الُمساهمون في الجريمة
قد
ترُتكب الجريمة من طرف شخص واحد يفُكّر فيها ثم يحُضّرُ لها، ثمُّ ينفذّها، وهذا
الشخص الجاني يطُلق عليه إسم "الفاعل" ولكن قد يستعين الفاعل بشخص أو
أكثر، قبل ارتكاب الجريمة أو أثناء ارتكابها أو بعد إتمام تنفيذها. فيتعدّد الأشخاص
المُتدخلون في ارتكاب الجريمة الواحدة، عندما يتعاونون في إحداث السلوك الإجرامي
ونتيجته. وهؤلاء قد تتساوى أدوارهم وقد تختلف وتتفاوت بأن يقوم بعضهم بنشاط رئيسي
خطير وهم الفاعلين الأصليين، ويقوم بعضهم الآخر بنشاط ثانوي غير خطير وهم "الشركاء".
المطلب الأول: التعريف بالمساهمة الجنائية
المساهمة
الجنائية هي مُمارسة جماعية للنشاط الإجرامي، تتمثلُّ في حالة تعدّد الأشخاص الذين
يتدخّلون في ارتكاب جريمة واحدة، متى كان تدخُّلهم عرضيا لا يستلزمه القانون
لتحديد وصف الجريمة.
وارتكاب
الجريمة الواحدة من طرف عدّة أشخاص تدُّل على خطورتها. فما هي أركانها وأنواعها؟
الفرع الأول: أركان المساهمة الجنائية
المساهمة
الجنائية تتحقق بتوفر أركان أساسية، هي تعدّد الجناة ووحدة المشروع الإجرامي.
أ) ركن تعدُّد الجناة:
تقوم
المُساهمة الجنائية على ركن تعدد الجناة بتظافر نشاط عدّة أشخاص لارتكاب جريمة
واحدة، كأن يتعاونوا على سرقة منزل مثلا، سواء تساوت أدوارهم ونشاطتهُم أو اختلفت.
فتعدّد الأشخاص هو ركن ضروري لقيام المُساهمة الجنائية لكنهّ عرضيٌ وغير ضروري
لوقوع الجريمة.
فمن
هذه الناحية تختلف المُساهمة الجنائية عن بعض أنواع الإجرام الجماعي الذي يفترض
تعدّد الجناة في الجريمة ويكون رُكنا ضروريا لارتكابها مثل المؤامرة (م78 ق ع ج)
والتجمهر (م97 ق ع ج) والمُظاهرات (م21 من قانون المُظاهرات العمومية 89-28)
والرشوة (م 25 من قانون مُكافحة الفساد) والزنا (م339 ق ع ج). والإتفاق الجنائي في
إطار جمعية أشرار أو عصابة مُنظمة أو جماعة إرهابية.
ب) ركن وحدة الجريمة:
تقوم
المُساهمة الجنائية بالإضافة إلى تعدّد الجناة، على وحدة المشروع الإجرامي، حيثُ
تقوم بينهم وحدة مادّية هي إتيان نشاط لتحقيق نتيجة إجرامية واحدة، ووحدة معنوية
قوامها اتحاد إراداتهم.
فالمساهمة
الجنائية بذلك تختلف عن إجرام الجماعات الذي تتعدّد فيه الجرائم بتعدّد الفاعلين،
أين يعمل كُلّ شخص لحسابه أثناء وجودهم في وسط جمهور في حالة هياج، مثل شغب
الملاعب، والمظاهرات.
وكذلك
لا تنطبق أحكام المُساهمة الجنائية على التعدد العفوي للأشخاص، كما لو وُجدوا معا
صُدفة يسرقون في مسكن واحد دون أن توجد بينهم وحدة معنوية، أي لم يسبق لأحدهم أن
علم بالآخر ونيته.
الفرع الثاني: التمييز بين المساهمة المباشرة والمساهمة غير المباشرة
قد
تكون سلوكات وأدوار الأشخاص المساهمين في الجريمة متفاوتة من حيثُ الخطورة، وعلى
أساس ذلك ميزّ المُشرّع بين الفاعل والشريك في المواد 41 ـ43 ق ع ج. فما معيار
التمييز بينهما؟ وما فائدته؟
أوّلا: معيار التمييز بين الأفعال الأصلية وأفعال الإشتراك:
تختلف
نظريتان في تحديد هذا المعيار، وتختلف مواقف التشريعات في الانحياز إلى إحداهما.
