النظام البرلماني
يعرف
الفقه النظام البرلماني لأنه نظام الحكم الذي يقوم على مبدأ الفصل النسبي بين
السلطات مع كفالة مبدأ التوازن والتعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية٬
وبالتالي تسود هذا النظام المساواة بين السلطات دون سيطرة إحداهما على الأخرى٬ حيث
يقوم على أساس تعاون ورقابة بينهما من خلال إيجاد علاقة متبادلة بينهما.
وتسمية
هذا النظام برلماني لا يعني أنه يتميز بوجود برلمان٬ لأن في كل الأنظمة لها برلمان
منتخب من قبل الشعب٬ وظهر هذا النظام في بريطانيا نتيجة للتطور التاريخي الذي عرفه
هذا البلد٬ ومنه انتقل إلى باقي البلدان في العالم.
الفرع الأول: نشأة النظام البرلماني
نشأ
النظام البرلماني وتطور في بريطانيا٬ حيث تبلورت سماته الأساسية وأركانه عبر مراحل
من التطور التدريجي امتدت لقرون عدة منذ صدور وثيقة العهد الأعظم "الماجنا
كارتا" سنة 1215 الذي أكد الحرية الفردية٬ ووضع الأسس الاستشارية للبرلمان عند
فرض الضرائب واحتفظ الملك بالسلطات أخرى كان يمارسها بواسطة مجلسه الخاص٬ حتى أصبح
من أكثر النظم السياسية تطبيقا.
وقد
تعددت نماذج تطبيقه باختلاف النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية٬ وترتب على
ذلك إشكالية اختلاف في نطاق تطبيقه٬ فهناك دول تطبقه بكامل أركانه٬ أمّا الأخرى
الناشئة منها عملت على المزج بين النظام البرلماني والرئاسي٬ حيث أخذت بالرئاسة في
جانب رئيس الجمهورية الذي منحت له صلاحيات عدة على خلاف ما هو مأخوذ به في النظام
البرلماني.
ويقوم
النظام البرلماني على مبدأ الفصل المرن بين السلطات٬ ويعد هذا المبدأ جوهر هذا
النظام الذي يسود أغلب دساتير دول العالم٬ لأنه يقوم على أساس الفصل المرن بين
السلطتين التشريعية والتنفيذية٬ إذ أنه يحتفظ بمظاهر وعناصر استقلال كل سلطة من
هاتين السلطتين٬ لكنه يسمح في الوقت نفسه بوجود آليات وأطر للعمل المشترك بينهما.
الفرع الثاني: أركان النظام البرلماني
يقوم
هذا النظام على ركنين أساسيين٬ ثنائية السلطة التنفيذية٬ والتعاون والرقابة
المتبادلة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
أولا: ثنائية السلطة التنفيذية
1. رئيس الدولة:
من
مميزات هذا النظام٬ أن رئيس الدولة ملكا كان أم رئيس جمهورية منتخب غير مسؤول من
الناحية السياسية عن أعماله أمام البرلمان٬ ولكنه مسؤول جنائيا عما يرتكبه من
جرائم سواء كانت عادية أو لها علاقة بوظيفته إذا كان رئيس جمهورية٬ أمّا إذا كان
ملكا فإنه لا يسأل لا سياسيا ولا جنائيا انطلاقا من مقولة "أن الملك لا
يخطئ"٬ ويعود سبب عدم تحميل رئيس الدولة المسؤولية السياسية لكونه لا يتمتع
بسلطة تنفيذية فعلية٬ لأن القاعدة العامة
تقضي أنه " حيث توجد السلطة توجد المسؤولية"٬ والعكس صحيح أين لا توجد
السلطة توجد المسؤولية٬ وبالتالي سلطة رئيس الدولة سلطة أسمية محضة وشرفية فهو
يسود ولا يحكم٬ فبدوره في ممارسة السلطة التنفيذية يعمل على إيجاد نوع من التوازن
بين سلطات الدولة طبقا للدستور.
