الجزاء الجنائي الُمطبّق على مرتكب الجريمة
يترتبّ
عن ارتكاب الجريمة أثر قانوني وهو تحميل التبَعِة والمسؤولية بتوقيع الجزاء
الجنائي ردعا وإصلاحا وإقامة للعدل. فالجزاء الجنائي وسيلة من وسائل صيانة المجتمع
من الانحراف، بتأديب الجاني وترهيبه من شتىّ المخالفات والجرائم، بواسطة العقوبات
والتدابير الاحترازية.
والجزاء
في القانون الجنائي هو ذلك الإجراء الذي يقُرّره القانون ويوقعه القاضي على شخص
ثبتت مسؤوليته عن الجريمة، وله صورتان:
1ـ
العقوبة وهي الجزاء بالمعنى الضيقّ الدقيق، بإيلام المجرم لردعه وتأهيله.
2ـ
التدابير الإحترازية للوقاية من الخطورة الإجرامية وعلاجها.
وقد
نصّت المادّة الرابعة من قانون العقوبات الجزائري بأنهّ يكون جزاء الجرائم بتطبيق
العقوبات، وتكون الوقاية منها باتخاذ تدابير الأمن...وإنّ لتدابير الأمن هدف
وقائي. فنظم العقوبات في المواد 5 إلى 18 مُكرّر3، ونظم التدابير الأمنية في
المواد 19 إلى 22 من قانون العقوبات.
المطلب الأول: العقوبة
نتناول
في هذا الفرع مفهوم العقوبة وأصنافها وكيفية تفريدها القانوني والقضائي بحسب
الظروف الشخصية والموضوعية المقترنة بها.
الفرع الأول: مفهوم العقوبة
أولا: تعريف العقوبة
هي
جزاء ينص عليه القانون يوقع باسم المجتمع على الشخص تنفيذا لحكم قضائي يقضي
بإدانته ومسئوليته عن الفعل الذي اعتبره القانون جريمة. وتتمثل العقوبة في إيلام
الجاني بالإنقاص من بعض حقوقه الشخصية مثل حق الحياة وحق الحرية وحق الملكية، ردعا
وإصلاحا وإقامة للعدل.
ومن
هذا التعريف يمكن استخلاص أهم خصائص العقوبة كما وردت في قانون العقوبات الجزائري.
وهي
أنهّا قانونية وقضائية وتتضمن عنصر الإيلام وتقوم على المبادئ الثلاثة هي مبادئ
الشخصية والمساواة والتفريد، كما ينصّ على ذلك الدستور (المواد 158، 160) وقانون
تنظيم السجون وإعادة الادماج الاجتماعي للمحبوسين 05ـ04 المُعدّل والمُتمّم (المواد
2،3).
ثانيا: أهداف العقوبة
تهدف
العقوبة إلى تحقيق أغراض أساسية تتمثل في الأتي:
أ) الوقاية من الإجرام:
تتمثل
في تلافي ارتكاب جرائم لأنّ مجرّد إعلام الناّس بنصوص التجريم والعقاب يعُدّ بمثابة
تحذير وتخويف وتهديد يدعوهم للابتعاد عن الجريمة.
ب) الردع العام والخاص:
الردع
العام يقصد به أنّ تنفيذ العقوبة يكون فيه تحذيٌرٌ لباقي أفراد المجتمع الذين
تراودهم فكرة ارتكاب الجريمة من أن هّم سينالون نفس العقوبة التي توقع على المجرم
الذي ارتكبها فعلا. أمّا الردع الخاص
فيقصد به ايلام الجاني بالقدر اللازم الذي يمنعه من التفكير في العودة الى ارتكاب
الجريمة.
جـ) ارضاء شعور العدالة:
يجب
أن ترضي العقوبة شعور الضحية وفي الوقت نفسه ترُضي الشعور العام في المجتمع بأن من
يرتكب الجريمة تسلط عليه العقوبة المناسبة. وبالحرص على تتناسب العقوبة مع الخطأ
أكثر من تناسبها مع الضرر الاجتماعي الذي تتسبب فيه.
د) تأهيل الجاني:
وهي
وظيفة أساسية ترمي إلى أنسنة العقوبة, ويقصد بها أن تنفذ العقوبة بطريقة فيها من
وسائل التهذيب والعلاج ما يمكن الجاني بعد مغادرته للمؤسسة العقابية أن يكون أهلا
للتكيف مع المجتمع . وتعويده على احترام قواعد الحياة الاجتماعية المشتركة، وقد
تبنى المُشرّع الجزائري هذا الهف في المواد 1، 2، 4 من قانون تنظيم السجون وإعادة
إدماج المحبوسين 05ـ04 المتمم.
