شبه العقود
بغض النظر عن الانتقادات الموجهة لهذا التقسيم٬ إلا أنه
ووفقا لما جاء في القانون المدني الفصل الرابع من الباب الأول من الكتاب الثاني٬
فيندرج تحت عنوان شبه العقود كل من الإثراء بلا سبب٬ الدفع الغير مستحق والفضالة.
المبحث الأول: الإثراء بلا سبب
يقصد بفكرة الإثراء بلا سبب على حساب الغير٬ أن كل شخص
يثري على حساب غيره دون سبب قانوني٬ يلتزم بأن يرد لهذا الغير قدر ما أثرى به وفي
حدود ما افتقر به الغير٬ بمعنى أقل قيمتي الإثراء والافتقار. وتنص المادة 141 ق م
على: "كل من نال عن حسن نية عن عمل الغير أو من شيء له منفعة ليس لها ما
يبررها. يلزم بتعويض من وقع الإثراء على حسابه بقدر ما استفاد من العمل أو
الشيء"
المطلب الأول: أركان الإثراء بلا سبب
- إثراء المدين (المدعى عليه) حسن النية.
- افتقار الدائنين (المدعى).
- انعدام السبب القانوني.
- بقاء الإثراء قائما وقت رفع الدعوى.
الفرع الأول: إثراء المدين (المدعى عليه)
يجب أن يتحقق إثراء المدين إذ أن هذا الإثراء هو مصدر
التزامه فإذا أو في شخص يدين على آخر وتبين فيما بعد عدم وجود هذا الدين أو سبق
الوفاء فلا يرجع الموفى إلا على من دفع له.
الفرع الثاني: افتقار الدائن
يجب أن يتحقق افتقار دائم حتى يمكن الرجوع بدعوى الإثراء
بلا سبب٬ فإذا تحقق الإثراء دون افتقار فلا يلزم المثرى يرد أي شيء٬ فإذا أقامت
شركة مصنعا في جهة ما نتج عن ذلك ارتفاع قيمة الأراضي المجاورة٬ فلا رجوع للشركة
على أصحاب الأراضي المجاورة بقيمة ما اثروا به.
الفرع الثالث: انعدام السبب القانوني
قد يكون الإثراء مصدره نص قانوني فلا يرد المثرى شيئا٬
لأن للإثراء سببا وهو نص القانون ومثاله التقادم فلا يستطيع المفتقر الرجوع على
الثرى٬ لأنه اكتسب الملكية بالتقادم وهو سبب قانوني لكسب الحق العين.
الفرع الرابع: بقاء الإثراء قائما وقت رفع الدعوى
يقصد بالصفة الاحتياطية لدعوى الإثراء٬ إن الدائن لا
يجوز له استخدام هذه الدعوى مع وجود دعوى أخرى يمكنه الالتجاء إليها٬ ففي البيع
مثلا إذا رفع البائع دعوى دفع الثمن٬
فالهدف منها منع المشتري من الإثراء على حسابه والواقع بأن القول بأن دعوى الإثراء
دعوى احتياطية٬ قول غير دقيق٬ لأنه كما رأينا٬ أن انعدام السبب القانوني
للإثراء شرط للرجوع بهذه الدعوى٬ فإذا وجد
سبب قانوني للإثراء كالعقد٬ فالمدعى لا
يستطيع الرجوع إلا بالدعوى التي تترتب على العقد٬ ولا يقال أنه قد امتنع على
المدعى الرجوع بدعوى الإثراء لأنها دعوى احتياطية٬ ودعوى الإثراء بلا سبب في كل من
القانون المصري والجزائري٬ دعوى أصلية مستقلة وهي في مرتبة دعوى العقد ودعوى
المسؤولية التقصيرية.
المطلب الثاني: أحكام الإثراء بلا سبب
يتكلم هذا المطلب عن كل من دعوى الإثراء والتعويض.
الفرع الأول: دعوى الإثراء
طرف دعوى الإثراء هما المفتقر والمثرى٬ ولا يشترط في
المدعى أي المفتقر ولا في المدعى عليه أي
المثرى - أهلية ما- فناقص الأهلية أو عديم
التمييز يجوز أن يكون مدعيا أو مدعى عليه في دعوى الإثراء وفقا لما جاء في القانون
المصري٬ وهذا الحكم يسري أيضا في القانون المدني الجزائري ولو أنه لم ينص على ذلك
ولكن القواعد العامة تقتضيه إذ أن قواعد الأهلية تكون في الالتزامات الإرادية ولما
كان مصدر الالتزام المثري هو الواقع القانونية وليس التصرف القانوني فلا محل لتطلب أهلية ما.
