مفهوم الفساد وأثاره
يعتبر الفساد من المواضيع التي تم البحث فيها ولا زال
البحث في طرق مكافحتها قائما نظرا لاستفحال الظاهرة وتسببها في تدمير المستقبل
الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للشعوب والدول، وعليه سنعرض للنظام القانون لظاهرة
الفساد من حيث تطورها وأثارها وأنواعها وٕإنعكاساتها على المجتمعات.
الفرع الأول: محاولة تعريف جرائم الفساد وأسبابه وأنواعه
أرهقت ظاهرة الفساد الشعوب خاصة في الدول النامية وأصبحت
المسبب الرئيسي للفقر والحرمان والآفات الاجتماعية (الجرائم ،الإدمان. ..الخ)،
وعليه سنتعرف عليها فيما يلي:
أولا: تعريف الفساد
لقد اختلفت الشريعة والفقه والتشريعات الدولية والوطنية
في تعريف ظاهرة الفساد وللإلمام بها أكثر نتطرق لها في النقاط التالية:
1 - تعريف الشريعة الإسلامية لظاهرة الفساد
نلاحظ أن للفظ الفساد أكثر من معنى في معاجم اللغة
العربية وإن كانت تشترك في عدة أمور
منها: خروج الشيء عن الاعتدال وهو ضد الصلاح، والشريعة الإسلامية في نظرتها للفساد
لا تختلف كثيرا عما سبق في معاني، رغم أنها تنظر للفساد من منظور أشمل وأوسع، أما لفظ الفساد ومشتقاته قد ورد في القرأن
الكريم متكررا خمسين مرة موزعة على 23 سورة منه، بهيئات الفعل وتصرفاته،
والمصدر واسم الفاعل، فأما الفعل فذكر في
ثمانية عشر موضعا، وأما المصدر فذكر في أحد عشر موضعا، واسم الفاعل مفردا كان أو
على صيغة الجمع في واحد وعشرين موضعا.
ولقد ورد أكثر ألفاظ الفساد في القرآن الكريم متعلقا
بذكر الموضع وهو الأرض - قال اﷲ تعالى: "ولا تفسدوا في الأرض بعد
إصلاحها".
2- تعريف ظاهرة الفساد اتفاقية الاتحاد الإفريقي لمنع الفساد ومحاربته
فزيادة على التعريفات السابقة، فقد عرفته اتفاقية الاتحاد
الإفريقي لمنع الفساد ومحاربته في يوليو 2003 بأنه:" أي فعل أو إغفال يرتكبه
موظف عمومي أو أي شخص آخر في تنفيذ واجباته لغرض الحصول غير المشروع على منافع له
أو لطرف آخر".
فالفساد يوجد غالبا حيث يكون لمنظمة ما، أو شخص معين
سلطة احتكار سلعة أو خدمة معينة، ويكون له حرية التصرف واتخاذ القرار والخضوع
للمساءلة والرقابة لأن الفساد جريمة مبنية على التفكير والحساب وليس على العاطفة، بحيث يقوم الموظف
بتأمين خدمات مبنية يضعها القانون كإفشاء معلومات سرية أو إعطاء تراخيص غير مبررة.
3. تعريف ظاهرة الفساد من طرف الهيئات الدولية
عرفت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد بالنظر إلى
الحالات التي يترجم فيها إلى ممارسات فعلية على أرض الواقع ومن ثم القيام بتحريم
هذه الممارسات، وهي الرشوة بجميع أنواعها سواء في القطاعين العام والخاص،
والاختلاس بجميع أنواعه، والمتاجرة بالنقود، وٕإساءة استغلال الوظيفة، وتبيض
الأموال والإثراء غير المشروع وغيرها من أوجه الفساد الأخرى".
وعرفت منظمة الشفافية الدولية الفساد على أنه: ”استغلال
السلطة من اجل المنفعة الخاصة"، كما عرفته كذلك على انه:"إساءة استعمال
الوظيفة العامة للكسب الخاص، فالفساد يحدث عندما يقوم موظف بقبول أو طلب ابتزاز
رشوة لتسهيل عقد معين أو إجراء طرح مناقشة عامة، كما يتم عندما يعرض وكلاء أو
وسطاء الشركات أو أعمال خاصة تقديم رشاوى للاستفادة من تدابير معينة أو إجراءات
عامة للتغلب على منافسيهم وتحقيق أرباح لا يمكن تحقيقها في ظل القوانين
الموضوعية".
وعرف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNPD)
الفساد بأنه: "إساءة استعمال القوة العمومية أو المنصب أو السلطة للمنفعة
الخاصة سواء عن طريق الرشوة أو الابتزاز أو استغلال النفوذ أو المحسوبية أو الغش
أو تقديم إكراميات للتعجيل بالخدمات، أو عن طريق الاختلاس".
وعرف البنك الدولي الفساد على أنه: "إساءة استعمال
الوظيفة العامة للكسب الخاص، وعليه فالفساد يحدث عندما يقوم موظف بقبول أو طلب
رشوة لسهيل عقد أو إجراء طرح لمناقصة عامة، كما يتم عندما يقوم وكلاء أو وسطاء
لشركات خاصة بتقديم رشاوى للاستفادة من سياسات أو إجراءات عامة للتغلب على منافسين
وتحقيق أرباح خارج إطار القوانين المرعية، كما يمكن أن يحدث من خلال استغلال
الوظيفة العامة دون اللجوء إلى الرشوة وذلك بتعيين الأقارب في المناصب أو سرقة
أموال الدولة مباشرة".
4- تعريف التشريعات لظاهرة الفساد
إن المشرع المصري لم يعرف مصطلح الفساد، ولكنه ركز على
الرشوة في المادتين 103 و105 مكرر من قانون العقوبات وان كان قد أشار إلى بعض
مظاهره.
ويعاب على المشرع المصري هو عدم تجريمه للفساد رغم تعدد
أشكاله وصوره، فلم تعد الرشوة الصورة الوحيدة أو المظهر الوحيد له، بل هناك العديد
من السلوكيات والأفعال التي تندرج اليوم في إطار ما يسمى بالفساد.
وميز قانون العقوبات الفرنسي بين ما اسماه الفساد النشط
(الإيجابي) والفساد السلبي معرف الفساد الإيجابي أنه: "سعي الموظف الحكومي
بنشاط من اجل ومنح العقد"، أما الفساد السلبي فقد عرفه على انه:" قبول
المسؤول لهدية أو مكافأة أخرى بعد منح العقد أو تقديم الخدمة".
ويعتبر الفساد مصطلح جديد في التشريع الجزائري، إذ لم
يستعمل قبل سنة 2006 كما لم يجرم في قانون العقوبات، غير انه بعد تصديق الجزائر
على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لسنة 2004 بموجب المرسوم الرئاسي رقم 04
/128 المؤرخ في 19 أفريل 2004، كان لازما عليها تكييف تشريعاتها الداخلية بما
يلتزم وهذه الاتفاقية، فصدر قانون الوقاية من الفساد ومكافحته رقم 06 /01 المؤرخ
في 20 فيفري 2006 المعدل والمتمم والذي جرم الفساد بمختلف مظاهره.