ثالثا: شروط العقوبة
أ) أن تكون العقوبة شرعية (قانونية):
نصّت
على هذا الشرط المادّة 1 من ق ع ج، والمادّة 5 من قانون تنظيم السجون وإعادة إدماج
المحبوسين 05ـ04. وتعتبر العقوبة شرعية إذا كانت تستند إلى قانون صدر بها من
السلطة التشريعية في الدولة. فلا يجوز للقاضي أن يوقع عقوبة من عنده حتى لو اعتقد
أنها أفضل من العقوبات المنصوص عليها.
ب) أن تكون العقوبة شخصية:
أي
أنهّا تصيب الجاني ولا تتعداه إلى غيره، فإذا مات الجاني أو هرب فلا يلحق شر
العقوبة أقاربه ،وتطُبقّ العقوبة المالية في ماله الخاص أو تركته بعد الوفاة قبل
الميراث.
جـ) أن تكون العقوبة عامّة:
أي
تقع على كل الناّس على حدّ سواء دون تفرقة، والمطلوب هو المساواة في أثر العقوبة
على الجاني وهو الزجر والتأديب.
الفرع الثاني: تصنيفات العقوبة
أوّلا: تصنيف العقوبات بحسب الرابطة القائمة بينها:
أ) العقوبات الأصلية:
حدّدتها
المادة 05 من ق ع ج ووزعتها على الجرائم حسب وصفها القانوني:
1ـ
في مادة الجنايات: هي الاعدام، والسجن المؤبد, والسجن المؤقت لمدة بين5 سنوات و20
سنة
2ـ
في مادة الجنح: هي الحبس لمدة تتجاوز شهرين الى 05 سنوات, والغرامة تتجاوز 20.000
دج
3ـ
في مادة المخالفات: هي الحبس من يوم الى شهرين والغرامة من 2000 دج الى 20.000 دج
وقد ينص القانون على عقوبة واحدة أصلية كما قد ينص على عقوبتين في جريمة واحدة.
ب) العقوبات التبعية:
وهي
عقوبة تتبع العقوبة الأصلية للجناية تطُبقّ على المحكوم بإدانته بقوة القانون من
غير أن ينطق بها القاضي في حكمه. كان منصوصا عليها في المواد 6، 7 ، 8 من قانون
العقوبات الجزائري وهي الحجر القانوني والحرمان من الحقوق الوطنية ثمُّ تمّ
إلغاؤها ودمجها في العقوبات التكميلية في المادّة 9.
جـ) العقوبات التكميلية:
وهي
عقوبة تضاف الى العقوبة الأصلية منها الوجوبية ومنها الجوازية:
ـ بالنسبة للشخص الطبيعي وهي 12 نوعا في المادة 09 ق ع ج
1- الحجر القانوني، بحرمان المحكوم عليه من
ممارسة حقوقه المالية، وهو وجوبي في الجنايات.
2- الحرمان من ممارسة الحقوق الوطنية والمدنية
والعائلية، المذكورة في المادّة 9 مُكرّر 1 ق ع ج.
3- تحديد الإقامة،
4- المنع من الإقامة،
5- المصادرة الجزئية للأموال،
6- المنع المؤقت من ممارسة مهنة أو نشاط،
7- إغلاق المؤسسة،
8- الإقصاء من الصفقات العمومية،
9- الحظر من إصدار الشيكات و /أو استعمال بطاقات
الدفع،
10- تعليق أو سحب رخصة السياقة أو إلغاؤها مع
المنع من استصدار رخصة جديدة،
11- سحب جواز السفر،
12- نشر أو تعليق حكم أو قرار الإدانة.
ـ بالنسبة للشخص المعنوي في المادة 18 مكرر2 ق ع ج.
1- حل
الشخص المعنوي،
2- غلق
المؤسسة أو فرع من فروعها لمدة لا تتجاوز خمس (5) سنوات،
3- الإقصاء
من الصفقات العمومية لمدة لا تتجاوز خمس (5) سنوات،
4- المنع
من مزاولة نشاط أو عدة أنشطة مهنية أو اجتماعية بشكل مباشر أو غير مباشر، نهائيا
أو لمدّة لا تتجاوز خمس (5) سنوات،
5- مصادرة
الشيء الذي استعمل في ارتكاب الجريمة أو نتج عنها،
6- نشر
وتعليق حكم الإدانة،
7- الوضع
تحت الحراسة القضائية لمدّة لا تجاوز5 سنوات وذلك في النشاط الذي أدّى إلى ارتكاب
الجريمة أو بمناسبته.