يستطيع المدعي
أن يدفع دعوى الإثراء بإثبات عدم توافر ركن من أركانها الإثراء٬ الافتقار٬ انعدام
السبب٬ الإثراء حتى وقع رفع الدعوى٬ كما يستطيع أن يثبت التزامه قد انقضى بالوفاء
أو بسبب آخر كالصلح أو المقاصة أو التقادم.
وتتقادم دعوى التعويض عند الإثراء بلا سبب بانقضاء 10
سنوات من اليوم الذي يعلم فيه من لحقته
الخسارة بحقه في التعويض٬ وتسقط الدعوى في جميع الأحوال بانقضاء 15 سنة من اليوم الذي ينشأ فيه هذا
الحق وبذلك تتقادم دعوى الإثراء في القانون المدني بأقصر الأجلين 10 سنوات من يوم
العلم و 15 سنة من وقت واقعه الإثراء أي من يوم نشوء الالتزام.
أما عبئ الإثبات فيقع على المفتقر وهو الدائن٬ فيثبت
قيام الالتزام في ذمة المدين وهو المثري.
الفرع الثاني: التعويض
وفقا لما جاء في المادة141 ق م٬ فإن التعويض بأقل قيمتي
الإثراء والافتقار إذن المثري لا يجوز أن يحاسب٬ إلا على ما كسبه فعلا بشرط أن لا يزيد مقدار التعويض عما افتقر
به الدائن ويقدر الإثراء بالحالة التي كان عليها وقت رفعه رفع الدعوى ونفس الشيء بالنسبة لتقدير الافتقار.
المبحث الثاني: الدفع الغير مستحق
الالتزام برد الغير مستحق٬ هو قيام شخص بالوفاء بدين غير
مستحق فيترتب على هذا الوفاء نشوء التزام في ذمه المدفوع له٬ أن يرد إلى الموفي٬
ما أخذه دون حق٬ إذ أن في احتفاظه به٬ إثراء بلا سبب على حساب غيره٬ وقد نظمت
الإرادة التشريعية٬ أحكام الدفع الغير مستحق في المواد من (143-149)ق م.
المطلب الأول: شروط الدفع الغير مستحق
يتبين من النصوص القانونية التالية 146٬145٬144٬143 ق م
إن للدفع الغير مستحق٬ الشروط التالية:
- الوفاء بدين غير مستحق.
- اعتقاد الموفى انه ملزم بالدين.
- عدم تجرد الموفى له حسن النية من سند الدين أو من
تأميناته أو عدم تركه دعوه تسقط بالتقادم.
الفرع الأول: الوفاء بدين غير المستحق
يكون الدين غير مستحق في حالات ثلاث وهي:
أ- إذا كان الدين منعدما في الأصل ومثاله أن يكون الوارث
معتقدا انه دين على تركه ثم يتضح بعدم وجوده أصلا٬ والدين يكون أيضا منعدما إذا
كان مصدره عقدا باطلا أو كان دينا طبيعي.
ب- إذا انقضى قبل الوفاء بأي سبب من أسباب الانقضاء.
ج- إذا كان الدين مؤجل الاستحقاق ولكنه لم يستحق بعد.
الفرع الثاني: اعتقاد الموفى بالتزامه بالدين
أن يتم الوفاء من جانب الموفى عن غلط٬ إذ أن المفروض أن
الشخص لا يقوم بوفاء الدين٬ إلا إذا كان يعتقد بأنه مستحقه وواجب الأداء٬ إلا أن
قرينه الغلط بسيطة٬ يستطيع الموفى له
نقضها بإثبات أن الموفى كان يعلم وقت الوفاة بأنه غير ملتزم بالدين٬ فإذا اثبت الموفى له ذلك قامت قرينه لصالحه٬
مقتضاه أن للوفاء سببا وهو رغبه الموفى في التبرع بما دفع المدفوع له٬ فلا يسترد
ما أداه باختياره (م 162 ق م).
