الملاحة البحرية
تُمثّل
الملاحة البحرية٬ نطاق تطبيق القانون البحري باعتباره القانون الذي ينظم العلاقات
الناشئة عنها٬ حيث يتناولها المشرع الجزائري في جميع أقسامه٬ فالكتاب الأوّل
يتناول الملاحة البحرية وأشخاص الملاحة البحرية٬ وفي الكتاب الثاني يتناول
الاستغلال التجاري لأداة الملاحة البحرية وفي الكتاب الأخير الاستغلال المينائي
باعتبار الميناء هو المكان الذي تبدأ منه وتنتهي إليه الملاحة البحرية.
يتناول
المشرّع أحكام الملاحة البحرية في كتاب الأوّل في بابين٬ الباب الأوّل يتناول فيه
الملاحة البحرية من حيث أربعة جوانب هي التنظيم الإداري والإقليمي للملاحة البحرية
(م1_12) ثم أداة الملاحة البحرية التي هي السفينة (م13_160) ثمّ نظام وأمن الملاحة
البحرية (م161_272) ثمّ الحوادث البحرية الناجمة عن الملاحة البحرية (م272_383).
والباب
الثاني يتناول فيه أشخاص الملاحة البحرية من حيث إدارتهم٬ والتزاماتهم٬ ونظامهم
التأديبي (م384_567).
- فما المقصود بالملاحة البحرية وما هي مجالاتها؟
نُبيّن
في هذا المبحث مفهوم الملاحة البحرية كنطاق موضوعي ومكاني وشخصي لتطبيق القانون
البحري٬ ونتعرّف من خلال ذلك على مناطق الملاحة البحرية وأقسامها٬ والجهاز البشري
الذي يعمل في نشاط الملاحة البحرية.
المطلب الأول: ماهية الملاحة البحرية
الملاحة
البحرية بصفة عامّة هي عملية الإبحار والتنقل من مكان إلى مكان في البحر بواسطة
سفينة٬ والبحر يقسم حسب القانون البحري وقانون البحار تقسيمات مختلفة٬ يخضع كلّ
منها لنظام قانوني مختلف٬ والملاحة البحرية مختلفة الأنواع لا تدخل جميعها في نطاق
القانون البحري؟ فما هي أنواع الملاحة البحرية؟
الفرع الأوّل: تعريف الملاحة البحرية:
أ) التعريف الفقهي:
يذهب
بعض الفقه إلى أنّ العبرة في تعريف الملاحة البحرية وتمييزها عن الملاحة الداخلية
أو النّهرية تكون بوسيلتها٬ فالملاحة
البحرية هي التي تكون أداتها السفينة Navire
أمّا الملاحة التي تقوم بها بالمراكب Bateau
فهي ملاحة داخلية أو نهريّة. وهذا التعريف يقتضي التفرقة بين السفينة والمركب.
فالسفينة تختلف عن المركب من حيث القوة والقدرة على مواجهة مخاطر البحر ويبدو ذلك
من مظهرها وطريقة بنائها وطرازها وأبعادها.
لكن
غالبية الفقهاء تعرّف الملاحة البحرية بالمكان الذي تتم فيه وليس بوسيلتها٬
فالملاحة البحرية هي الملاحة التي تتم في البحر٬ وذلك مهما كان شكل المنشأة التي
تقوم بها أو حجمها أو أبعادها أو طراز بنائها٬ على عكس الملاحة النهرية أو
الداخلية التي تتم في المياه النهرية أو الداخلية٬ وهذا التعريف يقتضي بيان
المقصود من البحر.
المداول
القانوني للبحر في نظر الفقه والقضاء يستند إلى معيار المخاطر٬ فالبحر هو المياه
البحرية التي يمكن أن تتعرض فيها المنشأة للمخاطر الخاصة التي تصادف السفن في
البحر٬ لأنّ الملاحة في الأنهار والمياه الداخلية أسهل وأقل خطرًا من الملاحة
البحرية٬ ففكرة الخطر البحري هي التي أملت وضع قواعد قانونية خاصة بالملاحة
البحرية.
