الركن المادي للجريمة
يتمثل
الركن المادّي للجريمة في مجموع العناصر الواقعية المادّية التي يتطلبّها النصّ
القانوني لقيام الجريمة، وهي الفعل الغير مشروع، وأثر الفعل وهو النتيجة
الإجرامية، وسبب الفعل وهو العلاقة السببية المادّية بين الفعل والنتيجة.
ـ
قد يقع الفعل الغير مشروع ولا يترُكُ آثارا مادّية أو نتائج ضارّة، ورغم ذلك
يعُاقب الفاعل عن فعله على أساس المُحاولة أو الشروع في الجريمة، أو لمُجرّد
تهديده المصلحة بخطر الإعتداء، وهي التي تسُمّى جرائم الخطر.
ـ
وقد يرتبط الفعل المجرّم بظروفٌ موضوعية تجعل منه فعلا مُبرّرا مُباحا، مثل أعمال
الدفاع عن النفس، والأعمال التي يبُيحها القانون صراحة بإذنٍ أو بأمر مُراعاة لهذه
الظروف.
- المطلب الأول: عناصر الركن المادّي للجريمة التامّة: وهي السلوك والنتيجة والعلاقة السببية.
- المطلب الثاني: عناصر الشروع في الجريمة: وهي البدأ بالتنفيذ وغياب النتيجة والقصد الجنائي
- المطلب الثالث: الأفعال المُبرّرة: وهي الدفاع الشرعي وإذن القانون وأمر القانون.
المطلب الأول: عناصر الركن المادي
القانون
لا يعُاقب الإنسان على مُجرّد الأفكار والنوايا، ولا عن المشاعر والأحاسيس
الباطنية، ولا يتدخّل إلاّ إذا تجسدت هذه الأفكار في العالم الخارجي في شكلٍ مادي
ملموس، يلُحق الضرر بالفرد أو المجتمع. ولذلك يشُترط لقيام الجريمة عناصر بناء
الركن المادي وهي الفعل والنتيجة وعلاقة السببية بينهما.
الفرع الأول: الفعل الإجرامي:
أوّلا: التعريف بالفعل الإجرامي:
ـ الفعل الإجرامي هو سلوك مادّي يرتكبه الإنسان عن وعي وإدراك، يحُدِثُ به تغييرا في
العالم الخارجي ،يؤدّي إلى إلحاق ضرر بمصالح محمية قانونا، أو تعريضها للخطر ،إذ
لا يمكن تصوّر جريمة بدون سلوك إجرامي.
ـ والزمان والمكان: اللذان يحدُثُ فيهما السلوك كقاعدة عامّة لا
يكونان مُهمّين، لكن قد يشُكلان أحيانا ركنا
خاصّا في الجريمة مثل ترك الطفل في مكان خال من الناس (م314 ق ع) وجرائم أمن
الدولة في زمن الحرب (م62 ق ع). أو يمثلان ظرفا مُشدّد ا كالسرقة في الليل والسرقة
في الأماكن العمومية والمنازل (م353 ق ع).
ـ الوسيلة: التي تسُتعمل في تنفيذ السلوكات المجرّمة غير أساسية في قيام
الجريمة، فالقتل هو إزهاق روح إنسان حي، يستوى الأمر إن كان بالخنق أو الإغراق أو
السلاح الأبيض أو السلاح الناّري، لكن في بعض الحالات قد يعتدّ القانون بالوسيلة
كظرف مُشدّد، مثل السرقة باستعمال مفاتيح مُصطنعة، والقتل باستعمال الُّسُّم.
ثانيا: صور الفعل الإجرامي:
قد
يتحققّ الفعل الإجرامي بسلوك إيجابي أو بسلوك سلبي.
أ) السلوك الإيجابي: (الجريمة الإيجابة)
مُعظم
الجرائم هي جرائم إيجابية ترُتكب بإتيان فعلٍ ينهى قانون العقوبات عن القيام به،
وهي تتحقق بتحريك أحد أعضاء الجسم كما في جرائم الضرب والجرح العمديين، والاختلاس
والتزوير، والقذف بواسطة الصحافة وجريمة انتحال صفة أو وظيفة، والسكر العلني،
والتعدّي على الملكية العقارية، وانتهاك حرمة مسكن. أو يكون بتحريك اللسان كما في
جريمتي شهادة الزور والوشاية الكاذبة، والسب والشتم العلني.
ب) السلوك السلبي (الجريمة السلبية)
ـ
السلوك الإجرامي السلبي هو اتخاذ موقف سلبي تجاه واجب قانوني أمر القانون القيام
به، فهو فعل إرادي مثله مثل الفعل الإيجابي يرُتبّ المسؤولية الجزائية لصاحبه،
ويسُمّى جريمة الامتناع، مثل امتناع القاضي عن الحكم في القضايا (136 ق.ع) وامتناع
الشاهد عن الإدلاء بالشهادة (المواد 89 و97 و223 من قا الإج الج). والامتناع عن
التبليغ عن الجناية (المادّة 91 ق ع)، وعدم تقديم مُساعدة لشخص في حالة خطر (182 ق
ع). والإمتناع عن دفع النفقة (331 ق ع)، وكذا معظم مُخالفات المرور.
ـ
وهناك فرقٌ من حيثُ درجة المسؤولية الجزائية ومقدار العقوبة بين الجريمة بسبب
الامتناع والجريمة بوسيلة الامتناع.
ـ
الجريمة بسبب الامتناع مثل الوفاة الحاصلة بعد امتناعٍ عن تقديم المساعدة. فهي
تختلف عن الوفاة الناجمة عن قتل عمد بسلوك إيجابي، فإذا مات الشخص الذي مُنع عنه
الدواء أو الطعام أو المساعدة لا يسُأل المُمتنع عن مُساعدته عن جريمة القتل (الم 263
ق ع)، بل عن جريمة عدم تقديم مُساعدة لشخص في حالة خطر (الم182 ق ع).
ـ
وقد يكون الامتناع وسيلة لارتكاب جريمة إيجابية، لكن ليست مبدءا عامّا، وإن مّا
اكتفى المُشرّع بذكر حالات مُعينّة. مثل المادّة 269 ق ع التي تعُاقب كُل من جرح
أو ضرب عمدا قاصرا لا تتجاوز سِنه السادسة عشرة أو منع عنه عمدا الطعام أو العناية
إلى الحد الذي يعُرّض صحته للضرر. فاعتبرت المادّة الامتناع مثل أعمال العنف
والتعدّي العمدي بالضرب والجرح.
ومثاله
جريمة ترك الأطفال والعاجز في مكان خالٍ وتعريضهم للخطر بموجب المادة 314 ق ع ج.
ومثاله أيضا المُساهمة في جريمة
القتل عن طريق منع الناس من إنقاذ القتيل من يد القاتل.
الفرع الثاني: النتيجة الإجرامية
يشُترط
لقيام الجريمة أن يكون فعل الشخص أو امتناعه قد تسببّ في ضرر لمركز قانوني أو
مصلحة يحميها القانون. وهذا هو ما يعُبرُّ عنه بالنتيجة الإجرامية، كأثر ناجم عن
النشاط الإجرامي. وقد تكون النتيجة الإجرامية في إحدى صورتين هما النتيجة
المادّية، والنتيجة القانونية غير مادّية:
أ) النتيجة المادّية:
النتيجة
المادّية لها كيانٌ في العالم الخارجي، يشُكّلُ ضررا ماديا أو معنويا للمصلحة
المُعتدى عليها. ففي القتل العمد بجميع أنواعه (المواد 254-263 ق ع) يعتبر إزهاق
روح الشخص والمساس بحقه في الحياة هو النتيجة الإجرامية. وفي جريمة السرقة تكون
النتيجة نقل حيازة وملكية الشيء المسروق، وفي جريمة الضرب أو الجرح المنصوص عليها
في المادّة 264 ق ع تعتبر الآلام المترتبة عن الجرح أو الضرب وكذا الشعور بالأسى
والحسرة من جراء ما تخلفه من تشوهات جسدية (ضرر معنوي)، والأضرار اللاحقة بالجسد
من جروح وكسور، بعدما كان سليما، ومصاريف علاجه، وكذا العجز عن العمل بشكل دائم أو
مؤقتّ (ضرر مادي). تعتبر هذه الأضرار كلها نتيجة إجرامية لأعمال الضرب والجرح.
ولذلك تسُمّى هذه الجرائم "جرائم الضرر". أو"جرائم النتيجة"
ب) النتيجة القانونية (غير المادّية):
النتيجة
القانونية غير المادّية تكون في شكل اعتداءٍ على مصلحة أو حق من الحقوق أو تهديدا
بالاعتداء، دون أن ترُتبّ ضررا مادّيا ملموسا، ولذلك تسُمّى هذه الجرائم "الجرائم
الشكلية". مثل حمل السلاح بدون ترخيص، والإتفاق الجنائي وتزوير العملة، ومثل
الشروع في الجريمة والتحريض على الجريمة، والتي تمُثل تهديدا بخطر الاعتداء ولذلك
تسُمّى "جرائم الخطر".
حيثُ
أنّ التجريم في هذه الحالات يتعلق بخطورة الجاني أكثر منه بالنتيجة الإجرامية التي
تبقى محتملة قد تتحقق وقد لا تحدث.
وتكمن
أهمّية تحديد النتيجة سواء مادّية أو قانونية من جهة في قيام الجريمة، ومن جهة
أخرى، في التمييز بين الشروع والجريمة التامّة.
