الأعمال التجارية
كما سبق وأن عرفنا القانون التجاري الذي هو مجموعة من
القواعد القانونية التي تحكم طائفة من الأشخاص وهم التجار وطائفة من الأعمال وهي
الأعمال التجارية، فما هي هذه الأعمال التي تضفى عليها الصفة التجارية؟
سرد المشرع الجزائري الأعمال التجارية في المواد 2، 3 و4
من القانون التجاري وبذلك يكون قد أعطى الصفة التجارية على هذه الأعمال بنص صريح.
ميّز المشرع بين هذه الأعمال وصنّفها إلى أعمال تجارية بحسب الموضوع (المادة 2)،
أعمال تجارية بحسب الشّكل (المادة 3)، أعمال تجارية بالتبعية (المادة 2) وأعمال
تجارية مختلطة.
المبحث الأول: أهمية التفرقة بين الأعمال التجارية والأعمال المدنية والاثار المترتبة عن ذألك
إن القـانون التجـاري لا يحكم إلا الأعمـال التجاريـة
تاركا الأعمـال المدنيـة لحكم القانون المدني. ان وضع أحكام خاصة للعمل التجاري
جاء مراعاة للسرعة التي تتم بها هذه المعاملات، وتقوية إلائتمان الذي يقوم عليه
النشاط التجاري.
المطلب الأول: أهمية التفرقة بين الأعمال التجارية والأعمال المدنية
تظهـر أهميـة التمييـز بـين الأعمال التجارية والأعمال
المدنية فـي نـواحي عديـدة نذكر منها علـى وجه الخصوص ما يلي:
الفرع الأول: السعي وراء تحقيق الربح في الأعمال التجارية
إن العمل التجاري لا يتم إلا بمقابـل بمعنـى انـه يهـدف
إلـى تحقيـق الـربح حتـى لـو لـم يـتحقق الـربح فعـلا. هذا ما نفهم منه أن العمـل
التجـاري لا يـتم علـى سـبيل التبـرع أو في سياق أعمال خيرية. هذا عكس العمل
المـدني الذي من أهـم خصائصـه أنـه لا يهدف إلى تحقيق الربح.
الفرع الثاني: اختلاف الاختصاص القضائي
أفردت الانظمة القانونية عبر العالم المنازعـات
التجاريـة بطـابع خـاص وهذا لكون الفصـل فيهـا يتطلـب نوع من السـرعة واجـراءات
خاصـة، هـذا مـا جعـل بعـض الـدول تعتمد نظـام المحـاكم التجاريـة. في الجزائـر،
اعتمد المشـرع اسـناد الفصل فـي المنازعـات التجاريـة إلـى المحـاكم العادية لكن
في أقسام خاصة لها (القسم التجاري)، منفصلا عن القسم الذي يفصل في القضـايا
المدنيـة. يترتـب علـى وجـود نظام تجـاري متخصـص ومسـتقل عـن القضـاء المـدني أنـه
يجـوز الدفع بعدم اختصاص القسم المدني للنظر في المنازعات ذات طابع تجاري.
أخذت بعض الدول ،على رأسها فرنسا، والتي أبقت على التفرقة التقليدية بين القانون التجاري والقانون المدني بمبدأ تخصيص قضاء مستقل ينفرد بالنظر في المنازعات التجارية . أما الجزائر ومنذ صدور أول قانون للإجراءات المدنية سنة 1966، لم يتم اعتماد قضاء تجاري متخصص، حيث تختص المحاكم العادية باختصاص عام ،تتولى الفصل في المنازعات التجارية وغيرها من المنازعات المدنية، العقارية والاجتماعية وتتم جدولة القضايا أمام الأقسام حسب طبيعة النازع.
على العموم فان التقسيم الذي اعتمده المشرع في تقسيم
المحاكم الى أقسام ما هو إلا تقسيم إداري، ففي حالة تسجيل القضية في غير القسم
المختص لا ترفض الدعوى وانما تحال الى القسم المعني.
الفرع الثالث: التباين في طرق الإثبـات
إن اثبـات الالتـزام المـدني يخضع لقيود صـارمة وهـذا ما يمكن استنباطه من نص المـادة 333 من القـانون المـدني والتي لا تسمح بالإثبات بشهادة الشهود في وجود أو انقضاء التزام تفوق قيمته 000 100 دج. لكن بالمقابل نفس المادة تستثني المواد التجارية من هذا الاجراء حيث بدأ النص بعبارة "في غير المواد التجارية...". استثناء أكدته المادة 30 من القانون التجاري والتي تقر بمبـدأ حريـة الإثبـات فـي المسـائل التجاريـة وبجواز الإثبات بكافة الوسائل منها شهادة الشهود والقرائن مهما كانت قيمة المبلغ المتنـازع عليـه.
لكـن مبـدأ حريـة الإثبـات فـي المسـائل التجاريـة لـيس
بالمطلق حيـث يتطلـب الكتابـة فـي بعـض العقـود نظـرا لأهميتهـا وخطورتهـا مثـل
عقـد تأسـيس الشـركات التجاريـة (المادة 418 من القانون المدني والتي تقابلها
المادة 445 من القانون التجاري)، كل التصرفات الواردة على المحـل التجـاري (المادة
79 من القانون التجاري)، عقـد بيـع و رهـن السفن...