ب) تعريف المشرع الجزائري:
نصّت
المادة 161 من القانون البحري الجزائري على تعريف الملاحة البحرية بأنها
"الملاحة التي تمارس في البحر وفي المياه الداخلية بواسطة السفن المحدّدة في
المادة 13 من نفس القانون".
المشرّع
الجزائري جعل الضابط في تعريف الملاحة البحرية هو السفينة٬ فأي ملاحة نقوم بها
منشأة عائمة في عرض البحر أو المياه الإقليمية لا تتوفّر فيها صفة السفينة حسب
المادة 13 لا تعتبر ملحها بحرية.
يعاب
على تعريف المشرّع الجزائري أنّه يدور في حلقة مفرغة٬ لأنّه يعرف الملاحة البحرية
بسفينة ويعرّف السفينة بالملاحة البحرية٬ فالمادة 13 تعرّف السفينة بأنها "كل
عمارة بحرية أو ألية عائمة تقوم بالملاحة البحرية إمّا بوسيلتها الخاصة وإمّا عن
طريق قطرها بسفينة أخرى أو مخصّصة لمثل هذه الملاحة".
المشرّع
الجزائري إذن يعرّف الملاحة البحرية بأنها ذلك التي تتم في البحر بتحديداته
الطبيعية بواسطة سفينة أو المنشأة التي تكون قادرة على مواجهة مخاطر البحر.
لأنّ
المادة 122 نصّت على أن "كل سفينة تقوم بالملاحة البحرية يجب أن تكون مجهّزة
تجهيزا مناسبًا وصالحة للاستخدام الذي خُصّصت له".
ونصّت
المادة 123 "لا يمكن استخدام السفينة للملاحة البحرية إذا لم تتوفّر فيها
شروط الأمن المقررة خاصة:
- بنائها٬
عتادها٬ آلاتها٬ والتجهيزات الموجودة على متنها وسائلها الخاصة بالإشارات والإنقاذ
والوقاية وإخماد الحريق.
- الطفو
والثبات وخطوط الشحن.
-
أجزاء الدّفع والقيادة٬ عدد أفراد الطاقم٬ الشروط الأخرى الخاصّة بسلامة الملاحة
والأرواح."
الفرع الثاني: مناطق الملاحة البحرية
يُعتبر
القانون البحري قانونًا وطنيًا٬ فلابد أن يكون له حيّزًا محدودًا لتطبيقه٬ فلمعرفة
النطاق الجغرافي لتطبيق القانون البحري يتعين تحديد المناطق البحرية التي يطبّق
فيها.
ولأسباب
سياسية دفاعية ونتيجة تعارض فكرتي السيادة على البحار وحرّية البحار٬ إستقر الوضع
الدّولي ابتداءً من القرن (18) فقهًا وعملًا على التمييز بين أعالي البحار والبحر
الإقليمي٬ والمياه الدّاخلية٬ حيث يسود أعالي البحار مبدأ الحرّية للجميع٬ ويسود
البحر الإقليمي والمياه الداخلية مبدأ السيادة على البحر.
ثمّ
تطوّر هذا الموقف بسبب التقدّم العلمي والتكنولوجي في استغلال ثروات البحر٬ ممّا
أدّى إلى ظهور مناطق بحرية وطنية جديدة كالجرف القارّي والمنطقة الاقتصادية
الخالصة٬ في مواجهة أعالي البحار التي هي منطقة دولية أصبحت تسمّى بالتراث المشترك
للإنسانية.
يترتّب
على تمييز المناطق البحريّة أثار قانونية مهمّة مثل الاختصاص القانوني والقضائي
للدولة الساحلية٬ وكذلك التمييز بين ما يدخل في الولاية الوطنية وما يدخل في ولاية
دولة أخرى أو نظام قانوني آخر وفق مبادئ القانون الدّولي.