وبالرجوع إلى القانون المذكور أعلاه نجد أن المشرع الجزائري
انتهج نفس منهج اتفاقية الأمم المتحدة تعريفا فلسفيا أو وصفيا ،إذ أنه اختار كذلك
من خلال الإشارة إلى صوره ومظاهره، وهذا ما تؤكده الفقرة أ من المادة 2 من قانون
الوقاية من الفساد ومكافحته أعلاه، الفساد هو "كل الجرائم المنصوص عليها في
الباب الرابع من هذا القانون يمكن تصنيف جرائم الفساد إلى أنواع: اختلاس الممتلكات
والإضرار بها ،الرشوة وما في حكمها، الجرائم المتعلقة بالصفقات العمومية والتستر
على جرائم الفساد.
وحسن ما فعل المشرع الجزائري عندما لم يقحم نفسه في
التعريفات الفقهية للفساد، والتي أثارت باقي الصور التي تخرج عن مجال التجريم
وتبقى مباحة رغم خطورتها، مثل الوساطة، المحسوبية والمكافأة اللاحقة.
ورغم عدم التوصل إلى تعريف شامل ومتفق عليه للفساد من
المعضلات التي تواجه الباحثين في هذا المجال، وذلك راجع لعدة أسباب ولعله في مقدمة
ذلك وجود صور وأنواع مختلفة ومتنوعة للفساد، هذه الصور تتنوع بتنوع المؤسسات
والقطاعات التي ينتشر فيها الفساد واختلاف المتورطين فيها ومن خلال هذا يمكن ذكر
الأنواع المذكورة أعلاه بتعريفها.
ثانيا: أنواع الفساد
للفساد عدة أنواع وتصنيفات تختلف باختلاف المعايير التي
على أساسها يتم التصنيف، نذكر البعض منها فيما يلي:
1 - الفساد من حيث الانتشار
أ) الفساد المحلي: وهو الذي يتم
داخل حدود البلد، ويقتصر على أطراف محليين ويتم عادة عند التقاء القطاع الخاص
بالقطاع العام في معاملة ما، وقد يكون الطرفان من القطاع العام، فالحكومة عادة ما
تقوم بشراء مواد ومستلزمات من السوق المحلية بكميات كبيرة، وتطرح عددا من
المشروعات للتنفيذ عبر مناقصات يتقدم لها القطاع الخاص المحلي، وقد يتم رشوة بعض
المسؤولين الحكوميين للحصول على هذه الصفقات مما يخل بقواعد المنافسة بين وحدات
القطاع الخاص، كما يؤدي إلى زيادة تكاليف هذه المشروعات، ومن ثم زيادة الأسعار،
بسبب إضافة قيمة الرشاوى المدفوعة إلى تكاليف المشروع ما يحمل الدولة نفقات
إضافية".
ب) الفساد الدولي: وهو الذي
يتجاوز حدود الدولة، وذلك عن تعامل الدولة مع أطراف خارجية حيث تقوم الحكومات في
الدول النامية بشراء معدات ومستلزمات وتجهيزات من الخارج، وقد يتم دفع الرشاوى
والعمولات للتعاقد مع شركات معينة دون أخرى، مما يدفع الشركات الأجنبية إلى دفع
عمولات كبيرة للحصول على المناقصـات الخارجية والامتيازات في الدول النامية، ويتم
ذلك بصفة خاصة في الصفقات الكبرى المتعلقة بالنشاط ألاستخراجي ومشروعات البنية
الأساسية وصفقات السلاح...وغيرها".
2 - الفساد من حيث الحجم
أ) الفساد الصغير: (فساد
الدرجات الوظيفية الدنيا) وهو الفساد الذي يمارس من فرد واحد دون تنسيق مع الآخرين
لذا نراه ينتشر بين صغار الموظفين عن طريق استلام رشاوى.
ب) الفساد الكبير: (فساد
الدرجات الوظيفية العليا) ويقوم به كبار المسؤولين والموظفين لتحقيق مصالح مادية
أو اجتماعية كبيرة وهو أهم وأشمل وأخطر لتكليفه الدولة مبالغ ضخمة".
ت) فساد وفق انتماء الأفراد المنخرطين في
الفساد: يمكن التمييز بين نوعين، فساد القطاع العـام والقطاع
الخاص:
ث) فساد القطاع العام: ويعتبر هذا
النوع من الفساد اشد عائقا للتنمية على مستوى العالم، وهو استغلال النشاط العام
خاصة في تطبيق أدوات السياسات المالية والمصرفية، مثل التعريفات الجمركية
والائتمان المصرفي والإعفاءات الضريبية لأغراض خاصة، حيث يتواطأ الموظفون
العموميون معا لتحويل الفوائد والرسوم لأنفسهم بدلا من تحويلها لخزينة الدولة
مثلا، بطرق مختلفة كالاختلاس والسرقة والرشوة.. و غيرها.
ج) فساد القطاع الخاص: يتمثل في
استغلال نفوذه بفضل ما يملكه من مال للتأثير على السياسات الحكومية، ويظهر أيضا في
شكل هدايا ورشاوى من قبل القطاع الخاص مقابل إعفاءات وٕاعانات تقدم من طرف القطاع
العام، وهو ما يترتب عليه تغير السياسات الحكومية وانحرافها نحو طبقة معينة من
الأفراد وهي المؤسسـات الخاصة ورجال
الأعمال والأثرياء على حساب طبقة البسطاء والفقراء، وينتشر هذا النوع من الفساد
عندما تتميز الأسواق بهياكل قانونية غامضة، وتكون سيادة القانون فيها معطلة وحيثما
تسمح القوانين بممارسة السلطة عن طريق الاحتكار والتي لا تخضع للرقابة
والسيطرة".
3 - الفساد من حيث المظهر
أ) الفساد السياسي: ويعرف الفساد
السياسي بأنه: "إساءة استخدام السلطة العامة (الحكومية) من جانب موظفي
الإدارة العامة والمسؤولين الحكوميين لأهداف غير مشروعة بطريقة سرية لتحقيق مكاسب شخصية"،
ويتعلق بالانحرافات المالية ومخالفات القواعد والأحكام التي تنظم عمل النسق
السياسي (المؤسسات السياسية في الدولة) ويقوم هذا الفساد على أساس سلب الحريات
وعدم المشاركة بالقرار والتفرد بالسلطة وعدم احترام الرأي الآخـر والعنف في مواجهة
المواقف"، وتتمثل صور هذا الفساد فيما يلي:
فساد المسؤولين الكبار (فساد القمة): ويحدث على
أعلى مستويات الحكومة ويشمل البرامج والمشروعات الحكومية الرئيسية، حيث يدمر كبار
المسؤولين الفاسدين خيارات القطاع العام مقابل الحصول على أجور كبيرة لهم من خلال
المبالغ التي تدفعها كبرى الشركات الخاصة لقاء الحصول على عقود وامتيازات خاصة، إضافة
إلى العوائد المحصل عليها من وضع اليد على المال العام كالاختلاسات وعمليات غسيل
الأموال.