الفرع الثالث: علاقة السببية:
رابطة
السببية هي العنصر الثالث من عناصر الركن المادّي للجريمة، يربط بين العنصرين
الآخرين الفعل والنتيجة. تطُرَحُ بشأنه إشكالية اقتران فعل الجاني بعوامل خارجية
في إحداث النتيجة الجرمية.
أوّلا: التعريف بعلاقة السببية:
أ) المقصود بعلاقة السببية:
ـ
لا يكفي لتحقق الركن المادي الذي تقوم عليه الجريمة، مجرّد صدور فعل عن شخص، وترتب
نتيجة إجرامية، بل يشُترطُ وجود رابطة سببية بين السلوك والنتيجة، أي يجب أن يكون
الفعل هو سبب النتيجة.
يعُبرّ
القانون عن هذه العلاقة باستعمال عبارة " نتج" أو "نشأ" أو
"تسبب" أو "ترتب".
ـ
فإذا انتفت هذه الرابطة وتحققت النتيجة بشكل مُستقلّ عن الفعل، فإنّ الكيان
المادّي للجريمة لا يتحققّ مثل أن يعتدي شخص على آخر بصفعة أو ضربة خفيفة، ثمُّ
يموت المضروب بعد ذلك على إثر حادث.
أو إذا
تبينّ أنّ النتيجة حصلت لسبب آخر فلا يسُأل عن الجريمة وقد يسُأل عن الشروع فيها.
ب) إشكالية علاقة السببية:
تثير
علاقة السببية على المستوى العملي صعوبة عندما تلفُّها ظروف وملابسات تجعل التأكُد
منها أمرا صعبا وذلك عندما تشترك مع نشاط
الجاني أسباب أخرى في إحداث نتيجة إجرامية معينة، قد تكون سابقة أو مُعاصرة أو
لاحقة لسلوك الجاني. كأن يكون المجني عليه مُصابا بمرض قبل الجريمة. أو كجرح الضحية بأداة كانت مُلوّثة بجراثيم تؤدي
إلى تسمُّمه وموته. أو مثل الشخص الذي يصُاب بكسور أو نزيف ،بسبب الضرب والجرح،
ثمّ يتمّ علاجه في المُستشفى بطريقة غير صحيحة، فيلفظ أنفاسه. أو من يضع السم في
طعام شخص وقبل أن يلفظ هذا الأخير أنفاسه يطُلق عليه شخص آخر رصاصات في قلبه
ورأسه.
ثانيا: معيار علاقة السببية:
قد
تكون العوامل الأخرى المقترنة بظروف ارتكاب الجريمة متفاوتة في حِدّتها، فتكون
قوية وضعيفة، ظاهرة وخفية، مألوفة وشاذّة، حيثُ يطُرحُ التساؤل حول درجة المسؤولية
المُلقاة على عاتق الجاني، فهل يؤاخذ الفاعل عن النتيجة القريبة المباشرة؟ أم أنهّ
يجب أن تمتدَّ مسؤوليته إلى سلسلة النتائج المتتالية باعتبار أنهّ لولا فعله لما
تحققت وبالتالي يجب نسبتها إليه؟ تختلف عدّة نظريات في الإجابة على الإشكال:
أ) نظرية السبب المباشر:
ـ مفاد هذه النظرية أنهّ لا تقوم رابطة السببية إلاّ إذا كانت
النتيجة متصلة اتصالا مُباشرا بفعل الجاني أو كان فعله هو الأساس في حدوث النتيجة،
فإذا تداخلت عوامل أخرى فإنهّا تقطع رابطة السببية حتىّ ولو كانت تلك العوامل
مألوفة، فإذا طعن الجاني المجني عليه بسلاح ثم نقل إلى المستشفى وبسبب خطا طبي
توفي المجني عليه فإنّ المتهم يفُلت من المساءلة لتوسط سبب آخر بين فعله والنتيجة
ولم يعد فعله مباشرا.
ـ انتقُدت النظرية بأنهّا:
ـ
تهتمّ بجانب الجاني وتهُمل جانب الضحية.
ـ
تمَكّن الجاني من الإفلات من العقاب حال وجود عوامل أخرى إلى جانب سلوكه.
ـ
تحصُرُ النتيجة الضارّة في عامل واحد فقط، فقد تتظافر عوامل متعدّدة بعضها أخف من
بعض.
ـ
تهُدرُ نظرية المُساهمة الجنائية، لأنّ الشريك دوره ثانوي مُساعد وليس أساسيا.
ـ
تصُعِّبُ في عملية البحث عن السبب المُباشر.
ب) نظرية تعادل الأسباب:
ـ تعتبر النظرية كل الأسباب والعوامل المُتدخّلة في النتيجة مُتساوية أو متعادلة في
إحداثها، ولا فرق بين سبب مُهمّ وقويّ وسبب تافه وضعيف، أو مباشر وغير مباشر.
فعلاقة السببية بين سلوك الجاني والنتيجة، لا يقطعُها مرضُ الضحية السابق على
الجريمة، ولا إهمال الطبيب في علاجه، ولا حريق المُستشفى. على أساس أنّ الفعل
الأوّل هو المُحرّك للأفعال المتتالية بعد ذلك، ففعل الجاني يعُتبر سببا للنتيجة
ما دام تخلفّه يؤدّي إلى انعدام النتيجة الإجرامية.
ـ
تنُتقد النظرية بتناقضها لأنهّا من جهة تعترف بتساوي الأسباب، ومن جهة تحُمّل
الجاني المسؤولية كاملة حتى ولو كان سلوكه شاذّا لا يؤدي إلى تحقيق النتيجة في
العادة، ورغم مُساهمة باقي العوامل.
جـ) نظرية السبب الملائم:
ـ تقول النظرية بأنّ سلوك الجاني ينبغي أن يكون سببا مناسبا وملائما لإحداث النتيجة
الإجرامية حسب المجرى العادي للأمور، وضرورة مُساهمة نشاط الإنسان في تتابع
الحوادث التي قد تسُفر عن تحقيق النتيجة، وعدم إمكان إسناد هذه النتيجة إلى عامل
آخر غير هذا النشاط. فإذا تدخّلت عوامل أخرى مألوفة تحُدِثُ النتيجة وفق المجرى
العادي للأمور وليست شاذة، فإنهّا لا تقطع علاقة السببية بين السلوك والنتيجة.
وتطبيقا
لذلك إذا ارتكب الجاني فعل الضرب والجرح ثمّ بعد ذلك حدث لهذه الإصابات تفاقم
ومُضاعفات بسبب الإهمال في العلاج أو خطء الطبيب فهذه العوامل لا تقطع علاقة
السببية عن الجاني لأنهّا عوامل مألوفة، لكنّ حريق المُستشفى عامل شاذ غيرُ مألوف
قد ينفي علاقة السببية بين وفاه الضحية بالحريق وفعل الجاني.
هذه
النظرية تحُدّد المسؤولية بنطاق معقول حيثُ أخذت بمبدأ السبب الأوّل وتفادت
التعميم، لكنّ الجاني يسُأل عن موت الضحية بسبب المرض إذا كان يقُدّرُ ويعلمُ
بمرضه عند اعتدائه عليه.
ـ وُجّه النقد إلى هذه النظرية فيما يخص إمكانية حدوث النتيجة من عدمها حسب المجرى
العادي للأمور، ومدى علم وتوقع الجاني لحدوث النتيجة من عدمه يخضع للتقدير ولا
يصُّحُّ أن تبُنى أحكام القانون الجنائي على التقدير. لذا يتعين ترك تقدير ذلك إلى
القاضي، وهو ينظر في كل حالة على حدة، لأنّ وضع معيار عام علاوة على ما يطرحه من
صعوبة، سيشكل خروجا عن النص يتنافى مع القواعد العامّة في تفسير النصوص الجنائية.
المطلب الثاني: الشروع في الجريمة (المحاولة الجنائية)
يعُاقب
القانون على الجريمة التامّة التي اكتملت عناصرها المادّة الفعل والنتيجة وعلاقة
السببية، أي السلوكات المُنفذّة للجريمة وتحقيق نتيجتها، إلاّ أنهّ قد لا يكتمل
الركن المادّي للجريمة فتتخلفّ النتيجة لعدم اكتمال تنفيذ الفعل أو لخيبة أثره، أو
لكون تحقيق النتيجة أمرا مُستحيل الحدوث.
عاقبت
معظم تشريعات الدول على هذه الجريمة الناقصة التي تسُمى"المحاولة" أو
"الشروع ".
نظرا
لخطورة الشخص ومحاولته الاعتداء على المصلحة المحمية قانونا.
نظمّ
المُشرّع الأحكام العامّة للشروع بالمادّتين 30 و31 حدّد فيها مفهوم الشروع وبينّ
أركانه وأنواعه وعقوبته. وهذا ما نتناوله من خلال الفرعين التاليين.
الفرع الأول: مفهوم الشروع كمرحلة من مراحل الجريمة
أوّلا: مراحل ارتكاب الجريمة:
تمُر
الجريمة بأربعة مراحل هي التفكير ثمّ التحضير ثمّ الشروع ثمّ الجريمة التامّة.
أ) مرحلة التفكير في الجريمة:
ـ الأصل أنّ القانون لا يعُاقب على هذه المرحلة استنادا إلى مبدأ "لا
جريمة بدون فعل"، لأنّ النوايا والأفكار الباطنية يصعُب التأكّد منها بدون
مظهر خارجي يتُرجمها.