أوّلًا: المياه الإقليمية:
تمتدّ
سيادة الدولة البحرية خارج إقليمها البرّي ومياهها الداخلية والأرخبيلية إلى حزام
بحري يُعرف بالبحر الإقليمي يحقّ لكلّ دولة أن تحدّد عرضه بمسافة لا تتجاوز 12
ميلًا بحريًّا تقاس من خطّ الأساس٬ (حسب اتفاقية الأمم المتّحدة لقانون البحار
1982) يقاس من آخر نقطة ينحصر عنها الماء وقت الجزر بالنسبة للشواطئ الطبيعية ومن
وراء الحواجز والأرصفة التي تحيط بالموانئ. وتتمتّع سفن جميع الدّول بحق المرور
البريء٬ في هذه المياه دون إضرار أو تهديد لسلامة الدولة الساحلية أو نظامها
وأمنها.
ثانيا: المياه الداخلية:
هي
كل المياه الممتدّة قبل خطّ الأساس في اتجاه البرّ٬ ولا يجوز للسفينة الأجنبية أن
تمرّ فيها وقد حدّدتها الم7 ق ب ج ب: "الخلجان الصغيرة والشواطئ التي تضمّ
منطقة الساحل المغطّى بأعلى مدّ في الظروف المناخية العادية٬ وأراضي الانحصار
والاتصالات البحرية والموانئ والتركيبات المباشرة والغرض المستخدمة للشحن والتفريغ
ورسو السفن والمنشآت وبصفة عامّة الأماكن المهيّأة المخصصة للاستعمال
العمومي."
ثالثًا: منطقة أعالي البحار:
تشمل
أعالي البحار جميع أجزاء البحر ماعدا المياه الإقليمية والمياه الداخلية
والأرخبيلية وكذلك المنطقة الاقتصادية الخالصة. وتُخصّص للأغراض السلمية ولا يجوز
لأيّة دولة أن تدّعي سيادتها عليها٬ بل يكون لجميع الدول حريّة الملاحة فيها ورفع
علمها على السفينة.
رابعا: المنطقة المتاخمة:
هي
المنطقة المجاورة للمياه الإقليمية يثبت فيها للدولة الساحلية حق ممارسة الرقابة
اللازمة من أجل: منع خرق قوانينها وأنظمتها الجمركية والضريبية والمتعلّقة بالهجرة
والصّحة٬ والمعاقبة على هذا الخلق. وهي تمدّ إلى مسافة 24 ميلًا بدءا من خطّ
الأساس.
خامسا: المنطقة الاقتصادية الخالصة:
تكون
الدولة الساحلية فيها سيادة محدودة في المجال الاقتصادي حيث تبقى حريّة الملاحة والتحليق
ووضع الكابلات والأنابيب فيها لجميع الدّول.
المطلب الثاني: أنواع وتقسيمات الملاحة البحرية (م163-170)
ليس
كل أنواع الملاحة البحرية تخضع لأحكام القانون البحري٬ حيث يقسّمها القانون
الجزائري من حيث طول الرّحلة ومن حيث الغرض.
الفرع الأول: تقسيم الملاحة حسب طول الرّحلة أو مخاطرها:
تقسّمها
المادة 163 من ق بح ج بحسب المسافة التي تقطعها السفن إلى ثلاثة أقسام بسبب اختلاف
الأخطار في هذه المناطق والذي يترتّب عنه اختلاف نوع السفينة وتجهيزها٬ وكفاءة
طاقم في التسيير الملاحي والإداري للسفينة٬ والمصلحة الوطنية. وهذه الأقسام هي:
- الملاحة
قرب السواحل على نطاق ضيق Navigation à proximité du littorale
- الملاحة
المحدودة Navigation
restreinte
- الملاحة
غير المحدودة Navigation
sans restriction
أوّلا: الملاحة غير المحدودة:
تسمّى
ملاحة أعالي البحار أو الملاحة بعيدة المدى وهي أكثر أنواع الملاحة خطرًا٬ يعرفها
القانون الفرنسي (المادة 377) بأنها الملاحة التي تتم بعد خطوط الطول وعرض معينة
من الأراضي الفرنسية. وليس في القانون
البحري الجزائري مثال هذا التحديد بل أحالتها المادة 165 ق بح على التنظيم حيث
عرّفها القرار الوزاري رقم 79/ 266 المؤرخ في 14/ 11/ 1979 بأنها "الملاحة
التي تتم بين الموانئ الوطنية والموانئ الأجنبية مهما كانت قريبة. باستثناء
الموانئ الواقعة داخل البحر المتوسط " حيث تعتبر الأخيرة ملاحة ساحلية دولية.