وقد
شبه البعض دور رئيس الدولة في النظام البرلماني بدور الحكم الرياضي العادل والمحايد
بين الوزارة والبرلمان٬ ومن الصلاحيات المحددة لرئيس الدولة في هذا النظام٬ فإن
قراراته بشأنها لا تكون نافذة إلا إذا كانت متبوعة بتوقيع أحد الوزراء المعنيين٬
وأهم الصلاحيات الممنوحة له هي تعيين رئيس الحكومة ولكنه مقيد بموافقة الأغلبية
البرلمانية عليه.
2. الوزارة:
تتشكل
الوزارة من رئيس الوزراء ومجموعة من الوزراء٬ ورئيس الدولة هو الذي يعين رئيس
الوزراء٬ ويقوم هذا الأخير باقتراح الوزراء ويعينون عن طريق المرسوم الرئاسي٬
وتجتمع الوزارة برئاسة رئيس الوزراء في شكل هيئة نظامية جماعية في مجلس الحكومة.
تعد
الوزارة حجر الزاوية في النظام البرلماني الذي تتميز بالمركز الخاص اتجاه رئيس
الدولة الذي يعينها من ناحية٬ وتجاه السلطة التشريعية التي أنشأتها من ناحية أخرى٬
وهي الوسيط بين رئيس الدولة والبرلمان وهمزة الوصل بينهما٬ وعلى حدّ تعبير الفقيه
الفرنسي "كاريه دبي مالبرج": "الوزارة تتصل برئيس الدولة كما تتصل
بالبرلمان".
وعليه
تعد الوزارة الجهة الحاكمة فعلا في السلطة التنفيذية٬ وفي رسم السياسة العامة
للدولة الخارجية والداخلية وتقع المسؤولية عليها أمام البرلمان٬ إمّا أن تكون
مسؤولية تضامنية لهيئة الوزارة بكاملها أو مسؤولية فردية تقع على كل وزير على حدى.
إن
تطور النظام البرلماني في انجلترا انعكس على تطور تاريخ نظام الوزارة وتاريخها
بدءا من تاريخ مجلس الملك الخاص الذي تطور وسميه بالوزارة.
لقد
كان ملوك انجلترا فيما مضى هم الذين يسيرون الأمور في الدولة مباشرة يعاونهم في أداء
هذه المهمة جماعة من الموظفين وعدد من المجالس المختلفة وظل هذا النظام سائدا عدة
قرون٬ وتتمثل في أربعة مجالس هي:
- مجلس
العام لمحكمة البرلمان.
-
المجلس الكبير وهو النواة التي تكونت منها مجلس اللوردات.
-
المجلس الخاص (مجلس القضاة).
-
مجلس القانون وكانوا أعضاؤه من القضاة.
ومما
سبق يتبين أن الوزارة هي محور أداء مهام السلطة التنفيذية في النظام البرلماني٬ أي
هي العضو الفعال لأنها هي المسؤولة سياسيا أمام البرلمان عن أعمال السلطة، وأن
مجلس الحكومة هو الذي يضع السياسة العامة للدولة ويقوم بتنفيذها٬ والمسؤولية
الوزارية قد تؤدي فردية أو جماعية في حالة تحققها تؤدي إمّا إلى استقالة أحد
الوزراء أو الوزارة بأكملها.
ثانيا: الفصل المرن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية
يتميز
النظام البرلماني بالفصل المرن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية يتجلى ذلك من
خلال مظاهر التعاون والرقابة بينهما.
1. مظاهر التعاون بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية:
تتمثل
أهم مظاهر التعاون بين هاتين السلطتين فيما يلي:
- جواز الجمع بين عضوية البرلمان ووظيفة الوزارة٬ أي يمكن لنائب في البرلمان أن يشغل منصب الوزير أو رئيس الوزراء دون أن يفقد عضويته في البرلمان٬ كما أنه يمكن للوزير أن يرشح نفسه للانتخابات التشريعية في البرلمان دون أن يفقد منصبه في الوزارة.
- للسلطة التنفيذية حق اقتراح القوانين أمام البرلمان٬ أو يسمى بمشروع قانون أو الاقتراح الحكومي للقوانين٬ ويتولى تقديمه للبرلمان الوزير المختص٬ ولكن سلطة التقرير هي من اختصاص السلطة التشريعية٬ وإصدار القوانين من اختصاص رئيس الدولة.