والقاعدّة
في الشريعة الإسلامية هي عدم العقاب على حديث النفس بالجريمة دون ارتكابها، وأصل
ذلك، حديثُ النبّي صلىّ الله عليه وسلمّ "إنّ الله تجاوز لأمُّتي عمّا وسوَست
أو حدّثت به نفسها ما لم تعمل به أو تتكلمّ" وقوله صلىّ الله عليه وسلمّ
" منْ هَم بسيئّة فلم يعملها لم تكتب عليه، فإن عملها كتبت سيئّة واحدة"
وتسري هذه القاعدة في جرائم الحدود وقياسا عليها في جرائم التعازير.
ـ الإستثناء: هناك حالات استثنائية خاصّة تقتضي فيها المصلحة العامة تدخل المشرع
بنصّ خاص للعقاب على أعمال ليس لها مظهٌرٌ مادٌيٌ و تزال مُجرّد أفكار ونوايا كما
هو الحال في:
1ـ
الاتفاق الجنائي (جمعية أشرار) م 176 ق ع "..وتقوم الجريمة بمجرّد التصميم
على ارتكاب الفعل"
2ـ
التحريض: في المادّة 46 "إذا لم ترتكب الجريمة المزعم ارتكابها لمجرد امتناع
من كان ينوي ارتكابها بإرادته وحدها فإنّ المُحرّض عليها يعُاقب رغم ذلك بالعقوبات
المُقرّرة لهذه الجريمة" والتحريض هو خلق فكرة الجريمة في ذهن الشخص والتأثير
على إرادته وتوجيهها إلى ارتكابها.
3ـ
المؤامرة: في المادّة 85/3 "..وتقوم المؤامرة بمجرّد اتفاق شخصين أو أكثر على
التصميم على ارتكابها. وكُل من يعَرِض تدبير مؤامرة ... دون أن يقُبلَ عَرضُه
يعُاقبَ بالسجن من 5 إلى 10 سنوات.
4ـ
التهديد: المادة 284 " كُل من هدّد بارتكاب جرائم القتل أو السجن أو أي
اعتداء آخر على الأشخاص... يعاقب بالحبس من سنتين إلى عشر... ".
5ـ
سبق الإصرار: كظرف مُشدّد في القتل والضرب والجرح المادة 256 "سبق الإصرار هو
عقد العزم قبل ارتكاب الفعل على الاعتداء على شخص مُعينّ... ".
ب) مرحلة التحضير للجريمة:
ـ
الأعمال التحضيرية هي مرحلة تأتي بعد التفكير والتصميم، تتجسّد بأعمال تمُهدّ
للجريمة بتحضير الوسط المُلائم لارتكابها، مثل تهيئة الوسائل وشراء الأدوات التي
ستسُتعمل في تنفيذ الجريمة.
ـ الأصل أنّ القانون لا يعُاقب على هذه المرحلة نظرا لأنهّا ليست عملا
تنفيذيا يدخل في تكوين الركن المادّي للجريمة، ولا تنكشف بها النيةّ الإجرامية،
ولا تنطوي على خطر يهُدّد مصلحة ما، والمشرع يريد بذلك تشجيع الجناة على العدول
وعدم المُضي في طريق الجريمة.
ـ الإستثناء: هناك بعض الحالات الخاصّة، يعاقب عليها القانون إذا شكّلت في حدّ
ذاتها جرائم مستتقلةّ:
1ـ
أعمال المساهمة الجنائية م 42 "يعُتبر شريكا في الجريمة من لم يشترك اشتراكا
مباشرا، ولكنهّ ساعد بكل الطرق أو عاون الفاعل أو الفاعلين على ارتكاب الأفعال
التحضيرية... " ومثالها المادّة 23 من قانون مكافحة المخدّرات 04-18
"يعُاقب الشريك في الجريمة أو في كُلّ عمل تحضيري... ".
2ـ
تنظيم ارتكاب جريمة في إطار جمعية الأشرار. معاقب بالمادّة 177 مكرّر ق ع ج.
3ـ
تقليد المفاتيح م359 "كُل من قلدّ أو زيفّ مفاتيح يعاقب بالحبس من 3 أشهر إلى
سنتين.." جاءت هذه المادّة في قسم السرقات وابتزاز الأموال أي أنّ تقليد
المفتاح مُجرّم كعمل تحضيري للسرقة.
4ـ
المُساعدة على الانتحار المادة 273 " كُل من ساعد عمدا شخصا في الأفعال التي
تساعده على الانتحار أو تسهله له أو زوده بالأسلحة أو السم أو بالآلات المعدة
للانتحار مع علمه بأنهّا سوف تستعمل في هذا الغرض يعُاقب بالحبس من سنة إلى خمس
سنوات إذا نفذ الانتحار".
جـ) مرحلة الشروع في الجريمة:
تأتي
هذه المرحلة بعد التفكير في الجريمة والتحضير لها، حيثُ يبدأ فيها الجاني بتنفيذ
الجريمة بسلوكات يعُاقب عليها القانون في الجنايات وفي بعض الجنح، مثل فعل الجاني
الذي يريد قتل خصمه فيصُيبه بإصاباتٍ يشُفى منها، أو لا يصُيب المجني عليه بأيةّ
إصابة ،لأنهّ لا يحُسن الرماية أو لأنّ الجاني ضُبط وهو يسُدّد سلاحه، ففي هذه
الأحوال يعُدّ فعله شروعا يعُاقب عليه بصفته مُحاولة قتل.
فالشروع
هو توسّع استثنائي في المسؤولية الجزائية لمجرّد تعريض المصلحة للخطر، خلافا
للأحكام العامّة التي تشترط توافر الأركان الثلاثة للجريمة التامّة باعتبارها
اعتداء فعلي على المصلحة.
د) مرحلة الجريمة التامّة:
هي
التي تتحققّ فيها كافة عناصر الركن المادّي للجريمة أي الفعل الذي ينصُّ عليه نصّ
التجريم ،والنتيجة التي يرُيدُها الجاني بهذا الفعل ،والعلاقة السببية. كأن يحمل
الجاني سلاحه محشوا بالذخيرة ويتربصّ بالمجنى عليه في مكان ينتظر فيه مروره ثمّ
يطُلق عليه الرصاص فيقتله فيسُأل عن القتل التام.
ثانيا: ماهية الشروع في الجريمة (المُحاولة الجنائية):
أ) تعريف الشروع في الجريمة:
المُحاولة
الجنائية أو الشروع في الجريمة هي جريمة ناقصة بُدِءَ في تنفيذها وتخلفّ عنها عنصر
النتيجة التي كان يرُيدُها الجاني بسبب خيبة أثر الفعل رغم تمامه، أو بسبب عدم
اكتمال الفعل بتدخل عوامل خارجة عن الإرادة، أو بسبب استحالة تحقيق النتيجة.
عرّف
المُشرّع الجزائري المُحاولة أو الشروع في الجريمة في المادّة 30 من قانون
العقوبات بأركانها بقوله "كلّ محاولات لارتكاب جناية تبتّدىء بالشروع في
التنفيذ أو بأفعال لا لبس فيها تؤدّي مباشرة إلى ارتكابها تعتبر كالجناية نفسها
إذا لم توقفّ أو لم يخب أثرها إلا نتيجة لظروف مستقلةّ عن إرادة مرتكبها حتىّ ولو
لم يمكن بلوغ الهدف المقصود بسبب ظرف مادّي يجهله مرتكبه".
ـ
وهكذا تعُتبر المُحاولة بحدّ ذاتها جريمة مستقلة لها أركانها الثلاثة، فالركن
الشرعي هو نصّ المادّة 30 بالنسّبة للجنايات والنصّ الخاص بالنسبة للجنح. والركن
المادّي هو البدء بالتنفيذ، والركن المعنوي هو القصد الجنائي.
ب)
أنواع الشروع:
حسب
المادّة 30 من ق ع ج ".... إذا لم توقفّ أو لم يخب أثرها إلا نتيجة لظروف
مستقلةّ عن إرادة مرتكبها حتىّ ولو لم يمكن بلوغ الهدف المقصود بسبب ظرف مادّي
يجهله مرتكبها". وتنقسم المُحاولة إلى نوعين هما الشّروع الناقص والشّروع
التاّم.
1ـ الشروع الناقص ويسُمّى الجريمة الموقوفة، يوجد فيها البدء في التنفيذ تمُّ يتوقفّ
لظروف خارجة عن إرادة الجاني. ويمكن أن يكون العدول عن إكمال الفعل إراديا معتبرا،
ويمكن أن يكون اضطراريا.
2ـ الشّروع التاّم أو الغير الفعّال تكون فيه الجريمة خائبة
ويكون العدول اضطراريا غير معتبر.
جـ) العدول عن الجريمة:
يشُرطُ
لتحقيق المحاولة الخاضعة للعقاب أن يكون وقف التنفيذ لا إراديا، أي أنّ التنفيذ
أوقف قسرا بمانع خارجي أثرّ على المجرم وصرفه عفن إتمام فعله، كأن يرى بعد بدء
التنفيذ شهودا مقبلين أو رجال شرطة متجهين نحوه. فتوقفه في هذه الظروف يعُتبر
عدولا اضطراريا غير إرادي ويعاقب على الشروع في الجريمة التي هو بصددها.
ـ
لكن لا عقاب على الشروع الذي ينتهي بالعدول عنه اختياريا، لأنّ هذا الأخير ينبئ عن
انعدام الخطورة الإجرامية التي هي علةّ العقاب، ولأنّ القانون يشجع دائما النوايا الحسنة في التراجع عن المشروع
الإجرامي، بسبب مشاعر نفسية كتأنيب الضمير أو الشفقة بالغريم أو الخشية من
العقاب.
