزام بالتنفيذ شخصي).
ومن ناحية موضوع الحق تنقسم إلى دعوى خاصة بأموال منقولة
أو عقارية.
2- شروط قبول الدعوى:
اكتفى قانون إ.م.إ الحالي (08-09) في المادة 13 منه
بتوفر عنصري الصفة والمصلحة لقبول الدعوى وأحال عنصر الإذن إلى تدخل القاضي فيما
لو اشترطه القانون (مثلا مع الوصي أو الولي، أو مصفي الشركة)، بينما اعتبر الأهلية
مسألة موضوعية أدرجها ضمن الدفع بالبطلان فالأهلية أصبحت في النظريات الحديثة لا
تشكل شرطا لممارستها أي لصحة الخصومة ،وبالتالي فالأهلية ونظرا لعدم استقرارها
وتغيرها حتى أثناء الخصومة الحكم الذي يصدر عن عدم توفرها يكون بعدم قبول الدعوى
شكلا، ولا يحوز قوة الشيء المقضي به ،أين يمكن مع مراعاة شروط الآجال إن وجدت
إعادة رفع الدعوى حين يكتمل هذا الشرط . فالمشرع الجزائري قرر بأن انعدام الأهلية
للخصوم يترتب عنه بطلان الإجراءات من حيث موضوعها بموجب المادة 64 من ق.إ.م.إ،
ويندرج ضمن حالات الدفوع الشكلية كما سيتم توضيحه لاحقا في موضوع الدفوع.
أ- الشروط الشكلية لقبول الدعوى:
1. الصفة:
هي الحق في المطالبة أمام القضاء. ويرى جانب من الفقه
بأن الصفة هي العلاقة التي تربط أطراف الدعوى بموضوعها، فهي تمثل الجانب الشخصي
للدعوى، لذلك يقال بأن الدعوى ترفع من ذي صفة على ذي صفة ولا بد من التمييز بين
الصفة في الدعوى والصفة في التقاضي. فالصفة في الدعوى هي التي يشترط توافرها لقبول
الدعوى، وليس الصفة في التقاضي. وبيان ذلك قد ينتدب شخص صاحب حق "أ"
شخصا آخر كي يمثله أمام القضاء للمطالبة بحقه. فالشخص "أ" له الصفة في
الدعوى بينما الشخص "ب" له الصفة في التقاضي.
وللصفة قسمان: صفة لدى المدعي، وصفة لدى المدعى عليه.
أ. الصفة لدى المدعي:
يجب توافر الصفة لدى المدعي حتى تقبل الدعوى المرفوعة
منه.
ب. صفة لدى المدعى عليه:
بحيث يشترط توفر عنصر الصفة لدى المدعى عليه وإن تعدد،
إذ يشترط في صحة الدعوى أن ترفع ضد من يكون معنيا بالخصومة (كدعوى مؤجر ضد
مستأجر)، وأن يكون ممن يجوز مقاضاتهم (فالموظف الأجنبي الدبلوماسي مثلا لا يجوز
مقاضاته).
ويثير القاضي تلقائيا انعدام الصفة في المدعي أو في
المدعى عليه.
2. المصلحة:
يقصد بالمصلحة المنفعة التي يحققها صاحب المطالبة
القضائية وقت اللجوء للقضاء. وتكون إما قائمة أو محتملة. (مقولة لا دعوى بدون
مصلحة).
أ- المصلحة القائمة: وتتحقق عندما
يكون الاعتداء على الحق قد وقع فعلا؛ فترفع دعوى علاجية تهدف إلى جبر الضرر؛
ب- المصلحة المحتملة: وهي الحالة
التي يحتمل فيها صاحب الحق وقوع خطر يهدد حقه في المستقبل فيرفع دعوى وقائية
لتفادي ضررا محتملا فعلا.
ثانيا - ممارسة الدعوى وانعقاد الخصومة:
1- التكليف بالحضور:
التكليف بالحضور (La citation à
comparaître) هو إجراء أقره المشرع في ق.إ.م.إ، وفي هذا
الصدد لابد من الإشارة إلى أن المشرع ميز بين التكليف كإجراء مستقل وفقا للمادة 18
من ق.إ.م.إ وبين محضر التسليم كعمل إجرائي لاحق وفقا للمادة 19 من ق.إ.م.إ
فالتكليف يستلمه المدعى عليه، بينما المحضر المحرر لإثبات قيام عملية التكليف
يستلمه المدعي.