أ) النظرية الشخصية:
تقوم
هذه النظرية على الركن المعنوي للجريمة، فتستند إلى اعتبارات شخصية مردّها إرادة
الشخص ،فالفاعل يرتكبُ الجريمة بنيةّ الفاعل باعتبار الجريمة مشروعه هو لذلك يكون
حضور الفاعل في الجريمة قويا وفعّالا
وأساسيا، بينما الشريك يدخل في مشروع غيره بنيةّ المُساعدة فقط، بحيثُ لو
كان هو الشخص الوحيد لما ارتكبها، لأنهّ ليس لديه نيةّ ارتكاب الجريمة. لكنهّ
معيار صعب وغامض لتعلُّقه بالجانب النفسي.
ب) النظرية الموضوعية:
تستند
النظرية إلى الركن المادّي للجريمة أي إلى نوع السلوك الذي يرتكبه الشخص ومقدار
خطورته، فتعَتبرِ أنّ الفاعل هو الذي يرتكب عملا تنفيذيا للجريمة أو يشرع فيه
بالبدء بالتنفيذ، بينما الشريك هو الذي يرتكب أفعالا تحضيرية سابقة على التنفيذ لا
ترقى إلى درجة الأفعال الداخلة في تكوين الركن المادّي لا كجريمة تامّة ولا كشروع،
فالشريك دوره ثانوي في الجريمة ومُساهمته فيها تبقى عرضية وتبعية للفاعل الأصلي.
كمن يمُدُّ السارق بمعلومات عن ميعاد خروج صاحب البيت، فمُجرّد تقديم المعلومة ليس
في ذاته جريمة، بينما دخول الفاعل إلى البيت وسرقة المال جريمة في ذاته.
المعيار
الموضوعي يمتاز بوضوحه وسهولة تطبيقه، ويستند إلى أساس قانوني منطقي، هو معيار
الأعمال التحضيرية والشروع. وهو المعيار الذي أخذ به المُشرّع في المادّة 41
بنصّها أنّ الفاعل هو من ساهم مُساهمة مُباشرة، ويؤكّدُه في تعريفه لأفعال الشريك
بأنهّا أعمال تحضيرية مُساعدة مُسهلة مُعاونة.
ثانيا: أهمّية التمييز بين الشريك والفاعل الأصلي:
أ) التفريد القضائي لعقوبة الشريك:
رغم
أنّ القانون يسُوّي في العقوبة بين الشريك والفاعل الأصلي حسب المادّة 44 من ق ع ج،
إلاّ أنّ القاضي من الناحية العملية يعُاقب الشريك بعقوبة أخفّ من عقوبة الفاعل
بما له من سلطة تقديرية في مُلاءمة العقوبة ضمن مجال الحدّين الأدنى والأقصى.
ب) عدم مُعاقبة الشريك في المُخالفات:
تنُّصُّ
المادّة 44 من ق ع ج على قاعدة عامّة بأنهّ لا عقاب على الإشتراك في المُخالفات
إطلاقا حيثُ يعُاقب الفاعل وحده. وأن مُعاقبة الشريك تكون في الجناية والجنحة فقط.
ويسُتثنى
من هذه القاعدة بعض الحالات مثل: مُخالفة الضرب والجرح العمدي التي يعاقب فيها
الأشخاص وشركاؤهم الذين يحدثون جروحا أو يعتدون بالضرب أو أعمال عنف لا ينشأ عنها
مرض أو عجز عن العمل أكثر من 15 يوما (الم442). ومُخالفة المُشاجرة بين الأشخاص
وشركاؤهم في الاعتداء أو أعمال عنف أو من يلقون عمدا مواد صلبة أو قاذورات على شخص
(الم 442مكرر)
جـ) تعدّد الفاعلين كظرف مُشدّد للعقوبة:
يكون
تعدُّد الفاعلين ظرفا مُشدّدا للعقوبة لكن من الفاعلين الأصليين وليس الشركاء،
فإذا كان الفاعل واحدا والباقي شُركاء، فلا يتحققّ ظرف التعدّد، لأنّ ظهور
المُساهمين في مسرح الجريمة بأعمالهم المُباشرة في تنفيذ الجريمة هو الذي يرُعب
الضحية ويعُجزه عن المُقاومة، في حين أنّ الشركاء لا يظهرون كقاعدة عامّة في مسرح
الجريمة ولا يقومون بأعمال تنفيذية. ومثال ذلك تشديد عقوبة جنحة السرقة البسيطة
إذا ارتكُبت بواسطة شخصين أو أكثر (الم 354 ق ع ج). أو تحوّلها إلى جناية السرقة
الموصوفة إذا ارتكبها شخصان واقترنت بظرف آخر كالليل، أو التسلقّ أو الكسر أو
استعمال مركبة ..إلخ).