ولا
أثر لهذه المشاعر وما يتبعها إذا جاءت بعد إتمام الجريمة فلا تأثير لمن أخذ الرشوة
أن يردها ولا لمن أشعل النار في مكان أن يعمد إلى إطفائها، إلا في بعض الحالات
التي قد تؤخذ فيها كظرف تخفيف. وإذا كان العدول اضطراريا فهو لا يغير في حكم
الشروع وعقوبته.
ـ
وعندما يصعب وصف العدول بالاضطراري أو الاختياري يؤخذ بقاعدة تفسير الشك لمصلحة
المتهّم.
ـ
وإذا كان عدول الجاني بمحض إرادته يمنع عقابه على الجريمة التي كان ينوي اقترافها
فإنهّ يسأل عن الفعل الذي أتاه إن شكل جريمة. مثلما إذا كان الجاني ينوي قتل
الضحية وبدأ يضربه ثم عدل عن قتله من تلقائه ودون أي عامل خارجي فإنه لا يسأل عن
محاولة قتل عمد وإنما عن جريمة الضرب العمدي.
الفرع الثاني: أساس العقاب على الشروع
يختلف
الفقه حول مسألة العقاب على الشروع، لكن هناك اتفاق في الموقف التشريعي والقضائي.
أوّلا: موقف الفقه من العقاب على الشروع:
أ) المذهب الموضوعي:
ـ
يعتدّ بالضّرر الإجتماعي، إذْ لا عقوبة على مجرّد الشروع بفعل يعُرّض المصلحة
الإجتماعية للخطر دون أن يسُبب لها ضررا ولا يمثل إخلالا فعليا بالنظام الاجتماعي.
ولا عقاب على مجرّد الشروع لأنّ مناط قيام الجريمة هو تحققّ النموذج التشريعي،
فالعقوبة مرتبطة بالتحقق الفعلي لضرر الجريمة.
ـ يعُاب
على النظرية الموضوعية أنهّا تسمح بإلإفلات من العقاب لكلّ الأفعال التي لا تحُدث
نتيجة ،حتىّ ولو كان عدم تحقق النتيجة راجع لظروف خارجة عن إرادة الفاعل.
ويميل
إلى التخفيف من العقوبة على المحاولة، فما دامت النتيجة الإجرامية لم تتحقق فيكون
من العدل أن تخفف عقوبتها عن عقوبة الجريمة التامة.
ب) المذهب الشخصي:
ـ
لا يهتمّ بالنتيجة الجرمية، وإنمّا يعتدُّ بدرجة الفساد والإنحلال الأخلاقي للشخص
أو درجة خطورته الإجرامية وضعف قابليته للإصلاح، فإنّ الشروع الذي يكشف عن الإرادة
الإجرامية والطبيعة الخطرة لشخصية الفاعل هو أكثر خطورة من الجريمة التامّة، لذا
يجب أن يقُمع بصرامة. وعلتّه، هو تعفريض المصلحة المحمية لخطر الاعتداء عليها،
فالعبرة بالنية الإجرامية التي اتجهت لتحقيق النتيجة الجرمية حتى ولو لم تتحققّ
فعلا.
ـ
يسُاوي هذا المذهب في العقاب بين الجريمة التامة والجريمة الناقصة، لأنّ تخلُّف
النتيجة لا يرجع لإرادة الجاني وإنما إلى ظروف خارجة عن إرادته، لذلك فاستحقاقه
العقاب لا يقل عن استحقاق مرتكب الجريمة التامة.
ـ
يعاب على النظرية الشخصية معاقبة كلّ أنواع المحاولة لارتكاب الجريمة دون تمييز،
وبنفس العقوبة المطبقّة على الجريمة التامّة لمجرّد ظهور الإرادة الإجرامية.
جـ)
في الشريعة الإسلامية:
القاعدة
في الشريعة أنّ العقاب على الشروع هو عقاب تعزيري يقُدّره وليُّ الأمر ولا يكون
مثل عقوبة الجريمة التامّة ولا من جنسه، فلا يعُاقب الشروع في السرقة بعقوبة
السرقة ولا يعاقب الشروع في القتل بعقوبة القتل ولا الشروع في الزنى بعقوبة الزنا،
لقوله صلىّ الله عليه وسلمّ "من بلغ حدّا في غير حدّ فهو من المعتدين".
ولكن يجُازى الشخص على الفساد، والترويع، وقصد الشر والعمل على تنفيذه، لأنّ هذا
القصد انتقل من مرتبة التفكير إلى مرتبة السعي للتنفيذ، وفات التنفيذ لأمر لم تكن
فيه للجاني إرادة.
وخالف
البعض هذا الرّأي استنادا إلى حديث النبيّ صلىّ الله عليه وسلمّ "إذا التقى
المسلمان بسيفيهما فقتل أحدهما الآخر فالقاتل والمقتول في الناّر"، فقالوا يا
رسول الله هذا القاتل، فما بال المقتول ؟ قفال "إنّه كان حريصا على قتل
صاحبه"
ثانيا: موقف التشريع من العقاب على المُحاولة:
ـ كلّ التشريعات مُتفقة على معاقبة المُحاولة لكن اختلف أساس
العقاب لديها.
ـ
التشريعات التفي تستلهم من النظرية الموضوعية لا تعاقب على الشروع إلاّ في جرائم
مُعينّة هي الجنايات وبعض الجنح وهذا إذا كانت الإرادة الإجرامية ظاهرة بواسطة
البدء في التنفيذ، وفي جميع الحالات بعقوبة أقلّ شدّة من الجريمة التامّة.
ـ
التشريعات التي تكرّس النظرية الشخصية تعُاقب على الشروع في جميع أنواع الجرائم،
وبنفس عقوبة الجريمة التامّة حتىّ ولو كان الفعل بسيطا وتافها أو لم يكن هناك بدء
في التنفيذ أصلا، المهمّ هو أنّ الإرادة الجنائية تظهر بوضوح.
ـ موقف التشّريع الجزائري جاء مستخلصا من كلا النظريتين.
ـ
أخذ من المذهب المادّي حصر العقاب في بعض الجرائم فقط وهي الجنايات وبعض الجنح
بموجب النصّ الخاص، فمثلا لا يعاقب على الشروع في جريمة انتهاك حرمة منزل الفعل
المجرّم بالمادّة 295 ق ع ولا عقاب على الشروع في المخالفات. بينما المادة 350
تقرّر صراحة العقاب على الشروع في السرقة.
ـ
ويأخذ بالمذهب الشخصي عندما يساوي بين الشروع والفعل التام في العقوبة.
وانتقدت
فكرة المساواة في العقوبة بين الشروع والفعل التام فكان الموقف المؤيّد يجد الحل
للحالات التي قد لا يستحق فيها الشروع نفس عقوبة الفعل التامّ في التفريد القضائي
للعقوبة وإعطاء السلطة للقاضي بتقدير العقوبة المناسبة. والملائمة بين حديها الأدنى والأقصى، أو النزول
عن الحد الأدنى إن وجد من الظروف القضائية المخففة ما يبرر ذلك.
الفرع الثالث: أركان الشروع
لقيام
المحاولة الجنائية الشروع في الجريمة حسب المادّة 30 ق ع ج يشُترط توفرّ ثلاثة (3)
عناصر:
1ـ البدء بالتنفيذ، 2ـ عدم تحقق النتيجة بتوقف التنفيذ أو خيبته، 3ـ القصد الجنائي.
أوّلا: ركن البدء بالتنفيذ
البدء بالتنفيذ عنصر مادّي يتمثل في فعل أو نشاط
مادّي للسلوك المُنفّذ للجريمة يكشف عن نيّة إجرامية مُعينّة. وقد ثار الجدل
الفقهي حول المعيار الذي يميزّ به البدء بالتنفيذ عن الأفعال التحضيرية، كحدٍّ
فاصلٍ بين مرحلتي العقاب واللاعقاب.
أ) موقف الفقه الوضعي من معيار البدء بالتنفيذ
1) النظرية الموضوعية: تعتدّ هذه النظرية بالخطورة الإجرامية للأفعال
وليس بنيةّ المجرم وشخصه، فالأفعال التحضيرية لا تدخل في تعريف الجريمة، بينما
البدء في التنفيذ يدخل في تعريف الجريمة وفي ركنها المادّي إمّا كعنصر أو جزء
مكوّن له مثل الحيازة المادّية للشيء المسروق بوضع اليد عليه لتنفيذ السرقة (الم350
ق ع ج)، وإمّا كظرف مشدّد، مثل تسلقّ حائط المنزل أو نافذته للسرقة (الم 353 ق ع ج).
ـ تقدير النظرية: هذه النظرية رغم وضوح المعيار عندها، إلاّ أنهّا تضَيقّ كثيرا من
نطاق الشروع إلى حدّ إفلات الكثير من الحالات من العقاب:
ـ
بمعيار العنصر المُكوّن للركن المادّي يتُرك بدون عقاب من يفاجأ وهو يمُدّ يده
ناحية جيب شخص آخر أو ناحية البضائع المعروضة بني ةّ السرقة، طالما لم تتمّ حيازته
المادّية للشيء المراد سرقته.
ـ
بمعيار ظرف التشديد يعُاقب بعقوبة جريمة السرقة وليس القتل من يدخل إلى منزل
متسلقّا وهو حامل للسلاح، لأنّ التسلقّ وحمل السلاح هما من الظروف المشدّدة في
جريمة السرقة. كما أنّ الترصد في جريمة القتل ظرف مشدّد فهو شروع، بينما تصويب
السلاح ناحية الشخص ليس بشروع.
كما
أنهّ ليس كل الجرائم تقترف بظروف تشديد عينية، بل وهناك ظروف تشديد عينية لا يمكن
أن يتصور معها البدء في التنفيذ، ظرف الليل أو تعدّد الأشخاص في السرقة.