فساد النظام السياسي: الذي يتخذ
عدة أشكال أبرزها فساد الأنظمة الانتخابية المتمثل في تزوير الانتخابات، شراء
النفوذ السياسي وشراء الأصوات، فساد الأحزاب السياسية من خلال تحول العمل السياسي
المبني على الرأي والرأي الآخر إلى صفقة سياسية تخفي كل أشكال المعارضة من المشهد
السياسي، فساد السلطات التشريعية والتنفيذية وحتى القضائية من خلال لجوء أعضاء هذه
الهيئات إلى استغلال الامتيازات الممنوحة لهم بحكم وظيفتهم كالنفوذ والحصانة.
ب) الفساد المالي: يتمثل في
مجمل الانحرافات المالية ومخالفة القواعد والأحكام المالية التي تنظم سير العمل
المالي في الدولة ومؤسساتها، ومخالفة التعليمات الخاصة بأجهزة الرقابة المالية
كالجهاز المركزي للرقابة المالية المختص بفحص ومراقبة حسابات وأموال الحكومة،
والهيئات والمؤسسات العامة والشركات العامة التابعة لها مثل الرشاوى والاختلاس
والتهرب الضريبي والمحاباة والمحسوبية في التعيينات الوظيفية.
ت) الفساد الأخلاقي: والمتمثل
بمجال الانحرافات الأخلاقية والسلوكية المتعلقة بسلوك الموظف الشخصي وتصرفاته،
كالقيام بأعمال مخلة بالحياء في أماكن العمل.
ث) الفساد الإداري: يعرف الفساد
الإداري حسب "جوزيف ناي (Joseph Nye)"
بأنه: "سلوك الموظف العام المخالف للواجب الرسمي بسبب المصلحة الشخصية (مثل
العائلة، القرابة، الصداقة) أو الاستفادة المادية، أو استغلال المركز ومخالفة
التعليمات لغرض ممارسة النفوذ والتأثير الشخصي، ويشمل كذلك سوء استخدام المال
العام مثل التوزيع غير القانوني للموارد من أجل الاستفادة الخاصة".
ويتعلق بالانحرافات الإدارية والوظيفية أو التنظيمية
وتلك المخالفات التي تصدر عن الموظف العام أثناء تأديته لمهام وظيفية في منظومة
التشريعـات والقوانين والضوابط ومنظومة القيم الفردية، فمن يمارس الفساد الإداري
هم أناس بمختلف مستويات الهيكل التنظيمي والمواقع الاجتماعية والسياسية.
ثالثاً: صور الفساد
يمكن إجمال
أهم صور الفساد فيما يلي:
أ) الرشوة: هي وسيلة
استخدام الوظيفة العامة للحصول على مكاسب شخصية، وتشمل كل المنافع التي تحفز
الموظف على الاتجار بسلطته للحصول على حقوق ومزايا باطلة.
ب) الاختلاس: هي أخذ مباشر
لأموال الدولة عن طريق التزوير أو التحريف أو إضافة معلومات كاذبة خاصة في ظل
اعتقاد البعض بإمكانية الانتفاع من المال العام شخصيا.
ت) الغش والتدليس: يهدف إلى
تحقيق الأغراض الخاصة أو زيادة الأرباح على حساب الهدف العام، وهو ينقسم إلى أنواع
مختلفة كالغش التجاري والغش العلمي والغش المهني، حيث ينتشر في التعاملات المختلفة
داخل الإدارات العامة.
ث) استغلال الصلاحيات (التحيز والمحاباة): أي استغلال
الصلاحيات في التشدد مع البعض وحرمانهم من الحصول على الخدمات العامة، أو بالتساهل
عند التعامل مع شرائح أخرى بحكم العلاقات الشخصية مما تضيع معه الموضوعية
والأمانة.
ج) الابتزاز: هو استغلال
الجمهور للحصول على أموال نقدية منهم أو أشياء عينية مقابل الحصول على الخدمة
المطلوبة مما يضطر الناس للدفع مقابل التخلص من الإساءة أو أخذ الحق.
ح) التقصير والإهدار: وذلك عن طريق
إضاعة الممتلكات العامة تعبيرا عن الحقد والسخط كالتكاسل المعتمد أو عدم الالتزام
بأوقات العمل واستغلاله في أمور أخرى، أو إفشاء الأسرار وزرع الفرقة بين العاملين
والإساءة للجمهور.
خ) الهدايا: وهي الهدايا
التي يتم تبادلها بين المرؤوسين ورؤسائهم أو بين الجمهور والموظفين على اعتبار
أنها هدايا عادية مع أنها تقدم لتحقيق مصالح شخصية، مثل مجاملة المسؤولين وٕإرسال
الهدايا إلى أبنائهم أو أسرهم طمعاً في أشياء أخرى يتم استيعابها ضمنيا.
رابعا: أسباب انتشار الفساد
تعد ظاهرة الفساد ظاهرة مركبة تختلط فيها الأبعاد
الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية ولذا تتعدد أسباب نشوئها، ومن هذه
الأسباب عدم اتساق الأنظمة ومتطلبات الحياة الاجتماعية وضعف الرقابة وأسباب الفساد
بالعموم تعود في الغالب إلى سببين رئيسيين هما: الرغبة في الحصول على منافع غير
مشروعة ومحاولة التهرب من الكلفة الواجبة، وبالطبع نحن هنا بصدد التحدث عن أسباب
الفساد الإداري بشكل خاص ويمكن تقسيمها بشكل مختصر إلى:
1- وجود أنظمة حكم استبدادية تحتكر السلطة
في البلاد ولا تقبل المشاركة: تعد أنظمة الحكم الاستبدادية أرضاً خصبة
لسوء استغلال السلطة خاصة في ظل عدم وجود المحاسبة والمساءلة، الأمر الذي يؤدي إلى
استغلال المال العام وتسخيره لتحقيق مصالح فردية خاصة، وهنا يفقد الشعب الثقة في
الحكومة وتغيب معه روح المواطنة وتتفشى كل أنواع الفساد نتيجة غياب العدالة
الاجتماعية.
2- غياب المحاسبة وضعف النظام القضائي: تستمد
الحكومات قوتها من وجود أنظمة قضائية عادلة ومستقلة تفرض قوانينها العادلة على
الجميع، وهنا نجد أن غياب الأنظمة القضائية القوية والعادلة والمستقلة، وغياب
المساءلة يؤدي إلى انتشار كل مظاهر الفساد.
3- انهيار القيم الأخلاقية وضعف الوازع
الديني في المجتمع: من أبرز عوامل تفشي الفساد هو انهيار القيم
والأخلاق الحميدة بين أفراد المجتمع، فالانفلات الأخلاقي وشيوع الحريات غير
المنضبطة مع غياب عقيدة الدين وفساد رجاله يعتبر من أهم أسباب انتشار الفساد.
4 - ضعف الأجهزة الرقابية والتفتيشية في
مؤسسات الدولة والقطاع الخاص: من أهم أسباب تفشي ظاهرة الفساد هو ضعف أو عدم وجود أجهزة
رقابية أو تفتيشية قوية تستطيع بسط إجراءات الضبط الداخلي على كل مرافق حلقات
الإدارة العامة للدولة، وعليه فإن ضعف هذه الأجهزة يستغله بعض الفاسدين في ممارسة
الفساد نظراً لقدرتهم على الإفلات من الرقابة.