إن إعتماد حرية الاثبات في المواد التجارية مرده عدم
عرقلة التجارة وتعطيلها، نظرا لأن الحياة التجارية تحكمها إعتبارات مغايرة لما هو
عليه الحال بالنسبة للأمور المدنية ،حيث تهدف التجارة الى تحقيق الربح عن طريق
سرعة تداول الثروات، وهو ما لا يتأتى إلا بتحرير اثبات التصرفات القانونية
التجارية من كل القيود و الأشكال.
تجدر إلاشارة الى أن مبدأ حرية إلاثبات في المسائل
التجارية لا يتعلق بالنظام العام وبالتالي يجوز إلاتفاق على مخالفته واشتراط
إلاثبات بالكتابة فقط.
الفرع الرابع: التضامن بين المدينين
يقصد بالتضامن بين المدينين في القانون المدني أنه متى
قام أحد المدينين بالوفاء بالدين تبـرئ ذمـة الآخـرين، كمـا يجـوز للـدائن مطالبـة
المـدنين منفـردين أو مجتمعـين ولا يحق لأي منهم رفض الوفاء.
إن التضامن في المسائل المدنية لا يكـون بـين المدينين
إلا إذا وجـد نـص قـانوني صريح ينص على ذألك التضامن أو وجد اتفاق بين المتعاقدين.
أمـا فـي المسـائل التجاريـة فالتضـامن مفتـرض بـين المدينين بـدين تجـاري واحـد
إلا إذا وجـد اتفـاق صـريح علـى عـدم
التضـامن. لكن اسـتبعاد التضـامن بـين المدينين غير جائز في الحالات التي يستوجبه
فيها نص آمـر من القانون التجاري، كمـا هـو عليه الحال فـي شـركة التضـامن ،حيـث
تقضـي المـادة أولا:551 من هذا القانون علـى أن للشـركاء بالتضامن صفة التاجر وهم
مسئولون من غير تحديد وبالتضامن عن ديون الشركة.
إن التضامن بين المدينين في المسائل التجارية تنسـجم مـع
متطلبـات التجـارة فـي دعـم الثقة والائتمان بين المتعـاملين، وهـي تسـتند إلـى
عـرف تجـاري يقـوم علـى قرينـة وجـود مصـلحة مشتركة دفعت المدينين إلى التزامهم
معا بـدين تجـاري واحـد بغيـر حاجـة إلـى اتفـاق أو نـص فـي القانون حماية
للتجارة. وبالتالي يفترض التضامن سلبيا أو ايجابيا. فيفترض التضامن بين المدينين
عند تعددهم أو بين الدائنئن عند تعددهم أيضا دون حاجة الى نص في القانون أو الى
اتفاق صريح.
تهدف قاعدة افتراض التضامن الى دعم الائتمان التجاري إذ
يتجنب الدائن خطر إعسار أو إفلاس أحد المدينين، كما تؤدي إلى سرعة تسوية المعاملات
التجارية بالوفاء إلى أحد الدائنين عند تعددهم.
الفرع الخامس: منح مهلة للوفاء من عدمها
إذا كان المدين يستفيد في المواد المدنية من مهلة للوفاء
بعد تاريخ إلاستحقاق، يمنحها إياه القاضي، شريطة أن يكون حسن النية، فـالقـانون
التجـاري وحمايـة لعنصـر الإئتمـان والثقـة، يلـزم المـدين بالوفاء بالديون
المترتبة في ذمته في تاريخ استحقاقها وإلا اعتبر في حالة توقف عن الدفع ويعرض نفسه
لشهر الافلاس وفقـا لـما تقتضيه المـادة 215 من القـانون التجـاري وتوزع أموالـه
علـى جماعـة الـدائنين. لا يسـتفيد المـدين فـي المواد التجـارية مـن مهلـة
الوفـاء إلا فـي ظـروف استثنائية.
الفرع السادس: من حيث الإعذار والمهلة القضائية
تظهر اختلافات عديدة بين القواعد الاجرائية المتعلقة
بالاعذار والمهلة القضائية بين الأعمال التجارية والأعمال المدنية.
أولا: من حيث الإعذار
كقاعدة عامة لا يكون الإعذار في المواد المدنية إلا
بإنذار المدين، أي بمطالبته بالوفاء بمقتضى ورقة رسمية تعلن اليه بواسطة المحضرين.
أما في المسائل التجارية، فقد جرى العرف التجاري على أنه لا حاجة الى التكليف
الرسمي بالوفاء ،بل يكفي أن يتم الاعذار بخطاب عادي أو ببرقية أو باخطار شفوي، نظرا
لما تتطلبه التجارة من سرعة في الاجراء فلا يجوز تعطيلها بانتهاج ما قضى به
القانون المدني.
ثانيا: من حيث المهلة القضائية
يجوز للقاضي أن يمنح المدين مهلة ينفذ فيها التزامه اذا
استدعت حالته ذلك، ولم يلحق الدائن من جراء هذا التأجيل ضرر جسيم. لكن القانون
التجاري لا يعرف الشفقة بالمدين المقصر وإنما يفرض عليه جزاءات صارمة تصل الى حد
إشهار إفلاسه والبدء في إجراءات التسوية القضائية ضده، طبقا للمادة 215 من
القـانون التجـاري.