د) إشتراط صفة مُعينّة في الفاعل دون الشريك: مثل وجوب أن يكون الفاعل موظفا في
جريمة الرشوة، ومتزوجا في جريمة الزنا.
هـ) اشتراط وقوع الجريمة من الفاعل الأصلي لمعاقبة الشريك:
لا
يسُأل الشخص عن جريمة بصفته شريكا إلا إذا ارتكبت الجريمة من طرف الفاعل ويشُترطُ
لإدانة الشريك إثبات فعل الإشتراك وإثبات الفعل الأصلي.
و) لا شروع في أفعال الشريك:
يعُاقب
على الشروع بالنسبة للبدأ في تنفيذ الأفعال الأصلية، أمّا إذا كان البدء بالتنفيذ
مُنصباّ على أفعال الاشتراك فلا عقاب عليها. وإذا عدل الفاعل الأصلي عن الجريمة
يستفيد شريكه من العدول، وإذا عدل أحد الفاعلين الأصليين، فلا يستفيد الفاعلون
الآخرون من عدوله.
ثالثا: علاقة الشريك بالفاعل:
يؤُسّس
الفقه علاقة الشريك بالفاعل الرئيسي للجريمة على نظريتين، هما الاستقلالية
والتبعية.
أ) نظرية الاستقلالية:
مؤدّى
النظرية استقلال الشريك عن الفاعل الأصلي في مسؤوليته عن الجريمة حيثُ يعُتبر عمل
الشريك منفصلا من حيث التجريم والعقوبة عن فعل الفاعل الأصلي، ويترتبّ عن هذا
النتائج التالية:
1ـ
الشريك يسُأل جنائيا بحسب خطورته هو بصرف النظر عن خطورة الفاعل الأصلي، ولهذا قد
تكون مسؤوليته أشدّ من مسؤولية الفاعل الأصلي.
2ـ
الشريك يسُأل جنائيا بحسب قصده الخاصّ به ولا يتأثر بما يرتكبه الفاعل من جرائم
جديدة لم تكن في ذهنه. كمن يشترك في السرقة ثمّ يقوم الفاعل بالسرقة والقتل.
3ـ
الشريك لا يتأثر بموانع المسؤولية أو العقاب المُتوفرّة في الفاعل إذا كانت ذات
طابع شخصي ،ولا يتأثر بأسباب انقضاء الدعوى المتصلة بالفاعل الأصلي كوفاته أو
العفو الشامل عنه. ولكنهّ يتأثر بالظروف المادّية المُتصلة بالسلوك الإجرامي.
4ـ
المُحرِّض يعُاقب حتى ولو امتنع المُحَّرَّض عن ارتكاب الجريمة.
ب)
نظرية الإستعارة (التبيعة):
مفادُها
أنّ الشريك يستمدُّ إجرامه وصفته الإجرامية من فعل الفاعل الأصلي، فهو تابع له
ومرتبط بمصيره من حيث التجريم والعقاب. ويترتبّ عن هذه التبعية:
1ـ
التسوية الكاملة بين الشريك والفاعل من حيث المسؤولية، والعقوبة وظروفها الشخصية
والموضوعية، بشرط أن تقع الجريمة الأصلية.
2ـ
لا يعُاقب الشريك إلا إذا ارتكب الفاعل الجريمة ولا يعُاقب المُحرِّض إلا بعد وقوع
الجريمة.
3ـ
الشريك يسُأل في نطاق خطورة الفاعل وبحسب قصد الفاعل فإذا ارتكب الفاعل جرائم
جديدة غير التي أراد الشريك الاشتراك فيها فإنّ الشريك يسُأل عنها.
4ـ
يتأثر الشريك بموانع المسؤولية والعقاب وأسباب انقضاء الدعوى الجزائية المرتبطة
بالفاعل.
