تطبيقات التعسف في استعمال الحقّ
المطلب الاول: التّعسف في استعمال حق الملكيّة العقارية الخاصّة
يعدّ
التعسّف تستعمل حق الملكيّة العقاريّة الخاصة من اهم تطبيقات نظرية التّعسف في
استعمال الحق٬ ويمكن بداية القول انّ حق الملكيّة يعدّ اوسع الحقوق العينيّة
نطاقا٬ ذلك أنّه يعطي صاحبه سلطات واسعه (الاستعمال٬ الاستغلال٬ والتّصرف) في اطار
ما تقضي به القوانين والانظمة٬ وهو ما اشار اليه المشرّع الجزائري صراحه في نصّ
المادة 674 من التّقنين المدني الّتي جاء فيها: ((الملكيّة هي حق التّمتع والتصرّف
في الاشياء بشرط الا يستعمل استعمالا تحرّمه القوانين والانظمة)).
وما
يلاحظ على هذا النّص اولا: أنّه لم يعرّف الملكية بقدر ما اشار الى السلطات
الممنوحة لصاحب حق الملكية٬ وهذا امر يمكن تبريره بأنّ التعاريف مساله فقهية وليست
من صميم صلاحيات المشرّع.
ثانيا:
يفهم من النّص انّ المشرع الجزائري ساير الاتجاه الفقهي والتشريعي الحديث من حيث
نظرته لحق الملكية٬ والذي لا يعتبر هذا الحق حقا مطلقا٬ بل هو حقّ مقيد٬ بمعنى انّ
المالك حتى وإن كانت له سلطات واسعه على ما يملكه الا أنّه مقيد في استعماله بضرورة
مراعاة ما تقضي به القوانين والانظمة.
وعرف
المشرع حق الملكية العقارية الخاصة في نص المادة 27 من القانون 90 /27 المتعلق
بالتوجيه العقاري التي جاء فيها: ((الملكية العقارية الخاصة هي حق التمتع والتصرف
في المال العقاري او الحقوق العينية٬ من أجل استعمال الاملاك وفق طبيعتها او
غرضها)). وهذا النص خصّ الملكية العقاريّة الخاصة بينما جاء نص المادّة 674 عاما حيث عرّف الملكيّة بشكل
عام.
ومن
خلال مقارنة النّصين يتبين لنا انّهما متفقان في ذكرى عناصر الملكية (التمتع
والتصرف)٬ ويختلفان في انّ النص الوارد في القانون المدني قيد ممارسة حق الملكية
بقيد استعماله بما لا يخالف القوانين والانظمة٬ بينما قيد النص الوارد في قانون
التوجيه العقاري استعمال هذا الحق بضرورة مراعاه طبيعته او غرضه.
ويتميز
حق الملكية العقارية الخاصة بجملة من المميزات والخصائص: فهو حق جامع٬ بمعنى أنّه
يخول صاحبه سلطة الاستعمال والاستغلال والتصرف٬ وهو حق مانع٬ بمعنى أنّه يمتنع عن
الغير مشاركة صاحبه في التّمتع به٬ وهو غير مطلق٬ بمعنى أنّه ترد عليه قيود كثيره
تحدّ من سلطات المالك٬ لعلّ من اهمها حظر التعاسة في استعماله.
وقد طبق المشرع الجزائري نظرية التعسف في
استعمال حق الملكيّة العقارية الخاصة في نصّ المادة (691 /1 من التقنين المدني)
المتعلقة بمضار الجوار الذي جاء فيها: ((يجب على المالك الاّ يتعسّف في استعمال
حقّه الى حد يضرّ بملك الجار…)).
ويفهم من هذا النّص أنّه لا يجوز لصاحب الملكية
العقارية الخاصة ان يستعمل حقّه بشكل يلحق ضررا بملكية جاره٬ وهو ما اكدته المحكمة
العليا في قرارها الصادر في 27/ 09 /2001 حيث ورد فيه: ((...الوجه الثاني مأخوذ من
خرق القانون بدعوى أن النزاع لا يتعلق بخرق حدود الملكية٬ بل ينحصر في تعسّف
المطعون ضدّهم في استعمال حقّهم إلى حدّ أنهم سببوا إضرارا بملكية جارهم الطاعن٬
وأن مزاعم المطعون ضدّهم بأنّ والدتهم لا تزال على قيد الحياة٬ وأن الأملاك لا
تزال شائعة لا تؤثّر على طبيعة النزاع ما دام أن الأمر يتعلّق بمضار الجوار غير
المألوفة٬ كما هو ثابت ومقرر من خلال تقرير الخبرة التي اعتمدتها المحكمة الابتدائية٬
ومن هنا كان على القضاة الاستئناف طبقا للمادة 691 من القانون المدني أن يتأكدوا
مما إذا كانت الإضرار قد تجاوزت الحدّ المألوف بدلا من القول أن العقار الموجود
عليه الممر موضوع النزاع لا زال في حالة الشيوع٬ وبقضائهم كما فعلوا خالفوا
القانون…)).