كما
نصّت المادة 168 ق بح على جواز تخصيص الملاحة بين الموانئ الوطنية وموانئ البلاد
الأخرى للراية الوطنية أو راية هذه البلاد بموجب اتفاقيات حكومية مشتركة.
ثانيا: الملاحة المحدودة أو الملاحة الساحلية:
في
القانون الفرنسي هي التي تحدث داخل حدود خطوط طول وعرض محددة٬ أما في القانون
الجزائري والانجليزي فهي نوعان٬ ملاحة ساحلية وطنية تتم بين الموانئ الوطنية بعضها
البعض (الم 166- 167 ق بح ج) وملاحة ساحلية دولية تتم في حوض البحر الأبيض المتوسط
وتبدو أهمية التمييز بين الملاحة لأعالي البحار والملاحة الساحلية من الناحية
الإدارية بوجه خاص٬ ذلك أنّه بحسب نوع الملاحة تختلف اشتراطات السلامة والمؤهلات
اللازمة فيمن يشتغل على ظهر السفن ومؤهلات التجهيز التي يشترطها ميناء الوصول. آو
بحسب المصلحة الوطنية فالملاحة الساحلية محصورة على السفن الوطنية ما لم توجد
اتفاقية على خلاف ذلك (م166 ق بح ج).
ثالثا: الملاحة قرب السواحل على نطاق ضيق أو الشاطئية:
هي
ملاحة شاطئية عاده تقوم بها سفن صغيرة لا تتجاوز حمولتها 300 طن٬ ولا تبحر بعيدا
عن ميناء تسجيلها أكثر من 12 ميلا (م ٬167 169 ق بح ج). فهي محصورة على السفن
الجزائرية دون غيرها٬ وتشمل ملاحة النزهة والصيد والمساعدة.
الفرع الثاني: تقسيم الملاحة بحسب موضوعها والغرض منها:
تقسمها
المادة 162 ق بح ج بحسب موضوعها إلى:
أولا: الملاحة التجارية:
تتعلّق
بالبضائع والمسافرين بقصد الرّبح٬ ولا خلاف في خضوع هذا النّوع من الملاحة لأحكام
القانون البحري٬ فهي أهم أنواع الملاحة البحرية على الإطلاق. بل إن القانون البحري
وضع أصلا لهذا النوع من الملاحة. كان هذا النوع من الملاحة محتكرا من قبل الشركة
الوطنية للنقل البحري حسب الم ٬578 ثم جاء تعديل سنه 1988 يلغي هذه المادة ويسمح
للخواص بأن يكونوا مالكين أو مجهزين وأن يقوموا بنشاط الملاحة البحرية.
ثانيا: ملاحة الصّيد:
الخاصة
بصيد الأسماك وتربية الحيوانات البحرية واستغلال الموارد المائية وكل ما يتعلّق
بصيد الأسماك والمنتجات البحرية الأخرى قصد الرّبح٬ وقد انعقد الإجماع كذلك على
خضوعها لأحكام القانون البحري لأنّها تتعرض لنفس الأخطار البحرية التي تحيط
بالملاحة التجارية ولو أنّ الصيد لا يعد بذاته عملا تجاريا لوصفه من الأعمال
الإستراتيجية. وهي حسب مخاطرها ثلاثة أنواع٬ الصيد الساحلي٬ والصيد في عرض البحر٬
والصيد على نطاق واسع (164م).
ثالثا: ملاحة النزهة بقصد الترفيه:
هي
الملاحة التي تقوم بها الزوارق الصغيرة من أجل الترفيه أو لأغراض غير مادية
كالملاحة العلمية. وقد ذهب رأي إلى أن القانون البحري لا يسري عليها لأنها لا
تستهدف الربح مطلقا. ومع ذلك فقد استقرّ الرّأي على خضوع هذه الملاحة أيضا لأحكام
القانون البحري كالملاحة التجارية سواء بسواء٬ لأنّ طبيعة الملاحة واحدة في
الحالتين٬ ولأنّ ملاحة النّزهة تتعرض لنفس مخاطر الملاحة التجارية.
