أشخاص الحق
إن الحق لا يمكن تصوره إلا منسوبا إلى شخص من الأشخاص
كما أن الواجب الذي يقابل الحق لابد أن يقع هو الآخر على عاتق شخص من الأشخاص،
فالحق يفترض إذن وجود الأشخاص من الناحية الايجابية والسلبية، وللشخص معنى اصطلاحي
في نطاق القانون إذ يقصد به من يتمتع بالشخصية القانونية، أي أن يكون صالحا
لاكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات، والشخصية القانونية لا تثبت في الأصل إلا
للإنسان وهو ما يطلق عليه الشخص الطبيعي ومع ذلك فقد تثبت لبعض الكائنات المعنوية
الذي يعترف لها بالشخصية القانونية.
وعليه يتضمن هذا المبحث أشخاص الحق، بحيث يتناول بالدراسة
الشخص الطبيعي باعتباره الشخص الحقيقي في المطلب الأول، غير أن هناك أشخاص أخرى
اعترف لها المشرع بالشخصية القانونية وهو الشخص المعنوي في المطلب الثاني.
المطلب الأول: الشخص الطبيعي
يقصد بالشخص الطبيعي الإنسان، وان دراسة الشخصية
القانونية تقتضي التطرق إلى حياته وعن مدة الشخصية من بدايتها أي منذ الولادة والى
غاية نهايتها أي وفاته، وعليه أتطرق إلى مراحل ومميزات الشخص الطبيعي في الفرع
الأول، ثم أتناول خصائص الشخصية الطبيعية في الفرع الثاني.
الفرع الأول: مراحل ومميزات الشخص الطبيعي
الشخص الطبيعي من الناحية القانونية هو الإنسان، فهو
قابلا لأن يكون طرفا إيجابيا أو سلبيا بالنسبة للحق، باعتباره كائنا بشريا يصلح
لاكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات دون مراعاة لسنه أو حالته الدينية، أو جنسية أو
مهنية أو حرفته، أو حالته الاجتماعية أو الاقتصادية.
وعليه تناولت بداية الشخص الطبيعي أولا، ثم بداية
الشخصية القانونية ثانيا، وبعدها نهاية الشخصية الطبيعية ثالثا.
أولا- بداية الشخصية القانونية:
الأصل أن شخصية الإنسان تبدأ بتمام ولادته حيا، وعلى ذلك
نجد أن القانون يقرر الأصل وما يرد عليه من استثناء، أي يشترط لبدء الشخصية تمام
الولادة من ناحية مع تحقيق حياته عند الولادة من ناحية ثانية.
حيث جاء في المادة 25 من القانون المدني الجزائري "تبدأ
شخصية الإنسان بتمام ولادته حيا وتنتهي بموته، على أن الجنين يتمتع بالحقوق التي
يحددها القانون بشرط أن يولد حيا" فمن خلال هذا النص نستنتج أن الشخصية
القانونية للإنسان تبدأ بشرطين وهما بتمام الولادة وتحقق الحياة.
1- تمام الولادة:
ويتمثل هذا الشرط في خروج المولود كله وانفصاله عن أمه
انفصالا تاما، وقد كان في مراحل سابقة
جزءاً منها، ولا يعد انفصال المولود شرطا مفروضا من قبل فقهاء القانون فقط بل حتى
فقهاء الشريعة الإسلامية من مالكية وشافعية وحنابلة أجمعوا على توافر شرط الانفصال
لثبوت الشخصية.
2- تحقق الحياة:
لا يكفي أن ينفصل الجنين عن أمه وانما يلزم لتمتعه
بالشخصية القانونية تحقق حياته فعلا ولو لمدة قصيرة، فالعبرة تكون ساعة الانفصال
التام وظهور المولود حيا ولو مات عقب ذلك مباشرة فلا يشترط استمرار الحياة للتمتع
بالشخصية القانونية.
3- مركز الحمل والجنين:
إذا كان الأصل هو ابتداء شخصية الإنسان بولادته حيا على
النحو السالف بيانه، إلا أن القانون خرج عن هذا الأصل واعترف للحمل والجنين قبل
ولادته ببعض الحقوق فيثبت له فضلا عن النسب الحق في الإرث وفي الوصية ومن الاشتراط
لمصلحته وبذلك تكون للحمل قبل ولادته شخصية، خروجا على الأصل ولكنها شخصية لا
تعطيه أهلية وجوب ناقصة أو محدودة وذلك لاقتصار صلاحيته أصلا على اكتساب ما ينفعه
نفعا محصنا من حقوق وتشمل كذلك ما قد يتفرع من التزامات نتيجة ثبوت هذه الحقوق له
كتلك الناشئة عن إرادة أمواله أو بسببها غير أن هذه الشخصية باتت لتوقف استقرارها
على ولادته حيا بحيث إذا ولد حيا أعتبر شخصا وصاحبا لهذه الحقوق منذ ثبوتها له وقت
الحمل فإذا ولد ميتا فكأنه لم يكن ولم تتقرر له حقوق قط.
ثانيا- نهاية الشخصية القانونية:
تنتهي الشخصية القانونية بالوفاة الطبيعية أو الوفاة
الحكمية، ولما كانت الشخصية القانونية تصاحب الإنسان طوال حياته كان الأصل أنها
تنتهي بموته، وهذا ما يعبر عنه قانونا بالموت الحقيقي، تنتهي الشخصية القانونية
للإنسان بموته فعلا، وهذا حسب نص المادة 25 من القانون المدني سالفة الذكر وتثبت
واقعة الوفاة بأي من طرق الإثبات المعروفة.