- يحق للوزراء دخول البرلمان حتى بدون دعوة خاصة وذلك لشرح سياسة الحكومة والدفاع عنها٬ كما تقوم السلطة التنفيذية بدعوة البرلمان للانعقاد سواء في دورة عادية أو غير عادية.
- قانون المالية٬ فقانون الميزانية التي نعني بها مجموع الإيرادات والنفقات المتوقعة في السنة المقبلة٬ فإنه ثمرة عمل مختلط بين السلطتين٬ وزارة المالية تقوم بإعداد مشروع قانون الميزانية والبرلمان يتولى مناقشته وإقرار الميزانية بقانون المالية.
2. مظاهر الرقابة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية:
نجد
مظاهر رقابة السلطة التشريعية على التنفيذية كما نجد مظاهر الرقابة السلطة
التنفيذية على التشريعية.
أ. مظاهر الرقابة البرلمانية:
نعني بهذه الرقابة رقابة البرلمان على الوزارة وليس رقابة البرلمان على رئيس الدولة لأن هذا الأخير غير مسؤول أمام البرلمان٬ ومن أهم مظاهر هذه الرقابة ما يلي:
- حق السلطة التشريعية في مساءلة الوزارة عن أعمالهم حيث يمكن لكل نائب توجيه سؤال أو أسئلة إلى أي وزير أو إلى رئيس الوزراء من أجل الاستيضاح والاستعلام حول موضوع معين٬ والسؤال محصور بين النائب السائل و الوزير الذي سأل فلا يمتد إلى باقي النواب ولا يستتبع هذا السؤال مناقشة عامة٬ فهو علاقة شخصية محصورة بين مقدمة والوزير٬ ولكن تبقى هذه الآلية البرلمانية الرقابية عديمة الأثر القانوني.
- الاستجواب٬ وهو أخطر من السؤال فهو يعني محاسبة الوزير أو الوزارة بأكملها عن تصرف ما بطرح موضوع الاستجواب للمناقشة العامة بين أعضاء البرلمان والوزارة فالاستجواب يمكن لكل نائب توجيه الاستجوابات للوزارة ولكنه لا ينشئ الاستجواب علاقة شخصية بين مقدمة والوزير المعني وإنما تؤدي إلى فتح مناقشة عامة٬ وقد يؤدي الاستجواب إلى تحريك المسؤولية السياسية للحكومة أي سحب الثقة من الحكومة ولخطورة الاستجواب فأحاطته التشريعات بمجموعة من القيود كإعطاء للوزير مهلة أسبوع أو أكثر من أجل الإجابة عليه.
- حق إجراء التحقيق٬ يمكن للبرلمان إجراء تحقيق حول سير مرفق من المرافق العامة أو كيفية تسيير الإدارة لتحقيق المصلحة العامة٬ حيث يمكن للبرلمان تشكيل لجنة تحقيق برلمانية مشكلة من النواب للتحقيق في موضوع معين٬ وتعد هذه اللجنة التقرير يعرض على البرلمان ويمكن على أساسه استجواب الوزير المعني كما يمكن أن يصل لتحقيقه إلى المسؤولية السياسية للوزارة.
- المسؤولية الوزارية٬ إن الوزارة مسؤولية سياسيا أمام البرلمان وهي أخطر مظهر للرقابة البرلمانية على الوزارة٬ حيث يمكن لمجموعة من النواب تحريك المسؤولية السياسية للحكومة٬ ولهذه المسؤولية صورتان هما:
- مسؤولية فردية لأحد الوزراء بسبب خطأ ارتكبه أثناء
القيام بعمله أو إهمال في تسيير شؤون الوزارة٬
و يطرح البرلمان الثقة بهذا الوزير ويسحب منه الثقة بناء على تصويت بأغلبية
معينة٬ وعلى الوزير أن يقدم استقالته إلى رئيس الدولة.