النظرية
أدّت إلى نتائج متناقضة في بعض الحالات مثل جريمة قتل الأصول التي تشُدّد فيها عقاب
الشريك، وفكرة معاقبة التحريض على الجريمة رغم عدم وقوعها.
حاول
أنصار النظرية التخفيف فقالوا بالاستعارة النسبية أوّ المُقيدّة بدل المُطلقة،
وفيها أنهّ لا يستفيد من الظروف الشخصية المُشدّدة أو المُخففّة للعقوبة إلا من
توفرّت فيه.
جـ) موقف المشرّع: هو المذهب الوسطي، بين التبعية والاستقلالية:
1ـ التبعية: من حيث المساواة في العقوبة (المادّة 44/ 1 ق ع ج). وتأثر الشريك
بالظروف الموضوعية اللصيقة بالجريمة (المادّة 44 /3 ق ع ج).
2ـ الإستقلالية: من حيث: ـ مُعاقبة المُحرّض رغم عدم وقوع الجريمة المُحرّضة (الم46ق
ع ج) ومُعاقبة الفاعل المعنوي (المادّة 45 ق ع ج). واستقلال الشريك بظروفه الشخصية
(الم 44 /2 ق ع ج) ومثاله قتل الطفل الحديث العهد بالولادة (المادّة 161 ق ع ج).
المطلب الثاني: أنواع المساهمين في الجريمة
ـ
الفاعل (المُساهم المُباشر)
ـ
الشريك (المُساهم غير المُباشر)
الفرع الأول: الفاعل (المساهم المباشر)
تقتضي
المساهمة الأصلية تعدّد الفاعلين الأصليين وقد وصفت المادة 41 من قانون العقوبات
الفاعل الأصلي بالمساهم المباشر في تنفيذ الجريمة أو المُحرّض "يعُتبر فاعلا
كُّلُّ من ساهم مُساهمة مباشرة في تنفيذ الجريمة أو حرّض على ارتكاب الفعل بالهبة
أو الوعد أو التهديد أو إساءة استعمال السلطة أو الولاية أو التحايل أو التدليس
الإجرامي" وأضافت المادّة 45 الفاعل المعنوي.
إذن
الفاعل الأصلي ثلاث لأنواع: 1ـ الفاعل المادّي المُساهم مُباشرة في تنفيذ الجريمة،
2ـ الفاعل المعنوي، 3- المُحرّض
أوّلا: الفاعل المادّي
ـ
الفاعل المادّي هو الجاني الذي يرتكب نشاطا مُنفّذا للجريمة يدخل في تكوين الركن
المادي للجريمة كما يتطلبه نُّصُّ التجريم، بارتكاب السلوك وتحقيق النتيجة الضارّة
مع قيام العلاقة السببية المادّية، والعلاقة النفسية المبنية على القصد العام أو
الخاص بحسب نوع الجريمة. سواء كان الفعل جريمة تامّة أو شروعا.
ـ المُساهم شخصيا بشكل مُباشر: قد يسُاهم أكثر من شخص في ارتكاب
الجريمة الواحدة فيكون لها فاعلان وليس فاعلٌ واحد، وهي صورة المساهمة الجنائية
الأصلية أو المُساهمة المُباشرة، إذ يحُققّ كل مُساهم جميع عناصر الركن المادّي
للجريمة كأن يضرب كل واحد من الجناة بعض الضربات فيموت المجني عليه من مجموع تلك
الضربات. أو إذا حمل كل واحد منهم جزء من المسروقات. فكل واحد منهم يسمّى فاعلا أو
فاعلا مع غيره.
ـ
وينطبق على هذا أيضا معيار الشروع، حيث يمكن أن يكون الفاعل من قام بعمل يعُدُّ
شروعا في التنفيذ. لكن يرى بعض الفقه أنّ معيار الشروع غير كافِ لوحده، واقترح
معيار ظهور الشخص في مسرح الجريمة، ومُعاصرة فعله لوقوع الجريمة.
ثانيا: المُحرِّض
كان
المُحرّض قبل سنة 1982 يعُتبر شريكا في الجريمة طبقا للمادّة 42 وليس فاعلا أصليا،
لكنّ المُشرّع الجزائري خالف أغلب تشريعات الدول، وحوّل التحريض من أفعال الإشتراك
إلى الأفعال الأصلية ،وذلك في تعديل قانون العقوبات بموجب القا 82-04 حيثُ نقل
الفقرة 1 من المادّة 42 إلى المادّة 41. على أساس أنّ المُحرّض له نيةّ الفاعل وله
مصلحة من وراء الجريمة المُحرّضة وهو الذي خلق الجريمة.