1- إثبات الوفاة الطبيعية:
تثبت واقعة الوفاة بالسجلات المعدة لذلك كما يمكن
إثباتها بكافة الطرق الأخرى وهذا ما تضمنته المادة 26 من القانون المدني على ما
يأتي: "تثبت الولادة والوفاة بالسجلات المعدة لذلك، واذا لم يوجد هذا الدليل،
أو تبين عدم صحة ما أدرج في السجلات، يجوز الإثبات بأية طريقة حسب الإجراءات التي
ينص عليها قانون الحالة المدنية"، وتقضي الشخصية القانونية بالوفاة فتنتقل
حقوق المتوفي المالية إلى ورثته وذلك بعد سداد ما عليه من ديون وفقا للقاعدة لا
تركة إلا بعد سداد الديون.
2- الموت الحكمي:
تنتهي الشخصية القانونية بالموت الحكمي وليس موتا فعليا
ولكنه موت تقرره المحكمة في أحوال معينة، ويسبق الحكم بالفقدان أولا يليه الحكم
بالوفاة، والمفقود هو شخص الذي غاب عن وطنه وانقطعت أخباره بحيث لا تعرف حياته من
مماته وفي هذه الحالة يبيح القانون اعتباره ميتا متى توفرت شروط معينة تنقضي
شخصيته تبعا لذلك.
الفرع الثاني: خصائص الشخصية الطبيعية
للشخص الطبيعي خصائص تميزه عن غيرة وهي: الاسم، الحالة،
الأهلية، الذمة المالية، الموطن.
أولا- الاسم:
يعتبر الاسم من أهم ما يميز الشخص الطبيعي عن غيره من
الأشخاص، فقد جاء في المادة 28 من القانون المدني الجزائري "يجب أن يكون لكل
شخص لقب واسم فأكثر ولقب الشخص يلحق أولاده، يجب أن تكون الأسماء جزائرية وقد تكون
خلاف ذلك بالنسبة للأطفال المولودين من أبوين غير مسلمين،" فالمشرع الجزائري
ومن خلال هذا النص لم يجعل خياراً بالنسبة للأشخاص الطبيعيين، بل أوجب ضرورة أن
يكون لكل شخص طبيعي إسم ولقب يميزه عن غيره، وهذا ما يستشف من خلال عبارة يجب أن
يكون مما يؤكد أن القاعدة آمرة ووجب الامتثال لمضمونها.
1- الحق في الاسم:
يعتبر الاسم بالنسبة للشخص الطبيعي من الحقوق اللصيقة
بشخص الإنسان ويترتب على ذلك عدم تنازل الشخص عن اسمه أو أن يتصرف فيه أو يجعله
محلا لمعاملة بعوض أو دون عوض أو ما يعرف بالتعاملات المالية، كما أنه لا يسقط
الاسم بالتقادم مهما طالت المدة ولا يخضع الاسم لأي معاملة مالية.
2- الاسم المدني والاسم التجاري:
على العكس فيما يخص إسم الشخص الطبيعي الذي يمنع القانون
التعامل فيه، يجيز القانون التجاري الجزائري خضوع الاسم التجاري للمعاملة التجارية
وخاصتا العلامات التي لها مكان في السوق، وهو ما قررته المادتين 78 96 من القانون
التجاري. فكثيرا ما نرى في الواقع العملي أن يتخذ بعض التجار أسماء لمحلاتهم
التجارية مشتقة من أسمائهم المدنية هاجر للعطور مثلا.
ثانيا- الحالة:
يقصد بحالة الشخص مجموعة الصفات التي يضعها القانون في
الاعتبار، ويتوقف على إثرها تحديد مدى صلاحية لإكتساب الحقوق والالتزام بالوجبات،
وتتمثل في الحالة السياسية أولا والحالة العائلية ثانيا والحالة الدينية ثالثا .
1- الحالة السياسية:
يقصد بها انتساب الشخص إلى دولة معينة عن طريق أخذه
جنسيتها، والجنسية التي يتمتع بها الشخص قد تكون أصلية قائمة على أساس الدم، أحد
أصوله المباشرين جزائري، وقد تكون مكتسبة قائمة على أساس حق الإقليم، وهذا ما ينص
عليه قانون الجنسية الجزائري، ليصبح بعدها أهلا لاكتساب الحقوق التي تثبت إلا
لمواطنيها، كالحقوق السياسية منها كحق الترشح للمجالس الشعبية وتوالي الوظائف
العامة في الدولة ومباشرة بعض المهن الحرة، وكذلك الالتزام بالوجبات الوطنية كأداء
الضرائب والخدمة الوطنية والدفاع عن الوطن.
2- الحالة العائلية أو القرابة:
وهي صلة القرابة التي تربط الشخص بأسرة معينة يتحدد على
إثرها مركزه فيها، وتنقسم القرابة إلى نوعين قربة دم وقربة مصاهرة.
أ- قربة دم أو قربة النسب تقوم بين أفراد عائلة واحدة
بناء على دم مشترك ويجمعهم أصل مشترك من جهة الأب أو الأم وهي نوعان.
* قرابة مباشرة تقوم بين أفراد العائلة الواحدة يكون
أحدهم فرعا للآخر وهذا ما تنص عليه المادة 33/ 1 من القانون المدني كالصلة بين
الابن والأب والجد.
* قرابة غير مباشرة الحواشي تقوم بين أفرد الحواشي لا
يكون أحدهم فرعا للآخر ويجمعهم أصل مشترك، كالقرابة بين الأخوة وأبنائهم والأعمام
والعمات وفروعهم المادة 33/ 2 من القانون المدني.
ب- قرابة مصاهرة وهي التي تقوم عن عقد الزواج فيترتب عن
هذا الرباط القانوني أثرا يتمثل في إحداث أو إنشاء قرابة بين أقارب أفراد عائلة
الزوج وأقارب أفراد عائلة الزوجة.