5- انهيار المستويات المعيشية للفرد داخل
المجتمع: إن سوء توزيع الدخول بين أفراد المجتمع وخاصة في الدول
الفقيرة يساعد بشكل كبير على بروز ظاهرة الفساد، والتي تنتج عن الإحساس بعدم
العدالة بفعل سيادة الفوارق الطبقية بين أفراد المجتمع، كما أن تدني مستوى المعيشة
والإحباط النفسي والبطالة يجعل كل من المواطن والموظف ينصرف إلى الاهتمام بأموره
الشخصية واهمال الاهتمام بالمنظمة والتعليمات.
6- بروز ظاهرة تولي المسؤولية لقيادات ضعيفة:
من أبرز عوامل انتشار الفساد في الإدارة العامة وجود
قيادات إدارية وصلت إلى السلطة بقرارات تقع ضمن قاموس المحسوبية ليس لها الكفاءة
اللازمة وغير متخصصة في مجال عملها، وهذا ما يؤدي إلى بروز سلسلة الإدارة السلبية
والقرارات الخاطئة وضعف الأنظمة الإدارية، وعليه فإن وضع الشخص غير المناسب في
موقع المسؤولية واتخاذ القرار يؤدي إلى أن يكون أداؤه الوظيفي ضعيفاً ودون مستوى
الطموح مما يضر بمصالح المواطنين وسمعة الدولة، ويساعد أيضا على استغلال ذلك من
قبل البعض من تمرير عمليات الغش والتلاعب على هذا المسؤول واستغلال المال العام
لتحقيق منافع شخصية، والجدير بالذكر أن هذه الظاهرة تتفشى بصفة خاصة في المجتمعات
العربية أين يقوم الحاكم أو المسؤول بتوزيع المسؤوليات والمهام الحيوية في الدولة
على ذويه من ذي القربى والأصدقاء والمقربين منه، ونتيجة لذلك تظهر سلبيات عديدة في
أساليب الإدارة بهذه الدول.
7- أسباب تتعلق بنشأة الفرد: وهي تشمل ما
يلي:
- تعود المواطنين على قيم اجتماعية معينة كاستخدام
الوساطة حتى في الأمور السهلة والتنشئة الأسرية التي تعود الفرد على أهمية تحقيق
أهدافه بغض النظر عن مصلحة الجهاز، اضافة إلى اعتقاد المواطنين أن مخالفة القانون
تحقق الأهداف بشكل أسرع.
- السياسات التعليمية والتثقيفية كالافتقاد إلى المناهج
التي ترسخ معنى الخدمة المدنية في المدارس والجامعات، وعدم اهتمام المسؤولين
التربويين بمتابعة تطبيق بعض المناهج التي تركز على معنى الخدمة المدنية.
8 - أسباب اقتصادية: يعاني أكثر
الموظفين – خصوصا في الدول النامية – من نقص كبير في الرواتب والامتيازات ما يعني
عدم القدرة على الوفاء بمتطلبات المعيشة ومن هنا يجد الموظف نفسه مضطرا لتقبل
الهدية (الرشوة) من المواطنين ليسد بها النقص المادي الناتج عن ضعف الرواتب؛ تساهم
الأوضاع الاقتصادية هي الأخرى في تفشي ظاهرة الفساد من خلال ما يلي:
- تؤدي الفجوة المتزايدة بفعل التضخم بين الدخول الاسمية
للعاملين بأجهزة الدولة واحتياجاتهم المالية الحقيقية لمواجهة متطلبات المعيشة إلى
تقوية الدافع لارتكاب صور الفساد مثل الرشوة والاختلاس، نظرا لصعوبة سد تلك الفجوة
بأساليب مشروعة.
- تكليف أجهزة الدولة الحكومية (القطاع العام) بأعباء
ومهام تتطلبها برامج التنمية وما يستلزمه ذلك من منحها صلاحيات واسعة ومدها بموازنات
واعتمادات مالية كبيرة دون تمكينها من بناء مؤسساتها وتطوير قدراتها وتأهيل
كوادرها، وتحسين قيادتها ضد احتمالات الانحراف والاستغلال أو إخضاعها للمتابعة
والرقابة والمساءلة، فتتصرف في المال العام دون رقابة وهذا يعد مناخا ملائما
لانتشار الفساد.
الفرع الثاني: آثار الفساد
إن الآثار المدمرة والنتائج السلبية لتفشي هذه الظاهرة
المقيتة تطال كل مقومات الحياة لعموم أبناء الشعب فتهدر الأموال والثروات والوقت
والطاقات وتعرقل أداء المسؤوليات وٕإنجاز الوظائف والخدمات وبالتالي تشكل منظومة
تخريب وٕافساد وتسبب مزيدا من التأخير في عملية البناء والتقدم ليس على المستوى
الاقتصادي والمالي فقط، بل في الحقل السياسي والاجتماعي والثقافي والفساد الإداري
له آثار كبيرة على الدولة في كل قطاعاتها وبالتالي له تأثير مباشر في خفض وتقليص
نوعية الخدمة التي تقدمها الدولة للمواطن وهذا حتما ما سيؤدي إلى التأثير على حقوق
الإنسان ونوضح بمثل بسيط التأثير السلبي للفساد على حقوق الإنسان الاقتصادية
فالفساد يضعف التدفقات الاستثمارية وقد يعطلها مما يمكن أن يسهم في تدني
إنتاجية الضرائب.
وبالتالي تراجع مؤشرات التنمية البشرية خاصة فيما يتعلق
بمؤشرات التعليم والصحة وبرأيي من اخطر نتائج الفساد هو تحول الوظيفة العامة من
وسيلة لإدارة الشأن العام لأفراد المجتمع ومن أداء للخدمة العامة ومن كونها تكليفا
قانونيا وأمانة وطنية مقدسة إلى سلعة يتم المتاجرة بها بيعا وشراء بممارسة الفساد
وهذا ما يؤدي إلى خلخلة القيم الأخلاقية وٕإلى الإحباط وانتشار اللامبالاة
والسلبية بين أفراد المجتمع وبروز التطرف والتعصب في الآراء وشيوع الجريمة كرد فعل
لانهيار القيم وعدم تكافؤ الفرص، وكذلك يؤدي إلى عدم المهنية وفقدان قيمة العمل
والتقبل النفسي لفكرة التفريط في معايير أداء الواجب الوظيفي وتراجع الاهتمام
بالحق العام والشعور بالظلم لدى الغالبية وانتشار الفقر فالفساد يشوه البنى
الاجتماعية والنسيج الاجتماعي.