الفرع السابع: من حيث الإفـلاس والتقادم
يظهر التمايز بين الأعمال التجارية والأعمال المدنية
جليا فيما يتعلق بالإفلاس والتقادم وهو ما نستعرضه في ما يلي.
أولا: من حيث الافلاس
يتعرض التاجر المتوقف عن دفع ديونه، وفقا لـنص المـادة 215
من القانون التجاري، لجزاء صارم يتمثل فـي شـهر إفلاسـه و توزيـع أموالـه علـى
جماعـة الدائنين أمـا غير التجار والذبن يخضعون للمواد المدنية فاذا عجزوا عـن
الوفـاء بديونـهم يقال أنهم معسـرين و يتعرضون لنظام يسمى بنظام الإعسار.
ثانيا: من حيث التقادم
الأصل أن تقادم الالتزامات المدنية يكون بانقضاء خمس
عشرة (15) سنة من تاريخ الالتزام ،إلا اذا نص القانون على خلاف ذلك ، أما الالتزامات
التجارية فهي تتقادم عادة بمضي مدد أقصر من هذا، وذلك رغبة من المشرع في تحرير
الملتزمين بديون تجارية من التزاماتهم القديمة على وجه السرعة وتفرغهم لأنشطتهم
الجديدة. فنص المشرع في المادة 61 من ق .ت. ج : "كل دعوى ناشئة عن عقد نقل
الأشياء أو عن عقد العمولة لنقل الأشياء تسقط خلال سنة واحدة. وتسري هذه المهلة
المذكورة في حالة الضياع الكلي ابتداء من اليوم الذي كان يجب فيه تسليم الشيء
المنقول وفي جميع الأحوال الأخرى من تاريخ تسليمه للمرسل إليه أو عرضه عليه...".
المطلب الثاني: معايير التمييز بين الأعمال التجارية والأعمال المدنية
لعـب الفقه دورا كبيـرا في تحديد معايير التمييـز بـين
الأعمال التجارية والأعمال المدنية. يستند هذا التمييز الى دراسـة وتحليـل
الأعمـال القانونيـة التـي يقـوم بهـا الشـخص مـن أجـل استخلاص سمات و مميزات
العمل التجـاري والتـي تجعلـه يتميـز عـن العمـل المـدني. إن أهـم النظريـات التـي
ظهرت للتمييـز بـين هذين الصنفين من الأعمـال تقـوم علـى اعتبارات اقتصادية وهي
المضاربة، التداول والمقاولة أو المشروع.
الفرع الأول: معيار المضاربة (Critère de la speculation)
نـادى جانب من الفقه على رأسه الأستاذان ليون كان و رينو
الى أن المعيار المميز للعمل التجاري هو فكرة المضاربة فالعمل التجاري، في نظرهم،
هو من الناحية الجوهرية عمل مضاربة أي عمل يسعى أساسا الى تحقيق الربح. فبالتالي
كـل عمـل يهـدف لتحقيـق الـربح يعـد عمـلا تجاريـا، فالتجـارة لا تعـرف التبـرع أو
مجانيـة العمل.
هذه النظريـة لوحـدها غيـر كافيـة للتمييـز بـين العمـل
التجـاري والعمـل المدني، فهناك الكثير من الأعمال تهدف إلى تحقيق الربح ومع ذلـك
فهـي ليسـت أعمـالا تجاريـة (مثل عمل المـزارعين وأصـحاب المهـن الحـرة مثل
الطبيـب والمهنـدس أو المحامي) ومع ذلك فهي تظل أعمالا مدنية. بالمقابل هناك
أعمالا يقوم بها التاجر ليس من أجل تحقيق الربح كـالبيع بالخسـارة أو البيـع بأقل
من سعر التكلفة ومـع ذلـك فهـي تدرج ضمن الأعمال التجارية.
الفرع الثاني: معيار التداول (Critère de la circulation)
ذهب تالير Thaller الى أن جميع
الأعمال التجارية التي نص عليها التقنين التجاري يحكمها مبدأ واحد وذألك رغم عدم
قيام التجانس بينها ويتبلور هذا المبدأ في فكرة التداول.
إستنادا الى ذألك، فكـل عمـل يرمـي لتحريـك الثـروة
ويسـاعد علـى تنشـيط حركتهـا يعتبـر ذو طبيعـة تجاريـة، أمـا الأعمـال التـي
تتنـاول الثـروات و هـي فـي حالـة ركـود و اسـتقرار فتعتبـر مـن طبيعـة مدنيـة
كعمـل صـاحب المصـنع الـذي يشـتري مـواد أوليـة لتحويلهـا إلـى سـلع و يبيعهـا
للمستهلك، عمل الناقل الذي يقوم بنقل السلع من مكان لأخـر وعمـل التـاجر الـذي
يشـتري السـلع ليبيعهـا للمستهلك.