د) العقوبات البديلة:
وهي
بديلة عن عقوبة الحبس قصير المُدّة تتمثل في العمل للمنفعة العامّة ونظام وقف
التنفيذ.
1) عقوبة العمل للمنفعة العامّة يقُصد بها إلزام المحكوم عليه بالقيام
بعمل ذي نفع عام لصالح إحدى المؤسسات العمومية دون أجر لمدّة لا تزيد عن ثمانية
عشرة شهرا، بدلا من تطبيق عقوبة الحبس قصيرة المُدّة المنطوق بها ضده في حدود سنة
حبسا نافذا من أجل جريمة يعُاقب عليها القانون بـ 3 سنوات حبسا.
حيث
تتراوح مدة العمل ما بين 40 ساعة و 600 ساعة بالنسبة للبالغين وما بين 10و 300
ساعة للقصر، بمُعدّل لا يتجاوز الساعتين مقابل يوم واحد من الحبس.
يشُترط فيها أن لا يكون المحكوم عليه مسبوقا
قضائيا، وأن لا يقل سنه عن 20 سنة وقت ارتكاب الجريمة، وأن يوُافق صراحة على
قبولها. وأن يصدر الحكم أو القرار حضوريا ينطق بعقوبة الحبس النافذ الأصلية
واستبدالها بعقوبة العمل للنفع العام.
2) وقف التنفيذ: يقُصد به أن يصُدر القاضي الحكم بالعقوبة، ثم يقُرّر وقف تنفيذها
وإخضاع المحكوم عليه لشروط وواجبات معينة خلال مـدة يطلق عليها «مدة التجربة» وهي 5
سنوات يطُالب المحكوم عليه فيها بأن لا يعود الى ارتكاب جريمة جديدة, فإن مرّت هذه
الفترة دون أن يرتكب جريمة جديدة اعتبُر الحكم كأن لم يكن وتزول جميع أثاره
الجنائية, أمّا إذا ارتكب خلالها جريمة جديدة فتنُفذّ عليه العقوبة الموقوفة إضافة
الى ما يحكم به عليه بالنسبة للجريمة الجديدة.
ففي كثير من الأحيان يرتكب الشخص الجريمة بطريق
الصدفة أو يندفع نحوها بعاطفة عابرة، فحالته قبل ارتكاب الجريمة وظروفه بعد ارتكاب
الجريمة تدعوا الى الاعتقاد بأنه لن يعود الى ارتكابها في المستقبل, وعليه فقد
يكون من المفيد عدم توقيع العقوبة عليه لما قد ينجم عن تنفيذها من ضرر كبير خاصة
اذا كانت قصيرة المدة.
نظمّه
المُشرّع الجزائري في المواد 592- 595 من ق إ ج على خلاف الكثير من تشريعات الدول
التي نظمته في قانون العقوبات مثله مثل تخفيف العقوبة وتشديدها.
ثانيا: تصنيف العقوبة بحسب محلها:
1-
العقوبات الواقعة على الحق في الحياة، كالإعدام، أو القتل حدّا وقصاصا في الشريعة.
2-
عقوبات سالبة للحرية ومقيدّة لها ،تسلب حرية المحكوم عليه بصفة نهائية أو مؤقتة
كالسجن المُؤبدّ والسجن المؤقت والحبس، والوضع تحت المُراقبة الإلكترونية وتحديد
الإقامة.
3-
عقوبات مالية، وهي التي تصيب مال الشخص كالغرامة والمصادرة.
4-
عقوبات بدنية، وهي التي تقع على جسم الإنسان كالعمل للنفع العام والأشغال الشاقة
في القانون الوضعي، والقطع والجلد في الشريعة.
5-
عقوبات معنوية، وهي التي تقع على الجانب النفسي للإنسان وسمعته دون جسمه كالنصح
والتوبيخ للحدث ونشر الحكم في الصحف لبعض الأحكام كأحكام الإفلاس والغش التجاري
بالنسبة للبالغ.