- والصورة
الثانية هي مسؤولية الوزارة بأكملها وهي مسؤولية تضامنية٬ وهذا نتيجة السياسة
العامة وعدم تلاؤمها مع المصلحة العامة٬ كما قد تثار هذه المسؤولية نتيجة لمساءلة
رئيس الوزراء لأنه إذا سحبت منه الثقة
فتسحب من مجلس الحكومة كله٬ وفي هذه الحالة على الوزارة تقديم استقالتها
لرئيس الدولة.
ب. مظاهر رقابة السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية:
لقد
منح الدستور وسائل موازية للسلطة التنفيذية لرقابة السلطة التشريعية منها:
- حق دعوة البرلمان للانعقاد وفضه وتأجيله٬ يمكن للسلطة التنفيذية أن تدعو البرلمان للانعقاد في الدورة العادية أو الدورة غير العادية٬ الدورة العادية هي الفترة التي يعمل فيها البرلمان عادة في كل عام سواء ينعقد بدعوة من السلطة التنفيذية له أو بقوة القانون٬ في حالة تأخر الدعوة٬ أما الدورة غير العادية هي التي تكون في فترة العطلة السنوية٬ وتستدعي السلطة التشريعية لحالة طارئة، كما يمكن للسلطة التنفيذية فضه أو إنهاء دوره الانعقاد العادي٬ وذلك لمدة محددة.
- حق الاعتراض على القوانين٬ يمكن لرئيس الدولة رفض إصدار قانون سنه البرلمان لاعتقاده بعدم ملائمته للمصلحة العامة٬ ولكن هذا لا يعني إلغاء القانون وإنما إعادة النظر فيه من قبل البرلمان الذي له أن يصر أو يلح عليه ويوافق عليه مرة أخرى ولكن بأغلبية ساحقة لأعضائه٬ وفي هذه الحالة يسقط الاعتراض ويلتزم رئيس الدولة بإصدار القانون.
- حق السلطة التنفيذية في حل البرلمان٬ وهو ذلك السلاح الذي يوازي ويقابلوا حق البرلمان في المساءلة السياسية للوزارة، وهو من أبرز وأهم مظاهر هذه الرقابة٬ وهناك صورتان لحل البرلمان الحل الوزاري والحل الرئاسي:
-
الحل الوزاري يتحقق في حالة نشوب خلاف بين الوزارة والبرلمان٬ فالوزارة لا تنتظر حتى
تتحرك مسؤوليتها السياسية لإسقاطها٬ بل تعمل على السعي لدى رئيس الدولة لحل
البرلمان وتحكيم جمهور الناخبين في هذا الخلاف.
-
أمّا الصورة الثانية أي الحل الرئاسي٬ وهو مبادرة من رئيس الدولة وحده الذي يرى أن
البرلمان لم يعد يمثل اتجاهات الأمة مما يتطلب حله وإجراء انتخابات جديدة.
الفرع الثالث: النظام البرلماني في انجلترا
كانت
بريطانيا مهد النظام البرلماني والنظام النيابي٬ حيث لم يكن هذا الأخير نتيجة
أفكار فلسفية ومذهبية مسبقة٬ بل كان ذلك نتيجة تطورات الظروف الواقعية من النواحي
السياسية والاجتماعية والمالية.
أولا: نشأة وتطور النظام النيابي في بريطانيا
في
البداية كانت بريطانيا تعيش في ظل الملكية المطلقة٬ وفي عهود الإقطاع كانت الملوك
تدعو النبلاء ورجال الدين للأخذ برأيهم الاستشاري في بعض الموضوعات وتشكل
مجلس استشاري يجمع هؤلاء٬ وفيما بعد نظرا لحاجة الملوك للأموال المتزايدة اضطروا
إلى ضم المقاطعات والمدن الى المجلس الاستشاري وذلك من أجل التسهيل لهم في تحصيل
ضرائب جديدة٬ وذلك عن طريق موافقتهم٬ ولهذا شكل ما يسمى بمجلس كبير٬ لكنه نتيجة
اختلاف الاتجاهات بين ممثلي المقاطعات والمدن وبين النبلاء ورجال الدين انقسم
المجلس إلى طائفتين٬ وأطلق على الطائفة التي تضم ممثلي المقاطعات والمدن مجلس
العموم٬ حيث تشكل بطريق الانتخاب العام من الشعب٬ بين الطائفة الثانية التي تضم رجال الدين والنبلاء يطلق
عليها مجلس اللوردات٬ حيث يتكون عن طريق الوراثة والتعيين.