2) النظرية الشخصية: ترُكّز هذه النظرية على النيةّ الإجرامية
وخطورتها، فالبدء بالتنفيذ هو إتيان الفعل الذي يكشف عن الإرادة النهائية والحاسمة
لارتكاب الجريمة، وهو ما يسمّيه الفقه الحديث "فعل لا لبس فيه يؤدّي مباشرة
إلى ارتكاب الجريمة" وعليه فالفعل يعتبر شروعا عندما يكون متصلا بالنتيجة
الإجرامية أو قريبا منها عند توفر نية ارتكابها. وليس مهمّا أن يشُكّل الفعل المنفذ
عنصرا مكوّنا للركن المادي أو ظرف تشديدٍ فيها. أمّا إذا كان الفعل بعيدا عن هدف
الجريمة فيبقى عملا تحضيريا.
ـ
يعتبر شارعا في جريمة السرقة من يبدأ بكسر الخزانة ولو لم يكن قد حاز المسروقات
حيازة مادّية.
وكذلك
الدّخول ليلا بدون حذاء إلى بيت مسكون بنية السرقة. والدخول إلى سياّرة
متوقفة.
جـ) موقف التشريع
ـ
هناك تشريعات تأخذ بالمفهوم المادّي فتشترط وجود بدء في تنفيذ الفعل الإجرامي ولا
تعاقب عليه بنفس عقوبة الجريمة التامّة. وهناك تشريعات تأثرت بالمفهوم الشخصي فهي
لا تشترط البدء في التنفيذ، وتعاقب على الشروع بعقاب الجريمة التامة بمجرّد تحقق
ظروف وملابسات لا تدع مجالا للشك في توافر
النية الإجرامية لدى الفاعل.
ـ
والمشرّع الجزائري في المادّة 30 ق ع ج أخذ بالمعيارين معا، حيثُ أنهّ يأخذ
بالنظرية الموضوعية عندما يشترط البدء في التنفيذ. ويأخذ بالنظرية الشخصية عندما يعرّف
البدء بالتنفيذ بأنهّ أفعال لا لبس فيها تؤدّي مباشرة لارتكاب الجريمة. فهو يوَسّع
من نطاق الأفعال التي تعتبر شروعا. فالمعياران يمكن الجمع بينهما ولا ينفي أحدهما
الآخر.
ثانيا: ركن عدم تحققّ النتيجة لسبب غير إرادي
الركن
الثاني في قيام الشروع حسب المادّة 30 ق ع ج هو عدم تحقق النتيجة لأسباب أو ظروف
لا دخل لإرادة الجاني فيها، بل إمّا بالتوقف القسري لتنفيذ الفعل أو لخيبة أثره
،أو بسبب أنّ النتيجة مستحيلة.
أ) الجريمة الموقوفة
الجريمة
الموقوفة هي التي انعدمت فيها النتيجة لتوقف تنفيذ الفعل بأسباب خارجة عن إرادة
الجاني، حيثُ لا يتمكّن هذا الأخير من استنفاذ كلّ نشاطه. كمن يتسلقّ السور ثمّ
يمُنع من مواصلة الدّخول إليه لإتمام السرقة أو من يضع البنزين لإحراق البيت أو
المحاصيل الزراعية لكن لا يتمكّن من إضرام النيّران بسبب إدراكه ومنعه من طرف شخص
آخر.
ب) الجريمة الخائبة
الجريمة
الخائبة هي التي يستنفذ فيها الجاني كُلّ نشاطه الجرمي لكن تتخلفّ النتيجة لسبب
خارج عن إرادته، كمن يجمع المسروقات ولا يتمكّن من الخروج بها من المحرز أو من
يترصّد ويصوّب المسدّس ويطلق الرّصاص فلا يصُيب الهدف لعدم دقّة التصويب، أو كمن
تنطفئ ناره بفعل الريح أو المطر فلا يحترق المخزن الذي ظل يرُيد إحراقه.
من الناحية القانونية لا فرق بين الجريمة الموقوفة والجريمة الخائبة فكلاهما شروع معاقب عليه، فالمادّة 30 تذكر كلا الحالتين بدون تمييز. لكن من الناّحية المعنوية ففي الموقوفة يكون قصد الجاني أقلّ وضوحا منه في الخائبة.
جـ) الجريمة المستحيلة
ـ
هي الجريمة التي لا يمكن أن تتحقق فيها النتيجة الإجرامية. ويثور النقاش والاختلاف
لدى الفقه عن الاعتداد بالشروع وعقابه في الجريمة التي تكون نتيجتها مستحيلة
الحدوث، كمن يحاولُ إجهاضَ امرأة هي أصلا غيرُ حامل، أو من يطُلق الرصاص على جثة
هامدة ،أو من يطعم شخصا مادّة غير سامّة.
1)
المذهب الموضوعي يرى أنه لا عقاب على الشروع في الجريمة المستحيلة سواء لاستحالة
الوسيلة أو لاستحالة المحلّ، وذلك بحجّة أن الفعل لم يسبب أي ضرر اجتماعي ولا
يمُثلّ تعدّيا على المصلحة المحمية قانونا. كما أنّ البدء في التنفيذ غير مُتوفرّ
إذْ لا يستطيع الشخص تنفيذ ما هو مُستحيل.
ومن
فقهاء الشريعة الإسلامية يقول بن حزم أنّ من ينوي ارتكاب جريمة ويفعلهاـ ثمُّ
يتبينّ أنهّ لا موضِعَ لها، لا يعُدُّ مُجرِما في واقع الأمر، ولكن يكونُ مُستسهلا
للإجرام، مُستهينا بالفرائض والفضائل.
2) المذهب الشخصي يعُاقب على الشروع في الجريمة المُستحيلة بكافة صُورها ومهما كان
سبب الاستحالة. لأنهّ ليس قائما على النتيجة أصلا، وإنمّا على النية الإجرامية
الخطرة.
3) المذهب التوفيقي يميز بين الاستحالة المطلقة والاستحالة
النسبية. وبين الإستحالة القانونية والاستحالة المادية.
ـ الاستحالة المطلقة والاستحالة النسبية: ـ في الاستحالة المطلقة لا يعُاقب
الشروع، وهي تتصّل بالوسيلة أو بالموضوع، فاستحالة الموضوع تتمثلّ في انعدام موضوع
الجريمة، كانعدام الشخص المراد قتله أصلا، أو كونه ميتّا. واستحالة الوسيلة تكون
لعدم صلاحية الوسيلة في إحداث النتيجة، كإطلاق الرصاص من سلاح خال من الذخيرة في
محاولة القتل، أو من يسُمّم شخصا بمواد غير سامّة.
ـ
الاستحالة النسبية يعُاقب فيها الشروع، وهي أن تتخلّف النتيجة لوجود عائق مادي
يحول دون تحققها، وهي التي يكون موضوعها موجودا ولكن في غير المكان الذي يعتقد
الجاني وجوده فيه، كإطلاق الرصاص في المكان الذي اعتاد المجني عليه الوقوف فيه.
وتكون وسيلتها صالحة لكن الجاني لا يحسن استعمالها مثل عدم انفجار القنبلة لعدم
المهارة والدراية بكيفية استعمالها.
ـ الإستحالة القانونية والاستحالة المادية: ـ ترجع الاستحالة القانونية إلى
انعدام أحد الأركان القانونية للجريمة ومن ثمّ تنتفي الجريمة وينتفي الشروع فيها،
مثل انعدام محلّ الجريمة فلا يعُدُّ شارعا في السرقة من يقوم بالإستلاء على ماله
الشخصي، ولا في القتل من يطُلق الرصاص على ميت، ولا في الإجهاض من يحاول إجهاض
امرأة غير حامل، ولا في التسميم من ينُاول شخصا مادّة غير سامّة.
ـ
تكون الاستحالة المادية بتخلفُ ظرف مادّي يجعل الجاني عاجزا عن تحقيق النتيجة
الإجرامية التي يرُيدُها، وهذه الحالة لا تحول دون تحقق الشروع نظرا لتوافر
الأركان القانونية اللازمة لقيام الجريمة، مثل استحالة الوسيلة (في ماعدا السّم)
لأنّ الوسيلة عادة لا تكون ركنا في الجريمة.
المشرّع الجزائري يأخذ بمعيار التمييز بين الاستحالة المادّية والاستحالة القانونية
عندما ينصّ "..حتى ولو لم يمكن بلوغ الهدف بسبب ظرف مادّي يجهله
صاحبها". والظرف المادّي قد يتعلق بالوسيلة أو المحلّ. واعتبر الجريمة
المُستحيلة مثل الخائبة وعاقب عليها. ولم يعاقب الاستحالة القانونية.
لكن
رغم ذلك يخرج المشرّع عن هذه القاعدة ولا يعُاقب على الشروع عند استحالة الوسيلة
في جريمة التسميم لأنهّ يشترط أن تكون المواد يمكن أن تؤدي إلى الوفاة عاجلا أو
آجلا، "التسميم هو الاعتداء على حياة إنسان بتأثير مواد يمكن أن تؤدي إلى
الوفاة عاجلا أو آجلا أيا كان استعمال أو إعطاء هذه المواد ومهما كانت النتائج
التي تؤدي إليها" (م 260 ق ع ج).
بينما
عاقب الإستحالة القانونية لانعدام المحل في جريمة الإجهاض في م 304 ق ع ج، بقوله
"كُل من أجهض امرأة حاملا أو مفترض حملها .... أو شرع في ذلك يعاقب بالحبس من
سنة إلى خمس سنوات...