ويمكن
القول في هذا الصّدد أنّه يجوز للمالك أن يستعمل حقّه كما يشاء بغية الحصول على
منافع الشيء المملوك له٬ وعلى الملاك المجاورين له أن يتحملوا المضايقات البسيطة
أو الإضرار الناجمة عن هذا الاستعمال متى كانت عادية ومألوفة ومتسامح فيها٬ أما في
حالة تمادي المالك في استعمال حقه على نحو تلحق فيه أضرار غير مألوفة بجيرانه فهنا
يعدّ متعسّفا في استعمال حقّه وبالتّالي تقوم مسؤوليته عن هذا إن هذا التعسّف٬ ذلك
أن الإخلال الفاحش بمصالح الجيران يخل بالتوازن بين المصالح الفردية والمصالح
الجماعية٬ لأنّ فيه تغليبا للأولى على الثانية.
وهذا المعنى أكدته الفقرة الثانية من المادة 691
من التقنين المدني الذي جاء فيها: ((... وليس للجار أن يرجع على جاره في مدار
الجوار المألوفة٬ غير أنّه يجوز له أن يطلب إزالة هذه المضار إذا تجاوزت الحدّ
المألوف٬ وعلى القاضي أن يراعي في ذلك العرف وطبيعة العقارات وموقع كلّ منها
بالنسبة إلى الآخرين والغرض الّذي خصصت له))
وتطبيقا
لهذا النص جاء في القرار رقم (90943) الصادر عن المحكمة العليا بتاريخ 1992/06/16:
((... من المقرر قانونا أنّه لا يجوز للمالك أن يتعسّف في استعمال حقه إلى حدّ
يلحق ضررا بملك الجار…
ولمّا
كان ثابتا في قضيّة الحال أن قضاة الاستئناف حصروا النزاع في تحديد الضّرر ومصدره٬
وقضوا بإلزام الطعن بتحويل مدخل البناية بعيدا عن مسكن المطعون ضده بسبب الضرر
الّذي لحقه من جراء ذلك٬ مؤسسين قضاءهم على المعاينة المنجز محضرا عنها٬ فأنهم
بذلك قد أحسنوا تطبيق القانون٬ مما يستوجب رفض الطّعن الحالي)).
ومن تطبيقات نظرية التعسف في استعمال حق الملكية
العقارية الخاصة أيضا ما ورد في نصّ المادة 1/705 ق.م.ج: (( للمالك إذا كانت له
مصلحة جديّة في تعلية الحائط المشترك أن يعليه بشرط ألا يلحق بشريكه ضررا
بليغا…))٬ فهذا النص يشير إلى أنّه لا يجوز استعمال الحق بشكل يلحق ضررا بالغير
(الشريك)٬ وأن تكون لشريك الّذي يريد الجدار المشترك مصلحة جدية في ذلك.
ومن
التطبيقات التشريعية أيضا ما أورده المشرع الجزائري في نص المادة 48 من القانون
المتعلق 90 /27 المتعلق بالتوجيه العقاري
حيث ورد فيها: ((يشكّل عدم استغلال الأراضي الفلاحة فعلا تعسفيا في استعمال الحق٬ّ
نظر للأهمية الاقتصادية والوظيفة الاجتماعية المنوطة بهذه الأراضي٬ وفي هذا الإطار
الاستثمار الفعلي والمباشر٬ أو غير المباشر واجبا على كل مالك حقوق عينية عقاريّة٬
أو حائزها وعلى كل شخص طبيعي واعتباري يمارس حيازة ذلك عموما)).
يستخلص
من هذا النص أن المشرع قد اعتبر عدم استغلال العقارات الفلاحية بشكل مباشر أو غير
مباشر تعسفا في استعمال الحقّ٬ وكانت الغاية من رفع الإنتاج الفلاحي٬ ويقع على
المالك أو الحائز واجب قانوني بضرورة استغلاله وعدم تركه بورا٬ وإلا تعرض لجزاءات
قانونية قد تصل إلى حدّ نزع ملكيته جبرا عنه تطبيقا لنظام الشفعة الإدارية.