إلا أن هذه القرينة التي تقوم لصالح المدفوع له٬ هي
قرينه بسيطة أيضا فيستطيع الدافع ( الموفى) نقدها واسترداد ما دفعه بأحد الأمرين:
1- انه كان ناقص أهلية وقت الدفع.
2- أنه كان مكرها على الوفاء ومثاله أن يوفي شخص بدين
عليه ثم يطالب به مرة أخرى ولعدم إيجاده وصل المخالصة٬ فيدفع مرة ثانية وهو يعلم
أنه يدفع دينا غير مستحق٬ فإذا وجد المخالصة فله استيراد وما دفع بدون حق.
الفرع الثالث: عدم تجرد الموفى له حسن النية من سند الدين أو تأمينات أو عدم تركه دعواه تسقط بالتقادم
حماية للدائن المشتري حسن النية فقد جاء في المادة 149 ق
م لا محل لاسترداد غير المستحق إذا حصل الوفاء من غير المدين وترتب عليه أن الدائن
وهو حسن النية قد تجرد من سند الدين أو مما حصل عليه من التأمينات أو ترك دعواه
تسقط بالتقادم قبل المدين الحقيقي ويلتزم المدين الحقيقي في هذه الحالة بتعويض
الغير الذي قام بالوفاء.
المطلب الثاني: أحكام الدفع الغير مستحق
تنص م 147 ق م "إذا كان من تسلم شيء غير مستحق حسن
النية فلا يلزم أن يرد إلى ما تسلم٬ أما إذا كان سيئ النية فانه يلتزم أيضا برد
الإرباح التي جناها والتي قصر في جنينها من الشيء الذي تسلمه بدون حق وذلك من يوم
الوفاء أو من اليوم الذي أصبح فيه سيئ النية٬ وعلى أي حال يلزم من تسلم غير مستحق٬
برد الثمرات من يوم رفع الدعوى".
وتبين من خلالها هذا النص٬ انه يجب التمييز ما إذا كان
المدفوع له (الموفى له) حسن النية أو كان سيء النية٬ وهذا التمييز أساسي في تحديد
مقدار ما يرجع به الدافع على المدفوع له.
الموفى له حسن النية ويقصد بحسن النية اعتقاد الموفى له
استحقاقه لما تسلمه وحسن النية دائما مفترض٬ فإذا ادعى الموفى (الدافع) خلاف ذلك
فعليه إثبات ادعائه٬ ويستطيع ذلك بكل وسائل الإثبات وتقدير حسن أو سوء نية الموفى
له يستقل بها قاضي الموضوع لأنها من وسائل الواقع.
الموفى له سيئ النية إذا كان الموفى له سيئ النية فعلى
الموفى إثبات ذلك٬ فانه يتعين عليه إعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل دفع الغير
مستحق سواء كان المدفوع نقودا أو أشياء مثلية أو كانت عينا معينه بالذات أما
بالنسبة لسقوط هذه الدعوى فقد جاء في نص م
149 ق م "تسقط دعوى استرداد ما دفع بغير حق بانقضاء 10 سنوات من اليوم
الذي يعلم فيه من دفع غير مستحق بحقه في الاسترداد وتسقط الدعوى في جميع الأحوال
بانقضاء 15 سنه من اليوم الذي ينشا فيه هذا الحق".
المبحث الثالث: الفضالة
الفضالة هي أن يتولى شخص عن قصد القيام بشان عاجل لحساب
شخص ما دون أن يكون ملزما بذلك٬ فطرفا الفضالة هما الفضولي وهو الذي يتولى أمر
غيره٬ ورب العمل وهو المستفيد الذي يتولى الفضولي الشأن لحسابه والفضالة تعد حسب
الرأي السائد في الفقه٬ تطبيقا خاصا من تطبيقات الإثراء بلا سبب٬ لان في التزام رب
العمل٬ بتعويض الفضولي ما يمنع من إثراء على حساب الغير.
المطلب الأول: أركان الفضالة
يتضح من خلال نص م 150 ٬م 151 ٬ م 152 ٬ إن الفضالة
تتحقق بـ 3 أركان وهي:
- ركن مادي: وهو قيام الفضولي بشان عاجل لحساب شخص ما.