ما يعاب على هـذه النظريـة أن هنـاك مـن الأعمـال التـي
يتـوفر فيهـا عنصـر التـداول و مـع ذلك تعتبر أعمالا مدنية كعمل المنتج الزراعي و
الذي رغم انه أول من يدفع السـلعة للتـداول لكنه لا يعتبر تاجرا.
الفرع الثالث: معيار المقاولة أو المشروع (Critère de l'entreprise)
أبدى اتجاه حديث من الفقه رأيا مفاده أن اعطاء الصفة
التجارية لأي عمل لا يستند الى هدفه أو جوهره أو صفة الشخص القائم به وإنما الى
الصورة التي يمارس بها هذا العمل. بناء على ذألك فالعمل التجاري هو العمل الذي
يتخذ شكل المقاولة أو المشروع أي يتم على وجه التكرار بناء على تنظيم مادي معين والقانون
التجاري هو قانون الأعمال التي يتوفر فيها عنصر المقاولة أو المشروع.
استنادا الى هـذه النظريـة فان العمـل المنفـرد وإن كـان
يهدف الى تحقيـق الـربح إلا أنـه لا يعتبـر تجاريـا كمـا أن هـذه النظريـة تتجاهـل
مـا يسـمى بالأعمـال التجاريـة بطبيعتهـا.
يرى أصحاب هـذه النظرية أن التاجر يعتبر محـورا لتطبيـق
القانون التجاري، فلا يكتسـب هذه الصفة من خلال قيامه بالأعمال التجارية ولكن من
خـلال احترافـه لهـذه الأعمـال وقيامـه بهـا فـي شـكل مشـروع.
يعـاب علـى هـذه النظريـة أنهـا غيـر قـادرة علـى وضـع
ضـابط دقيـق للتمييـز بـين العمـل التجـاري والعمـل المـدني، فهنـاك مهـن فـي
الأصـل مدنيـة لكنها تـتم فـي شـكل شـبيه بالمشاريع كمكاتب المهندسين، وعيادات
الأطباء.
من خلال عـرض النظريـات السـابقة يتبـين لنا أن مجملها
لـم تفلـح فـي إيجـاد معيـار دقيـق للفصـل بـين العمـل التجـاري والعمـل المـدني،
غيـر أنهـا تكمـل بعضـها الـبعض. هذا ما جعل القضـاء في العديد من الدول الغربية
يطبق أكثر من نظرية حسب التلائم مع القضية المطروحة في النزاع.
بـالرجوع لتقنيننا التجـاري، نجـد أن المشـرع الجزائـري
أخـذ بكـل مـن نظريـة المضـاربة، نظريـة التـداول ونظريـة المشروع وذلك عند تناوله
للأعمال التجارية في نص المواد 2، 3 و 4 من القانون التجاري.
المبحث الثاني: أنواع الأعمال التجارية
إذا كان القانون التجاري هو ذالك القانون الذي ينظم
العلاقات التي تتم بين التجار أو يكون محلها الأعمال التجارية فما المقصود بهذه
الاخيرة.
رغم عدم وجود تعريف دقيق لمصطلح "الأعمال
التجارية" لكن يفهم بأنها تعني كل الاعمال التي يقوم بها الشخص لأجل الإسترزاق
وتحقيق الربح. تقسم هذه الأعمال حسب غرضها إلى أعمال تجارية بحسب الموضوع (مطلب
أول)، أعمال تجارية بحسب الشكل (مطلب ثاني)، أعمال تجارية بالتبعية (مطلب ثالث)،
وأعمال تجارية مختلطة (مطلب رابع).
المطلب الأول: الأعمال التجارية بحسب الموضوع
خصص المشرع الجزائري المادة 2 من القانون التجاري لسرد
هذه الأعمال وجعل بعضها تجارية حتى وان
قام بها الشخص مرة واحدة وهي الأعمال التجارية المنفردة (فرع أول) أما الأخرى
فتقام في شكل مقاولة وتسمى بالأعمال التجارية في شكل مقاولة (فرع ثاني).
الفرع الأول: الأعمال التجارية المنفردة
يعد هذا النوع من الأعمال تجارية ولو تمت مرة واحدة فقط
وهذا بغض النظر عن صفة القائم بها إن كان تاجرا أم لا وهي كالآتي:
أولا: الشراء من أجل البيع
كل شراء للمنقولات لإعادة بيعها بعينها أو بعد تحويلها
أو شغلها يعد عملا تجاريا كما هو الحال أيضا لكل شراء للعقارات لإعادة بيعها. يتضح
من الفقرتين السابقتين أنّ المشرع ليشترط صراحة توفر ثلاثة شروط لاعتبار هذا الشراء
عملا تجاريا وهي: أن تتم عملية الشراء أن يرد الشراء على منقول أو عقار اضافة الى
أن يكون القصد من الشراء هو إعادة البيع وتحقيق الربح.
ثانيا: الأعمال المصرفية
وتتمثل في تلك الأعمال التي تقوم بها البنوك لفتح
الحسابات التجارية واستلام الودائع النّقدية من المدخرين مقابل فائدة معينة ثم
تعيين اقتراضها بفائدة أعلى. فالبنوك تجني فوائدها من اختلاف النسبة التي تعتمدها
بين ما يعطى للمدخرين كنسبة فائدة وما يقتطع من المقرضين كخدمة الدين.