6-
العقوبات الماسّة بالحقوق السياسية والمدنية والمهنية كالمنع من الترشيح لعضوية
المجالس النيابية والعزل من المنصب وغلق المنشأة التجارية وحظر مزاولة مهنة أو
نشاط تجاري أو اقتصادي، وإسقاط السلطة الأبوية.
ثالثا: تصنيف العقوبات بحسب جسامتها:
حدّد
قانون العقوبات الجزائري, سُلمّ العقوبات في المادة 5 منه, وميزّ فيها بين
العقوبات المقررة للشخص الطبيعي والعقوبات المقررة للشخص المعنوي.
أ) بالنسبة للشخص الطبيعي:
العقوبات
المطبقّة على الشخص الطبيعي ثلاثة أصناف هي العقوبات الجنائية والجنحية وعقوبات
المخالفات.
1) العقوبات الجنائية: وهي مرتبة في المادّتين5 و5 مُكرّر ق ع ج
ترتيبا تنازليا من حيث الشدّة:
ـ الاعدام بقتل المحكوم عليه عن جرائم الخطيرة، مثلا في جرائم أمن الدولة،
كالخيانة (المادّة 61)، وقيادة العصابات المُسلحة ب(المادّة 86)، والإرهاب (المادّة
87 مُكرّر1)، وتنظيم حركات التمرّد (المادّة 91). وفي الجرائم ضدّ الأفراد كالقتل
العمد مع سبق الإصرار والترصّد أو التسميم (المادة261، 263) أو خطف القصّر مع طلب
فدية (المادّة 293 مُكرّر1)، وبعض جرائم الاموال المتعلقة بالتخريب والهدم بواسطة
مواد متفجرة (المادّة 401).
ـ السجن المؤبدّ: بسلب حرية المُدان مدى الحياة في بعض الجنايات كالتجسس اضرارا
بمصالح الدفاع الوطني أو الاقتصاد الوطني (المادّة 65) وخطف الأشخاص مع التعذيب أو
العنف الجنسي (المادّة 293مُكرّر).
ـ السجن المؤقت: لمدّة تتراوح بين 05 سنوات الى 20 سنة. مثل السجن من 05 سنوات الى 10
سنوات في الاشادة بالأعمال الإرهابية (م87 مكرر 4) أو السجن من 10 سنوات الى 20
سنة مثل هتك عرض القاصر (المادّة 336-2)، والسرقة الموصوفة (المادّة 353). أو
السجن من 05 الى 20 سنة في تقليد أو تزوير الأختام والدمغات (المادّة 206).
ـ الغرامة: عندما تكون العقوبة السالبة للحُرّية هي السجن المُؤقت فإنهّ يجوز
أن يحكم القاضي بعقوبة الغرامة (المادّة 5 مُكرّر ق ع ج).
2) العقوبات الجنحية: مُحدّدة في الفقرة 2 من المادّة 5 من قانون
العقوبات الجزائري كالتالي:
ـ الحبس لمدة تتجاوز شهرين الى 5 سنوات وتحتل هذه العقوبات أكبر مساحة في
القانون, مثل جنحة السرقة البسيط والسب والشتم. وهناك حالات استثنائية تفوق
عقوبتها 5 سنوات مثل تزوير شيك أو قبول شيك مزوّر (المادّة 375) وتدنيس المصحف أو
العلم الوطني أو مقابر الشهداء (المواد 160,160 مكرر, 160 مكرر 4).
ـ الغرامة التي تتجاوز 20.000 دج.
3) عقوبات المخالفات:
ـ الحبس الذي يتراوح من يوم واحد الي شهرين,
ـ الغرامة من 2000 دج الى 20.000 دج.
ب) بالنسبة للشخص المعنوي:
حدّدتها
المادتان 18 مكرر, و18 مكرر1 كالتالي:
1) في مواد الجنايات والجنح: الغرامة بمبلغ يساوي مرّة (1) إلى 5
مرّات الحد الأقصى للغرامة المقرّرة
قانونا للجريمة عندما يرتكبها الشخص الطبيعي. مثل جريمة جمعية الاشرار (المادّة 177
مكرر1 ق ع ج) بغرامة تساوي 5 مرّات الحد الاقصى لغرامة الشخص الطبيعي.
وفي
حالة عدم النص على الغرامة بالنسبة للشخص الطبيعي تطُبقّ المادّة 18 مكرر 2 ق ع ج.