حيث يؤدي تفشي الفساد في الدولة إلى عدة آثار سلبية وعلى
كافة المستويات اقتصادية كانت أو اجتماعية أو سياسية، الأمر الذي يعطي انطباعا
سيئاً عن تلك الدولة، ويمكن إجمال هذه الآثار فيما يلي:
1 - الآثار على الاقتصاد: إن للفساد
آثار اقتصادية في استغلال الموارد والأداء الاقتصادي، ومن المسلم به أن الآثار
الاقتصادية كثيرة ومتعددة على مستوى الدولة أو المؤسسات أو الأفراد، وتتلخص أهم
الآثار الاقتصادية للفساد الإداري فيما يلي:
- يؤدي الفساد إلى تعطيل النمو الاقتصادي، حيث إن
العقبات التي يؤثر عن طريقها الفساد في النمو الاقتصادي تتمثل في التشوهات التي
يحدثها هذا الفساد في وجهة النفقات الحكومية، فالدراسات تؤكد أن الحكومات التي
ينشر فيها الفساد تكون أكثر ميلا إلى توجيه نفقاتها إلى مشروعات ووجوه إنفاق يسهل
فيها الحصول على الرشوة وٕإخفائها، ذلك لصعوبة تحديد سعرها في السوق أو في
إنتاجها أو شرائها، في حين يقل إنفاق هذه الحكومات على الخدمات التعليمية والصحية
والتي تقل فيها غالبا فرص الفساد. حيث إن الحكومات تخسر دخولا ضخمة من الإيرادات
المالية المستحقة لخزينة الدولة بسبب الرشاوى التي يتقاضها موظفو الدولة حتى
يتجاهلوا جزاء من الإنتاج، والدخل والواردات، في تقيميهم للضرائب المستحقة على هذه
الأنشطة الاقتصادية، فضلا من ذلك فإن الفساد بسلب موارد الوطن ويساوم على دخوله أو
تقليص إيراداته، ويشوه السياسات والحد من الاستثمار، فالفساد يضر بالاقتصاد ويعطل
النمو ويعيق تقدمه.
- يتسبب في ضياع أموال الدولة التي يمكن استغلالها في
إقامة المشروعات التي تخدم المواطنين بسبب سرقتها أو تبذيرها، أو إنفاقها من قبل
الدولة على أجهزة العدالة والضبط والرعاية الاجتماعية، وما يكلفها ذلك من توفير
الأموال والأدوات، إذ أن التنظيم قد يصاب بعجز مالي يعطله نهائيا أو جزئيا في مجال
الإنتاج الخدمات أو يعطل كفايته الاقتصادية؛
- يؤدي الفساد إلى الإخفاق في جذب الاستثمارات الخارجية،
وٕإلى هروب رؤوس الأموال المحلية ،وتسبب في هدر الموارد بسبب تعارض المصالح
الشخصية مع المشروعات التنموية العامة، ويؤدي أيضا إلى عدم الحصول على المساعدات
الأجنبية وهجرة الكفاءات الاقتصادية وذلك لغياب التقدير، وبروز المحسوبية
والمحاباة في أشغال المناصب العامة وفي إقامة المشروعات الربحية، وقد لا تمنح
الامتيازات والتراخيص إلى المشروعات الأعلى إنتاجية التي لا تقدم الرشاوى والعمولات،
ويؤدي ذلك إلى ضعف في كفاءة القطاع الخاص في المساهمة في التنمية الاقتصادية،
وتعاني وحدات الخدمة العامة من تفتشي ظاهرة الفساد بكافة أشكاله وهو ما يمثل مرضا
خطيرا، يكاد يفقد قدرة هذه الأجهزة عن ممارسة إعمالها الموكلة إليها قانونيا،
ويؤثر على انجاز عمليات التنمية والنمو الاقتصادي بشكل عام، ناهيك عما يوثر ظاهرة
الفساد بشكل مباشر على القدرة على تحقيق حاجيات المواطنين والمتعاملين مع هذه
الأجهزة ،مما يفقد الثقة بهذه الأجهزة وموظفيها، وأصبحت هذه الظاهرة تمثل عائقا
إمام فرص الاستثمار المختلفة، وهو ما أكدته التقارير المختلفة؛
- يؤثر الفساد في توزيع الدخول: وٕإعادة توزيع الناتج
القومي لصالح الأغنياء والطبقة القليلة الطفيلية التي اعتمدت في ترائها على مكسب
غير المشروع، واستغلال ثغرات القانون لصالحها، الأمر الذي يؤدي إلى خلق فجوة بين
فئات المجتمع الواحد، الذي ينقسم إلى مجتمعين في آن واحد، مجتمع للأغنياء ومجتمع
للفقراء ومن ثم افتقاد كافة صور العدالة الاجتماعية.
ومن مظاهر الآثار السلبية الاقتصادية للفساد ما يلي:
- رفع تكاليف المشاريع نتيجة الرشوة والعمولات؛
- ارتفاع نسبة البطالة، التضخم، الفقر، والمهمشين
اجتماعيا؛
- إعاقة نمو المؤسسات الصغيرة والمتوسطة؛
- ظهور نشاطات غير إنتاجية أو ما يعرف باقتصاديات الظل
(المتاجرة بالتأشيرات والفيزا)؛
- يؤدي الفساد إلى تحقيق أدني نفع ممكن من الإنفاق على
المشاريع وليس أقصى نفع ممكن؛
- سوء توزيع الموارد الاقتصادية وتوجيهها إلى قطاعات أقل
أهمية عند المجتمع، كأنشطة الترفيه والرياضة، والمظاهر الاحتفالية، والدعاية
والإعلان، وتزيين المباني، وأشجار الزينة. ...الخ.
- الضعف النسبي للإنفاق على المشاريع الاستثمارية
وٕإهمال المناطق النائية؛
- التشكيك في فعالية الأجهزة الحكومية؛
- ترسيخ مجموعات من السلوكيات السلبية مما يجعل الفساد
مثل الفتن يرقق بعضها بعضا؛
- تركيز الثروة في أيدي قلة من المجتمع مما يحرم الآخرين
من الانتفاع بموارد البلاد المالية والاقتصادية، وهذا الحرمان تعطيل لطاقات يمكن
الاستفادة منها؛
- يقسم المجتمع إلى فقراء وأغنياء، ويقضي على الطبقة
الفاعلة وهي الطبقة الوسطى؛
- تدهور القيم الاجتماعية والأخلاقية مما يشكل خطرا على
السلم الاجتماعي؛
- يضعف الشعور الوطني والانتماء إلى الدولة؛
- يسهم بتردي الخدمات المقدمة للمواطن على مستوى
التعليم، الصحة، النقل...الخ؛
- تسرب اليأس والإحباط إلى النفوس، مما ينعكس سلبا على
العمل والإبداع.
- ارتفاع تكاليف الخدمات العامة: يؤدي الفساد
إلى ارتفاع تكاليف الخدمات العامة نتيجة التكاليف الإضافية، هذه الأخيرة تنتج عن
دفع الرشوة وزيادة الوقت اللازم للحصول على الخدمة بسبب التعطيل، فالمستهلك يدفع
سعر للخدمة أعلى من تكلفتها الحقيقية بسبب الريع الإضافي الذي يضطر لدفعه للحصول
الخدمة التي يحتكر الموظف العمومي تقديمها.