3- الحالة الدينية:
الأصل أنه لا تأثير للحالة الدينية على صلاحية الشخص في
اكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات، ولكن يترتب على الحالة الدينية بعض الحقوق
والواجبات بالنظر إلى دين الشخص وباعتبار أن الإسلام دين الدولة بالنسبة للجزائر
فإن المواطن المسلم له حقوق وعليه وجبات مصدرها الشريعة الإسلامية، كما يظهر ذلك
خاصة في مجال الأحوال الشخصية.
ثالثا- الموطن:
وهو من الناحية القانونية المكان الذي يقوم فيه الشخص
بممارسة كافة أعماله وتصرفاته القانونية وعلاقته بغيره بوجه عام، أي المكان الذي
يقيم فيه الشخص ويشترط فيه إقامة الشخص بصفة مستقرة فيه، فإذا تركه وانتقل لموطن
آخر بنفس الشروط ينشأ موطن جديد.
1- أهمية الموطن:
يترتب على وجود موطن للشخص الطبيعي ما يأتي:
- سهولة العثور على الشخص والتعامل معه ومخاطبته فيه
بالنسبة لنشاطاته القانونية كالوفاء بالتزامات التي يكون محلها شيئا من المثليات،
كما يتم توجيه إليه جميع الأوراق والمستندات التي تستوجب أن يكون له موطنا
لتبليغها له.
- يتحد الاختصاص الإقليمي للمحكمة للنظر في الدعاوى
المتعلقة بالمنقولات والحقوق الشخصية كالدين التي يقع في دائرتها موطن المدعي
عليه.
- يتم تسليم الأوراق القضائية كالإنذار والتنبيه، كقاعدة
عامة، للشخص المعني بالأمر أو تترك له في موطنه مع الأشخاص الذين حددهم القانون.
- يتحدد القانون الواجب التطبيق، في بعض حالات تنازع
قوانين بعض الدول على حكم علاقة ذات عنصر أجنبي، على أساس الموطن.
2- أنواع الموطن:
هناك نوعين من الموطن موطن عام وموطن خاص.
أ- الموطن العام:
وهو المكان الذي يوجد به المسكن الرئيسي للشخص أو هو
المكان الذي يقيم فيه عادة وعند عدم وجود المسكن الرئيسي يعتد الموطن المكان الذي
يقيم فيه ويمارس فيه نشاطاته مع غيره من الأشخاص.
ب- الموطن الخاص:
هو المكان الذي يعتد به بالنسبة لبعض أعمال ونشطات الشخص
فقط، فالموطن الخاص للتاجر والحرفي هما الموطن الخاص اللذان يزاولان فيهما الأعمال
التجارية فيخاطبا فيما يخص أنشطتهما في موطنهما الخاص ولا يعتد بهذا الموطن إلا
بالنسبة لشؤون التجارة أو الصناعة أو الحرفة، أما الشؤون الأخرى فيعتد بموطنهما
العام الذي يحدد بمكان إقامتهما المعتادة والدائمة أي ما يعرف بالمسكن العائلي.
ج- الموطن القانوني:
هو موطن يفرضه القانون على الذين لا يستطعون مباشرة
أعمالهم بأنفسهم وهم: القصر والمحجور عليهم والمفقودون والغائبون، فيكون موطنهم
موطن من ينوب عنهم قانونا وهذا ما نصت عليه المادة 38/ 2 قانون المدني الجزائري
بغض النظر إن كانوا يقيمون أو لا يقيمون معهم ويظل هذا هو موطنهم إلى زوال السبب،
أما إذا بلغ القاصر أو رفع الحجر عن المحجور عليه، أو عاد الغائب حينئذ يحدد
موطنهم على أساس المسكن الرئيسي أو المكان الذي يقيمون فيه حسب ما هو مبين في
المادة 36 من القانون المدني الجزائري.
د- الموطن المختار:
يجوز لأي شخص أن يختار بنفسه كموطنا له لتنفيذ عمل
قانوني معين كأن يختار مثلا مكتب المحامي ليعلن له فيه بكل ما يتعلق بمنازعه
معينة، وقد يفرض على شخص ما أن يختار موطن في جهة معينة، ويترتب على هذا الموطن
المختار مباشرة الإجراءات التنفيذية على العقارات أو الحقوق العينية العقارية، بما
في ذلك إجراءات التنفيذ الجبري وكافة الإجراءات القانونية والتبليغات.
رابعا- الذمة المالية:
وهي مجموع ما للشخص من حقوق وما عليه من ديون أو التزامات
ذات طابع مالي الحالية منها والمستقبلية قائمة على أساس وعاء افتراضي.
1- عناصر الذمة المالية:
تتضمن عنصرين
عنصر إيجابي والأخر سلبي.
أ- عنصر إيجابي:
ويتمثل في الحقوق المالية التي يكتسبها الشخص كيف ما كان
نوعها وتخرج الحقوق غير مالية مثل الحقوق المدنية العامة كالحق في سلامة الجسم
وحقوق الأسرة كحق الأب في تربية أولاده.
ب- عنصر سلبي:
ويتمثل في الالتزامات المالية التي يتحملهما الشخص قبل
غيره من الأشخاص، وتخرج الواجبات العامة التي تقع على الكافة في احترام حقوق
الآخرين، ووجبات أفراد الأسرة التي تقع على أحدهم تجاه الآخر لأنها لا تقدر بمال.