حيث يكون الحد الأقصى للغرامة المحتسب لتطبيق النسبة القانونية المقررة لعقوبة
الشخص المعنوي هي 2.000.000دج عندما تكون الجناية معاقبا عليها بالإعدام أو بالسجن
المؤبد، و 1.000.000دج عندما تكون الجناية معاقبا عليها بالسجن المؤقت، و 500.000
دج بالنسبة للجنحة.
2) في مواد المخالفات: الغرامة بمبلغ تساوي من مرّة (1) الي (4)
مرّات الحد الأقصى المقرّرة قانونا للجريمة عندما يرتكبها الشخص الطبيعي (المادّة 18
مكرر 1 ق ع ج).
الفرع الثالث: أعذار العقوبة وظروفها
يأخذ
المُشرّع الجزائري بقواعد تفريد العقوبة، ويقُصد بفردية العقوبة جعلها مناسبة
للجريمة من خلال الأخذ فى الاعتبار جميع الظروف المحيطة بها. وهذه القواعد قد تكون
أعذارا قانونية مُعفية أو مُخففّة من العقاب أو ظروفا لتشديد أو تخفيف العقوبة.
أوّلا: الأعذار القانونية
أ) الأعذار المُعفية:
أجازت
المادّة 52 ق ع ج في حالات مُحدّدة في القانون على سبيل الحصر إعفاء المتهم من
العقوبة مع قيام الجريمة وتبوث الإدانة، وهذه الأعذار في حالات ثلاث:
1) عذر التبليغ: يكون لمن يبُلغّ السلطات الإدارية أو القضائية عن جنايات أو جنح ضدّ
أمن الدولة أو عن جنايات جمعيات الأشرار (المادّة 92 ق.ع).
2)عذر الشهادة: وهو عذر مُقرّر لمن يعلم الدليل على براءة شخص محبوس مؤقتا أو محبوس
محكوم عليه في جناية، ويتقدم بشهادته من تلقاء نفسه (المادّة 182/3 ق.ع) .
3) عذر القرابة: في فقرتها الأخيرة وهي إعفاء الأقارب والأصهار إلى الدرجة الثالثة
من العقوبة المقرّرة لعدم التبليغ عن الجنايات المذكورة في المادة 91 ق.ع .
4)عذر التوبة: مثاله ما نصّت عليه المادّة 92/3 ق ع ج بأنهّ لا يقُضى بأية عقوبة
على أعضاء العصابة المُسلحة الذين لم يتولوا فيها قيادة أو يقوموا بأي عمل أو
مهمّة وانسحبوا منها بمُجرّد صدور أوّل إنذار لهم من السلطات العسكرية أو المدنية
أو سلموا أنفسهم إليها.
ب) الأعذار المخففة:
هي
أسباب لا تعفي من العقوبة بل تخُففّها مع جواز الحكم بتدبير أمني:
1) عذر صغر السّن: نصّ عليها المشرع في المواد من 50-51 ق.ع،
تخُففّ عقوبة الإعدام والسجن المؤبدّ بالنسبة للقاصر الذي سنهّ بين 13 و18 سنة إلى
الحبس من 10 إلى 20 سنة، وتخُففّ عليه عقوبة الحبس والسجن المؤقت إلى نصف المُدّة
التي تطُبقّ على البالغ.
2) عُذر الاستفزاز إذا ارتكبت هذه الجرائم من فئات محدّدة مثلا:
إرتكاب القتل والضرب والجرح ،لدفع وقوع ضرب شديد من أحد الأشخاص أو تسلقّ الحيطان
وثقب الأسوار وتحطيم الداخل في المساكن أثناء النهار أو الليل (م277 - 278ق.ع)، أو
أحد الزوجين إذا ارتكبها ضدّ زوجه أو شريكه في اللحظة التي يفاجئه فيها في حالة
تلبس بالزنا (م 279 ق.ع)
وقد
حدّدت المادّة 283 ق.ع ج جدولا بحالات التخفيف، حيثُ تخُففّ العقوبة في الجناية من
الإعدام والسجن المُؤبدّ إلى الحبس بين سنة و 5 سنوات. وإلى الحبس بين 6 أشهر
وسنتين في أيةّ جناية أخرى.
وتخُففّ
عقوبة الجنحة إلي الحبس بين شهر و3 أشهر.