ثالثا: أعمال الصرف (Les
opérations de change)
والمقصود بالصرف مبادلة عملة بعملة أخرى والصرف بهذا
المعنى يتم على نوعين: صرف بدوي وهو مبادلة نقود بنقود من عملة أخرى عن طريق
التسليم المباشر والفوري في نفس المكان وصرف محسوب يتم فيه تسليم النّقود في مكان
معين واستلام مقابلها بالنّقود الأجنبية في مكان آخر.
تذر أعمال الصرف فوائد لمكاتب الصرف وللبنوك، وذالك نظرا
لاختلاف قيمة الصرف عند شراء العملات عن القيمة عند بيعها. فمثلا نجد عند بنك ثمن
شراء 1 أورو هو 140 دج أما ثمن بيعه هو 142 دج. فهذا الاختلاف في القيمة يعد
مضاربة ومنه يجني البنك عوائده.
رابعا: أعمال السمسرة أو الوساطة
السمسرة أو الوساطة هو تقويم أو توفيق بين طرفي العقد
وذلك مقابل أجر معين عادة ما يكون بنسبة مئوية من قيمة الصفقة، ويعد هذا العمل
تجاريا كون السّمسار أو الوسيط ساهم في تداول الثروات بقصد تحقيق الربح، وتجدر
الإشارة أن السّمسرة تعد دائما عملا تجاريا بالنسبة للقائم بها عكس أطراف العقد
الذين يتوسط بينهما.
من أعمال السمسرة يمكن ان نذكر عمل الوكلاء العقاريين (agents
immobiliers) والذين يتوسطون بين الراغبين في شراء، بيع
أو تأجير العقارات و يأخذون مقابل ذالك نسبة من قيمة الصفقة.
خامسا: الأعمال الخاصة بالعمولة
هي نوع من أعمال التوسط في إتمام الصفقات وتتمثل في قيام
شخص يسمى "الوكيل بالعمولة" بإجراء تصرفات قانونية باسمه الشخصي ولكن
لحساب الغير مقابل أجر يكون عادة بنسبة مئوية تسمى العمولة (Commission).
من هنا تكون الوكالة بالعمولة عملا تجاريا حتى ولو تمت بشكل منفرد وبغض النظر عن
طبيعة التصرف المبرم من طرف الوكيل بالعمولة. أمّا بالنسبة للموكل فلا تعتبر عملا
تجاريا إلا إذا كان تاجر أو كان التصرف موضوع الوكالة متعلقا بتجارته.
بالإضافة إلى الأعمال التجارية المنفردة المتضمنة في
المادة 2 من القانون التجاري فإنّ المادة 4 من المرسوم المتضمن النشاط العقاري
والصادر في 1993، أضافت أعمالا تجارية أخرى وهي:
سادسا: كل نشاطات الاقتناء أو التهيئة
لأوعية عقارية قصد بيعها أو تأجيرها
وتعني كل نشاط يكون غرضه إقتناء الأوعية العقارية بهدف
بيعها أو تأجيرها، هذه المادة وعكس المادة 2 من القانون التجاري لا تشترط في
المشتري نية البيع وتحقيق الربح مما أعطى بالتالي صفة التجارية لكل بيع أو تأجير
لعقارات.
سابعا: أعمال التوسط في بيع الأملاك
العقارية وتأجيرها
إضافة إلى اعتبار التوسط في بيع أملاك عقارية عملا
تجاريا، أضاف المرسوم التشريعي الصادر سنة 1993 تأجير الأملاك العقارية إلى قائمة
الأعمال التجارية بحسب الموضوع.
ثامنا: أعمال الإدارة والتسيير العقاري لحساب
الغير:
وهذا ما جاء في نص الفقرة 3 من المادة 4 من المرسوم
التشريعي المذكور أعلاه، ويقصد بهذه الأعمال تلك النّشاطات التي تتم في إطار
الملكية المشتركة للبنايات الجماعية أو التجمعات السكنية (Conciergerie) وبالتالي
تعتبر أعمال الإدارة والتسيير أعمالا تجارية.
الفرع الثاني: الأعمال التجارية على شكل مقاولة
إلى جانب الأعمال التجارية المنفردة اعتبر المشرع الجزائري
الأعمال التي تتم في شكل مقاولة أعمالا تجارية، والمقصود بالأعمال التجارية على
شكل مقاولة تلك المشاريع التي تتطلب قدرا من التنظيم لمباشرة الأنشطة الاقتصادية،
ويمكن أن يكون نشاط المقاولة ذو طابع تجاري أو زارعي أو خدماتي وذلك بتضافر عناصر
مادية وبشرية، ويقتضي هذا التنظيم توفر عنصر الاحتراف والحضارية، والأعمال
التجارية على شكل مقاولة هي:
أولا: مقاولة تأجير المنقولات والعقارات
ويشترط أن تكون المقاولة أنشأت بغرض ممارسة عملية
التأجير على سبيل التكرار بقصد المضاربة.