ثالثا: ركن القصد الجنائي:
يشُترط
في العقاب على الشروع أن تتجه إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة التامّة بكل
عناصرها، حيث يهدف الجاني إلى إتيان السلوك وتحقيق نتيجة معينة، وعلى هذا الأساس
فالمحاولة تكون دائما جريمة عمدية، ولا تتُصور في الجرائم غير العمدية لأنّ الجاني
لا يهدف فيها إلى تحقيق نتيجتها الإجرامية وإنما تتحقق النتيجة بالخطأ. وكذلك لا
محاولة في الجرائم المتعدية القصد.
المطلب الثالث: الأفعال المبررة
قد
يزول عنصر عدم المشروعية عن الفعل بسبب اقترانه بظروف تبُرِّرُه رغم النصّ على
تجريمه ،حيثُ أنّ هناك حالات تبُرّر الفعل وتبُطلُ عنه مفعول نص التجريم تسُمّى
أسباب الإباحة.
- الفرع الأوّل: الأحكام العامّة لأسباب الإباحة وأنواعها.
- الفرع الثاني: الدفاع الشرعي باعتباره أهم أسباب الإباحة.
الفرع الأول: الأحكام العامة للأفعال المبررة (أسباب الإباحة)
الأفعال
المُبرّرة هي جرائم ارتكِبتْ في ظل ظروف تُعفي صاحبها من المسؤولية الجزائية، حيث
تسُمّى هذه الظروف بأسباب الإباحة. نبينّ في هذا الفرع أحكامها العامّة من حيث
مفهومها وأنواعها.
أوّلا: التعريف بأسباب الإباحة
أ) ماهية أسباب الإباحة:
أسباب
الإباحة هي مجموعة من الظروف الموضوعية اللصيقة بالركن المادي للجريمة، تجرِّدُ
الواقعة من صفتها الإجرامية وتجعل الفعل مُباحا، وذلك لأنّ القانون ذاته هو الذي
سمح بارتكاب هذا الفعل في ظل توفر مثل هذه الظروف، التي تجُرّد الفعل من معنى
العدوان وتنفي عنه علةّ التجريم.
وقد
أكّد المشرع هذه الحالات، بنصوص صريحة تنُظم قواعدها، وسمّاها «الأفعال
المُبرّرة»، في المادّتين 39 40 من قانون العقوبات في الباب المتعلقّ
بالجريمة، ضمن الكتاب الثاني المتعلقّ بالأفعال والأشخاص الخاضعون للجريمة.
ب) الجهل أو الغلط في أسباب الإباحة
من
شروط سبب الإباحة أن يكون موجودا فعلا، بأن يكون الخطرُ حقيقيا في الدفاع الشرعي،
ورضاء الضحية غير معيب، وأمر السلطة صحيحا. ولذلك فإنّ الجهل أو الغلط في أسباب
الإباحة ينفي الإستفادة منها، فإن كان يؤثر في الركن المعنوي ويحُوّل المسؤولية من
العمد إلى الخطأ، فهو لا يؤثر في الركن الشرعي ولا المادّي. فإذا توهمّ الشخص أنّ
أسباب الإباحة مُتوفرّة بجميع شروطها في حين أنهّا غير متوفرّة، لا يكون فعله
مُبرّرا. كمن يقتل شخصا ظناّ منه أنهّ مصدر خطر أو من يضرب شخصا غريبا دخل في
الليل إلى بيته يظنهّ لصّا، ثمُّ يتبينّ أنهّ شخص قريب، أو الضابط الذي يعتقدُ خطأ
أنّ أمرا قد صدر إليه من رئيسه بتفتيش بيت أو القبض على شخص. يُسألون عن الجريمة
غير العمدية.
ثانيا: تمييز أسباب الإباحة عن الأنظمة المُشابهة
أ) أسباب الإباحة وموانع المسؤولية:
- موانع
المسؤولية الجزائية عبارة عن عوامل داخلية شخصية تتعلق بشخصية الجاني، (صغر السن
أو الجنون أو الإكراه) تجعل إرادته غير مُعتبرة قانونا، فموانع المسؤولية الجزائية
تؤُثرّ في الركن المعنوي ،ولا تؤثر في الركن الشرعي ولا المادي للجريمة حيثُ
يعُبرّ المُشرّع عن أثرها في المواد 47- 49 ق ع بقوله "لا عقوبة.."
ينتفي بها العقاب وليس الجريمة، حيثُ يمُكن تطبيق التدابير الاحترازية. بينما
أسباب التبرير أو الإباحة تنفي الجريمة تماما عبرّ المُشرّع عن أثرها في المادّتين
39 و40 بقوله "لا جريمة.. ".
- موانع
المسؤولية الجزائية لا تنتفي المسؤولية المدنية حيث يلزم الشخص أو مسؤوله المدني
بتعويض ما سببته أفعاله من أضرار مادية. بينما في الأفعال المُبرّر تنتفي
المسؤولية الجزائية والمدنية.
- تطبيق
أسباب الإباحة يستفيد منه كل شخص ساهم في الجريمة، باعتبارها ظروفا لصيقة بالجريمة
،بينما موانع المسؤولية باعتبارها لصيقة بشخصية الجاني، فلا يستفيد منها إلا من
توفرت لديه.
ب) أسباب الإباحة عن موانع العقاب:
موانع
العقاب شخصية تتعلق بشخص الجاني، تحول دون توقيع الجزاء على من توفرّت في حقه، ولا
تمتد إلى غيره من المساهمين معه في الجريمة، وهي لا تنفي قيام الجريمة ولا تحول
دون قيام المسؤولية الجنائية، ولا المسؤولية المدنية. ومثالها الأعذار المُعفية من
العقاب في الم 52 ق ع "الأعذار هي حالات مُحدّدة في القانون على سبيل الحصر
يترتب عليها مع قيام الجريمة والمسؤولية إما عدم عقاب المتهم إذا كانت أعذارا
معفية وإما تخفيف العقوبة إذا كانت مخففة. ومع ذلك يجوز للقاضي في حالة الإعفاء أن
يطبق تدابير الأمن على المعفي عنه".
ثالثا: أنواع أسباب الإباحة:
نظمّ
المشرع الأفعال المُبرّرة بالمادّتين 39 40 من قانون العقوبات تحت الباب المتعلقّ
بالجريمة ،ضمن الكتاب الثاني المتعلقّ بالأفعال والأشخاص الخاضعون للعقوبة. وهي
ثلاثة أسباب للتبرير وهي:
1ـ
ما يأذن به القانون ويسُمّى في تشريعات أخرى مُمارسة الحق.
2ـ
ما يأمُر به القانون ويسُمّى في تشريعات أخرى أداء الواجب
3ـ
الدفاع الشرعي.
4ـ
كما توجد حالات أخرى للإباحة في بعض الدول وليست مُقرّرة بنصّ عام في التشريع
الجزائري ولكن يظُمّ حالات محدودة بنصوص خاصّة وهي: ـ حالة الضرورة ـ ورضاء المجني
عليه.
أ) أمر القانون (أداء الواجب القانوني)
إذا
كان السلوك مرتكبا بأمر القانون بمفهومه الواسع، أي التشريع أو التنظيم أو أوامر
السلطة الإدارية، فهو لا يخضع للتجريم والعقاب، إذْ يعُتبر سلوكا مُبرّرا ينفي
المسؤولية الجزائية والمدنية.
ومن
أمثلته واجب الطبيب وهياكل مؤسسات الصحّة في الإبلاغ عن المرض المُعدي بموجب
المادّة 293 من قانون الصحة 18 ـ11، لا يُدانُ عنه بإفشاء السرّ المهني بموجب
المادّة 301 ق ع. وكذلك لا يسُأل الموظف المُكلفّ بتنفيذ حكم الإعدام عن جريمة
القتل العمد، ولا يسُأل مُدير المؤسسة العقابية عن جريمة احتجاز الأشخاص بدون وجه
حق عندما ينفذ الحكم بالسجن، ولا يسُأل الشاهد عن القذف عند شهادته.
ـ
ويدخل في تنفيذ القانون تنفيذ الموظف لأوامر الشرعية صادرة عن السلطة الإدارية
المُختصّة، حيثُ يشُترطُ أن يكون الأمر مشروعا مُستوفيا للشروط الشكلية والموضوعية
التي يتطلبها القانون في الأمر.
ـ
إذا كان الموظف يعلم بعدم مشروعية الأمر الصادر إليه ورغم ذلك قام بتنفيذه فإنهّ
لا يبُاحُ فعله ويسُأل عن جريمة عمدية لتوافر القصد الجنائي لديه.
ـ
إذا كان الموظف لا يعلم بعدم مشروعية الأمر الصادر إليه: لا أثر لهذا الجهل على
المسؤولية الجنائية للموظف إذا تعلق بقواعد قانون العقوبات، اذ العلم بها مُفترض
عند كل الناس، أمّا اذا تعلق الجهل بقواعد غير قانون العقوبات فإنّ القصد الجنائي
ينتفي وتنتفي به المسؤولية.
ـ
في جرائم الاعتداء على الحريات تنصّ المادة 107 يعاقب الموظف العمومي بالسجن
المؤقت من 5 سنوات إلى 10 سنوات إذا أمر بعمل تحَكُّمي أو ماس سواء بالحرية
الشخصية للفرد أو بالحقوق الوطنية لمواطن أو أكثر. ونصّت المادة 108 أنّ مُرتكب
الجنايات المنصوص عليها في المادة 107 مسؤول شخصيا مسؤولية مدنية وكذلك الدّولة
على أن يكون لها حق الرجوع على الفاعل.