أ) المقصود بالتحريض:
التحريض
هو دفع الغير إلى ارتكاب الجريمة، سواء بخلق فكرة الجريمة لديه، إذْ لم تكن موجودة
من قبل، أو بتشجيعه على تحقيق فكرة الجريمة التي كانت موجودة لديه قبل التحريض.
ويشُترط:
1ـ
أن يكون التحريضُ مُباشرا بأن يبثُ المُحرِّضُ فكرة الجريمة في نفس الشخص مُباشرة
وصراحة ،وليس مجرّد زرع للكراهية والحقد فيه تجاه شخص آخر.
2ـ
أن يكون التحريض شخصيا موجها لشخص مُعينّ وليس عامّا موجّها إلى عامّة الناّس في
خطبة أو إعلان إلى الجمهور، والذي قد يتخذ جريمة مُستقلةّ بذاتها، مثل التحريض
العلني على التجمهرالم100.
ويختلف
التحريض في المادّة 41 عن التحريض الخاص غير المُقيدّ بالوسيلة مثل التحريض على
الإجهاض (المادّة 310 ق ع ج)، والتحريض على جرائم المُخدّرات بموجب المادّة 22 من
قانون مُكافحة المُخدّرات 04/ 18 والتحريض على ارتكاب جرائم مُعينة مُنصوص عليها
بالمواد (80، 83، 86، 107، 138، 140، 361 ق ع ج).
3ـ
مُعظم الفقه والتشريعات الغربية والعربية يضيف شرط وقوع الجريمة المُحرض عليها
لتجريم ومُعاقبة المُحرّض عليها، فإذا لم ترُتكب الجريمة فمن غير المنطقي أن
يعُاقب المُحرِّض. إلاّ أنّ المشرّع الجزائري في المادّة 46 ق ع ج خالف هذا المنطق
ونصّ على معاقبة المُحرّض (L’instigateur)
بشكل مُستقل عن المُحَّرَّض، إذا لم ترُتكب الجريمة بسبب امتناع الشخص المُحَّرَّض
بإرادته عن تنفيذ الجريمة.
ب) وسائل التحريض:
عدّد
المشرع الجزائري في المادّة 41 ق ع على سبيل الحصر وسائل التحريض وهي:
1ـ
الهبة، منح هدية مالية أو عينيةّ للشخص المُحَّرَّض.
2ـ
الوعد، الوعد بإعطاء مُكافأة على تنفيذ الجريمة، قد تكون المُكافأة مادّية أو في
شكل أداء خدمة.
3ـ
التهديد، حثّ الشخص على ارتكاب الجريمة بالضغط على إرادته بالوعيد التي يهُدّدُه
بالقتل أو المُساومة بنشر خبر سيّء عنه أو صور، إذا لم يرتكب الجريمة.
4ـ
إساءة استعمال السلطة أو الولاية، بأن يكون للمُحرٍّض سلطة قانونية على
المُحَّرَّض كأن يكون رئيسه في العمل، أو يكون وليُّه الشرعي مثل الأب أو الكفيل
بالنسبة للقاصر.
5ـ
التحايل أو التدليس الإجرامي ويقُصدُ به مُباشرةُ أعمال تهُيجّ شعور الشخص
المُحَّرَّض وتشُجّعه وتحُمّسُه على ارتكاب الجريمة، كمن يدّعي أمام الإبن العنيف
شديد الإنفعال أنّ أباه تعرّض للضرب والإهانة من طرف فلان، فيوغر صدره عليه ويقنعه
بأنهّ ينبغي الثأر لأبيه ممّا يجعله يرتكب جريمة ضدّه.
ثالثا: الفاعل المعنوي
نصّت
عليه المادة 45 ق ع ج "من يحمل شخصا لا يخضع للعقوبة بسبب وضعه أو صفته
الشخصية على ارتكاب جريمة يعاقب بالعقوبات المُقرّرة لها".