ثانيا: مقاولة الإنتاج، التحويل والإصلاح
يقصد بمقاولة الإنتاج إنتاج مواد نصف مصنعة أو كاملة
الصّنع موجهة لتلبية حاجيات السكان، أمّا مقاولة التحويل فينصب عملها على تحويل
المواد الأوّلية إلى مواد نصف مصنعة أو إلى سلع قابلة للاستهلاك، أمّا مقاولة
الإصلاح أو الصيانة فيقوم نشاطها على إصلاح الآلات، المحركات... بصفة متكررة مثل
عمل مستودعات الميكانيك، إصلاح أجهزة التلفزيون...
ثالثا: مقاولة البناء أو الحفر أو تمهيد
الأرض
ويتمّ هذا النّشاط على ترميم المباني، تشييد مباني جديدة
مثل ما تقوم به التعاونيات العقارية (les promotions immobilières )، إقامة الجسور، حفر الأنفاق وقنوات المياه.
رابعا: مقاولة التوريد والخدمات
ان عقد التوريد عقد يلتزم بمقتضاه شخص بتقديم سلع بصفة
دورية ومستمرة لشخص آخر مثل تعاقد محل لبيع المواد الغذائية (superette)
مع ملبنة قصد تموينه دوريا بالحليب ومشتقاته. أمّا مقاولة الخدمات فيقصد بها تلك
المحلات والدواوين التي تقدّم خدمات للجمهور مقابل دفع مبلغ معين مثل أعمال
الحمامات العمومية، قاعات وساحات الألعاب (salles
de jeux ou manèges pour enfants)، الفنادق...إلخ.
خامسا: مقاولة استغلال المناجم والمناجم
السطحية أو مقالع الحجارة ومنتوجات الأرض الأخرى
يقصد استغلال المناجم عملية استخراج المعادن من باطن
الأرض أو من سطحها ،سواء تعلق الأمر بالبترول، الغاز، الذهب... أما مقالع الحجارة
فعملها تقصد تحويل الحجارة إلى رخام أو رمل يستعمل في البناء وممارسة هذه الأعمال
بصفة متكررة يعد عملا تجاريا.
سادسا: مقاولة النقل
ويشمل المقاولات المتخصصة في نقل الأشخاص أو في نقل
البضائع أو الماشية. إن إنشاء مقاولة لهذا الغرض يعد من الأعمال التجارية لتوفر
عنصر تحقيق الربح.
سابعا: مقاولة إستغلال الملاهي العمومية أو
الإنتاج الفكري
إن إستغلال الملاهي العمومية هو ذالك النشاط المتعلق
باستغلال أماكن تجلب الجمهور مثل حدائق التسلية، قاعات السينما، ويشترط في القيام
بهذا العمل على شكل إمتهان. أمّا استغلال الإنتاج الفكري فيقصد به استغلال عمل
مفكر أو فنان ما في شكل مقاولة مثل عمل دور النّشر وأستوديوهات إنتاج الأفلام أو
الأشرطة.
ثامنا: مقاولة التأمين
وهو النشاط الذي يقوم به شخص يدعى المؤمن (assureur) الذي يتعهد للمؤمن له (assure) بإصلاح الأضرار التي قد تلحق به وذلك مقابل دفع منحة مسبقة، وعمل مقاولة التأمين يعد تجاريا لأنّه يقوم على أساس المضاربة وتحقيق الربح لأنّ شركة التأمين تعمل كل ما في وسعها قصد عدم تعويض مبالغ أكبر من تلك التي تجنيها عند إبرام عقود التأمين.
تاسعا: مقاولة استغلال المخزان العمومية
ويقصد بهذا النشاط فتح مستودعات وغرف التبريد قصد تخزين
سلع تابعة لأشخاص آخرين مقابل إتاوة.
عاشرا: مقاولة بيع السلع الجديدة بالمزاد
العلني
ويعد عملا تجاريا لأن عمل التوسط والتقريب بين الراغبين
في البيع والراغبين في الشراء يكون بنية تحقيق الربح، ويشترط أن يكون ذلك في شكل
مقاولة ويمارس على سبيل التكرار.
إضافة إلى هذه الأعمال، جاء الأمر رقم 96- 27 الصادر في 09
ديسمبر 1996 والمعدل للقانون التجاري ببعض الأعمال التجارية على شكل مقاولة وهي
أعمال متعلقة بالملاحة البحرية، وهي كالآتي:
1- كل مقاولة لصنع أو شراء أو بيع أو إعادة بيع السّفن
للملاحة البحرية.
2- كل بيع أو شراء العتاد أو مؤمن السّفن.
3- كل تأجير أو افتراض أو قرض يجري للمغامرة.
4- كل عقود التأمين والعقود الأخرى المتعلقة بالتجارة
البحرية.
5- كل الاتفاقيات والاتفاقيات المتعلقة بأمور الطّاقم
وانجازهم لسفينة أخرى.
6- كل رحلة بحرية أو كل الرحلات البحرية التي يقوم بها
مالك السفينة.