- ركن معنوي: وهو نية الفضول في أن يعمل لمصلحه
شخص ما هو رب العمل.
- ركن قانوني: وهو أن لا يكون الفضولي قد قام بالعمل
تنفيذا لالتزام عليه.
الفرع الأول: قيام الفضولي بشأن عاجل لرب العمل
يجب أن يكون العمل الذي قام به الفضولي عملا لازما لرب
العمل٬ بمعنى أن رب العمل ما كان ليتوانى
عن القيام به فلن يستطيع من قام بهذا العمل الرجوع بدعوى الفضالة٬ إلا إذا اقره وقبله رب العمل وعندئذ تطبق أحكام
الوكالة.
مثال: إطفاء حريق
شب في المنزل صاحب العمل أو جني محصول يخشى عليه من التلف (عمل مادي) أو عمل ضروري
كدفع ضريبة مستحقه على رب العمل توقيا للحجز الإداري على أمواله.
والخلاصة أن ما يقوم به رب العمل قد يكون ماديا وقد يكون
عملا قانونيا ولكن في جميع الأحوال يجب أن يكون عملا وعاجلا٬ فلا يكفي أن يكون
عملا نافعا.
الفرع الثاني: نية الفضولي في العمل لمصلحه رب العمل (الركن المعنوي)
يجب أن يكون قيام الفضولي بالعمل العاجل لحساب رب العمل٬
بقصد أداء خدمه له٬ وهذا القصد أو النية هو الذي يميز بين الفضالة والإثراء بلا
سبب٬ فالفضولي هو من يعمل لمصلحه الغير لا لمصلحه نفسه إلا انه لا يشترط أن تتصرف
نية الفضولي إلى أهل المصلحة رب العمل وحده٬ بالتحقق الفضالة كما تقول المادة 151
ق م ج ولو كان الفضولي أثناء توليه شانا لنفسه٬ قد تولى شان شخص آخر لما بين
الأمرين من ارتباط ولا يمكن معه القيام بأحدهما منفصلا عن الثاني.
الفرع الثالث: الفضولي يقوم بعمل ليس ملزما به ولا موكلا فيه ولا منهيا عنه
إذا عكس هذه الحالة سيكون مدينا يفي بالتزامه نحو دائنة٬
كالمقاول الذي يقيم بناء لرب العمل٬ فهو ملزم بموجب عقد والغالب أن رب العمل يجهل
تدخل الفضولي٬ إلا انه من الممكن أن يعلم رب العمل تدخل الفضولي ويقف منه موقفا
سلبيا لا يقبله ولا ينهى وفي هذه الحالة تتحقق الفضالة.
أما إذا وافق رب العمل عما قام به الفضولي٬ فانه يصبح
وكيلا في هذه الحالة تطبق أحكام الوكالة وذا ما
تنص عليها م 152 ق م ج.
المطلب الثاني: أحكام الفضالة
سنتكلم في هذا المطلب عن كل من التزامات الفضولي
والتزامات رب العمل والأعمال المشتركة بينهما.
الفرع الأول: التزامات الفضولي [م ٬153 ٬154 ق٬ م٬ ج]
1. أن يمضي في العمل الذي بدأه إلا أن يتمكن رب العمل من
مباشرته بنفسه.
2. ابلغ رب العمل بتدخله متى أمكن ذلك.
3. بدل عناية الرجل العادي في القيام بالعمل.
4. أن يقدم حسابا لرب العمل وان يرد عليه ما استولى عليه
بسبب الفضالة.
الفرع الثاني: التزامات رب العمل [م 157 ق م ج]
1. تنفيذ التعهدات التي عقدها الفضولي نيابة عنه.
2. تعويض الفضولي عن التعهدات التي عقدها باسمه الشخصي.
3. رد النفقات اللازمة والنافعة ودفع اجر الفضولي متى
كان العمل داخلا في أعمال مهنته.
4. تعويض الفضولي عن الأذى الذي لحقه بسبب قيامه بالعمل.
المرجع:
- بعوش دليلة، مصادر الإلتزام غير الإرادية، محاضرات مقدمة لطلبة السنة الثانية، جامعة قسنطينة1، كلية الحقوق والعلوم السياسية، الجزائر، السنة الجامعية: 2014-2015، ص11 إلى ص17.