الفاعل
المعنوي لا يرتكب السلوك المادي للجريمة ولكن يستعين بشخص آخر غير أهل لتحمّل
المسؤولية الجزائية، مثلا بسبب الجنون أو الإكراه أو صغر السنّ، بحيث يسُيطر عليه
سيطرة تامّة ويكون بمثابة أداة في يد الفاعل المعنوي يسخّرها لتنفيذ الجريمة.
يشُترط
لمعاقبة هذا النوع من الفاعلين شرطان:
ـ التحريض ولم يحدّد المشرّع وسائل التحريض في هذه الصورة فقد تكون بالإغراء
والترغيب أو التهديد والترهيب.
ـ الشخص غير المؤهل للعقاب والمسؤولية: الفاعل المادّي للجريمة عن طريق
التحريض، ينبغي أن يكون من بين الأشخاص غير المؤهلين جنائيا للمساءلة والعقاب بسبب
صفته كصغير السن أو المجنون ،والزوج والأصول والفروع في السرقات بين الأقارب، أو
بسبب وضعه مثل من يفعل الجريمة كفعل مُبرّر بأمر القانون أو إذن القانون أو الدفاع
الشرعي.
الفرع الثاني: الشريك (المساهم الغير مباشر)
بالرجوع
لنص المادتين 42 و43 من قانون العقوبات نجد أنّ المُشرّع نظمّ أحكام الشريك بشكل
مُستقل عن الفاعل، على أساس أنّ الإشتراك لا يعني القيام بدور رئيسي أو أصلي في
تنفيذ الجريمة وإنمّا يعني القيام بدور ثانوي بمُساهمة غير مُباشرة في الجريمة.
أولا: أركان جريمة الشريك:
عرّفت
المادة 42 الشريك في الجريمة بأنهّ "من لم يشترك اشتراكا مباشرا، ولكنهّ ساعد
بكل الطرق أو عاون الفاعل أو الفاعلين على ارتكاب الأفعال التحضيرية أو المسهلة أو
المنفذة لها مع علمه بذلك".
وعرّفت
المادة 43 الشريك الحكمي بأنهّ "يأخذ حكم الشريك من اعتاد أن يقدم مسكنا أو
ملجأ أو مكانا للاجتماع لواحد أو أكثر من الأشرار الذين يمارسون اللصوصية أو العنف
ضد أمن الدولة أو الأمن العام أو ضد الأشخاص أو الأموال مع علمه بسلوكهم الإجرامي".
أ) عناصر الركن المادّي لفعل الاشتراك:
1) وقوع الجريمة من الفاعل الأصلي: فعل الشريك تابع لجريمة الفاعل
الرئيسي، فلابدّ أن تقع الجريمة التامّة أو الشروع فيها لمساءلة الشريك، ويشترط أن
تكون الجريمة جناية أو جنحة.
2) السلوك المادي للإشتراك: يتمثل في جميع أعمال المساعدة التي يقُدّمها
الشريك للفاعل الأصلي بغرض الوصول إلى تحقيق النتيجة الإجرامية. وقد بينّت المادة 42
ق ع صور الإشتراك في ثلاثة أنواع من الأعمال وهي:
ـ الأعمال التحضيرية: وهي الأعمال التي تقع قبل تنفيذ الجريمة
وتتضمن التحضير لها. كتقديم معلومات عن مكان السرقة، أو شراء سلاح أو توفير مركبة.
ـ الأعمال المُسهّلة: وهي أعمال المساعدة التي تعاصر ارتكاب الجريمة
أي الأعمال التي تقع بعد البدء في تنفيذ الجريمة بغرض جعل هذا التنفيذ أكثر سهولة،
أو لإزالة عقبة تعترض تحقيق الجريمة. وهي أعمال تقع غالبا في غير مسرح الجريمة،
مثل قيام أحدهم بتعطيل المجني عليه عن العودة إلى منزله حتى تتم السرقة فيه.
ـ الأعمال المُتمّمة: وهي التي تعاصر المرحلة الختامية لتنفيذ
الجريمة.
ـ إيواء الأشرار: بسبب المخاطر التي يتعرّض لها المجتمع في تشجيع أعمال الإجرام
وتقديم المكان الآمن لمن يخلّ بأمن الدولة، اعتبرت المادة 43 من قانون العقوبات في
حُكم أفعال الاشتراك الاعتاد على تقديم مسكن أو ملجأ أو مكان للإجتماع لواحد أو
أكثر من الأشرار الذين يمارسون اللصوصية أو العنف ضد أمن الدولة أو الأمن العام،
أو ضد الأشخاص، أو الأموال مع علمهم بسلوكهم الإجرامي.