في
بداية الأمر كان اختصاصه رأي استشاري غير ملزم للملك٬ ولكن مع مرور الوقت استطاع
مجلس العموم ومجلس اللوردات أن تكون لهم اختصاصات ملزمة في الضرائب الجديدة ثم
قوانين المالية٬ وأخيرا أصبحت موافقتها ضرورية أيضا على كل القوانين٬ ولكن مجلس
العموم باعتباره منتخب عمل على أن تكون له الكلمة العليا في مجال التشريع٬ وخلق
لنفسه حق رقابة الحكومة والمساءلة السياسية للوزارة٬ وبالمقابل تلاشت اختصاصات
مجلس اللوردات.
ثانيا: نشأة وتطور النظام البرلماني في انجلترا
في
الماضي البعيد بدؤوا الملوك الاستعانة بمجلس يسمى مجلس الخاص ويعين أعضائه حسب
مشيئتهم٬ وكان له دور استشاري منذ القرن السابع عشر ٬وأصبح الملوك يقتصرون على
اختيار لجنة محددة العدد من هذا المجلس من أجل مساعدتهم في أمور الدولة المتزايدة
٬حدث بعد ذلك تطور في انجلترا أدى إلى اندثار المجلس الخاص وحلت محله فئة قليلة
انفصلت عنه٬ وكانت تلك الفئة تسمى في البداية بلجنة الدولة ثم أصبحت تسمى الوزارة٬
ويمكن القول بأن هيكل الوزارة بدأ يتضح منذ عهد شارل الثاني٬ ثم سار في طريق
التطور حتى بلغ وضعه الحالي.
وكانت
الوزارة في انجلترا مهمتها العمل على تنفيذ سياسة معينة تحظى بتأييد أغلبية مجلس
العموم يرأسها أحد الوزراء الذي يحضى بمكانه خاصة لدى الملك.
وتبلور
كيان الوزارة في عهد جورج الأول٬ وتميزت عن المجلس الخاص٬ إذ انفصلت عنه نهائيا
ولم تعد لجنة من لجانه٬ وأصبحت هي المنوط بها رسم وتقرير السياسة العامة للبلاد
والقيام بتنفيذها٬ وظهر مركز رئيس الوزارة.
وفيما
بعد تحولت هذه اللجنة إلى وزارة تتولى ممارسة السلطة الفعلية حينما أصبح مجلس
العموم هو المجلس النيابي المنتخب صاحب الاختصاصات التشريعية والمالية ويحاول فرض
رقابته على أعضاء اللجنة الوزارية وليس للملك٬ التي كانت في نظر البرلمان مسؤولة
عن أخطاء الملك باعتبار أنها الموجهة له٬ واعتمد مجلس العموم في الرقابة على توجيه الاتهامات الجنائية لتهديد الوزراء
بالعقاب عن كل تقصير في تسيير الشؤون العامة٬ وكان الوزير المتهم جنائيا من مجلس
العموم يحاكم أمام مجلس اللوردات ولكن هذه المسؤولية صعبة المنال.
إلّا
أنّ هذا الاتهام كان لابد أن ينصب على إسناد جريمة للوزير أي أنه كان اتهاما
جنائيا وليس سياسيا٬ وكان يؤدي إلى مسؤولية المتهم ولا تترتب عليه مسؤولية الوزارة
بأكملها.
واستمر
الوضع على هذا النحو حتى القرن التاسع عشر٬ منذ هذا التاريخ بدأت مسؤوليات الوزارة
السياسية٬ ولقد استطاع مجلس العموم أن يتخذ عن طريق الاتهام وسيلة لوقف الملك عند
حده ومحاربة إرادته في المسائل ذات الأهمية الكبرى٬ حماية لصالح البلاد.