المطلب الثاني: تطبيقات التعسف في مجال العلاقات الأسرية
الفرع الأول: التعسف المتعلق بإبرام عقد الزواج
اعتبر
المشرع الجزائري الزواج عقدا رضائيا حيث عرفه في المادة 4 من قانون الأسرة بأنه:
((الزواج هو عقد رضائي يتم بين رجل وامرأة على الوجه الشرعيّ٬ من أهدافه تكوين
أسره أساسها المودة والرحمة والتعاون وإحصان الزوجين والمحافظة على الأنساب))٬
ومعنى هذا أنّه لا ينعقد إلا برضا الزوجين٬ غير أن الواقع العملي يكشف عن حالات يتعسّف
فيها الوليّ في استعمال حقّ الولاية على موليته٬ وهذا إما بتزويجها بمن لا ترضى
به٬ أو بعضها بأن يمنعها من الزواج بمن ترضى هي به٬ وفي هذا مخالفة للنصوص الشرعية
والقانونية٬ روى البخاري في كتاب النكاح من حديث أبي هريرة أن النّبي صلّى الله
عليه وسلّم قال: ((لا تنكح الايّم حتى تستامر٬ ولا تنكح البكر حتى تستأذن٬ قالوا
يا رسول الله: كيف إذنها؟ قال:أ٬ تسكت)).
كما
أن الخطبة التي عدّها المشرع وعدا بالزواج وأجاز لكل من الخاطبين العدول عنها٬ بيد
أنّه قد يترتّب على هذا العدول ضرر يصيب طرف الآخر جراء تعسف أحدهما في استعماله.
أولا: تعسف الأولياء في استعمال حق الولاية في إبرام عقد الزواج
تنص
المادة 11 من تقنين الأسرة على أنّه: ((تعقد المرأة الراشدة زواجها بحضور وليها
وهو أبوها أو أحد أقاربها أو أي شخص تختاره.
دون
الإخلال بأحكام المادة 7 من هذا القانون٬ يتولى زواج القصر أوليائهم وهم الأب٬
فأحد الأقارب الأولين٬ والقاضي ولي من لا ولي له)).
من
خلال هذا النص يتضح أن المشرع فرق بين زواج القصر وزواج المرأة البالغة الراشدة٬
فبالنسبة للقاصر يتولى عقد زواجها وليها وهو الأب أو أحد الأقارب الأولين٬ وفي
حالة انعدامهم تثبت الولايات للقاضي باعتباره وليا لمن لا ولي له.
أما
بالنسبة للبالغة الراشدة فتعقد زواجها بحضور وليها وهو الأب أو أحد أقاربها كأخيها
أو جدها أو عمها٬ أو أي شخص تختاره؟
وقبل
الحديث عن تعسف الأولياء في إبرام عقد الزواج يشير إلى أن المشرع جعل الولي شرطا
لإبرام عقد الزواج لا ركنا فيه كما كان عليه الأمر قبل تعديل قانون الأسرة بموجب
الأمر 05/ 02 المؤرخ في 27 فبراير 2005 (المادة 9 مكرر) ٬ كما أن ولاية النرويج هي
ولاية على نفس وليست ولاية على المال٬ و يقصد بها نفاذ الأقوال والتصرفات على
الغير في الأمور المتعلقة بالنفس كالزواج٬
وهنا نطرح السؤال الآتي: هل يمكن للولي أن يتعسف في استعمال حق تزويج موليته؟
نصادف
في هذا المقام عدة حالات:
الحالة الأولى: تعسف الولي في منع من هي تحت ولايته من الزواج
(العضل)
ويقصد
بالعضل إن يمنع الولي من كانت تحت ولايته من الزواج ممن تقدم لها ورغبت فيه دون
مبرر المشروع٬ كان يسعى لإبقائها حتى تتولى خدمته٬ أو للاستيلاء على مرتبها أن
كانت عاملة٬ والعضل من الأمور التي حرمتها
الشريعة الإسلامية بنصوص صريحة من الكتاب والسنة٬ كقوله تعالى: ﴿وَإِذَا
طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ
يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ
يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا
تَعْلَمُونَ(232)﴾ لقد نزلت هذه الآية في معقل بن يسار فقد زوج أخته من رجل من المسلمين على عهد النبي صلى الله عليه
وسلم فبقيت مع زوجها حتى طلقها تطليقة٬ لم يراجعها بعدها حتى انقضت عدّتها٬ ثم
تقدّم لخطبتها مع الخطاب حبا فيها٬ وكانت هي أيضا راغبة في العودة إليه٬ فقال له
معقل: ((يا لكع-أي يا لئيم- كرمتك بها وزوجتك فطلقتها٬ والله لا ترجع إليك أبدا٬
فعلم الله حاجته إليها وحاجتها إليه فنزلت هذه الآية٬ فلما سمعها معقل قال: سمعا لك ربي وطاعة٬ ثم دعاه فقال: أزوجك
وأكرمك.