وقد يزيد العنصر الإيجابي على العنصر السلبي فتوصف الذمة
المالية بالمليئة وصاحبها بالموسر وعلى العكس إذا زاد العنصر السلبي على العنصر
الايجابي توصف بالمعسرة وصاحبها بالمعسر، كما أن حقوق الشخص جميعها ضامنة بكل
ديونه وهذا ما تنص عليه المادة 188 من القانون المدني.
2- خصائص الذمة المالية:
اختلف الفقهاء في الأساس القانوني للذمة المالية فذهب
بعضهم إلى الربط بينهما وبين الشخصية القانونية باعتبارها جانبها المالي وهذا هو
التصور الشخصي للذمة ويترتب على هذا الربط النتائج التالية:
- إن لكل شخص ذمة مالية حتى ولو لم يكن له في وقت ما أي
حق أو التزام لأن العبرة بصلاحية الشخص لاكتساب الحقوق والتحمل بالالتزامات وليس
العبرة باكتساب الحقوق والتحمل بالالتزامات فعلا.
- إن الذمة المالية وحدة واحدة لا تتعدد ولا تتجزأ
بالنسبة للشخص الواحد فلا كون للشخص سوى ذمة مالية واحدة، وهذا ما يسمى بمبدأ وحدة
الذمة المالية وليس له حق تجزئتها بحيث يخصص جانبا من عنصرها الايجابي للوفاء بجزء
من عنصرها السلبي.
- هي مجموعة قانونية مستقلة عن العناصر المكونة لها،
وتتميز أيضا بأنها مجموعة تضم في رحابها الحقوق والالتزامات المالية التي تكون
للشخص في الحاضر وفي المستقبل فهي لا تشمل الحقوق والالتزامات الحاضرة فحسب بل
المستقبلية كذلك.
وانتقد هذا الرأي لمبالغة في الربط بين الذمة المالية
والشخصية القانونية واعطاء الذمة المالية خصائص الشخصية القانونية مع أن القانون
نفسه سمح في بعض الحالات بتجزئة الذمة المالية الواحدة للشخص ولتعامل فيها ،أما
البعض الآخر من الفقهاء يمثل النظرية الحديثة وتسمى نظرية التخصيص، فيرى أن الذمة
المالية هي مجموعة معينة أو كتلة متماسكة من الحقوق والالتزامات أنشأت لتفي بغرض
معين ذي قيمة مالية ويترتب على هذا النتائج التالية.
1- أنه لا ترابط بين الذمة المالية والشخصية القانونية
فقد توجد من دونها.
2- إن الذمة المالية قد تتعدد وذلك بتعدد الأغراض
والأهداف التي تجمعت الأموال من أجل تحقيقها، وبالتالي تخضع لقواعد غير التي تخضع
لها ذمة الشخص.
3- بما أن الذمة المالية عبارة عن مجموعة حقوق والتزامات
موجودة فعلا فهي بذلك قابلة للانفصال وللتنازل عنها.
انتقدت هذه النظرية لكونها فصلت تماما بين الشخصية
القانونية والذمة المالية مع أن الذمة المالية ملازمة للشخصية القانونية، والملاحظ
أن المشرع الجزائري في نص المادة 50 من القانون المدني ربط بين الذمة المالية
والشخصية القانونية الاعتبارية بأن جعلها ملازمة لها وبذلك يكون قد اخذ بالنظرية
الشخصية، كما أخذ بنظرية التخصيص عندما نص
في المادة 37 من قانون الأسرة حينما أجاز للزوجين الاتفاق في عقد الزواج أو
عقد رسمي لاحق على الأموال المشتركة بينهما التي يكتسبانها خلال الحياة الزوجية،
وتحديد النسب التي تعود لكل منهما، فيكون لهما بالإضافة إلى الذمة المستقلة ذمة
مشتركة بينهما.
خامسًا- الأهلية:
تعتبر الأهلية من أهم خصائص الشخصية القانونية، ويقصد
بها صلاحية الشخص لاكتساب الحقوق وتحمل بالالتزامات ومباشرة التصرفات القانونية
المعتد بها قانونا وهي نوعان أهلية الوجوب وأهلية الأداء.
1- أهلية الوجوب:
هي صلاحية الشخص لكسب الحقوق وتحمل بالالتزامات وتثبت
للشخص الطبيعي كاملة بولادته حيا وتلازمه وتستمر معه طول حياته فتزول عنه بالوفاة،
فهي إذن مرتبطة بالشخصية القانونية فكل شخص له أهلية وجوب.
وبما أن للجنين بعض الحقوق اعترف له بها المشرع لا تثبت
له إلا بولادته حيا، فإن بعض الفقه قال بتمتعه أهلية وجوب محددة أو ناقصة، ويرى
جانب آخر من الفقه إن للجنين وضع خاص أراد المشرع حمايته عن طريق الاعتراف له بتلك
الحقوق.
وقد تختلط الشخصية القانونية بأهلية الوجوب لكونهما
تثبتان للشخص بولادته حيا ومتعلقين باكتساب الحقوق والتحمل بالالتزامات غير أنهما
يفترقان فيما عدا ذلك، فالشخصية القانونية تثبت للشخص أولا ثم تثبت له أهلية
الوجوب فلا يمكن الحديث عن أهلية الوجوب إلا إذا كانت هناك شخصية قانونية فهي
الأسبق في الوجود، إن الشخصية القانونية هي الكائن الصالح لاكتساب الحقوق والتحمل
بالالتزامات بغض النظر عن نوعهما.
إذا أهلية الوجوب فهي مدى صلاحية هذا الشخص لاكتساب
الحقوق والتحمل بالالتزامات فيتفاوت بحسب ظروفه وحالته السياسية أو العائلية أو
الدينية، فمثلا الترشح لمنصب سياسي ،أو التحمل بواجب وطني كأداء الخدمة العسكرية
قاصر على الموطنين دون الأجانب مع أن جميعهم يتمتعون بالشخصية القانونية.