- تنامي القطاع غير الرسمي: يدفع الفساد
الشركات إلى التخفي خارج القطاع الرسمي، وبالتالي تسرب مقادير هائلة من الدخل
الوطني خارج القنوات الرسمية ومنه حدوث تشوه في التوزيع داخل الاقتصاد، حيث تحد
الرشوة والتهرب الضريبي من قدرة الدولة على زيادة الإيرادات العمومية وتفضي إلى
معدلات ضريبية متزايدة الارتفاع تحصل من عدد متناقص من دافعي الضرائب، وهذا ما
يؤدي في النهاية إلى عجز الميزانية العامة للدولة.
- سوء توزيع الموارد: يعني سوء
توزيع الموارد أن هذه الأخيرة تستخدم في الفساد بدلا من استخدامها في وسائل
إنتاجية، فالشركات تبدد الوقت والموارد بغرض إنشاء علاقات مع مسؤولين (الانفاق على
الرشاوى)، والمسؤولين يتخذون قرارات استثمارية عشوائية ولا تخدم الصالح العام لتحقيق
أهداف خاصة ،بينما يتحمل تكلفة هذه المشاريع كل أفراد المجتمع (كل أفراد المجتمع
يشاركون في دفع الضرائب).
- خفض معدلات الاستثمار: يؤدي الفساد
إلى انخفاض العائد على الاستثمار بسبب ارتفاع التكاليف وهذا نتيجة قيام المستثمرين
بدفع العملات والرشاوى للجهات المحتكرة للحصول على التراخيص ومختلف الخدمات
العامة، كما أن الروتين وكثرة الإجراءات واستغراقها وقت أطول يفقد المشاريع
أهميتها الأمر الذي ينعكس سلبا على بيئة الأعمال ويبعث على الاستياء لدى
المستثمرين نتيجة إشاعة جو من عدم الطمأنينة ،حيث أن انتشار الفساد يرسل إشارة إلى
المستثمرين تفيد بضعف سيادة القانون وبالتالي عدم ضمان حقوق الملكية في الدولة مما
يجعل للاستثمار مخاطرة غير مأمونة العواقب، وهو ما يؤدي في النهاية إلى تدني
الاستثمار المحلي والأجنبي فيتأثر النمو الاقتصادي سلبا (استثمار منخفض يعني نمو
منخفض).
- تدني مستويات المنافسة والكفاءة
والابتكار: حيث أن تفشي ظاهرة المدفوعات غير القانونية تغيب معه
المنافسة النزيهة بين الشركات في ظل سوق واحدة، الأمر الذي يخلق عراقيل كبيرة أمام
الشركات الجديدة للدخول إلى تلك الأسواق، فتختفي الشركات ذات الأفضلية وتسود
الشركات ذات المحسوبية وينتهي الأمر بالمستهلك إلى دفع سعر أعلى مقابل جودة أقل.
وكذلك من آثار الفساد الاقتصادية نجد تأثيره على القطاع
الضريبي، الانفاق الحكومي، سوق سعر الصرف، ونوجز هذه الآثار في الآتي:
-أثر الفساد على القطاع الضريبي: يترتب على الفساد في مجال القطاع الضريبي أثاًراً خطيرة، يمكن أن نشير إلى بعضها:
- عندما يكون هناك فساد في القطاع الضريبي فإن هذا يدفع
البعض إلى تقديم إقرارات ضريبية تظهر وعاءً ضريبياً غير حقيقي لهؤلاء الأفراد
وبهذه الطريقة يتمكنون وبطريقة زائفة من إظهار مقدرة منخفضة مقارنة بمقدرتهم
الحقيقية، في حين لا يستطيع الممولون الأمناء من تخفيض هذه المقدرة بنفس الطريقة،
فإذا عومل الاثنان وهو من يقدم إقرارات صحيحة ذات مقدرة حقيقية على الدفع، ومن
يقدم إقرارات مزيفة لا تعكس مقدرته الحقيقية على الدفع، معاملة ضريبية واحدة فإن
هذا يعني إخلال الفساد بمبدأ العدالة الأفقية،
التي تقوم على أساس معاملة ضريبية متماثلة للأفراد ذوي
القدرة المتساوية على الدفع. ومن جانب آخر فإن هذا يعد إخلالاً بمبدأ العدالة الرأسية
التي تقتضي معاملة ضريبية مختلفة للأفراد ذوي القدرة المختلفة على الدفع. مما
يترتب عليه في النهاية إخلال الفساد بمبدأ العدالة الاجتماعية في توزيع الأعباء
العامة؛ - يترتب على ممارسات الفساد في
القطاع الضريبي مقدرة زائفة على الدفع للأفراد المنهمكين في ممارسات الفساد، مما
ينجم عن هذه الممارسات وانتشارها على نطاق واسع انخفاض زائف في الطاقة الضريبية
للمجتمع ككل، فإذا كان صانع السياسة المالية سيضع حجم الإيرادات الحكومية، ويخطط
الحجم الإنفاق الحكومي على أساس الطاقة الضريبية الزائفة، فإن السياسة الاقتصادية
لن تستطيع تحقيق ما ينشده المجتمع من أهداف مختلفة، سواء ما يتعلق منها بتحقيق
النمو الاقتصادي، أو تمويل الإنفاق العام، أو تمويل الخدمات الاجتماعية العامة أو
الجديرة بالإشباع التي لم يتم إشباعها بالقدر المرغوب اجتماعياً، وأمام هذا الوضع
تجد الدولة نفسها مضطرة للتخلي عن بعض الأهداف التي وعدت المجتمع بإشباعها.
- أثر الفساد على الإنفاق الحكومي: يترتب على الفساد الممتد وانتشاره في القطاع الحكومي آثار على تخصيص النفقات العامة، مما يؤدي إلى تحقيق أدنى نفع ممكن من هذا الإنفاق وليس أقصى نفع ممكن منه. ويمكن تلخيصها في الآتي:
يترتب على شيوع الفساد وانتشاره في مجتمع ما، سوء تخصيص
لموارد هذا المجتمع العامة، لأنها سوف تتجه صوب أوجه الإنفاق التي لا تحظى بأولوية
الإنفاق العام من وجهة نظر المجتمع. ومن ثم ستحظى الأنشطة المظهرية كالأنشطة
الرياضية والأندية ووسائل الإعلام ونحو ذلك بإنفاق سخي وفي مقابل ذلك سيتم إغفال
الكثير من الأنشطة والقطاعات الاقتصادية الهامة، أو يكون الإنفاق عليها ليس
بالدرجة الكافية ،كالإنفاق على القطاع الزراعي والصناعي، أو الإنفاق على تحسين
مستوى المناطق النائية؛
كما أن تنفيذ المشروعات العامة والمناقصات ستتميز بدرجة
عالية من التميز وعليه سيتم استيراد المواد الخام ومواد البناء والآلات ونموه، من
بلاد أجنبية معينة، في حين قد لا تكون هذه السلع المستوردة من هذه البلاد جيدة أو
رخيصة مقارنة بغيرها من المصادر المتاحة؛
كما أن المناقصات والمشروعات الهامة سترسو على شركات
معينة مملوكة لأصحاب نفوذ وجاه بالمجتمع.