ب) إذن القانون (استعمال الحق)
إذن
القانون هو حقٌّ يقُرّره القانون بمفهومه العام الواسع أي القواعد القانونية
والشرعية والعرفية المكتوبة أو غير المكتوبة، بشرط أن يسُتعمل الحق من صاحب الصفة
وأن لا يتعَّسَّف في استعماله، ومنه:
1ـ
إذن القانون للمواطنين بأن يقبضوا على المتلبس بالجريمة ويقتادوه إلى أقرب مركز
شرطة أو درك (الم61 ق إ ج). دون أن يتابعو بجناية القبض على الأشخاص واحتجازهم
بالمادّة 291 ق ع.
2
تأديب الصغار بالضرب الخفيف، ممّن له حق التأديب وهو الأب أو الولي، أو من ينوب
الأب بمقتضى قانون أو عقد، حيث يستثني نصّ المادّة 269 ق ع في جريمة العنف ضدّ
القصٌّر أفعال التأديب بقولها "... فيما عدا الإيذاء الخفيف..".
3ـ
استعمال الرخص القانونية: مثل أعمال الجراحة الطبية في حدود قانون أخلاقيات الطبّ،
وكذلك العنف الذي يقع خلال مُمارسة الألعاب الرياضية كالمصارعة والملاكمة، في حدود
احترام قواعد اللعبة.
جـ) حالة الضرورة
تقوم
حالة الضرورة على أساس ارتكاب جريمة تؤدّي إلى التضحية بمصلحة في سبيل صيانة مصلحة
أخرى تعلوها من خطر يحُيطُ بها، مثل الطبيب الذي يجُهض الحامل فيضُحي بالجنين في
سبيل إنقاذ حياة المرأة. ومن يحُطمّ الأبواب من أجل تقديم النجدة إلى أشخاص تحُيطُ
بهم النيران.
ـ
القانون الجزائري لا ينصّ على حالة الضرورة كفعل مُبرّر ولكن ينصّ على حالة
الضرورة التي تنفي المسؤولية الجنائية ولا تنفي الجريمة وذلك في المادّة 48 "
لا عقوبة لمن اضطرته إلى ارتكاب الجريمة قوة لا قبل له بدفعه". وهذه القوة
تمُثل خطرا يهُدّد النفس أو المال أو العرض أو الشرف والاعتبار، يكون جسيما
ووشيكا، ولا وسيلة لدفعه إلا ارتكاب الجريمة.
ومن
أمثلة ذلك المادّة 308 من قانون العقوبات "لا عقوبة على الإجهاض إذا استوجبته
ضرورة إنقاذ حياة الأم من الخطر متى أجراه طبيب أو جرّاح في غير خفاء وبعد إبلاغه
السلطة الإدارية". وتؤكّد هذا الحكم المادّة 77 من قانون الصحة (القانون رقم 18ـ11)
"يهدف الإيقاف العلاجي للحمل إلى حماية صحّة الأم عندما تكون حياتها أو
توازنها النفسي والعقلي مُهدّدين بخطر بسبب الحمل".
د) رضاء المجني عليه
ـ
الرضاء كسبب إباحة هو تنازل الشخص عن مصلحة له يحميها القانون فيقبل الاعتداء
عليها، وهو عادة لا يشمل الجرائم الخطيرة كالقتل والجرح والجرائم الماسّة بالمصالح
العامّة عندما تقع على أحد الأفراد.
ـ
يجُمع الفقه على عدم اعتبار رضاء المجني عليه من أسباب الإباحة كقاعدة عامّة، لأنّ
كل جريمة ولو كانت ضدّ الفرد تمثلّ اعتداءا على المجتمع والمصالح العامّة، ولا
يقوى رضاء الضحية على إباحتها ،ولذلك أغلب الدول ومنها الجزائر لا تنصُّ عليه بنص
عام، لكن تكتفي بالنصّ عليها في كل جريمة يرى المُشرّع مُبرّرا للإعتداد برضاء
المجني عليه فيها.
ـ
ويعطي المُشرّع الجنائي أحيانا للرضاء أهمّية خاصّة في الحالات التالية:
ـ
حالة اشتراط انعدام الرضاء في عناصر الركن المادّي: كما في دخول منزل مواطن بدون
رضاه (الم135 ق ع)، والإغتصاب (الم386 ق ع). حيثُ تنعدم الجريمة إذا كانت
هذه الأفعال برضا الضحية.
ـ
حالة الرضاء كشرط للإباحة، في الأعمال الطبيّة العلاجية والجراحية بغرض التبرّع
بالأعضاء أو زرع الأنسجة يشَترط قانون الصحّة رقم 85-05 التعبير من المتبرّع أمام
رئيس المحكمة، زمن المُتلقي أم الطبيب وشاهدين أو كتابيا من قبل نائبه (المواد 360ـ364).
الفرع الثاني: الدفاع الشرعي كفعل من الأفعال المبررة
الدفاع
الشرعي في حقيقته فعل غير مشروع لكنهّ يصُبح مشروعا إذا كان هو السبيل الوحيد
لحماية النفس والمال من خطر غير مشروع يتهدّده غيره. فما طبيعته وما هي
شروطه.
أوّلا: مفهوم الدفاع الشرعي:
أ) تعريف الدّفاع الشرعي:
ـ
الدفاع الشرعي هو حقٌّ يقُرّره القانون لمصلحة الشخص بأن يستعمل القوة اللازمة
لردّ الاعتداء غير المشروع الواقع على نفسه أو نفس الغير أو ماله أو مال الغير،
وهو حقٌّ مُقرّر في مواجهة الناّس كافة لا يحق رده أو مقاومته.
ـ
يسمّى الدفاع الشرعي في الشريعة الإسلامية "دفع الصائل" فالصائل
هو المعتدي والمصول عليه هو المعتدى عليه. وأصلهُ في قوله تعالى ﴿ فَمَنِ
اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ۚ
وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)﴾
البقرة.
ـ
أساس اَلدفاع الشرعي أنهّ يتوافق مع الفطرة الإنسانية، فليس من المعقول أن يفُرض
على الإنسان تحمّل الاعتداءات الواقعة عليه، أو التحليّ بالجُبن وإلزامُه بالهروب
من المعتدي وهو قادٌرٌ على رد العدوان بنفسه. خاصّة في الحالات التي يتعذر فيها
عليه تبليغ السلطات المختصة في الوقت المناسب،
ب) طبيعة الدّفاع الشرعي:
ـ
هناك من يعتبره استعمال حق في مواجهة كافةّ الناّس، لكن لا يقُابله التزام.
ـ
وهناك من يعتبره أداء واجب اجتماعي يفرضه الحرص على صيانة الحقوق وليس واجبا
قانونيا يرُتبُ جزاء لمن يتخلفّ عن أدائه.
ـ
وهناك من يعتبره رُخصّة قانونية للمُدافع بردّ الاعتداء عن نفسه وغيره
ـ
وفقهاء الشريعة اتفقوا بأنهّ واجب في حالة الاعتداء على العرض، وجائز في حالة
الاعتداء على المال، واختلفوا حول طبيعته في حالة الاعتداء على النفس بين الواجب
والجائز.
جـ) مجال الدّفاع المشروع:
ـ مجال المادّة 39 ق ع جرائم الاعتداء على النفس والمال: المقصود بجرائم الاعتداء على النفس
تلك الماسّة بالحق في الحياة أي القتل، والحق في السلامة الجسدية كالضرب والجرح
وما إليهما. وجرائم الاعتداء على الشرف والاعتبار كالقذف والسّب، وجرائم الاعتداء
على الحرية كالخطف والحجز العسفي ،والاعتداء على العرض وحرمة الحياة الخاصّة.
والمقصود
بجرائم الأموال كل الجرائم الماسّة بالأموال سواء كانت هذه الأخيرة عامّة أو خاصّة
كالسرقة والنصب والاختلاس وخيانة الأمانة وحرق الممتلكات...إلخ.
ـ
يستبعد أغلب الفقه الدفاع الشرعي من الجرائم غير العمدية ويحصره في الجرائم
العمدية.
ـ مجال المادّة 40 ق ع: هو حسب الفقرة 1 ـ تسلقّ الحواجز أو
الحيطان أو مداخل المنازل أو الأماكن المسكونة أو توابعها أو كسر شيء منها أثناء
الليّل. وحسب الفقرة 2 ـ السرقات أو النهب بالقوّة.
ثانيا: شروط الدّفاع المشروع:
في
الحالة العادية للدفاع الشرعي (المادّة 39 ق ع ج) تتعلق هذه الشروط بفعل العدوان،
وبفعل الدفاع ،وفي حالة الدفاع الممتاز ينبغي توافر ظروفه المذكورة المادّة 40 ق ع
ج.
وتحقق
شروط الدفاع المشروع هي مسألة تقديرية للقضاة الموضوع يخضعون فيها لرقابة المحكمة
العليا يجب على قضاة الموضوع التأكّد منها وتوضيحها في حكمهم.
أ) شروط فعل الاعتداء:
لا
يمكن لفعل الاعتداء أن يبُرّر فعل الدّفاع إلاّ إذا كان خطرا حالاّ وغير مشروع على
النفس والمال.
1) الخطر الغير مشروع: يشكل تهديدا أوبدء بالاعتداء على حق يحميه
القانون الجنائي أي يمثل جريمة فلا يكون هذا الفعل مؤسسا قانونا، ولا ينطوي على
سبب إباحة، ويكفي فيه أن يكون شروعا أو أعمالا
تحضيرية لجريمة.