ثانيا: الظروف المشددة والمخففة للعقوبة
أ) الظروف المُشدّدة للعقوبة:
يقصدُ
بالظروف المشددة تلك الظروف المحدّدة بالقانون والمتصلة بالجريمة أو الجاني والتي
يترتب عليها تشديد العقوبة المقررة للجريمة الى أكثر من الحد الأعلى الذي قرره
القانون وهي نوعان: الظروف المشددة الخاصة والظروف المشددة العامة.
1) الظروف الواقعية (العينية): وهي تلك التي تتصل بالوقائع الخارجية
التي رافقت الجريمة, مثل جريمة السرقة مع حمل السلاح عقوبتها الحبس من 5 إلى 15
سنة (المادة 350 مُكرّر2) وإذا تمت بظرفي الليل واستعمال العنف تشدد أكثر فتصبح
السجن من 10 إلى 20 سنة (المادة 353).
2) الظروف المُشدّدة الشخصية: وهي ظروف ذاتية تتصل بالصفة الشخصية
للفاعل أو الشريك ومن شأنها تغليط إذناب من تتصل به, ومن هذا القبيل صفة الأصل أو
الفرع بالنسبة للضحية في جرائم العنف العمد (المادتان 267 و272) والاخلال بالحياء (المواد
334 و 337و 337 مكرر).
3) الظرف المّشدّد العام (العود الإجرامي): أي ارتكاب الشخص لجريمة بعد سبق الحكم
عليه نهائيا من أجل جريمة أو جرائم أخرى. ويعتبر العود في معظم تشريعات العالم من
أسباب تشديد العقاب على الجريمة الجديدة. فعودته للإجرام دليل على خطورته وعلى
ميله الإجرامي واستهانته بالعقاب.
ب) الظروف المخففة للعقوبة:
تركها
المشرع لتقدير القاضي فلم يحصرها ولم يحُدّد مضمونها، فلكل قضية ظروفها فقد يكون
الظرف ذا صلة بالجريمة كضآلة الضرر أو مُجرّد الشروع، أو يكون لاحقا لها كجبر
الضرر, ورد الشئ محل السرقة, ووقوع صلح بين الجاني والمجني عليه. وقد يكون ظرفا
ذاتيا متعلقا بشخص الجاني كالتوبة, ونبل الباعث.
واقتصرت
المادّة 53 ق ع ج على بيان الحدود التي تسمح للقاضي أن ينزل إليها عند قيام الظروف
المخففة. مثلا في الجناية يخُففّ الإعدام إلى 10 سنوات سجنا، ويخُففّ السجن المؤبد
إلى السجن 5 سنوات. ويخُففّ السجن 20 سنة إلى الحبس 3 سنوات ويخُففّ السجن 10
سنوات إلى الحبس سنة واحدة. وبموجب المادة 53 مُكرّر فإنّ الحدود القصوى للعقوبة
المُشدّدة بسبب العود تخُففّ إذا توّفرت ظروف التخفيف.
المطلب الثاني: التدابير الأمنية
تعُدّ
تدابير الأمن الصورة الثانية للجزاء الجنائي، وتسُمّى كذلك التدابير الاحترازية،
حيثُ نصّت الفقرة الأولى من المادة 4 من ق ع ج "يكون جزاء الجرائم بتطبيق
العقوبات وتكون الوقاية منها باتخاذ تدابير أمن". ونصّت الفقرة الرابعة من
نفس المادّة "إن لتدابير الأمن هدف وقائي".
الفرع الأول: مفهوم التدابير الأمنية
أوّلا: تعريف التدابير الأمنية
التدابير
الأمنية هي إجراءات احترازية وقائية غير عقابية تتُخذ لحماية المُجتمع ممّن يخُشى
عليه ارتكاب الجريمة تصدر بها أحكام قضائية تخُضع المعني بها لمعاملة خاصّة.
وتعُرّف
كذلك بأنهّا مجموعة من الإجراءات يصُدرها القاضي لمواجهة الخطورة الاجرامية
الكامنة في شخص مرتكب الجريمة بغرض تخليصه منها والوقاية من جريمة أخرى.
والخطورة
الإجرامية هي حالة يكون عليها المجرم تنبئ عن احتمال ارتكابه جريمة أخرى في
المستقبل. وتتكون حالة المجرم الخطر إجراميا من عنصرين: القدرة على الإجرام ثانية،
وضعف إمكانية التأهيل لديه. وعلى القاضي أن يستظهر الخطورة الإجرامية من طبيعة
الجريمة المقترفة، وجسامتها ،والكيفية التي نفذت فيها، وغاياتها، كما أنّ عليه أن
يستظهرها من ظروف المجرم الشخصية والاجتماعية والاقتصادية.