أ- مضمون
التكليف بالحضور وتسليمه:
تضمنت المادة 18 من ق.إ.م.إ البيانات التي يجب أن
يتضمنها التكليف بالحضور والمتمثلة في البيانات الآتية:
1. اسم ولقب المحضر القضائي وعنوانه المهني وختمه
وتوقيعه وتاريخ التبليغ الرسمي وساعته؛
2. اسم ولقب المدعي وموطنه؛
3. اسم ولقب الشخص المكلف بالحضور وموطنه؛
4. تسمية وطبيعة الشخص المعنوي ومقره الاجتماعي، وصفة
ممثله القانوني أو الاتفاقي؛
5. تاريخ أول جلسة وساعة انعقادها.
حلقة الوصل بين طرفي الخصومة هو المحضر القضائي فلا تصح
إجراءات التكليف إلا إذا تمت عن طريق هذا الضابط العمومي فهذا الأخير مخول
بالإشهاد على واقعتين استلام التكليف من طرف الخصم وفقا للقانون وتبليغه الطرف
الآخر وفقا للقانون ثم يحرر محضرا رسميا بالواقعة ذا حجية لا تقبل إلا الدفع
بالتزوير.
يجب أن يتضمن هذا المحضر البيانات الواردة على سبيل
الحصر في المادة 19 من ق.إ.م.إ فنصت على أنه "مع مراعاة أحكام المواد من 406
إلى 416 من هذا القانون، يسلم التكليف بالحضور للخصوم بواسطة المحضر القضائي، الذي
يحرر محضرا يتضمن البيانات الآتية:
1. اسم ولقب المحضر القضائي، وعنوانه المهني وختمه
وتوقيعه، وتاريخ التبليغ الرسمي وساعته؛
2. اسم ولقب المدعي وموطنه؛
3. اسم ولقب الشخص المبلغ له وموطنه، وإذا تعلق الأمر
بشخص معنوي يشار إلى تسميته وطبيعته ومقره الاجتماعي، واسم ولقب وصفة الشخص المبلغ
له؛
4. توقيع المبلغ له على المحضر، والإشارة إلى طبيعة
الوثيقة المثبتة لهويته، مع بيان رقمها، وتاريخ صدورها؛
5. تسليم التكليف بالحضور إلى المبلغ له، مرفقا بنسخة من
العريضة الافتتاحية مؤشر عليها من أمين الضبط؛
6. الإشارة في المحضر إلى رفض استلام التكليف بالحضور،
أو استحالة تسليمه، أو رفض التوقيع عليه؛
7. وضع بصمة المبلغ له في حالة استحالة التوقيع على
المحضر؛
8. تنبيه المدعى عليه بأنه في حالة عدم امتثاله للتكليف
بالحضور، سيصدر حكم ضده، بناء على ما قدمه المدعي من عناصر".
ب - جزاء مخالفة الإجراءات المتعلقة
بالتكليف:
الأصل أن الخصومة لا تنعقد إلا بوجود طرفين وانعدام
أحدهما يعتبر انعداما لركن من أركانها والحكم الصادر من دون تكليف الطرف الآخر
بالحضور لا يعتبر باطلا بل يعتبر حكما منعدما.
2- القواعد العامة في سير الجلسات:
أ- حضور الخصوم إلى الجلسات:
على الخصوم الحضور إلى الجلسة الخاصة بهم في التاريخ
المحدد بالتكليف بالحضور إما شخصيا أو بواسطة محاميهم أو وكلائهم. وهو ما نصت عليه
المادة 20 من ق.إ.م.إ.
ب - كيفية تقديم المستندات:
أقرت المواد 21، 22، 23 من ق.إ.م.إ الأحكام المتعلقة
بكيفية تقديم المستندات والتي يمكن إجمالها فيما يلي:
- يجب إيداع الأوراق والسندات والوثائق التي يستند إليها
الخصوم، دعما لادعاءاتهم، بأمانة ضبط الجهة القضائية، بأصولها أو نسخ رسمية منها
أو نسخ مطابقة للأصل، وتبلغ للخصم؛
- يجوز للقاضي قبول نسخ عادية منها، عند الاقتضاء؛
- يمكن تبليغ تلك الأوراق أو السندات أو الوثائق لباقي
الخصوم في شكل نسخ؛
- يقدم الخصوم المستندات إلى أمين الضبط، لجردها
والتأشير عليها، قبل إيداعها بملف القضية، تحت طائلة الرفض؛
- يتم إيداع هذه المستندات بأمانة الضبط مقابل وصل
استلام؛
- يتبادل الخصوم المستندات المودعة، أثناء الجلسة، أو
خارجها بواسطة أمين الضبط؛
- يمكن للقاضي، بناء على طلب أحد الخصوم، أن يأمر شفهيا
بإبلاغ كل وثيقة عرضت عليه وثبت عدم إبلاغها للخصم الآخر، ويحدد أجل وكيفية ذلك
الإبلاغ؛
- يمكن للقاضي أن يستبعد من المناقشة كل وثيقة لم يتم
إبلاغها خلال الآجال، وبالكيفية التي حددها.