إذن
لا يجوز الدفاع الشرعي في مواجهة الفعل المشروع. فمثلا لا يجوز للمُشتبه فيه
المأمور بالقبض عليه أن يبُدي مُقاومة عند تنفيذ أمر القبض، إلا إذا تجاوز رجل
الشرطة القضائية حدود صلاحيته في القبض أو الإحضار فيقوم بضرب المُشتبه فيه
المطلوب قبضه وإحضاره.
وتثور
الصعوبة عندما يصدر الاعتداء عن عديم المسؤولية الجزائية كالمجنون أو صغير السن.
فهناك من يقول أن موانع المسؤولية لا تنفي الجريمة بل تنفي العقاب فقط، ففعل
الاعتداء الصادر من المجنون أو الصغير أو المُكره يظل خطرا غير مشروع يجوز الدفاع
ضدّه.
2) الخطر الحال: يجب أن يكون الخطر موجودا وحقيقيا وليس توهما من الفاعل أو من صنع
خياله، بل يكون حدوثه أمرا متوقعا ومنتظرا كخطوة تالية مباشرة نصّت عليه المادة 39
بعبارة "الضرورة الحالة" بمعنى أن يكون الخطر في إحدى الحاتين:
ـ
أن يكون العدوان مُحْدِقا وعلى وشك الوقوع، يوحي بحتمية بدء العدوان مثل إخراج
الخراطيش لتعبئة المسدّس، ولا يعتدّ بالخطر المستقبلي طالما توفرّ فيه الوقت
للاستنجاد بالسلطات. لأنّ مآل تحققها أمٌرٌ محتمل الوقوع.
ـ
أن يكون الاعتداء قد بدأ ولم ينته بعد، كمن ضرب مرّة وأراد أن يزيد أو سرق أشياء
على دفعات، وفي مثل هذه الحالة يظل الخطر قائما ومستمرا طالما لم تتحقق الجريمة
كاملة وفي الجرائم المستمرة يظل الخطر حالاّ، والدفاع ضده في أي لحظة دفاعا
مشروعا. ولو كان الاعتداء منتهيا بتحقق النتيجة الإجرامية فلا يحق الدفاع لأنه
يصير انتقاما وعقابا غير مشروع.
ب) شروط فعل الدّفاع:
يشُترطُ
في فعل الدفاع أن يكون لازما، ومُتناسبا مع الاعتداء.
1) شرط اللزّوم: أي أن يكون فعل الدّفاع لزما لردّ لاعتداء وأنهّ لا يمكن درأ الخطر
بوسيلة مشروعة أخرى كإمكانية طلب تدخل السلطات، ولا يعُتبر الهروب من الوسائل
والحلول البديلة عن الدفاع، لأنّ الدفاع حق لا يمكن الإجبار على التنازل عنه، كما
أنّ فيه صفة الجبن وهو فعل مشين وماس بالكرامة الإنسانية.
بالإضافة
إلى ذلك يجب أن يوجه فعل الدّفاع إلى مصدر الخطر والاعتداء.
2) شرط التناسب: يشُترطُ أن يكون الدفاع بالقدر الضروري لردِّ الاعتداء، دون إفراط
أو تجاوز، أي متعادلا ومتكافئا مع جسامة الخطر، حيث يردُّ الاعتداء بأيسر ما يندفع
به، فليس للمعتدى عليه أن يدفعه بالكثير إذا كان يندفع بالقليل. لأنّ ممارسة حق
الدفاع الشرعي تهدف إلى تمكين المعتدى عليه من درء الخطر المحدق به أو بغيره في
ماله أو نفسه، لهذا.
وتقدير
التناسب بين فعل الاعتداء والدفاع هي مسألة موضوع يرجع الفصل فيها للقاضي الذي يقُدّر
توافر التناسب من عدمه بمراعاة الظروف والملابسات في كل حالة على حدة.
قد
تكون خطورة فعل الدفاع تتجاوز خطورة فعل الاعتداء، فالمال يبقى دائما أقل شأنا من
الحياة فالدفاع عنه مهما كانت شرعيته لا يمكن أن يصل إلى درجة التضحية بحياة إنسان
أو إلحاق أضرار خطيرة جدا غير قابلة للعلاج. وهو ما تؤكّده صراحة المادّة 122/ 2
فقرة 5 من ق ع ف. يجب الأخذ بعين الاعتبار مقدار الضرر أو الوسيلة والحالة النفسية
للمدافع وسنهّ وجنسه وقوّته وزمان ومكان الاعتداء، بدليل أنّ المشرّع الجزائري أخذ
بهذه المعايير والظروف في المادّة 40 ويبقى ذلك خاضعا لتقدير القاضي.
واختلف
في نصب الكمائن والفخاخ وراء الأبواب وخلف الأسوار ووسط الممرات بقصد قتل المعتدين
أو جرحهم، فهو جائز عند البعض مثل محكمة النقض الفرنسية، وغير جائز عند البعض
الآخر.
ـ حكم تجاوز حدود الدفاع الشرعي: قد يتجاوز المتهم حدود الدفاع الشرعي
ويفُرط في ممارسة حق الدفاع المشروع حينما
يخلُّ بشرط التناسب بين الدفاع والاعتداء. كأن يرُدّ المتهم بالضرب على
مجرد التهديد، أو يطعن المعتدي الذي يحمل عصا خفيفة بسكين ويقتله، أو يطلق النار
على سارق الثمار من البستان. وحكم تجاوز حدود الدفاع الشرعي يكون بحسب ما إذا كان
التجاوز مُتعمّدا أو غير مُتعمّد:
ـ في حالة التجاوز المتعمّد يفقد المتهم حقه في التمسك بالدفاع
الشرعي ويسُأل عن جريمة عمدية.
ـ وفي حالة التجاوز غير مُتعمّد فإنّ المتهم يستفيد من التخفيف
الوارد بأحكام المواد 277، 278، 283 ق ع ج. حيثُ أنّ المشرع الجزائري عالج حدود
الدفاع الشرعي في هذه الحالات مُعالجة خاصة:
ـ
المادة 277 "يستفيد مرتكب جرائم القتل والجرح والضرب من الأعذار إذا دفعه إلى
ارتكابها وقوع ضرب شديد من أحد الأشخاص".
ـ
المادة 278 "يستفيد مرتكب جرائم القتل والجرح والضرب من الأعذار إذا ارتكبها
لدفع تسلق أو ثقب أسوار أو حيطان أو تحطيم مداخل المنازل أو الأماكن المسكونة أو
ملحقاتها إذا حدث ذلك أثناء النهار. وإذا
حدث ذلك أثناء الليل فتطبق أحكام الفقرة الأولى من المادة 40".
ـ
المادة 279 "يستفيد مرتكب القتل والجرح والضرب من الأعذار إذا ارتكبها أحد
الزوجين على الزوج الآخر أو على شريكه في اللحظة التي يفاجئه فيها في حالة تلبس
بالزنا".
ـ
المادة 280 "يستفيد مرتكب جناية الخصاء من الأعذار إذا دفعه لارتكابها وقوع
هتك عرض بالعنف"
المادة
281 "يستفيد مرتكب الجرح أو الضرب من الأعذار المعفية إذا ارتكبها ضدّ شخص
بالغ يفُاجؤ في حالة تلبس بهتك عرض قاصر لم يكمل السادسة عشرة سواء بالعنف أو بغير
عنف".
ـ
وحدّدت أحكام التخفيف المادة 283 "إذا ثبت قيام العذر فتخفض العقوبة على
الوجه الآتي:
الحبس
من سنة إلى خمس سنوات إذا تعلق الأمر بجناية عقوبتها الإعدام أو السجن المؤبد.
الحبس
من ستة أشهر إلى سنتين إذا تعلق الأمر بأية جناية أخرى.
الحبس
من شهر إلى ثلاثة أشهر إذا تعلق الأمر بجنحة".
جـ) الحالات الخاصّة الممتازة للدّفاع الشرعي (المادّة 40 ق ع ج):
تتمثلّ
هذه الحالات في أفعال دفاعٍ خاصّةٍ ضدّ أفعال اعتداء خاصّة، وتتميز عن الدّفاع
المشروع العادي بوجود ظرف الليل أو ظرف القوة والعنف، حيث يعتبر الظرفان قرينة على
حالة الدفاع المشروع، فيعفى الشخص من إثباتها بل يكفيه إثبات الظرف فقط، لكن يبقى
هذا الأخير قرينة بسيطة تقبل إثبات العكس
إن
هذه الحالات لا يشترط فيها لتبرير الفعل توافر الشروط العامّة، خاصة شرط اللزم
والتناسب، إذْ أقام المشرع قرينة قانونية على توافر الشروط إذا ارتكب فعل الدفاع
في إحدى الحالتين الآتيتين:
الحالة (1) هي أن يكون فعل الإعتداء يتمثلّ في تسلقّ الحواجز أو الحيطان أو
مداخل المنازل أو الأماكن المسكونة أو توابعها أو كسر شيء منها أثناء الليّل. حيث
يشترط: 1ـ أن يكون التسلقّ أو الكسر متعلقّا بمسكن أو أحد توابعه. 2ـ أن يكون
الدخول ليلا. 3ـ أن يكون الدخول بغرض ارتكاب جريمة.
الحالة (2) هي أن يكون فعل الإعتداء يتمثلّ في السرقات أو النهب بالقوّة. وفي
هذه الحالة يشترط استعمال القوة في جريمة النهب والسرقة، ولا يشترط الليل.
المرجع:
- د. فريد روابح، محاضرات في القانون الجنائي العام، موجهة لسنة الثانية لسانس، جامعة محمد لمين دباغين- سطيف، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم الحقوق، الجزائر، السنة الجامعية 2018-2019، ص69 إلى ص91.