الفرع الثالث: تقسيم الملاحة بحسب أهميتها:
أوّلا: ملاحة رئيسية: تشمل كل أنواع الملاحة السالفة الذكر.
ثانيا: ملاحة المساعدة: هي الملاحة الخاصة بالإرشاد والقطر
والإسعاف والإنقاذ والصندل البحري والجرف والسبر٬ لا تهدف لتحقيق الرّبح٬ ولكنها
لازمة وضرورية لقيام السفينة بالملاحة الرئيسية.
ويتوقف نشاطها على طلب السفينة القائمة بالملاحة الرئيسية لخدماتها.
ثالثا: الملاحة التي لا تخضع للقانون البحري: يقصد بها الملاحة العامة التي تمارسها
السفن الحربية وسفن الدولة المخصصة لخدمة حكومية وغير تجارية كسفن الرقابة وسفن
المستشفيات وسفن التموين وسفن الإطفاء وسفن التعليم. وهذا النوع من الملاحة يخرج
من نطاق القانون البحري ولا تنطبق عليه أحكامه. وتتمتّع السفن العامة آو التابعة
للدولة بحصانة قضائية خاصة نصت عليها المعاهدة المتعلقة بحصانة سفن الحكومات
والمبرمة في بروكسال في 10/ 04/ 1926. إذ تنص المادة الثالثة من هذه المعاهدة على
أنه لا يجوز توقيع الحجز على هذه السفن أو ضبطها أو احتجازها بأي قرار قضائي.
المطلب الثالث: أشخاص الملاحة البحرية
يعتمد
نشاط الملاحة البحرية بالدرجة الأولى على عنصر البشري يخضع للقانون البحري يسميهم
رجال البحر أو أشخاص الملاحة البحرية٬ يقسمون بحسب أهمّية أدوارهم إلى نوعين:
أشخاص رئيسيون من جهة وهم المجهّز والربان والبحارة٬ وأشخاص مساعدون من جهة أخرى
وهم وكيل السفينة وكيل الحمولة والسمسار البحري.
الفرع الأول: الأشخاص الرئيسيون.
أولًا: المجهز L'Armateur ( المواد 571 - 577 ق ب ج)
أ) تعريف المجهّز
ورد
تعريفه في كل من المادّة 384 والمادة 572 ق ب ج ووردت التزاماته ومهامه في مواد
أخرى منها المادة 428 ق ب ج٬ يمكن تلخيصها بالقول أنّ المجهز "كلّ شخص طبيعي
أو معنوي عام أو خاص يقوم بتهيئة السفينة وإعدادها الكافي من حيث المعدّات والطاقم
من أجل استغلالها البحري٬ وقد يكون المجهز هو نفسه مالك السفينة٬ أو مستأجرها
بالهيكل أو شخصًا آخر مكلّفا من قبل المالك". ومن صلاحيات المجهز أنّه يبرم
عقود النقل والتامين والإرشاد وسائر عقود الملاحة. ويعتبر تاجرًا في الاستغلال
التجاري للسفينة لأن التجهيز التجاري من الأعمال التجارية.
وحسب
المادة 574 ق ب ج يلتزم المجهز بتأمين صلاحية السفينة وسلامتها عن طريق تسليحها
بالمنشآت الملائمة٬ وتزويدها بالمؤونة والوقود والأدوات اللازمة لملاحتها. وإحضار أعضاء الطاقم الكافي والكفء لتنفيذ
الرحلة البحرية وتوفير ظروف أمنهم في العمل والمعيشة.
ب) مسؤولية المجهّز:
على
خلاف القواعد العامة في القانون المدني الذي تقضي بالمسؤولية المطلقة عن الأخطاء
الشخصية وأخطاء التابع أين تكون جميع الذّمة المالية للشخص ضامنة للوفاء بالدّيون٬
ففي مجال القانون البحري أخذ القانون الجزائري بمبدأ المسؤولية المحدودة للمجهّز
في جزء من ذمّته المالية في م 92 ق بح ج٬
وذلك في مسائل معينة حدّدها في المواد ٬93 ٬96 ٬97 104 كالوفاة والإصابات
البدنية وهلاك البضاعة أو السفينة أو المنشآت.