فمن
الولي من هي تحت ولايته من الزواج ممن كان كفؤا لها ورغبت فيه ممنوع شرعا وقانونا
وقد ورد في نص المادة 13 تقنين الأسرة:(( لا يجوز للولي أيا كان أو غيره أن يجبر
القاصرة التي هي في ولايته على الزواج ولا يجوز له أن يزوجها بدون موافقتها))٬
وهذا النص وإن كان متعلقا بزواج القصر إلا أنه لا يوجد ما يمنع من انطباقه على
تزويج البالغات خاصة أن المشرع قد اعتبر الولي شرطا وليس ركنا في التعديل الأخير
لقانون الأسرة كما ذكرنا.
فإذا
كان المنع لدوافع مشروعة مراعاة لمصلحة المولى عليها أو كان المتقدم للزواج منها
غير كفؤ لها٬ فتصرفه صحيح ولا يعد متعسّفا٬ وإذا كان الدافئ أو غير مشروع أو كان
الولي وسيئ النية ويمكن للقاضي هنا تزويجها لأنها تصبح في حكم من لا ولي له٬ وفي
هذا صدر قرار عن المحكمة العليا متعلق بامتناع الأب عن تزويج ابنته البالغة
الراشدة بدون مبرر وفي غير صالح البنت المدعية التي طلبت الإذن بالزواج٬ باعتبار
أن حق الولاية كما جاء في القرار ليس مطلقا بل هو مقيّد بمبدأ عدم التعسّف في
استعماله.
الحالة الثانية: تعسف الولي في إجبار من كانت تحت ولايته على الزواج
ممن لا ترغب فيه
وفي
هذه الحالة الثانية عكس الحالة السابق٬ وقبل الحديث عنها ينبغي إلى إن ولاية
التزويج نوعان: ولاية إجبار وولاية اختيار٬ وتكون الأولى عند المالكية والشافعية
والحنابلة على القاصر وعلى البالغة البكر٬ أما عند الأحناف فتكون على القاصر٬
وناقصة الأهلية وعديم٬ تكون على البليغة بكرا كانت أو ثيبا.
وإذا
كان حق الإجبار جائز عند الفقهاء فلأنّ الولي يكون احرص على مصلحة المولى عليها من
غيره كما أن ناقصة الأهلية أو عديمتها لا تدرك وجه المصلحة في تصرفاتها٬ إما
بالنسبة للبكر فأساس الولاية عليها هو عدم درايتها بأمور الزواج وعدم تبصرها
بأحوال الرجال٬ وقلة الخبرة في الحياة٬ ورغم الخلاف بين المذاهب في ما يخص البالغ
البكر٬ غير أنهم متفقون على أن حق الولاية
الإجبارية ليس مطلقا بل مقيّد بعدم الإضرار بالمولى عليها٬ ذلك أن ولاية الإجبار
منوطة بتحقيق مصالح هذه الأخيرة٬ فإذا زوج الولي الصغيرة من أجل إسقاط النفقة
والحضانة٬ أو تحقيق لمصلحته الخاصة فيعدّ
متعسفا في استعمال حقّ التزويج٬ وهو ما أكد عليه المشرع الجزائري في نص المادة 13
من تقنين الأسرة السالف ذكرها.
الفرع الثاني: الطلاق التعسفي كتطبيق من تطبيقات نظرية التعسف في استعمال الحق
من
تطبيقات نظرية التعسف في استعمال الحق في مجال الأحوال الشخصية التعسف في إيقاع
الطلاق من قبل الزوج أو ما يعرف بالطلاق التعسفي.