المطلب الثاني: الأعمال التجارية بحسب الشكل
أعطى المشرع الجزائري الصفة التجارية على طائفة أخرى من
الأعمال والتي تتخذ شكلا معيّنا وذلك بغض النّظر عن موضوعها، وهي التي نصّ عليها
في المادة 3 من القانون التجاري وهي كالآتي:
الفرع الأول: التعامل بالسفتجة بين كل الأشخاص
تعد السفتجة (lettre de change)
ورقة تجارية محررة وفقا للشّكل القانوني وهي ثلاثية الأطراف تتضمن أمرا صادرا من
شخص يدعى السّاحب إلى شخص آخر وهو المسحوب عليه بأن يدفع لشخص ثالث وهو المستفيد
مبلغا معينا من النّقود إمّا بمجرد الإطلاع أو في وقت محدد. إعتبر المشرع الجزائري
التعامل بالسفتجة عملا تجاريا وبالتالي فكل العمليات الواردة عليها من سحب وتظهير
أو وفاء أو ضمان تعد أعمالا تجارية ولو لم تصدر عن تاجر.
الفرع الثاني: الشركات التجارية
تعد الشركة عقد يتم بين شخصين أو أكثر بغية القيام بعمل
مشترك وتقسيم ما سننتج عنه من ربح أو خسارة.
إعتبر المشرع الجزائري عمل الشركات التجارية عملا تجاريا بحسب الشّكل نظرا
لما تقوم به هذه الشركات من نشاط وما يترتب عليها من حقوق والتزامات. لذا وجب
التمييز بين الشركات التجارية والشركات المدنية.
حددت المادة 544 /2 من القانون التجاري الشركات التجارية
في شركة المساهمة (SPA) شركة ذات مسؤولية محدودة (SARL)،
شركة التضامن (SNC) قبل أن يضيف المرسوم التشريعي 93/08 المعدل
والمتمم للقانون التجاري شركة التوصية وشركة المحاصة إلى قائمة الشركات التجارية
وهاتين الشّركتين الأخيرتين تعدان شركة تجارية بحسب موضوعها وليس بحسب شكلها.
الفرع الثالث: وكالات ومكاتب الأعمال مهما كان هدفها
تؤدي وكالات ومكاتب الأعمال خدمة للجمهور مقابل أجر محدد
يكون تحديده سواء مسبقا أو بنسبة مئوية من قيمة الصفقة. تتعدد الخدمات التي تقدمها
هذه الوكالات ونذكر منها: وكالات السياحة والأسعار ومكاتب الدارسات في مجال
البناء.
إن إضفاء المشرع الجزائري للصفة التجارية على هذه
المكاتب والوكالات كان باعتبار الشكل أو التنظيم الذي تباشر به أعمالها.
الفرع الرابع: كل العمليات المتعلقة بالمحل التجاري
يعرف المحل التجاري أنّه مجموعة من الأموال المادية
والمعنوية كالبضائع والاسم التجاري، الشّهرة التجارية وطبقا لما نص عليه المشرع في
المادة 79 ق ت ج فإن أي تصرف يرد على المحل التجاري من بيع، تأجير أو رهن يعد عملا
تجاريا سواء ورد التصرف على المحل كله أو على إحدى العناصر المكوّنة له.
الفرع الخامس: العقود التجارية الواردة على التجارة البحرية أو الجوية
تنص المادة 3/ 5 من القانون التجاري على "يعد عملا
تجاريا بحسب شكله: كل عقد تجاري يتعلق بالتجارة البحرية أو الجوية"، ومن ذلك
فإنّ المشرع الجزائري أضفى الصّفة التجارية على كل العقود المتعلقة بالتجارة
البحرية أو الجوية وذلك بتوفر شرطين: - أن يتم العمل في شكل عقد. – أن يتعلق موضوع
العقد بالتجارة البحرية أو الجوية.
المطلب الثالث: الأعمال التجارية بالتبعية
اضافة الى الأعمال التجارية بحسب الموضوع والأعمال
التجارية بحسب الشكل ،اعتمد المشرع الجزائري في المادة الرابعة من القانون التجاري
أعمالا تجارية أخرى ليست تجارية سوى لأنها تتم عن طريق التبعية لعمل تجاري اخر.
نتطرق في الفرع الأول الى تعريف الأعمال التجارية بالتبعية قبل أن نستعرض الأسس
التي تنبني عليها هذه الفئة من الأعمال التجارية (فرع ثاني).
الفرع الأول: تعريف الأعمال التجارية بالتبعية
يقصد بالأعمال التجارية بالتبعية تلك الأعمال المدنية
بطبيعتها نظرا لكونها تخرج عن التعداد القانوني للأعمال التجارية الواردة في
المادتين 2 و3 من القانون التجاري والتي تعد تجارية بسبب صدورها عن تاجر لحاجات
تجارته، إذن مصدر تجارية هذه الأعمال لا يكمن في طبيعتها وانّما في مهنة القائم
بها.
نظرية الأعمال التجارية بالتبعية هي من خلق الفقه
والقضاء والدّافع لذلك كان محاولة علاج قصور التشريع في معالجة هذه الأعمال، مما
أدى إلى عدم تجانس النظام القانوني المطبق على أعمال التاجر بمجموعها.
الفرع الثاني: أسس الأعمال التجارية بالتبعية
ترتكز نظرية الأعمال التجارية على أساسين وهما: الأساس
المنطقي والأساس القانوني.