ولهذا
خلق مجلس العموم نظام المسؤولية السياسية للوزارة باعتبار أنها سهلة التطبيق وظهرت
فكرة الوزارة المسؤولية السياسية أمام البرلمان٬ ونتج عن ذلك منح هذه الوزارة سلطة
فعلية في المجال التنفيذي٬ لأن الملك غير مسؤول وليست له سلطات فعلية لأنه يسود
ولا يحكم.
وظهرت
أركان النظام البرلماني٬ حيث الملك لا يمكن أن يعمل منفردا بل يجب أن يشاركه
الوزير المعني ويجب توقيع الملك مع توقيع الوزير المختص٬ أو توقيع رئيس الوزراء
وفي المقابل كان حق حل البرلمان في يد الملك يحتفظ به مع اختصاصه في تعيين الوزارة
ولكن فقدهما نتيجة ظهور حزبين كبيرين وهما حزب المحافظين وحزب العمال لأن الملك
مضطر لتعيين رئيس الوزراء من الأغلبية البرلمانية.
ثالثا: سلطات النظام السياسي البريطاني
يتكون
النظام السياسي البريطاني من ثنائية السلطة التنفيذية وثنائية السلطة التشريعية
بالإضافة إلى السلطة القضائية.
1. الملك:
الملكية
في بريطانيا وراثية٬ حيث ينتقل تاج من
الملك إلى الأشخاص الذين يأتون بعده حسب درجة القرابة وهو يشمل الإناث والذكور٬
إلا أنه في حالة التساوي في درجة القرابة يقدم الذكور٬ والصلاحيات الممنوحة للملك
في مجال إدارة شؤون الدولة في مراقبة أعمال الحكومة ومدى ملائمتها مع مصلحة الأمة٬
ويراقب تطبيق القواعد القانونية٬ تعيين الوزير الأول٬ إلّا أنه مقيد باختيار أحد
زعماء الحزب الفائز بالأكثرية البرلمانية لتولي منصب رئيس مجلس الوزراء وهي
صلاحيات اسمية ومجلس الوزراء هو الجهة المختصة بأداء هذه الصلاحيات.
2. الوزارة:
يضم
إلى جانب رئيس الوزراء٬ الوزراء وهو يشكل القيادة الرئيسية الفعلية لإدارة الحكم
في الدولة٬ يقرر السياسة العامة للدولة داخليا وخارجيا٬ ولهذا فهي مسؤولة سياسيا
أمام البرلمان.
3. البرلمان:
يتكون من مجلسين:
أ. مجلس العموم: يتكون من 635 نائبا مدة العضوية 05 سنوات ينتخب عن طريق الاقتراع
العام المباشر والسري يتمتع أساسا النائب بحق اقتراح القوانين٬ إلّا أن هذا
الاختصاص الممنوح لمجلس العموم أي مهمة التشريع أصبحت نظرية بمرور الزمن٬ حيث أن
الحكومة من الناحية العملية هي الأقوى في المبادرات التشريعية٬ لذلك نلاحظ أن 90%
من القوانين التي يصادق عليها مجلس العموم تأتي من خلال اقتراحات الحكومة.
ب. مجلس اللوردات: يمثل الأرستقراطية والفئات الإقطاعية٬ وأن
العضوية فيه تكون عن طريق الوراثة٬ يتكون من ألف عضو٬ 800 يكتسبها عن طريق الوراثة
و 26 عضو من كبار الموظفين٬ و09 من كبار القضاة.
وقد
تقلصت صلاحياته مقارنة بصلاحيات مجلس العموم٬ حيث كانت صلاحياتهما متساوية ٬ إلا
أنه من بداية القرن 19 تقلصت له هذه الصلاحية مثل لا يمكن فرض ضرائب جديدة من قبل
مجلس اللوردات.
المرجع:
- د. خلوفي خدوجة، محاضرات في مقياس القانون الدستوري والنظم السياسية، مطبوعة موجهة لطلبة السنة الأولى ليسانس جذع مشترك، جامعة أكلي محند أولحاج البويرة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، الجزائر، السنة الجامعية: 2019 – 2020، ص68 إلى ص79.