والطلاق
كما يعرفه فقهاء الشريعة الإسلامية هو: ((حل عقد النكاح في الحال أو المال بلفظ
مخصوص أو ما يقوم مقامه))٬ وقد يكون بالإرادة المنفردة للزّوج٬ أو بتراضي الطرفين٬
أو بطلب من الزوجة (التطليق والخلع)٬ وهذا ما أكده المشرع الجزائري في نصّ المادة
48 من قانون الأسرة٬ مع الإشارة إلى أن الطلاق الّذي يعتد به قانونا هو ما كان عن
طريق حكم قضائيّ وبمفهوم المخالفة لا يعتد بالطلاق الشفوي حتى وإن كان طلاقا شرعيا من المنظور الشريعة
الإسلامية وفي هذا يتناقض مسلك المشرع معها.
وقد
جعل المشرع الطلاق خاضعا لإشراف القضاء الذي يكون له السلطة التقديرية في التحقق
من توافر الشروط الواجب توافرها في المطلق أن كان الطلاق بالارادة المنفردة أو من
توافر أحد أسباب التطليق الواردة في نص المادة 53 من تقنين الأسرة أو من توافر
شروط الخلع ( المادة 54 من ذات التقنين)٬ على أن يراعي في الحكم إلا يكون الطلاق
تعسفيا٬ ويمكنه الحكم بالتعويض للزوجة في حالة ما إذا تبين له أن الزوج تعسف في
استعمال حق الطلاق بالارادة المنفردة (المادة 52 من تقنين الأسرة المعدلة بموجب
القانون 05/ 02 المؤرخ في 27 فبراير
2005).
وبداية
نشير إلى أن أشار إلى التعويض عن الطلاق التعسفي في نص المادة 52 من ق.ا.ج المشار
إليه آنفا دون أن يضع تعريفا له٬ وهذا منطقي إلى حد ما إذ أن تعاريف ليست من
صلاحياته بل هي مسالة فقهيّة بالدرجة الأولى٬ غير أن ما يأخذ على المشرع أنّه وسع
من السلطة التقديرية للقاضي في تقدير وجود تعسف من قبل الزوج من عدمه حينما
لم يتعرض لبيان الحالات التي يحصل فيها
التعسف٬ مما يستوجب الرجوع للأحكام العامة المتعلقة بنظرية التعسف في استعمال الحق
المشار إليها في نص المادة 124 مكرر من التقنين المدني والتي حددت ثلاث معايير على
سبيل المثال لا على سبيل الحصر٬ وبناء عليه يمكن اعتبار الزوج متعسفا في استعمال
حقه في الأحوال الآتية:
- إذا
طلق الزوج زوجته بقصد الإضرار بها: وهنا يتطلب الأمر وجود نية الإضرار٬ التي يمكن
إثباتها بكافة طرق الإثبات٬ ومن العسير بمكان إثبات ذلك لأنها مسألة باطنية نفسية٬
ومثاله أن يطلق الزوج زوجته في مرض موته دون أن تكون له مصلحة في إيقاع الطلاق بل
لحرمانها من الميراث (طلاق الفرار)٬ فهنا يمكن عدّه متعسفا لأنه قصد الإضرار
بزوجته٬ ويمكن في هذه الحالة الحكم لها بالتعويض عن الطلاق التعسفي٬ بخلاف ما لو
طلقها بقصد تفادي انتقال العدوى لها إذا كان مصابا بمرض معدي فهنا لا يعدّ
متعسّفا.
- إذا
كان يقصد الحصول على فائدة قليلة مقارنة بالضرر الّذي قد يلحق زوجته التي طلقها٬
فلو تبين أن مصلحة الزوجة والأولاد أكبر من المصلحة التي سيجنيها الزوج من الطلاق
عدّ هذا الأخير متعسفا٬ وألزم بالتّعويض عن الطّلاق التّعسفي٬ كان يطلق الزوج
زوجته بسبب أنها لم تنجب إلا الإناث من أجل الزواج من امرأة أخرى عسى أن يرزقه
الله عزّ وجلّ منها الذّكور٬ فيعدّ في هذه الحالة متعسفا ويلزم بتعويض مطلقته٬ لأن
الفائدة المرجوة هنا وهي تبقى احتمالية أقل بكثير من الضرر اللاحق بالأسرة التي
تكون مهددة بالتشدد وقد يترتب عن ذلك إضرار اجتماعية خطيرة مثل انحراف البنات أو الزوجة وفي هذا خطر محدق
بالمجتمع٬ إما إذا طلقها لكونها عقيما وهو يريد أن تكون له ذرّية وهي إحدى زينتي
الحياة الدنيا فلا يمكن اعتباره متعسفا لأن الفائدة المرجوة وهي الذرية ليست أقل
من الضرر اللاحق بالمطلقة٬ ولا يمكن إلزامه بالتعويض عن الطلاق التعسفي٬ مع
الإشارة إلى أن العبرة هنا لا تكون بنية الزوج بل بسلوكه الّذي يقدر بمعيار الرجل
العادي الموجود في نفس الظّروف.