ونظام
تحديد للمسؤولية يطبّق بموجب الم 111 ق بح ج على كلّ من مالك السفينة ومستأجرها
والمجهز والربان وأعضاء الطاقم وكل من ينوب عن المالك. ويبرّر بضرورة تشجيع
استثمار رؤوس الأموال في مجال الاستغلال البحري٬ وأنّ هذا التحديد يسمح لشركة
التأمين بمعرفة الحدّ الأقصى للتعويض الذي يمكن أن تمنحه للمالك عند وقوع حادث كما
يبرّر أيضا بما للربّان من سلطات واسعة على السفينة تنعدم معها أحيانا رقابة
المالك ذاته.
- وتحديد
المسؤولية إمّا أن يكون عينيا يشمل السفينة والأجرة وهو النظام الذي تأخذ به فرنسا
وألمانيا ومصر٬ وإما أن يكون نقديّا بتحديد مبلغ جزافي على أساس الحمولة الصافية
تنحصر فيه حقوق الدّائنين وهو موقف
انجلترا والجزائر.
ثانيا: ربّان السفينة Le Capitaine du Navire (المواد 580 - 608 ق بح ج)
أ) التعريف بالربّان: هو قائد السفينة ورئيس طاقمها المادّة ٬575
يعيّنه المجهّز بموجب الم 384 وفق شروط ومؤهّلات قانونية محدّدة. بموجب عقد شكلي
لا مجال لتعديله ليكون ممثّلًا قانونيًا للمجهّز يستمدّ نيابته له من القانون
مباشرة٬ حيث نصّت المادّة 583 بأنّه "يمثّل الرّبّان للمجهّز بحكم القانون
خارج الأماكن التي تقع فيها مؤسسته الرئيسية أو الفرعية وذلك في إطار الاحتياجات
العادية للسفينة والرّحلة". وتنص الم 585" لا يمكن للربّان أن يقوم
بالتزامات أخرى إلا بموجب توكيل صريح من المجهّز" ذلك لأنّ الالتزامات
الأصلية لا تحتاج إلى توكيل خاص".
ونظرًا
لاتساع مهام والتزامات الربّان فإنّ مسؤوليته واسعة. فمن الناحية المدنية هو مسؤول
تجاه المجهّز مسؤولية عقدية٬ وتجاه الغير مسؤولية تقصرية م608 ق بح ج إمّا على
أساس المسؤولية الشخصية أو على أساس مسؤولية المتبوع. أمّا من النّاحية الجنائية
فيكون مسؤولًا عن الجرائم التي يتسبّب أو يساهم فيها فيتعرّض لعقوبات قد تصل إلى
الإعدام م 481 ق بح ج٬ أو السجن المؤبّد م 4/479 أ والسجن المؤقّت 20 سنة م499.
ب) إختصاصات ربّان السفينة:
يملك
الربّان أثناء إبحار السفينة اختصاصات عامّة واختصاصات خاصّة:
1) الاختصاصات العامّة للربّان: يتمتع الربّان بصلاحيات السلطة
العمومية بصفته ممثّلا للدّولة في السفينة التي تعتبر امتدادًا للإقليم وبمثابة
مجتمع مصغّر للدّولة في عرض البحر٬ حيث يمارس فيها سلطات التأديب والتوثيق
والتحقيق.
1. سلطة
التأديب باعتباره الرئيس السلمي لكلّ أفراد الطاقم (م460 ق بح ج) أي تأديب البحارة
(468) بسب أي عمل يسيء للسير العادي للخدمات ق ب ح 469 وذلك بتسليط إحدى العقوبات
التأديبية المنصوص عليها في المواد ٬472 471 من ق بح ج.