2- أهلية الأداء:
هي "صلاحية الشخص لممارسة الأعمال والتصرفات
القانونية بنفسه على وجه يعتد به قانونا،" وعلى خلاف من أهلية الوجوب فإن
أهلية الأداء لا تبت لجميع الأفراد بل يشترط لمن يتمتع بها أن يكون له قد ار من
التمييز يجعله قادرا عن التعبير عن إرادته مدركًا لما يترتب عن هذه الإرادة من
آثار قانونية، لذلك فهي لا تمنح دفعة واحدة بل على مراحل حسب مقدرته على التعبير،
كما أنها تتأثر تأثرا مباشرا بكافة العوارض والموانع التي تطرأ عليه.
أ- مراحل أهلية الأداء:
تمر أهلية الأداء بثلاث مراحل وهي:
- المرحلة الأولى: تنعدم في هذه
المرحلة أهلية الأداء تماما لذلك يسمى الشخص في هذه المرحلة عديم التمييز ويقصد
بالتمييز قدرة الشخص على التمييز بين الخير والشر أو بين الحسن والقبيح، وتبدأ هذه
المرحلة من ولادة الشخص حيا إلى ما قبل بلوغه سن ثلاثة عشرة سنة وهذا بنص المادة 42
من القانون المدني أي أنها تعد كل التصرفات التي يقوم بها باطلة بطلانا مطلقا سواء
كانت نافعة له نفعا محضا، كالتبرع له وقبوله الهبة، أو كانت ضارة ضررا ًمحضا،
كالتبرع والوصية والهبة الصادرة منه للغير، أو دائرة بين النفع والضرر كالبيع
والإيجار ففيهما تقديم لشيء وأخذ مقابله المادة 82 من قانون الأسرة ويتولى وليه أو
وصيه القيام بهذه التصرفات.
- المرحلة الثانية: تكون في هذه
المرحلة أهلية الأداء لهذا الشخص ناقصة ويدعى بالقاصر المميز وتبدأ من سن ثلاث
عشرة سنة إلى ما دون الرشد وهي تسع عشر سنة، ويميز في هذه المرحلة بين أنواع
التصرفات التي يقوم بها القاصر فإذا كانت هذه التصرفات نافعة نفعا محضا وهي التي
تكسبه حقا ولا تحمله التزاما فتعتبر صحيحة وهذا ما نصت عليه المادة 83/ 1 من قانون
الأسرة.
أما إذا كانت ضارة ضرراً محضا وهي التي تفقر ذمته
المالية أي لا تكسبه حقا وتحمله التزاما فهي باطلة بطلانا مطلقا المادة 83/ 2 من
قانون الأسرة، أما إذا كانت دائرة بين النفع والضرر أي تلك التي تكسبه حق وترتب
عليه التزاما في نفس الوقت فتكون موقوفة على إجازة الولي أو الوصي المادة 83 قانون
الأسرة.
- المرحلة الثالثة: تكون أهلية
الأداء لدى الشخص كاملة وذلك ببلوغه سن تسع عشرة سنة كاملة وهذا نصت عليه المادة 40
من القانون المدني فيكون بعدها راشدا وتستمر معه إلى حين وفاته مالم يعترها عارض
من عوارض الأهلية أو مانع من موانعها، وتعد كل أنواع التصرفات القانونية التي يقوم
بها صحيحة.
وقد يرشد القاصر المميز فيصير كامل الأهلية بالنسبة
للتصرفات التي رشد فيها فيقوم بالتصرف في أمواله كليا أو جزئيا وذلك بإذن من
القاضي وبطلب من ذوي المصلحة وهذا حسب نص المادة 84 من قانون الأسرة.
ب- عوارض وموانع الأهلية:
قد تعترض أهلية
الأداء عوارض وموانع نبينها في ما يأتي:
- عوارض الأهلية:
قد يبلغ الشخص سن الرشد ولكن قد يصاب بعد ذلك بمرض عقلي
أو فساد في الإدراك أو يبلغ هذه السن وهو مصاب بإحداها فتنعدم أهليته أو تكون
ناقصة، ولذلك فإن عوارض الأهلية نوعان: عوارض تصيب الإنسان في عقله فينعدم لديه
الإدراك والتمييز وهي الجنون والعته، وعوارض تصيب الإنسان في تدبيره كالغفلة
والسفه.
- الجنون والعته عارضان يصيبان الشخص فيفقد عقله ويسلبه
التمييز فلا يعتد بعدها بأفعاله حتى ولو كان راشدا حيث تنص المادة 42 من القانون
المدني على ما يلي" لا يكون أهلا لمباشرة حقوقه المدنية من كان فاقد التمييز
لصغر في السن أو عته أو جنون" فنص هذه المادة صنف المعتوه كالمجنون والصغير
في السن ومنعدم التمييز.
- السفه والغفلة يكون ناقص للأهلية وهذا حسب نص المادة 43
من القانون المدني التي نصت على ما يأتي "كل من بلغ سن التمييز ولم يبلغ سن
الرشد وكل من بلغ سن الرشد وكان سفيها أو ذا غفلة يكون ناقص الأهلية وفقا لما
يقرره القانون" والسفيه هو الشخص الذي ينفق ماله على غير مقتضى العقل والشرع،
والغفلة هي وقوع الشخص بسهولة في غبن بسبب سلامة نيته وطيبة قلبه.