أولا: الأساس المنطقي
ويقضي بإضفاء الصفة التجارية على كل الأعمال التي تتبع
مهنة التاجر لتوحيد النظام القانوني الذي تتبع له الحياة التجارية كلية.
ثانيا: الأساس القانوني
ويكمن في نص المادة الرابعة من القانون التجاري والتي
تشترط في الأعمال التجارية بالتبعية أن تصدر من تاجر وأن ترتبط بنشاطه التجاري.
يمتد نطاق تطبيق الأعمال التجارية بالتبعية من الالتزامات
التعاقدية إلى جميع العقود التي يبرمها التاجر لحاجات تجارته والتي هي في الأصل
أعمالا مدنية وكذا إلى الالتزامات الغير تعاقدية. أورد المشرع الجزائري استثناء
وحيدا على الالتزامات التعاقدية للتاجر والتي لا تعد عملا تجاريا وهي عقد الكفالة،
الذي نصت عليه المادة 644 من القانون المدني والذي يحافظ على أصله المدني حتى وان صدر عن تاجر.
المطلب الرابع: الأعمال التجارية المختلطة
يقصد بالأعمال التجارية المختلطة تلك التصرفات التي يضفى
عليها الطابع التجاري بالنسبة لطرف
والطابع المدني بالنسبة لطرف آخر، مثل العلاقة بين تاجر ومستهلك فالعقد يعد
تجاريا بالنسبة للأول ومدنيا بالنسبة للثاني.
الفرع الأول: الجدل حول الجهة القضائية المختصة للفصل في الدعاوى المتعلقة بالأعمال التجارية المختلطة
تثير الأعمال التجارية المختلطة العديد من الإشكاليات في
الحياة التجارية كونها تخلق تناقضات في ماهية الجهة القضائية المختصة للفصل في
موضوع النزاع. في هذا الشأن، رغم أن أغلب الفقه يتجه إلى منح الإختصاص لمحكمة موطن
المدعى عليه، لكن يوجد إتجاه فقهي يعطي للشخص المدني الإختيار بين المحاكم المدنية
والمحاكم التجارية، والهدف من ذالك هو الرغبة في تجنيب الشخص المدني المثول أمام
القضاء التجاري الذي هو قضاء لم يألفه من قبل، أما اذا كان العمل تجاري بالنسبة
للمدعي ومدني بالنسبة للمدعى عليه فلا يجوز للمدعي (التاجر) أن يقاضي الشخص غير
التاجر إلا أمام المحكمة المدنية.
الفرع الثاني: القانون الواجب التطبيق على الأعمال التجارية المختلطة
تطرح مسألة القانون الواجب التطبيق عند الفصل في قضية
تتعلق بالأعمال التجارية المختلطة جدلا واسعا. لكن الرأي الارجح يعتمد تطبيق
القانون المدني على الجانب المدني من النزاع ، حتى لو كان هذا النزاع مطروحا أمام
المحكمة التجارية، ويطبق القانون التجاري على الجانب التجاري من النازع ولو كان
النزاع مطروحا أمام المحمكة المدنية.
فاذا أراد المدعي اثبات العمل الذي يعتبر تجاريا بالنسبة
له في مواجهة المدعى عليه، الذي يعتبر العمل بالنسبة له مدنيا، يتعين عليه كمدعي
أن يتبع قواعد الاثبات المدنية، فلا يجوز أن يثبت الدين الذي تزيد قيمته عن مائة
ألف دينار إلا بالكتابة، أما اذا كان المدعي شخصا مدنيا وأراد اثبات عملا تجاريا
بالنسبة للمدعى عليه، فعليه أن يتبع قواعد الاثبات التجارية، فالعبرة في هذا الصدد
بتحديد طبيعة العمل بالنسبة للمدعى عليه والشخص الذي ستطبق قواعد الاثبات في
مواجهته.
نظرا للصعوبات التي تنشأ عن تعدد الانظمة القانونية التي
تحكم الأعمال المختلطة، إرتأت بعض التشريعات الحديثة (مثل القانون التجاري
الألماني والقانون التجاري لبلجيكا) اخضاع العمل المختلط الى نظام قانوني واحد وليكن
القانون التجاري وإخضاع العمل بالتالي، بشقيه المدني والتجاري، لأحكام القانون
التجاري. اعتنقت هذا الاتجاه بعض التشريعات العربية كالتشريعين العراقي والكويتي.
أما فيما يتعلق بالاختصاص المحلي، فوفقا للقواعد العامة،
لا يجوز مقاضاة الطرف المدني إلا أمام محكمة محل إقامته. أما بالنسبة للطرف
التجاري فيجوز رفع الدعوى عليه سواء أمام محكمة موطنه، محكمة محل إبرام العقد أو محكمة
مكان تنفيذ العقد.
المرجع:
- د. مصاد رفيق، محاضرات في مقياس القانون التجاري، موجهة لطلبة السنة الثانية ليسانس حقوق، جامعة أكلي محند أولحاج- البويرة- ، كلية الحقوق والعلوم السياسية، الجزائر، السنة الجامعية: 2019/2020، ص17 إلى ص38.