2. سلطة
الضبط والتحقيق بما له من سلطة الحفاظ على النظام العمومي 452- 458 وصفة الضبط
القضائي التي تخوله اختصاص التحرّي عن الجرائم المرتكبة على متن السفينة وتحرير
المحاضر عنها والقبض على المتهم وحبسه لحين تسليمه إلى السلطات المينائية م 562 وما
بعدها ق بح ج.
3. سلطة
التوثيق تخوّله بعض اختصاصات الموظف العمومي م 596 ق بح ج فهو يعتبر ضابطا للحالة
المدنية يسجّل المواليد والوفيات ويسجل عقود الزواج ويقوم بتوثيق العقود ويثبت كل
ذلك في دفتر يوميات السفينة أثناء إبحار السفينة أو حال وجودها بميناء أجنبي لا
يوجد فيه قنصل جزائري.
2) الاختصاصات
الخاصّة للربّان: يمارس هذه الاختصاصات بصفته نائبًا قانونيًّا عن المجهّز دون
الحاجة إلى توكيل صريح٬ وهي قسمان اختصاصات فنيّة واختصاصات تجارية.
1. الاختصاصات
الفنيّة تدخل في تخصّصه الأصيل لا يخضع فيها لتعليمات المجهّز إلا فيما يتعلّق
بتحديد ميناء الوصول وخط السير. وتتمثّل
هذه الاختصاصات في قيادة السفينة وإدارتها والإشراف على الرحلة٬ حيث يتّخذ قرار
الإبحار بنفسه بعد الحصول على رخصة الملاحة من السلطة الإدارية البحريّة٬ ويقوم
بالكشف على السفينة قبل انطلاقها والتأكد من حالتها الجيدة م 589-591 ق بح ج٬
ويقوم برصّ وتنظيم البضائع بالطريقة التي تحفظ
توازن السفينة٬ ويشرف على تشكيل
طاقم السفينة. ومن صلاحياته تحرير تقارير
عن الحوادث الطارئة أثناء الرحلة كالتصادم البحري والإنقاذ….الخ. ويلتزم بحمل جميع
الوثائق والمستندات الخاصة بالسفينة٬ كوثائق ذاتية السفينة ودفتر البحارة وسندات
الشحن والإيجار٬ وقائمة البضاعة والوثائق الجمركة٬ ودفتر يوميّات السفينة.
2. الاختصاصات
التجاريّة وهي تنفيذ تعليمات المجهّز م 586 ق بح ج فيما يتعلّق باستلام
البضاعة من الشاحن في ميناء القيام٬
والمحافظة عليها في عهدته وتسليمها إلى المرسل إليها في ميناء الوصول٬ مع إثبات
ذلك بالوثائق٬ ويجوز له اقتراض الأموال بضمان الحمولة أو السفينة من أجل تمويل
المصاريف اللازمة للرحلة البحرية. ويسهر على حماية مصالح ذوي الحقوق على الحمولة.
ثالثا: البحّارة Les Marins (المواد 384- 567 ق بح ج)
أ) تعريف البحّارة:
يسمّون
كذلك رجال البحر آو طاقم السفينة٬ عرفتهم المادة 384 من ق بح ج بأنّهم "كل
شخص يعمل في خدمة السفينة ومقيد في سجلّ رجال البحر". ويدخل في مفهوم البحار
كل من ربّان السفينة والمهندسين البحريين وضباط الملاحة والضبّاط الإداريين٬ وطقم
اللاسلكي٬ وطبيب السفينة والمرشد أثناء الرحلة إن كان موجودا على ظهر السفينة
وسائر من يقوم بالخدمة العامة كعمال الصيانة النظافة والمطبخ. تقسّمهم المادّة 411
ق بح ج البحّارة بصفه عامّة إلى مستخدمين على السطح ومستخدمين للماكينات ومستخدمين
للخدمة العامة.
-
والبحارة تابعون في عملهم للمجهّز بموجب عقد العمل البحري الذي ينتهي بفسخه أو
بانتهاء الرحلة أو مدة العقد أو وفاة البحار أو طرده. ويخضعون أثناء الإبحار للربّان م 412 حيث
يكونون تحت تصرّفه 24 ساعة قبل موعد إبحار السفينة م 417.