ب) الركن المعنوي
ـ
يتفق الفقه على أمكانية تصوّر المُساهمة الأصلية في الجرائم غير العمدية كالمساهمة
في القتل الخطأ أو الجرح الخطأ من أكثر من شخص، حيث يعُتبرون فاعلين أصليين. لكن
يختلف الفقه في إمكانية تصوّر المُساهمة غير المُباشرة في الجريمة غير العمدية بين
مُؤيدّ ومعارض. والراجح هو أنّ الركن المعنوي للإشتراك هو القصد الجنائي المطلوب
للجريمة العمدية، والقائم على العلم والإرادة.
1) العلم هو إحاطة الشريك علما بأركان الواقعة الإجرامية موضوع الإشتراك، أي
علم الشريك بماهية سلوكه وبسلوك الآخرين، فمن يعير سياّرته لصديقه وكان يجهل أنهّ
سينقل بها المخدّرات أو المسروقات لا يعُدُّ شريكا في هذه الجرائم، ومن يصنع
مفتاحا لشخص وهو لا يعلم أنهّ سيستخدمه في فتح مسكن وسرقة محتوياته لا يعدُّ شريكا
في السرقة.
2) الإرادة يجب أن تتجه ارادة الشريك إلى مساعدة الفاعل في تحقيق الواقعة
الإجرامية. فمن يبيع خنجرا لشخص آخر وهو يعلم أنهّ سيستعمله في جريمة الإعتداء لا
يسُأل عن هذه الجريمة إلاّ إذا اتجه قصده للمساهمة في هذه الجريمة.
ثانيا: عقوبة الشريك
هناك
نظامان يؤُسّسان مسؤولية الشريك، النظام الأوّل يسُوّي بين جميع المُساهمين في
الجريمة من حيث المسؤولية والعقاب، مهما اختلفت أدوارهم، وهذا استنادا إلى نظرية
تعادل الأسباب، وبحجّة أنهّ لو لا مساهمة وتدخل نشاط كل واحد منهم لما تحققت
النتيجة الإجرامية.
والنظام
الثاني يفُرّق بين المساهمين الأصليين ذوي النشاط الأكثر أهمّية وخطورة،
والمساهمين التابعين ذوي النشاط الأقل أهمّية، ويترتب عليه الاختلاف في درجة
المسؤولية والعقوبة.
أ) مبدأ مُساواة العقوبة بين الشريك والفاعل الأصلي:
ـ
يقضي هذا المبدأ بمعاقبة الشريك في الجناية أو الجنحة بنفس العقوبة المقرّرة
للفاعل الأصلي، وهو موقف المشرّع الجزائري في المادة 44 من قانون العقوبات. وكذلك
المخالفة عندما ينصّ القانون على عقوبة الإشتراك فيها. ويستند المبدأ إلى فكرة
تبعية الشريك للفاعل الأصلي واستعارة التجريم والعقاب.
ـ
لكنّ التشريعات لم تأخذ المبدأ على إطلاقه بل خففّت من مُقتضياته لأنهّ يتنافى مع
مبادئ علم الإجرام، على أساس أنّ الشريك أقلّ خطورة من الفاعل الأصلي، ويتنافى مع
علم العقاب، على أساس تناقضه مع مبدأ تفريد العقاب.
ـ
فقد تختلف عقوبة الفاعل الأصلي عن عقوبة الشريك، إعمالا لمبدأ التفريد القضائي
للعقوبة بما للقاضي من سلطة في تقدير العقوبة بالخيار بين الحدّين الأدنى والأقصى،
والخيار بين الحبس أو الغرامة، والخيار بين نفاذ العقوبة ووقف التنفيذ، أو تخفيفها
بظروف التخفيف التي أجازتها المادّة 53 ق ع.
أو
التفريد التشريعي مثل جريمة الهروب الم 188 والمُساعدة على الهروب الم191 و192 ق ع
ج، وجريمة تواطؤ المُوظفين الم112 والاشتراك في التواطؤ الم113، 114، ق ع ج، أو
مثل الظروف المُشدّدة المُحدّدة بالقانون، أو مثل تدابير مُعاملة الأحداث، أين
يكون القاضي مُجبرا على تطبيقها وليس له سلطة تقديرية.