ويترتب على قيام عارض من عوارض الأهلية السالفة الذكر
الحجر على الشخص وهذا ما نصت عليه المادة 101 من قانون الأسرة التي نصت على ما يلي
"من بلغ سن الرشد وهو مجنون أو معتوه أو سفيه أو طرأت عليه إحدى الحالات
المذكورة بعد رشده يحجر عليه" وحماية لحقوق الشخص فإن الحجر عليه لا يكون إلا
بحكم قضائي، بناءًا على طلب من له مصلحة في ذلك، وفي هذه الحالة يتعين تعيين نائب
قانوني في صورة ولي أو وصي أو مقدم وهذا ما نصت عليه المادة 87 من قانون الأسرة.
ج- موانع الأهلية:
تعتري الشخص الذي يبلغ سن الرشد موانع تأثر في أهلية
الأداء عنده، ونظرا لهذه الظروف يمنع عنه القانون القيام بممارسة حقوقه بنفسه وهذه
الموانع قد تكون طبيعية أو قد تكون قانونية وقد تكون مادية.
- الموانع الطبيعية: قد يصاب
الشخص بعاهتين كأن يكون أصم أبكم أو أعمى أصم أو أعمى أبكم، مما يتعذر عليه
التعبير عن إرادته تعبيراً صحيحًا وفي هذه الحالة نصت المادة 80 من القانون المدني
بأنه يجوز للمحكمة أن تعين له مساعدا قضائيا يعاونه في التصرفات التي يجريها
تحقيقا لمصلحته.
- المانع المادي وهو غياب
الشخص بحيث لا يستطيع مباشرة تصرفاته القانونية بشكل يعطل مصالحه ويحدث به الأضرار،
وفي هذه الحالة يجري عليه الأحكام المقررة في قانون الأسرة و هذا حسب ما نصت عليه
المادة 31 من القانون المدني "تجري على المفقود والغائب الأحكام المقررة في
التشريع العائلي".
- المانع القانوني ويتحقق
المانع القانوني بالنسبة لمن سلبت أهليته بحكم المحكمة أو بحكم القانون كما في
حالة لو حكم عليه بعقوبة جنائية فلا يجوز أن يتولى إدارة أمواله خلال مدة حبس
حريته، وهذا ما حددته المادة 78 من القانون المدني "كل شخص أهل للتعاقد مالم يطرأ
على أهليته عارض يجعله ناقص الأهلية أو فقدها بحكم القانون".
المطلب الثاني: الشخص الاعتباري
إن الشخصية القانونية لا تقتصر على الإنسان فقط بل اقتضت
الضرورة العملية أن تمنح لما تسمى بالأشخاص الاعتبارية العامة، التي هي من الناحية
الواقعية لا وجود لها ماديا لأنها لا تدرك بالحواس ولكنها مجرد تصور ذهني على
وجودها، ولا تكون كذلك إلا إذا اعترف لها المشرع بهذا الوجود القانوني لتحقيق
أهداف وغايات معينة، ما كانت لتحقق لولا هذا الوجود الافتراضي، فهناك أعمال ضرورية
للمجتمع كتحقيق النظام العام والأمن والسكينة العامة في المجتمع والدفاع عن الوطن.
كذلك عجز الفرد عن تمويل المشروعات الضخمة بنفسه مما
يتطلب أموالا طائلة لا يقوى على توفيرها، فظهرت الشركات والجمعيات باسم الشخص
الاعتباري، وعليه أتناول تعريف الشخص الاعتباري وبيان عناصره في الفرع الأول، ثم
نتطرقت إلى مميزات الشخص الاعتباري الفرع الثاني.
الفرع الأول: تعريف الشخص الاعتباري وعناصره
إن تحديد المفهوم القانوني للشخص الاعتباري لا يكون إلا
من خلال وضع تعريف شامل وواضح له بحيث يسمح بتحديد خصائصه وتمييزه عن غيره، والشخص
الاعتباري أو المعنوي هو شخص لا يمكن إدراكه بالحس وانما يدرك بالفكر وجدت لأجل
غرض معين وأصبح من الضروري الاعتراف لها بالشخصية.
أولا: تعريف الشخص الاعتباري
فالأشخاص
الاعتبارية هي "مجموعة من الأشخاص الطبيعية أو الأموال يجمعها غرض واحد،
ويكون لهذه المجموعة شخصية قانونية لازمة لتحقيق هذا الغرض منفصلة عن شخصية
المكونين لها أو المنتفعين بها".
ثانيا- أنواع الشخص الاعتباري
أما المشرع الجزائري فقد حدد في المادة 49 من القانون
المدني من يحمل صفة الشخص الاعتباري "الأشخاص الاعتبارية هي:– الدولة،
الولاية، البلدية – المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري- الشركات المدنية
والتجارية- الجمعيات والمؤسسات – الوقف- كل مجموعة من الأشخاص أو أموال يمنحها
القانون شخصية قانونية ".
فمن خلال هذا النص نستنتج أن الشخص الاعتباري تمنح له
الشخصية القانونية بالقدر الذي يلزم لتحقيق الغرض الذي أنشئ من أجله، وهو نوعان:
شخص معنوي عام وخاص.
1- الأشخاص العامة:
هي الدولة وفروعها مع ملاحظة أن الدولة تنشأ باعتراف
الدول الأخرى بقيامها أما فروع الدولة تنشأ باعتراف المشرع الوطني أي القانون
الداخلي بوجودها أو تأسيسها مثل الولاية والدائرة والبلدية، أما الاشخاص
الاعتبارية الخاصة التي تكون إما في شكل مجموعة أشخاص أو مجموعة أموال، وتتمثل في
الهيئات والمؤسسات والمجمعات والشركات المدنية والتجارية تتكون باتفاق شخصين أو
أكثر وتكون في الاطار الرسمي الذي أقره المشرع سلفا.