-
يجب أن يكون طاقم السفينة الجزائرية مكوّنا من بحّاره جزائريين٬ ويجوز للوزير المكلف
بالبحرية أن يرخّص لبحّار أجنبي أو لنسبة من البحارة الأجانب لخدمة السفينة
الجزائرية٬ م 413 ق ب ح.
ب) التزامات وحقوق البحارة:
تتلخص
مهمة البحّار في تنفيذ الرّحلة البحرية على أفضل وجه٬ بأداء عمله المتّفق عليه
بعناية٬ ويجب عليه الحفاظ على السفينة ومحتوياتها والقيام بواجب الإنقاذ عند
الحادث البحري٬ وأن يمتثل لتعليمات الربّان وأن لا يستغل السفينة لحسابه الخاص وأن
يحافظ على شرف وسمعة الرّاية الجزائرية.. الخ المواد 415 وما بعدها.
-
وللبحار مجموعة من الحقوق يلتزم المجهّز بتمكينه منها كالحق في الأجرة والغذاء
واللباس والمسكن الملائم والعلاج وأن يرجع إلى بلده سالما وحق التأمين على حياته
وأمتعته الشخصية٬ وتعويضه على كفاءته المهنية الحوادث المهنية٬ وله حق مصاريف
الدفن والجنازة والتعويض عن الوفاة. انظر المواد 428 ق بح ج وما بعدها.
الفرع الثاني: الأشخاص المساعدون Les Auxiliaires de l'armement
يتطلّب
النشاط البحري مساعدة بعض الأشخاص المقيمين في البرّ يعملون لحساب المجهّز٬ أو
لحساب الشاحن أو لحسابهما معًا٬ وقد وردت أحكامهم في الفصل الثالث من باب التجهيز
تحت عنوان مساعدو التجهيز المواد 609- 638 ق بح ج.
أوّلًا: وكيل السفينة Le Consignataire du Navire (المواد 609-620 ق بح ج)
دعت
الضرورات العملية أن يعيّن المجهّز وكيلًا عنه في مختلف موانئ العالم للقيام
بالأعمال التي يقوم بها المجهّز في خدمة السفينة٬ فوكيل السفينة هو كل شخص طبيعي
أو معنوي يلتزم مقابل أجر بموجب وكالة من المجهّز أو الرّبان بالقيام بالعمليات
المتعلّقة باحتياجات السفينة أثناء الرحلة وتكاليفها٬ وعمليات الرّسو في الميناء
وإبرام عقود القطر والإرشاد وإسعاف السفينة وتسليم واستلام البضاعة باسم الربّان٬
والتكفّل بالعلاقات الإدارية للسفينة مع السلطات المحلّية.
ثانيا: وكيل الحمولة Le Consignataire de la Cargaison (المواد 621- 630)
وكيل
الحمولة هو كل شخص طبيعي أو معنوي يلتزم مقابل أجر بموجب وكالة من ذوي الحق على
البضاعة باستلام البضائع باسمهم ولحسابهم ودفع أجره الشحن ومستحقّات توزيعها بين
المرسل إليهم٬ ويخوّله ذلك إمكانية اللجوء إلى القضاء للدّفاع عن حقوق موكّليه.
ثالثا: السمسار البحري Le Courtier Maritime (المواد 631- 638 ق بح ج)
هو
كل شخص طبيعي أو معنوي يلتزم بموجب وكالة مقابل أجر بالعمل كوسيط في إبرام عقود
شراء السفن وبيعها واستئجارها والنّقل البحري والعقود التجارية البحرية الأخرى.
ويمكن للسمسار البحري أن يكون في نفس الوقت وكيلا عن طرفي العقد٬ وأن يكون وكيلا
للسفينة أو للحمولة. ويتفرق عن وكيل العبور في أنّ هذا الأخير يحكمه قانون
الجمارك.
المرجع:
- د. روابح فريد، محاضرات في القانون البحري، جامعة سطيف (2) محمد الأمين دباغين، كلية الحقوق والعلوم السياسية، الجزائر، سطيف، السنة الجامعية 2013-2014، ص17 إلى ص30.