ب) أثر الظروف على عقوبة الشريك:
1) أثر الظروف الموضوعية: هي الظروف العينية أو المادّية
المُتصلة بالركن المادي للجريمة، تُغيرُّ من خطورته زيادة ونقُصانا. والقاعدة فيها
أنهّ إذا كانت ظروفا مُشدّدة فهي تسري على المساهم سواء كان فاعلا أو شريكا بشرط
أن يكون عالما بها الم 44/3 ق ع ج. وإذا كانت ظروفا مُخففة فإنهّا تسري على جميع
المساهمين سواء علموا بها أو لم يعلموا.
ـ الظروف الموضوعية المُشدّدة قد ترجع إلى وسيلة الجريمة مثل الكسر
والتسلقّ، وحمل السلاح الظاهر واستعمال المركبة والمفاتيح المُصطنعة واستعمال
العنف والقوّة في السرقة الم351 ق ع ج، أو السّم في القتل (أو زمان الجريمة ليلا أو
نهارا الم 353 أو زمن الفتنة والزلزال والفيضان والحريق والانفجار والإضطرابات 351
ق ع ج أو مكانها (في الطرق العمومية ووسائل نقل المسافرين والموانئ
والمطارات...الم 352 ق ع ج) أو عدد فاعليها.
ـ الظروف الموضوعية المُخففّة مثل عذر تجاوز الدفاع الشرعي في
المادّة 281 ق ع ج في حالة الضرب والجرح ضدّ من يفُاجأ بهتك عرض قاصر. أو حالة
القتل أو الجرح أو الضرب عند وقوع ضرب شديد على شخص الم 278 ق ع ج. وحالة إنهاء
الحجز والخطف طبقا للمادّة 294 ق ع ج.
2) أثر الظروف الشخصية: وهي صفة أو حالة تقوم في من يرتكب
الجريمة يعتدُّ بها القانون في تشديد أو تخفيف العقوبة أو الإعفاء منها أو منع
المسؤولية الجزائية عن من توفرّت فيه، فهذه الظروف خاصّةٌ بالجاني لا تسري إلاّ
على من توفرّت فيه دون باقي المساهمين سواء فاعلين أصليين أو شركاء.
ـ الظروف الشخصية المّشدّدة مثل ظرف العود في المواد 54 مُكرّر
إلى 54 مُكرّر10، الذي يشُدّد العقوبة بالنسبة للعائد دون شركائه غير العائدين.
ومثل صفة البنوّة في قتل الأصول، تشُدّدُ العقوبة بالنسبة للإبن القاتل دون
شُركائه (الم 261 ق ع ج).
ـ الظروف الشخصية المخففة وهي نوعان، الأولى ظروف قضائية ليست
محصورة بل متروكة للسلطة التقديرية للقاضي عندما يرى وجها للتخفيف، نصّت عليها
المادة 53 ق ع ج. والثانية هي الظروف أو الأعذار القانونية التي ذكرها القانون على
سبيل الحصر، مثل صفة الأم في قتل الطفل حديث العهد بالولادة الم 261/ 2 ق ع ج.
وعذر صغر السنّ بين 10 سنوات و18 سنة. صفة الزوج في الجريمة بدافع الشرف الم 279 ق
ع ج.
ـ الظروف الشخصية المعفية من العقوبة وتسُمّى كذلك الأعذار
القانوني مُحدّدة قانونا على سبيل الحصر مثل صفة القرابة في جريمة عدم الإبلاغ عن
الجناية، وصفة القرابة أو الزوجية في جرائم السرقة والنصب وخيانة الأمانة،
والإخفاء.
ـ الظروف الشخصية المانعة من المسؤولية الجزائية، وهي ظروف ينعدم بها الركن المعنوي
لانعدام الإرادة فتنتفي بها المسؤولية الجزائية لمن توفرّت فيه وهي الجنون وصغر
السن والإكراه كما نصّت عليه المواد 47-49 ق ع ج.
المرجع:
- د. فريد روابح، محاضرات في القانون الجنائي العام، موجهة لسنة الثانية لسانس، جامعة محمد لمين دباغين- سطيف، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم الحقوق، الجزائر، السنة الجامعية 2018-2019، ص104 إلى ص114.