ج- الطلبات (Les demandes)
:
الطلب هو العمل القانوني الذي بموجبه يؤكد من خلاله
المدعي إدعاءاته للقاضي ويهدف من خلال ذلك إلى تكريس حق مادي أو معنوي. وإذا كان
هذا التعريف يركز على صدور هذا الطلب من المدعي فإنه بالنظر إلى ق.إ.م.إ نجده يقرر
الطلب لكل الخصوم ابتداء من عريضة افتتاح الدعوى إلى مذكرات الرد، ويمكن حصر أشكال
الطلب فيما يلي:
- الطلب الأصلي؛ وهو الطلب الذي يحدد موضوع النزاع؛
- الطلب العارض؛ والتي من خلالها يمكن تعديل الطلبات
الأصلية؛
- الطلب الإضافي؛ وهو الطلب الذي يقدمه أحد أطراف النزاع
بهدف تعديل طلباته الأصلية؛
- الطلب المقابل؛ هو الطلب الذي يقدمه المدعى عليه
للحصول على منفعة، فضلا عن طلبه رفض مزاعم خصمه؛
3- نظام الجلسة وتأسيس الحكم:
أعطى المشرع للقاضي سلطات واسعة في تسيير الجلسة
والمحافظة على نظامها وصولا إلى نطق الأحكام القضائية، كما أقر مجموعة من الأحكام
مرتبطة بتأسيس الحكم.
أ- سلطة القاضي في إدارة النزاع:
حتى يتم الفصل في الخصومة المعروضة على الجهة القضائية
فإن القاضي بما أقر له المشرع من سلطات واسعة في تسيير الجلسة والمحافظة على
نظامها حتى يتم الفصل في الخصومة المعروضة عليه في أحسن صورة، وبذلك فقد أقر
مجموعة من الأحكام يمكن إجمالها فيما يلي:
- يسهر القاضي على حسن سير الخصومة، ويمنح الآجال ويتخذ
ما يراه لازما من إجراءات؛
- يتم الاستماع إلى الخصوم ووكلائهم ومحاميهم وجاهيا،
وإذا تعذر على أحد الخصوم حضور الجلسة يمكن للقاضي تأجيل القضية إلى جلسة لاحقة،
وذلك إذا ما رأى أن التخلف عن الحضور مبرر؛
- يمكن للقاضي أن يأمر في الجلسة بحضور الخصوم شخصيا
لتقديم توضيحات يراها ضرورية لحل النزاع. كما يجوز له أن يأمر شفهيا، بإحضار أية
وثيقة لذات الغرض؛
- يجوز للقاضي أن يأمر تلقائيا باتخاذ أي إجراء من
إجراءات التحقيق الجائزة قانونا؛
- يكيف القاضي الوقائع والتصرفات محل النزاع التكييف
القانوني الصحيح، دون التقيد بتكييف الخصوم؛
- يفصل في النزاع وفقا للقواعد القانونية المطبقة عليه؛
- يجوز للقاضي أن يأمر بإرجاع المستندات المبلغة للخصوم
تحت طائلة غرامة تهديدية عند الاقتضاء؛
- يجوز للخصوم، دون سواهم أو بوكالة خاصة، عند انتهاء
الخصومة، استرجاع الوثائق المودعة في أمانة الضبط مقابل وصل؛
- يفصل رئيس الجهة القضائية في الإشكالات التي قد تثار
بهذا الشأن.
ب - تأسيس الحكم:
تنص المادة 26 من ق.إ.م.إ على أنه لا يجوز للقاضي أن
يؤسس حكمه على وقائع لم تكن محل المناقشات والمرافعات. غير أنه يجوز له أن يأخذ
بعين الاعتبار، من بين عناصر المناقشات والمرافعات، الوقائع التي أثيرت من طرف
الخصوم ولم يؤسسوا عليها ادعاءاتهم.
على ذلك فإن القاضي ملزم بالحدود المبينة له من قبل
الخصوم ولا يمكن أن يأخذ في الاعتبار كأصل عام إلا ما أثير أمامه من وقائع كانت
محل مناقشات ومرافعات. إلا أنه يجوز للقاضي وقت الفصل في الدعوى، أن يأخذ بعين
الاعتبار الوقائع المثارة من طرف الخصوم أثناء المناقشات والمرافعات، لكن لم
يؤسسوا عليها إدعاءاتهم.
المرجع:
- د. جرمون محمد الطاهر، محاضرات في قانون الإجراءات المدنية والإدارية، لطلبة السنة الثانية حقوق، جامعة الشهيد حمه لخضر بالوادي، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم الحقوق، السنة الجامعية 2017-2018، ص39 إلى ص57.