ثانيا: خصائص التدابير الأمنية
1ـ
ترمي التدابير الأمنية إلى حماية المجتمع من الجريمة وذلك بمواجهة الخطورة
الإجرامية لدى بعض الأشخاص للحيلولة دون تحقيقها، وتتخذ عدّة صور منها ما هو علاجي
سببه مرض عقلي أو نفسي ،ومنها ما هو تهذيبي يطُبقّ على من له علاقة بالعوامل
الخارجية المُساعدة على الإجرام، فتقضي بتجريده منها وإبعاده عنها وقطع صلته
بها.
2ـ
ينبغي أن تكون تدابير الأمن شرعية مثلما نصّت عليه المادّة الأولى من قانون
العقوبات.
3ـ
ينبغي ألاّ تكون تدابير الأمن ماسّة بكرامة الفرد, ويجب تنظيمها بكيفية لا يشعر
فيها الفرد أنهّ معاقب من أجل خطأ ولا تجعل المجتمع ينظر إلى من يخضع لتدبير الأمن
نظرة شائنة.
4ـ
تعُدّ تدابير الأمن قابلة للمراجعة طبقا للمادّة 22 ق ع حسب تطور حالة الخطورة,
حيث يمكن للجهة القضائية التي قرّرت تطبيق تدبير الأمن استبداله حسب نتائجه بتدبير
آخر أو التخفيف منه أو التشديد فيه.
5ـ
لا تخضع تدابير الأمن لنظام العفو ولا وقف التنفيذ ولا التقادم.
ثالثا: تمييز تدابير الأمن عن العقوبة:
تختلف
تدابير الأمن عن العقوبة من عدّة نواحي أهمها:
1-
العقوبة تتميزّ بخاصّية إيلام الجاني بغرض ردعه بينما الغرض من التدابير هو إصلاح
الشخص وعلاجه والوقاية من وقوع الجريمة.
2-
العقوبة مُحدّدة في مُدّتها وطبيعتها تتناسب مع جسامة الجريمة، أما التدابير
الأمنية فهي ليست مُحدّدة بل متروكة للقاضي يحكم بها وفق الخطورة الإجرامية للشخص
،بل مُدّتها مرتبطة بمدى استقامة هذا الشخص. باستثناء تدابير الأحداث التي هي
مُحدّدة المُدّة (الم 42 من قانون حماية الطفل) يحكم بالعقوبة إلاّ على بعد
إدانته، بينما يجوز أن يحكم بالتدابير حتى على من تثبت براءته مع وجود الخطورة
الإجرامية فيه.
4ـ
تطُبقّ العقوبة على الراشد والقاصر المُميزّ، ويطُبقّ تدبير الأمن على البالغ كامل
الأهلية وناقص الأهلية وعديمي الأهلية لمواجهة خطورته.
5ـ
لا تخضع تدابير الأمن لنظام العفو ولا وقف التنفيذ ولا التقادم عكس العقوبة.
الفرع الثاني: شروط تطبيق التدابير الأمنية
يشترط
لتطبيق التدابير الأمنية شرطان أساسيان هما الجريمة السابقة
أولا: ارتكاب الجريمة السابقة:
يتجه
الفقه الى اشتراط ارتكاب المتهم بجريمة سابقة حتى يمكن انزال التدبير عليه.
ويستندون في ذلك على الحرص على حماية الحريات الفردية ،فضلا على أنّ التدابير هي
احدى صور الجزاء الجنائي يستمد شرعيته من مبدا الشرعية الذي يقضي بتحديد الجرائم
التي توقع من أجلها التدابير. وقد انتقد هذا الراي بأنّ التدبير يواجه خطورة
إجرامية، فاذا ثبت توافرها وجب انزاله دون انتظار ارتكاب الجريمة. وبأنّ اشتراط
سبق ارتكاب جريمة قد يوحي بأنّ التدبير جزء من الجريمة.
وقد
اخذت غالبية القوانين الجنائية بشرط ارتكاب جريمة سابقة،
ثانيا: الخطورة الاجرامية:
ـ ويقصد
بالخطورة الإجرامية؛ احتمال عودة المجرم إلى ارتكاب جريمة أخرى في المستقبل، ومؤدى
ذلك أن هذه الخطورة هي حالة تتعلق بشخص المجرم ولا ترتبط بماديات الجريمة، تفترض
أن يكون هناك «احتمال» و ينبغى أن ينصب هذا الاحتمال على موضوع معين هو وقوع جريمة
تالية من المجرم نفسه الذى سبق أن ارتكب جريمة.
