المبادئ الأساسية للنظام القضائي الجزائري
تقوم
أغلب النظم القانونية المقارنة على عدة مبادئ متماثلة، وسنركز في دراستنا على هذه
المبادئ وفق ما قرره المشرع الجزائري:
أولا - حق اللجوء إلى القضاء:
حق
اللجوء إلى القضاء (le droit d’ester en justice)
هو حق مقرر دستوريا في المادة 158/ 2 من الدستور الجزائري، كما أقرت المادة 3/ 1
من ق.إ.م.إ هذا الحق، وهذا الحق معترف به لكل شخص طبيعي أو معنوي، بلا تمييز بسبب
العرق أو الجنس أو اللون أو الدين..، ولا يسأل رافع الدعوى حين يستعمله إلا إذا
تعسف في استعمال هذا الحق، ولا تعد مجرد خسارة الدعوى داعيا لمساءلته إلا في حالات
استثنائية، حيث نجد المشرع قد قرر تسليط عقوبة الغرامة على خاسر بعض الدعاوى قاصدا
منع التعسف في رفعها مثل رد القضاة ومخاصمتهم.
ويعد
حق اللجوء إلى القضاء من الحقوق العامة؛ فلا يجوز التنازل عنه بصفة مطلقة، وإن كان
يجوز تقييده في الحالتين الآتيتين:
أ- الاتفاق: مثل تراضي الأطراف على اللجوء إلى جهة تحكيم لحل نزاع معين.
ب - النص التشريعي: يقيد المشرع حق اللجوء إلى القضاء بطرق متعددة
يمكن إجمالها في الحالات الآتية:
1- وجوب
عرض النزاع على جهة أخرى قبل عرضه على الجهة القضائية المختصة، ومن ذلك فرض الطعن
الإداري الرئاسي أو الولائي في بعض المنازعات الإدارية، أو واجب رفع الطعن إلى
اللجنة الولائية المتعلقة بالتنازل عن أملاك الدولة، أو وجوب محاولة حل النزاع
الفردي في العمل على مستوى الهيئة المستخدمة ومكتب المصالحة لدى مفتشية العمل.
2- تحديد
ميعاد استعمال بعض الدعاوى، مثل دعوى الحيازة (فقد يكون الميعاد سنة ،أو 10 سنوات،
أو 15 سنة، أو 33 سنة)، دعوى البطلان (15 سنة وفق المادة 101، 102 من ق. م)، دعوى
تكملة الثمن بسبب الغبن (ثلاث سنوات وفق المادة 359 ق. م)، دعوى الضمان (سنة وفق المادة
383 ق. م).
3- احترام
بعض الشكليات التي حددها القانون مثل شهر الدعوى التي ترمي إلى فسخ أو إبطال أو
إلغاء أو نقض حقوق تم شهرها، دمغ العريضة في الحالات التي نص عليها القانون. بما
فيها الدمغة التي يفرضها القانون على الأجانب الذين يلجئون للقضاء الوطني.
ثانيا - مجانية القضاء:
اتخذت
معظم التشريعات موقفا وسطا بفرضها على الخصوم دفع رسوم رمزية مقابل استفادتهم من
القضاء والسبب في ذلك:
حتى
لا تكون مجانية القضاء عاملا يشجع الأفراد على رفع دعاوى كيدية؛
ألا
تكون المصاريف عائقا أمام الأفراد في اللجوء للقضاء.
1- المصاريف القضائية:
يقرر
قانون المصاريف القضائية على أن كل من يقدم طلبا أمام القضاء أو أي إجراء من قلم
كتاب جهة قضائية أو يستفيد من مساعيها أن يؤدي مقدما رسما قضائيا يستوفيه كتاب
الضبط لصالح الخزينة. وتحدد المصاريف إما بقوة القانون في الدعاوى المنشورة أمام القضاء
العادي والإداري، أو في منطوق الحكم، المنهي للنزاع، أو بصفة منفصلة من قبل القاضي.
وتشمل
المصاريف القضائية، الرسوم المستحقة للدولة، ومصاريف سير الدعوى، لاسيما مصاريف
إجراءات التبليغ الرسمي، والترجمة، والخبرة، وإجراءات التحقيق، ومصاريف التنفيذ، وأتعاب
المحامي.
ويعفى
من الرسم القضائي وغيره من رسوم القلم والتسجيل:
1-
المصابون بحادث عمل بمناسبة دعوى تحديد الإيراد؛
2- العمال
في المسائل الاجتماعية؛
3- الأشخاص
الذين منحوا المساعدة القضائية؛
4- الهيئات
والمؤسسات العامة ذات الطابع الإداري.
2- المساعدة القضائية:
وتعني
الاستفادة من الخدمات القضائية دون مقابل. ونتطرق لها في إطار الدعويين المدنية
والجزائية:
أ- في الدعاوى المدنية: حدد المشرع طريقتين للاستفادة منها
وهي:
مساعدة بقوة القانون: وتشمل أرامل وبنات الشهداء غير المتزوجات،
معطوبي حرب التحرير، القصر الأطراف في الخصومة، المدعي في مادة النفقات، الأم في
مادة الحضانة، العمال في مادة حوادث العمل أو الأمراض المهنية وإلى ذوي حقوقهم،
ضحايا الاتجار بالأشخاص أو بالأعضاء، ضحايا تهريب المهاجرين، ضحايا الإرهاب،
المعوقين.
منح المساعدة القضائية: ويمكن أن تمنح ويستفيد منها كل شخص
طبيعي وكل شخص معنوي لا يستهدف الربح ولا تسمح لهم مواردهم بالمطالبة بحقوقهم أمام
القضاء أو الدفاع عنها. ويكون ذلك بعد تقديم طلب الاستفادة من المساعدة القضائية
إلى مكتب المساعدة القضائية لدى هذه الجهة المختصة قضائيا؛ أين تنظر في طلب
الاستفادة ومنح المساعدة القضائية من عدمه.