- أثر الفساد على سوق الصرف الأجنبي: تقوم الدول عادة بتحديد سعر لعملتها الوطنية مقابل العملات الأجنبية الأخرى، وتحاول هذه الدول أن يتسم هذا السعر بالثبات على الأقل لفترة معينة، حتى تتمكن من إجراء الإصلاحات الاقتصادية المعينة التي ترغب في تحقيقها، ولكن ممارسات الفساد في سوق الصرف الأجنبي يترتب عليها انقسام هذا السوق إلى سوقين: سوق رسمي يسوده السعر الرسمي للصرف الأجنبي، ويتميز هذا السوق بندرة في الصرف الأجنبي مقارناً بالطلب. وسوق غير رسمي يسوده سعر غير رسمي للصرف أعلى من السعر الرسمي ويتميز هذا السوق بالحركة والنشاط في شراء العرض المتاح من النقد الأجنبي، وتوجيه هذا النقد إما إلى تمويل أنشطة غير مخططة، أو تمويل أنشطة محظورة أو غير مرغوب فيها من وجهة نظر المجتمع، كما لو تم توجيه النقد الأجنبي الذي يتم تجميعه من السوق الرسمي إلى تمويل تجارة المخدرات أو إلى السلع المهربة من الخارج أو إلى الكماليات المستوردة من الخارج ونحو ذلك، مما يفضى في النهاية إلى زيادة عجز ميزان المدفوعات واستمراريته، وربما عدم قدرة الدولة على سداد ديونها ولجوئها إلى الاقتراض من الخارج وهذا مما يجعلها تعيش في دوامة من القروض وما لذلك من آثار سيئة على الاقتصاد.
2- الآثار على المجتمع: إن آثار
الفساد الإداري لا تمتد إلى الجوانب السياسة والاقتصادية والإدارية فحسب، ولكن قد
تشمل الجانب الاجتماعي فالضرر والإحباط اللذان يصيبان جوانب معنوية في الإنسان
،مثل الكرامة والسمو الروحي والتفاؤل يعدان عقبة تعثر في التنمية الاجتماعية
والاقتصادية. ويمكن إجمال أهم الآثار الاجتماعية للفساد على النحو التالي:
- يساهم الفساد في ارتفاع معدلات الجريمة وينشئ مجتمعا
تكون فيه المؤسسات النظامية، والقضائية والتنفيذية غير فاعلة، وفي الأنظمة الفاسدة
يتمكن المحتلون وبسهولة من الهروب من العقاب، والفساد لا يؤدي إلى الجريمة
السياسية والمؤسسية فحسب بل هو مسئول أيضا عن تعزيز الجريمة المنظمة.
- يساهم الفساد في إضعاف العدالة وانحسارها: حيث يؤدي
الفساد إلى تفاقم الفقر وتوسيع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، كما يعمل الفساد على
تخفيض إمكانيات كسب الدخل لدى الفقراء بسبب تضاؤل الفرص المتاحة، وكذلك من خلال
الحد من الإنفاق على خدمات القطاع العام، وحرمان بعض الناس من الحصول على الحقوق
الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم، ويؤدي أيضا إلى زيادة كلفة الخدمات
الحكومية وهذا بدوره يقلل من حجم هذه الخدمات وجودتها، مما ينعكس سلبا على الفئات
الأكثر حاجة إلى هذه الخدمات.
- يؤدي انتشار الفساد إلى تقليص القيم
الإيجابية (قيم المصلحة العامة، قيم المشاركة، قيم الانتماء...
الخ) واختزالها في قيمة واحدة، وهي قيمة المال الأمر الذي يؤدي إلى انتشار النوازع
الفردية، ويعمق مفهوم الحرية الفردية في السلوك الاجتماعي، والتمرد على النظم والأحكام
الشرعية وهذا بدوره يؤدي إلى انتشار الرذائل والتحلل الخلقي، وخدش الحياة والكرامة
والفطرة الإنسانية؛
- يؤثر الفساد تأثيرا مباشرا على الكفاءة
والفعالية: وذلك بإنشائه سلوكا سلبيا حيث يؤدي إلى الحد من عملية
الحراك الاجتماعي لانتشار الشعور باليأس والإحباط، وعدم إدانة المسئولين عن الفساد
وحمايتهم ،وعدم محاسبتهم، كما يؤدي إلى الانحلال الخلقي بانتشار طرائق الكسب غير
المشروع وتفشي الأساليب ألا أخلاقية، والتهرب من المسؤولية، وضياع موازين الرقابة
والإشراف، كما يؤدي الانحراف إلى المساس بالأمن والصحة العامة.
- الإخلال بمبدأ العدالة الاجتماعية: حيث يؤدي
الفساد إلى توزيع الحقوق بشكل غير مشروع فنجد من لا يستحق يحصل على ما يشاء بينما
يعجز صاحب الحق عن الحصول على حقه في المنافع أو الوظائف وغيرها، وهنا تختفي
المعايير الموضوعية لتحل محلها الاعتبارات الشخصية والمصالح المادية المرتبطة
بالفساد، وفي مثل هذه الحالات يحدث الإثراء غير المشروع دون وجود ما يؤدي إلى
الردع أو الملاحقة.
- التفاوت الطبقي والصراع الاجتماعي: يؤدي الفساد
إلى سيادة الطبقية في المجتمع حيث تصعد فئة جديدة إلى قمة الهرم الاجتماعي نتيجة
ما حصلت عليه من دخول أو عائدات غير مشروعة، وعادة ما تنجح هذه الفئات في الوصول
إلى علاقات وطيدة مع كبار المستثمرين ورجال المال والأعمال بل وعلاقات نسب ومصاهرة
فضلا عن التقرب إلى كبار المسؤولين وصناع القرار في المجتمع، وهذا ما يؤدي إلى
حدوث صراع طبقي ولجوء الطبقة الفقيرة إلى العنف الاجتماعي ضد الأثرياء بصفة عامة
والأثرياء الجدد بصفة خاصة.
- انهيار القيم والمبادئ الأخلاقية: يؤدي الفساد
إلى التخلي عن المبادئ والقيم الأخلاقية من أجل الحصول على منافع مادية بدون وجه
حق، فتصبح أنواع الفساد مهارة بينما يصبح الاجتهاد والتمسك بالدين والقيم
الأخلاقية السليمة تخلفا أو جمود في الفكر والسلوك، ويزداد الأمر خطورة عندما يشب
العديد من النشئ والشباب على هذه القيم والأفكار المغلوطة مما يؤدي إلى عدم
الاهتمام بالعمل والعلم والتعليم والاجتهاد كوسيلة للكسب والحصول على الدخل ومنه
شيوع قيم الفساد.
- تبديد المساعدات الإنسانية والدعم الموجه
للفقراء: يؤدي الفساد إلى عدم تحقيق أهداف المؤسسات المحلية والدولية
التي ترصد مبالغ مالية لمساعدة الفقراء أو دعم السلع والخدمات التي يحتاجون إليها
حيث يلتهم الفساد الجزء الأكبر من هذه الأموال والمخصصات فلا تذهب إلى من يستحقها،
حيث نجد بعض الفاسدين الذين يتاجرون بالسلع المدعمة يعملون على إخفاء هذه السلع من
الأسواق، ولا يصل الدعم الذي تخصصه الحكومات لمحدودي الدخل والفقراء فيحقق
الفاسدون ثروات طائلة من سلوكهم الفاسد، ويحدث نفس الشيء بالنسبة للأموال
والتبرعات التي ترصدها مؤسسات الإغاثة العالمية لرعاية الفقراء والإنفاق على الصحة
والتعليم.