- إذا
كان غرض الزوج من إيقاع الطلاق هو الحصول على فائدة غير مشروعة: كان يطلقها
انتقاما من أخيها الذي احتال عليه في مشروع تجاري مشترك بينهما وسلبه أموالا
كثيرة٬ فهنا يعد الزوج متعسفا ويلزم
بتعويض مطلقته عن الطلاق التعسفي تعويضا عادلا طبقا للمادة 52 السالف ذكرها٬
والمعيار المعتمد عليه في هذا الصدد يكون معيار الرجل العادي٬ و يشار إلى أن
الشريعة الإسلامية كانت السباقة لتقرير هذا الحق للزوجة في التعويض وأطلقت عليها
(المتعة) وقد أشار الله عز وجل في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا
نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ
فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ۖ فَمَتِّعُوهُنَّ
وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (49)﴾
وبالرجوع
للتطبيقات القضائية في القضاء الجزائري يتبين أن الطلاق يعد تعسفيا إذا طلق الزوج
زوجته دون رضاها و دون ذنب أو تصرف في الخاطئ إن بدر منها٬ وبالتالي تستحق الزوجة
المطلقة تعويضا عادلا٬ تطبيقا لنص المادة 52 ق.أ.ج وعملا بالقاعدتين الشرعيتين:
(لا ضرر ولا ضرار)٬ و(الضرر يزال).
العمل
القضائي في الجزائر يثبت أن القضاة منقسمون حول هذه المسألة٬ حيث يحكم البعض بعدم
استحقاق الزوجة للتعويض باعتبارها أنها هي من طلبت التطليق وأجيبت إلى طلبها٬
بينما يمنحها بعض القضاة التعويض بالإضافة إلى إجابتها لطلبها بتطليقها من
زوجها٬ ولربما كان مرجع هذا الخلاف أن نص المادة 52 ق.أ.ج خص حالة الطلاق بالإرادة
المنفردة للزوج بالذكر بالنسبة لحق الزوجة في طلب التعويض عن الطلاق التعسفي دون
أن يذكر حالة التطليق٬ وقد جاء في أحد قرارات المحكمة العليا أن الزوجة المطلقة
بناء على طلبها لا تستحق التعويض لأن ما لحقها من ضرر يجبره قبول تطليقها ولا يمكن
أن تعوض عن ضرر مرتين.
غير
أنها تراجعت عن موقفها هذا في قرار آخر جاء فيه: ((.. ومن المقرر أيضا أنّه في حال
الطّلاق يحكم القاضي بالتعويض للطرف المتضرر٬ ...ولما كان ثابتا إن الضرر اللاحق
بالزوجة كان مبالغا فيه تعسفا من قبل الزوج فإن تطليق الزوجة وحده لا يكف لجبر
الضرر٬ وتعويضها عن الضرر اللاحق بها…)).
وفي
قرار مماثل صادر في 2000/06/20 جاء فيه:((من المستقر عليه قضاء أنه يمكن تعويض
الزوجة الطالبة للطلاق في حالة ثبوت تضررها فعلا.
ومن
الثابت في قضية الحال أن الطاعنة متضررة فعلا بسبب تعرضها للضّرب المبرح من طرف
زوجها٬ والّذي أدى إلى سقوط حملها٬ وإنّ القرار المطعون فيه بقضائه بعدم استحقاق
الطاعنة للتّعويض لأنها هي التي طلبت الطّلاق دون أن ينظر إلى الضرر اللاحق بها من
جراء الضرب المبرح الّذي تعرضت له من طرف زوجها مشوب بالقصور في التّسبيب٬ مما
يستوجب نقض القرار المطعون فيه جزئيا فيما يخصّ التعويض)).
المرجع:
- د. الصادق ضريفي، مطبوعة في مقياس التعسف في استعمال الحق، ألقيت على طلبة السنة الأولى ماستر تخصص عقود ومسؤولية، جامعة آكلي محند أولحاج البويرة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم قانون خاص، الجزائر، السنة الجامعية: 2016/2017، ص44 إلى ص56.