ـ
اثبات الخطورة الاجرامية: للقاضي سلطته التقديرية في استخلاص توافر الخطورة
الاجرامية من أحوال الجاني أو ماضيه أو سلوكه أو من ظروف الجريمة وبواعثها.
الفرع الثالث: أنواع تدابير الأمن في القانون الجزائري
أوّلا: التدابير الخاصة بالمجرمين البالغين:
نصّت
عليها المادة 19 من ق ع ج حيثُ يشُترط في الشخص محل التدبير أن تثبت مشاركته في
وقائع مادية جرمية بغض النظر عن الحكم فيها سواء كان الإدانة أو البراءة أو انتفاء
وجه الدعوى.
أ) الحجز القضائي في مؤسسة استشفائية للأمراض العقلية المادة 21 ق
ع:
هو
وضع الشخص بموجب قرار قضائي في مؤسسة استشفائية بسبب خلل في قواه العقلية قائم وقت
ارتكاب الجريمة أو بعد ارتكابها, إذا تمّ إثباته بفحص طبي.
ب) الوضع في مؤسسة علاجية:
نصّت
عليه المادة 22 من ق ع وهو وضع شخص مصاب بإدمان في تعاطي مواد كحولية أو مُخدّرة
تحت الملاحظة في مؤسسة مهيأة لهذا الغرض,
بناءا على قرار قضائي صادر من الجهة المحال إليها الشخص إذا بدا أن السلوك
الاجرامي للمعني مرتبط بهذا الإدمان.
وتحت
فصلٍ عُنوانه "التدبير الوقائية والعلاجية" نصّت المادتان 7و 8 القانون 04-18
المؤرخ في 25 ديسمبر 2004 المتعلق بالوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية
ومكافحتها، أنهّ لجهات التحقيق والحكم إخضاع المتهمين بارتكاب جنحتي استهلاك
المخدرات وحيازتها إلى علاج لإزالة التسمّم يجري في مؤسسة متخصّصة.
ثانيا: التدابير الموجهة لغير البالغين:
وهي
تدابير للحماية والتهذيب نصّت عليها المادّة 49 من ق ع ج وكانت تحُدّدها المادّة 444
ق إج.ج.
قبل
إلغائها، ونقل مضمونها إلى قانون حماية الطفل 15ـ12 يتمّ اتخاذها في مواد الجنايات
والجنح و يحُكم بها بمُدّة سنتين قابلة للتجديد دون أن تتجاوز تاريخ ببلوغ سن
الرشد الجزائي 18 سنة، ويمكن لقاضي الأحداث تمديدها عند الضرورة إلى 21 سنة
تلقائيا أو بطلب من المعني (المادّة 42 من قانون حماية الطفل 15ـ 12 المرّخ في 15
يوليو 2015).
نصّت
على هذه التدابير المادّتان 40 و41 من قانون حماية الطفل 15ـ 12 وتتمثل في:
1ـ
إبقاء الطفل في أسرته.
2ـ
تسليم الطفل لوالده أو لوالدته الذي لا يمارس حق الحضانة ما لم تكن قد سقطت عنه
بحكم
3ـ
تسليم القاصر لوالده أو وصيه أو لشخص جدير بالثقة.
4ـ
تسليم الطفل إلى أحد أقاربه.
5ـ
تسليم الطفل إلى شخص أو عائلة جديرين بالثقة.
6ـ
يجوز لقاضي الأحداث في جميع الأحوال أن يكلف مصالح الوسط المفتوح بمتابعة وملاحظة
الطفل وتقديم الحماية له من خلال توفير المساعدة الضرورية لتربيته وتكوينه ورعايته
مع وجوب تقديمها تقريرا دوريا له حول
تطور وضعية الطفل.
7ـ
يجوز لقاضي الأحداث أن يأمر بوضع الطفل في مركز متخصص في حماية الأطفال في خطر أو مصلحة
مكلفة بمساعدة الطفولة.
المرجع:
- د. فريد روابح، محاضرات في القانون الجنائي العام، موجهة لسنة الثانية لسانس، جامعة محمد لمين دباغين- سطيف، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم الحقوق، الجزائر، السنة الجامعية 2018-2019، ص127 إلى ص139.