- خفض التوظيف: يؤدي انتشار
الفساد إلى وضع العراقيل أمام التوسع في إنشاء المشروعات الخاصة وزيادة تكاليف
ممارسة الأعمال، ويقع الضرر هنا على المشروعات الصغيرة بصورة خاصة أكثر من غيرها
الأمر الذي يؤدي إلى التقليل من فرص العمل بالقطاع الخاص ذلك أن هذه الشركات على
الأرجح لن تتمكن من الظهور.
- تزايد الفقر: يرى الكثير
من الخبراء الاقتصاديين أن هناك علاقة وثيقة بين الفساد وانتشار الفقر بالدول حيث
يؤدي الفساد إلى التوزيع غير العادل للثروة ويقلل من احتمالات الكسب بالنسبة للفقراء
نتيجة قلة فرص العمل بالقطاع العام أو الخاص، كما يحد من إمكانية حصولهم على خدمات
عامة جيدة مثل الرعاية الصحية والتعليم.
- سوء الإدارة العامة: يؤدي تفشي
الفساد إلى سيادة البيروقراطية في الإدارة العامة وانخفاض الأداء الوظيفي وهذا
بالتماطل في تقديم الخدمات مع انتشار التسيب والإهمال، الأمر الذي ينعكس على
معاناة واستياء طالب الخدمة.
3 - الآثار على السياسة: للفساد آثار
سلبية على الجانب السياسي للدولة يمكن إجمالها فيما يلي:
- استفحال ظاهرة الفساد في الدولة وعدم بذل المسؤولين
جهود ملموسة لمكافحتها يجعل الشعب يفقد الثقة في حكومتها.
- التزوير في الانتخابات وعدم تمثيل الرئيس المنتخب
لأغلبية المجتمع يؤدي إلى ضياع الحريات الديمقراطية للشعوب.
- انتشار الفساد في بلد ما يؤدي إلى تشويه صورة ذلك
البلد أم بلدان العالم، فلا يصبح له أي وزن أو قيمة في المنظمات والمحافل الدولية.
- قد يساهم الانحراف الإداري في تعميق الفجوة بين
الطبقات والجماعات الغنية، وبين الطبقات والجماعات الفقيرة في المجتمع، مما يؤدي
ذلك إلى تزايد شعور الطبقات الجماعات الفقيرة بالحرمان، وقد لا تجد أمامها سوى
الالتجاء إلى العنف والثورة على النظام القائم، وهذا الوضع مساعد على عدم الاستقرار
السياسي؛
- إن انتشار الانحراف في الأجهزة الحكومية يسهل للقوى
المعارضة الإطاحة بالنظام والاستيلاء على السلطة، ذلك لأن الاستياء الجماهيري من
الحكم القائم والانحراف المنتشر داخل أجهزته ومنظماته الإدارية، يخلق فجوة بين
الجماهير والحكومة، ويعمل على مساندة الجماهير للمعارضة للإطاحة بالنظام السياسي
القائم؛
- يساهم الفساد الإداري في إضعاف المشاركة السياسية التي
تقتصر فقط على الجماعات التي تملك الثروة وركائز القوة الاقتصادية، التي تمكنها من
إقامة علاقات خاصة مع القيادات السياسية والإدارية؛
- يساهم تفشي الانحراف والفساد الإداري في الأجهزة
الحكومية والإدارية في أن يقلل من شرعية النظام السياسي في نظر الجماهير، حيث يدرك
المواطنون أن الموظفين الحكوميين على مستوياتهم المختلفة، مجرد عناصر متورطة في
الفساد ولا يعنيها سوى تحقيق مصالحها الخاصة، ونتيجة لذلك الإدراك يكون النظام
السياسي محروما من الناحية الواقعية من أي مساندة شعبية، بل تظهر السلبية وعدم
إقبال المواطنين على التعاون مع النظام القائم وزيادة وتمسكت بولاته المحدودة
كالأسرة والعشيرة لحمايته من ضغوط المجتمع، وفقدان المواطن للثقة في السياسات
العامة واكتسابه المزيد من الميول والأنانية.
4. الآثار الإدارية للفساد: هناك العديد من الآثار الإدارية السلبية للفساد الإداري التي يمكن أن تشملها النقاط التالية:
- قد يؤدي الانحراف الإداري في الكثير من أجهزة الإدارة
في الدول النامية إلى خلق علاقة سيئة بين طبقة الموظفين ورؤوسهم في العمل، حيث
تقوم هذه العلاقة على استبداد الرؤساء للسلطة وعدم ثقتهم بمرؤوسيهم، وعدم تفويض
السلطة، مما يترتب عليه تركيز السلطة واتخاذ القرار في أيدي قليلة من الأفراد، مما
ينتج عن ذلك عدم المرونة في مواجهة المواقف وحل المشكلات الأمر الذي يؤدي إلى
التعطيل والبط في تقديم الخدمات؛
- كما يؤدي الانحراف الإداري أيضا: إلى انعدام الكفاءة
الإدارية في الأجهزة الإدارية في الدول النامية، فنجاح الإدارة وكفاءتها في أي
دولة يتوقف أساسا على مراعاة الموضوعية وتوافر الخصائص المؤهلات والميزات المطلوبة
عند التعيين والموضوعية عند اتخاذ القرارات، وهذا لا يتوفر في العديد من الدول
النامية، حيث التعيين في الأجهزة الإدارية الحكومية تعمد على علاقات القرابة أو
الصداقة. وهذا هو أحد أسباب تعثر النشاط الإداري الحكومي في مجالات التنمية
المختلفة وتدهور نوعية الإنتاجية وما يعنيه من انخفاض الكفاءة؛
- يساعد الانحراف الإداري المتفشي بين أجهزة الإدارة
العامة في الدول النامية إلى هجر القيادات الإدارية وأصحاب الخبرات والكفاءات
العلمية والفنية من الدول النامية إلى الدول المتقدمة والفنية،
- يؤدي الانحراف الإداري في كثير من الأحيان إلى افتقاد
أسس العدالة والموضوعية في تعامل الأجهزة الإدارية مع المواطنين، وتعمد الإساءة
لشعورهم والسخرية منهم، وٕإيلامهم بطريقة تزيد من غضب المواطن ونفوره من هذه
الأجهزة، وعدم ثقته بها، وعدم احت ارمه للنظام الإداري.
المرجع:
- د. امحمدي بوزينة آمنة، محاضرات في مقياس مكافحة الفساد، مقدمة لطلبة السنة الثالثة ليسانس، تخصص القانون العام، جامعة حسيبة بن بوعلي الشلف، كلية الحقوق والعلوم السياسية القسم العام، السنة الدراسية 2019-2020، ص5 إلى ص24.