أ- الدولة:
تعتبر الدولة أهم أشخاص القانون العام وتتمتع بامتيازات
السلطة العامة ومن قبيل هذه الامتيازات سلطة إصدار القرارات الإدارية وسلطة توقيع
الجزاء على المتعاقد معها، كما تتمتع الدولة بسلطة نزع الملكية في إطار المنفعة
العامة.
ب- الولاية: جاء في المادة
الأولى من قانون الولاية بأن: "الولاية هي الجماعة الإقليمية للدولة، تتمتع بالشخصية
المعنوية والذمة المالية مستقلة، وهي أيضا الدائرة الإدارية غير الممركزة للدولة
وتشكل بهذه الصفة فضاء لتنفيذ السياسات العمومية والتضامنية والتشاورية بين
الجماعات الإقليمية والدولة. وتساهم مع الدولة في إدارة وتهيئة الإقليم والتنمية
الاقتصادية والاجتماعية الثقافة وحماية البيئة وكذا حماية وترقية وتحسين الإطار
المعيشي للمواطنين. وتتدخل في كل مجالات الاختصاص المخولة لها بموجب القانون.
شعارها هو بالشعب وللشعب. وتحدث بموجب القانون".
وتمارس الولاية ذات امتيازات السلطة العامة كإصدار
القرارات وتعديل العقود أو الصفقات وتوقيع الجزاء على المتقاعد معها.
ج- البلدية: وهي ثاني
الأشخاص المعنوية ذات الطابع الإقليمي بعد الولاية وذكرت في المادة 49 من القانون
المدني، وقد اعترفت لها المادة الأولى من قانون البلدية حيث نصت على ما يأتي: "البلدية
هي الجماعة الإقليمي القاعدية للدولة، وتتمتع بالشخصية والذمة المالية المستقلة
،وتحدث بموجب قانون".
وهي خلية أساسية في التقسيم الإداري، وأن دواعي وجود
أشخاص اعتبارية إقليمية إلى جانب الدولة أمر فرضته طبيعة المهام الملقاة على عائق
الدولة لإشباع حاجات الأفراد وتلبية متطلبات المصلحة العامة.
2- الأشخاص الاعتبارية الخاصة:
الأشخاص الاعتباري الخاصة هي التي يكونها الأفراد، إما
في شكل مجموعة أشخاص أو مجموعة أموال ،وتهدف إلى تحقيق إما غرض خاص واما منفعة
عامة، وتتمثل في الهيئات والمؤسسات والمجمعات والشركات المدنية والتجارية التي
تعترف لها الدولة بشخصية اعتبارية لتحقيق أهداف خاصة بالمجموعات من الأشخاص
والأموال المكونة لها، والشركات التي تتكون باتفاق شخصين أو أكثر على أن يساهموا
في مشروع عن طريق تقديم كل منهم حصة من المال أو العمل مع اقتسام النتائج ربحا كان
أم خسارة.
الشركات المدنية التي تشأ بناءا على تخصيص مبلغ من المال
لعمل اجتماعي سواء كان خيريا أو علميا أو رياضيا، حيث يخضع كل أعمالها المدنية
لقواعد القانون المدني، أما الجمعيات فهي التي تكون لها صفة الدوام وتهدف لغرض
اجتماعي دون الحصول على ربح مادي وبهذا تختلف عن الشركة أو المؤسسة التي تهدف إلى
الربح، والجمعيات التي تكون لها صفة الدوام وتهدف إلى تحقيق غاية محددة لغرض
اجتماعي دون الحصول على ربح مادي.
وبالرجوع لنص المادة 50 من القانون المدني الجزائري نجد
أن الشخص الاعتباري يتمتع بجميع الحقوق حيث حددت ما يأتي: "يتمتع الشخص
الاعتباري بجميع الحقوق إلا ما كان منها ملازما لصفة الإنسان، وذلك في الحدود التي
يقررها القانون، يكون له خصوصا، ذمة مالية، أهلية في حدود التي يعينها أو التي
يقررها، موطن وهو المكان الذي يوجد فيه مركز إدارتها الشركات التي يكون مركزها
الرئيسي في الخارج ولها نشاط في الجزائر يعتبر مركزها القانوني في نظر القانون
الداخلي في الجزائر نائب عنه يعبر عن إرادته .حق التقاضي".
ثالثا: عناصر الشخص الاعتباري
لا يقوم الشخص الاعتباري إلا بوجود ثلاث عناصر وهي:
العنصر المادي، والعنصر المعنوي، والعنصر الشكلي.
1- العنصر المادي: يعتبر العنصر
المادي من المسائل الجوهرية لقيام الشخص الاعتباري ويقصد به مجموعة أموال خصصت
لتحقيق غرض معين، كالوقف الذي يتم بإرادة منفردة هي إرادة الواقف أو جماعة أشخاص
كالجمعيات والشركات التي تتكون من عدة أشخاص.
2- العنصر المعنوي: يقصد به أن
يكون لمجموعة الأموال أو جماعة الأشخاص غرضا مشتركا محققا لمصلحة المجموعة أو
الجماعة، ويستوي الأمر بعد ذلك إن كان هذا الغرض عاما لتحقيق المصلحة العامة
للمجتمع ككل، أو غرضا خاصا بمجموعة معينة، كأعضاء الجمعية أو الشركاء في الشركة.
3- العنصر الشكلي:
يقصد به اعتراف السلطة المختصة في الدولة بالشخص
الاعتباري، ويتحقق هذا الاعتراف بإحدى الطريقتين:
أ- الاعتراف العام:
يكون في قيام المشرع بتحديد الشروط الواجب توافرها
لتكوين الشخص الاعتباري، دون ضرورة أو ترخيص لاحق من السلطة العامة المختصة في
الدولة، فإذا توفرت الشروط المتطلبة قانونا في مجموعة الأموال أو جماعة الأشخاص
اكتسبت الشخصية القانونية تلقائيا وبقوة القانون دون الحاجة إلى إذن خاص.