ب - في المواد الجزائية: يتم تعيين محام مجانا لفائدة الأشخاص
التالية:
جميع
القصر الماثلين أمام أي جهة قضائية؛
المتهم
الذي يطلبها أمام قاض التحقيق أو المحكمة التي تفصل في مواد الجنح؛
المتهم
أمام محكمة الجنايات؛
المتهم
المصاب بعاهة من شأنها التأثير على دفاعه؛
الطاعن
بالنقض إذا طلبها أمام الغرفة الجزائية بالمحكمة العليا عند تجاوز العقوبة المحكوم
بها خمس سنوات سجنا نافذة.
ثالثا - المساواة أمام القضاء:
القضاء
في متناول الجميع (المادة 158/ 2 الدستور الجزائري) بلا تمييز، ومن تطبيقات ذلك لا
يتأتى إلا بالمساواة بين الخصوم أمام القضاء، من خلال توحيد الجهة القضائية
المختصة؛ دون النظر إلى صفة أو مركز الأشخاص المتقاضين، وكذلك وحدة القانون المطبق
بين المتقاضين، وتمكين كل طرف من حقه في الادعاء أو رد الادعاء، فإذا كان المدعي
يتولى تقديم طلباته أمام القضاء في الوقت الذي اختاره، فإن القانون قد منح للمدعى
عليه فرصة كافية ليقدم دفوعه وطلباته.
وهذه
القاعدة العامة التي أقرها المشرع لم تمنعه من تقريره منح الاختصاص في نظر بعض
الدعاوى لجهات قضائية عليا، أو إتباع إجراءات خاصة عندما يتعلق الأمر ببعض الفئات.
رابعا - التقاضي على درجتين:
مبدأ
التقاضي على درجتين (Le double degré de juridiction)
هو مبدأ كرسه المشرع كون أن القاضي باعتباره بشر؛ فإنه يمكن أن يقع في الخطأ سواء
في تحديد الوقائع أو في تطبيق القانون، وتجيز كل النظم القانونية المعاصرة التظلم
ضد الأحكام؛ سواء إلى المحكمة التي أصدرتها أو إلى محكمة أعلى درجة.
وقد
تعرض هذا المبدأ لعدة انتقادات؛ مثل أن ارتكاب الخطأ إذا كان واردا في محكمة
الدرجة الأولى فهو وارد أيضا في محكمة الدرجة الثانية، وأنه يطيل أمد المنازعات، ويتيح
الفرصة لصدور أحكام متعارضة...، إلخ
وقد
تم الرد على هذه الانتقادات كونها تفتقد الدقة والتحليل، ومن بين حجج دحض الرأي
الناقد للمبدأ؛ اعتماد المبدأ من شأنه أن يعطي فرصة للمتقاضين بتقديم ما فاتهم من
أوجه دفاع للقضية في المرة الأولى، والخطأ وإن كان واردا أيضا لدى قضاة الدرجة
الثانية غير أنهم ينظرون في النزاع مستفيدين من النظرة الأولى له، كما أن من شأن قضاة
الدرجة الأولى الفحص الدقيق؛ عند علمهم بأن حكمهم قد يعاد فيه النظر...إلخ.
موقف المشرع الجزائري:
نصت
المادة السادسة من ق.إ.م.إ على أن "المبدأ هو التقاضي على درجتين ما لم ينص
القانون على خلاف ذلك".
على
ذلك فإن القاعدة العامة في النظام القضائي الجزائري هي الأخذ بمبدأ التقاضي على
درجتين، وإذا كانت المحكمة هي النواة والدرجة الأولى في النظام القضائي الجزائري
فإن المحكمة (الابتدائية) في منازعات القضاء العادي تقضي وتفصل في الدعاوى المدرجة
في أقسامها بأحكام قابلة للاستئناف أمام المجلس القضائي، وتفصل المحكمة الإدارية
في منازعات القضاء الإداري بأحكام قابلة للاستئناف أمام مجلس الدولة.
وبصفة
أعم؛
يمكن القول بأن مبدأ التقاضي على درجتين يعني بأن الأحكام الفاصلة في الدعاوى
المدنية والإدارية والجزائية وغيرها على مستوى الجهة القضائية المختصة تكون قابلة
للمراجعة أمام جهة قضائية أعلى منها، إلا ما استثني بنص؛ ومن الاستثناءات على ذلك
نجد:
في المجالين المدني والإداري: مثل أحكام الطلاق، الأحكام المتعلقة
بإلغاء قرار التسريح عن العمل وطلب التعويض عن الضرر المترتب عن ذلك القرار، أحكام
المحكمة في الدعاوى التي لا تتجاوز قيمتها مائتي ألف دينار، القرارات الفاصلة في
رد القضاة، الأحكام الصادرة بالتخلي بسبب وحدة الموضوع أو الارتباط، الدعاوى التي
يختص بها مجلس الدولة ابتدائيا ونهائيا.
في المجال الجزائي: مثل الأحكام الصادرة في بعض مواد المخالفات، وقرارات
المجالس القضائية المؤيدة لأحكام البراءة في مواد المخالفات والجنح المعاقب عنها
بالحبس لمدة تساوي أو تقل عن ثلاث سنوات.
المرجع:
- د. جرمون محمد الطاهر، محاضرات في قانون الإجراءات المدنية والإدارية، لطلبة السنة الثانية حقوق، جامعة الشهيد حمه لخضر بالوادي، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم الحقوق، السنة الجامعية 2017-2018، ص4 إلى ص10.