ب- الاعتراف الخاص:
لا تكفي الشروط التي يتطلبها القانون من قبل، بل يشترط
الحصول على اعتراف خاص لاحق من السلطة المخول لها قانونا منح التراخيص ولها حق
الرقابة على الأشخاص الاعتبارية، فتدرس كل حالة على حدة لتقرر بعد ذلك منح أو عدم
منح التراخيص.
الفرع الثاني: مميزات الشخص الاعتباري
يترتب على الاعتراف لمجموعة أموال أو جماعة أشخاص
بالشخصية القانونية أن يكون للشخص الاعتباري شخصية قانونية مستقلة عن شخصية
الأعضاء المكونين له، ويتميز عن الأشخاص الاعتبارية الأخرى على غرار ما يتميز به
الشخص الطبيعي عن بقية الأشخاص الطبيعية، فيصبح الاسم أولا، الحالة ثانيا، الموطن
ثالثا، الذمة المالية رابعا، والأهلية خامسا.
أولا- الاسم:
الاسم دائما يكون لكل شخص اعتباري يتميز به عن غيره من
الأشخاص الاخرى والأشخاص الاعتبارية العامة تحدد لها الدولة أسمائها أما الأشخاص
الاعتبارية الخاصة فيسميها أصحابها بأسمائها التجارية أو المستعارة، ويعتبر الاسم
حقا وواجبا للشخص الاعتباري، ويعد الاسم وسيلة لتعيين الشخص الاعتباري وتمييزه عن
غيره من الأشخاص الأخرى، ويباشر نشاطاته ومختلف تصرفاته بهذا الاسم ويتم اختياره
من طرف مؤسسيه.
ثانيا- الحالة:
يقصد بحالة الشخص الاعتباري حالته السياسية أي جنسية
الدولة التي يتبعها، وقد اختلفت الدول في المعيار المعتد به في منحها الجنسية
للشخص الاعتباري، فهناك من تعتد بمقره الاجتماعي منها الجزائر فقد نصت المادة 10
من القانون المدني على أن جنسية الشخص الاعتباري تتحدد بالدولة التي يوجد فيها
مقره الاجتماعي والفعلي.
ثالثا- الموطن:
للشخص الاعتباري موطن خاص مستقل عن موطن الأعضاء المكونين
له فيتم مخاطبته فه، ويقصد بالموطن المكان الذي يوجد به المركز الرئيسي لإدارة
الشخص الاعتباري وهذا ما نصت به المادة 547 من القانون التجاري "يكون موطن
الشركة في مركز الشركة، تخضع الشركات التي تمارس نشاطها في الجزائر للتشريع الجزائري"
أما إذا كان له عدة فروع في أماكن مختلفة فإن تعدد الموطن بتعدد هذه الفروع.
رابعا- الذمة المالية:
للشخص الاعتباري ذمة مالية متمثلة في ماله من حقوق وما
عليه من التزامات مالية تجاه الغير وهي مستقلة عن ذمم الأعضاء المكونين له، وهي من
أهم خصائص الشخص
الاعتباري، حيث تؤدي إلى الفصل بين أمواله والتزاماته من
جهة وأموال والتزامات أعضائه من جهة ثانية.
خامسا- الأهلية:
للشخص الاعتباري وباعتباره يتمتع بالشخصية القانونية
أهلية وجوب وأهلية أداء، تتميز أهلية الشخص المعنوي عن أهلية الشخص الطبيعي كون أن
أهلية الأداء مثلا لا تمر بمراحل مثل الشخص الطبيعي، كما أن الشخص المعنوي لا
يعتريه عارض من عوارض الأهلية.
1- أهلية الوجوب:
يتمتع الشخص الاعتباري بالحقوق ويتحمل بالالتزامات التي
تتلائم مع طبيعته المعنوية وفي حدود التي يعينها عقد الإنشاء، وتتفق مع الغرض الذي
أنشئ من اجله وبالقدر اللازم لتحقيقه وهذا ما يسمى بمبدأ التخصيص، كما له الحق في
التقاضي سواء كان مدعيا أو مدعي عليه يمكن أن يوصى له وله الحق في السمعة وفي اسمه
وذمة مالية وموطن وتجرد من الحقوق الملازمة للصفة الإنسانية، كحقوق الزوجية والقرابة
وغيرها، وبالرجوع لنص المادة 50 من القانون يظهر أن نطاق أهلية وجوب الشخص
الاعتباري أضيق من نطاق أهلية وجوب الشخص الطبيعي، أي لا توجد دولة أو ولاية أو
بلدية توصف بأحد هذه الأوصاف.
2- أهلية الأداء:
من غير الممكن الحديث عن فكرة التمييز بالنسبة للشخص
الاعتباري لأنه مجرد كيان معنوي لا تمييز ولا إرادة له ويذهب بعض الفقهاء إلى أن
إرادته هي إرادة النائب الذي يقوم مقامه يتصرف باسمه ولحسابه وقد يكون هذا النائب
فردا أو عدة أفراد فمثلا الولاية يمثلها الوالي والبلدية رئيسها والجامعة مديرها،
أي للشخص الاعتباري ممثل يباشر عنه التصرفات القانونية.
المرجع:
- د. غنيمي طارق، نظرية الحق، مطبوعة مقدمة لطلبة السنة الأولى ليسانس، جامعة أكلي محند أولحاج- البويرة-، كلية الحقوق والعلوم السياسية، الجزائر ، السنة الجامعية: 2020/2021، ص13 إلى32.